recent
آخر المقالات

٦٧ - كتاب المغازي

 

٣٨٢٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن عمرو، سمع حابر ابن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ رجل للنبي ﷺ يوم أحد: أرأيت إن قتلت، فأين أنا؟ قال: (في الجنة). فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل.


أخرجه مسلم في الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، رقم: ١٨٩٩.
(رجل) قيل: هو عمير بن الحمام رضي الله عنه، والظاهر أنه غيره، لأن قصته كانت في بدر.

٣٨٢١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا الأعمش، عن شقيق، عن خباب بن الأرث رضي الله عنه قَالَ:
هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، ومنا من مضى، أو ذهب، لم يأكل من أجره شيئا، كان مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، لم يترك الا نمرة، كنا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غطي بها رجلاه خرج رأسه، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجله الإذخر). أو قال: (ألقوا على رجليه من الإذخر). ومنا من قد أيعنت له ثمرته فهو يهدبها.
[ر: ١٢١٧]

٣٨٢٢ - أخبرنا حسان بن حسان: حدثنا محمد بن طلحة: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:
أن عمه غاب عن بدر، فقال: غبت عن أول قتال النبي ﷺ، لئن أشهدني الله مع النبي ﷺ ليرين الله ما أجد، فلقي يوم أحد، فهزم الناس، فقال: اللهم إني أعتذر

١٤٨٨
إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به المشركون، فتقدم بسيفه فلقي سعد ابن معاذ، فقال: أين يا سعد، أني أجد ريح الجنة دون أحد، فمضى فقتل، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة، أو ببنانه، وبه بضع وثمإنون: طعنة وضربة سيف ورمية بسهم.
[ر: ٢٦٥١]



(بشامة) هي علامة في البدن يخالف لونها لون سائره، قد تكون في الوجه وغيره، وقد ينبت عليها الشعر فتسمى الخال.

٣٨٢٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد: حدثنا ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثابت: أنه سمع زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه يَقُولُ:
فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، كنت أسمع رسول الله ﷺ يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: ﴿من المؤنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر﴾. فألحقناها في سورتها في المصحف.
[ر: ٢٦٢٥]

٣٨٢٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ: يحدث عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال:
لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي ﷺ فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: ﴿فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا﴾. وقال: (أنها طيبة، تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة).
[ر: ١٧٨٥]


(أركسهم بما كسبوا) أوقعهم في الخطأ وأهلكهم بسبب عصيانهم ومخالفتهم، وأركسه قلبه ونسكه أي جعل أعلاه أسفله. /النساء: ٨٨/. (تنفي الذنوب) تظهر من يرتكب فيها الذنوب وتميزهم.

١٥ - باب: ﴿إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾. / آل عمران: ١٢٢/

٣٨٢٥ - حدثنا محمد بن يوسف، عن ابن عيينة، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال:
نزلت هذه الآية فينا: ﴿إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا﴾. بني سلمة وبني الحارثة،

١٤٨٩
وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: ﴿والله وليهما﴾.
[٤٢٨٢]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل الأنصار رضي الله عنهم، رقم ٢٥٠٥.
(همت) من هم بالأمر إذا عزم على القيام به ولم يفعله. (طائفتان) جماعتان، هما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس. (أن تفشلا) تجبنا وتضعفا عن القتال. (ما أحب ..) أي نزولها محبب إلي لما ذكر فيها
من ولاية الله تعالى. (وليهما) ناصرهما وحافظهما ومتولي أمرهما بالتوفيق.

٣٨٢٦ - حدثنا قتيبة: حدثنا سفيان: أخبرنا عمرو، عن جابر قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (هل نكحت يا جابر). قلت: نعم. قال: (ماذا أبكرا أم ثيبا). قلت: لا بل ثيبا، قال: (فهلا جارية تلاعبك). قلت: يا رسول الله، إن أبي قتل يوم أحد، وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع اليهن جارية خرقاء مثلهن، وكلن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: (أصبت).
[ر: ٤٣٢]


(جارية) بكرا صغيرة. (خرقاء) حمقاء جاهلة.

٣٨٢٧ - حدثني أحمد بن أبي سريج: أخبرنا عبيد الله بن موسى: حدثنا شيبان، عن فراس، عن الشعبي قال: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما:
أن أباه أستشهد يوم أحد، وترك عليه دينا، وترك ست بنات، فلما حضر جذاذ النخل قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فقلت: قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا، وإني أحب أن يراك الغرماء، فقال: (اذهب فبيدر كل تمر على ناحية). ففعلت ثم دعوته، فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال: (ادع لي أصحابك). فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته، وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم الله البيادر كلها، وحتى إني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي ﷺ كأنها لم تنقص تمرة واحدة.
[ر: ٢٠٢٠]

٣٨٢٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما من قبل ولا بعد.
[٥٤٨٨]


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: في قتال جبريل وميكائيل عن النبي ﷺ، رقم: ٢٣٠٦.
(رجلان) يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام، كما هو عند مسلم.

٣٨٢٩ - ٣٨٣١ - حدثني عبد الله بن محمد: حدثنا مروان بن معاوية: حدثنا هاشم بن

١٤٩٠
هاشم السعدي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سعد بن أبي وقاص يقول:
نثل لي النبي ﷺ كنانته يوم أحد، فقال: (أرم فداك أبي وأمي).


(نثل .. كنانته) استخرج لي ما فيها من سهام لأرمي بها المشركين.

٣٨٣٠ - حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد ابن المسيب قال: سمعت سعدا يقول:
جمع لي النبي ﷺ أبويه يوم أحد.

٣٨٣١ - حدثنا قتيبة: حدثنا ليث، عن يحيى، عن ابن المسيب أنه قال: قال سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه:
لقد جمع لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يوم أحد أبويه كليهما، يريد حين قال: (فداك أبي وأمي) وهو يقاتل.
[ر: ٣٥١٩]

٣٨٣٢ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا مسعر، عن سعد، عن ابن شداد قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول:
ما سمعت النبي ﷺ يجمع أبويه لأحد غير سعد.

٣٨٣٣ - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ أبيه، عن عبد الله ابن شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ:
مَا سمعت النبي ﷺ جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد: (يا سعد ارم، فداك أبي وأمي).
[ر: ٢٧٤٩]

٣٨٣٤ - حدثنا موسى بن إسماعيل، عن معتمر، عن أبيه قال:
زعم أبو عثما ن: أنه لم يبق مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فِي بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن، غير طلحة وسعد. عن حديثهما.
[ر: ٣٥١٧]

٣٨٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قال: سمعت السائب بن يزيد قال:
صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والمقداد وسعدًا رضي الله عنهم، فما سمعت أحدا منهم يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد.
[ر: ٢٦٦٩]

٣٨٣٦ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس قال: رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي ﷺ يوم أحد.
[ر: ٣٥١٨]

٣٨٣٧ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال:
لما كان يوم أحد إنهزم الناس عن النبي ﷺ، وأبو طلحة بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ

١٤٩١
مجوب عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل، فيقول: (إنثرها لأبي طلحة). قال: ويشرف النبي ﷺ ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي، لا تشرف، يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئإن فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة، إما مرتين وإما ثلاثا.
[ر: ٢٧٢٤]

٣٨٣٨ - حدثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هي وأخراهم، فبصر حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عباد الله أبي أبي، قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ: عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ في حذيفة بقية خير، حتى لحق بالله عزوجل.
بصرت علمت، من البصيرة في الأمر، وأبصرت من بصر العين، يقال: بصرت: وأبصرت واحد.
[ر: ٣١١٦]

١٦ - باب: قول الله تعالى: ﴿إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم وإن الله غفور حليم﴾ /آل عمران: ١٥٥/.

٣٨٣٩ - حدثنا عبدان: أخبرنا أبو حمزة، عن عثمإن بن موهب قال:
جاء رجل حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القعود؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر، فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء أتحدثني؟ قال: أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيب

١٤٩٢
عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فكبر، قال ابن عمر: تعالى لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر، فإنه كان تحته بنت رسول الله ﷺ وكانت مريضة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه). وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ: (هذه يد عثمان - فضرب بها على يده، فقال - هذه لعثمان). اذهب بهذا الآن معك.
[ر: ٢٩٦٢]

١٧ - باب: ﴿إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخركم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون﴾ /آل عمران: ١٥٣/.
تصعدون: تذهبون، أصعد وصعد فوق البيت.


(تصعدون) من الإصعاد وهو الذهاب في الأرض والإبعاد فيها. (تلوون) تعرجون وتقيمون، أي لا يلتفت بعضكم على بعض من شدة الهرب، وأصله من لي العنق في الالتقات. (يدعوكم) يناديكم: إلي يا عباد الله، أنا رسول الله ﷺ من يكرمه الله تعالى بالشهادة فله الجنة. (في أخراكم) مؤخرتكم من خلفكم. (فأثابكم) فجازكم. (غما بغم) غما مضاعفا، فكان غما بعد غم متصلا بغم، من جرح وقتل وفوات الغنيمة وظفر العدو، وغير ذلك. (لكيلا تحزنوا) لتتمرنوا على الثبات، وعدم الحزن المضعف للعزائم عند نزول المصائب، ولتبتعدوا عن كل ما يسبب الغم. (ما فاتكم) من الغنيمة وغيرها. (ما أصابكم) من القتل والجرح.

٣٨٤٠ - حدثني عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق قال: سمعت البراء ابن عازب رضي الله عنهما قال:
جعل النبي ﷺ على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين. فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم.
[ر: ٢٨٧٤]

١٨ - باب:
﴿ثم أنزل عليكم من بعد الغم نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم

١٤٩٣
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كإن لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب
عليهم القتال إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور﴾ /آل عمران: ١٥٤/.


(أمنة) ما في أمن وسكينة لكم. (يغشى) يغطي. (طائفة منكم) هم المؤمنون الصادقون. (وطائفة) هم المنافقون. (أهمتهم أنفسهم) شغلتهم، فلم يغشهم النعاس، لشدة ما فيهم من القلق والجزع والخوف. (غير الحق) غير ما يجب أن يكون منهم من ظن بالله تعالى وتصديق بوعده، حين قالوا: لا ينصر محمد ﷺ وأصحابه، ونحو ذلك. (ظن الجاهلية) أي لا يكون مثل هذا الظن إلا من أهل الشرك الجاهلين. (هل لنا) أي ليس لنا نصيب في النصر ونحوه. (إن الأمر ..) النصر والغلبة كلها يعطيها الله تعالى لأوليائه المؤمنين، على مراده أو حسب حكمته. (يبدون) يظهرون. (لبرز) لخرج. (كتب) قدر. (مضاجعهم) مصارعهم وأماكن موتهم. (ليبتلي ..) ليختبركم بأعمالكم. (ليمحص) يطهرها من الشكك ووساوس الشيطان، بما يركيم من نصرته وتأييده بخوارق العادات وغيرها، ويظهر ما في سرائر المنافقين، وينقي صفوف عباده المؤمنين منهم.

٣٨٤١ - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال:
كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه.
[٤٢٨٦].

١٩ - باب: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾. /آل عمران: ١٢٨/.
قال حميد وثابت، عن أنس: شج النبي ﷺ يوم أحد، فقال: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم). فنزلت: ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾.


(ليس لك من الأمر شيء) ليس إليك من إصلاحهم ولا من عذابهم شيء. (أو يتوب) حتى يتوب عليهم مما هم فيه من الكفر فيسلموا. (أو يعذبهم) في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم إن بقوا عليها. (ظالمون) أي فيستحقون العذاب.
(يفلح) من الفلاح وهو الفوز بالبغية من الخير. (شجوا) من الشج، وهو الجرح في الرأس والوجه، والحديث أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، من طريق ثابت بن أنس رضي الله عنه، رقم ١٧٩١.

٣٨٤٢ - حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حدثني سالم، عن أبيه:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا) بَعْدَ مَا يَقُولُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،

١٤٩٤
ربنا لك الحمد). فأنزل الله: ﴿ليس لك من الأمر شيء - إلى قوله - فإنهم ظالمون﴾.
وعن حنظلة بن أبي سفيان: سمعت سالم بن عبد الله يَقُولُ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يدعو على: صفوان بن أمية، وسهيل ابن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلت: ﴿ليس لك من الأمر من شيء - إلى قوله - فإنهم ظالمون﴾.
[٤٢٨٣، ٦٩١٤]

٢٠ - باب: ذكر أم سليط.

٣٨٤٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يونس، عن ابن شهاب، وقال ثعلبة بن أبي مالك:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله ﷺ التي عندك،
يريدون أم كلثوم بنت علي، فقال عمر: أم سليط أحق به. وأم سليط من نساء الأنصار، ممن بايع رسول الله ﷺ، قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد.
[ر: ٢٧٢٥].

٢١ - باب: قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

٣٨٤٤ - حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله: حدثنا حجين بن المثنى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة، عن عبد الله من الفضل، عن سليمان بن يسار، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قال:
خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي، نسأله عن قتله حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا، فسلمنا فرد السلام، قال: عبيد الله معتجر بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلاما بمكة، فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فلكأني نظرت إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال:

١٤٩٥
ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بحيال أحد، بينه وبينه واد، خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباع فقال: هل من مبارز، قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع، با ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله ﷺ؟ قال: ثم أشد عليه، فكان كأمس الذاهب، قال وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله ﷺ رسولا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فلما رآني قال: (آنت وحشي). قلت: نعم، قال: (أنت قتلت حمزة). قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني). قال: فخرجت، فلما قبض رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ مسيلمة الكذاب، قلت لأخرجن إلى مسيلمة، لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق، ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته.
قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار: أنه سمع عبد الله ابن عمر

١٤٩٦
يقول: فقالت جارية على ظهر بيت، وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود.


(حميت) وعاء من جلد لا شعر عليه يجعل فيه السمن. (معتجر) من الاعتجار، وهو لف العمامة على الرأس ورد طرفها على الوجه. (استرضع له) أط
ب له من يرضعه. (فلكأني نظرت إلى قدميك) أي حين نظرت إلى قدمي الغلام كأني رأيت قدميك اللتين رأيتهما الآن، فلعلك أنت ذاك الغلام. (بحيال أحد) من ناحيته. (سباع) بن عبد العزى الخزاعي. (مقطعة البظور) جمع بظر، وهو قطعة لحم بين شفري فرج المرأة - أي حرفي فرجها - تكون طويلة لدى الأنثى في البلدان الحارة فتقطع، ويعني: أن أمه كانت تختن النساء في ومكة، والعرب تقول ذلك في معرض الذم والشتم. (أتحاد الله) تعانده وتعاديه. (كأمس الذاهب) كناية عن قتله في الحال واعدامه له. (كمنت) اختفيت. (ثنته) عانته، وقيل: ما بين السرة والعانة. (لا يهيج الرسل) لا يصيبهم بأذى ولا ينالهم منه ازعاج. (فأكافئ به حمزة) أساوي بقتله قتل حمزة، رضي الله عنه، وأكفر تلك بهذه. (ثلمة جدار) خلل وتصدع فيه. (أورق) لونه مثل الرماد من غبار الحرب. (ثائر الرأس) شعر رأسه منتشر. (رجل) هو عبد الله بن زيد المازني بن نسيبة بنت كعب، رضي الله عنهم، وقيل غيره. (وا أمير المؤمنين) تندب مسيلمة، وسمته أميرا لأنه يتولى شؤون أصحابه، وسمتهم المؤمنين بحسب زعمهم الباطل. (العبد الأسود) أرادت به وحشيا رضي الله عنه.

٢٢ - باب: ما أصاب النبي ﷺ من الجراح يوم أحد.

٣٨٤٥ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه - يشير إلى رباعيته - اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله ﷺ في سبيل الله).


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله ﷺ، رقم: ١٧٩٣.
(اشتد غضب الله) إنتقامه وعقابه لمن فعل هذا الذنب المتناهي في السوء. (رباعيته) السن التي تلي الثنية من كل جانب، والثنية إحدى السنين في مقدمة الأسنان.

٣٨٤٦ - حدثني مخلد بن مالك: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي: حدثنا ابن جريج، عن عمر بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
اشتد غضب الله على قتله النبي ﷺ في سبيل الله، اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله ﷺ.
[ر: ٣٨٤٨]

٣٨٤٧ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ:
أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سعد، وهو يسأل عن جرح رسول الله ﷺ، فقال: أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَنْ كان يسكب الماء، وبما دووي، قال: كانت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله ﷺ تغسله، وعلى بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها وألصقتها، فاستمسك الدم، وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه.
[ر: ٢٤٠].

٣٨٤٨ - حدثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا جريج، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عباس قال:
اشتد غضب الله على من قتله نبي، واشتد غضب الله على من دمى وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
[ر: ٣٨٤٦]

٢٣ - باب: ﴿الذين استجابوا لله والرسول﴾ / آل عمران: ١٧٢/.

٣٨٤٩ - حدثنا محمد: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
﴿الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنو منهم واتقوا أجر عظيم﴾ قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبوك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله ﷺ ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم). فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.


(استجابوا) أطاعوا الأمر وأجابوا النداء. (القرح) الجراح. /آل عمران: ١٧٢/. (إثرهم) خلفهم وعقبهم. (فانتدب) من قولهم ندبه لأمر فانتدب، أي دعاه فأجاب.

٢٤ - باب: من قتل من مسلمين يوم أحد.
منهم: حمزة بن عبد المطلب، واليمان، وأنس بن النضر، ومصعب بن عمير.

٣٨٥٠ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن قتادة قال:
ما نعلم حيا من أحياء العرب، أكثر شهيدا، أعز يوم القيامة من الأنصار.
قال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك:
أنه قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون. وقال: وكان بئر معونة عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر، يوم مسيلمة الكذاب.


(أكثر شهيدا) أي شهداؤهم أكثر من شهداء غيرهم. (بئر معونة) اسم لمكان فيه ماء بعد أربع مراحل من المدينة، قتل فيه القراء. انظر باب: ٢٦. (اليمامة) مدينة على مرحلتين من الطائف، وكان فيها القتال بين المسلمين ومسيلمة الكذاب.

٣٨٥١ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أخبره:
أن رسول الله ﷺ كن يجمع بين رجلين مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ). فَإِذَا أُشِيرَ له إلى أحد قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هؤلاء يوم القيامة). وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يغسلوا.
[ر: ١٢٧٨]

٣٨٥٢ - وقال أبو الوليد، عن شعبة، عن ابن المنكدر قال: سمعت جابر ابن عبد الله قال:
لما قتل أبي جعلت أبكي، وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي ﷺ

١٤٩٨
ينهونني والنبي ﷺ لم ينه، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَا تبكيه - أو: ما تبكيه - مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع).
[ر: ١١٨٧]

٣٨٥٣ - حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبي موسى رضي الله عنه أرى - عن النبي ﷺ قال: (رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد كأحسن ما كإن، فاذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ المؤمنون يوم أحد).
[ر: ٣٤٢٥]

٣٨٥٤ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا الأعمش، عن شقيق، عَنْ خَبَّابٌ رضي الله عنه قَالَ:
هَاجَرْنَا مَعَ النبي ﷺ ونحن نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى، أو ذهب، لم يأكل من أجره شيئا، كان مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فلم يترك إلا نمرة، كنا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غطي بها رجلاه خرج رأسه، فقال النبي ﷺ: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر). أو قال: (ألقوا على رجليه من الإذخر). ومنا من أيعنت له ثمرته فهو يهدبها.
[ر: ١٢١٧]

٢٥ - باب: (أحد يحبنا ونحبه).
قاله عباس بن سهل، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

٣٨٥٥ - حدثني نصر بن علي قال: أخبرني أبي، عن قرة بن خالد، عن قتادة: سمعت أنسا رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ قال: (هذا جبل يحبنا ونحبه).

٣٨٥٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عن عمرو، مولى عبد المطلب، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:
أَنّ رَسُولَ ﷺ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت ما بين لابتيها).
[ر: ٢٧٣٢]

٣٨٥٧ - حدثني عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عقبة:
إن النبي ﷺ خرج يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: (إِنِّي فرط لكم، أنا شهيد عليكم، وإني لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَإِنِّي

١٤٩٩
أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).
[ر: ١٢٧٩]

٢٦ - باب: غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه.
قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر: أنها بعد أحد.

٣٨٥٨ - حدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم الينا أن لا نقتل منكم رجلا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي، فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك مني وفي يديه الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك أن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا

١٥٠٠
به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا
أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم احصهم عددا، ثم قال:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شق كإن الله مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعث قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء.
[ر: ٢٨٨٠].

٣٨٥٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن عمرو: سمع جابر يقول:
الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة.


(أبو سروعة) واسمه عقبة بن الحارث، وانظر: ٣٧٦٧.

٣٨٦٠ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سبعين رجلا لحاجة، يقال لهم القراء، فعرض لهم حيان من بني سليم، رعل وذكوان، عند بئر يقال لها بئر معونة، فقال القوم: والله ما إياكم أردنا، إنما نحن مجتازون في حاجة النبي ﷺ، فقتلوهم، فدعا النبي ﷺ شهرا في صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت.
قال عبد العزيز: وسأل رجل أنسا عن القنوت: أبعد الركوع، أو عند الفراغ من القراءة؟ قال: لا، بل عند فراغ من القراءة.


(لحاجة) يفسرها الحديث [٣٨٦٢]. (ما إياكم أردنا) لسنا قاصدين إليكم بمجيئنا. (مجتازون) سالكون في طريقنا. (الغداة) الفجر].

٣٨٦١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنس قَالَ:
قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شهرا بعد الركوع، يدعوا على أحياء من العرب.

٣٨٦٢ - حدثني عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان، استمدوا

١٥٠١
رسول الله ﷺ على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي ﷺ فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا، ثم إن ذلك رفع: بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.


(استمدوا) طلبوا المدد منه، وهو العون الذي يأتي ليقوي الجيش المقاتل. (فقرأنا فيهم قرآنا) أي نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ في شأنهم قرآن قرآناه ثم نسخ. (رفع) نسخ.

٣٨٦٣ - وعن قتادة، عن أنس رضي الله عنه حدثه:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصيه وبين حيان.
زاد خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عن قتادة: حدثنا أنس: أن أولئك السبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة. قرآنا: كتابا. نحوه.


(قرآنا كتابا) أي فسر القرآن بالكتاب. (نحوه) أي نحو رواية عبد
الأعلى بن حماد.

٣٨٦٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدثني أنس:
أن النبي ﷺ بعث خاله، أخا لأم سليم، في سبعين راكبا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، خير بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف؟ فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البكر، في امرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي. فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم، هو ورجل أعرج، ورجل من بني فلان، قال: كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فقال: أتومنونني أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فجعل يحدثهم، وأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه، - قال همام أحسبه - حتى أنفذه بالرمح، قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، فلحق

١٥٠٢
الرجل، فقتلوا كلهم غير الأعرج، كان في رأس الجبل، فأنزل الله علينا، ثم كان من المنسوخ: إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. فدعا النبي ﷺ ثلاثين صباحا، على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية، الذين عصوا الله ورسوله ﷺ.


(خير) أي خير عامر النبي ﷺ. (خصال) أمور. (أهل السهل) البوادي. (أهل المدر) البلاد وسكان البيوت المبنية من الطين اللزج المتماسك. (فطعن) أصابه الطاعون. (كغدة البكر) خرجت له في أصل أذنه غدة كالغدة التي تطلع على البكر، وهو الفتي من الإبل، والغدة قطعة صلبة يركبها الشحم، تكون في العنق وغيره. (رجل أعرج) هو كعب ابن زيد رضي الله عنه. (رجل من بني فلان) المنذر بن محمد بن عقبة رضي الله عنه. (أنفذه) أي جرحه ونفذ الجرح من جانب إلى جانب.

٣٨٦٥ - حدثني حبان: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ثمامة ابن عبد الله بن أنس: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ:
لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله، يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزت ورب الكعبة.
[ر: ٩٥٧، ٢٦٤٧]


(قال بالدم هكذا) أخذ الدم من موضع الطعن، وهو من إطلاق القول على الفعل. (فنضحه) رشه.

٣٨٦٦ - حدثنا عبيد بن إسماعيل: حدثنا أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:
استأذن النَّبِيِّ ﷺ أَبُو بَكْرٍ في الخروج حين اشتد عليه الأذى فقال له: (أقم). فقال: يا رسول الله، أتطمع أن يؤذن لك، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقول: (إني لأرجو ذلك). قالت: فانتظره أبو بكر، فأتاه رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يوم ظهرا، فناداه فقال: (أخرج من عندك). فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي، فقال: (أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ). فقال: يا رسول الله الصحبة، فقال النبي ﷺ: (الصحبة) قال: يا رسول الله، عندي ناقتان، قد كنت أعددتهما للخروج، فأعطى النبي ﷺ إحداهما - وهي الجدعاء - فركبا، فانطلقا حتى أتيا الغار - وهو بثور - فتواريا فيه، فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، وكانت لأبي بكر منحة، فكان يروح بها ويغدو عليهم ويصبح، فيدلج إليهما ثم يسرح، فلا يفطن به أحد من الرعاء، فلما خرج خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة، فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة.


(الجدعاء) التي تسمى بالجدعاء وهي مقطوعة الأذن، وقيل: لم تكن مقطوعة الأذن، إنما هو اسم لها. (فتواريا) اختفيا. (الرعاء) جمع راع. (يعقبانه) يركبانه عقبة: بأن يركب واحد ويمشي الآخر، ثم ينزل ويمشي فيركب الآخر. (يوم بئر معونة) حيث قتل القراء وانظر: ٣٨٦٠ - ٣٨٦٥.

٣٨٦٧ - وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة: فأخبرني أبي قال:
لما قتل الذين ببئر معونة، وأسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر ابن الطفيل: من هذا فأشار إلى

١٥٠٣
قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة، فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء، حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي ﷺ خبرهم فنعاهم، فقال: (إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم). وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمر سمي به منذرا.
[ر: ٤٦٤]


(فنعاهم) أخبر بموتهم. (فسمي عروة به) أي سمي عروة بن الزبير بن العوام باسم عروة بن أسماء. (ومنذر بن عمرو) أي أصيب يومها أيضا. (سمي به منذرا) سمي باسم المنذر بن عمرو ومنذر بن الزبير أخو عروة، وإنما سماهما الزبير بهما تفاؤلا أن يكونا ممن رضي الله عنهم، فرضي الله عن الجميع.

٣٨٦٨ - حدثنا محمد: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أبي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَنَتَ النبي ﷺ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، يدعو على رعل وذكوان ويقول: (عصية عصت الله ورسوله).

٣٨٦٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
دَعَا النَّبِيُّ ﷺ على الذين قتلوا - يعني أصحابه - ببئر معونة ثلاثين صباحا، حين يدعو على رعل ولحيان: (وعصية عصت الله ورسوله ﷺ. قال أنس: فأنزل الله تعالى على لنبيه ﷺ في الذين قتلوا - أصحاب بئر معونة - قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد: بلغوا قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه.

٣٨٧٠ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حدثنا عاصم الأحول قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عن القنوات في الصلاة؟ فقال: نعم، فقلت: كان قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قلت: فإن فلانا أخبرني عنك قلت إنك قلت بعده، قال: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بعد الركوع شهرا: إنه كان بعث ناسا يقال لهم القراء، وهم سبعون رجلا، إلى ناس من المشركين، وبينهم وبين الرسول الله ﷺ عهد قبلهم، فظهر هؤلاء الذين كان بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بعد الركوع شهرا يدعو عليهم.
[ر: ٩٥٧، ٢٦٤٧]


(فظهر هؤلاء) فغلبوا.

٢٧ - باب: غزوة الخندق، وهي الأحزاب.
قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع.

٣٨٧١ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن النبي ﷺ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة، فأجازه.
[ر: ٢٥٢١].

٣٨٧٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ للمهاجرين والأنصار).
[ر: ٣٥٨٦]

٣٨٧٣ - حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عمرو: حدثنا أبو إسحاق، عن حميد: سمعت أنسا رضي الله عنه يقول:
خرج رسول الله صلى الله إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع، قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة. فاغفر للأنصار والمهاجره). فقالوا مجيبين له:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بقينا أبدا.

٣٨٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال:
جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم، وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الأسلام ما بقينا أبدا
قال: يقول النبي ﷺ، هو يجيبهم: (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة. فبارك في الأنصار والمهاجره).
قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم باهإلة سنخة، توضع بين يدي القوم،

١٥٠٥
والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق، ولها ريح منتن.
[ر: ٢٦٧٩]


(فيصنع) فيطبخ. (بإهالة) هي الشحم والزيت وكل ما يؤتدم به، مثل الودك، وهو دسم اللحم ودهنه. (سنخة) متغيرة الرائحة، فاسدة الطعم. (جياع) جمع جائع. (بشعة) كريهة الطعم. (منتن) كريه وخبيث.

٣٨٧٥ - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن أيمن، عن أبيه قال: أتيت جابرا رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي ﷺ فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: (أنا نازل). ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي ﷺ المعول فضرب الكدية، فعاد كثيبا أهيل، أو أهيم، فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي ﷺ شيئا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي ﷺ والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج، فقلت: طعم لي، فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان، قال: (كم هو). فذكرت له، قال: (كثير طيب، قال: قل لها: لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال: قوموا). فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي ﷺ بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: (ادخلوا ولا تضاغطوا). فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: (كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة).


(كدية) قطعة صلبة من الأرض لا يؤثر فيها المعول. (معصوب) مربوط من شدة الجوع. (كثيبا) تفتتت حتى صارت كالرمل. (أهيل) ينهال، فيتساقط من جوانبه ويسيل من لينه. (أهيم) بمعنى أهيل. (لامرأتي) هي سهلة بنت مسعود بن أوس الظفرية الأنصارية رضي الله عنها. (شيئا) أي من الجوع. (ما كان في ذلك صبر) أي فهو مما لا يحتمل، أو: لم يبق لدي الصبر أن أرى ما فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأتركه هكذا. (عناق) الأنثى من ولد المعز. (البرمة) القدر. (قد إنكسر) لان وتمكن فيه الخمير. (الأثافي) جمع الأثفية، وهي الحجارة التي تنصب وتوضع عليها القدر. (طعيم) مصغر طعام، وصغره لقلته. (تضاغطوا) تزدحموا. (يخمر) يغطي.

٣٨٧٦ - حدثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا حنظلة بن أبي سفيان: أخبرنا سعيد بن ميناء قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال:
لما حفر الخندق

١٥٠٦
رأيت بالنبي ﷺ خمصا شديدا، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله ﷺ خمصا شديدا، فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله ﷺ، فقالت: لا تفضحني برسول الله ﷺ وبمن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي ﷺ فقال: (يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا، فحي هلا بكم). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لاتنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء). فجئت وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: (ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها). وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، إن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو.
[ر: ٢٩٠٥]


أخرجه مسلم في الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ذلك، رقم: ٢٠٣٩.
(خمصا) جوعا، والخمص خلاء البطن من الطعام. (جرابا) وعاء يحفظ فيه الزاد ونحوه. (داجن) ما يربى في البيوت من أولاد الغنم ولا يخرج به إلى المرعى، مشتق من الدجن وهو الإقامة بالمكان. (ففرغت إلى فراغي) فرغت امرأتي من طحن الشعير مع فراغي من ذبح البهيمة. (لا تفضحني) لا تكشف معايبي، من الفضيحة، وهي الشهرة بما يعاب. (نفر) من ثلاثة إلى عشرة من الرجال. (بك وبك) فعل الله بك كذا وكذا، حيث أتيت بناس كثير والطعام قليل. (فبصق) تف من ريقه الشريف ﷺ ليبان مكرمته عند الله عزوجل. (بارك) دعا بالبركة. (اقدحي) اغرفي. (لتغط) تغلي وتفور من الامتلاء فيسمع غطيطها، أي صوت غليانها، والغطيط صوت النائم أيضا.

٣٨٧٧ - حدثني عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:
﴿إذا جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر﴾. قالت كان ذلك يوم الخندق.


أخرجه مسلم في التفسير، رقم: ٣٠٢٠.
(من فوقكم) من فوق الوادي من قبل المشرق. (من أسفل منكم) من الوادي من قبل الغرب. (زاغت الأبصار) حالت عن سننها ومستوى نظرها وهو كناية عن شدة الخوف. (بلغت القلوب الحناجر) ارتفعت حتى بلغت الحلوق، وهذا أيضا كناية عن شدة الخوق. /الأحزاب: ١٠/.

٣٨٧٨ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ

١٥٠٧
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ ينقل التراب يوم الخندق، حتى أغمر بطنه، أو اغبر بطنه، يَقُولُ:
(وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إن لاقينا
إن الألى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا)
ورفع بها صوته: (أبينا أبينا).
[ر: ٢٦٨١]


(أغمر بطنه) وارى التراب جلد بطنه وغطاه، لكثفاته عليه.

٣٨٧٩ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شعبة قال: حدنثي الحكم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال:
(نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور).
[ر: ٩٨٨]

٣٨٨٠ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قال: حدثني إبراهيم بن يوسف قال: حدثني أبي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عازب يحدث، قال:
لما كإن يوم الأحزاب، وخندق رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رَأَيْتُهُ ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يَقُولُ:
(اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا).
قال: ثم يمد صوته بآخرها.
[ر: ٢٦٨١]


(خندق) حفر الخندق.

٣٨٨١ - حدثني عبدة بن عبد الله: حدثنا عبد الصمد، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار، عن أبيه: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
أول يوم شهدته يوم الخندق.


(أول يوم شهدته) أي حضرته وباشرت فيه القتال.

٣٨٨٢ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. قال: وأخبرني ابن طاوس، عن عكرمة ابن خالد، عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ونسواتها تنطف، قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية، قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الاسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت.
قال محمود، عن عبد الرزاق: ونوساتها.


(نسواتها) ذوائبها، قيل: الأصح نوساتها. (تنطف) تقطر ماء، وقيل تتحرك. (أمر الناس) أراد ما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من القتال، واحتكامهم فيما اختلفوا فيه، فراسلوا من بقي من الصحابة في الحرمين وغيرهمما، وتواعدوا على الاجتماع في الأمر، فشاور ابن عمر رضي الله عنهما أخته في التوجه إليهم وعدمه، فأشارت عليه باللحوق بهم، خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف، فتستمر الفتنة. (فلم يجعل لي ...) أي لم يسند إلي شيء من أعمال الخلافة والإمارة، ولم يؤخذ رأيي في ذلك. (الحق) بهمزة وصل مكسورة، فعل أمر من لحق يلحق، أي أدرك القوم في اجتماعهم، (احتباسك) تأخرك، أو امتناعك من الذهاب. (فرقة) افتراق بين الجماعة واختلاف بينهم. (تفرق الناس) بعدما جرى التحكيم واختلف الحكمان، وانتهى الأمر على تثبيت معاوية رضي الله عنه. (قرنه) رأسه. (حبوتي) من احتبى الرجل إذ جمع ظهره وساقيه بثوب ونحوه. (من قاتلك ...) يريد عليا رضي الله عنه، فإنه قاتل معاوية وأباه أبا سفيان رضي الله عنهما، يوم أحد والخندق، وكانا كافرين، وهو يومئذ مسلم. (يحمل عني غير ذلك) يحمل كلامي على خلاف ما أردت. (حبيب) بن مسلمة. (حفظت وعصمت) حفظك الله تعالى وحماك من الفتنة وإثارتها. (محمود) بن غيلان المروزي، أحد شيوخ البخاري ومسلم رحمهم الله تعالى. (ونوساتها) أي بدل: نسواتها.

٣٨٨٣ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن
سليمان بن صرد قال:
قال النبي ﷺ يوم الأحزاب: (نغزوهم ولا يغزوننا).


(نغزوهم ولا يغزوننا) أي نحن الذين نقوم بغزو قريش بعد هذا اليوم، وهي لا تقوم بغزونا. وهذا ما وقع، إذ سار إليهم رسول الله ﷺ وفتح مكة.

٣٨٨٤ - حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدم: حدثنا إسرائيل: سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت سليمان بن صرد يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول:، حين أجلى الأحزاب عنه: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نخن نسير إليهم).

٣٨٨٥ - حدثنا إسحاق: حدثنا روح: حدثنا هشام، عن محمد، عن عبيدة، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أنه قال يوم الخندق: (ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غابت الشمس).
[ر: ٢٧٧٣]

٣٨٨٦ - حدثنا المكي بن إبراهيم: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، جعل يسب الكفار قريش، وقال: يا رسول الله، مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أن تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (والله ما صليتها). فنزلنا مع النبي ﷺ بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بعد أن غربت الشمس، ثم صلى المغرب.
[ر: ٥٧١]

٣٨٨٧ - حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن ابن المنكدر قال: سمعت جابرا يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يوم الأحزاب: (من يأتينا بخبر القوم). فقال الزبير: أنا، ثم قال: (من يأتينا بخبر القوم). فقال الزبير: أنا، ثم قال: (من يأتينا بخبر القوم). فقال الزبير: أنا، ثم قال: (إن لكل نبي حواريا، وأنا حواري الزبير).
[ر: ٢٦٩١].


(حواريا) ناصرا. (حواري) بالإضافة إلى ياء المتكلم، أي ناصري.

٣٨٨٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده).


أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب: التعوذ من شر ما عمل، رقم ٢٧٢٤.
(جنده) المؤمنين. (عبده) محمدا ﷺ. (الأحزاب) قريشا ومن ناصرها من القبائل. (فلا شيء بعده) كل شيء يفنى وهو الباقي سبحانه وتعالى.

٣٨٨٩ - حدثنا محمد: أخبرنا الفزاري وعبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما يقول:
دَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ:

١٥١٠
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم).
[ر: ٢٧٧٥]

٣٨٩٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أخبرنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبد الله رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ كان إذا أقفل من الغزو أو الحج أوالعمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرار، ثُمَّ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وهزم الأحزاب وحده).
[ر: ١٧٠٣]

٢٨ - باب: مرجع النبي ﷺ من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم.

٣٨٩١ - حدثني عبد الله بن بن أبي شيبة: حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:
لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم. قال: (فإلى أين). قال: ها هنا، وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي ﷺ إليهم.
[ر: ٢٦٥٨]

٣٨٩٢ - حدثنا موسى: حدثنا جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن أنس رضي الله عنه قال:
كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله ﷺ إلى بني قريظة.
[ر: ٣٠٤٢]

٣٨٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ: حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ يوم الْأَحْزَابِ: (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ). فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بعضهم: بل نصلي، ثم يرد منا ذلك. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فلم يعنف واحدا منهم.
[ر: ٩٠٤]

٣٨٩٤ - حدثنا ابن أبي الأسود: حدثنا معتمر. حدثني خليفة: حدثنا معتمر قال: سمعت أبي، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَانَ الرجل يجعل للنبي ﷺ النخلات، حتى

١٥١١
افتتح قريظة والنضير، وإن أهلي أمروني أن آتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْأَلَهُ الذي كانوا أعطوه أو بعضه، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ أعطاه أم أيمن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول: كلا والذي لا إله إلا هو لا يعطيكم وقد أعطانيها، أو كما قالت: والنبي ﷺ يقول: (لك ذلك). وتقول: كلا والله، حتى أعطاها - حسبت أنه قال - عشرة أمثاله، أو كما قال.
[ر: ٢٩٦٠]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم ...، رقم: ١٧٧١.
(فأسأله) أطلب منه أن يرد عليهم. (الذي كانوا أعطوه) النخيل الذي كان الأنصار قد أعطوه للنبي ﷺ من قبل. (لك ذلك) من النخل بدله.

٣٨٩٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن سعد قال: سمعت أبا أمامة قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يقول:
نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم، أو خيركم). فقال: (هؤلاء نزلوا على حكمك). فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، قال: (قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك).
[ر: ٢٨٧٨]

٣٨٩٦ - حدثنا زكرياء بن بحيى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش، يقال له حبان بن العرقة، رماه فِي الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فلما رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم. قال النبي ﷺ: (فأين). فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله ﷺ فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد، قال: فإني أحكم فيهم: أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم.
قال هشام: فأخبرني أبي، عن عائشة: أن سعدا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب الي أن أجاهدهم فيك، من قوم كذبوا رسولك ﷺ وأخرجوه، اللهم فإني أظن

١٥١٢
أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له، حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها، فانفجرت من لبته، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ رضي الله عنه.
[ر: ٤٥١]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: جواز قتال من نقض العهد ...، رقم ١٧٦٩.
(المقاتلة) الرجال البالغون الذين من شأنهم أن يقاتلوا. (تسبى) تؤسر ويضرب عليها الرق. (الذرية) نسل الإنسان من ذكر أو أنثى. (لبته) موضع القلادة في الصدر.

٣٨٩٧ - حدثنا الحجاج بن منهال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني عدي: أَنَّه سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لحسان: (اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك).
وزاد ابراهيم بن طهمان، عن الشيباني، عن عدي بن ثابت، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يوم قريظة لحسان بن ثابت: (اهج المشركين، فإن جبريل معك).
[ر: ٣٠٤١]

٢٩ - باب: غزوة ذات الرقاع.
وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان، فنزل نخلا، وهي بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر.


(ذات الرقاع) سيأتي سبب تسميتها بذلك، رقم ٣٨٩٩. (محارب خصفة) أضيف محارب إلى خفصة للتمييز، لأن محارب في العرب كثير. (فنزل) أي النبي ﷺ. (نخلا) هو موضع بواد يبعد عن المدينة مسيرة يومين بسير القوافل. (لأن أبا موسى) أي قد حضرها كما سيأتي.

٣٨٩٨ - قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ لِي عَبْدُ الله بن رجاء: أخبرنا عمران العطار، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما:
أن النبي ﷺ صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع.
قال ابن عباس: صلى النبي ﷺ الخوف بذي قرد.
وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد بن نافع، عن أبي موسى: أن جابرا حدثهم:

١٥١٣
صلى النبي ﷺ بهم يوم محارب وثعلبة.
وقال ابن إسحاق: سمعت وهب بن كيسان: سمعت جابرا: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعا من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضا، فصلى النبي ﷺ ركعتي خوف.
وقال يزيد، عن سلمة: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ القرد.
[٣٩٠١، وانظر: ٢٧٥٣]


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، رقم: ٨٤٣.
(في الخوف) في حالة الخوف، فصل صلاة الخوف. (بذي قرد) موقع على نحو يوم من المدينة. (يوم محارب وثعلبة) وهي غزوة ذات الرقاع.

٣٨٩٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عن بريد بن عبد الله ابن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسى رضي الله عنه قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا. وحدث أبو موسى بهذا، ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة ذات الرقاع، رقم: ١٨١٦.
(نفر) ما دون العشرة من الرجال، وتطلق على الواحد منهم. (نعتقبه) نركبه بالتناوب. (فنقبت) تشققت. (نعصب) نلف ونشد.

٣٩٠٠ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن شهد رسول الله ﷺ يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
[٣٩٠٢]


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها. باب صلاة الخوف، رقم: ٨٤٢.
(عمن شهد) قيل: هو سهل بن أبي حثمة، وقيل هو خوات أبو صالح، رضي الله عنهما. وقيل: سمعه منهما. (وجاه) مواجههم ومحاذيهم. (أحسن ما سمعت) في كيفية صلاة الخوف.

٣٩٠١ - وقال معاذ: حدثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بنخل. فذكر صلاة الخوف.
تابعه الليث، عن هشام، عن زيد بن أسلم: أن القاسم بن محمد حدثه: صلاة النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي أنمار.
[ر: ٣٨٩٨]


(فذكر) أي جابر رضي الله عنه. (أنمار) أسم قبيلة، وقيل: غزوة بين أنمار هي غزوة ذات الرقاع.

٣٩٠٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة قال:
يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، وجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة، فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مِثْلَهُ.
حدثني محمد بن عبيد الله قال: حدثني ابن أبي حازم، عن يحيى: سمع قاسم: أخبرني صالح بن خوات، عن سهل: حدثه: قوله.
[ر: ٣٩٠٠]


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، رقم: ٨٤١.

٣٩٠٣ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ.

٣٩٠٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ:
أن رسول الله ﷺ صلى بإحدى الطائفتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، فقاموا في مقام أصحابهم أولئك، فجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم.
[ر: ٩٠٠]

٣٩٠٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قال: حدثني سنان وأبو سلمة: أن جابرا أخبر: أنه غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قبل نجد.
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أخبره: أنه غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قبل نجد، فلما قفل رسول الله ﷺ قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العصاه، فنزل رسول الله ﷺ وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله ﷺ تحت سمرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة، ثم إذا رسول الله ﷺ يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فها هو ذا جالس). ثم لم يعاقبه رسول الله ﷺ.


أخرجه مسلم في الفضائل، باب: توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس، رقم: ٨٤٣.

٣٩٠٦ - وقال أبان: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سلمة، عن جابر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي ﷺ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي ﷺ معلق بالشجرة فاخترطه، فقال: تخافني؟ قال: (لا). قال: فمن يمنعك مني؟ قال: (الله). فتهدده أصحاب النبي ﷺ وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي ﷺ أربع، وللقوم ركعتان.
وقال مسدد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر: اسم الرجل غورث بن الحارث، وقاتل فيها محارب خصفة.
وقال أبو الزبير، عن جابر: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بنخل، فصلى الخوف.
وقال أبو هريرة: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غزوة نجد صلاة الخوف، وإنما جاء أبو هريرة

١٥١٦
إلى النبي ﷺ أيام خيبر.
[ر: ٢٧٥٣]


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، رقم: ٨٤٣.
(فاخترطه) فسله من غمده. (فتهدده ...) توعدوه وخوفوه بالغوا في ذلك. (محارب خصفة) انظر أول الباب. (إنما جاء ..) يؤكد بقوله هذا: أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر، لأن أبا هريرة رضي الله عنه حضرها، وهو إنما جاء أيام خيبر.

٣٠ - باب: غزوة بني المصطلق من خزاعة، وهي غزوة المريسيع.
قال ابن إسحاق: وذلك سنة ست. وقال موسى بن عقبة: سنة أربع.
وقال النعمان بن راشد، عن الزهري: كان حديث الإفك في غزوة المريسيع.


(المريسيع) اسم موضع كان يوجد فيه ماء. (حديث الإفك) أنظر الحديث: ٣٩١٠.

٣٩٠٧ - حدثنا قتيبة بن سعيد: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ ابْنِ محيريز أنه قال:
دخلت المسجد، فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه، فسألته عن العزل، قال: أبو سعيد: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا نعزل ورسول الله بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك، فَقَالَ: (مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وهي كائنة).
[ر: ٢١١٦]


أخرجه مسلم في النكاح، باب: حكم العزل، رقم: ١٤٣٨.

٣٩٠٨ - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غزوة نجد، فلما أدركته القائلة، وهو في واد كثير العضاه، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله ﷺ فجئنا، فإذا أعرابي قاعد بين يديه، فقال: (إن هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، مخترط صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا). قال: ولم يعاقبه رسول الله ﷺ.
[ر: ٢٧٥٣].

٣١ - باب: غزوة أنمار.

٣٩٠٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: حَدَّثَنَا عثمان بن عبد الله بن سراقة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزْوَةٍ أنمار، يصلي على راحلته، متوجها قبل المشرق، متطوعا.
[ر: ٣٩١]

٣٢ - باب: حديث الإفك.
والإفك والأفك، بمنزلة النجس والنجس، يقال: ﴿إفكهم﴾ /الصافات: ١٥١/ والأحقاف: ٢٨/. وأفكهم، فمن قال: أفكهم، يقول: صرفهم عن الإيمان وكذبهم، كما قال: ﴿يؤفك عنه من أفك﴾ /الذاريات: ٩/: يصرف عنه من صرف.


(الإفك) الكذب والأفتراء، والمراد به هنا الافتراء على عائشة رضي الله عنها، كما سيأتي. (بمنزلة) أي نظيره في الوزن والضبط، وفي كونهما لغتين. (إفكهم) يشير الى الوارد في قوله تعالى: ﴿ألا إنهم من إفكهم ليقولون. ولد الله وإنهم لكاذبون﴾. وفي قوله تعالى: ﴿وذلك إفكهم وما كانوا يفترون﴾ وهذه القراءة المتواترة، والثانية شاذة، ووراء ذلك قراءات أخرى في الشواذ.

٣٩١٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن مسعود، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، حِينَ قَالَ لَهَا أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ من كل رجل مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي
حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حدثيهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. قالوا:
قالت عائشة: كان رسول الله ﷺ إذا أراد سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خرج بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بعد ما أنزل الحجاب، فكنت أحمل في هودجي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقبلت إلى رحلي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظفار قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الذي كنت أركب عليه، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذاك خفافا لم يهبلن، ولم يغشهن اللحم، إنما يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خفة الهودج

١٥١٨
حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلمنا بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فقمت إليها فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول، قالت: فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبر الْإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ. قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويستوشيه. وقال عروة أيضا: لم
يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة، كما قال الله تعالى، وإن كبر ذلك يقال لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ.
قال عروة، كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان، وتقول: أنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل على رسول الله ﷺ فيسلم،

١٥١٩
ثم يقول: (كيف تيكم). ثم ينصرف، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع، وكان متبرزنا، وكنا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، قالت: وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي ابنة أبي رهم ابن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فقالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: وما قال؟ فأخرتني بقول أهل الإفك، قالت: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فسلم، ثم قال: (كيف تيكم). فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية، هوني عليك، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رجل يحبها، لها ضرائر، إلا أكثرن عليها. قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ على ابن أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الوحي، يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة أشار على رسول الله ﷺ بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك، ولا نعلم ألا خيرا. وأما علي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ

١٥٢٠
سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قالت: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بريرة، فقال: (أي بريرة، هل رأيت شيء يريبك). قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمرا قط أَغْمِصُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قالت: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من يومه فاستعذر من عبد الله ابن أبي، وهو عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يعذرني من رجل قد بلغني عنه أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على أهلي إلا معي). قالت: فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ، أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام رجل من الخزرج، وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه، وهو سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، قالت: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الحمية، فقال لسعد: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ عَلَى المنبر، قالت: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يخفضهم، حتى سكتوا وسكت، فبكيت يومي ذلك كله لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قالت: وأصبح أبوي عندي، قد بكيت ليلتين ويوما، ولا يرقأ لي دمع لا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت علي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ علينا فسلم ثم جلس، قالت: لم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله ﷺ حين جلس،

١٥٢١
ثم قال: (أما بعد، ياعائشة، إنه بلغني عنكك كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه). قالت: عائشة: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله ﷺ عني فيما قال، فقال أبي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا قال، قالت أمي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا: إني والله لقد علمت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة، لا تصدقوني، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي منه بريئة، لتصدقني، فوالله لا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حين قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تصفون﴾. ثم تحولت واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، لشأني فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ الله في بأمر، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله ﷺ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حتى أنزل عليه، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنِ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجمان، وهو في يوم شات، كم ثقل القوم الذي أنزل عليه، قالت: فسرى عن رسول ا
لله ﷺ وهو يضحك، فكانت أو كلمة تكلم بها أن قال: (يا عائشة، أما والله فقد برأك). فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل، قالت: وأنزل الله تعالى: ﴿إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم﴾. العشر الآيات، ثم أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه وفقره: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم - إلى قوله - غفور رحيم﴾. قال أبو بكر الصديق: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة:

١٥٢٢
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: ماذا علمت، أو رَأَيْتِ). فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ فعصمها الله بالورع. قالت: وطفقت أختها تحارب لها، فهلكت فيمن هلك.
قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط.
ثم قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله.
[ر: ٢٤٥٣]


أخرجه مسلم في التوبة، باب: في حديث الافك وقبول الله توبة القاذف، رقم: ٢٧٧٠.
(اقتصاصا) أحفظ وأحسن ايرادا وسردا للحديث. (يهبلن) لم يسمن ولم يكثر لحمهن وشحمهن. (باسترجاعه) بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون. (فخمرت) غطيت. (بجلبابي) الجلباب ثوب يغطي جسم المرأة. (فوطئ على يدها) ليسهل ركوبها ولا يحتاج إلى مساعدة. (موغرين) أي داخلين في وقت شدة الحر. (نحر الظهيرة) صدر وقت الظهر وأوله. (يستوشيه) يطلب ما عند المتحدث ليزيد منه. (عصبة) جماعة. (كما قال الله تعالى) أي كما ذكر في القرآن أنهم عصبة دون تحديدهم، بقوله تعالى: ﴿إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم﴾ /النور: ١١/. (كبر ذلك) متولي معظم حديث الإفك ومشيعه. (عرضي) العرض هو موضع المدح والذم من الإنسان، وقيل: جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه، ويحامي عنه أن ينتقص أو ينال منه. (يفيضون) يخضون. (يريبني) يشككني في حاله. (اللطف) الرفق والإحسان. (تيكم)
اسم إشارة للمؤنث. (نقهت) أفقت من المرض وصححت من علتي. (المناصع) مواضع خارج المدينة، كانوا يتبرزون فيها، واحدها منصع لأنه يبرز إليه ويظهر، من نصع الشيء إذا وضح وبان. (متبرزنا) مكان قضاء حاجتنا. (الكنف) جمع كنيف، وهو المكان المستور من بناء أو نحوه يتخذ لقضاء الحاجة. (قبل الغائط) أي التوجه نحو مكان منخفض لقضاء الحاجة. (أي هنتاه) يا هذه، وقيل: يا بلهاء، لقلة معرفتها بمكايد الناس وشرورهم. (وضيئة) حسنة جميلة، من الوضاءة، وهي الحسن. (أكثرن) أكثرن القول الرديء عليها. (يرقأ) يسكن وينقطع. (يضيق الله عليك) أي تستطيع أن تطلقها وتتزوج غيرها، ولم يقل ذلك عداوة ولا بغضا لها ولا شكا في أمرها، إنما قاله إشفاقا على رسول الله ﷺ لما رأى من انزعاجه بهذا الأمر، فأراد اراحة خاطره وتسهيل الأمر عليه. (أغمصه عليها) أعيبها به. (الداجن) الشاة التي تقتنى في البيوت وتلعف ولا تخرج
إلى المرعى، وقد تطلق على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره. (يعذرني) يقوم بعذري إن جازيته على قبيح فعاله، وقيل: ينصرني، العذير الناصر. (رهطك) جماعتك وقبيلتك. (قلص دمعي) انقطع. (البرحاء) الشدة التي كانت تصيبه عند نزول الوحي. (الجمان) اللؤلؤ الصغار. (تحارب لها) تطعن بي وتعاديني تعصبا لأختها، لأني ضرة لها، مع أن زينب نفسها أمسكت عن هذا وما قالت إلا خيرا، رضي الله عنها وأرضاها. (الرجل) المتهم وهو صفوان بن المعطل، رضي الله عنه. (كنف أنثى) ثوبها الذي يسترها، وهو كناية عن عدم جماع النساء ومخالطتهن.

٣٩١١ - حدثني عبد الله بن محمد قال: أملى علي هشام بن يوسف من حفظه: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك:
أبلغك أن عليا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك، أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أن عائشة رضي الله عنها قالت لهما: كان علي مسلما في شأنها. فراجعوه فلم يرجع. وقال مسلما، بلا شك فيه وعليه، وكان في أصل العتيق كذلك.


(مسلما) من التسليم في الأمر، أي ساكتا، وفي رواية (مسلما) أي سالما من الخوض فيه، وروى (مسيئا). قال في الفتح: هو الأقوى من حيث نقل الرواية. وقواه بما في رواية ابن مردوية بلفظ: إن عليا أساء في شأني،
والله يغفر له. قال: وإنما نسبته إلى الإساءة لأنه لم يقل كما قال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيرا. بل ضيق على بريرة، وقال: لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، ونحو ذلك من الكلام، وخلاصة القول: أن عليا رضي الله عنه لم يكن ليسيء الظن بأهل بيت رسول الله ﷺ، وحاشاه رضي الله عنه، وإنما حمله على تصرفه وقوله إشفاقه على رسول الله ﷺ، ورغبته في إذهاب الغم والكرب عن نفسه، لما رأى من شدة تأثره ﷺ بالأمر.

٣٩١٢ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن حصين، عن أبي وائل قال: حدثني مسروق بن الأجدع قال: حدثتني أم رومان، وهي أم عائشة رضي الله عنهما، قالت:

١٥٢٣
بينا أنا قاعدة أنا وعائشة، اذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: أبني فيمن حدث الحديث، قالت، وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا، قالت: عائشة: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ قالت: نعم، قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فطرحت عليها ثيابها فغطيتها، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (ما شأن هذه). قلت يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض، قال: (فلعل في حديث تحدث به). قلت: نعم، فقعدت عائشة فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقونني، ولئن قلت لا تعذرونني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه: ﴿والله المستعان على ما تصفون﴾ قالت: وانصرف ولم يقل شيئا، فأنزل الله عذرها، قالت: بحمد الله لا بحمد أحدا ولا بحمدك.
[ر: ٢٤٥٣]

٣٩١٣ - حدثني يحيى: حدثنا وكيع، عن نافع، عن ابن معمر، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كانت تقرأ: إذا تلقونه بألسنتكم وتقول: الولق الكذب. قال ابن أبي مليكة: وكانت أعلم من غيرها بذلك، لأنه نزل فيها.
[٤٤٧٥]


(الولق) هو الإسراع في الكذب، وقيل: هو الاستمرار فيه. (بذلك) أي بهذه القراءة، والقراءة المتواترة: ﴿تلقونه﴾ /النور: ١٥/: من التلقي، أي تخضون فيه وتكثرون التحدث عنه، وقراءة عائشة قرأ بها أبي بن كعب، ومجاهد وأبو حيوة، وهي قراءاة شاذة.

٣٩١٤ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عن هشام، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،. وقالت: عائشة: استأذن النبي ﷺ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قال: (كيف بنسبي). قال: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
وقال محمد بن عقبة: حدثنا عثمان بن فرقد: سمعت هشاما، عن أبيه قال: سببت حسان، وكان ممن كثر عليها.
[ر: ٣٣٣٨]


(كثر عليها) أكثر من الخوض في حديث الإفك، ولهذا كان عروة رحمه الله تعالى يسبه.

٣٩١٥ - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ضحى، عن مسروق قال:
دخلنا على عائشة رضي الله عنها، وعندها حسان بن

١٥٢٤
ثابت ينشدها شعرا، يشبب بأبيات له، وقال:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك. قال مسروق: فقلت لها لم تأذنين له أن يدخل عليك؟ وقد قال الله تعالى: ﴿والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾. فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ قالت له: إنه كان ينافح، أو يهاجي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
[٤٤٧٧، ٤٤٧٨]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه، رقم: ٢٤٨٨.
(دخلنا على عائشة) من المعلوم أن الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم، كانوا يأتون مساكن أزواج رسول الله ﷺ ليأخذوا عنهن حديث رسول الله ﷺ والعلم والموعظة، وكن رضي الله عنهن يحدثن من يأتيهن من وراء حجاب يكون داخل بيوتهن، ولا يجلسن مع من يغشى مجالسهن وجها لوجه، كما هو معروف ومألوف في المجالسة، وهذا هو المراد بالدخول عليهن، حيثما ورد عن غير محارمهن، وحاشاهن رضي الله عنهن، وحاشا من يأتيهن من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من بعدهم: أن يخالفوا أمر الله تعالى الصريح إذ يقول: ﴿وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب﴾ /الأحزاب: ٥٣/. وهي في زوجات النبي ﷺ بالاتفاق، وجاز لهن أن يحدثن الرجال، كما جاز للرجال أن يجلسوا لهن - على ما ذكرنا - ويستمعوا لحديثهن ضرورة نقل الدين الذي عرفنه عن رسول الله ﷺ بالمباشرة، ولاسيما ما يخص المرأة وداخل بيت الزوجية وضمن نطاق الأسرة. وهذا كله مع ما وقر في نفوس المسلمين من وقار وإجلال لأماتهم، زوجات رسول الله ﷺ، اللواتي قال الله تعالى فيهن: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم﴾ /الأحزاب: ٦/: أي في البر والاحترام وحرمة الزواج، لا في حل النظر والخلوة ونحو ذلك. (يشبب) من التشبيب، وهو ذكر الشاعر ما يتعلق بالغزل ونحوه. (حصان) عفيفة، تمتنع من الرجال غير زوجها. (رزان) صاحبة وقار، وقيل: قليلة الحركة. (تزن) تتهم. (بريبة) بتهمة. (غرثى) جائعة، أي لا تغتاب الناس فتشبع من لحومهم. (الغوافل) العفيفات الغافلات عن الشر والفجور. (لست كذلك) أي لم تفعل بمقتضى ما تقول، فقد اغتبت في خوضك في الإفك وطعنت واتهمت. (تولى كبره منهم) اهتم بإشاعته والخوض فيه أكثر من غيره /النور: ١١/. (العمى) أي فقد آخذه الله تعالى إذ عمي آخر عمره. (ينافح ..) يدافع عنه بشعره.

٣٣ - باب: غزوة الحديبية.
وقول الله تعالى: ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة﴾ /الفتح: ١٨/.


(لقد رضي ..) نزلت في قصة الحديبية فيمن بايع رسول الله ﷺ على الموت حين دعاهم إلى ذلك، وقد أشيع أن أهل مكة قتلوا عثمان رضي الله عنه، الذي أرسله رسول الله ﷺ ليفاوضهم في دخول مكة.

٣٩١٦ - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بلال قال: حدثني صالح ابن كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صلاة الصبح،

١٥٢٥
ثم أقبل علينا فقال: (أتدرون ماذا قال ربكم). قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: (قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مطرنا بنجم كذا وكذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي).
[ر: ٨١٠]

٣٩١٧ - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادة: أن أنسا رضي الله عنه أخبره قال:
اعتمر رسول الله ﷺ أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته: عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وعمرة من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته.
[ر: ١٦٨٧]

٣٩١٨ - حدثنا سعيد بن الربيع: حدثنا المبارك، عن يحيى، عن عبد الله ابن أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ:
انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ الحديبية، فأحرم مع أصحابه ولم أحرم.
[ر: ١٧٢٥]

٣٩١٩ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قال:
تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا باناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم انها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.


(بيعة الرضوان) سميت بيعة الرضوان لقوله تعالى فيها: ﴿لقد رضي
الله عن المؤمنين إذ يبايعونك﴾ /الفتح: ١٨/. وعدوها هي الفتح العظيم لأنها كانت مقدمة لفتح مكة، بل كانت سببا لانتشار الإسلام ودخول القبائل فيه، إذ أمنوا من قريش، وتفرغ النبي ﷺ لدعوتهم، كما كانت البيعة سببا لرضوان الله عز وجل. (فنزحناها) أخذنا ماءها شيئا فشيئا. (فتركناها غير بعيد) تركناها مدة من الزمن قليلة. (أصدرتنا) أخرجت لنا وأرجعت ماء عوضا عن الذي نزح منها. (ما شئنا) القدر الذي نرغبه ونريده لشرب وغيره. (بركابنا) هي الإبل التي يسار عليها ونحوها.

٣٩٢٠ - حدثني فضل بن يعقوب: حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني: حدثنا زهير: حدثنا أبو إسحاق قال: أنبانا البراء بن عازب رضي الله عنهما:
أنهم كانوا

١٥٢٦
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فأتي البئر وقعد على شفيرها، ثم قال: (ائتوني بدلو من مائها). فأتي به، فبصق فدعا ثم قال: (دعوها ساعة). فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا.
[ر: ٣٣٨٤]

٣٩٢١ - حدثنا يوسف بن عيسى: حدثنا ابن فضيل: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال:
عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله ﷺ بين يديه ركوة فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ما لكم). قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: فوضع النبي ﷺ يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.

٣٩٢٢ - حدثنا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عن سعيد، عن قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة، فقال لي سعيد: حدثني جابر: كانوا خمس عشرة مائة، الذين بايعوا النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. قال أبو داود: حدثنا قرة، عن قتادة. تابعه بن بشار: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة.

٣٩٢٣ - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يوم الحديبية: (أنتم خير أهل الأرض). وكنا ألفا وأربعمائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.
تابعه الأعمش: سمع سالما: سمع جابرا: ألفا وأربعمائة.
[ر: ٣٣٨٣]


أخرجه مسلم في الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم: ١٨٥٦.

٣٩٢٤ - وقال عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا شعبة، عن عمر بن مرة: حدثني عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قال: كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين.
تابعه محمد بن بشار: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة.


أخرجه مسلم في الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم: ١٨٥٧.
(أسلم) اسم قبيلة من قبائل العرب، وقيل: كان منها مائة رجل، وعليه يكون المهاجرون ثمانمائة.

٣٩٢٥ - حدثنا ابراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى، عن اسماعيل، عن قيس: أنه سمع مرداسا الأسلمي يقول، وكان من أصحاب الشجرة:
(يقبض الصالحون، الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير، لا يعبأ الله بهم شيئا).


(يقبض الصالحون) يتوفون. (الأول فالأول) الأصلح فالأصلح. (حفالة) مثل حثالة، وهي الرديء من كل شيء ونفايته، أي من لا خير فيه من الناس. (لا يعبأ ..) لا يبالي، أي ليس لهم منزلة عنده.

٣٩٢٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الزهري، عن عروة، عن مراون والمسور بن مخرمة قَالَا:
خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها، لا أحصي كم سمعته من سفيان، حتى سمعته يقول: لا أحفظ من الزهري الإشعار والتقليد، فلا أدري، يعني موضع الإشعار والتقليد، أو الحديث كله.
[ر: ١٦٠٨]

٣٩٢٧ - حدثنا الحسن بن خلف قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن أبي بشر وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بن عجزة:
أن رسول الله ﷺ رآه وقمله يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: (أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ). قَالَ: نعم، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن يحلق، وهو بالحديبية، لم يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طمع أن يدخول مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بين ستة مساكين، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ).
[ر: ١٧١٩]


(يحلون فيها) يتحللون فيها من إحرامهم. (على طمع) على أمل ورجاء. (فأنزل الله الفدية) فأنزل الله تعالى مشروعية الحلق والفدية لمن كان فيه عذر.

٣٩٢٨ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغار، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد

١٥٢٨
أبي مع النبي ﷺ، فوقف عمر ولم يمض، ثم قال: مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحان نستفيء سهمانهما فيه.


(هلك) مات. (لا ينضجون كراعا) ليس عندهم كراع حتى ينضجوه، والكراع ما دون الكعب من الدواب. (زرع) أرض يزرعونها. (ضرع) كناية عن المواشي. (الضبع) السنة الشديدة المجدبة. (نسب قريب) أي انتسب ا
لى شخص معروف. (ظهير) قوي الظهر، معد للحاجة. (غرارتين) تثنية غرارة وهي وعاء يتخذ للتبن وغيره. (بخطامه) الحبل الذي يقاد به البعير. (ثكلتك أمك) كلمة تفولها العرب للإنكار على المخاطب، ولا يريدون حقيقة معاناها الذي هو الدعاء بالموت، أي فقدتك أمك. (حصنا) قيل: أحد حصون خيبر. (نستفيء) نطلب الفيء، وهو ما يأخذه المسلمون من يد الكفار بدون قتال. (سهمانهما) جمع سهم وهو النصيب، أي هما فتحاه، ونحن الآن ننتفع بثمرة جهدهما.

٣٩٢٩ - حدثني محمد بن رافع: حدثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري: حدثنا شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عن أبيه قال: لقد رأيت الشجرة، ثم أتيتها بعد فلم أعرفها. قال أبو عبد الله: قال محمود: ثم أنسيتها بعد.


أخرجه مسلم في الإمارة، باب: استحاب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم: ١٨٥٩.
(الشجرة) التي كانت تحتها بيعة الرضوان. (محمود) بن غيلان شيخ البخاري ومسلم، رحمهم الله تعالى. (ثم أنسيتها بعد) أي رواية محمود هكذا، بدل قوله: ثم أتيتها .. .

٣٩٣٠ - حدثنا محمود: حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن طارق بن عبد الله قال:
انطلقت حاجا، فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله ﷺ بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي: أنه كان فيمن بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها، فلم نقدر عليها.
فقال سعيد: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ لم يعلموها، وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم؟


(نسيناها) نسينا موضعها. (فلم نقدر عليها) على معرفتها. (فأنتم أعلم) قال ذلك منكرا عليهم ادعاء علمها.

٣٩٣١ - حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة: حدثنا طارق، عن سعيد بن المسيب،

١٥٢٩
عن أبيه: أنه كان ممن بايع تحت الشجرة، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا.


(فعميت علينا) استترت وخفيت، وهذا لحكمة يريدها ا
لله تعالى، إذ ربما لو بقيت ظاهرة معلومة لعظمها الجهال إلى درجة العبادة.

٣٩٣٢ - حدثنا قبيضة: حدثنا سفيان، عن طارق قال: ذكرت عند سعيد ابن المسيب الشجرة فضحك، فقال: أخبرني أبي: وكان شهدها.

٣٩٣٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن عمر بن مرة قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، وكان من أصحاب الشجرة، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا أتاه قوم بصدقة قال: (اللهم صل عليهم). فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صلى على آل أبي أوفى).
[ر: ١٤٢٦]


(وكان من أصحاب الشجرة) أي الذين بايعوا تحتها بيعة الرضوان.

٣٩٣٤ - حدثنا إسماعيل، عن أخيه، عن سليمان، عَنْ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قال:
لما كان يوم الحرة، والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال ابن زيد: على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له: على الموت، قال: لا أبايع على ذلك أحدا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكان شهد معه الحديبية.
[ر: ٢٧٩٩]

٣٩٣٥ - حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي قال: حدثني أبي: حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع قال: حدثني أبي، وكان من أصحاب الشجرة، قَالَ:
كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الجمعة ثم ننصرف، وليس للحيطان ظل نستظل فيه.


أخرجه مسلم في الجمعة، باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس، رقم: ٨٦٠.
(ظل ..) أي يصلح لأن يستظل فيه، وهو دليل التعجيل بصلاة الجمعة أول الوقت.

٣٩٣٦ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد الله قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله ﷺ يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
[ر: ٢٨٠٠]

٣٩٣٧ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضيل، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال:
لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبى لك، صحبت النبي ﷺ

١٥٣٠
وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.


(طوبى لك) لك طيب العيش، مثل هنيئا لك. (ما أحدثنا) ما جرى من الفتن. (بعده) أي بعد النبي ﷺ.

٣٩٣٨ - حدثنا إسحاق: حدثنا يحيى بن صالح قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أخبره: أنه بايع النَّبِيَّ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
[٤٥٦٢]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ..، رقم: ١١٠.

٣٩٣٩ - حدثني أحمد بن إسحاق: حدثنا عثمان بن عمر: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك رضي الله عنه:
﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾. قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئا مريئا، فما لنا؟ فأنزل الله: ﴿ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾. قال: شعبة: فقدمت الوفة، فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له فقال: أما: ﴿إنا فتحنا لك﴾. فعن أنس، وأما هنيئا مرئيا، فعن عكرمة.
[٤٥٥٤].


(فتحا) هو الظفر بالبلدة قهرا أو صلحا، بقتال وبغيره، والمراد هنا صلح الحديبية، لما كان بسببه من انتشار الإسلام. (مبينا) ظاهرا /الفتح: ١/. (أصحابه) أي أصحاب النبي ﷺ. (هنيئا مريئا) أي للنبي ﷺ بما من عليه من مغفرة بهذا الفتح، إذ قال تعالى: ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ /الفتح: ٢/. والهنيئ: الذي لا ينغصه شيء، والمرئ: المحمود العاقبة الذي لا داء فيه، وهما في الأصل لما يؤكل ويشرب، ويستعاران للمعاني كما هنا. (فمالنا) أي فما هو حظنا من هذا الفتح وما ربحنا. (ليدخل) بسبب الفتح. /الفتح: ٥/. (وانظر مسلم: الجهاد، باب: صلح الحديبية ..، رقم: ١٧٨٦).

٣٩٤٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عامر: حدثنا إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر الأسلمي، عن أبيه، وكان ممن شهد الشجرة، قال:
اني لأوقد تحت القدر بلحوم الحمر، إذ نادى منادي رسول الله ﷺ: أن رسول الله ﷺ ينهاكم عن لحوم الحمر.
وعن مجزأة، عن رجل منهم، من أصحاب الشجرة، اسمه أهبان بن أوس، وكان اشتكى ركبته، فكان إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة.


(لأوقد) أي يوم خيبر، وأورد البخاري الحديث لقوله فيه: وكان ممن شهد الشجرة. (الحمر) جمع حمار، والمراد الحمر الأهلية. (اشتكى ركبته) من الشكاية وهي المرض.

٣٩٤١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عن شعبة، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يسار، عن سويد بن النعمان، وكان من أصحاب الشجرة:
كان

١٥٣١
رسول الله ﷺ وأصحابه أتو بسويق، فلاكوه.


(فلاكوه) من اللوك، وهو وضع الشيئ وإدارته في الفم.

٣٩٤٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حاتم بن بزيع: حدثنا شاذان، عن شعبة، عن أبي جمرة قال:
سألت عائذ بن عمرو رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ من أصحاب الشجرة، هل ينقض الوتر؟ قال: إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره.


(ينقض الوتر) أي إذا صلى الوتر ونام، فهل يصلي بعد النوم شيئا ويعتبره من الوتر؟ محافظة على قوله ﷺ (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) [ر: ٩٥٣]. (أوله) أول الليل].

٣٩٤٣ - حدثني عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يسير في بعض أسفاره، وعمر ابن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجيبه رسول الله ﷺ، ثم سأله فلم يجيبه، ثم سأله فلم يجيبه، فقال عمر بن الخطاب: ثكلتك أمك يا عمر، نزرت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، وجئت رسول الله ﷺ فسلمت عليه، فقال: (لقد أنزلت علي الليلة سورة، لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾).
[٤٥٥٣، ٤٧٢٥]


(ثكلتك أمك) فقدتك، وهي كلمة تقولها العرب للتقريع، ولا تقصد معناها. (نزرت) ألححت وضيقت عليه حتى أحرجته، وفي رواية (نزرت) بتخفيف الزاي). (قرآن) يلومني على ما فعلت. (نشبت) لبثت، وحقيقة معناه: أنه لم يتعلق بشيء غيره ولا اشتغل بسواه. (يصرخ بي) يناديني. (سورة) هي سورة الفتح. (فتحنا لك) هيأنا لك ظفرا ظاهرا.

٣٩٤٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث، حفظت بعضه، وثبتني معمر، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مخرمة ومروان بن الحكم: يزيد أحدهما على صاحبه قَالَا:
خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث

١٥٣٢
عينا له من خزاعة، وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك. قال: (أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين وإلا تركناهم محروبين). قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا
عنه قاتلناه. قال: (امضوا على اسم الله).
[ر: ١٦٠٨]


(ثبتني معمر) أي أكد لي معمر بن راشد ما سمعت من الزهري هنا، وجعلني ثابتا فيه. (عينا) جاسوسا، واسمه بسر بن سفيان رضي الله عنه. (بغدير الأشطاط) موضع قريب من الحديبية، ربما اجتمع فيه الماء أحيانا، والغدير مجتمع الماء. (الأحابيش) هم الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة. (أميل إلى عيالهم) هو كناية عن الهجوم عليهم وقتالهم، وأصل الميل الزوال عن الاستواء، والعيال أهل بيت الرجل الذين ينفق عليهم. (ذراري) جمع ذرية، وهي نسل الإنسان. (فإن يأتونا) أي إن خرجوا لقتالنا. (قطع عينا) أي كنا كمن لم يبعث جاسوسا وواجههم بالقتال، وقيل: (قطع عنقا) أي أهلك جماعة من أهل الكفر فتضعف قوتهم. (محروبين) مسلوبين منهوبين.

٣٩٤٥ - حدثني إسحاق: أخبرنا يعقوب: حدثني ابْنُ أَخِي ابْن شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَخْبَرَنِي عروة بن الزبير: أنه سمع مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: يخبران خبرا من خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في عمرة الحديبية، فكان فيما أخبرني عروة عنهما:
أنه لما كاتب رسول الله ﷺ سهيل بن عمرو يوم الحديبية على قضية المدة، وكان فيما اشترط سهيل بن عمرو أنه قال: لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وأبى سهيل أن يقاضي رسول الله ﷺ ألا على ذلك، فكره المؤمنون ذلك وامعضوا، فتكلموا فيه، فلما أبى سهيل أن يقاضي رسول الله ﷺ ألا على ذلك، كاتبه رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَرَدَّ رسول ﷺ أبا جندل بن سهيل يومئذ إلى أبيه سهيل ابن عمرو، ولم يأت رسول الله ﷺ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ المدة، وإن كان مسلما، وجاءت المؤمنات مهاجرات، فكانت أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهي عاتق، فجاء أهلها يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إن يرجعها إليهم، حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل.


(قضية المدة) المصالحة في المدة المعينة. (امعضوا) وفي نسخه (امتعضوا) شق عليهم الأمر وكرهوه. (عاتق) شابة، وقيل من قاربت البلوغ، وقيل: من لم تتزوج.

٣٩٤٦ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية: ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾.
وعن عمه قال: بلغنا حين أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أن يرد إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ من أزواجهم، وبلغنا أن أبا بصير: فذكره بطوله.
[ر: ١٦٠٨]


(يمتحن) يختبر.

٣٩٤٧ - حدثنا قتيبة، عن مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما خرج معتمرا في الفتنة، فقال: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عام الحديبية.

٣٩٤٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عن نافع، عن ابن عمر:
أنه أهل وقال: إن حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ، حين حالت كفار قريش بينه، وتلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة﴾.


(حيل ..) لم أستطع الوصول اليه. (بينه) أي بين بيت الله تعالى الحرام.

٣٩٤٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ: أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. وحدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لو أقمت العام، فإني أخاف أن لا تصل إلى البيت، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النبي ﷺ هداياه، وحلق وقصر أصحابه. قال أشهدكم أني أوجبت عمرة، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حيل بيني وبين البيت صنعت كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فسار ساعة، ثم قال: ما أرى شأنهما إلا واحدا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، فطاف طوافا واحدا، وسعيا واحدا، حتى حل منهما جميعا.
[ر: ١٥٥٨]

٣٩٥٠ - حدثني شجاع بن الوليد: سمع النضر بن محمد، حدثنا صخر، عن نافع قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار، يأتي به ليقاتل عليه، ورسول

١٥٣٤
الله ﷺ يبايع عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس، فجاء به إلى عمر، وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق، فذهب معه حتى بايع رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَهِيَ التي يتحدث الناس أن ابن عمرأسلم قبل عمر.


(يستلئم) يلبس لأمته، وهي الدرع والسلاح.

٣٩٥١ - وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا عمر بن محمد العمري: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن الناس كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الحديبية، تفرقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس محدقون بالنبي ﷺ، فقال: يا عبد الله، انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله ﷺ؟ فوجدهم يبايعون، فبايع ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع.


(محدقون) محيطون به ناظرون إليه. (ما شأن الناس) ما حالهم.

٣٩٥٢ - حدثنا ابن نمير: حدثنا يعلى: حدثنا إسماعيل قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ حين اعتمر، فطاف فطفنا معه، وصلى فصلينا معه، وسعى بين الصفا والمروة، فكنا نستره من أهل مكة لا يصيبه أحد بشيء.
[ر: ١٥٢٣]

٣٩٥٣ - حدثنا الحسن بن إسحاق: حدثنا محمد بن سابق: حدثنا مالك بن مغول قال: سمعت أبا حصين قال: قال أبو وائل:
لما قد سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره، فقال: اتهموا الرأي، فلقد رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أرد على رسول الله ﷺ أمره لرددت، والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له.
[ر: ٣٠١٠]


(خصما) جانبا وناحية. (انفجر) خرج واندفع كما يندفع الماء من القربة إذا أحدث فيها شق. (ما ندري ..) أي نقع في حيرة من أمرنا، ولا ندري كيف تنصرف لنتلافى شر ما حصل.

٣٩٥٤ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عن أيوب، عَنْ

١٥٣٥
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعب بن عجزة رضي الله عنه قَالَ:
أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (أيؤذيك هوام رأسك). قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً). قَالَ: أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي بأي هذا بدأ.

٣٩٥٥ - حدثني محمد بن هشام أبو عبد الله: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن كعب بن عجزة قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بالحديبية ونحن محرمون، وقد حصرنا المشركون، قال: كانت لي فروة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي رسول الله ﷺ فقال: (أيؤذيك هوام رأسك). قلت: نعم، قال: وأنزلت هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾.
[ر: ١٧١٩]

٣٤ - باب: قصة عكل وعرينة.

٣٩٥٦ - حدثني عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادة: أن أنسا رضي الله عنه حدثهم: أن ناسا من عكل وعرينة، قدموا المدينة على النبي ﷺ وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يانبي اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمرلهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَوْدٍ وراع، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وأبوالها، فانطلقوا حتى إذا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم.
قال قتادة: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بعد ذلك كان يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة.
وقال شعبة أبان وحماد عن قتادة: من عرينة. وقال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن

١٥٣٦
أبي قلابة عن أنس: قدم نفر من عكل.


(تكلموا بالاسلام) نطقوا بالشهادتين وأظهروا الإسلام. (أهل ضرع) أصحاب ماشية. (ريف) أرض فيها زرع وخصب.

٣٩٥٧ - حدثني محمد بن عبد الرحيم: حدثنا حفص بن عمر، أبوعمر الحوضي: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا أيوب والحجاج الصواف قال: حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة، وكان معه بالشأم: أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس يوما، قال: ما تقولون في هذه القسامة؟ فقالوا: حق قضى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقضت بها الخلفاء قبلك، قال: وأبو قلابة خلف سريره، فقال عنبسة بن سعيد: فأين حديث أنس في العرنيين؟ قال أبو قلابة: إياي حدثه أنس بن مالك.
قال: عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ: عَنِ عرينة. وقال أبو قلابة، عن أنس: من عكل، ذكر القصة.
[ر: ٢٣١]


(القسامة) هي إذا وجد قتيل في قرية أو حي، ولم يعرف له قاتل، وكانت هناك قرائن تجعل غالب الظن أن أهل الحي قاتلوه، ويدعي أولياؤه ذلك، فيحلف عندها أولياؤه خمسين يمينا مقسمة عليهم على ما ادعوه. وقيل: يحلف المتهمون بقتله تلك الأيمان، ويستحق أولياء المقتول الدية. (فأين حديث أنس) أي فهو يدفع القول بالقسامة، لأنه ﷺ لم يقض فيه بحكم القسامة، بل اقتص منهم. (إياي حدثه) أي وأنا أعلم بما يدل عليه، وهومختلف عن القسامة، لأن القاتل فيه معلوم لا مظنون، والله تعالى أعلم.

٣٥ - باب: غزوة ذات القرد.
وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي ﷺ قبل خيبر بثلاث.

٣٩٥٨ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صله الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله ﷺ، قلت: من أخذها؟ قال: غطفان، قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه، قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع

١٥٣٧
وأرتجز، حتى استنفذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة. قال: وجاء النبي ﷺ والناس، فقلت: يا نبي الله، قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: (يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح). قال: ثم رجعنا ويردفني رسول الله ﷺ على ناقته حتى دخلنا المدينة.
[ر: ٢٨٧٦]


(بالأولى) أي بصلاة الصبح. (بذي قرد) اسم مكان فيه ماء، على مسيرة ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر على طريق الشام، وكانت هذه الغزوة في ربيع الأول سنة ست للهجرة. القرد في اللغة الصوف الرديء، وما تساقط من الوبر والصوف. (أرتجز) أقول شعرا من بحر الرجز. (استلبت) أخذت قهرا عنهم. (بردة) كساء مخطط يلتحف به. (حميت القوم الماء) منعتهم من الشرب.

٣٦ - باب: غزوة خيبر.

٣٩٥٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يسار: أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ:
أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ خيبر، حتى أذا كنا بالصهباء، وهي من أدنى خيبر، صلى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثم صلى ولم يتوضأ.
[ر: ٢٠٦]

٣٩٦٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر، يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا حداء، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فداء لك ما اتقينا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إنا إذا صيح بنا أبينا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ هَذَا السَّائِقُ). قَالُوا: عامر بن الأكوع، قال: (يرحمه

١٥٣٨
الله). قال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لولا أمتعتنا به؟ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثم إن الله تعالى فتحها عليهم، فلما أمسى الناس مساء الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ). قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: (عَلَى أَيِّ لَحْمٍ). قَالُوا: لحم حمر الإنسية، قال النبي ﷺ: (أهريقوها واكسروها). قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: (أَوْ ذَاكَ). فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سيف عمر قصيرا، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه، قال: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو آخذ بيدي قال: (مالك). قلت له: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عمله؟ قال النبي ﷺ: (كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله). حدثنا قتيبة: حدثنا حاتم، قال: (نشأ بها).
[ر: ٢٣٤٥]


(هنيهاتك) جمع هنيهة، مصغر هنة، وفي نسخة: هنياتك. جمع هنية، وهي كناية عن كل شيء لا تذكره باسمه ولا تخص به شيئا من غيره، وقيل معناها الأراجيز، جمع أرجوزة، وهي القصيدة من بحر الرجز. (يحدو) من الحدو، وهو الغناء للإبل عند سوقها. (فاغفر .. ما اتقينا) ما تركناه من الأوامر. في نسخة (ما أبقينا) أي خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام، وما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه. (صيح بنا) دعينا إلى غير الحق. (أبينا) امتنعنا من دعوة غير الحق، وفي نسخة: (أتينا) أي إذا دعينا إلى القتال أو الحق جئنا إليه. (عولوا) قصدوا واستغاثوا. (وجبت) ثبتت له الشهادة التي يعقبها دخول الجنة ببركة دعائك. (امتعتنا به) هلا أبقيته لنا لنتمتع بشجاعته. (مخمصة) مجاعة. (تصاف القوم) تقابلوا صفوفا للقتال. (ذباب سيفه) حده. (حبط علمه) أي بطل عمل عامر، لأنه قتل نفسه بسيفه. (لجاهد) يجهد نفسه بالطاعة. (مجاهد) في سبيل الله تعالى. (بها) بهذه الخصلة الحميدة، وهي الجهاد مع الجهد. (نشأ) شب وكبر.

٣٩٦١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ أتى خيبر ليلا، وكان إذا أتى قوما بليل لم يغز بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالو: محمد والله، محمد والخميس. فقال النبي ﷺ: (خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بسحة القوم فساء صباح المنذرين).


(لم يغر بهم) من الإغارة، وفي نسخة: (لم يقربهم).

٣٩٦٢ - أخبرنا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا أيوب، عن محمد بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال:
صبحنا خيبر بكرة، فخرج أهلها بالمساحي، فلما بصروا بالنبي ﷺ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، محمد والخميس. فقال النبي ﷺ:

١٥٣٩
(اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بساحة قوم فساء صباح المنذرين). فأصبنا من لحوم الحمر، فنادى منادي النبي ﷺ: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس).
[ر: ٣٦٤]


(رجس) قذر ونتن.

٣٩٦٣ - حدثناعبد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثالثة فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحمر الأهلية). فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم.
[٥٢٠٨، وانظر: ٣٦٤]


(أفنيت) أنهي وجودها من كثرة ما ذبح منها. (فأكفئت) قلبت وألقي ما فيها. (لتفور) يشتد غليانها.

٣٩٦٤ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ الصبح قريبا من خيبر بغلس، ثم قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزلنا بساحة القوم فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ). فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فقتل النبي ﷺ المقاتلة وسبى الذرية، وكان فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فجعل عتقها صداقها. فقال: عبد العزيز بن صهيب لثابت: يا أبا محمد، آنت قلت لأنس: ما أصدقها؟ فحرك ثابت رأسه تصديقا له.


(بغلس) ظلمة الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.

٣٩٦٥ - حدثنا آدم: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يقول: سبى النبي ﷺ صفية، فأعتقها وتزوجها. فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها، فأعتقها.
[ر: ٣٦٤]

٣٩٦٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ﷺ إلى عسكره ومال الأخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله ﷺ رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فُلَانٌ،

١٥٤٠
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أما إنه من أهل النار). فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه لكما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فخرج الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله ﷺ فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وما ذاك). قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار. إن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة).
[ر: ٢٧٤٢]


(رجل) اسمه قزمان الظفري، يكنى أبا الغيداق. (رجل) هو أكثم بن أبي الجون، رضي الله عنه.

٣٩٦٧ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: شهدنا خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ: (هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ). فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة، فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه، فاشتد رجال من المسلمين فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: (قم يا فلان، فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر).
تابعه معمر، عن الزهري. وقال شبيب، عن يونس، عن ابن شهاب: أخبرني ابن المسيب، وعبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ أبا هريرة قال: شهدنا مع النبي ﷺ خيبر. وقال ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. تابعه صالح عن الزهري. وقال الزبيدي: أخبرني الزهري: أن عبد الرحمن بن كعب أخبره: أن عبيد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي ﷺ خيبر.
وقال الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وسعيد، عن النبي ﷺ.
[ر: ٢٨٩٧]


(كنانته) الكنانة جعبة صغيرة من جلد يوضع فيها النبل. (فاشتد) أسرع في الجري. (فلان) هو بلال رضي الله عنه.

٣٩٦٨ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال:
لما غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، أو قال: لما توجه رسول الله ﷺ، أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم). وأنا خلف دابة رسول الله ﷺ، فسمعني وأنا أقول: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لي: (يا عبد الله بن قيس). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة). قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قَالَ: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ).
[ر: ٢٨٣٠]


(حول) قدرة على دقة التصرف في الأمور. (كنز من كنوز الجنة) أي أجرها مدخر لقائلها والمتصف بها كما يدخر الكنز، وهو المال المجموع المحرز.

٣٩٦٩ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي ﷺ فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة.


(فنفث) من النفث، وهو فوق النفخ ودون التفل، وقد يكون بريق خفيف وبغير ريق. (اشتكيتها) تألمت منها وتوجعت. (حتى الساعة) أي فما اشتكيتها في زمن مضى حتى ساعتي هذه.

٣٩٧٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: التقى النبي ﷺ والمشركون في بعض مغازيه، فاقتتلوا، فمال كل قوم إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركون شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه، فقيل: يا رسول الله، ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان، فقال: (إنه من أهل النار). فقالوا: أينا من أهل الجنة، إن كان هذا من أهل النار؟ فقال رجل من القوم: لأتبعنه، فإذا أسرع وأبطأ كنت معه، حتى جرح، فاستعجل الموت، فوضع نصاب سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: (وَمَا ذاك). فأخبره، فقال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنه، فيما يبدو للناس،

١٥٤٢
وإنه من أهل النار. ويعمل بعمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة).
[ر: ٢٧٤٢]

٣٩٧١ - حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي: حدثنا زياد بن الربيع، عن أبي عمران قال: نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة، فرأى طيالسة، فقال: كأنهم الساعة يهود خيبر.


(طيالسة) جمع طيلسان، وهو نوع من الثياب الأعجمية كان يلبسها اليهود، ولعلها نوع من الأوسمة توضع على الكتف وهي بدون خياطة. (الساعة) هذا الوقت، على حالهم هذه يشبهون يهود خيبر.

٣٩٧٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قال:
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي خيبر، وكان رمدا، فقال: أنا أتخلف عن النبي ﷺ، فلحق به، فلما بتنا الليلة التي فتحت، قال: (لأعطين الراية غدا، أو: ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه). فنحن نرجوها، فقيل: هذا علي، فأعطاه ففتح عليه.
[ر: ٢٨١٢]

٣٩٧٣ - حدثنا قتيبة قن سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبي حازم قال: أخبرني سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه:
أَنَّ رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله). قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: (أين علي ابن أبي طالب). فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: (فأرسلوا إليه). فأتي به فبصق رسول الله ﷺ في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد، خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
[ر: ٢٧٨٣]

٣٩٧٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عبد الرحمن (ح). وحدثني أحمد بن عيسى: حدثنا وهب قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال:
قدمنا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ

١٥٤٣
عَلَيْهِ الْحِصْنَ، ذُكِرَ له جمال صفية بنت حيي ابن أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النبي ﷺ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حتى بلغنا سد الصهباء حلت، فبنى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قال: (آذن من حولك). فكانت تلك وليمته على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي ﷺ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب.

٣٩٧٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عن يحيى، عن حميد لطويل: سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام، حتى أعرس بها، وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب.


(أقام) في المنزل الذي أعرس فيه، وأعرس من الإعراس، وهو الدخول بالمرأة. (فيمن ضرب عليها الحجاب) أي كانت من أمهات المؤمنين زوجات رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، لَأَنْ ضرب الحجاب كان على الزوجات، اللاتي لا يكن إلا حرائر بالنسبة له ﷺ.

٣٩٧٦ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قال: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه يقول:
أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفيه، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالسَّمْنُ، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي إحدى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا ملكت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب.
[ر: ٣٦٤]


(وطأ لها خلفه) أصلح لها مكانا على الراحلة لتركب عليها. (مد الحجاب) مد عليها ما يحجبها.

٣٩٧٧ - حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة. وحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ: حَدَّثَنَا شعبة، عن حيمد بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال:
كنا محاصري خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ فاستحييت.
[ر: ٢٩٨٤]

٣٩٧٨ - حدثني عبيد الله بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عن نافع وسالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى يوم خيبر عن أكل الثوم، وعن لحوم

١٥٤٤
الحمر الأهلية.
نهى عن أكل الثوم: هو عن نافع وحده. ولحوم الحمر الأهلية: عن سالم.
[٣٩٨٠، ٣٩٨١، ٥٢٠٢، وانظر: ٨١٥]

٣٩٧٩ - حدثني يحيى بن قزعة: حدثنا ملك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
[٤٨٢٥، ٥٢٠٣، ٦٥٦٠]


أخرجه مسلم في النكاح، باب: نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ. وفي الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم: ١٤٠٧ (متعة النساء) زواج المرأة لمدة معينة، بلفظ التمتع، على قدر من المال. كان مباحا ثم حرم باتفاق من يعتد به من علماء المسلمين.

٣٩٨٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: حدثنا عبيد الله ابن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية.


أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم: ٥٦١).

٣٩٨١ - حدثني إسحاق بن نصر: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا عبيد الله، عن نافع وسالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عن أكل لحوم الحمر الأهلية.
[ر: ٣٩٧٨]

٣٩٨٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله رضي الله عنهما قَالَ:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، ورخص في الخيل.
[٥٢٠١، ٥٢٠٤]


أخرجه مسلم في الصيد والذبائح باب: في أكل لحم الخيل، رقم: ١٩٤١).

٣٩٨٣ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ الشيباني قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما يقول:
أصابتنا مجاعة يوم خيبر، فإن القدور لتغلي، وقال: وبعضها نضجت، فجاء منادي النبي ﷺ: (لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا، وأهريقوها). قال ابن أبي أفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس، وقال بعضهم، نهى عنها ألبتة، لأنها كانت تأكل العذرة.


(ألبتة) قطعا، من البت وهو القطع، والأشهر أن همزتها قطع. (العذرة) النجاسة.

٣٩٨٤ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أخبرني عدي بن ثابت، عن البراء وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم:
أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فأصابوا حمرا فطبخوها، فنادى منادي رسول الله ﷺ: (أكفئوا القدور).


أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم: ١٩٣٨).

٣٩٨٥ - حدثني إسحاق: حدثنا عبد الصمد: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ الْبَرَاءِ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهم يحدثان،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قال يوم خيبر، وقد نصبوا القدور: (أكفئوا القدور).
حدثنا مسلم: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ البراء قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، نحوه.

٣٩٨٦ - حدثني إبراهيم بن موسى: أخبرنا ابن أبي زائدة: أخبرنا عاصم، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ:
أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ في غزوة خيبر: أن نلقي الحمر الأهلية نيئة ونضيجة، ثم لم يأمرنا بأكله بعد.
[ر: ٢٩٨٦]

٣٩٨٧ - حدثني محمد بن أبي الحسين: حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي، عن عاصم، عن عامر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
لا أدري أنهى عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه في خيبر: لحم الحمر الأهلية.


أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم ١٩٣٩.
(حمولة الناس) يحمل عليها الناس أمتعتهم، والحمولة كل ما يحمل عليه من الدواب. (لحم الحمر) بيان للضمير في قوله (حرمه) أي حرم لحم الحمر الأهلية. (لحم) منصوب بفعل تقديره أعني.

٣٩٨٨ - حدثنا الحسن بن إسحاق: حدثنا محمد بن سابق: حدثنا زائدة، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ:
قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما. قال: فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم.
[ر: ٢٧٠٨]

٣٩٨٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ

١٥٤٦
بْنِ المسيب: أن جبير بن مطعم أخبره قال:
مشيت أنا وعثمان بن عفان إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقُلْنَا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن بمنزلة واحدة منك. فقال: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد). وقال جبير: ولم يقسم النبي ﷺ لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا.
[ر: ٢٩٧١]

٣٩٩٠ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حدثنا يزيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبي موسى رضي الله عنه قال:
بلغنا مخرج النبي مخرج النبي ﷺ ونحن باليمن، فخرجنا إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم، إما قال: في بضع، وإما قال: في ثلاثة وخمسين، أو: اثنين وخمسين رجلا في قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبي ﷺ حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا، يعني لأهل السفينة: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة زوج النبي ﷺ زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: آلحبشية هذه، آلبحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقانكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله ورسوله ﷺ، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا، حتى أذكر ما قلت لرسول الله ﷺ، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي ﷺ

١٥٤٧
وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي ﷺ قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا؟ قال: (فما قلت له). قالت: قلت له كذا وكذا، قال: (ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان). قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا، يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ أَبُو بردة: قالت أسماء: رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني.


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم رضي الله عنهم، رقم: ٢٥٠٢، ٢٥٠٣.
(من هذه) فيه دلالة على أنها كانت مستورة الوجه، إذ لو كانت مكشوفة لعرفها بمجرد رؤيتها، ولما احتاج أن يستفسر عنها. وهذا دليل على أن حجاب المرأة المسلمة يشمل الوجه، وان هذا كان شائعا مألوفا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهو الذي فهمه زوجات أصحابه، رضوان الله عليهم وعليهن، من آيات الله عز وجل وبيان رسوله ﷺ. (آلحبشية) نسبها إلى الحبشة لأنها هاجرت إليها وسكنت فيها. (آلبحرية) أي التي ركبت البحر عند هجرتها. (البعداء) عن الدين، جمع بعيد. (البغضاء) للدين، جمع بغيض. (في الله) في سبيله وطلب رضاه. (وايم الله) أيمن الله، وهو من صيغ القسم. (أزيغ) أميل عن الحق وأبتعد عنه.

٣٩٩١ - وقال أبو بردة، عن أبي مُوسَى:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم، إذا لقي الخيل، أو قال: العدو، قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم).


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم، رقم: ٢٤٩٩.
(حكيم) أي رجل ذو حكمة وشجاعة. (تنظروهم) وفي نسخة (تنتظروهم) أي إن هذا الحكيم يقول للعدو إذا واجهه: إن أصحابي يحبون القتال في سبيل الله، لا يبالون بما يصيبهم في ذلك، فانتظروهم حتى يأتوكم. وعلى رواية (لقي الخيل) يحتمل أن يكون خيل المسلمين. ومعناه: أن أصحابه كانوا رجالة على أقدامهم، فكان يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا معهم إلى العدو.

٣٩٩٢ - حدثني إسحاق بن إبراهيم: سمع حفص بن غياث: حدثنا بريد ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسى قَالَ:
قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا، ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا.
[ر: ٢٩٦٧]

٣٩٩٣ - حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عمرو: حدثنا أبو إسحاق، عن مالك بن أنس قال: حدثني ثور قال: حدثني سالم مولى بن مطيع: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول:
افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبا أو فضة، انما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم،

١٥٤٨
أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لتشتعل عليه نارا) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي ﷺ بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (شراك، - أو شراكان - من نار).
[٦٣٢٩]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، رقم: ١١٥.
(المتاع) كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه من طعام وأثاث وسلع وأموال ونحوها. (الحوائط) جمع حائط، وهو البستان من النخيل. (وادي القرى) اسم موضع بقرب المدينة. (أحد بني الضباب) هو رفاعة بن زيد، وبنو الضباب قبيلة، والضباب جمع ضب، وهو دويبة معروفة في الحجاز. (رحل) ما يوضع على البعير ليركب عليه. (عائر) حائد عن قصده، لا يدري من أين أتى. (أصابها) أخذها ونالها. (لم تصبها المقاسم) أي قسمة الغنائم المشروعة، لأنه أخذها قبل قسمة الغنيمة، فهي غلول أي خيانة. (بشراك) هو سير النعل على ظهر القدم.

٣٩٩٤ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر قال: أخبرني زيد، عن أبيه: أنه سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ:
أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ خيبر، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.


(ببانا) فقراء معدمين لا شيء لهم، متساوين في الفقر. (خزانة لهم) كالخزانة يقتسمون ما فيها كل وقت.

٣٩٩٥ - حدثني محمد بن المثنى: حدثنا ابن مهدي، عن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قال:
لولا آخر المسلمين، ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله ﷺ خيبر.
[ر: ٢٢٠٩]

٣٩٩٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: سمعت الزهري، وسأله إسماعيل بن أمية، قال: أخبرني عنبسة بن سعيد:
أن أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فسأله، قال له بعض بني سعيد بن العاص: لا تعطه، فقال أبو هريرة: هذا قاتل ابن قوقل، فقال: واعجباه لوبر، تدلى من قدوم الضأن.
ويذكر الزبيدي، عن الزهري قال: أخبرني عنبية بن سعيد:
أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبان على سرية من المدينة قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي ﷺ بخيبر بعد ما افتتحها، وإن حزم خيلهم، وإن حزم خيلهم لليف.

١٥٤٩
قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، لاتقسم لهم، قال أبان: وأنت بهذا يا وبر، تحدر من رأس ضأن. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (يَا أبان اجلس). فلم يقسم لهم.

٣٩٩٧ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدي،
أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي ﷺ فسلم عليه، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل، فقال أبان لأبي هريرة: واعجبا لك، وبر تدأدأ من قدوم ضأن، ينعى علي امرأ أكرمه الله بيدي، ومنعه أن يهينني بيده.
[ر: ٢٦٧٢]


(تدأدأ) أقبل علينا مسرعا.

٣٩٩٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:
أن فاطمة عليها السلام، بنت النبي ﷺ، أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خبير، فقال أبو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آل محمد ﷺ فِي هَذَا الْمَالِ). وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ﷺ عن حالها التي كانت عليها فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ولأعملن فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي ﷺ ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، والله لآتيهم، فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي، فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نصيبا، حتى فاضت عينا

١٥٥٠
أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يصنعه فيها إلا صنعته. فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة. فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر، فتشهد، وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي، فعظم حق أبي بكر، وحدث: أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا، فاستبد علينا، فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبا، حين راجع الأمر المعروف.
[ر: ٢٩٢٦]


(فوجدت) من الموجدة وهي الغض، وحصل ذلك لها على مقتضى البشرية، ثم سكن بعد ذلك لما علمت وجه الحق. (فهجرته) لم تلتق به. (يؤذن) يعلم. (وجه) عذر في عدم مبايعته، لاشتغاله ببنت رسول الله ﷺ وتسلية خاطرها. (استنكر ..) رآها متغيرة وكأنها تنكر عليه. (كراهية لمحضر عمر) أي مخافة أن يحضر عمر رضي الله عنه معه، وإنما كره ذلك لأن حضوره قد يكثر المعاتبة. (لم ننفس) لم نحسدك على الخلافة. (استبددت) من الاستبداد، وهو الاستقلال بالشيء، أي لم تعطنا شيئا من الإمارة أو الولاية، ولم تأخذ رأينا فيها. (بالأمر) بأمر الخلافة. (فلم آل) أقصر. (عذره) قبل عذره. (قريبا) قريبين منه ومجيبين له ومقدرين. (راجع الأمر المعروف) أي رجع إلى ما هو حق وخير ومطابق لشرع الله عز وجل، ووافق الصحابة رضي الله عنهم بالمبايعة للخلافة.

٣٩٩٩ - حدثني محمد بن بشار: حدثنا حرمي: حدثنا شعبة قال: أخبرني عمارة، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع التمر.

٤٠٠٠ - حدثنا الحسن: حدثنا قرة بن حبيب: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.

٣٧ - باب: استعمال النبي صلى الله عليه على أهل خيبر.

٤٠٠١ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ المجيد بن سهيل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وأبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكذا). فقال: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ لاصاع من هذا بالصاعين، بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: (لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا).
وقال عبد العزيز بن محمد: عن عبد المجيد، عن سعيد: ان أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر، فأمره عليها.
وعن عبد المجيد، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبي سعيد: مثله.
[ر: ٢٠٨٩]

٣٨ - باب: معاملة النبي ﷺ أهل خيبر.

٤٠٠٢ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نافع، عن عبد الله رضي الله عنه قال:
أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ الْيَهُودَ: أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يخرج منها.
[ر: ٢١٦٥]

٣٩ - باب: الشاة التي سمت للنبي ﷺ بخيبر.
رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

٤٠٠٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ: حدثني سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ.
[ر: ٢٩٩٨]

٤٠ - باب: غزوة زيد بن حارثه.

٤٠٠٤ - حدثنا مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد: حدثنا سفيان بن سعيد: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ:
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أسامه على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: (إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لقد كان خليفا للإمارة، وإن كان من أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ الناس إلي بعده).
[ر: ٣٥٢٤]


(فطعنوا ...) عابوا، وقالوا: لا يصلح للإمارة، ونحو ذلك. (وايم الله) صيغة من صيغ القسم. (خليقا) جديرا.

٤١ - باب: عمرة القضاء.
ذكره أنس، عن النبي ﷺ.

٤٠٠٥ - حدثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قال:
لما اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال: (أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله). ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (امح رسول الله). قال علي: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ

١٥٥٢
رَسُولُ الله ﷺ الكتاب، وليس يحسن يكتب، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لَا يمنع من أصحابه أحدا إن أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ، فتبعته ابنة حمزة، تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام: دُونَكِ ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها، وهي بنت عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ). وَقَالَ لِعَلِيٍّ: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ). وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي). وَقَالَ لزيد: (أنت أخونا ومولانا). وقال علي: ألا تتزوج بنت حَمْزَةَ؟ قَالَ: (إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ).
[ر: ١٦٨٩]

٤٠٠٦ - حدثني محمد هو ابن رافع: حدثنا سريج: حدثنا فليح (ح). قال: وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم قال: حدثني أبي: حدثنا فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ المقبل، فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام به ثلاثا، أمروه أن يخرج فخرج.
[ر: ٢٥٥٤]

٤٠٠٧ - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عن مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عائشة، ثم قال: كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ، قال: أربعا، ثم سمعنا استنان عائشة، قال عروة: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أبو عبد الرحمن: إن النبي ﷺ اعتمر أربع عمر، فقالت: ما اعتمر النبي ﷺ عمرة إلا هو شاهده، وما اعتمر رجب قط.
[ر: ١٦٦٥]

٤٠٠٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن إسماعيل بن أبي خالد: سمع ابن

١٥٥٣
أبي أوفى يقول:
لما اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سترناه من غلمان المشركين ومنهم، أن يؤذوا رسول الله ﷺ.
[ر: ١٥٢٣]

٤٠٠٩ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عباس رضي الله عنهما قال:
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وفد وهنتهم حمى يثرب، وأمرهم النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَرْمُلُوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
وزاد ابن سلمة، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ لعامه الذي استأمن، قال: (أرملوا). ليرى المشركون قوتهم، والمشركون من قبل قعيقعان.
[ر: ١٥٢٥]


(لعامه الذي استأمن) عام عمرة القضاء، حيث أمنته قريش حتى يدخل مكة ويعتمر. (من قبل) من جهة. (قعيقعان) جبل في مكة كانت قريش مشرفة من عليه.

٤٠١٠ - حدثني محمد، عن سفيان بن عيينة، عَنْ عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:
إنما سعى النبي ﷺ بالبيت، وَبَيْنَ الصَّفَا والمروة، ليري المشركين قوته.
[ر: ١٥٦٦]

٤٠١١ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف.
وزاد ابن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح، عن عطاء ومجاهد، عن ابن عباس قال: تزوج النبي ﷺ ميمونة في عمرة القضاء.
[ر: ١٧٤٠]


(تزوج) عقد عقده. (بنى بها) دخل بها. (ماتت) أي حين ماتت، لا في نفس تلك العمرة. (بسرف) موضع على ستة أميال من مكة.

٤٢ - باب: غزوة مؤتة من أرض الشام.

٤٠١٢ - حدثنا أحمد: حدثنا ابن وهب، عن عمرو، عن ابن أبي هلال

١٥٥٤
قال: أخبرني نافع: أن ابن عمر أخبره: أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره. يعني في ظهره.


(يومئذ) يوم مؤته، ومؤته اسم للمكان وقعت فيه المعركة يومها. (طعنة) برمح. (ضربة) بسيف. (دبره) ظهره، أي إنه لم يول ظهره للعدو لشجاعته وإقدامه، وتولية الظهر كناية عن الفرار والجبن.

٤٠١٣ - أخبرنا أحمد بن أبي بكر: حدثنا مغيرة بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سعيد، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة). قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين، من طعنة ورمية.


(بضعا) من ثلاث الى تسع. (رمية) بسهم.

٤٠١٤ - حدثنا أحمد بن واقد: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حميد بن هلاب، عن أنس رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب). وعيناه تذرفان: (حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم).
[ر: ١١٨٩]

٤٠١٥ - حدثنا قتيبة: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ:
سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابن حارثة، وجعفر ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يعرف فيه الحزن، قالت عائشة: وأنا أطلع من صائب الباب، تعني من شق الباب، فأتاه رجل، فقال: أي رسول الله إن نساء جعفر، قالت: وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، قال: فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، وذكر أنهن لم يطعنه، قال: فأمر أيضا، فذهب ثم أتى فقال: والله لقد غلبننا، فزعمت أن رسول الله ﷺ قال: (فاحث في أفواههن من التراب). قالت عائشة: فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تفعل، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ

١٥٥٥
من العناء.
[ر: ١٢٣٧]


(صائر الباب) الرواية هكذا بفتح الصاد بعد ألف، والصواب: صير، بكسر الصاد بعدها ياء. [عسقلاني وقسطلاني]].

٤٠١٦ - حدثني محمد بن أبي بكر، حدثنا عرم بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين،.
[ر: ٣٥٠٦]

٤٠١٧ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لعد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية.

٤٠١٨ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قال: حدثني قيس قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية.


(دق) كسر قطعا قطعا. (صبرت) بقيت، لم تنقطع ولم تكسر. (صفيحة لي يمانية) سيف عريض النصل من صنع اليمن.

٤٠١٩ - حدثني عمران بن ميسرة: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن عامر، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: وا جبلاه، وا كذا وكذا، تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: آنت كذلك.


(أغمي) مرض وحصل له الإغماء من شدة المرض. (واجبلاه) من صيغ الندبة، وهي تعداد محاسن الميت. (تعدد عليه) تذكر محاسنه أثناء البكاء، ومثل هذا منهي عنه، لأن معناه: يا من كان سندنا ومعتمدنا، والسند والمعتمد هو الله عز وجل، لذلك قيل له: آنت؟. والظاهر: أن القائل هم الملائكة. (آنت كذلك) استفهام إنكاري، أي لم يقولون هذا وأنت لست كذلك؟.

٤٠٢٠ - حدثنا قتيبة: حدثنا عبثر، عن حصين، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة: بهذا، فلما مات لم تبك عليه.

٤٣ - بَاب: بَعْثِ النَّبِيِّ ﷺ أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهنية.

٤٠٢١ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا حصين: أخبرنا أَبُو ظَبْيَانَ

١٥٥٦
قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ رضي الله عنهما يقول: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فكف الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي ﷺ فقال: (يا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إلا الله). قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلك اليوم.
[٦٤٧٨]


أخرجه مسلم في الإيمان، باب: تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، رقم: ٩٦.
(الحرقة) قبيلة من جهينة. (رجلا) هو مرادس بن نهيك. (متعوذا) مستجيرا من القتل. (يكررها) أي يكرر إنكاره عليه وقوله.

٤٠٢٢ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَبْعَ غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة.
وقال عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَبْعَ غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، علينا مرة أبو بكر، ومرة أسامة.


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: عدد غزوات النبي صلى الله
عليه وسلم، رقم ١٨١٥.
(البعوث) جمع بعث، وهو الجيش الذي يبعثه رسول الله ﷺ إلى العدو ولا يخرج فيه.

٤٠٢٣ - حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، بن الأكوع رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَبْعَ غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا.


(ابن حارثة) هو زيد رضي الله عنه. (استعمله) جعله أميرا، والظاهر أن هذا في غزوة مؤتة.

٤٠٢٤ - حدثنا محمد بن عبد الله: حدثنا حماد بن مسعدة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بن الأكوع قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سَبْعَ غزوات، فذكر خيبر، والحديبية، ويوم حنين، ويوم القرد، قال يزيد: ونسيت بقيتهم.


(يوم القرد) انظر الحديث: [٣٩٥٨]].

٤٤ - باب: غزوة الفتح.
وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النَّبِيِّ ﷺ.

٤٠٢٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرو بن دينار قال: أخبرني الحسن بن محمد: أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول: سمعت عليا رضي الله عنه يقول:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنا والزبير والمقداد، فَقَالَ: (انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها). قال: فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا، لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يا حاطب، ما هذا؟). قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءا ملصقا في قريش، يقول: كنت حليفا، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أما إنه قد صدقكم). فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: (إنه قد شهد بدرا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فأنزل الله السورة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق - إلى قوله - فقد ضل سواء السبيل﴾.
[ر: ٢٨٤٥]


(تعادى بنا خيلنا) أسرعت بنا وتعدت عن مشيتها المتعادة. (السورة) التي تبدأ بهذه الآية المذكورة، وهي سورة الممتحنة. (أولياء) حلفاء ونصراء. (بالمودة) النصيحة. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم من يفعله منكم ..﴾ (أن تؤمنوا) لإيمانكم. (إن كنتم) أي إذا كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة. (ابتغاء مرضاتي) من أجل الحصول على رضواني. (تسرون إليهم بالمودة) تبعثون إليهم ينصحكم سرا. (ضل سواء السبيل) أخطأ الصواب وابتعد عن طريق الهدى.

٤٥ - باب: غزوة الفتح في رمضان.

٤٠٢٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة: أن ابن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غزا غزوة الفتح في رمضان.
قال: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك.
وعن عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال:
صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حتى إذا بلغ الكديد - الماء الذي بين قديد وعسفان - أفطر، فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر.

٤٠٢٧ - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن النبي ﷺ خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف في مقدمة المدينة، فسار هو من معه من المسلمين إلى مكة، يصوم يصومون، حتى بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان وقديد، أفطر وأفطروا.
قال الزهري: إنما يؤخذ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الآخر فالآخر.


(من أمر رسول الله) من بيانه وسنته. (الآخر فالآخر) أي يجعل ما ثبت أخيرا ناسخا للسابق، ويعمل به.

٤٠٢٨ - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ في رمضان إلى حنين، والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته، دعا بإناء من لبن أو ماء، فوضعته على راحته، أو: على راحلته، ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصوام: أفطروا.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: خرج النَّبِيُّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ.
وقال حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ.


(نظر إلى الناس) ليروه وهو يفطر.

٤٠٢٩ - حدثنا علي عبد الله: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال:
سافر رسول الله ﷺ في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء، فشرب نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى قدم مكة.
وقال: وكان ابن عباس يقول: صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في السفر وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
[ر: ١٨٤٢]

٤٦ - باب: أين ركز النبي ﷺ الراية يوم الفتح.

٤٠٣٠ - حدثنا عبيد الله بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه قال:
لما سار النَّبِيُّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ، فبلغ ذلك قريشا، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ماهذه، لكأنها نيران عرفة؟ فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله ﷺ فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأُسَلِّمُ أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: (احبس أبا سفيان عند خطم الجبل، حتى ينظر إلى المسلمين). فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي ﷺ، تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة، قال: يا عباس من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: مالي ولغفار، ثم مرت جهينة، قال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم، فقال مثل ذلك، ومرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكبعة. فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الدمار. ثم جاءت كتيبة

١٥٦٠
وهي أقل الكتائب، فيهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، وراية النبي ﷺ مع الزبير بن العوام، فلما مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: (ما قال). قال: كذا وكذا، فقال: (كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، يوم تكسى فيه الكعبة). قال: وأمر رسول الله ﷺ أن تركز رايته بالحجون.
قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، ها هنا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن تركز الراية؟
قال: وأمر رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي ﷺ من كدا، فقتل من خيل الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري.
[ر: ٢٨١٣]


(أبيه) عروة بن الزبير رحمه الله تعالى. (مر الظهران) موضع قرب مكة. (نيران عرافة) التي كانوا يوقدونها فيها، وكانت عادتهم أن يكثروا منها. (حرس) المكلفون الحراسة والحفظ. (احبس ..) أوقفه. (خطم الجبل) أي أنفه البارز منه حيث يضيق الطريق، فيرى الجيش كله ويكثر في عينه، فينبعث في قلبه الشعور بقوتهم وشأنهم، فيكف عن عداوة المسلمين والتفكير في حربهم، ويتمكن الإسلام في قلبه. وفي نسخة (خطم الخيل) أي ازدحامها. (كتيبة) القطعة المجتمعة من الجيش. (الملحمة) يوم القتل، وقيل يوم حرب لا يوجد فيه مخلص. (تستحل الكعبة) يصبح القتال فيها حلالا. (حبذا) يقال: حبذا الأمر هو حبيب ومفضل، وأصلها حب وذا، فجعلتا كلمة واحدة. (يوم الذمار) يوم الغضب للمحارم والأهل. أو يلزمك فيه حفظي من أن ينالني مكروه. (كذب) أخطأ الصواب. (بالحجون) موضع قريب من مقبرة مكة. (كداء) أعلى مكة. (كدا) أسفل مكة.

٤٠٣١ - حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح يرجع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع.
[٤٥٥٥، ٤٧٤٧، ٤٧٦٠، ٧١٠٢]


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: ذكر قراءة النبي ﷺ سورة الفتح، رقم: ٧٩٤.
(يرجع) من الترجيع، وهو ترديد القارئ الحرف من الحلق. (قال) القائل هو معاوية بن قرة، رحمه الله تعالى، رواي الحديث. (كما رجع) أي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه.

٤٠٣٢ - حدثنا سليمان بن عبد الرحمن: حدثنا سعدان بن يحيى: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عن أسامة بن زيد: أنه قال زمن الفتح:
يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ قال النبي ﷺ: (وهل ترك لنا عقيل من منزل). ثم قال: (لا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن).
قيل للزهري: ومن ورث أبا طالب؟ قال: ورثه عقيل وطالب.
قال معمر، عن الزهري: أين تنزل غدا؟ في حجته، ولم يقل يونس: حجته، ولا زمن الفتح.
[ر: ١٥١١]

٤٠٣٣ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (منزلنا - إن شاء الله، إذا فتح الله - الخيف، حيث تقاسموا على الكفر).

٤٠٣٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد: أخبرنا شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ حين أراد حنينا: (مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حيث تقاسموا على الكفر).
[ر: ١٥١٢]

٤٠٣٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ دخل مكة يوم الفتح على رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: (اقتله). قال مالك: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ فيما نرى - والله أعلم - يومئذ محرما.
[ر: ١٧٤٩]

٤٠٣٦ - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عن ابن أبي نجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه قال:
دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (﴿جاء الحق وزهق الباطل﴾. ﴿جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾).
[ر: ٢٣٤٦]


(يبدئ) يخلق أحدا ابتداء. (يعيد) يبعثه ويرجعهه إذا مات. /سبأ: ٤٩/ ومعنى الآية: ذهب الباطل وتلاشى، ولم تبق منه بقية تبدئ شيئا أو تعيده.

٤٠٣٧ - حدثني إسحاق: حدثنا عبد الصمد قال: حدثني أبي: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ لما قدم مكة، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي ﷺ: (قاتلهم الله، لقد علموا: ما استقسما بها قط). ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه.
تابعه معمر، عن أيوب.
وقال وهيب: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[ر: ١٥٢٤]

٤٧ - باب: دخول النبي ﷺ من أعلى مكة.

٤٠٣٨ - وقال الليث: حدثني يونس قال: أخبرني نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفأ أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فمكث فيه نهارا طويلا، ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله: أين صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فأشار إلى المكان الذي صلى فيه. قال عبد الله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة.
[ر: ٣٨٨]
(الحجبة) جمع حاجب، وهم الذين يتولون حفظظ الكعبة وفي أيديهم مفتاحها. (سجدة) ركعة، وأطلقت عليها من تسمية الكل بالجزء.)

٤٠٣٩ - حدثنا الهيثم بن خارجة: حدثنا حفص بن ميسرة، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عائشة رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة.
تابعه أسامة ووهيب في كداء.

٤٠٤٠ - حدثنا عبيد بن إسماعيل: حدثنا أسامة، عن هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ عام الفتح من أعلى مكة من كداء.
[ر: ١٥٠٢]

٤٨ - باب: منزل النبي ﷺ يوم الفتح.

٤٠٤١ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عن ابن أبي ليلى: مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هانئ، فإنها ذكرت:
أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، ثم صلى ثماني ركعات، قالت، لم أره صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الركوع والسجود.
[ر: ١٠٥٢]

٤٠٤٢ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغفر لي).
[ر: ٧٦١]

٤٠٤٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
كَانَ عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾ حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم، لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا، فقال لي: يا ابن عباس، أكذلك قولك؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله له: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ فتح مكة، فذاك علامة أجلك: ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا﴾. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
[ر: ٣٤٢٨]


(ليريهم مني) بعض فضلي، وسر تقديمي على غيري.

٤٠٤٤ - حدثنا سعيد بن شرحبيل: حدثنا الليث، عن الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ، أُحَدِّثْكَ قَوْلًا
قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: أنه حمد الله وأنثى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن الله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقالو له: إن الله أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لي فيها سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحرمتها بالأمسن وليبلغ الشاهد الغائب). فقيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فارا بدم ولا فارا بخربة.
قال أبو عبد الله: الخربة: البلية.
[ر: ١٠٤].

٤٠٤٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر).
[ر: ٢١٢١].

٤٩ - باب: مقام النبي ﷺ زمن الفتح.

٤٠٤٦ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان: وحدثنا قبيضة: حدثنا سفيان، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس رضي الله عنه قال: أقمنا مع النبي ﷺ عشرا نقصر الصلاة.
[ر: ١٠٣١]

٤٠٤٧ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ:
أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بمكة تسعة عشر يوم يصلي ركعتين.

٤٠٤٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
أقمنا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سفر تسع عشرة نقصر الصلاة. قال ابن عباس: ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة، فإذا زدنا أتممنا.
[ر: ١٠٣٠]

٥٠ - باب: من شهد الفتح.


في الاصل كلمة (باب) بدون ترجمة، والترجمة المذكورة في اختيار صاحب الفتح، فإنه قال: ولعله كان قد بيض له ليكتب له ترجمة فلم يتفق، والمناسب لترجمته: من شهد الفتح.

٤٠٤٩ - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ مسح وجهه عام الفتح.

٤٠٥٠ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن سنين أبي جميلة قال: أخبرنا ونحن مع ابن المسيب، قال:
وزعم أبو جميلة أنه أدرك النبي ﷺ وخرج معه عام الفتح.


(زعم) بمعنى قال، وذهب جمهور الأصوليين إلى إن العدل المعاصر للرسول اللَّهِ ﷺ إِذَا قَالَ: أنا صحابي، يصدق فيه ظاهرا، أي يقبل قوله، إلا إذا ثبت ما يخالفه.

٤٠٥١ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عمرو بن سلمة.
قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال فلقيته فسألته فقال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم

١٥٦٥
أن الله أرسله، أوحى إليه. أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ ﷺ حقا، فقال: (صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا). فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص.


(قال) أيوب. (تلقاه) أي تلقى عمرو بن سلمة رضي الله عنه. (بماء) اسم منزل ينزل فيه الناس. (ممر الناس) موضع مرورهم. (يقر) من القرار، وفي رواية: (يغرى) أي يلصق بالغراء. (تلوم بإسلام الفتح) تنتظر فتح مكة حتى تعلن إسلامها. (تقلصت) انجمعت وانضمت. (است) هو مقعدة الإنسان. (فاشتروا) ثوبا.

٤٠٥٢ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أخيه سعد: أن يقبض ابن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنه ابني، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ في الفتح، أخذ سعد بن أبي وقاص ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ عبد بن زمعة، فقال سعد بن أبي وقاص: هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قال عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أخي، هذا ابن زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زمعة، فإذا أشبه الناس بعتبة ابن أبي وقاص، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (هو لك، هو أخوك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ). مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ). لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص.
قال ابن شهاب: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). وقال ابن شهاب: وكان أبو هريرة يصيح بذلك.
[ر: ١٩٤٨]

٤٠٥٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزبير:
أن امرأة سرقت فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أًسامة بن زيد يستشفعونه. قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقال: (أتكلمني في حد من حدود الله). قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: (أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: فكانت تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ الله ﷺ.
[ر: ٢٥٠٥]

٤٠٥٤ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قال: حدثني مجاشع قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بأخي بعد الفتح، قلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة. قال: (ذهب أهل الهجرة بما فيها). فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: (أبايعه على الإسلام، والإيمان، والجهاد). فلقيت أبا معبد بعد، وكان أكبرهما، فسألته فقال: صدق مجاشع.

٤٠٥٥ - حدثنا محمد ين أبي بكر: حدثنا الفضيل بن سليمان: حدثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن مجاشع بن مسعود:
انطلقت بأبي معبد إلى النبي ﷺ ليبايعه على الهجرة، قال: (مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام والجهاد). فلقيت أبا معبد فسألته، فقال: صدق مجاشع. وقال لخالد، عن أبي عثمان، عن مجاشع: أنه جاء بأخيه مجالد.
[ر: ٢٨٠٢]

٤٠٥٦ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن أبي بشر، عن مجاهد، قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إني أريد أن أهاجر إلى الشأم، قال: لا هجرة، ولكن جهاد، فانطلق فاعرض نفسك، فإن وجدت شيئا وإلا رجعت.
وقال النضر: أخبرنا شعبة: أخبرنا أبو بشر: سمعت مجاهدا: قلت لابن عمر، فقال:

١٥٦٧
لا هجرة اليوم، أو: بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مثله.

٤٠٥٧ - حدثني إسحاق بن يزيد: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني أبو عمرو الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد بن جبر المكي:
أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: لا هجرة بعد الفتح.
[ر: ٣٦٨٦]

٤٠٥٨ - حدثنا إسحاق بن يزيد: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير، فسألها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمن يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله ﷺ، مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.
[ر: ٢٩١٤]

٤٠٥٩ - حدثنا إسحاق: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أخبرني حسن بن مسلم، عن مجاهد:
أن رسول الله ﷺ قام يوم الفتح فقال: (أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات الأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد). فقال العباس بن عبد المطلب: ألا الإذخر يا رسول الله، فإنه لا بد منه للقين والبيوت، فسكت ثم قال: (إلا الإذخر، فإنه حلال).
وعن ابن جريج: أخبرني عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس: بمثل هذا أو نحو هذا. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[ر: ١٢٨٤]

٥١ - باب: قول الله تعالى: ﴿يوم حنين إذ أعجبكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته - إلى قوله - غفور رحيم﴾ /التوبة: ٢٥ - ٢٧/.


(يوم حنين) أي واذكروا يوم حنين، أو: ونصركم أيضا يوم حنين، وحنين اسم واد بين مكة والطائف، حصلت فيه وقعة بين المسلمين وبين هوازن وثقيف. (أعجبتكم كثرتكم) سررتم بها واعتمدتم عليها، وغفلتم عن أن الناصر هو الله عز وجل، لا كثرة العدد والعدد، وقد كانوا يومئذ اثني عشر ألفا، وعدوهم أربعة الآف، فقالوا: لن نغلب اليوم من قلة. (بما رحبت) أي على سعتها وفضائها. (مدبرين) منهزمين. (سكينة) أمنه وطمأنينته وتثبيته. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين. ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾. (جنودا) ملائكة. (وعذب ..) في الدنيا بالقتل والأسر وأخذ المال والذرية. (يتوب ..) يغفر لمن تاب واهتدى إلى الإسلام ممن بقي ولم يقتل.

٤٠٦٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل: رأيت بيد ابن أبي أوفى ضربة، قال: ضربتها مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ حنين، قلت: شهدت حنينا؟ قال: قبل ذلك.


(شهدت حنينا) حضرت غزوة حنين. (قبل ذلك) أراد: حضرت مشاهد قبلها، وهي الحديبية، وهو ممن بايع تحت الشجرة.

٤٠٦١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه، وجاءه رجل، فقال:
يا أبا عمارة، أتوليت يوم حنين؟ فقال: أما أنا فأشهد عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوزان، وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء، يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).

٤٠٦٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إسحاق: قيل للبراء، وأنا أسمع: أوليتم مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ حنين؟ فقال: أما النبي ﷺ فلا، كانوا رماة، فقال: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).

٤٠٦٣ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن أبي إسحاق: سمع البراء، وسأله رجل من قيس:
أفررتم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يوم حنين؟ فقال: لكن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: (أنا النبي لا كذب).
قال إسرائيل وزهير: نزل النبي ﷺ عن بغلته.
[ر: ٢٧٠٩]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة حنين، رقم ١٧٧٦.
(فأكببنا) وقعنا على الغنائم، لا نلتفت إلى شيء سواها، وكأن وجوهنا مكبوبة عليها. (بزمامها) هو اللجام الذي نقاد به.

٤٠٦٤ - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني ليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب. وحدثني إسحاق: حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْن شهاب: قال محمد بن شهاب: وزعم عروة بن الزبير: أن مروان والمسور ابن مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وقد كنت استأنيت بكم). وكان أنظرهم رسول الله ﷺ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جاؤونا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ). فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طيبنا ذلك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله صلى وَسَلَّمَ: (إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ). فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وأذنوا. هذا الذي بلغني عن سبي هوازن.
[ر: ٢١٨٤]

٤٠٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عن أيوب، عن نافع: أن عمر قال: يا رسول الله.
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
لما قفلنا في حنين، سأل عمر النبي ﷺ عن نذر كان نذره في الجاهلية، اعتكاف، فأمره النبي ﷺ بوفائه.
وقال بعضهم: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عمر.
ورواه جرير بن حازم، وحماد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، عن النبي ﷺ.
[ر: ١٩٢٧]

٤٠٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتادة، عن أبي قتادة قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله عز وجل. ثم رجعوا، وجلس النبي ﷺ فقال: (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه). فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مثله، فقمت، فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مثله، فقمت، فقال: (ما لك يا أبا قتادة). فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي، فأرضه منه. فقال أبو بكر: لاها الله إذا، لا يعمد إلى أسد مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ فيعطيك سلبه. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (صَدَقَ، فأعطه). فأعطانيه، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأول مال تأثلته في الإسلام.

٤٠٦٧ - وقال الليث: حدثني يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى أَبِي قتادة قال: لما كان حنين، نظرت إلى رجل من المسلمين، يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت، ثم ترك، فتحلل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (من أقام بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ). فَقُمْتُ لِأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمره لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يذكر عندي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أسد الله، يقاتل عن الله

١٥٧١
ورسوله ﷺ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مال تأثلته في الإسلام.
[ر: ١٩٩٤]


(يختله) يخدعه. (ترك فتحلل) أي لما انحلت قواه ترك ضمه إليه، من الحل نقيض الشد. (لا يعطه) على الجزم بلا الناهية. (أصيبغ) نوع ضعيف من الطير.

٥٢ - باب: غزوة أوطاس.

٤٠٦٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال:
لما فَرَغَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، فكف، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، قال: با ابن أخي أقرئ النبي ﷺ السلام، وقل له: استعفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي بيته على سرير مرمل وعليه فراش، قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي عامر). ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خلقك من الناس). فقلت: ولي فاستغفر، فقال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما). قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى.
[ر: ٢٧٢٨]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين، رقم ٢٤٩٨.
(أوطاس) اسم واد في ديار هوزان، وهو موضع حرب حنين، وأوطاس جمع وطيس، والوطيس نقرة من الحجر توقد حولها النار فيطبخ به اللحم، والوطيس أيضا التنور، ويكنى بها عن الحرب، فيقال: حمي الوطيس إذا اشتدت الحرب. (جمشي) من بني جشم. (فأثبته) أي أثبت السهم. (تستحي) من الفرار. (فاختلفنا ضربتين) أي ضرب كل منا الآخر ضربة صائبة. (استخلفني) جعلني أميرا عليهم من بعده. (سرير مرمل) منسوج بحبل ونحوه، من الرمال، وهي حبال الحصير التي تضفر بها الأسرة. (بياض إبطيه) مكان الشعر تحت المنكبين، وظهروه كناية عن المبالغة برفع اليدين.

٥٣ - باب: غزوة الطائف.
في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة.

٤٠٦٩ - حدثنا الحميدي: سمع سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عن أمها سلمة رضي الله عنها:
دخل النبي ﷺ وعندي مخنث، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا، فعليك بابنة غبلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَا يدخلن هؤلاء عليكن).
قال ابن عيينة، وقال ابن جريج: المخنث: هيت. حدثنا محمود: حدثنا أبو أسامة، عن هشام: بهذا، وزاد: وهو محاضر الطائف يومئذ.
[٤٩٣٧، ٥٥٤٨]


أخرجه مسلم في السلام، باب: منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، رقم: ٢١٨٠.
(مخنث) الذي خلقه خلق النساء، ويشبههن في كلامه وحركاته، وتارة يكون هذا خلقه، وتارة يكون بتكلف، وسمي به لتكسر كلامه ولينه، يقال: خنثت الشيء فتخنث، أي عطفته فتعطف. (تقبل بأربع) وهي عكن البطن، أي تجاعيده، فترى منها عند إقبالها أربعا. (وتدبر بثمان) هي أطراف العكن الأربع، ترى منها وهي مدبرة ثمانية. (هيت) اسم المخنث المذكور، وكان مولى عبد الله بن أمية، رضي الله عنه، المذكور معه.

٤٠٧٠ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن عمرو، عن أبي العباس الشاعر الأعمى، عن عبد الله بن عمر قال:
لما حاصر رسول الله ﷺ الطائف، فلم ينل منهم شيئا، قال: (إنا قافلون إن شاء الله). فثقل عليهم، وقالوا: نذهب ولا نفتحه، وقال مرة: (نقفل). فقال: (اغدوا على القتال). فغدوا فأصابهم جراح، فَقَالَ: (إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ). فأعجبهم، فضحك النبي ﷺ. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال: الحميدي: حدثنا سفيان الخبر كله.
[٥٧٣٦، ٧٠٤٢]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة الطائف، رقم: ١٧٧٨.
(فلم ينل) فلم يصب فتحا أوغيره. (قافلون) راجعون. (فثقل عليهم) اشتد
عليهم الرجوع دون فتح. (الخبر كله) أي أخبرنا سفيان بجميع الحديث بلفظ أخبرنا.

٤٠٧١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شعبة، عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان قال: سمعت سعدا، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأبا بكرة،

١٥٧٣
وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء النبي ﷺ، فقالا:
سمعنا النبي ﷺ يقول: (من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام).


(تسور) تسلق. (في أناس) في جملة عبيد من أهل الطائف. (ادعى) انتسب.

٤٠٧٢ - وقال هشام: وأخبرنا معمر، عن عاصم، عن أبي العالية، أو أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا وأبا بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قال عاصم: قلت: لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما، قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي ﷺ ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف.
[٦٣٨٥]


(حسبك بهما) كافيك بهذين الاثنين في الشهادة. (أجل) حرف جواب كنعم، يكون تصديقا للمخبر، واعلانا للمستخبر، ووعدا للطالب.

٤٠٧٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلاب، فأتى النبي ﷺ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: (أبشر). فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: (رد البشرى، فاقبلا أنتما). قالا: قبلنا، ثم دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فيه ومج فيه، ثم قال: (اشربا منه، وأقرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا). فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء ستار: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة.
[ر: ١٩٣]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: من فضائل أصحاب الشجرة ..، رقم: ٢٤٩٧.
(تنجز لي) توفي لي ما وعدتني. (نحوركما) مثنى نحر، وهو العنق. (لأمكما) وصفها بذلك لأنها زوجة النبي ﷺ، وزوجاته ﷺ أمهات المؤمنين، أي كأمهاتهم من حيث الاحترام والتقدير وحرمة التزوج بهن. (طائفة) بقية.

٤٠٧٤ - حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا إسماعيل: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء: أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره: أن يعلى كان يقول:
ليتني أُرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حين ينزل عليه، فقال فبينا النبي ﷺ بالجعرانة، وعليه ثوب قد أظل به، معه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جبة، متضمخ بطيب، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رجل

١٥٧٤
أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بالطيب؟ فأشار عمر إلى يعلى بيده: أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا النبي ﷺ محمر الوجه، يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال: (أين الذي يسألني عن العمرة آنفا). فالتمس الرجل فأتي به، فقال: (أما الطيب الذي بك فأغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك).
[ر: ١٤٦٣]

٤٠٧٥ - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثناعمرو بن يحيى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زيد بن عاصم قال:
لما أفاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: (يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي). كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن، قال: (ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ﷺ. قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن، قال: (لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير،
وتذهبون بالنبي ﷺ إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
[٦٨١٨]


أخرجه مسلم في الزكاة، باب: أعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ...، رقم ١٠٦١.
(أفاء) أعطاه الغنائم، وأصل الفيئ الرجوع، فكأن الأموال في الأصل للمسلمين، فغلب عليها الكفار، ثم رجعت إليهم. (وجدوا) حزنوا. (ما أصاب الناس) لم ينلهم ما نال الناس من العطاء. (عالة) جمع عائل وهو الفقير. (أمن) من المن، وهو الفضل. (كذا وكذا) كناية عما يقال. (شعار) هو الثوب الذي يلي الجلد من البدن. (دثار) هو الثوب الذي يكون فوق الشعار. (أثرة) ينفرد بالمال المشترك ونحوه دونكم، ويفضل عليكم بذلك غيركم. (الحوض) الذي هو لي في الجنة.

٤٠٧٦ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ: أخبرنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قال:
قال ناس من الأنصار، حين أفاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ ما أفاء الله من أموال هوازن، فطفق النبي ﷺ يعطي رجالا المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله ﷺ يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس:

١٥٧٥
فحدث رسول الله ﷺ بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (مَا حديث بلغني عنكم). فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول
الله ﷺ يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال النبي ﷺ: (فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وتذهبون بالنبي ﷺ إلى رحالكم، فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به). قالوا: يا رسول الله قد رضينا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: (ستجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله ﷺ فإني على الحوض). قال أنس: فلم يصبروا.

٤٠٧٧ - حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن أبي التياح، عن أنس قال:
لما كان يوم فتح مكة قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غنائم بين قريش، فغضبت الأنصار، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أَمَا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله ﷺ) قالوا: بلى، قال: (لو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنصار أو شعبهم).

٤٠٧٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عن ابن عون: أنبأنا هشام بن زيد بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال:
لما كان يوم حنين، التقى هوازن ومع النبي ﷺ عشرة آلاف، والطلقاء، فأدبروا، قال: (يا معشر الأنصار). قالوا: (لبيك يا رسول الله وسعديك، لبيك نحن بين يديك، فنزل النبي ﷺ فقال: (أنا عبد الله ورسوله). فانهزم المشركون، فأعطى الطلقاء والمهاجرين، ولم يعط لأنصار شيئا، فقالوا، فدعاهم فأدخلهم في قبة، فقال (أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا، لاخترت شعب الأنصار).


(الطلقاء) جمع طليق، وهو الأسير الذي خلي سبيله، والمراد أهل مكة الذين أطلقهم يوم فتحها. (لبيك .. وسعديك) لزوما لطاعتك وإجابة بعد إجابة لأمرك، وسعيا في إسعادك إسعادا بعد إسعاد. (فقالوا) تكلموا في منع العطاء عنهم.

٤٠٧٩ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ ناسا من الأنصار فقال: (إن قريشا

١٥٧٦
حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله ﷺ إلى بيوتكم). قالوا: بلى، قال: (لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ).
[ر: ٢٩٧٧]


(مصيبة) من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم. (أجبرهم) أصلح حالهم، وأعطف عليهم، وأعوضهم بعض ما فقدوه.

٤٠٨٠ - حدثنا قبيضة: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عبد الله قال:
لما قَسَم النَّبِيُّ ﷺ قِسْمَةً حنين، قال رجل من الأنصار: ما أراد بها وجه الله، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فتغير وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر).

٤٠٨١ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال:
لما كان يوم حنين آثر النبي ﷺ ناسا، أعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا، فقال رجل: ما أريد بهذه القسمة وجه الله، فقلت: لأخبرن النبي ﷺ، قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
[ر: ٢٩٨١]

٤٠٨٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مالك، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال:
لما كان يوم حنين، أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي ﷺ عشرة الآف، ومن الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده، فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينة فقال: (يا معشر الأنصار). قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: (يا معشر الأنصار). قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: (أنا عبد الله ورسوله). فانهزم المشركون، فأصاب يومئذ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى،

١٥٧٧
ويعطى الغنيمة غيرنا. فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: (يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم). فسكتوا، فقال: (يا معشر الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله ﷺ تحوزونه إلى بيوتكم). قالوا: بلى، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَوْ سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار). فقال هشام: يا أبا حمزة، وأنت شاهد ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه.
[ر: ٢٩٧٧]


(بنعمهم) ما عندهم من غنم وإابل ونحوها. (ذراريهم) أهليهم وأولادهم، ليحثوهم على الثبات. (شديدة) قضية ذات شدة كالحرب. (تحوزونه) يكون لكم وفي جماعتكم، من حازه إذا قبضه.

٥٤ - باب: السرية التي قبل نجد.

٤٠٨٣ - حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سرية قبل نجد فكنت فيها، فبلغت سهامنا اثني عشر بعيرا، ونفلنا بعيرا بعيرا، فرجعنا بثلاثة عشر بعيرا.
[ر: ٢٩٦٥]

٥٥ - بَاب: بَعْثِ النَّبِيِّ ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.

٤٠٨٤ - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وحدثني نعيم: أخبرنا عبد الله: أخبرنا معمر، عن الزهير، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فذكرناه، فرفع النبي ﷺ يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خالد). مرتين.
[٦٧٦٦]


(بني جذيمة) قبيلة من قبائل العرب. (صبأنا) خرجنا من دين إلى دين، وقصدوا الدخول في الإسلام، ولكن خالدا رضي الله عنه ظن أنهم لم ينقادوا، ولهذا لم يقولوا: أسلمنا. (أبرأ إليك) أعتذر. (مما صنع خالد) من قتل وأسر لهؤلاء.

٥٦ - باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز المدلجي. ويقال: إنها سرية الأنصاري.

٤٠٨٥ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سعد ابن عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سرية فاستعمل

١٥٧٨
عليها رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فقال: أليس أمركم النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَنْ النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف).
[٦٧٢٦، ٦٨٣٠]


(فغضب) لأمر بدا منهم. (فهموا) قصدوا الدخول في النار. (خمدت) انطفأ لهيبها. (فسكن) هدأ غضبه. (الطاعة) للمخلوق. (المعروف) أمر عرف جوازه بالشرع.

٥٧ - باب: بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع.

٤٠٨٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الملك، عن أبي بردة قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا). فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا الرجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جيء به لذلك فانزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟ قال أتفوقه تفوقا، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
[ر: ٢٨٧٣]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير. وفي الأشربة، باب: بيان أن كل مسكر خمر، رقم: ١٧٣٣.
(مخلاف) إقليم، فكان معاذ رضي الله عنه للجهة العليا إلى صوب عدن، وأبو موسى رضي الله عنه للجهة السفلي. (أحدث به عهدا) جدد العهد بزيارته. (أيم) أي شيء. (أتفوقه) ألازم قراءته ليلا ونهارا، شيئا بعد شيء، ولا أقرأ وردي دفعة واحدة. مأخوذ من فواق الناقة، وهو: أن تحلب، ثم تترك ساعة حتى يجتمع لبنها، ثم تحلب، وهكذا. (فأحتسب) أطلب الثواب. (نومتي) فترة نومي).

٤٠٨٧ - حدثني إسحاق: حدثنا خالد، عن الشيباني، عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ بعثه إلى اليمن، فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: (وما هي). قال: البتع والمزر، فقلت لأبي بردة: ما البتع؟ قال: نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير، فقال: (كل مسكر حرام).
رواه جرير وعبد الواحد، عن الشيباني، عن أبي بردة.


(نبيذ العسل) العسل المخلوط بالماء. (نبيذ الشعير) الماء الذي نقع فيه الشعير.

٤٠٨٨ - حدثنا مسلم: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ جده أبا موسى ومعاذا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا ولا تنفرا، وتطاوعا). فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع، فقال: (كل مسكر حرام). فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن،؟ قال: قائما وقاعدا وعلى راحلتي، وأتفوقه تفوقا، قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطا، فجعلا يتزاوران، فزاد معاذ أبا موسى، فإذا رجل موثق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه.
تابعه العقدي ووهب عن شعبة، وقال وكيع والنضر وأبو داود، عن شعبة، عن سعيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. رواه جرير ابن عبد الحميد، عن الشيباني، عن أبي بردة.
[ر: ٢٨٧٣]
(فسطاطا) بيتا من الشعر ونحوه.)

٤٠٨٩ - حدثني عباس بن الوليد، هو النرسي: حدثنا عبد الواحد، عن أيوب بن عائذ: حدثنا قيس بن مسلم قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: حدثني موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى أرض قومي، فجئت ورسول الله ﷺ منيخ بالأبطح، فقال: (أحججت يا عبد الله بن قيس). قلت: نعم يا رسول الله، قال: (كيف قلت). قال: قلت: لبيك إهلالا كإهلالك، قال: (فهل سقت معك هديا). قلت: لم أسق، قال: (فطف بالبيت، واسع بين الصفا والمروة، ثم حل). ففعلت حتى

١٥٨٠
مشطت لي امرأة من نساء بني قيس، ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر.
[ر: ١٤٨٤]


(مكثنا بذلك) بقينا نعمل به. (استخلف عمر) أي فكان بعد ذلك اختلاف في هذا.

٤٠٩٠ - حدثني حبان: أخبرنا عبد الله، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بينه وبين الله حجاب).
قال أبوعبد الله: طوعت طاعت، وأطاعت لغة، طعت وطعت وأطعت.
[ر: ١٣٣١]

٤٠٩١ - حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون: أن معاذا رضي الله عنه لما قدم اليمن، صلى بهم الصبح، فقرأ: ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾. فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.
زاد معاذ، عن شعبة، عن حبيب، عن سعيد، عن عَمْرٍو: أَنّ النَّبِيَّ ﷺ بعث معاذا إلى اليمن، فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء، فلما قال: ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾. قال رجل خلفه: قرت عين أم إبراهيم.


(خليلا) اصطفاه وخصه بكرامنه. /النساء: ١٢٥/. (قرت عين) بردت دمعتها، وهو كناية عن السرور.

٥٨ - باب: بعث علي بن أبي طالب عليه السلام، وخالد بن الوليد رضي الله عنه، إلى اليمن قبل حجة الوداع.

٤٠٩٢ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ: حدثنا إبراهيم ابن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق: حدثني أبي، عن أبي إسحاق: سمعت البراء رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه،

١٥٨١
فقال: (مر أصحاب خالد، من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل). فكنت فيمن عقب معه، قال: فغنمت أواقي ذوات عدد.)


(يعقب معك) من التعقيب، وهو أن يعود بعض الجند، بعد الرجوع من القتال، ليصيبوا غزوة أخرى من العدو. (أواقي) جمع أوقية، وهي أربعون درهما من الفضة.

٤٠٩٣ - حدثني محمد بن بشار: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ذكرت ذلك له، فقال: (يا بريدة أتبغض عليا). فقلت: نعم، قال: (لاتبغضه له في الخمس أكثر من ذلك).


(الخمس) خمس الغنيمة. (قد اغتسل) كناية عن وطئه لجارية اصطفاها من الخمس، وهذا سبب بغض بريدة له. (فإن له) أي فإنه يستحق. (أكثر من ذلك) الذي أخذه.

٤٠٩٤ - حدثنا قتيبة: حدثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة: حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:
بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ من اليمن بذهبية في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع: إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فقال: (ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء). قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، قال: (ويلك، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله). قلا: ثم ولى الرجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: (لا، لعله أن يكون يصلي). فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه

١٥٨٢
ما ليس في قلبه، قال رسول الله ﷺ: (إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم). قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدينكما يمرق السهم من الرمية - وأظنه قال - لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود).
[٤٣٩٠، ٦٩٩٥، ٧١٢٣، وانظر: ٣١٦٦]


أخرجه مسلم في الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم: ١٠٦٤.
(بذهيبة) تصغير ذهبة، وهي قطعة من الذهب. (أديم مقروظ) جلد مدبوغ بالقرظ، وهو نبت معروف لديهم. (تحصل) تخلص. (غائر العينين) عيناه داخلتان في محاجرهما، لاصقتان بقعر الحدقة. (مشرف) بارز. (كث) كثير شعرها. (مشمر الإزار) إزاره مرفوع عن كعبه. (أنقب) أفتح وأشق. (مقف) مول ومدبر. (ضئضئ) أصل. (رطبا) سهلا، يواظبون على قراءته ويجودونه. (لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم، والمعنى: لا يؤثر في قلوبهم، فلا يرفع في الأعمال الصالحة ولا يقبل منهم. (يمرقون) يخرجون بسرعة. (الرمية) الصيد المرمي، يصيبه السهم فينفذ من ناحية إلى أخرى، ويخرج دون أن يعلق به دم، لسرعته. (قتل ثمود) أي أستأصلهم بالقتل كما استؤصلت ثمود.

٤٠٩٥ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قال عطاء: قال جابر: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا أن يقيم على إحرامه.
زاد مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ:
فقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعايته، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: (بم أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ). قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، قَالَ: (فَأَهْدِ، وامكث حراما كما أنت). قال: وأهدى له علي هديا.
[ر: ١٤٨٢]


أخرجه مسلم في الحج، باب: بيان وجوه الإحرام ..، رقم: ١٢١٦.
(بسعايته) بما سعى به وقبضه مما ولي عليه من الخمس.

٤٠٩٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حميد الطويل: حدثنا بكر: أنه ذكر لابن عمر: أن أنسا حَدَّثَهُمْ:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ بعمرة وحجة، فقال: أهل النبي ﷺ بالحج، وأهللنا به معه، فلما قدمنا مكة قال: (من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة). وكان النبي ﷺ هدي، فقدم علينا
علي بن أبي طالب من اليمن حاجا، فقال النبي ﷺ: (بم أهللت، فإن معنا أهلك). قال: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، قَالَ: (فأمسك، فإن معنا هديا).
[ر: ١٤٨٣]


أخرجه مسلم في الحج، باب: في الإفراد والقران بالحج والعمرة، رقم: ١٢٣١، ١٢٣٢.
(أهلك) زوجك. (فأمسك) أي على الإحرام ولا تتحلل بعمرة.

٥٩ - باب: غزوة ذي الخلصة.

٤٠٩٧ - حدثنا مسدد: حدثنا خالد: حدثنا بيان، عن قيس، عن جرير

١٥٨٣
قال:
كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة، والكعبة اليمانية، والكعبة الشامية، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: (أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذي الخلصة). فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه. وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فدعا لنا ولأحمس.

٤٠٩٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا إسماعيل: حدثنا قيس قال: قال لي جرير رضي الله عنه:
قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: (ألا تريحني من ذي الخلصة). وكان بيتا في خثعم، يسمى الكعبة اليمانية، فانطلقت في خسمين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب صدري حتى رأيت أثر أصابعه فِي صَدْرِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مهديا). فانطلق إليها فكسرها وحرقها، ثم بعث إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

٤٠٩٩ - حدثنا يوسف بن موسى: أخبرنا أبو أسامة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ، عن جَرِيرٍ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ألا ترحني من ذي الخلصة). فقلت: بلى، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده فِي صَدْرِي، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مهديا). قال: فما وقعت عن فرس بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد، يقال له الكعبة، قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها.
قال: ولما قدم جرير اليمن، وكان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ها هنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك، قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير، فقال: لتكسرنها ولتشهدن: أن لا إله إلا الله، أو لأضربن عنقك؟ قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكني أبا أرطاة إلى النبي ﷺ يبشره بذلك،

١٥٨٤
فلما أتى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال: فبرك النبي ﷺ على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
[ر: ٢٨٥٧]


(يستقسم) يطلب القسمة من الخير والشر. (الأزلام) قطع خشبية كتب عليها: افعل، لا تفعل، والثالث غفل، أي لم يكتب عليه شيء، يضربون بها إذا أرادوا عملا ما، أي يجعلونها في كيس ثم يخرجون واحدا منها، فإن خرج افعل عملوا بما فيه، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج الغفل ثاروا.

٦٠ - باب: غزوة ذات السلاسل.
وهي غزوة لخم وجذام، قاله إسماعيل بن أبي خالد.
وقال ابن إسحاق، عن يزيد، عن عروة: هي بلاد بلي، وعذرة وبني القين.


(لخم وجذام وبلي وعذرة وبني القين) أسماء لقبائل العرب.

٤١٠٠ - حدثنا إسحاق: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الحذاء، عن أبي عثمان:
أن رسول الله ﷺ بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة). قلت: من الرجال؟ قال: (أبوها). قلت: ثم من؟ قال: (عمر). فعد رجالا، فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم.
[ر: ٣٤٦٢]

٦١ - باب: ذهاب جرير إلى اليمن.

٤١٠١ - حدثني عبد الله بن أبي شيبة العبسي: حدثنا ابن إدريس، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال:
كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقال لي ذو عمرو: لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك، لقد مر على أجله منذ ثلاث، وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم، فقالوا: قبض رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتُخْلِفَ أبو بكر، والناس صالحون. فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن، فأخبرت أبا بكر بحديثهم، قال: أفلا جئت بهم، فلما كان بعد قال لي ذو عمرو: يا جرير إن بك علي كرامة، وإني مخبرك خبرا: إنكم، معشر العرب، لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا، يغضبون غضب

١٥٨٥
الملوك، ويرضون رضا الملوك.


(أمر) شأن وصفة. (صاحبك) أي النبي صلى الله عيه وسلم. (أجله) موته. (صالحون) راضون بمن استخلف عليهم، مستقيمون على بيعتهم، وأمرهم ثابت ومستقر. (أخبر صاحبك) أي أبا بكر رضي الله عنه. (بعد) أي بعد أن هاجر ذو عمرو في خلافة عمر رضي الله عنه. (كرامة) فضلا. (ما كنتم) ما دمتم تفعلون ذلك. (هلك) مات. (تأمرتم في آخر) تشاورتم فيما بينكم، وأقمتم أميرا تختارونه منكم، ترضونه وتطيعونه. (بالسيف) أي أصبحت الإمارة بالغلبة والقهر.

٦٢ - باب: عزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

٤١٠٢ - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أنه قال:
لما بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بعثا قبل الساحل، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاثمائة، فخرجنا وكنا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بأزواد الجيش فجمع، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إلا تمرة تمرة، فقلت: ما تغني عنكم تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظرب، فأكل منها القوم ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثم مرت تحتهما فلم تصبهما.

٤١٠٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثلاثمائة راكب، أميرنا أبو عبيدة ابن الجراح، نرصد عير قريش، فأقمنا بالساحل نصف شهر، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ ذلك الجيش جيش الخبط، فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وادهنا من ودكه، حتى ثابت إلينا أجسامنا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ، فعمد إلى أطول رجل معه - قال سفيان مرة: ضلعا من أضلاعه فنصبه، وأخذ رجلا وبعيرا - فمر تحته.
قال جابر: وكان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه.

١٥٨٦
وكان عمرو يقول: أخبرنا أبو صالح: أن قيس بن سعد قال لأبيه: كنت في الجيش فجاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، قال: ثم جاعوا، قال: انحر، قال نحرت، قال ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نحرت، ثم جاعوا، قال: انحر، قال: نهيت.


أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب: إباحة ميتات البحر، رقم: ١٩٣٥.
(نرصد) نقعد على الطريق ونراقب. (عير قريش) ابلا محملة بمال التجارة لقريش. (الخبط) ما يسقط من ورق الشجر إذا ضربتها بالعصا. (العنبر) اسم لنوع من الحيتان يتخذ من جلدها التروس. (ودكه) شحمه ودهنه. (ثابت) رجعت إلى ما كانت عليه من القوة والسمن.

٤١٠٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أبو عبيدة، فجعنا جوعا شديدا، فألقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مِثْلُهُ، يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فمر الراكب تحته.
فأخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابرا يقول:
قال أبو عبيدة: كلوا، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (كلوا، رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم). فأتاه بعضهم بعضو فأكله.
[ر: ٢٣٥١]

٦٣ - باب: حج أبي بالناس في سنة تسع.

٤١٠٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا فليح، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أبي هريرة:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بعثه، في الحجة التي أمره النبي ﷺ عليها قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يؤذن في الناس أَنْ: لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يطوفن بالبيت عريان.
[ر: ٣٦٢]


(رهط) جماعة من الذكور دون العشرة.

٤١٠٦ - حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قال:
آخر سورة نزلت كاملة براءة، وآخر سورة نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يفتيكم في الكلاله﴾.
[٤٣٢٩، ٤٣٧٧، ٦٣٦٣]


(براءة) أي سورة التوبة التي تبدأ بقوله تعالى: ﴿براءة﴾. (آخر سورة) آية. (يستفتونك) يطلبون منك الفتوى وهي جواب الحادثة، وقيل: تبين المشكل من الأمر. (الكلالة) هو من مات وليس له أصل وارث ولا فرع، وقيل: هي الورثة غير الأصول والفروع. /النساء: ١٧٦/.

٦٤ - باب: وقد بني تميم.

٤١٠٧ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أبي صخرة، عن صفوان بن محرز المازني، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قال:
أتى نفر من بني تميم النبي ﷺ، فَقَالَ: (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ). قَالُوا: يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا، فرئي ذلك في وجهه، فجاء نفر من اليمن، فقال: (اقبلوا البشرى اذ لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قد قبلنا يا رسول الله.
قال ابن إسحاق: غزوة عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بني العنبر من بني تميم. بعثه النبي ﷺ إليهم، فأغار، وأصاب منهم ناسا، وسبى منهم نساء.
[ر: ٣٠١٨]


(ابن إسحاق) صاحب كتاب المغازي هو أصل سيرة ابن هشام. (أصاب منهم ناسا) قتلهم وأسرهم. (سبى) من السبي، وهو ما يؤخذ من نساء الأعداء وأطفالهم.

٤١٠٨ - حدثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
لَا أَزَالُ أحب بني تميم بعد ثلاث سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يقولها فيهم: (هم أشد أمتي على الدجال). وكانت منهم سبية عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: (أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إسماعيل). وجاءت صدقاتهم، فقال: (هذه صدقات قوم، أو: قومي).
[ر: ٢٤٠٥]

٤١٠٩ - حدثني إبراهيم بن موسى: حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، عن ابن أبي ملكية: أن عبد الله بن الزبير أخبرهم:
أنه قدم ركب من بني تميم عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة، قال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، قال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا﴾. حتى انقضت.
[٤٥٦٤، ٤٥٦٦، ٦٨٧٢]


(خلافي) مخالفة قولي. (فتماريا) تجادلا وتخصما. (لا تقدموا) لا تقطعوا في أمر ولا تحكموا فيه. (انقضت) الآيات الأولى من سورة الحجرات، وهي: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم﴾ /الحجرات: ١ - ٣/. (بين يدي ..) قبل أن يحكم الله تعالى أو رسوله ﷺ ويأذن فيه. (ترفعوا ..) لا تجعلوا كلامكم مرتفعا على كلامه ﷺ في الخطاب. (ولا تجهروا ..) إذا كلمتموه وهو صامت فلا تبلغوا بكلامكم الجهر المتعارف بينكم، ولا تنادوه باسمه: يا محمد، بل قولوا: يا رسول الله، ونبي الله، ﷺ. (أن تحبط أعمالكم) خشية أن تبطل أعمالكم الصالحة ويذهب ثوابها. (يغضون) يخفضون. (عند رسول الله) في مجلسه وأثناء مكالمته. (امتحن ..) اختبرها وخلصها من كل شائبة فسوق أو عصيان، كما يمتحن الذهب بالنار، ليخرج خالصه وتذهب شوائبه.

٦٥ - باب: وفد عبد القيس.

٤١١٠ - حدثني إسحاق: أخبرنا أبو عامر العقدي: حدثنا قرة، عن أبي جمرة، قلت لابن عباس رضي الله عنهما:
إن لي جرة ينتبذ لي نبيذ فيها، فأشربه حلوا في جر، إن أكثرت منه فجالست القوم فأطلت الجلوس خشيت أن أفتضح، فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقال: (مرحبا بالقوم، غير خزايا ولا الندامى). فقالوا: يا رسول الله إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم، حدثنا بِجُمَلٍ مِنَ الْأَمْرِ: إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الجنة، وندعو به مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أربع، الإيمان بالله، هل تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانِ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وأن تعطوا من المغانم الخمس. وأنهاكم عن أربع: ما انتبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت).


(في جر) في جملة جرار. (أفتضح) لما يكاد يظهر علي من اشتباه أفعالي وأقوالي بأفعال السكارى وأقوالهم.

٤١١١ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلسنا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأشياء نأخذ بها وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أربع، الْإِيمَانِ بِاللَّهِ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله - وعقد واحدة - وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم. وأنهاكم عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت).
[ر: ٥٣]

٤١١٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ: أخبرني عمرو، وقال بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير: أن كريبا مولى ابن عباس حدثه: أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة:
أرسلوا إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالُوا: اقْرَأْ عليها السلام مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بعد العصر، فإنا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نهى عنهما.
قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر الناس عنهما.
قال كريب فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني، فقالت: سل أم سلمة، فأخبرتهم، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى عنهما، وإنه صَلَّى الْعَصْرَ،
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ من بني حرام من الأنصار، فصلاهما، فأرسلت إليه الخادم، فقلت: قومي إلى جنبه، فقولي: تقول أم سلمة: يا رسول الله، ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين؟ فأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري، فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هاتان).
[ر: ١١٧٦]


(بالإسلام من قومهم) يخبرونني أنهم أسلموا هم وقومهم، ويسألونني عن تعاليم الإسلام وشرائعه.

٤١١٣ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا أبو عامر عبد الملك: حدثنا إبراهيم، هو ابن طهمان، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: أول جمعة جمعت، بعد جمعة جمعت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، في مسجد عبد القيس بجواثى.
يعني قرية من البحرين.
[ر: ٨٥٢]

٦٦ - باب: وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال.

٤١١٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قال: حدثني سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ

١٥٩٠
فَقَالَ: (مَا عندك يا ثمامة). فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت. فترك حتى كان الغد، فقال: (ما عندك يا ثمامة). فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد
فقال: ما عندك يا ثمامة فقال: عندي ما قلت لك فَقَالَ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ). فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِمْرَةِ أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ﷺ.
[ر: ٤٥٠]


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: ربط الأسير وحبسه ..، رقم: ١٧٦٤.
(نخل) وفي نسخة (نجل) أي ماء. (صبوت) ملت إلى دين غير دينك ودين آبائك.

٤١١٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قدم مسيلمة الكذاب عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله ﷺ قطعة جريد، حتى وقف عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني). ثم انصرف عنه، قال ابن عباس: فسألت عن قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: (إنك أرى الذي أريت فيه ما رأيت). فأخبرني أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي). أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة
[ر: ٣٤٢٤]

٤١١٦ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بَيْنَا أَنَا نائم أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا علي، فأوحي الي أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وصاحب اليمامة).
[٦٦٣٠، وانظر: ٣٤٢٤]


أخرجه مسلم في الرؤيا، باب: رؤيا النبي ﷺ، رقم: ٢٢٧٤.
(سواران) مثنى سوار، وهو ما يوضع في معصم اليد من الحلي. (فكبر) عظم وثقل. (بينهما) من حيث المسكن والمنزل. (صاحب صنعاء) الأسود العنسي، وصنعاء عاصمة اليمن. (صاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب، من بني حنيفة، واليمامة مقره، وهي على مرحلتين من الطائف.

٤١١٧ - حدثنا الصلت بن محمد: قال: سمعت مهدي بن ميمون قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول:
كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به، فإذا دخل رجب قلنا: منصل الأسنة، فلا ندع رمحا فيه حديدة، ولا سهما فيه حديدة، إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب.
وسمعت أبا رجاء يقول: كنت يوم بعث النبي ﷺ غلاما، أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار، إلى مسيلمة الكذاب.


(جثوة) شيء من التراب يجمع حتى يصير كوما. (منصل الأسنة) أي منزع الحديد من السلاح، والأسنة جمع سنان وهو نصل الرمح.

٦٧ - باب: قصة الأسود العنسي.

٤١١٨ - حدثنا سعيد بن محمد الجرمي: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط، وكان في موضع آخر اسمه عبد الله: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:
بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة، فنزل في دار بنت الحارث، وكان تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر، فأتاه رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَعَهُ ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي يقال له: خطيب رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِي يد رسول الله ﷺ قضيب، فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر،

١٥٩٢
ثم جعلته لنا بعدك، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَوْ سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس، وسيجيبك عني). فانصرف النبي ﷺ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلْتُ عن عبد الله بن عباس، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي ذَكَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لي أن رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أريت أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ). فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب.
[ر: ٣٤٢٤]


(ففظعتهما) من فظع الأمر فهو فظيع، إذا جاوز الحد والمقدار في البشاعة أو الشدة.

٦٨ - باب: قصة أهل نجران.

٤١١٩ - حدثني عباس بن الحسين: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال:
جاء العاقب والسيد، صاحبا نجران، إلى رسول الله ﷺ يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال: (لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين). فاستشرف له أصحاب رسول الله ﷺ، فقال: (قم يا أبا عبيدة بن الجراح). فلما قام، قال رسول الله ﷺ: (هذا أمين هذه الأمة).


(العاقب) صاحب مشورتهم، واسمه عبد المسيح. (السيد) رئيسهم، واسمه الأيهم. (صاحبا نجران) من أكابر النصارى فيها. (يلاعناه) يباهلاه، بأن يدعو كل فريق بالعذاب على المبطل. (ما سألتنا) الذي طلبته منا من الجزية.

٤١٢٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر: حدثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي الله عنه قال:
جاء أهل نجران إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: ابعث لنا رجلا أمينا، فقال: (لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ). فَاسْتَشْرَفَ لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
[ر: ٣٥٣٥]

٤١٢١ - حدثنا أبو الوليد: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عبيدة بن الجراح).
[ر: ٣٥٣٤]

٦٩ - باب: قصة عمان والبحرين.

٤١٢٢ - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا سفيان: سمع ابن المنكدر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يَقُولُ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا). ثلاثا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله ﷺ، فلما قدم على أبي بكر أمر مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ دين أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته: أن النبي ﷺ قال: (لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا). ثلاثا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني. فقال: أقلت تبخل عني؟ وأي داء أدوأ من البخل، قالها ثلاثا، ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك.
وعن عمرو، عن محمد بن علي: سمعت جابر بن عبد الله يقول: جئته، فقال لي أبو بكر: عدها، فعددتها. فوجدتها خمسمائة، فقال: خذ مثلها مرتين.
[ر: ٢١٧٤]

٧٠ باب: قدوم الأشعريين وأهل اليمن.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (هم مني وأنا منهم).
[ر: ٢٣٥٤]

٤١٢٣ - حدثني عبد الله بن محمد وإسحاق بن نصر قالا: حدثنا يحيى بن آدم: حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قدمت أنا وأخي من اليمن، فمكثنا حينا، ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت، ومن كثرة دخولهم ولزومهم له.
[ر: ٣٥٥٢]

٤١٢٤ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا عبد السلام، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ قال: لما قدم أبو موسى أكرم هذا الحي من جرم، وإنا لجلوس عنده، وهو يتغدى دجاجا، وفي القوم رجل جالس، فدعاه إلى الغذاء، فقال: إني رأيته يأكل شيئا فقذرته، فقال: هلم، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يأكله، فقال: أني حلفت لا آكله، فقال: هلم أخبرك عن

١٥٩٤
يمينك، إنا أتينا النَّبِيِّ ﷺ نَفَرٌ مِنْ الأشعريين فاستحملناه، فأبى أن يحملنا، فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا، ثم لم يلبث النبي ﷺ أن أتي بنهب إبل، فأمر لنا بخمس ذود، فلما قبضناها قلنا: تغفلنا النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ، لَا نُفْلِحُ بعدها أبدا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، إنك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا؟ قال: (أجل، ولكن لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها).
[ر: ٢٩٦٤]


(جرم) قبيلة من قبائل العرب. (هلم) اسم فعل بمعنى تعال. (تغفلنا) اغتنمنا غفلته. (وتحللتها) أي خرجت من الإثم فيها وكنت حل منها بفعل الكفارة.

٤١٢٥ - حدثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا سفيان: حدثنا أبو صخرة جامع بن شداد: حدثنا صفوان بن محرز المازني: حدثنا عمران ابن حصين قال: جاءت بنو تميم إلى رسول الله ﷺ، فقال: (أبشروا يا بني تميم). قالوا: أما إذ بشرتنا فأعطنا، فتغير وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ ناس من أهل اليمن، فقال النبي ﷺ: (اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قد قبلنا يا رسول الله.
[ر: ٣٠١٨]

٤١٢٦ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بن أبي حازم، عن أبي مسعود:
أن النبي ﷺ قال: (الإيمان ها هنا - وأشار بيده إلى اليمن - والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين - عند أصول أذناب الإبل، من حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر).
[ر: ٣١٢٦]


(ربيعة ومضر) مفتوحان على أنهما يدل من الفدادين، وهما ممنوعان من الصرف، ويجوز الضم فيهما على أنهما خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هما ربيعة ومضر.

٤١٢٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ: (أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم).
وقال غندر، عن شعبة، عن سليمان: سمعت ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.


(أرق أفئدة) جمع فؤاد، قيل: هو القلب، وقيل: هو باطن القلب أو غشاؤه، وأي قلوبهم أكثر إشفاقا وتأثرا.

٤١٢٨ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عن أبي هريرة:
أن النبي ﷺ قال: (الإيمان يمان، والفتنة ها هنا، ها هنا يطلع قرن الشيطان).


(الفتنة) الفساد والشر واضطراب الأمور. (ها هنا) نحو المشرق. (قرن الشيطان) المراد: ما يثيره الشيطان من الفتن، ومن يسعى فيها ويؤجج نيرانها من شياطين الإنس، أو المراد بالقرن صفحة الرأس وجانبه، فيكون المعنى: أن الشيطان ينتصب في محاذاة الشمس حين تطلع، فإذا طلعت كانت بين جانبي رأسه، فإذا سجد عبدة الشمس كان السجود له.

٤١٢٩ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: (أتاكم أهل اليمن، أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان الحكمة يمانية).
[ر: ٣١٢٥]


(الفقه) الفهم في دين الله عز وجل.

٤١٣٠ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا جلوسا مع ابن مسعود، فجاء خباب، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال: أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟ قال: أجل، قال: أقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير، أخو زيد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال: أما إنك إن شئت أخبرتك بِمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي قومك وقومه؟ فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب، فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى، قال: أما إنك لن تراه علي بعد اليوم، فألقاه.
رواه غندر، عن شعبة.


(خباب) بن الأرث، الصحابي المشهور رضي الله عنه. (قومك وقومه) يشير إلى ثناء النبي ﷺ على النخع قوم علقمة، وذم بني أسد قوم زيد. (ألم يأن ..) ألم يجئ وقت إلقائه، ويحمل لبس خباب رضي الله عنه لخاتم الذهب على أنه لم يبلغه التحريم، فقد ثبت أنه ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذهب، ثم نزعه وحرم الذهب على الرجال، وكثيرا ما كان أحد الصحابة، رضي الله عنهم، يسمع حكما أو يشاهد عملا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثم يغيب عنه في الغزوات ونحوها، فيحدث في غيبته نسخ أو تخصيص أو تقييد، فيفوته معرفة ما حدث، حتى يبلغه ذلك في الوقت المناسب، كما حصل هنا مع خباب وابن مسعود، رضي الله عنهما.

٧١ - باب: قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي.

٤١٣١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذكوان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
جاء الطفيل بن عمرو إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إن دوسا قد هلكت، عصت وأبت، فادع الله عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ).
[ر: ٢٧٧٩]

٤١٣٢ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عن أبي هريرة قَالَ:
لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قلت في الطريق:
يالية [يَا لَيْلَةً؟؟] مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا من دارة الكفر نجت.
وأبق غلام لي في الطريق، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فبايعته، فينا أنا عنده إذ طلع الغلام، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (يَا أبا هريرة هذا غلامك). فقلت: هو لوجه الله، فأعتقته.
[ر: ٢٣٩٣]

٧٢ - باب قصة وفد طيئ، وحديث عدي بن حاتم.

٤١٣٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حدثنا عبد الملك، عن عمرو بن حريث، عن عدي بن حاتم قال:
أتينا عمر في وفد، فجعل يدعو رجلا رجلا ويسميهم، فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عدي: فلا أبالي إذا.


إنظر مسلم: فضائل الصحابة، باب: من فضائل غفار وأسلم وجهينة ..، رقم: ٢٥٢٣.
(فلا أبالي إذا) أي إذا كانت لي هذه الفضائل، وأكرمني الله بهذا السبق إلى الحق والخير، فلا أبالي بشيء بعده، ولا يغيرني: قدمت على غيري في المواطن أم لا.

٧٣ - باب: حجة الوادع.

٤١٣٤ - حدثنا إسماعيل بن عبد الله: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في حجة الوادع، فأهللنا بعمرة، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (من كان معه هدي فليهلل بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يحل منهما جميعا). فقدمت معه مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصفا والمروة، فشكوت إلى رسول الله ﷺ فَقَالَ: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ،

١٥٩٧
وَدَعِي العمرة). ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله ﷺ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بر الصديق إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: (هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ). قالت: فطاف الذين أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا.
[ر: ٢٩٠]

٤١٣٥ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: حدثنا ابن جريج قال: حدثني عطاء، عن ابن عباس: إذا طاف بالبيت فقد حل، فقلت: من أين قال هذا ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: ﴿ثم محلها إلى البيت العتيق﴾. ومن أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ أن يحلوا في حجة الوادع. قلت: إنما كان ذلك بعد المعرف، قال: كان ابن عباس يراه قبل وبعد.


أخرجه مسلم في الحج، باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام، رقم: ١٢٤٥.
(طاف) طواف الإفاضة. (حل) تحلل من إحرامه وإن يسع ويحلق. (قال هذا) أخذه واستنبطه حتى قال به. (محلها ..) أي محل الناس من إحرامهم إذا وصلت الأنعام المهداة إلى الحرم مكان ذبحها - وهو عند البيت: أي الكعبة وما حولها - في وقته - وهو يوم النحر - ويكون ذلك بطواف الإفاضة، وهو الركن والزيارة. (العتيق) الموضوع قديما لعبادة الله عز وجل. /الحج: ٣٣/. (المعرف) موضع التعريف، والتعريف هو الوقوف في عرفات، يقال: عرف الناس، إذا شهدوا عرفة، فأطلق اسم المكان - وهو المعرف - على الفعل، وهو التعريف. (قبل وبعد) أي قبل الوقوف وبعده.

٤١٣٦ - حدثني بيان: حدثنا النضر: أخبرنا شعبة، عن قيس قال: سمعت طارقا، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال:
قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بالبطحاء، فقال: (أحججت). قلت: نعم، قال: (كيف أهللت). قلت: لبيك بإهلال كإهلال رسول الله ﷺ، قال: (طف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم حل). فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، وأتيت امرأة من قيس، ففلت رأسي.
[ر: ١٤٨٤]

٤١٣٧ - حدثني إبراهيم بن المنذر: أخبرنا أنس بن عياض: حدثنا موسى ابن عقبة، عن نافع: أن ابن عمر أخبره: أن حَفْصَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أزواجه أن يحللن عام حجة الوادع، فقالت حفصة: فما يمنعك؟ فقال: (لبدت رأسي، وقلتدت هديي، فلست أحل حتى أنحر هديي).
[ر: ١٤٩١]

٤١٣٨ - حدثنا أبو اليمان قال: حدثني شعيب، عن الزهري، وقال محمد ابن يوسف: حدثنا الأوزاعي قال: أخبرني ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله ﷺ في حجة الوداع، والفضل بن عباس رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أن أحج عنه؟ قال: (نعم).
[ر: ١٤٤٢]

٤١٣٩ - حدثني محمد: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
أقبل النَّبِيُّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ، وهو مردف أسامة على القصواء، ومعه بلال وعثمان بن طلحة، حتى أناخ عند البيت، ثم قال لعثمان: (ائتنا بالمفتاح). فجاءه بالمفتاح ففتح له الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسامة وبلال وعثمان، ثم أغلقوا عليهم الباب، فمكث نهارا طويلا، ثم خرج وابتدر الناس الدخول، فسبقتهم، فوجدت بلالا قائما من وراء الباب، فقلت له: أين صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فقال: صلى بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين، صلى بين العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت، بينه وبين الجدار. وقال: ونسيت أن أسأله كم صلى، وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء.
[ر: ٣٨٨]


(القصواء) اسم ناقة النبي ﷺ. (سطرين) صفين. (تلج) تدخل. (مرمرة) من المرمر، وهو جنس نفيس من الرخام.

٤١٤٠ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: حدثني عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أخبرتهما:
أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، حاضت في حجة الوداع، فقال النبي ﷺ: (أحابستنا هي). فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال النبي ﷺ: (فلتنفر).
[ر: ٣٢٢]

٤١٤١ - حدثنا يحيى بن سليمان قال: أخبرني ابن وهب قال: حدثني عمر ابن محمد: أن أباه حدثه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
كنا تنحدث بحجة الوداع، والنبي ﷺ

١٥٩٩
بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره، وقال: (ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته، أنذره نوح والنبيون
من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفي عليكم من شأنه فليس يحفى عليكم: أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم - ثلاثا - إن ربكم ليس بأعور، وإنه أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شهركم هذا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ)، قَالُوا نَعَمْ، قَالَ: (اللَّهُمَّ اشهد - ثلاثا - ويلكم، أو ويحكم، انظروا، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بعض).
[ر: ١٦٥٥]


(نتحدث بحجة الوداع) نتكلم عنها، لأن النبي ﷺ ذكرها دون أن نفهم المراد من الوداع. (بين أظهرنا) بيننا. (فأطنب) طول. (عنبة طافية) بارزة عن سطح وجهه، كالعنبة التي تبرز وتخرج عن حد أخواتها من حبات العنقود وكأنها حبة طافية على وجه الماء.

٤١٤٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أبو إسحاق قال: حدثني زيد بن أرقم:
أن النبي ﷺ غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعد أن هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها، حجة الوداع. قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.
[ر: ٣٧٣٣]

٤١٤٣ - حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ:
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قال في حجة الوداع لجرير: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ). فَقَالَ: (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بعض).
[ر: ١٢١]

٤١٤٤ - حدثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يوم خلق الله السماوات وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَيُّ شَهْرٍ هَذَا). قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: (أَلَيْسَ ذا الحجة). قلنا: بلى، قال: (فأي بَلَدٍ هَذَا). قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ

١٦٠٠
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: (أليس البلدة). قلنا: بلى، قال: (فبأي يَوْمٍ هَذَا). قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: (أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ) قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فسيسألكم عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ). فَكَانَ محمد إذا ذكره يقول: صدق محمد ﷺ، ثُمَّ قَالَ: (أَلَا هل بلغت). مرتين.
[ر: ٦٧]


أخرجه مسلم في القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، رقم ١٦٧٩.
(البلدة) أي المحرمة وهي مكة.

٤١٤٥ - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان الثوري، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شهاب: أن أناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر: أية آية؟ فقالوا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ واقف بعرفة.
[ر: ٤٥]

٤١٤٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نوفل، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بحجة، ومنا من أهل بحج وعمرة، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الحج والعمرة، فلم يحلوا حتى يوم النحر.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وقال: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في حجة الوداع. حدثنا إسماعيل: حدثنا مالك: مثله.
[ر: ٢٩٠]

٤١٤٧ - حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا إبراهيم، هو ابن سعد: حدثنا ابن شهاب، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
عادني النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الوداع، من وجع أَشْفَيْتُ

١٦٠١
مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، بلغ بي من الوجع مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قال: (لا). قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: (لا). قلت: فالثلث؟ قال: (والثلث كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولست تُنْفِقَ نَفَقَةً
تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك). قلت: يا رسول الله، أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا ازددت به دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ). رثى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن توفي بمكة.
[ر: ٥٦]

٤١٤٨ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عمر رضي الله عنهما أخبرهم:
أن رسول الله ﷺ حلق رأسه في حجة الوداع.

٤١٤٩ - حدثنا عبيد الله بن سعيد: حدثنا محمد بن بكر: حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نافع: أخبره ابْنِ عُمَرَ:
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ حلق في حجة الوداع، وأناس من أصحابه، وقصر بعضهم.
[ر: ١٦٣٩]

٤١٥٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابن شهاب، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أخبره:
أنه أقبل يسير على حمار، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ بمنى في حجة الوداع يصلي بالناس، فسار الحمار بين يدي بعض الصف، ثم نزل عنه، فصف مع الناس.
[ر: ٧٦]

٤١٥١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حدثني أبي قال:
سئل أسامة، وأنا شاهد، عن سير النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّتِهِ؟ فقال: العنق، فإذا وجد فجوة نص.
[ر: ١٥٨٣]

٤١٥٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عن يحيى بن سعيد، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن يزيد الخطمي: أن أبا أيوب أخبره:
أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعا.
[ر: ١٥٩٠]

٧٤ - باب: غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة.

٤١٥٣ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بريد بن عبد الله ابن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال:
أرسلني أصحابي إلى رسول الله ﷺ أسأله الحملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك، فقلت: يا نبي الله، إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فَقَالَ: (وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ). وَوَافَقْتُهُ وهو غضبان ولا أشعر، ورجعت حزينا من منع النبي ﷺ، ومن مخافة أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ وجد في نفسه علي، فرجعت إلى أصحابي، فأخبرتهم الذي قال النبي ﷺ، فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي: أي عبد الله بن قيس، فأجبته، فقال: أجب رسول الله ﷺ يدعوك، فلما أتيته قال: (خذ هذين القرينين، وهذين القرينين - لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد - فانطلق بهن إلى أصحابك، فقل: إن الله، أو قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يحملكم على هؤلاء فاركبوهن). فانطلقت إليهم بهن، فقلت: أن رسول الله ﷺ يحملكم على هؤلاء، ولكني والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لا تظنوا أني حدثتكم شيئا لم يقله رسول الله ﷺ، فقالوا لي: والله إنك عندنا لمصدق، ولنفعلن ما أحببت، فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتى أتوا الذين سمعوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ منعه إياهم، ثم إعطاءهم بعد، فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى.
[ر: ٢٩٦٤]


(وافقته) صادفته والتقيت به. (وجد) غضب. (سويعة) تصغير ساعة وهي جزء من الزمان، وقد تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءا، التي هي مجموع اليوم والليلة. (القرينين) تثنية قرين، وهو البعير المقرون بآخر.

٤١٥٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ الحكم، عن مصعب ابن سعد، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خرج إلى تبوك، واستخلف عليا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه ليس نبي بعدي).
وقال أبو داود: حدثنا شعبة، عن الحكم: سمعت مصعبا.
[ر: ٣٥٠٣]


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رقم: ٢٤٠٤.
(استخلف ..) تركه أميرا على من بقي في المدينة، كعادته ﷺ إذا خرج، وأكثرهم من النساء والصبيان.

٤١٥٥ - حدثنا عبيد الله بن سعيد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قال: سمعت عطاء يخبر قال: أخبرني صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ العسرة، قال: كان يعلى يقول: تلك الغزوة أوثق أعمالي عندي. قال عطاء: فقال صفوان: قال يعلى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا على يد الآخر، قال عطاء: فلقد أخبرني صفوان: أيهما عض الآخر فنسيته، قال: فانتزع المعضوض يده من في العاض، فانتزع إحدى ثنيتيه، فأتيا النَّبِيِّ ﷺ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ. قال عطاء: وحسبت أنه قال: قال النبي ﷺ: (أفيدع يده في فيك تقضمها، كأنها في في فحل يقضمها).
[ر: ٢١٤٦]

٧٥ - باب: حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ /التوبة: ١١٨/.

٤١٥٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تخلف عن قصة تبوك، قال كعب:
لم أتخلف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غزوة غزاها الإ في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله ﷺ في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كثير،

١٦٠٤
ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله ﷺ والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضى شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول ﷺ والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله ﷺ فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: (ما فعل كعب). فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه الإ خيرا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: أن رسول الله ﷺ قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله ﷺ قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، قلما فعل ذلك

١٦٠٥
جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: (تعال). فجئت أمشي حتى جلست يديه، فقال لي: (ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك). فقلت: بلى، إني والله - يا رسول الله - لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك). فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله ﷺ لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ

١٦٠٦
بِرَدِّ السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشأم، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يأتيني فقال: إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: (لا، ولكن لا يقربك). قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في امرأتك، كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه؟ فقلت: والله لا أستأذن فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وما يدريني

١٦٠٧
ما يقول رسول الله ﷺ إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله ﷺ، فيتلقاني الناس فوجا فوجا، يهونني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جالس حوله الناس، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ، وهو يبرق وجهه من السرور: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك). قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: (لا، بل من عند الله). وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وإلى رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا مالقيت. فوالله ما أعلم أحدا من

١٦٠٨
المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت. وأنزل اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار - إلى قوله - وكونوا مع الصادقين﴾. فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِنَّ لَا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: ﴿سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم - إلى قوله - فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾.

١٦٠٩
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله ﷺ أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾. وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
[ر: ٢٦٠٦]


أخرجه مسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: ٢٧٦٩.
(قط) أي زمان مضى. (أقوى ولا أيسر) أكثر قوة ويسارا أي غنى. (راحلتان) مثنى راحلة، وهي ما يصلح للركوب والحمل في الأسفار من الإبل، ويصلح للسفر. (أهبة غزوهم) وفي نسخة (عدوهم) ما يحتاجون إليه في السفر والحرب. (طابت الثمار والظلال) نضجت الثمار ولذ للنفوس أكلها، وكثرت الظلال بتورق الأشجار ورغبت النفوس أن تتفيأ فيها. (فطفقت) أخذت وشرعت. (اشتد في الناس الجد) بلغوا غاية اجتهادهم في التجهيز للخروج. (جهازي) ما أحتاجه في سفري. (فصلوا) خرجوا من المدينة وفارقوها. (تفارط الغزو) فات وقته وتقدم. (مغموصا) محتقرا، مطعونا في دينه أو متهما بنفاق. (حبسه براده والنظر في عطفيه) أي منعه من الخروج إعجابه بنفسه ولباسه، وبراده مثنى برد وهو الكساء، وعطفيه: مثنى عطف وهو الجانب. (قافلا) راجعا من سفره إلى المدينة. (سخطه) غضبه، وعدم رضاه عما حصل مني. (أظل قادما) دنا قدومه إلى المدينة. (زاح عني الباطل) زال عني التفكير في الكذب والتماس الأعذار الباطلة. (فأجمعت صدقه) عزمت على أن أصدقه. (المخلفون) الذين لم يذهبوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتخلفوا عنه. (علانيتهم) ظاهرهم. (سرائرهم) جمع سريرة وهي ما يكتم في النفوس. (ابتعت ظهرك) اشتريت راحلتك. (جدلا) فصاحة وقوة حجة وكلام. (تجد) تغضب. (كافيك ذنبك) يكفيك من ذنبك. (أسوة) قدوة. (تغيروا لنا) اختلفت أخلاقهم معنا عما كانت عليه من قبل من الود والألفة. (تنكرت) تغيرت. (فاستكانا) ذلا وخضعا وأصابهما السكون. (أطوف) أدور. (فأسارقه النظر) أنظر إليه خلسة. (تسورت) صعدت على سور الدار. (حائط) بستان من نخيل. (ففاضت عيناي) انهال دمعهما. (نبطي) فلاح. (دفع إلي) أعطاني. (جفاك) أعرض عنك وقاطعك. (هوان) ذل وصغار. (مضيعة) حيث يضيع حقك. (نواسك) من المواساة وهي التسلية عن المصيبة. (البلاء) الاختبار. (فتيممت) قصدت. (فسجرته) أوقدته بها. (تعتزل امرأتك) لا تجامعها، وهي عميرة بنت جبير الأنصارية رضي الله عنها. (ضائع) قاصر عن القيام بشؤون نفسه. (حركة إلى شيء) من جماع ومباشرة وغيرها. (الحال التي ذكر الله) في قوله تعالى: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ..﴾ /التوبة: ١١٨/. (أوفى) أشرف. (سلع) جبل معروف في المدينة. (فخررت) أسقطت نفسي على الأرض. (آذن) أعلم. (ركض) استحث، من الركض وهو الضرب بالرجل على بطن الفرس لتسرع.
(غيرهما) من جنس الثياب. (فوجا) جماعة. (لتهنك) من التهنئة، وهي المخاطبة بالأمر راجيا أن يكون مبعث سرور له. (أبلاه) أنعم عليه أو أختبره. (وأنزل الله) أي في توبتنا. (لقد تاب) عفا وصفح. (على النبي) في اذنه للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك. (والمهاجرين والأنصار) فيما وقع في قلوبهم من الميل إلى القعود وعدم الخروج إلى غزوة تبوك. (إلى قوله) تتمة الآيات: ﴿والأنصار الذي اتبعوه ساعة العسرة من بعد ما كاد أن يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إلى الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾ /التوبة: ١١٧ - ١١٩/. (اتبعوه) اتبعوا أمره، ولبوا دعوته وخرجوا معه. (ساعة العسرة) وقت الضيق والشدة، فقد كانوا في قلة من المركب والطعام والشراب، إلى جانب شدة الحر وبعد المسافة وكثرة العدو، مع طيب الثمار والظلال في المدينة. (كاد يزيغ) قارب أن تميل قلوب بعضهم عن الحق فيقعدوا عن الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ولكنهم تداركتهم رحمة الله تعالى وعنايته فصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله تعالى وندموا على ما هموا به.
(تاب عليهم) ألهمهم الإنابة والرجوع إليه سبحانه، لما علم من إخلاصهم وصدق إيمانهم وقبل توبتهم ومعذرتهم. (وعلى الثلاثة) وتاب على الثلاثة، وهم كعب وصاحباه رضي الله عنهم، (خلفوا) أخروا عن الحكم بأمرهم. (ضاقت ..) حاروا في أمرهم حتى أصبحوا وكأنهم لا يجدون مكانا في الأرض على سعتها يقرون فيه ويطمئنون. (وضاقت عليهم أنفسهم) اشتد كربهم وحزنهم حتى أصبحت نفوسهم لا تتسع لأنس ولا سرور. (ظنوا) علموا وأيقنوا. (لا ملجأ من الله إلا إليه) لا مفر من حكم الله تعالى ولا مجير من عذابه إلا اللجوء إلى استغفاره والتضرع بين يديه، والإنابة إليه، فذلوا له وخضعوا، واستغفروا وصبروا واحتسبوا. (تاب عليهم) عفا عنهم وقبل التجاءهم واستغفارهم. (ليتوبوا) ليكونوا دائما في جملة التوابين الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى. (كونوا مع الصادقين) الزموا الصدق دائما في النية والقول والعمل. (انقلبتم) رجعتم. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم ..﴾ /التوبة: ٩٥ - ٩٦/. (لتعرضوا عنهم) لتتركوهم ولا تؤنبوهم بسبب تخلفهم. (فأعرضوا عنهم) لبو طلبهم ولا تعاتبوهم، ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق. (إنهم رجس) بواطنهم خبيثة وأعمالهم قبيحة، لا تنفع فيهم موعظة، ولا تصلحهم معاتبة، ولا تطهرهم طاعة ظاهرة. (مأواهم) مسكنهم. (يكسبون) من سوء الطوية وانحراف القصد وخبث العمل. (لترضوا عنهم) لتقبلوا معذرتهم وينالوا رضاكم فينتفعوا به في الدنيا. (فإن ترضوا عنهم) ظاهرا وتعاملوهم معاملة المسلمين. (فإن الله لا يرضى) عنهم حقيقة لما يعلم في قلوبهم من النفاق، فلا يخلصهم رضاكم عنهم في الدنيا من عذابه يوم القيامة. (الفاسقين) الخارجين عن طاعة الله تعالى ورسوله ﷺ. (تخلفنا .. أمر أولئك) أي تخلفنا عن الاعتذار مثلهم، فلم يقض فينا مثل ما قضى فيهم.

٧٦ - بَاب: نُزُولِ النَّبِيِّ ﷺ الحجر.

٤١٥٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
لما مر النبي ﷺ بالحجر قال: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين). ثم قنع رأسه وأسرع السير، حتى أجاز الوادي.


(لما مر ..) وهو عائد من غزوة تبوك. (أجاز الوادي) قطعه وجاوزه.

٤١٥٨ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ لأصحاب الحجر: (لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم).
[ر: ٤٢٣]


(لأصحاب الحجر): أي عند مروره بأصحاب الحجر.

٤١٥٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عبد العزير بن أبي سلمة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ المغيرة بن شعبة قال:
ذهب النبي ﷺ لبعض حاجته، فقمت أسكب عليه الماء - لا أعلمه إلا قال: في غزوة تبوك - فغسل وجهه، وذهب يغسل ذراعيه، فضاق عليه كما الجبة، فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما، ثم مسح على خفيه.
[ر: ١٨٠]


(لا أعلمه إلا قال ..) قائل هذا أحد الرواة، أي: لا أحفظ وأذكر إلا أن المغيرة رضي الله عنه قال: أسكب عليه الماء في غزوة تبوك.

٤١٦٠ - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سهل بن سعد، عن أبي حميد قال:
أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: (هذه طابة، وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه).
[ر: ١٤١١]

٤١٦١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن رسول الله ﷺ رجع من غزوة بتوك، فدنا من المدينة، فقال: (إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم). قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر).
[ر: ٢٦٨٤]

٧٧ - باب - كتاب النبي ﷺ إلى كسرى وقيصر.

٤١٦٢ - حدثنا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صالح، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بعث بكتابه إلى كسرى، مع عبد الله ابن حذافة السهمي، فأمره أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْ يُمَزَّقُوا كل ممزق.
[ر: ٦٤]

٤١٦٣ - حدثنا عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف، عن الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:
لَقَدْ نَفَعَنِي الله بكلمة سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله ﷺ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كِسْرَى، قَالَ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امرأة).
[٦٦٨٦]


(أيام الجمل) أي كان إنتفاعي بتلك الكلمة، أيام وقعة الجمل، التي وقعت بين علي رضي الله عنه ومن معه وعائشة رضي الله عنها ومن معها، وسميت بذلك لأن عائشة رضي الله عنها كانت تركب في هودج على جمل كان مرجع الناس ورمز ارتباطهم، وحوله كانوا يلتفون وعن التي تركبه يدافعون، وإليه الخصم في ضرباتهم يسددون. وكان إنتفاع أبي بكرة رضي الله عنه بتلك الكلمة أن كفته عن الخروج والمشاركة في الفتنة. (لن يفلح) لا يظفرون بالخير ولا يبلغون ما فيه النفع لأمتهم. (ولوا أمرهم امرأة) جعلوا لها ولاية عامة، من رئاسة أو وزارة أو إدارة أو قضاء.

٤١٦٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: سمعت الزهري، عن السائب بن يزيد يقول:
أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع، نتلقى رسول الله ﷺ.

١٦١١
وقال سفيان مرة: مع الصبيان.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الزهري، عن السائب: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي ﷺ إلى ثنية الوداع، مقدمة غزوة تبوك.
[ر: ٢٩١٧]

٧٨ - باب: مرض النبي ﷺ ووفاته.
وقوله تعالى: ﴿إنك ميت وإنهم ميتون. ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون﴾ /الزمر: ٣٠ - ٣١/.


(إنك ميت ..) كان المشركون يتربصون موته ﷺ، فأنزل الله تعالى هذه الآية، تبين أن الموت سيعم الجميع، فلا معنى للتربص أو الشماته فيه، ولكن التربص والشماته فيما يكون من نهاية بعد الموت. (تختصمون) كل منكم يدلي بحجته، ويتحقق المحق من المبطل، ويقضى بينكم بالعدل وينال كل جزاء عمله.

٤١٦٥ - وقال يونس، عن الزهري: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ في مرضه الذي مات فيه: (يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت إنقطاع أبهري من ذلك السم).


(الطعام) الشاة المسمومة التي أهديت له، نظر: ٢٩٩٨. (أوان) وقت وحين. (وجدت) شعرت. (انقطاع) قرب انقطاعه. (أبهري) عرق مرتبط بالقلب إذا انقطع مات الإنسان.

٤١٦٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن أم الفضل بنت الحارث قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله.
[ر: ٧٢٩]

٤١٦٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي بشر، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس قال:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله، فقال: إنه من حيث تعلم: فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآيه: ﴿إذا جاء نصرالله والفتح﴾ فقال: أجل رسول الله ﷺ أعلمه إياه، فقال: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
[ر: ٣٤٢٨]

٤١٦٨ - حدثنا قتيبة: حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عباس:
يوم الخميس، وما يوم الخميس؟! اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وجعه، فقال: (ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر، استفهموه؟ فذهبوا يردون عليه، فقال: (دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وأوصاهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من الجزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها.
[ر: ١١٤]

٤١٦٩ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وفي البيت رجال، فقال النبي ﷺ: (هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده). فقال بعضهم: أن رسول الله ﷺ قد غلبه الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله ﷺ: (قُومُوا). قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ، مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لاختلافهم ولغطهم.
[ر: ١١٤]


أخرجه مسلم في الوصية، باب: ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، رقم: رقم: ١٦٣٧.
(هلموا) تعالوا وأقبلوا علي. (بعضهم) هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

٤١٧٠ - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
دعا النبي ﷺ فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألناها عن ذلك، فقالت سارني النبي صلى الله عليه سلم: أنه يقبض في وجعه الذي
توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته يتبعه، فضحكت.
[ر: ٣٤٢٦]

٤١٧١ - حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثني شعبة، عن سعد، عن عروة، عن عائشة قالت:
كنت أسمع أنه: لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة،

١٦١٣
فسمعت النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي مرضه الذي مات فيه، وأخذته بحة، يقول: (﴿مع الذين أنعم الله عليهم﴾). الآية، فظننت أنه خير.


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها، رقم: ٢٤٤٤.
(يخير بين الدنيا والآخرة) يخير بين أن يؤجل في الحياة حتى يرى ما يفتح على أمته وما يكون لها من شأن في الدنيا، أو يعجل له الموت قبل ذلك. (بحة) شيء يعترض في مجاري التنفس فيتغير به الصوت ويغلظ. (الآية) /النساء: ٦٩/. وتتمتها: ﴿من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..﴾ أي رفقاء في الجنة في جوار الرحمن جل وعلا.

٤١٧٢ - حدثنا مسلم: حدثنا شعبة، عن سعد، عن عروة، عن عائشة قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ ﷺ المرض الذي مات فيه، جعل يقول: (في الرفيق الأعلى).


(في الرفيق الأعلى) الرفيق اسم جنس يشمل الواحد والجماعة، أي
ألحقني وأدخلني في جملة الرفقاء الذين خصصتهم بالمكانة الرفيعة في أعلى الجنان، وهم المذكورون في آية النساء السابقة.

٤١٧٣ - حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني عروة ابن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو صحيح يقول: (إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مقعده في الجنة، ثم يحيا، أو يخير). فلما اشتكى وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: (اللهم في الرفيق الأعلى). فقلت: إذا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح.
[٤١٧٦، ٤١٩٤، ٤٣١٠، ٥٣٥٠، ٥٩٨٨، ٦١٤٤، وانظر: ٨٥٠]


(يقبض) يموت. (يحيا) يسلم عليه سلام الوداع أو يملك إليه أمره. (شخص) ارتفع، أو فتح عينيه. (لا يجاورنا) لا يبقى حيا في جوارنا، وفي رواية (لا يختارنا) أي لا يختار البقاء في الدنيا. (فعرفت أنه حديثه ..) أي عرفت من قوله أنه يخير، كما كان يحدث عن تخيير الأنبياء عليهم السلام.

٤١٧٤ - حدثنا محمد: حدثنا عفان، عن صخر بن جويرية، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله ﷺ بصره، فأخذت السواك فقضمته، ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي ﷺ فاستن به، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ استن استنانا قط أحسن منه، فما عدا أن فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رفع يده أو إصبعه

١٦١٤
ثم قال: (في الرفيق الأعلى). ثلاثا، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.
[ر: ٨٥٠، وانظر: ٤١٧١]


(فأبده) مد نظره إليه، وفي نسخة (فأمده). (فقضمته) مضغته، والقضم الأخذ بطرف الأسنان، وفي رواية: (فقصمته) أي كسرته وقطعته. (طيبته) أي نظفته بالماء من استياك عبد الرحمن رضي الله عنه به. (فما عدا أن فرغ) ما تجاوز الفراغ من السواك. (حاقنتي وذاقنتي) أي مات ﷺ، ورأسه بين حنكها وصدرها، والحاقنة: ما دون الترقوة من الصدر، وقيل غير ذلك، والذاقنة طرف الحلقوم، وقيل غير ذلك.

٤١٧٥ - حدثني حبان: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شهاب قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه يبده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه، طفقت إنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي ﷺ عنه.
[٤٧٢٨، ٤٧٢٩، ٥٤٠٣، ٥٤١٦، ٥٤١٩، ٥٩٦٠]


أخرجه مسلم في السلام، باب: رقية المريض بالمعوذات والنفث، رقم: ٢١٩٢.
(اشتكى) مرض. (نفث) تفل بريق خفيف أو بدونه. (بالمعوذات) بسورتي الفلق والناس. وقيل: يضم إليهما سورة الإخلاص.

٤١٧٦ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن مختار: حدثنا هشام ابن عروة، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أن عائشة أخبرته: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ، وأصغت إليه قبل أن يموت، وهو مسند إلى ظهره يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأعلى).
[ر: ٤١٧١]

٤١٧٧ - حدثنا الصلت بن محمد: حدثنا أو عوانة، عن هلال الوزان، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ منه: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). قالت عائشة: لولا ذلك لأبرز قبره، خشي أن يتخذ مسجدا.
[ر: ٤٢٥]

٤١٧٨ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة بن مسعود: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخَرَ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هَلْ

١٦١٥
تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب.
وكانت عائشة زوج النبي ﷺ تحدث: أن رسول الله ﷺ لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: (هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس). فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده: (أن قد فعلتن). قالت: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.
[ر: ١٩٥]

٤١٧٩ - وأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وجهه، وهو كذلك يقول: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد). يحذر ما صنعوا.
[ر: ٤٢٥]

٤١٨٠ - أخبرني عبيد الله: أن عائشة قالت:
لقد راجعت رسول الله ﷺ في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته الإ أنه لم يقع في قلبي: أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله ﷺ عن أبي بكر.
رواه ابن عمر وأبو موسى وابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[ر: ١٩٥، ٦٤٦، ٦٥٠، ٦٥٥]


أخرجه مسلم في الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، رقم ٤١٨.

٤١٨١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قال: حدثني ابن الهاد، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة قالت:
مات النبي ﷺ وانه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي ﷺ.
[ر: ٨٥٠]

٤١٨٢ - حدثني إسحاق: أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ علي بن أبي طالب رضي الله

١٦١٦
عنه خرج من عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يا أبا الحسن، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وأاني والله لَأُرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غيرنا علمناه، فأوصى بنا. فقال علي: إنا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، واين والله لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
[٥٩١١]


(أحد الثلاثة) المؤمنين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وصدقوا الله تعالى ورسوله ﷺ فتاب عليهم، انظر: ٤١٥٦. (بارئا) اسم فاعل من برأ، أي أفاق من المرض. (عبد العصا) كناية عن أنه يصير تابعا لغيره، ويقصد: أن النبي ﷺ يموت بعد ثلاثة أيام، ويختار غيرك للإمارة وتصير أنت مأمورا عليك، ومعرفة العباس رضي الله عنه الموت في جه رسول الله ﷺ قوة فراسة منه. (الأمر) الخلافة.

٤١٨٣ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه:
أن المسلمين بينا هم في الصلاة الفجر من يوم الإثنين، وأبو بكر يصلي لهم، لم يفجأهم إلا ورسول الله ﷺ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يريد أن يخرج إلى الصلاة. فقال أنس: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ، فَرَحًا برسول الله ﷺ، فأشار إليهم بيده رسول الله ﷺ: (أن أتموا صلاتكم). ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر.
[ر: ٦٤٨]

٤١٨٤ - حدثني محمد بن عبيد: حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو، ذَكْوَانَ، مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عائشة كانت تقول:
إن من نعم الله علي: أن رسول الله ﷺ توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل علي عبد الرحمن، وبيده السواك، وأنا مسندة رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَأَيْتُهُ ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم). فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: الينه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم).

١٦١٧
فلينته، فأمره، وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وجهه، يقول: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ). ثم نصب يده، فجعل يقول: (اللهم فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى). حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.


(فاشتد عليه) أي الوجع. (فأمره) أي أمره على أسنانه فاستاك به، وفي رواية: (بأمره). (ركوة) وعاء من جلد يحلب فيه. (يشك عمر) هو ابن سعيد الرواي، يشك: هل قالت ركوة أوعلبة، وكلاهما بمعنى واحد. (سكرات) جمع سكرة وهي الشدة.

٤١٨٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ: حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
أن رسول الله ﷺ كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الذي مات فيه، يقول: (أَيْنَ أَنَا غَدًا، أَيْنَ أَنَا غَدًا). يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ ريقي. ثم قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فقضمته، ثُمَّ مَضَغْتُهُ،
فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فاستن به، وهو مستند إلى صدري.


أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، رقم: ٢٤٤٣.
(فقضمته) كسرت منه بأطراف أسناني من الجزء الذي كان يستاك به عبد الرحمن رضي الله عنه.

٤١٨٦ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عائشة رضي الله عنها قالت:
توفي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِي وفي يومي، وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه، فرفع رأسه إلى السماء وقال: (في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى). ومر عبد الرحمن بن أبي بكر، وفي يده جريدة رطبة، فنظر اليه النبي ﷺ، فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها، فمضغت رأسها، ونفضتها، فدفعنها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها، فسقطت يده، أو: سقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخرة.
[ر: ٨٥٠]


(تعوذه) تقرأ عليه ما تحصنه به من أسماء الله تعالى والأدعية. (جريدة) قطعة من غصن النخيل. (فظننت) فعرفت.

٤١٨٧ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سلمة: أن عائشة أخبرته:
أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله ﷺ وهو مغشي بتوب جبرة، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ التي كتبت عليك فقد متها.
قال الزهري: حدثني أبو سلمة، عن عبد الله بن عباس: أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قال الله: ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى قوله - الشاكرين﴾. وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
فأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت، حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ مات.
[ر: ١١٨٤]


(مغشى) مغطى. (حبرة) ثوب يماني. (فعقرت) انهارت قواي وسقطت، وفي نسخة: (فعقرت) بفتح العين، أي دهشت وتحيرت. (تقلني) تحملني

٤١٨٨ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن موسى ابن أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتبة، عن عائشة وابن عباس:
أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي ﷺ بعد موته.
[٥٣٨٢]

٤١٨٩ - حدثنا علي: حدثنا يحيى، وزاد: قالت عَائِشَةُ:
لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فلما أفاق قال: (ألم أنهكم يُشِيرُ إِلَيْنَا: أَنْ لَا تَلُدُّونِي: فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: (أَلَمْ أَنْهَكُمْ

١٦١٩
أَنْ تَلُدُّونِي). قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (لا يبقى أحد في البيت إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا الْعَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لم يشهدكم).
رواه ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[٥٣٨٢، ٦٤٩٢، ٦٥٠١]


أخرجه مسلم في السلام: باب كراهة التداوي باللدود، رقم: ٢٢١٣
(لددناه) جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختباره، فهذا هو اللد، والاسم منه اللدود، والذي جعل في الحلق يسمى الوجور، والذي يجعل في الأنف السعوط. (كراهية المريض للدواء) أي يقول هذا كراهية للدواء كما يكرهه كل مريض

٤١٩٠ - حدثنا عبد الله بن محمد: أخبرنا أزهر: أخبرنا ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: ذكر عند عائشة:
أن النبي ﷺ أوصى إلى علي، فقالت: من قاله، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وإني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست، فانحنث، فمات، فما شعرت، فكيف أوصى إلى علي؟
[ر: ٢٥٩٠]

٤١٩١ - حدثنا أبو نعيم: حدثنا مالك بن مغول، عن طلحة قال: سألت عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما:
أوصى النبي ﷺ؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس وصية، أو أمروا بها؟ قال: أوصى بكتاب الله.
[ر: ٢٥٨٩]

٤١٩٢ - حدثنا قتيبة: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عمرو بن الحارث قال:
مَا تَرَكَ النَّبِيُّ ﷺ دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة.
[ر: ٢٥٨٨]


(لابن السبيل) المسافر الذي لم يبقى لديه من النفقة ما يبلغه مقصده. (صدقة) أي موقوفة.

٤١٩٣ - حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ ﷺ جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم). فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله ﷺ التراب.


(يتغشاه) يغطيه ما اشتد به من مرض فيأخذ بنفسه ويغمه. (واكرب أباه) أندب ما يصيب أبي من هم وغم وثقل. (ننعاه) من نعى الميت إذا أذاع موته وأخبر به. (أطابت) كيف طابت ورضيت مع حبكم الشديد له. (تحثوا) تهيلوا وتدفعوا وتضعوا.

٧٩ - باب: آخر ما تكلم به النَّبِيِّ ﷺ.

٤١٩٤ - حدثنا بشر بن محمد: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ يُونُسُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم: أن عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: (إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ
حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ). فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: (اللهم الرفيق الأعلى). فقلت: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كان يحدثنا وهو صحيح، قالت: فكانت آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى).
[ر: ٤١٧١]

٨٠ - باب: وفاة النبي ﷺ.

٤١٩٥ - حدثنا أو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سلمة، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم:
أن النبي ﷺ لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا.
[٤٦٩٤]

٤١٩٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها:
أن الرسول ﷺ توفي وهو ابن ثلاث وستين.
قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب مثله.
[ر: ٣٣٤٣]

٤١٩٧ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
توفي النبي ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين. يعني صاعا من شعير.
[ر: ١٩٦٢]

٨١ - بَاب: بَعْثِ النَّبِيِّ ﷺ أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الذي توفي فيه.

٤١٩٨ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبيه:
استعمل النبي ﷺ أسامة، فقالوا فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ بلغني أنكم قلتم في أسامة، وإنه أحب الناس إلي).

٤١٩٩ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أن رسول الله ﷺ بعث بعثا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس

١٦٢١
في إمارته، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فقال: (إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ في إمارة أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لخليفا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس لي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده).
[ر: ٣٥٤٢]

٤٢٠٠ - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصنابحي أنه قال له:
متى هاجرت؟ قال: خرجنا من اليمن مهاجرين، فقدمنا الجحفة، فأقبل راكب فقلت له: الخبر؟ فقال: دفنا النبي ﷺ منذ خمس، قلت: هل سمعت في ليلة القدر شيئا؟ قال: نعم، أخبرني بلال مؤذن النبي ﷺ: أنه سمع في السبع في العشر الأواخر.


(الجحفة) موضع بين مكة والمدينة، يحرم منه الحاج القادم من بلاد الشام ونحوها. (الخبر) ماذا عندك من أخبار المدينة. (في ليلة القدر) أي في بيان وقتها. (السبع ..) ليلة السابع والعشرين منه

٨٢ - باب: كم غزا النَّبِيِّ ﷺ.

٤٢٠١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عن أبي إسحاق قال: سألت زيد بن أرقم رضي الله عنه:
كم غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قال: سبع عشرة، قلت: كم غزا النبي ﷺ؟ قال: تسع عشرة.
[ر: ٣٧٣٣]

٤٢٠٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عن أبي إسحاق: حدثنا البراء رضي الله عنه قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ خمس عشرة.

٤٢٠٣ - حدثني أحمد بن الحسن: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن أبيه قال:
غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ست عشرة غزوة.


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: عدد غزوات النبي صلى الله
عليه وسلم، رقم ١٨١٤

 


google-playkhamsatmostaqltradent