recent
آخر المقالات

أول كتاب الصوم

 

١ - مبدأ فرض الصيام
٢٣١٣ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد ابن شَبُّوْيَهْ، حدثني عليُّ بنُ حُسينِ بنِ واقِدٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحوي، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباس ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣] فكان الناس على عهدِ النبيّ ﷺ إذا صلُّوا العتَمَة حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاخْتانَ رجُلٌ نفسَه، فجامعَ امرأته وقد صلَّى العِشَاءَ ولم يُفطِر، فأرادَ اللهُ عر وجلَّ أن يجعلَ ذلك يُسْرًا لِمَنْ بقي ورُخْصَةً ومنفعةً، فقال سبحانه: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآيه [البقرة: ١٨٧]. وكان هذا مما نَفَعَ اللهُ به الناسَ، ورخصَ لهم ويسَّر (١).



(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. علي بن حسين بن واقد حسن الحديث.
يزيد النحوي: هو يزيد بن أبي سعيد، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٠١ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وذكر ابن كثير في «تفسيره» ١/ ٣١٧ عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس نحوه. قال الحافظ في «العجاب في بيان الأسباب» ١/ ٤٣٧: وهذا سند صحيح.
ويشهد له أيضًا حديث البراء بن عازب الآتي بعده. وقد فرض الصوم في شعبان من السنة الثانية للهجرة.
ومعنى تختانون أنفسكم، أي: تخونون أنفسكم بالجماع ليلة الصيام، وقع ذلك لبعضهم، واعتذروا إلى النبي ﷺ.

٢٣١٤ - حدَّثنا نصرُ بنُ على بنِ نصرٍ الجَهضَمِيُّ، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاقَ
عن البراء، قال: كان الرجلُ إذا صامَ فنامَ لمَ يأكُلْ إلى مِثلِها، وإنَّ صِرْمَة بن قيسٍ الأنصاريَّ أتى امرأتَه وكان صائمًا فقال: عِندكِ شيء؟ قالت: لا، لعلي أذْهَبُ فأطلُبُ لك، فذهبتُ وغَلَبَتْهُ عينُه، فجاءت فقالت: خيْبةً لك، فلم ينتصِفِ النهارُ حتى غُشِيَ عليه، وكان يَعْمَلُ يومَه في أرضه، فذُكِرَ ذلك للنبي ﷺ فنزلت ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ قرأ إلى قوله ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] (١).

٢ - باب نسخ قوله تعالى:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ [البقرة: ١٨٤]
٢٣١٥ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا بَكرٌ -يعني ابنَ مُضر- عن عمرو بنِ الحارث، عن بُكير، عن يزيدَ مولى سلمة


(١) إسناده صحيح. قال الحافظ في «الفتح» ١/ ٣٥١: وسماع إسرائيل من أبي إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله السبيعي- في غاية الإتقان للزومه إياه، لأنه جده، وكان خصيصًا به. أبو أحمد: هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، وإسرائيل: هو ابن يونس السبيعي. وصرمة بن قيس، كذا في الأصول وهو الصواب، ووقع عند البخاري: قيس بن صرمة، وقد جزم الداوودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع مقلوبًا في رواية البخاري. وقد فاتنا أن ننبه عليه في «صحيح ابن حبان» (٣٤٦٠) فليستدرك من هنا.
وأخرجه البخاري (١٩١٥)، و(٤٥٠٨) بنحوه، والترمذي (٣٢٠٦) من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه البخاري (٤٥٠٨) بنحوه، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٨٩) و(١٠٩٥٦) من طريقين عن أبي إسحاق، به.
وهو في «مسند احمد» (١٨٦١١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٦٠) و(٣٤٦١).

عن سلمةَ بنِ الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] كان من أراد منا أن يُفْطِرَ ويفتدي فعل، حتى نزلَتْ هذه الآيةُ التي بَعْدها فَنَسختها (١).


(١) إسناده صحيح. عمرو بن الحارث: هو ابن يعقوب الأنصاري، وبُكير: هو ابن عبد الله بن الأشج.
وأخرجه البخاري (٤٥٠٧)، ومسلم (١١٤٥)، والترمذي (٨٠٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٣٧) و(١٠٩٥٠) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرجه مسلم (١١٤٥) من طريق عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٤٧٨) و(٣٦٢٤).
وقوله: كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل، وضَّحته رواية مسلم من طريق ابن وهب: كنا في رمضان على عهد رسول الله ﷺ من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أُنزلت هذه الآية: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥].
قلنا: وقد ذهب ابن عباس إلى عدم النسخ، وكان يقرأ الآية: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ بفتح الطاء وتشديد الواو، مبنيًا للمفعول، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» (٤٥٠٥) من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء، سمع ابن عباس يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، وهو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا.
قال الحافظ في «الفتح» ٨/ ١٨٠: وهذه قراءة ابن مسعود أيضًا. وقد وقع عند النسائي [في «الكبرى» (١٠٩٥١)] من طريق ابن أبي نجيح [صوابه: ورقاء] عن عمرو ابن دينار: يطوَّقونه: يكلفونه. وهو تفسير حسن، أي: يكلَّفون إطاقته.
قال: فعلى قراءة ابن عباس: يطوَّقونه، لا نسخ، لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه، فيفطر ويكفّر، وهذا الحكم باقٍ.
وسيأتي حديث ابن عباس هذا الذي أشار إليه الحافظ عند المصنف برقم (٢٣١٨) وانظر تمام تخريجه هناك.

٢٣١٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد، حدثني عليُّ بنُ حسين، عن أبيه، عن يزيدَ النحوي، عن عِكرمَة
عن ابنِ عباسِ ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعامِ مِسكين افتدى، وتمَّ له صومُه، فقال: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٤] وقال ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] (١).


(١) ضعيف، وقد رُوي عن ابن عباس بأسانيد أصح من هذا وأوثق رجالًا بأنه كان يذهب إلى أن هذه الآية محكمة وليست بمنسوخة، كما سيأتي عند المصنف برقم (٢٣١٨).
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢/ ١٣٣ عن محمد بن حميد الرازي، عن يحيى ابن واضح أبي تميلة، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري، به مرسلًا. ومحمد بن حميد الرازي متروك، ثم إن روايته هنا مرسلة.
وأخرجه موصولًا عن ابن عباس أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (٥٩)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ٢٦، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ١٧٢ من طريق ابن جريج وعثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، كلاهما عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس. وعطاء الخراساني لم يُدرك ابن عباس فيما قاله غير واحد من أهل العلم. ولم يصرح ابن جريج بالسماع، وعثمان بن عطاء ضعيف الحديث.
وأخرجه موصولًا كذلك أبو عبيد (٦٠) من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية ابن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وعلي بن أبي طلحة روايته عن ابن عباس مرسلة. وفي الإسناد إليه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢/ ١٣٤ من طريق عطية العوفي، عن ابن عباس.
وعطية العوفي ضعيف، والإسناد إليه ضعيف أيضًا.=

٣ - باب من قال: هي مُثبَتَة للشيخ والحبلى
٢٣١٧ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا أبانُ، حدَّثنا قتادة، أن عِكرِمَة حدثه أن ابنَ عباسٍ قال: أُثْبِتَتْ لِلحُبلى والمُرْضِع (١).
٢٣١٨ - حدَّثنا ابن المثنى، حدَّثنا ابنُ أبي عَدي، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن عَزْرَةَ، عن سعيد بنِ جبيرٍ
عن ابنِ عباس ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال: كانت رُخْصَةً للشيخِ الكبيرِ والمرأةِ الكبيرة وهما يُطيقان الصيام أن يُفْطِرَا ويُطْعِمَا مكان كُل يومٍ مسكينًا، والحُبْلى والمُرْضِعُ إذا خافتا (٢).


وأخرجه ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ١٧٢ و١٧٣، والخطيب في «تاريخ بغداد» ١٢/ ٤٣١ من طريق محمد بن سيرين، عن ابن عباس. ولم يسمع ابن سيرين من عبد الله بن عباس فيما قاله غير واحدٍ من أهل العلم.
وأخرجه بنحوه ابن مردويه في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» ١/ ٣٠٨ من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.
وابن أبي ليلى سيئ الحفظ.
(١) إسناده صحيح. قتادة: هو ابن دِعامة، وأبان: هو ابن يزيد العطار.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢/ ١٣٩ من طريق عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم، يفطرون في رمضان، ويطعمون عن كل يوم مسكينًا، ثم قرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾.
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده صحيح، وقد اختصر المصنِّف هذا الحديث هنا، وتمامه عن ابن عباس: رُخِّص للشيح الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا أو يُطعما كلَّ يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما، ثم نُسخ ذلك في هذه الآية:=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يُطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينًا.
عَزْرة: هو ابن عبد الرحمن الخُزاعي، وقتادة: هو ابن دِعامة، وسعيد: هو ابن أبي عَروبة، وابن أبي عدي: هو محمد بن إبراهيم، وابن المثنى: هو محمد.
وأخرجه بتمامه كما أشرنا ابن الجارود في «المنتقى» (٣٨١) واللفظ له، والطبري في «تفسيره» ٢/ ١٣٥ من طريق سعيد بن أبي عَروبة، بهذا الإسناد.
وأخرج الطبري ٢/ ١٣٦ من طريق سعيد بن أبي عروبة، به. عن ابن عباس قال: إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا ولا يقضيان صومًا.
وأخرج الدارقطني (٢٣٨٢) من طريق سعيد بن أبي عَروبة، به بلفظ: إن ابن عباس قال لأم ولد له حبلى أو مرضع: أنت من الذين لا يُطيقون الصيام عليك الجزاء، وليس عليك القضاء. وقال الدارقطني: هذا إسناد صحيح.
وأخرجه بنحو رواية الدارقطني هذه الطبري ٢/ ١٣٦ بالإسناد نفسه، لكن وقع في إسناده سقط يستدرك من الدارقطني.
وأخرج الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» ٦/ ١٨٥ - ١٨٦، والدارقطني (٢٣٨٤) من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، به بلفظ: كانت لابن عباس جارية ترضع فجهدت، فقال لها: أفطري، فإنك بمنزلة الذين يطيقونَهُ. هذا لفظ الطحاوي، ولفظ الدارقطني: أنه كانت له أمة ترضع فأجهضت، فأمرها أن تفطر، يعني وتطعم، ولا تقضي. وقال الدراقطني: هذا صحيح.
وأخرج الدارقطني (٢٣٨٥) من طريق أيوب السختياني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أو ابن عمر قال: الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي. وقال الدارقطني: وهذا صحيح.
وأخرج أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» بإثر (١٠٨) من طريق قتادة وأيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال لامرأة ترضع: أنت من الذين يطوّقونه، أفطري وأطعمي كل يوم مسكينًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرج الطبري ٢/ ١٣٨ من طريق شريك النخعي، والطحاوي ٦/ ١٨٥ من طريق إسرائيل بن يونس السبيعي، كلاهما عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ -وتحرف عند الطبري إلى: يطوَّقونه- قال: الذين يتجشمونه، ولا يطيقونه يعني إلا بالجهد: الحبلى والكبير والمريض وصاحب العطاش (فسره ابن الأثير فقال: العطاش بالضم: شدة العطش، وقد يكون داءً يَشرب معه ولا يَروى صاحبه) هذا لفظ الطحاوي وهو أتم.
قلنا: وبحسب رواية ابن الجارود والطبري التامة يتضح أن ابن عباس كان يرى أن قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كان حكمًا خاصًا للشيخ الكبير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخَّصًا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشابَّ، إلا أن يعجِزا عن الصوم فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتًا لهما حينئذٍ بحاله. بيَّنه الطبري ٢/ ١٣٥.
وهذا يُخالف روايات أخرى من غير طريق سعيد بن جبير نص فيها ابن عباس على أن الآية محكمة لم تُنسَخ بحالٍ.
منها: ما أخرجه البخاري (٤٥٠٥)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٣٨) و(١٠٩٥١)، والطبري ٢/ ١٣٨، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» ٦/ ١٨٢، والطبراني في «الكبير» (١١٣٨٨) والدارقطني (٢٣٧٧) و(٢٣٧٨) و(٢٣٨١)، والحاكم ١/ ٤٤٠، والبيهقي ٤/ ٢٧٠ من طريق عمرو بن دينار، والبيهقي ٤/ ٢٧١ من طريق ابن أبي نجيح، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [وتحرف عند النسائي والطبري والدارقطني (٢٣٧٧) و(٢٣٧٨) و(٢٣٨١)، والحاكم (يطوَّقونه) إلى: يطيقونه] قال: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا. وقد صحح الدارقطني (٢٣٧٩) إسناد طريق ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح.
وأخرجه الطبري ٢/ ١٣٧ و١٣٨ من طريق مجاهد بن جبر المكي، وعبد الرزاق (٧٥٧٣)، والطبري ٢/ ١٣٧، والطبراني في «الكبير» (١١٨٥٤) من طريق عكرمة، كلاهما عن ابن عباس أنه قال: ليست بمنسوخة. وعند بعضهم: هي للناس اليوم قائمة.=

قال أبو داود: يعني على أولادهما أفطرَتَا وأطْعَمَتا.

٤ - باب الشهر يكون تسعًا وعشرين
٢٣١٩ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ، حدَّثنا شعبةُ، عن الأسود بن قيسٍ، عن سعيدِ بنِ عمرو -يعني ابنَ سعيد بنِ العاص-
عن ابنِ عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إنَا أُمَّة أميَّة، لا نكتُبُ، ولا نحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا» وخنس سليمانُ إصبَعهُ في الثالثة، يعني تسعًا وعشرين وثلاثين (١).


ثم إن من روى عن ابن عباس أنه كان يقرأ: ﴿يُطِيقُونَهُ﴾، يقتضي أنه لا نسخ كما قال الحافظ في «الفتح» ١٠٨/ ٨، لأنه يجعل الفدية على من تكلَّف الصوم وهو لا يقدر عليه، فيفطر ويكفّر، وهذا الحكم باقٍ.
وممن روى عنه أنه كان يقرؤها كذلك عطاء بن أبي رباح ومجاهد وعكرمة: فقد أخرجه عبد الرزاق (٧٥٧٥) و(٧٥٧٧)، والبخاري (٤٥٠٥)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٩٥٢)، والطبري ٢/ ١٣٧، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» ٦/ ١٨٢، والطبراني في «الكبير» (١١٣٨٨)، والدارقطني (٢٣٧٧) و(٢٣٧٩) و(٢٣٨١)، والحاكم ١/ ٤٤٠، والبيهقي ٤/ ٢٧٠ - ٢٧١ و٢٧١ من طريق عطاء بن أبي رباح وعبد الرزاق (٧٥٧٤)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في «الناسخ والمنسوخ» (٧١)، والطبري ٢/ ١٣٧، والطحاوي ٦/ ١٨٤، والدارقطني (٢٣٧٩)، والبيهقي ٤/ ٢٧١ من طريق مجاهد بن جبر، وعبد الرزاق (٧٥٧٣)، والطبري ٢/ ١٣٧، والطبراني (١١٨٥٤) من طريق عكرمة مولى ابن عباس، ثلاثتهم عن ابن عباس أنه كان يقرأ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ لكن تحرف عند الدارقطني (٢٣٧٧) و(٢٣٨١) إلى: ﴿يُطِيقُونَهُ﴾.
وكذلك كانت عائشة تقرؤها. أخرجه عنها عبد الرزاق في «تفسيره» ١/ ٧٠، وفي «مصنفه» (٧٥٧٦)، ومن طريقه الطبري ٢/ ١٣٨، والبيهقي ٤/ ٢٧٢. وإسناده صحيح.
إلا أنها كانت تشدد الطاء كذلك، فتقول: (يطَّوَّقونه) مِن اطَوّاَق.
وانظر ما قبله.
(١) إسناده صحيح. شعبة: هو ابن الحجاج الأزدي.

٢٣٢٠ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داودَ العَتكي، حدَّثنا حَمَّادٌ، حدَّثنا أيوبُ، عن نافع
عن ابنِ عمر قال: قال رسولُ الله ﷺ: «الشَهْرُ تِسْعٌ وعِشرونَ، فلا تَصُوموا حتى تَرَوْهُ، ولا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له» قال: فكان ابنُ عمر إذا كان شعبانُ تسعًا وعشرينَ نُظِرَ له، فإن رُؤي فذاك، وإن لم يُرَ ولم يَحُلْ دونَ منظَرِه سَحَابٌ ولا قَتَرَةٌ أصْبَحَ مفطرًا، فإن حالَ دونَ منظرِه سَحَابٌ أو قَتَرَةٌ أصبحَ صائمًا، قال: وكان ابنُ عُمَرَ يُفطِرُ معَ الناسِ ولا يأخُذُ بهذا الحسابِ (١).


وأخرجه البخاري (١٩١٣)، ومسلم (١٠٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٦٢) و(٢٤٦٣) و(٢٤٦٤) مختصرًا و(٥٨٥٣) من طريق شعبة، ومسلم (١٠٨٠)، والنسائي (٢٤٦١) من طريق سفيان الثوري، كلاهما عن الأسود بن قيس، بهذا الإسناد.
وأخرجه مختصرًا وتامًا البخاري (١٩٠٨) و(٥٣٠٢)، ومسلم (١٠٨٠)، والنسائي (٢٤٦٠) من طرق عن عبد الله بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦١١) و(٤٨١٥) و(٥٠١٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٤٩) و(٣٤٥٤) و(٣٤٥٥).
وقوله: «إنا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ» قال ابن الأثير: أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب، فهم على جِبِلَّتِهم الأولى، وقيل: الأُمي الذي لا يكتب، ومنه الحديث: «بُعثت إلى أمة أمية»، قيل للعرب: الأُميُّون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزةً أو عديمةً، ومنه قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة: ٢].
وقوله: «لا نحسُب» بضم السين، أي: لا نعرف العدَّ.
وقوله: «خَنَسَ إصْبَعَهُ»: قال الخطابي: أي: أضجعها فأخرها عن مقام أخواتها، ويقال للرجل إذا كان مع أصحابه في مسير أو سفر فتخلَّف عنهم: قد خَنَس عن أصحابه.
(١) إسناده صحيح. حمّاد: هو ابن زيد، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وأخرجه البخاري (١٩٠٦)، ومسلم (١٠٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٤٢)
و(٢٤٤٣) من طرق عن نافع، به. وبعضهم لا يذكر فيه قوله: «الشهر تسعٌ وعشرون»=.

٢٣٢١ - حدَّثنا حُمَيدُ بنُ مَسعدةَ، حدَّثنا عبدُ الوهَّاب، حدثني أيوبُ، قال:
كَتَبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى أهلِ البَصْرَةِ: بلغنا عن رسولِ الله ﷺ نحوَ حديثِ ابنِ عمر، عن النبي ﷺ، زاد: «وإن أحْسنَ ما يُقْدَرُ له إذا رأينا هِلالَ شعبانَ لكذا وكذا فالصومُ إن شاء الله لِكذا وكذا، إلا أن تَرَوا الهِلالَ قبلَ ذلك» (١).
٢٣٢٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ منيع، عن ابنِ أبي زائدة، عن عيسى بنِ دينارٍ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ الحارث بن أبي ضِرار
عن ابنِ مسعودٍ، قال: لَمَا صُمنا مع النبي ﷺ تسعًا وعشرينَ أكثرُ مِمَّا صمنا معه ثلاثين (٢).


وأخرجه البخاري (١٩٠٠)، ومسلم (١٠٨٠)، وابن ماجه (١٦٥٥)، والنسائي (٢٤٤١) من طريق سالم بن عبد الله، والبخاري (١٩٠٧)، ومسلم (١٠٨٠) من طريق عبد الله بن دينار، كلاهما عن ابن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٨٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٤١) و(٣٤٤٥) و(٣٤٥١) و(٣٥٩٣).
وقوله: «غُمَّ عليكم» من قولك: غممت الشيء إذا غَطيته: فهو مغموم.
وقوله: «فاقدُروا له» معناه: التقدير له بإكمال العدة ثلاثين، يقال: قدرت الشيء أقدرُه قَدرًا -بمعنى قدرته تقديرًا- ومنه قوله تعالى: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: ٢٣].
(١) رجاله ثقات، لكنه منقطع. عبد الوهاب: هر ابن عبد المجيد الثقفي.
وانظر ما قبله.
وقال المنذري في «المختصر» ٣/ ٢١١: وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز قضت به الروايات الثابتة عن رسول الله ﷺ.
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة حال دينار والد عيسى. ابن أبي زائدة: هو يحيى بن زكريا الهمداني الوادعي.=

٢٣٢٣ - حدَّثنا مُسَدَد، أن يزيدَ بنَ زُريع، حدَثهم، حدَّثنا خالدٌ الحذَّاء، عن عبدِ الرحمن بنِ أبي بكرة
عن أبيه، عن النبيَّ ﷺ قال: «شَهرَا عيدٍ لا يَنقُصَانِ: رمضانُ، وذو الحِجة» (١).

٥ - باب إذا أخطأ القوم الهلالَ
٢٣٢٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، حدَّثنا حمادٌ في حديث أيوبَ، عن محمد ابنِ المنكدرِ عن أبي هُريرة، ذكر النبيّ ﷺ فيه قال: «وفِطْرُكم يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وأضْحَاكُم يَوْمَ تُضَحُّونَ، وكُلُّ عَرَفَةَ مَوقِفٌ، وكُلُّ مِنىً مَنْحَرٌ، وكُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وكُلّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ» (٢).


= وأخرجه الترمذي (٦٩٧) من طريق أحمد بن مَنيع، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٧٧٦).
ويشهد له حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (١٦٥٨). وإسناده صحيح.
وحديث عائشة عند أحمد (٢٤٥١٨). وإسناده صحيح كذلك.
(١) إسناده صحيح. مسدَّد: هو ابن مُسرْهَد الأسَدي، وخالد الحذاء: هو ابن مِهران البصري.
وأخرجه البخاري (١٩١٢)، ومسلم (١٠٨٩)، وابن ماجه (١٦٥٩)، والترمذي (٧٠١) من طرق عن خالد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه البخاري (١٩١٢)، ومسلم (١٠٨٩) من طريق إسحاق بن سويد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٩٩)، و«صحيح ابن حبان» (٣٢٥).
(٢) حديث صحيح بطرقه، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة. محمد بن عُبيد: هو ابن حِسَاب الغُبَري، وحمّاد: هو ابن زيد الأزدي، وأيوب: هو السختياني.

٦ - باب إذا أُغمي الشهر
٢٣٢٥ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدثني عبدُ الرحمن بنُ مهدي، حدثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عبدِ الله بنِ أبي قيسٍ، قال:


وأخرجه ابن ماجه (١٦٦٠) عن محمد بن عمر المُقرِئ، عن إسحاق بن عيسى، عن حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. دون قوله: «وكل عرفة ...». وهذا إسناد ضعيف لجهالة محمد بن عمر المقرئ.
وأخرجه الترمذي (٧٠٦) عن محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن المنذر، عن إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سيد المقبري، عن أبي هريرة دون قوله أيضًا: «وكل عرفة ...». وهذا إسناد حسن متصل.
وأخرجه أيضًا الترمذي (٨١٣) من طريق يحيي بن اليمان، عن معمر، عن محمد ابن المنكدر، عن عائشة. ويحيى بن اليمان ضعيف كثير الخطأ، وقد خالفه من هو أوثق منه فجعله من مسند أبي هريرة.
ويشهد لقوله: «كل عرفة موقف ....» حديث جابر بن عبد الله السالف (١٩٠٧) و(١٩٣٦) و(١٩٣٧).
قال الخطابي: معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قومًا اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماضٍ، فلا شيء عليهم من وزر أو عتب، وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده.
وقال الترمذي بإثر الحديث: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعُظْم الناس.
وقوله: «وكل فجاج مكة منحر»: الفجاج جمع فج: وهو الطريق الواسع. وقوله: «كل جمع» جمع: هي المزدلفة. والمعنى: أن محل الوقوف بعرفة، ومحل النحر في منى ومكة، ومحل الوقوف في مزدلفة لا ينحصر فيما وقف النبي ﷺ، ونحر من تلك الأماكن، بل يجوز الوقوف في جميع أمكنة عرفة، وجمغ أمكنة مزدلفة، ويجوز النحر في جميع أمكنة الحرم من منى ومكة.

سمعتُ عائشةَ رضي الله عنها تقولُ: كان رسولُ الله ﷺ يتحفظ من شعبانَ ما لا يتحفَّظ مِن غيرهِ، ثم يصوُم لِرؤيةِ رمضانَ، فإن غُمَّ عليهِ عدَّ ثلاثينَ يومًا، ثم صَامَ (١).
٢٣٢٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ الصباح البزازُ، حدَّثنا جريرُ بنُ عبد الحميد الضبيُّ، عن منصور بن المعتمر، عن ربْعيِّ بنِ حِراش
عن حُذيفة قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا تَقَدِّمُوا الشهرَ حتى تروا الهِلالَ أو تكمِلوا العِدةَ، ثم صُوموا حتى تروا الهِلالَ أو تكملُوا العِدَّة» (٢).


(١) إسناده صحيح. معاوية بن صالح: هو ابن حُدَير الحضرمي الحمصي.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (١٦٧٥)، وأحمد (٢٥١٦١)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١٩١٠)، وابن حبان (٣٤٤٤)، والطبراني في «مسند الشاميين» (١٩٢١)، والدارقطني في «سننه» (٢١٤٩) وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٥٣ من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (٣٧٧) مطولًا من طريق أسد بن موسى، والحاكم في «المستدرك» ١/ ٤٢٣، والبيهقي ٤/ ٢٠٦ من طريق عبد الله بن صالح، كلاهما عن معاوية بن صالح، به.
وقولها: «يتحفظ» معناه يتكلف في حفظ أيام شعبان لمحافظة صوم رمضان.
(٢) إسناده صحيح.
وأخرحه النسائى في «الكبرى» (٢٤٤٧) من طريق جرير بن عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا (٢٤٤٨) من طريق سفيان الثورى، عن منصور، عن ربعي، عن بعض أصحاب النبي ﷺ ومثل هذا الاختلاف لا يؤثر بصحة الحديث، لأنه حيثما دار، دار على صحابي، وكلهم عدول. =

قال أبو داود: ورواه سفيانُ وغيرُه عن منصورٍ، عن ربعيٍّ، عن رجُلٍ من أصحابِ النبيِّ ﷺ، لم يُسَمِّ حذيفة (١).

٧ - باب من قال: فإن غُم عليكم فصومُوا ثلاثين
٢٣٢٧ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا حسين، عن زائدةَ، عن سِماكٍ، عن عِكرمة عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا تَقَدَمُوا الشهرَ بصيام يومٍ ولا يومينِ، إلا أن يكونَ شيءٌ يصومُه أحدُكُم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صُوموا حتى تَرَوْه، فإن حال دونه غَمامة فأتِمُّوا العِدّة ثلاثين، ثم أفطروا، والشهر تسع وعشرون» (٢).


وأخرجه (٢٤٤٩) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي، به. مرسلًا.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٤٥٨) من حديث حذيفة، وفي «مسند أحمد» (١٨٨٢٥) من حديث بعض أصحاب النبيَّ ﷺ.
قال السندي: قوله: «لا تقدموا» أصله تتقدموا بتائين، والمقصود أن كلًا من الفطر والصوم لا يثبت إلا بأحد الأمرين.
(١) مقالة أبي داود هذه زيادة أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي.
(٢) حديث صحيح. سِمَاك - وهو ابن حَرْب الذُّهلي، وإن كان في روايته عن عكرمة، وهو مولى ابن عباس، كلام -قد توبع. الحسن بن علي: هو ابن محمد الخَلاّل الحُلْواني، وحُسين: هو بن علي بن الوليد الجُعفي، وزائدة: هو ابن قُدامة.
وأخرجه الترمذي (٦٩٦)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٥٠) و(٢٤٥١)
و(٢٥١٠) من طرق عن سماك، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه مختصرًا مسلم (١٠٨٨) من طريق أبي البختري، والنسائي (٢٤٤٥) من طريق عمرو بن دينار، و(٢٤٤٦) من طريق محمد بن حنين، ثلاثتهم عن ابن عباس،
به. دون قوله: «لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين».

قال أبو داود: رواه حاتِم بن أبي صَغيرةَ وشعبةُ والحسنُ بنُ صالح، عن سماكٍ، بمعناه، لم يقولوا: «ثم أفطروا».
قال أبو داود: وهو حاتِم بنُ مسلم وأبو صغيرة: زوجُ أُمِّه.

٨ - باب في التقدم
٢٣٢٨ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن مُطرِّفٍ، عن عِمران بنِ حُصين. وسعيدٍ الجُريريّ، عن أبي العلاء، عن مُطرِّف
عن عمران بن حصين، أن رسولَ الله ﷺ قال لرجلٍ: «هَلْ صُمْتَ مِنْ سِرَرِ شعبانَ شيئًا؟» قال: لا، قال: «فإذا أفْطَرْتَ فَصمْ يومًا» وقال أحدهما: «يومين» (١).


وهو في «مسند أحمد» (١٩٣١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٩٠) و(٣٥٩٤).
وانظر ما سيأتي برقم (٢٣٣٢).
ولقوله: «لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين» شاهد من حديث أبي هريرة سيأتي برقم (٢٣٣٥).
(١) إسناداه صحيحان. حمّاد: هو ابن سلمة، وثابت: هو ابن أسلم البُناني، ومُطَرِّف: هو ابن عبد الله بن الشِّخِّير، وأبو العلاء: هو يزيد بن عبد الله بن الشخير.
وأخرجه البخاري (١٩٨٣)، ومسلم (١١٦١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٨١ - ٢٨٨٤) من طرق عن مطرف، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٨٣٩)، و: «صحيح ابن حبان» (٣٥٨٧) و(٣٥٨٨). قوله: سِرَر شعبان، قال ابن القيم في «تهذيب السنن»: بكسر السين وفتحها، وهو آخره، وقت استسرار هلاله.
وقال الخطابي تعليقًا على هذا الحديث وحديث ابن عباس السالف قبله: هذان الحديثان متعارضان في الظاهر، ووجه الجمع بينهما أن يكون الأول إنما هو شيء كان=

٢٣٢٩ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ العلاء الزُّبيديُّ من كتابه، حدَّثنا الوليدُ بنُ مسلم، حدَّثنا عبدُ الله بنُ العلاء، عن أبي الأزهرِ -المغيرةِ بنِ فروةَ- قال:
قام معاويةُ في الناسِ بدَيْرِ مِسْحَل الذي على بابِ حِمْص، فقال:
يا أيّها الناس، إنا قد رأينا الهِلالَ. يومَ كذا وكذا، وأنا مَتقَدّمٌ بالصِّيام، فمن أحبَّ أن يَفْعَلَه فليفعلْه، قال: فقام إليهِ مالك بنُ هُبَيرة السَّبَئي، فقال: يا معاويةُ، أشيءٌ سمعته من رسولِ الله ﷺ أمْ شيء مِنْ رأيك؟ قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «صُومُوا الشَّهْرَ وسِرَّه» (١).
٢٣٣٠ - حدَّثنا سليمانُ بنُ عبدِ الرحمن الدمشقي في هذا الحديثِ قال: قال الوليدُ: سمعتُ أبا عمرو -يعني الأوزاعيَّ- يقول: سِرُّه: أولُه (٢).


= الرجل قد أوجبه على نفسه بنذره، فأمره بالوفاء به، أو كان ذلك عادة قد اعتادها في صيام أواخر الشهور، فتركه لاستقبال الشهر فاستحب له ﷺ أن يقضيه، وأما المنهي عنه في حديث ابن عباس، فهو أن يبتدئ المرء متبرعًا به من غير إيجاب نذر ولا عادة كان قد تعودها فيما مضى.
(١) إسناده حسن. الوليد بن مسلم صرح بالسماع، وشيخه كذلك قد صرح بالسماع عند الطبراني ١٩/ (٩٠١)، وأبو الأزهر المغيرة بن فروة روى عنه جمع وذكره ابن حبان في «الثقات».
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٩/ (٩٠١)، و«مسند الشاميين» (٧٩٥)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢١٠ من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
ومالك بن هبيرة: له صحبة، كنيتة أبو سعيد، وقيل: أبو سليمان، سكن مصر، ويقال: إنه شهد فتح مصر، ويُعد في الحمصيين، لأنه ولى حمص لمعاوية.
(٢) قال الخطابي: أنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطًا في النقل، ولا أعرف له وجهًا في اللغة، والصحيح أن سرَّه آخره، هكذا حدَّثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، حدَّثنا محمود بن خالد الدمشقي، عن الوليد، عن الأوزاعي، قال: سِرّه: آخره، وهذا هو الصواب.

٢٣٣١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الواحدِ، حدَّثنا أبو مُسهِرٍ، قال: كان سعيد - يعني ابنَ عبد العزيز - يقول: سِرُّهُ أوَّلُه (١).
قال أبو داود: وقال بعضهم: سِرُّه وسَطه، وقالوا: آخرُه (٢).

٩ - باب إذا رُئِيَ الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة
٢٣٣٢ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا إسماعيلُ -يعني ابنَ جعفر- أخبرني محمدُ بنُ أبي حرملَةَ
أخبرني كُرَيْبٌ، أن أُمَّ الفضلِ ابنةَ الحارث بَعَثَتْهُ إلى معاوية بالشامِ، قال: فَقَدِمْتُ الشامَ فقضيت حاجَتَها، فاستُهِلَّ رَمَضَانُ وأنا بالشام، فرأينا الهلالَ ليلة الجمعة، ثم قَدِمت المدينة في آخرِ الشهرِ، فسألني ابنُ عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتُم الهلالَ؟ قلتُ: رأيتُه ليلةَ الجمعة، قال: أنتَ رأيتَه؟ قلتُ: نعم، ورآه الناسُ، وصَامُوا وصامَ معاويةُ، قال: لكنا رأيناه ليلةَ السبت، فلا نزالُ نصومه حتى نكمِّل الثلاثينَ أو نراه، فقلتُ: أفلا تكتفي برؤيةِ معاوية وصيامِه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسولُ الله ﷺ (٣).


(١) انظر ما قبله.
(٢) مقالة أبي داود هذه زيادة أثبتناها من هامش (هـ) - وهي برواية ابن داسه -، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٣) إسناده صحيح. كريب: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه مسلم (١٠٨٧)، والترمذي (٧٠٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٣٢) من طرق عن إسماعيل بن جعفر، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٨٩). =

٢٣٣٣ - حدَّثنا عُبيدُ الله بن مُعاذٍ، حدثني أبي، حدَّثنا الأشعثُ
عن الحسن، في رجلٍ كان بمصْرٍ من الأمصارِ فصامَ يومَ الاثنينِ، وشَهِدَ رجلانِ أنهما رأيا الهلالَ ليلةَ الأحَدِ، فقال: لا يَقْضِي ذلك اليومَ الرَّجل ولا أهلُ مصره، إلا أن يَعْلَموا أن أهلَ مصرٍ من أمصارِ المسلمين قد صامُوا يَوْمَ الأحد فيقضُوه (١).


وقوله: «فاستَهلَّ رمضان»، قال السندي: على بناء الفاعل، أي: تَبيَّن هلالُه، أو المفعول، أي: رُئي هلالُه، كذا في الصحاح.
وقوله: هكذا أمرنا النبي ﷺ، قال: يحتمل أن المراد به أنه أمرنا أن لا نقبل شهادة الواحد في حق الإفطار، أو أمرنا بأن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد على رؤية غيرهم، وكلامُ العلماء يميلُ إلى المعنى الثاني، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ العراقي في «طرح التثريب» ٤/ ١١٦: إذا رئي الهلال ببلدة لزم أهل جميع البلاد الصوم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد والليث بن سعد، وحكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء، وبه قال بعض الشافعية، فإنهم قالوا: إن تقاربت البلدان، فحكمهما حكم البلد الواحد، وإن تباعدتا وجهان، أصحهما عند الشيخ أبي حامد والشيخ أبي إسحاق والغزالي والشاشي والأكثر من أنه لا يجب الصوم على أهل البلد الآخر.
والثاني: الوجوب وإليه ذهب القاضي أبو الطيب والروياني، وقال: إنه ظاهر المذهب، واختاره جميع أصحابنا، وحكاه البغوي عن الشافعي نفسه.
قلنا: وقد ألف الحافظ أبو الفيض أحمد الصديقي الغماري رسالة أسماها «توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار» ذهب فيها إلى أنه لا عبرة في اختلاف المطالع، وأن جميع المسلمين في مختلف الأقطار يلزمهم الصوم مع من ثبت عندهم رؤية الهلال في أهل أي قطر من الأقطار، وقد أقام على ذلك الأدلة القاطعة والبراهين والحجج، وأبان أنه لا دليل في حديث ابن عباس أصلًا ولا ذكر فيه لاختلاف المطالع، ولا لكل بلد رؤيتهم، بل كل ذلك من التقول على الحديث وتحميله ما لا يحتمل.
(١) إسناده صحيح. وهو مقطوع. معاذ: هو ابن معاذ العنبري التميمي، والأشعث: هو ابن عبد الملك الحُمرانيّ، والحسن: هو البصري. =

١٠ - باب كراهية صوْمِ يومِ الشَّك
٢٣٣٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله بن نُمَير، حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن عمرو بنِ قيسٍ، عن أبي إسحاق، عن صِلَةَ، قال:
كُنَّا عندَ عمارِ في اليومِ الذي يُشَكُّ فيه، فأُتي بشاةٍ، فتنحَّى بعضُ القَوْمِ، فقال عمار: مَنْ صامَ هذا اليومَ، فقد عَصَى أبا القَاسِمِ ﷺ١).

١١ - باب فيمن يصلُ شعبانَ برمضانَ
٢٣٣٥ - حدَّثنا مسلُم بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هشام، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن أبي سَلَمَةَ
عن أبي هريرة، عن النبيَّ ﷺ قال: «لا تَقَدمُوا صَوْمَ رمضَانَ بيوْمٍ ولا يومين، إلا أن يكونَ صوم يصومُه رجُل فليصُمْ ذلك الصَوْمَ» (٢).


تنبيه: هذا الأثر أثبتناه من (هـ)، وهامش (ج) بخط مغاير وصحح عليه، وقال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» ١٣/ ١٦٢: هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر بن داسه.
(١) إسناده قوي من أجل أبي خالد الأحمر -واسمه سليمان بن حيان- فهو صدوق لا بأس به. وقد صحح إسناده الدارقطني (٢١٥٠)، والحاكم ١/ ٤٢٣ - ٤٢٤، وسكت عنه الذهبي. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٤٥)، والترمذي (٦٩٤)، والنسائي في «الكبرى» (٢٥٠٩) من طريق أبي خالد الأحمر، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشكُّ فيه.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٥٨٥).
(٢) إسناده صحيح. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري.=

٢٣٣٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا محمدُ بنُ جعفر، حدَّثنا شعبةُ، عن توبةَ العنبريِّ، عن محمد بنِ إبراهيمَ، عن أبي سلمة
عن أمِّ سلمة، عن النبيَّ ﷺ: أنه لم يكُنْ يصومُ مِن السَّنةِ شهرًا تامًا إلا شعبانَ يَصِلُه بِرَمضانَ (١).


وأخرجه البخاري (١٩١٤)، ومسلم (١٠٨٢)، وابن ماجه (١٦٥٠)، والترمذي (٦٩٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٩٣) و(٢٤٩٤) و(٢٥١١) من طرق عن يحيي بن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (٦٩٢) من طريق محمد بن عمرو الليثي، عن أبي سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٠٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٨٦) و(٣٥٩٢).
قال الخطابي: معنى الحديث أن يكون قد اعتاد صوم الاثنين والخميس، فيوافق صوم اليوم المعتاد فيصومه، ولا يتعمد صومه إن لم تكن له عادة.
(١) إسناده صحيح. محمد بن جعفر: هو المعروف بغُندَر، وشعبة: هو ابن الحجّاج الأزدي، وتَوبة العَنْبَري: هو ابن أبي الأسد، ومحمد بن إبراهيم: هو التيمي، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٤٩٧) و(٢٦٧٤) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٤٨)، والترمذي (٧٤٦)، والنسائي (٢٤٩٦) و(٢٦٧٣) من طريق سالم أبي الجعد، عن أبي سلمة، به. وقال الترمذي: حديث أم سلمة حديث حسن وقد روي هذا الحديث أيضًا عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت: ما رأيت النبي ﷺ في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان كان يصومه إلا قليلًا، بل كان يصومه كله.
وقال في «الشمائل» (٢٩٤) عن حديث أم سلمة: هذا إسناد صحيح، وهكذا قال عن أبي سلمة، عن أم سلمة، وروى هذا الحديث غير واحد عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي ﷺ، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن
قد روى هذا الحديث عن عائشة وأم سلمة جميعًا، عن النبي ﷺ.
قلنا: وحديث عائشة هو عند الترمذي في «الشمائل» (٢٩٥) وفي «المسند» (٢٤١١٦) وانظر تمام الكلام عليه فيه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٦٥٣).

١٢ - باب في كراهية ذلك
٢٣٣٧ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمد، قال: قَدِمَ عَبّادُ ابنُ كثيرٍ المدينةَ، فمال إلى مجلس العلاءِ فأخذ بيدِه فأقامه، ثم قال: اللهُمَ إن هذا يَحدِّث عن أبيه عن أبي هُريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال: «إذا انتَصَفَ شعبانُ، فلا تَصُوموا» فقال العلاء. اللَّهُمَّ إن أبي حدَّثني عن أبي هريرة عن النبيَّ ﷺ بذلك (١).
[قال أبو داود: رواه الثوريُّ وشِبلُ بنُ العلاء وأبو عميس وزهيرُ ابن محمد، عن العلاء.


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قري من أجل عبد العزيز بن محمد - وهو الدَّراوردي- العلاء: هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقيُّ.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٥١)، والترمذي (٧٤٨) من طريق عبد العزيز بن محمد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٥١) من طريق مسلم بن خالد، والنسائي في «الكبرى» (٢٩٢٣) من طريق أبي عُميس عتبة بن عبد الله، كلاهما عن العلاء، به.
وهو في «مسند أحمد» (٩٧٠٧) من طريق أبي العُميس، وفي «صحيح ابن حبان» (٣٥٨٩) من طريق روح بن القاسم، كلاهما عن العلاء.
ولا معارضة بين هذا الحديث، وبين الحديث السالف الدال على صيام شعبان، لأن حديث أم سلمة يدل على صوم نصفه مع قبله، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني، وحديث العلاء عن أبي هريرة يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف، لا لعادة ولا مضافًا إلى ما قبله، ويشهد له حديث أبي هريرة السالف برقم (٢٣٣٥): «لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين».

قال أبو داود: وكان عبدُ الرحمن لا يُحدث به، قلتُ لأحمد: لم؟ قال: لأنه كان عنده: أن النبيَّ ﷺ كان يَصِلُ شعبانَ برمضان، وقال: عن النبي ﷺ خِلافُه.
قال أبو داود: هذا عندي ليس خلافه] (¬١).

١٣ - باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال
٢٣٣٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الرحيم أبو يحيى البزاز، أخبرنا سعيدُ بنُ سليمانَ، حدَّثنا عباد، عن أبي مالك الأشجعيِّ، حدَّثنا حسينُ بنُ الحارثِ الجَدَليُ جَديلة قيس أن أميرَ مكةَ خطبَ ثم قالَ: عَهِدَ إلينا رسولُ اللهِ ﷺ أن نَنْسُكَ لِلرؤيةِ، فإن لم نَرَه وشَهِدَ شاهدا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادتِهِمَا، فسألتُ الحسينَ بن الحارث: مَنْ أميرُ مكَّة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بَعْدُ فقال: هُوَ الحارثُ بن حاطب أخو محمد بنِ حاطب، ثم قال الأمير: إنَ فيكم من هو أعلمُ بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسولِ الله ﷺ، وأومأ بيدِه إلى رجُلٍ، قال الحسينُ: فقلتُ لِشيخٍ إلى جنبي من: هذا الذي أومأ إليهِ الأميرُ؟ قال: هذا عبدُ الله بنُ عمر، وصَدَقَ، كان أعلَم باللهِ مِنْه، فقال: بذلك أمَرَنَا رسولُ الله ﷺ (٢).


(١) ما بين معقوفين زيادة أثبتناها من (هـ) و(و) وبعضُه زدناه من هامش (هـ): من قوله: قلت لأحمد ... إلى آخره.
(٢) إسناده حسن. حسين بن الحارث الجَدَلي صدوق. سعيدُ بن سليمان: هو الضبي الواسطي، وعبَّاد: هو ابن العوام الكلابي، وأبو مالك الأشجعي: هو سعد بن طارق. =

٢٣٣٩ - حدَّثنا مُسَدَدٌ وخلفُ بنُ هشام المُقرئ، قالا: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن منصورٍ، عن ربْعى بن حِراش
عن رجلٍ من أصحاب النبيَّ ﷺ، قال: اختلف الناسُ في آخر يومٍ من رمضانَ، فقدم أعرابيانِ فشهدا عندَ النبيَّ ﷺ بالله لأهلاَّ الهِلال أمسِ عشيةً، فأمرَ رسولُ الله ﷺ الناسَ أن يُفْطِرُوا، زاد خلف في حديثه: وأن يَغْدُوا إلى مُصَلاَّهُم (١).


وأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» (١٩٢)، والدارقطني في «سننه» (٢١٩١) و(٢١٩٢)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٤٧، وابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (١٠٧٣) من طرق عن سعيد بن سليمان، بهذا الإسناد. وقال الدارقطني: هذا إسناد متصل صحيح.
(١) إسناده صحيح، وإبهام صحابيه لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول، قال الإمام البيهقي: وأصحاب النبي ﷺ كلهم ثقات، سواء سموا أم لم يسموا. مسدَد: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، ومنصور: هو ابن المعتمر السُّلمي.
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (٢٢٠٢)، والبيهقي في «الكبرى» ٢/ ٢٤٨ من طريق أبي عوانة، بهذا الإسناد. وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن ثابت.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٣٣٥) و(٧٣٣٧)، وأحمد في «مسنده» (١٨٨٢٤) و(٢٣٠٦٩)، وابن الجارود (٣٩٦)، والطبراني في «الكبير» ١٧/ (٦٦٢)، والدارقطني (٢١٩٩) و(٢٢٠٠) و(٢٢٠١)، والبيهقي ٤/ ٢٤٨ من طريق سفيان الثوري، والدارقطني (٢١٩٤) من طريق عَبيدة بن حُميد، كلاهما عن منصور، به وقال الدارقطني من طريق عَبيدة: هذا صحيح.
وأخرجه الطبراني ١٧/ (٦٦٣)، والحاكم ١/ ٢٩٧، والبيهقي ٤/ ٢٤٨ من طريق إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، عن سفيان بن عيينة، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي مسعود ... فذكر الحديث.
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد» (١٨٨٢٤).
وقوله: لأهلّا الهلال، أي: رأياه، والهلال مفعول به منصوب.

١٤ - باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان
٢٣٤٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ بكار بنِ الريان، حدَّثنا الوليدُ -يعني ابنَ أبي ثور- (ح) وحدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا الحسين -يعني الجعفي- عن زائدةَ -المعنى- عن سِمَاك، عن عِكرمة
عن ابنِ عباسٍ قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيَّ ﷺ، فقال: إني رأيتُ الهِلالَ -قال الحسنُ في حديثه: يعني رمضان- فقال: «أتَشْهَدُ أن لا إله إلا الله؟» قال: نعم، قال: «أتَشهدُ أن محمدًا رسولُ الله؟» قال: نعم، قال: «يا بلالُ، أذِّن في النَّاسِ، فليصُومُوا غدًا» (١).
٢٣٤١ - حدثني موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن سماكِ بنِ حرب عن عِكرمَةَ، أنهم شكُّوا في هلالِ رمضانَ مرةً فأرادُوا أن لا يَقُومُوا ولا يَصُومُوا، فجاء أعرابيٌّ من الحرَّة، فشهد أنه رأى الهِلالَ، فأُتيَ به النبيُّ ﷺ، فقال: «أتَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله؟»


(١) حديث حسن لغيره، وهذا سند رجاله ثقات إلا أن سماكًا في روايته عن عكرمة اضطراب، وقد اختلفوا عليه في هذا الحديث، فروي عنه مرسلًا، ورجَّحه غيرُ واحدٍ من الأئمة، لكن يشهَدُ لهُ حديثُ ابن عمر الآتي بعده، فيتَقَوى به.
وأخرجه ابنُ ماجه (١٦٥٢) من طريق حماد بن أسامة، والترمذي (٧٠٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٣٣) من طريق حسين الجعفي، كلاهما عن زائدة، وأخرجه الترمذي (٦٩٩) من طريق محمد بن الصباح، عن الوليد بن أبي ثور، وأخرجه النسائي (٢٤٣٤) من طريق سفيان الثوري، ثلاثتهم (زائدة والوليد بن أبي ثور وسفيان الثوري) عن سماك، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٤٤٦).
وانظر ما بعده.

قال: نعم، وشَهِدَ أنه رأى الهِلال، فأمر بلالًا فنادَى في النَّاسِ أن يقوُمُوا وأن يَصُومُوا (١). قال أبو داود: رواه جماعة عن سِمَاك، عن عِكْرِمَة مرسلًا، لم يذكر القيامَ أحدٌ إلا حمادُ بنُ سَلَمَةَ.
٢٣٤٢ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالدِ وعبدُ الله بنُ عبدِ الرحمن السمرقنديُ -وأنا لحديثه أتقَنُ- قالا: حدَّثنا مروانُ -هو ابنُ محمد- عن عبدِ اللهِ بنِ وهْب، عن يحيى بن عبد الله بنِ سالم، عن أبي بكرِ بنِ نافع، عن أبيه
عن ابنِ عمر، قال: تراءى الناسُ الهِلالَ، فأخبرتُ رسولَ الله ﷺ أني رأيتُه فَصَامَ وأمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ (٢).


(١) رجاله ثقات، لكنه مرسل، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب كسابقه.
حمّاد: هو ابن سلمة البصري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٤٣٥) و(٢٤٣٦) من طريق سفيان الثوري، عن سماك، به مرسلًا. وقال الترمذي (٦٩٩): حديث ابن عباس فيه اختلاف، وأكثر أصحاب
سماك يروونه عنه عن عكرمة مرسلًا. ونقل الزيلعي في «نصب الراية» ٢/ ٤٤٣ قول النسائي: وهذا أولى بالصواب، لأن سماكًا كان يُلَقن فيتلقن.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح.
وأخرجه الدارمي في«سننه» (١٦٩١)، وابن حبان في «صحيحه» (٣٤٤٧)، والطبراني في «الأوسط» (٣٨٧٧) والدارقطني في «سننه» (٢١٤٦)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢١٢، وابن الجوزي في «التحقيق» (١٠٧٠) من طريق مروان بن محمد. وقال الدارقطني: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة. قلنا: فيه نظر، فقد تابعه هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب، به عند الحاكم ١/ ٤٢٣، والبيهقي ٤/ ٢١٢.

١٥ - باب في توكيد السّحور
٢٣٤٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ المبارك، عن موسى بنِ عُلَيّ بنِ رباح، عن أبيه، عن أبي قيسٍ مولى عمرو بنِ العاص
عن عمرو بن العاص، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّ فَصْلَ ما بَيْنَ صِيامِنَا وصِيامِ أهْلِ الكتاب أكلَةُ السَّحَرِ» (¬١).

١٦ - باب من سمَّى السَّحور الغداءَ
٢٣٤٤ - حدَّثنا عمرُو بنُ محمد الناقد، حدَّثنا حمادُ بن خالدٍ الخياط، حدَّثنا معاويةُ بنُ صالحٍ، عن يونسَ بنِ سيفٍ، عن الحارث بنِ زيادٍ، عن أبي رُهْم
عن العِرْباضِ بنِ سَارِيَةُ، قال: دعاني رسُولُ اللهِ ﷺ إلى السَّحُورِ في رمضان، فقال: «هلُمَّ إلى الغَدَاء المُبَاركِ» (٢).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو قيس: هو عبد الرحمن ابن ثابت السهمي.
وأخرجه مسلم (١٠٩٦)، والترمذي (٧١٨)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٨٧) من طرق عن موسى بن عُلى، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٦٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٧٧).
قال الخطابي: معنى هذا الكلام الحث على التسحر، وفيه الإعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه، وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب، وعلى مثل ذلك كان الأمر في أول الإسلام، ثم نسخ الله عز وجل ذلك، ورخص في الطعام والشراب إلى وقت الفجر بقوله: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧].
(٢) حديث حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الحارث بن زياد -وهو الشامي-. معاوية بن صالح: هو ابن حُدَير الحضرمي، وأبو رُهَم: هو أحزاب بن أَسِيد السَّمَعي، وهو مخضرم.

٢٣٤٥ - حدَّثنا عمرُ بنُ الحسنِ بنِ إبراهيمَ، حدَّثنا محمدُ بنُ أبي الوزير أبو المطرّفِ، حدَّثنا محمدُ بنُ موسى، عن سعيدٍ المقبريِّ
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «نِعْمَ سَحُورُ المُؤمِنِ التَّمْرُ» (¬١).

١٧ - باب وقت السّحور
٢٣٤٦ - حدَّثنا مُسَدَد، حدَّثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن عبدِ الله بنِ سَوَادة القُشيريِّ، عن أبيه قال:


وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٢٤٨٤) من طريق معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧١٤٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٦٥).
وللحديث شاهد من حديث المقدام بن معدي كرب، وعائشة، وأبي الدرداء، وعمر بن الخطاب. انظرها في «المسند».
قال الخطابي: إنما سماه غداءً، لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار، فكأنه قد تغدى، والعرب تقول: غدا فلان لحاجته: إذا بكر فيها، وذلك من لدن وقت السحر إلى طلوع الشمس.
والسحور بفتح السين: اسم ما يؤكل في وقت السحر، والفطور كذلك ما يفطر به، والسحور بالضم: اسم الفعل بالوجهين.
(١) إسناده صحيح. محمد بن موسى: هو الفِطرِي.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣٤٧٥)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٣٦ من طريق محمد بن موسى، به.
وفي الباب عن جابر عند البزار (٩٧٨)، وأبي نعيم في «الحلية» ٣/ ٣٥٠.
وآخر عن السائب بن يزيد عند الطبراني في«الكبير» (٦٦٨٩).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (هـ) و(و) وهما برواية ابن داسه. وقد ذكره المزي
في «تحفة الأشراف» (١٣٠٦٧) ونسبه لأبي داود مطلقًا!

سمعت سَمُرة بن جُنْدُب يَخْطُبُ وهو يقول: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يمنعنَ من سَحورِكُم أذانُ بِلالٍ، ولا بياض الأفقِ الذي هكذا حتى يستطِيرَ» (١).
٢٣٤٧ - حدَّثنا مُسَدَد، حدَّثنا يحيى، عن التيميِّ (ح)
وحدَّثنا أحمدُ بنُ يونسَ، حدَّثنا زُهير، حدَّثنا سليمانُ التيمي، عن أبي عثمانَ
عن عبدِ الله بنِ مسعود، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يَمْنَعَن أحَدَكُم أذانُ بلالٍ من سَحورهِ، فإنه يُؤذِّنُ -أو قال: يُنادِي- لِيَرْجِعَ قائِمَكُم، وينتبِه نائمُكُم، وليس الفَجْرُ أن يقول هكذا» -قال مُسَدَّد: وجمع يحيى كَفَّهُ- «حتى يقول هكذا» ومدَّ يحيى بإصبعيه السَّبابَتْين (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. سوادة -وهو ابن حنظلة القشيري البصري- روى عنه جمع، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وروى له مسلم هذا الحديث في«صحيحه». مُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد الأسَدي.
وأخرجه مسلم (١٠٩٤) من طريق عبد الله بن سوادة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٠٩٤)، والترمذي (٧١٥)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٩٢) من فريقين عن سوادة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠٩٧) و(٢٠١٤٩).
وله شاهد من حديث ابن مسعود سيأتي بعده.
وانظر تتمة شواهده في «مسند أحمد» (٣٦٥٤).
وقوله: «يستطير»: معناه يعترض في الأفق، وينشر ضوءه هناك.
(٢) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسدي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، والتيمي: هو سُليمان بن طَرْخان. وزهير: هو ابن معاوية الجُعفي، وأبو عثمان: هو عبد الرحمن بن مُل النَهدي.
وأخرجه البخاري (٦٢١) و(٥٢٩٨) و(٧٢٤٧)، ومسلم (١٠٩٣)، وابن ماجه (١٦٩٦)، والنسائي في «الكبرى» (١٦١٧) و(٢٤٩١) من طرق، عن سليمان التيمي، بهذا الإسناد.

٢٣٤٨ - حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا مُلازِمُ بن عَمرو، عن عبد الله بنِ النعمان، حدثني قيسُ بنُ طلقٍ
عن أبيهِ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «كُلُوا واشْرَبُوا، ولا يَهيدَنكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ، فَكُلوا واشْرَبُوا حتى يعترِضَ لكُمُ الأحْمَرُ» (١).
قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهلُ اليمامة (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (٣٦٥٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٦٨) و(٣٤٧٢). وقوله: «ليرجع قائمكم»: لفظ قائمكم منصوبة على أنها مفعول به «ليرجع» ورجع يستعمل لازمًا ومتعديًا، قال الله سبحانه ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٨٣] ومعناه يرد القائم، أي: المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الفجر نشيطًا، أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر. وقوله: «وينتبه نائمكم» في رواية مسلم: «ويوقظ نائمكم» ولفظ البخاري: «وينبه نائمكم» وقوله: «وليس الفجر أن يقول هكذا وهكذا». فيه إطلاق القول على الفعل، أي: يظهر، وكذا قوله: «حتى يقول» وكأنه ﷺ يحكي بذلك صفة الفجر الصادق، لأنه يطلع معترضًا ثم يعم الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالًا بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب: ذنب السرحان، فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض.
(١) إسناده حسن. قيس بن طلق صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه الترمذي (٧١٤) من طريق ملازم بن عمرو، بهذا الإسناد. وقال:
حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٢٩١).
وفي الباب عن سمرة بن جندب سلف برقم (٢٣٤٦).
وقوله: ولا يهيدنكم. قال ابن الأثير في «النهاية»، أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا عن السُّحور، فإنه الصبح الكاذب، وأصل الهيد: الحركة، وقد هِدْتُ الشيء أهيدُه هَيدًا: إذا حركته وأزعجته.
الساطع: المرتفع، وسطوعها: ارتفاعها مصعدًا قبل أن يعترض، ومعنى الأحمر هنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حُمرة، وذلك أن البياض إذا تَتَامَّ طُلُوعه ظهرت أوائل الحمرة.
(٢) مقالة أبي داود هذه زيادة أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي.

٢٣٤٩ - حدَّثنا مُسَدَد، حدَّثنا حُصينُ بنُ نمير (ح)
وحدَثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا ابنُ إدريس -المعنى- عن حُصين، عن الشَعبى عن عدي بنِ حاتِم، قال: لما نزلت هذه الآية ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] قال: أخذتُ عِقالًا أبيضَ وعِقالًا أسودَ، فوضعتُهما تحتَ وسَادتي، فنظرتُ، فلم أتبيَّن، فذكرتُ ذلك لِرسولِ الله ﷺ، فَضَحِكَ فقال: «إن وِسَادَكَ إذًا لعَرِيضٌ طويلٌ، إنما هو الليل والنهار» وقال عثمانُ: «إنما هو سوادُ الليل وبياضُ النهارِ» (¬١).

١٨ - باب [في] الرجل يسمع النداء والإناءُ على يده
٢٣٥٠ - حدَّثنا عبدُ الأعلى بنُ حمَّادِ، حدَّثنا حماد، عن محمد بنِ عمرو، عن أبي سلمة


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وابن إدريس: هو عبد الله الأودي، وحُصين: هو ابن عبد الرحمن السُّلمي، والشعبي: هو عامر بن شَراحيل.
وأخرجه البخاري (١٩١٦) و(٤٥٠٩)، ومسلم (١٠٩٠)، والترمذي (٣٢٠٨) من طرق عن حصين، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٤٥١٠)، والترمذي (٣٢٠٩) و(٣٢١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٩٠) و(١٠٩٥٤) من طريقين عن الشعبي، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٧٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٦٢) و(٣٤٦٣).
وقوله: «إن وسادك إذًا لعريض»، قال الخطابي: فيه قولان:
أحدهما: يريد أن نومك إذًا لكثير، وكنى بالوساد عن النوم إذ كان النائم يتوسده، أو يكون أراد أن ليلك إذًا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه.
والقول الآخر: إنه كنى بالوساد عن الموضع الذي يضعه من رأسه وعنقه على الوساد إذا نام، والعرب تقول: فلان عريض القفا: إذا كانت فيه غباوة وغفلة.

عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا سَمِعَ أحَدُكُم النداء والإناءُ على يَدِهِ، فلا يَضَعْهُ حتى يقضِيَ حاجتَه منه» (¬١).

١٩ - باب وقت فطر الصائم
٢٣٥١ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا هِشَامٌ (ح) وحدَثنا مُسَدد، حدَّثنا عبدُ الله بنُ داود، عن هشامٍ -المعنى، قال: هشام ابنُ عروة- عن أبيه، عن عَاصِمِ بنِ عُمَرَ


(١) حديث صحيح، وهذا إسناده حسن. محمد بن عمرو - وهو ابن علقمة الليثي -
صدوق حسن الحديث، لكنه قد توبع. حمّاد: هو ابن سلمة البصري، وأبو سلمة:
هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٩٤٧٤) و(١٠٦٢٩)، والطبراني في «تفسيره» (٣٠١٥)، والدارقطني في «سننه» (٢١٨٢)، والحاكم في «المستدرك» ١/ ٢٠٣، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢١٨ من طرق عن حمّاد بن سلمة. بهذا الإسناد.
وقال الدارقطني: هذا حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط مسلم. وأخرجه أحمد (١٠٦٣٠)، والطبري ٢/ ١٧٥، والحاكم ١/ ٢٠٣، وابن حزم في «المحلى» ٦/ ٢٣٢، واليهقي ٤/ ٢١٨ من طريقين عن حماد بن سلمة، عن عمّار ابن أبي عمّار، عن أبي هريرة. وإسناده صحيح.
وفي الباب عن جابر عند أحمد (١٤٧٥٥)، وإسناده حسن في الشواهد.
وعن أبي أمامة عند الطبري في «تفسيره» ٢/ ١٧٥، وإسناده حسن في الشواهد أيضًا.
أما الإمام الخطابي، فقد قال في «المعالم»: هذا على قوله: إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، أو يكون معناه أن يسمع الأذان وهو يشُكُّ في الصبح، مثل أن تكون السماء مُتَّغمةً، فلا يقعُ له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع، لعلمه أن دلائل الفجر معه معدومة، ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضًا، فأما إذا علم انفجار الصبح فلا حاجة به إلى أذان الصارخ، لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

عن أبيهِ، قال: قال النبي ﷺ: «إذا جاء الليلُ مِن ها هنا، وذهبَ النهارُ مِن ها هنا» زاد مسدد: «وغابت الشمسُ، فقد أفْطَرَ الصَّائِمُ» (١).
٢٣٥٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الواحِدِ، حدَّثنا سليمانُ الشَّيبَانيُّ، قال: سمعتُ عبدَ الله بنَ أبي أوفى يقول: سِرْنا مع رسولِ الله ﷺ وهو صَائِمٌ، فلما غَرَبَتِ الشمسُ قال: «يا بلالُ، انزِل فاجْدَحْ لنا» قال: يا رسولَ اللهِ، لو أمسيتَ، قال: «انزِلْ فاجْدَحْ لنا» قال: يا رسولَ الله، إنَّ عليكَ نهارًا، قال: «انزِلْ فاجْدَحْ لنا» فنزل، فَجَدَحَ، فَشَربَ رسولُ الله ﷺ، ثم قال: «إذا رأيتُمُ الليلَ قد أقبل من ها هنا، فقد أفْطَرَ الصَائمُ» وأشارَ بإصبعه قِبَلَ المشرِقِ (٢).


(١) إسناده صحيح. وكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي، ومسدد: هو ابن مسرهد الأسدي.
وأخرجه البخاري (١٩٥٤)، ومسلم (١١٠٠)، والترمذي (٧٠٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٩٦) من طرق عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥١٣).
قال الخطابي تعليقًا على قوله: «فقد أفطر الصائم»: معناه: أنه قد صار في حكم المفطر وإن لم يأكل، وقيل: معناه: أنه قد دخل في وقت الفطر، وحان له أن يفطر، كما قيل: أصبح الرجل إذا دخل في وقت الصبح وأمسى وأظهر كذلك.
(٢) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسدي، وعبد الواحد: هو ابن زياد العَبدي، وسليمان الشيباني: هو ابن أبي سليمان أبو إسحاق.
وأخرجه البخاري (١٩٤١)، ومسلم (١١٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٩٧) من طرق عن سليمان الشيباني، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٩٥)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥١١) و(٣٥١٢).=

٢٠ - باب ما يُستحب من تعجيل الفطر
٢٣٥٣ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقية، عن خالدٍ، عن محمد -يعني ابنَ عمرو- عن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن النبيَّ ﷺ قال: «لا يَزَالُ الذينُ ظاهِرًا ما عجَّل الناسُ الفِطْر، لأن اليهودَ والنصارى يُؤخِّرونَ» (١).
٢٣٥٤ - حدَّثنا مُسَدَدٌ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن عُمَارَة بنِ عُميرٍ، عن أبي عطية، قال:
دخلتُ على عائشةَ رضي الله عنها أنا ومسروقٌ فقلنا: يا أمَّ المؤمنين، رَجُلانِ من أصحابِ محمدٍ ﷺ أحدهما يُعجِّل الإفطارَ، ويُعَجِّلُ الصَلاةَ، والآخر يُؤخِّرُ الإفطارَ، ويُؤخِّرُ الصَّلاة، قالت:


= وقوله: «اجدح لنا»: الجدح: أن يخاض السَّويق بالماء ويُحرك حتى يستوي، وكذلك اللبن ونحوه، والمِجدَحُ: العود المجنح الرأس الذي يخاض به الأشربة لِترِقّ وتستوي. قاله الخطابي.
(١) صحيح لغيره دون قوله: «لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، وهذا إسناد حسن. محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- صدوف حسن الحديث. خالد: هو ابن عبد الله الطحان، وأبو سلمة: هو عبد الله بن عبد الرحمن الزهري.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٩٨)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٩٩) من طريق محمد ابن عمرو، بهذا الإسناد. دون ذكر النصارى.
وهو في «مسند أحمد» (٩٨١٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٠٣) و(٣٥٠٩).
وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند البخاري (١٩٥٧)، ومسلم (١٠٩٨).
وآخر من حديثه عائشة سيأتي بعده.
وثالث من حديث أنس بن مالك عند ابن حبان (٣٥٠٤).

أيهما يُعجِّلُ الإفطارَ، ويُعَجِّلُ الصَّلاة؟ قلنا: عبدُ الله، قالت: كذلك كان يَصْنَعُ رسولُ اللهِ ﷺ (١).

٢١ - باب ما يُفطَرُ عليه
٢٣٥٥ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَثنا عبدُ الواحد بنُ زياد، عن عاصم الأحولِ، عن حفصةَ بنتِ سيرينَ، عن الرَّباب
عن سلمان بنِ عامرٍ عمِّها، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا كان أحدُكُم صائمًا فليفطِرْ على التمر، فإن لم يجدِ التمرَ فعلى الماء، فإن الماءَ طهورٌ» (٢).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسدي، وأبو معاوية: هو محمد ابن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو عطية مختلف في اسمه، وهو الوادِعي الهَمداني.
وأخرجه مسلم (١٠٩٩)، والترمذي (٧١١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٨١) و(٢٤٨٢) من طريق الأعمش، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٢٤٧٩) و(٢٤٨٠) من طريق خيثمة، عن أبي عطيَّة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢١٢).
وقد جاء عند مسلم وغيره بيان أن عبد الله المذكور هو ابن مسعود، والآخر هو أبو موسى الأشعري.
(٢) صحيح من فعل النبي ﷺ، وهذا إسناد حسن في الشواهد، الرباب -وهي بنت صُلَيع- لم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين، وذكرها ابن حبان في «الثقات».
وأخرجه ابن ماجه (١٦٩٩)، والترمذي (٦٦٤) و(٧٠٤)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٠٥) و(٣٣٠٦) و(٣٣١١) و(٦٦٧٥) من طرق عن عاصم الأحول، بهذا الإسناد.
وقال الترمذي في الموضع الأول: حديث حسن، وفي الموضع الثاني: حسن صحيح. وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٣٠٧ - ٣٣٠٩) و(٣٣١٢) و(٦٦٧٦) من طريق هشام بن حسان، عن حفصة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٢٢٦)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥١٥). =

٢٣٥٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، حدَّثنا جعفرُ بنُ سيمانَ، أخبرنا ثابت البُناني أنه سَمِعَ أنسَ بنَ مالكِ يقولُ: كان رسولُ اللهِ ﷺ يُفْطِرُ على رُطَبَاتٍ قبل أن يصلي، فإن لم تكن رُطَبَاتٌ فعلى تَمَرَاتٍ، فإن لم تكن تَمَراتٌ حسا حسوَاتٍ من ماء (١).

٢٢ - باب القول عند الإفطار
٢٣٥٧ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ يحيى أبو محمد، حدَّثنا عليُّ بن الحسن، أخبرني الحسينُ بنُ واقد، حدَّثنا مروانُ -يعني ابنَ سالم المُقَفَّع- قال:


= ورواه شعبة بن الحجاج، عن عاصم الأحول فأسقط من إسناده الرباب، كذلك أخرجه أحمد (١٦٢٤٢)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٠١) و(٦٦٧٧)، وكذلك رواه شعبة عن هشام بن حسان، عن حفصة عند النسائي (٣٣٠٠) و(٦٦٧٨)، وكذا رواه عن خالد الحذاء عنده أيضًا (٣٣٠٢).
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في «سنن ابن ماجه» (١٦٩٩).
وله شاهد من حديث أنس بن مالك سيأتى بعده. وإسناده صحيح.
(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو الصنعاني.
وأخرجه الترمذي (٧٠٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٠٣) و(٦٦٧٩) من طريق شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس مرفوعًا بلفظ: «من وَجَد تمرًا فليفطر عليه، ومن لا، فليفطر على ماء، فإنه طهور». قال النسائي: حديث شعبة، عن عبدالعزيز بن صهيب خطأ، والصواب شعبة، عن خالد، عن حفصة، عن سلمان بن عامر.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٣٠٤) من طريق بُريد بن أبي مريم، عن أنس أن النبي ﷺ كان يبدأُ إذا أفطر بالتمر.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٦٧٦).

رأيتُ ابنَ عُمر يَقْبِضُ على لِحيَتِهِ فيقطعُ ما زادَ على الكفِّ، وقال: كان رسولُ الله ﷺ إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلَّت العُرُوقُ وثبتَ الأجر إن شاء اللهُ» (١).
٢٣٥٨ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا هُشَيْمٌ، عن حُصينٍ
عن معاذ بن زُهْرة، أنه بلغه أن النبيَّ ﷺ كان إذا أفطر، قال: «اللَهُمَّ لك صُمْتُ، وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ» (٢).


(١) إسناده حسن كما قال الدارقطني في «سننه» ٣/ ١٥٦، والحافظ في «تلخيص الحبير» ٢/ ٢٠٢، مروان بن سالم المُقَفَّع روى عنه ثقتان وذكره ابن حبان في «الثقات»، والحسين بن واقد أخرج له مسلم وهو صدوق لا بأس به. علي بن الحسن: هو ابن شقيق العبدي المروزي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٣١٥) و(١٠٠٥٨) من طريق علي بن الحسن ابن شقيق، بهذا الإسناد.
وعلق البخاري بإثر الحديث (٥٨٩٢) أن ابن عمر كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه، قال الحافظ في «الفتح»: هو موصول بالسند المذكور إلى نافع. وأخرجه مالك في «الموطأ» عن نافع بلفظ: كان ابن عمر إذا حَلَقَ رأسَه بحج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه.
(٢) حديث مرسل ومعاذ بن زهرة -وقيل: معاذ أبو زهرة-، تابعي ذكره ابن حبان في «ثقاته» ٧/ ٤٨٢، ولم يرو عنه غير حصين -وهو ابن عبد الرحمن السلمي- وأورده البخاري في«تاريخه الكبير» ٧/ ٣٦٤، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٤٨، فلم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. على أنه اختُلف عليه في هذا الحديث كما سيأتي.
مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرهَد الأسَدي، وهشيم: هو ابن بشير السلمي.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في «الزهد» (١٤١٠) و(١٤١١)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ٣/ ١٠٠، وأبو داود في «مراسيله» (٩٩)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٣٩، والبغوى في «شرح السنة» (١٧٤١) من طرق عن حصين، بهذا الإسناد. =

٢٣ - باب الفطر قبل غروب الشمس
٢٣٥٩ - حدَّثنا هارونُ بنُ عبدِ الله ومحمدُ بنُ العلاء -المعنى- قالا: حدَّثنا أبو أُسامة، حدَّثنا هشامُ بنُ عُروة، عن فاطمةَ بنتِ المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا يومًا في رمضانَ في غيْم في عهدِ رسولِ الله ﷺ ثم طلعت الشمسُ، قال أبو أسامةَ: قلتُ لهشامٍ: أُمِرُوا بالقضاء؟ قال: وبدٌّ مِنْ ذلك؟! (١).


= وأخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٤٧٩) من طريق سفيان الثوري، عن حصين بن عبد الرحمن، عن رجل، عن معاذ بن زهرة. بزيادة رجل قبل معاذ بن زهرة.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٦/ ١٨٩ من طريق سفيان الثوري، عن حصين، عن معاذ، عن الربيع بن خُثيم قوله. فجعله من قول الربيع بن خثيم، وليس من قول النبي ﷺ والظاهر أنه هو الصواب، فقد أُسنِد من وجه آخر عند ابن سعد أيضًا ٦/ ١٨٩ من طريق شريك النخعي، عن حصين، عن هلال بن يِساف، عن الربيع بن خثيم، قوله وشريك يعتبر به عند المتابعة.
وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني في «سننه» (٢٢٨٠)، والطبراني في «الكبير» (١٢٧٢٠)، وابن السُني في «عمل اليوم والليلة» (٤٨٠). وفي سنده عبد الملك بن هارون، وقال الحافظ في «التلخيص» ٢/ ٢٠٢: سنده ضعيف، وقال الذهبي في «الضعفاء»: تركوه.
وآخر من حديث أنس بن مالك عند الطبراني في «الأوسط» (٧٥٤٥)، وفي «الصغير» (٩١٢)، وأبي نعيم في «تاريخ أصبهان» ٢/ ٢١٧ - ٢١٨. وفي سنده داود بن الزبرقان متروك وكذبه الأزدي.
(١) إسناده صحيح. أبو أسامة: هو حماد بن أسامة القرشي.
وأخرجه البخاري (١٩٥٩)، وابن ماجه (١٦٧٤) من طرق عن أبي أسامة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٩٢٧). =

٢٤ - باب في الوِصال
٢٣٦٠ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمة القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن نافع
عن ابنِ عُمَرَ: أن رسولَ الله ﷺ نهى عن الوصال، قالوا: فإنَّكَ تُواصِلُ يا رسولَ الله، قال: «إني لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم، إني أُطْعَمُ وأُسْقَى» (١).
٢٣٦١ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، أن بكْرَ بنَ مُضَرَ حدَّثهم، عن ابنِ الهاد، عن عبدِ الله بنِ خَبَّابٍ
عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِي، أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا تُواصِلُوا، فأيُّكم أراد أن يُوَاصِلَ فليواصِلْ حتى السَّحر» قالوا: فإنك تُوَاصِلُ، قال: «إني لَسْتُ كهيئتِكُم، إن لي مُطْعِمًَا يُطعُمِني وساقيًا يسقيني» (٢).


= وقوله: و«بدٌ من ذلك» في رواية البخاري «بُدٌّ من قضاء»: هو استفهام إنكار محذوف الأداة، والمعنى: لا بد من قضاء، وأكثر أهل العلم على إيجاب القضاء، وقال إسحاق بن راهويه وأهل الظاهر: لا قضاء عليه، ويمسك بقية النهار عن الأكل حتى تغرب الشمس، وروي ذلك عن الحسن البصري.
(١) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وهو عند مالك في «الموطأ» ١/ ٣٠٠، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٩٦٢)، ومسلم (١١٠٢).
وأخرجه البخاري (١٩٢٢)، ومسلم (١١٠٢)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٥٠) من طرق عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٧٢١) و(٥٩١٧).
(٢) إسناده صحح. ابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وعبد الله بن خَبَّاب: هو الأنصاري المدني.
وأخرجه البخاري (١٩٦٣) و(١٩٦٧) من طريق ابن الهاد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١١٠٥٥)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٧٧). =

٢٥ - باب الغِيبة للصائم
٢٣٦٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا ابنُ أبي ذئب، عن المَقْبُرِيِّ، عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ به، فليسَ لله حاجَةٌ أن يَدَعَ طعامَه وشرابه» قال أحمد: فهمتُ إسنادَه من ابنِ أبي ذئب، وأفهمني الحديثَ رجل إلى جنبه أُراه ابنَ أخيه (١).
٢٣٦٣ - حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ مسلمة القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج


= قال الخطابي: الوصال من خصائص ما أبيح لرسول الله ﷺ وهو محظور على أمته، يشبه أن يكون المعنى في ذلك ما يتخوف على الصائم من الضعف وسقوط القوة فيعجزوا عن الصيام المفروض وعن سائر الطاعات، أو يملوها إذا نالتهم المشقة، فيكون سببًا لترك الفريضة.
(١) إسناده صحيح. ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، والمقبُري: هو سعيد بن أبي سعيد كيسان.
وأخرجه البخاري (١٩٠٣) و(٦٠٥٧)، وابن ماجه (١٦٨٩)، والترمذي (٧١٦)،
والنسائي في «الكبرى» (٣٢٣٣) و(٣٢٣٤) من طرق، عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٨٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٨٠).
قال ابن بطال: ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله: «من باع الخمر، فليشقص الخنازير» أي:
يذبحها، ولم يأمره بذبحها، ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر.
وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله: ليس لله حاجة مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب.

عن أبي هريرة أن النبيَّ ﷺ قال: «الصِّيامُ جُنّة (١)، إذا كان أحدُكُم صائمًا، فلا يرفُث ولا يجهل، فإن امرُؤٌ قاتله أو شاتمه، فليقُلْ إني صَائِمٌ، إني صَائِمٌ» (¬٢).

٢٦ - باب السِّواك للصائم
٢٣٦٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ الصبَّاح، حدَّثنا شريكٌ (ح)
وحدَثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن سفيانَ، عن عاصم بنِ عُبيد الله، عن عبدِ الله بنِ عامر بنِ ربيعة


(١) قوله ﷺ: «الصيام جُنَّه» لم يرد في (أ) و(ب) و(ج)، وأثبتناه من (هـ) و(و)، وهو ثابت في الحديث في رواية «الموطأ» ١/ ٣١٠.
(٢) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس، وأبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان القرشي، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمز.
وهو عند مالك في «الموطأ»١/ ٣١٠، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٨٩٤)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٤٠).
وأخرجه مسلم (١١٥١)، والنسائي (٣٢٣٩) و(٣٢٥٦) من طريقين عن أبي الزناد، به.
وأخرجه بنحوه البخاري (١٩٠٤)، ومسلم (١١٥١)، وابن ماجه (١٦٩١)، والنسائي (٣٢٤٢) من طريق أبي صالح الزيات، والترمذي (٧٧٤)، والنسائي (٣٢٤٤) من طريق سعيد بن المسيب، والنسائي (٣٢٤٦) من طريق عجلان، و(٣٢٤٣) من طريق عطاء الزيات، أربعتهم عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٩٩٩٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٨٢ - ٣٤٨٤).
وقوله «الصيام جُنَّة». الجنة، بضم الجيم: الوقاية والستر، ومعناه: سترة من الآثام أو من النار، أو من جميع ذلك، وقال أبو بكر بن العربي: إنما كان الصوم جنة من النار، لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات.
وقوله: «فلا يرفث». الرفث: الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع، وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقًا، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها، قاله الحافظ في «الفتح» ٤/ ١٠٤.

عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ يستاكُ وهو صائِمٌ، زاد مُسَدَّدٌ في حديثه: ما لا أعد ولا أُحْصِي (١).

٢٧ - باب الصائم يصُبُّ عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق
٢٣٦٥ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن سُميِّ مولى أبي بكر، عن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمن
عن بعضِ أصحابِ النبيَّ ﷺ قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ أمرَ النَّاسَ في سفرِه عامَ الفتحِ بالفِطْرِ، وقال: «تَقَوَّوْا لِعدُوكُم» وصامَ رسولُ الله ﷺ.


(١) إسناده ضعيف؛ لضعف عاصم بن عبيد الله. وشريك -وهو ابن عبد الله النخعي، وإن كان سيئ الحفظ- متابغ، فالحديث ضعيف من قِبَل عاصم. ومسدد: هو ابن مسرهد الأسدي، ويحيي: هو ابن سعيد القطان، وسفيان: هو الثوري.
وأخرجه الترمذي (٧٣٤) من طريق سفيان، بهذا الإسناد. وصححه ابن خزيمة! (٢٠٠٧)، وحسن إسناده الحافظ في «التلخيص» ١/ ٦٢، لكنه عاد، فقال فيه ١/ ٦٨: وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٦٧٨). وانظر تتمة كلامنا عليه فيه.
وعلقه البخاري في صحيحه ٤/ ١٥٨ قبل الحديث (١٩٣٤) عن عامر بن ربيعة بصيغة التحريض فقال: ويذكر عن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي ﷺ يستاك وهو صائم ما لا أحصي ولا أعدُّ.
وقال الترمذي: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسًا إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك بالعود الرطب، وكرهوا له السواك آخر النهار، ولم ير الشافعي بالسواك بأسًا أول النهار وآخره، وكره أحمد وإسحاق السواك آخر النهار.

قال أبو بكر: قال الذي حدَّثني: لقد رأيتُ رسولَ الله ﷺ بالعَرْجِ يصُبُّ على رأسِه الماءَ وهو صَائِمٌ مِن العطش، أو مِن الحَرِّ (١).
٢٣٦٦ - حدَّثنا قُتَيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا يحيي بنُ سُلَيمٍ، عن إسماعيلَ بنِ كثير، عن عاصِم بنِ لقيط بن صَبِرَةَ
عن أبيه لقيط بن صَبِرَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «بالِغْ في الاسْتِنْشَاق، إلا أن تكون صَائِمًا» (¬٢).

٢٨ - باب الصائم يحتجم
٢٣٦٧ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيي، عن هِشَامٍ (ح)
وحدَثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا حسنُ بنُ موسى، حدَّثنا شيبانُ، جميعًا عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء -يعني الرَّحَبِيَّ-


(١) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس.
وهو في «الموطأ» ١/ ٢٩٤، ومن طريقه أخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٠١٧).
لكن اختصره النسائي بقصة صبِّ الماء.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٩٠٣).
والعرج بفتح العين وسكون الراء: قرية جامعة على طريق مكة بينها وبين المدينة تسعة وتسعون فرسخًا، وهو في الطريق الذي سلكه رسول الله ﷺ حين هاجر إلى المدينة، وسمي العرج بتعريج السيول به.
(٢) حديث صحيح. وقد سلف ضمن حديث مطول برقم (١٤٢).
وإنما كره المبالغة في الاستنشاق للصائم خشية أن ينزل إلى حلقه ما يفطره.
واختلف إذا دخل من ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه خطأ، فقالت الحنفية ومالك والشافعي في أحد قوليه والمزني: إنه يفسد الصوم، وقال أحمد وإسحاق والأوزاعي وأصحاب الشافعي: إنه لا يفسد الصوم كالناسي.

عن ثوبانَ، عن النبي ﷺ، قال: «أفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ» (١).


(١) إسناده صحيح، وقد صححه غير واحد من الأئمة، لكن ثبت عن النبي ﷺ نسخُه. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وشيبان: هو ابن فَروُّخ الحَبَطي، ويحيى شيخ شيبان: هو ابن أبي كثير، وأبو قِلابة: هو عبد الله زيد الجَرمي، وأبو أسماء: هو عمرو بن مرثد الرَّحَبي. وأخرجه ابنُ ماجه (١٦٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٣١٢٥) من طريق يحيى ابن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٣١٢٤) و(٣١٢٨) من طريق أبي أسماء، به.
وأخرجه النسائي أيضًا (٣١٢٠) و(٣١٤٥ - ٣١٤٨) من طرق عن ثوبان، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٨٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٣٢).
وانظر ما سيأتي برقم (٢٣٦٨ - ٢٣٧١).
قال ابن حزم فيما نقله عنه الحافظ في «الفتح» ٤/ ١٧٨: صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد: أرخص النبي ﷺ في الحجامة للصائم. وإسناده صحيح فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا، انتهى، والحديث المذكور أخرجه النسائي (٣٢٢٤) وابن خزيمة (١٩٦٧) والدارقطني (٢٢٦٢) ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني (٢٢٦٠) ولفظه: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله ﷺ، فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي ﷺ بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم. [وقال الدارقطني: كلهم ثقات ولا أعلم له علة] ورواته كلهم من رجال البخاري.
ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه عبد الرزاق (٧٥٣٥) وأبو داود (٢٣٧٤) من طريق عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ قال: «نهى النبي عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه» إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، وقوله: «إبقاء على أصحابه» متعلق بقوله: نهى. =

قال شيبان في حديثه: قال: أخبرني أبو قِلابة أن أبا أسماء الرحبيَّ حَدثَهُ، أن ثوبانَ مولى رسول الله ﷺ أخبره، أنه سمع النبيَّ ﷺ.
٢٣٦٨ - حدَّثنا أحمد بن حنبل، حدَّثنا حسنُ بنُ موسى، حدَّثنا شيبانُ، عن يحيى، قال:
حدَّثني أبو قِلابة الجرميِّ، أنه أخبره أن شداد بن أوس بينما هو يمشي مع النبي ﷺ فذكره نحوه (١).
٢٣٦٩ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا وُهَيبٌ، حدَّثنا أيوبُ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي الأشعثِ
عن شداد بن أوس، أن رسولَ اللهِ ﷺ أتى على رَجُلٍ بالبَقيعِ، وهو يحتجِمُ، وهو آخِذٌ بيدي لِثمان عشرةَ خَلَتْ من رمضان، فقال: «أفْطَرَ الحاجِمُ والمحجومُ» (٢).


= وقد رواه ابن أبي شيبة ٣/ ٥٢ عن وكيع، عن الثوري بإسناده هذا، ولفظه: عن أصحاب محمد ﷺ قالوا: إنما نهى النبي ﷺ عن الحجامة للصائم، وكرهها للضعيف، أي: لئلا يضعف. وفي البخاري (١٩٤٠) أن أنس بن مالك سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد منقطع؛ لأن أبا قِلابة -وهو عبد الله بن زيد الجرمي- لم يسمعه من شداد بن أوس، وإنما سمعه من أبي الأشعث -وهو شراحيل بن آده الصنعاني- عن شداد بن أوس كما سيأتي بعده، وعن أبي الأشعث عن أبي أسماء الرحبي عن شداد بن أوس، وذِكر أبى أسماء الرحبي في الثاني من المزيد في متصل الأسانيد.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٨١)، والنسائي في «الكبرى» (٣١٣٠ - ٣١٣٢) من طريق أبي قلابة، عن شداد بن أوس.
وانظر ما قبله وما بعده.
(٢) إسناده صحيح. وهيب: هو ابن خالد الباهلي، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني. =

قال أبو داود: وروى هذا خالِدٌ الحذاءُ عن أبي قِلابةَ بإسنادِ أيوبَ مثله.
٢٣٧٠ - حدَّثنا أحمدُ بن حَنبل، حدَّثنا محمدُ بنُ بكر وعبدُ الرزاق (ح) وحتَثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا إسماعيلُ -يعني ابن إبراهيم- عن ابنِ جُريج، أخبرني مكحول أن شيخًا من الحيِّ -قال عثمان في حديثه: مُصدَّق- أخبرَه
أن ثوبانَ مولى رسولِ الله ﷺ أخبرَه أن النبي ﷺ قال: «أفْطَرَ الحَاجِم والمَحْجُومُ» (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣١٢٦) و(٣١٢٧) و(٣١٢٩) و(٣١٣٣ - ٣١٣٥) و(٣١٣٧ - ٣١٤١) من طرق عن أبي قلابة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧١٢٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٣٤).
وأخرجه النسائي (٣١٣٣ - ٣١٣٦) من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس. وهو في «مسند أحمد» (١٧١١٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٢٣).
وأخرجه النسائي أيضًا (٣١٤٢) و(٣١٤٣) من طريق أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس.
وانظر ما قبله.
(١) حديث صحيح، رجاله ثقات، والشيخ المبهم: هو أبو أسماء عمرو بن مرثد الرحَبي، كما جاء مسمىً في الرواية التالية. محمد بن بكر: هو البُرساني، وعبد الرزاق: هو الصنعاني، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، ومكحول: هو الشامي.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٧٥٢٥).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣١٢٢) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٤٣١).
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٢٣٦٧).

٢٣٧١ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا مروان، حدَّثنا الهيثمُ بنُ حُميد، حدَّثنا العلاءُ بنُ الحارِث، عن مكحولٍ، عن أبي أسماء الرحَبيَّ
عن ثوبانَ، عن النبيَّ ﷺ قال: «أفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُوُم» (١).
قال أبو داود: ورواه ابنُ ثوبانَ، عن أبيه، عن مكحولٍ، بإسناده مثلَه.

٢٩ - باب في الرخصة في ذلك
٢٣٧٢ - حدَّثنا أبو مَعْمَرٍ عبدُ الله بنُ عَمرو، حدَّثنا عبدُ الوارث، عن أيوبَ، عن عِكرمة
عن ابنِ عباسِ: أن رسولَ اللهِ ﷺ احتجَمَ وهو صَائِمٌ (٢).


(١) إسناده صحيح. مروان: هو ابن محمد الطاطَري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣١٢٣) من طريق محمود بن خالد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. عبد الوارث: هو ابن سعيد العنبري، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختياني، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه البخاري (١٩٣٩) و(٥٦٩٤)، والترمذي (٧٨٥)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٠٤) من طريق عبد الوارث، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٩٣٨)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٠٥) و(٣٢٠٦) من طريقين عن أيوب، به.
وأخرجه الترمذي (٧٨٦) من طريق ميمون بن مهران، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٠٢) من طريق عكرمة، كلاهما عن ابن عباس، به. وقال الترمذي: حسن غريب. وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٥٣١).
وانظر ما سلف برقم (١٨٣٥) و(١٨٣٦)، وما سيأتي برقم (٢٣٧٣) و(٣٤٢٣).
قال الخطابي: وهذا الحديث يؤكد قول من رخص في الحجامة للصائم، ورأى أن الحجامة لا تفسد الصوم، وقال ابن عبد البر وغيره: فيه دليل على أن حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» منسوخ، لأنه جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في حجة الوداع.

قال أبو داود: رواه وُهَيْبُ بنُ خالد عن أيوبَ بإسنادِه مثلَه. وجعفرُ ابنُ ربيعة وهشامُ بنُ حسان، عن عكرمة، عن ابنِ عباس مثلَه.
٢٣٧٣ - حدَّثنا حفصُ بنُ عُمَرَ، حدُّثنا شعبةُ، عن يزيدَ بنِ أبي زياد، عن مِقسَمِ
عن ابنِ عبَّاس: أن رسولَ الله ﷺ احْتَجَمَ وهو صائمٌ مُحْرِمٌ (١).


(١) إسناده ضعيف؛ لضعف يزيد بن أبي زياد -وهو الهاشمي الكوفي-، وباقي رجاله ثقات غير مِقسَم- وهو ابن بُجرة، ويقال: نجدة -فصدوق حسن الحديث. والحديث صح بغير هذا السياق كما سيأتي في التخريج. شعبة: هو ابن الحجاج.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٨٢) و(٣٠٨١)، والترمذي (٧٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢١٢) و(٣٢١٣) من طريق يزيد بن أبي زياد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ولم يذكر النسائي في روايته (٣٢١٢) الإحرام.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٨٩).
وأخرجه النسائي (٣٢١١) و(٣٢١٤) من طريق شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وقال: الحكم لم يسمعه من مقسم.
وأخرجه النسائي (٣٢١٥) من طريق شريك، عن خُصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن مقسم، به. وشريك وخُصيف كلاهما سيئ الحفظ.
وأخرجه البخاري (٣٩٣٨)، والترمذي (٧٨٥)، والنسائي (٢٣٠٦) من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله ﷺ وهو محرم، واحتجم وهو صائم. وهذا هو السياق الصحيح للحديث، واختصره بعض الرواة، فأوهم أنه ﷺ جمع بين الاحتجام والسفر والصيام، والصواب: أنه جمع بين الاحتجام والسفر مرة وبين الاحتجام والصيام أخرى.
قال الحميدي فيما نقله عنه الحافط في «التلخيص الحبير» ٢/ ١٩٢ عن رواية يزيد بن أبي زياد: «وهو صائم محرم»: هذا ريح، لأنه لم يكن صائمًا محرمًا، لأنه خرج في رمضان في غزاة الفتح، ولم يكن محرمًا، ونقل ابن حجر هناك عن أحمد وابن المديني إعلال رواية يزيد.=

٢٣٧٤ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ مهدي، عن سفيانَ، عن عبدِ الرحمن بنِ عابسٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى
حدَّثني رجلٌ مِن أصحاب النبيَّ ﷺ: أن رسولَ اللهِ ﷺ نهى عن الحِجَامَةِ والمُواصلة، ولم يُحرِّمْهما إبقاءً على أصحابه، فقيل له: يا رسولَ الله، إنَك تُواصِلُ إلى السحرِ، فقال: «إني أُواصِلُ إلى السَّحَرَ، وربي يُطْعِمُنِي ويَسْقِيني» (١).
٢٣٧٥ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ، حدَّثنا سليمان -يعني ابنَ المغيرةِ- عن ثابتٍ، قال:
قال أنس: ما كُنَّا نَدَعُ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ إلا كَرَاهِيةَ الجَهدِ (٢).


= وأخرجه النسائي (٣٢١٨) من طريق ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله ﷺ وهو محرم صائم. وقال: منكر.
وانظر تمام تخريجه في «سنن ابن ماجه» (١٦٨٢).
(١) إسناده صحيح. وجهالة صحابيه لا تضر، فكلهم عدول ثقات. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٨٢٢).
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٥٣٥)، وأحمد (١٨٨٣٦)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤ من طريق سفيان، بهذا الإسناد.
قال السندي في حاشية «المسند» تعليقًا على قوله: «إبقاء على أصحابه»: أي رحمة عليهم، وهذا علة النهي، أي: لم يكن النهي للحرمة، بل للرحمة.
وقوله: إلى السحر. هذا بالنظر إلى بعض الأوقات، وإلا فقد جاء ما يدل على أنه كان يواصل أكثر من ذلك.
(٢) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني.
وأخرجه بنحوه البخاري (١٩٤٠) من طريق شعبة، عن ثابت، عن أنس ولفظه: سئل مالك بن أنس رضي الله عنه: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف.

٣٠ - باب في الصَّائم يحتلِمُ نهارًا في رمضان
٢٣٧٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سُفيانُ، عن زيدِ بنِ أسلم، عن رَجُل من أصحابه عن رجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النبيَّ ﷺ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يُفْطِرُ مَن قاء، ولا مَن احْتَلَمَ، ولا مَن احْتَجَمَ» (١).


(١) إسناده ضعيف لإبهام شيخ زيد بن أسلم، وقد اختلف على سفيان -وهو ابن سعيد الثوري- في رفعه ووقفه، فقد رواه عنه مرفوعًا كرواية المُصنف: عبد الرحمن ابن مهدي وأبو عاصم النبيل ومحمد بن يوسف الفريابي، ثلاثتهم عند ابن خزيمة (١٩٧٣) و(١٩٧٤) و(١٩٧٥)، وكذلك رواه عنه عبد الرزاق عند البيهقي ٤/ ٢٦٤ مرفوعًا. مع أنه جاء في «مصنفه» (٧٥٣٨) عن الثوري موقوفًا!
وأخرجه البيهقي ٤/ ٢٢٠ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وقد تابع سفيان على رفعه معمرٌ، عن زيد بن أسلم عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٥٣٨)، ومن طريقه ابن خزيمة (١٩٧٤).
وأخرجه الترمذي (٧٢٨) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ. فسمى المبهمين في رواية سفيان، وهما: عطاء بن يسار عن أبي سعيد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف.
وقال ابن خزيمة بإثر (١٩٧٣): فلو كان هذا الخبر عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، لباح الثوريُّ بذكرهما، ولم يسكت عن اسميهما، يقول: عن صاحب له، عن رجل، وإنما يقال في الأخبار: عن صاحب له، وعن رجل، إذا كان غير مشهور.
وأخرجه عبد الرزاق (٧٥٣٩)، ومن طريقه ابن خزيمة (١٩٧٦) عن أبي بكر بن عبد الله -وهو ابن محمد بن أبي سبْرة-، وابن خزيمة (١٩٧٧) و(١٩٧٨) من طريق هشام بن سعْد، كلاهما عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، عن النبي ﷺ رفعه إلى النبي ﷺ أبو بكر بن عبد الله ابن أبي سبرة، وأرسله هشام بن سعد. وأبو بكر بن عبد الله ابن أبي سبرة متروك، وهشام بن سعد ضعيف يعتبر به. وقال ابن خزيمة بإثر (١٩٧٨): سمعت محمد بن يحيى يقول: هذا الخبرُ =

٣١ - باب في الكحل عند النوم
٢٣٧٧ - حدَّثنا النُّفَيليُّ، حدَّثنا علي بنُ ثابتٍ، حدَّثني عبدُ الرحمن بن النُّعمانِ بن معبد بنِ هَوذة، عن أبيهِ
عن جدِّه، عن النبيَّ ﷺ أنه أمرَ بالإثمدِ المُرَوَّحِ عندَ النومِ، وقال: «لِيتَّقِهِ الصَّائِمُ» (١).


= غيرُ محفوظٍ عن أبي سعيد، ولا عن عطاء بن يسار، والمحفوظ عندنا حديث سفيانَ ومعمرٍ. وقال الحافظ المنذري في «مختصره» ٣/ ٢٥٨: هذا لا يثبت، وقد روي من وجه آخر، ولا يثبت أيضًا.
وقوله: «من قاء» معناه قاء غير عامد، أما من استقاء عمدًا فعليه القضاء كما في حديث أبي هريرة الآتي برقم (٣٣٨٠)، وإسناده صحيح.
(١) إسناده ضعيف، عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة ضعيف، ووالده النعمان بن معبد مجهول. النُّفَيلي: هو عبد الله بن محمد بن علي بن نُفَيل الحرّانى.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (١٦٠٧٢)، والطبري في «تهذيب الآثار» قسم مسند ابن عباس (٧٤٩ - ٧٥١)، والطبراني في «الكبير» ٢٠/ (٨٠٢) من طريق علي بن ثابت، بهذا الإسناد.
ورواية أحمد دون قوله: «وليتقه الصائم».
وأخرجه البخاري في «تاريخه الكبير» ٧/ ٣٩٨، والدارمي (١٧٣٣)، والبيهقي في «السنن» ٤/ ٢٦٢ من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن أبي النعمان، به. بلفظ: وكان جدي قد أُتي به النبي ﷺ فمسح على رأسه، وقال: «لا تكتحل بالنهار وأنت صائم، واكتحل ليلًا بالإثمد، فإنه يجلو البصر ويُنبِتُ الشعر».
وله شاهد من حديث جابر عند ابن أبي شيبة ٨/ ٥٩٨، وابن ماجه (٣٤٩٦)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (١٠٨٥) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي، والترمذي في «الشمائل» (٥٠) من طريق محمد بن إسحاق، كلاهما عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا بلفظ: «عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يشُدُّ البصر، وينبت الشعر». وإسناده ضعيف، إسماعيل بن مسلم ضعيف، ومحمد بن إسحاق مُدلس، وقد عنعن. =

قال أبو داود: قال لى يحيى بن معين: هو حديثٌ منكرٌ، يعني حديث الكُحل.
٢٣٧٨ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقية، أخبرنا أبو مُعاويَةَ، عن عُتبة أبي معاذٍ، عن عُبيدِ الله بنِ أبي بكر بنِ أنسٍ
عن أنسِ بنِ مالك، أنه كان يكْتَحِلُ وهو صائِمٌ (١).
٢٣٧٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله المخرِّمي ويحيى بنُ موسى البَلْخيُّ، قالا: حدَّثنا يحيي بنُ عيسى


= وآخر من حديث ابن عباس عند أحمد (٣٣٢٠)، والطبري في «تهذيب الآثار» قسم مسند ابن عباس ١/ ٤٧٢ وأبي الشيخ في «أخلاق النبي» ص ١٦٩ - ١٧٠، وفي إسناده عباد بن منصور عن عكرمة، ولم يسمع منه.
وفي الاكتحال بالإثمد في الصوم وغيره حديث ابن عباس عند المصنف (٣٨٧٨) ولفظه: «وإن خيرَ أكحالكم الإثمد، يَخلُو البَصَرَ، ويُنْبِتُ الشَعَرَ». وإسناده قوي.
(١) حسن موقوفًا، وهذا إسناد رجاله ثقات غير عتبة -وهو ابن حُمَيْد الضَّبي- قال الحافظ في «التقريب»: صدوق له أوهام، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال ابن عبد الهادي في «التنقيح» عند الحديث (١٧٦٩): إسناد مُقارِب. لو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٣/ ٤٧ من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرج الطبراني في «الأوسط» (٦٩١١)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٧٥٣٩) من حديث بَريرة مولاة عائشة، قالت: رأيت رسول الله ﷺ يكتحل بالإثمد وهو صائم.
وعند أبي نعيم: في شهر رمضان. وفي إسناده محمد بن مِهران المصيصي لم نتبيّنه.
وأخرج ابن أبي شيبة ٣/ ٤٧ عن عطاء والحسن البصري وغيرهم أنه لا بأس في الكحل للصائم. وبعضهم كان يكتحل وهو صائم. وعن عطاء أيضًا عند عبد الرزاق (٧٥١٤)، وعن الحسن عنده (٧٥١٦).
وانظر ما بعده.

عن الأعمشِ، قال: ما رأيتُ أحدًا مِنْ أصحابِنَا يكره الكحلَ لِلصَائِمِ، وكان إبراهيمُ يُرَخِّصُ أن يكْتَحِلَ الصائمُ بالصَّبِر (١).

٣٢ - باب الصائم يستقيء عامدًا
٢٣٨٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عيسى بنُ يونس، حدَّثنا هشام بنُ حسَّان، عن محمدِ بنِ سِيرينَ
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ ذَرَعَهُ قيءٌ وهو صَائِمٌ، فليسَ عليهِ قَضَاءٌ، وإن استقاء فَلْيَقْضِ» (٢).


(١) حسن مقطوعًا، وهذا سند رجاله ثقات غير يحيى بن عيسى -وهو التميمي النَّهْشَلي- قال الحافظ في «التقريب»: صدوق يخطئ، ووثقه العجلي، وقال الذهبي: صويلح الحديث، وضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان والجُوزَجاني، وابن عدي.
وأخرج ابن أبي شيبة ٣/ ٤٧ عن حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالكحل للصائم.
وأخرج عبد الرزاق (٧٥١٥) عن سفيان الثوري، عن القعقاع بن يزيد الضبي أنه سأل إبراهيم عن الصبر للصائم، قال: اكتحل به ولا تَستَعِطهُ.
والصَّبِر بكسر الباء: عصارة شجر مر، واحدته صَبرة، والجمع: صُبور، قال الدكتور محمد علي البار في شرحه للطب النبوي ص ١٨٩: هو نبات صحراوي جبلي له أوراق يصل طولها إلى ما بين ٣٠ و٤٠ سم وهي غليظة لحمة هلامية متراصة منشارية شوكية الحواف، لا سيما أجزاؤها العلوية، موطنه المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية لقارة إفريقيا، وذكر له جملة فوائد منها أنه مسهل قوي طارد للديدان، يقي من السموم، مفيد في أمراض العين والأورام وتضخم الطحال وأمراض الكبد.
(٢) إسناده صحيح. وقد تابع عيسى بن يونس حفصُ بنُ غياث ذكره المصنف بعد هذا. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٧٦)، والترمذي (٧٢٩)، والنسائي في «الكبرى» (٣١١٧) من طرق عن عيسى بن يونس: بهذا الإسناد. =

قال أبو داود: رواه أيضًا حفصُ بنُ غِياثٍ، عن هشامٍ، مثله (١).
٢٣٨١ - حدَّثنا أبو معمر عبدُ الله بنُ عمرو، حدَّثنا عبدُ الوارث، حدَّثنا الحسينُ، عن يحيي، حدثني عبدُ الرحمن بنُ عَمرو الأوزاعيُّ، عن يَعيش بن الوليدِ بنِ هِشَامٍ، أن أباه حدَّثه، حدثني مَعدانُ بنُ طلحةَ
أن أبا الدرداء حدَّثه: أن رسولَ الله ﷺ قاءَ فأفطَر، فلقيتُ ثوبانَ مولى رسولِ الله ﷺ في مسجدِ دمشق، فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أنَّ رسولَ الله ﷺ قاءَ فأفطَر، قال: صَدَق، وأنا صببتُ له وَضوءَه (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (١٠٤٦٣)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان (٣٥١٨)، والحاكم ١/ ٤٢٦، وسكت الذهبي على تصحيحه، وقال الترمذي: حسن غريب، والعمل عند أهل العلم عليه أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وإذا استقاء عمدًا فليقض، وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق. قلنا: وهو قول أبي حنيفة، ففي «الموطأ» (٣٥٨) برواية محمد بن الحسن: أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر كان يقول: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فليس عليه شيء. قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة.
قوله: «ذرعه القئ» أي: سبقه وغلبه في الخروج.
قال الخطابي: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء، فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامدًا أن عليه القضاء.
(١) مقالة أبي داود هذه زيادة من (و) وهي برواية ابن داسه، وهذه المتابعة أخرجها ابن ماجه (١٦٧٦) من طريق علي بن الحسن أبي الشعثاء، عن حفص بن غياث، عن هشام بن حسان، به. وإسنادها صحيح. وصححها ابن خزيمة بإثر الحديث (١٩٦١).
تنبيه: زاد بعد هذا الحديث في (هـ). قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء، وزاد في هامشها أيضًا ما نصه: قال أبو داود: يُخاف أن لا يكون محفوظًا، وأشار إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي. ولم يذكر قول أبي داود في متابعة حفص ابن غياث لعيسى بن يونس.
(٢) إسناده صحيح. عبد الوارث: هو ابن سعيد، والحسين: هو ابن ذكوان المعلم، ويحيى: هو ابن أبي كثير الطائي. =

٣٣ - باب القُبلة للصائم
٢٣٨٢ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ وعلقمةَ
عن عائشة قالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ يقبِّل وهو صائِمٌ، ويُباشِرُ وهو صائِمٌ، ولكنَّه كان أملكَ لإرْبِهِ (١).


= وأخرجه الترمذي (٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣١٠٧) و(٣١٠٨) و(٣١٠٩) من طريق عبد الوارث، بهذا الإسناد. وفي رواية الترمذي: «قاء فتوضأ» بدلًا من «قاء فأفطر». وقال الترمذي: وجوَّده حسين المعلم، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب. ونقل المنذري في «مختصر السنن» عن الإمام أحمد أنه قال: حسين المعلم يجوِّده.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧٠١) و(٢٧٥٠٢)، و«صحيح ابن حبان» (١٠٩٧).
وكل من خرج هذا الحديث رووه بلفظ: قاء فأفطر، إلا الترمذي فلفظه: قاء فتوضأ، ولفظ عبد الرزاق (٧٥٤٨) استقاء رسول الله ﷺ فأفطر وأتي بماء فتوضأ.
قلنا: وليس في هذا الحديث ما يدل على وجوب الوضوء من القيء، لأن الفعل لا يثبت به الوجوب إلا أن يفعله ويأمر الناس بفعله، أو ينص على أن هذا الفعل ناقض للوضوء.
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» ١٠/ ١٨٤: واختلف العلماء فيمن استقاء بعد إجماعهم على أن من ذرعه، فلا شيء عليه، فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق: من استقاء عمدًا، فعليه القضاء، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وأبي هريرة وجماعة من التابعين، وهو قول ابن شهاب.
(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو معاوية: هو محمد ابن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، والأسود: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي.
وأخرجه الترمذي (٧٣٨)، والنسائى في «الكبرى» (٣٠٨٨) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. =

٢٣٨٣ - حدَّثنا أبو توبةَ الربيعُ بنُ نافعٍ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، عن زيادِ بنِ عِلاقةَ، عن عمرو بنِ ميمون
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يُقبِّل في شهر الصَومِ (١).


= وأخرجه البخاري (١٩٢٧)، ومسلم (١١٠٦)، وابن ماجه (١٦٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٠٧٣) و(٣٠٧٤) و(٣٠٧٨) و(٣٠٧٩) و(٣٠٨٢) و(٣٠٨٣) و(٣٠٨٧) و(٣٠٨٩ - ٣٠٩٦) من طرق عن إبراهيم، به. وبعضهم لا يذكر علقمة في إسناده.
وأخرجه البخاري (١٩٢٨)، ومسلم (١١٠٦)، وابن ماجه (١٦٨٤) و(١٦٨٧)، والترمذي (٧٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٠٧٤) و(٣٠٧٨ - ٣٠٨١) و(٣٠٨٤ - ٣٠٨٦) و(٣٠٨٩) و(٣٠٩٠) و(٣٠٩٢ - ٣٠٩٤) من طرق عن عائشة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١١٠) و(٢٤١٥٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٣٧) و(٣٥٣٩ - ٣٥٤١) و(٣٥٤٣).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٣٨٣) و(٢٣٨٤) و(٢٣٨٦).
قال النووي: إن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها، ولا يقال: إنها مكروهة له، وإنما قال الشافعي: إنها خلاف الأولى في حقه مع ثبوت أن النبي ﷺ كان يفعلها، لأنه ﷺ يؤمن في حقه مجاوزة القبلة، ويخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة: «كان أملككم لإربه» وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح. وقال القاضي: قد قال بإباحتها للصائم مطلقًا جماعة من الصحابة والتابعين وأحمد وإسحاق وداود، وكرهها على الإطلاق مالك، وقال ابن عباس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعى والشافعي: تكره للشاب دون الشيخ الكبير وهي رواية عن مالك، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في صوم النفل دون الفرض.
ولا خلاف أنها لا تبطل إلا أن ينزل المني بالقبلة.
ومعنى المباشرة هاهنا: اللمس باليد، وهو من التقاء البشرتين.
(١) إسناده صحيح. أبو الأحوص: هو سلاّم بن سليم الحنفي، وعمرو بن ميمون: هو الأوْدي. =

٢٣٨٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ، عن سعْدِ بنِ إبراهيمَ، عن طلحةَ بنِ عبدِ الله -يعنيابنَ عثمان القرشي-
عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله ﷺ يُقبِّلني وهو صائمٌ وأنا صائمة (١).
٢٣٨٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونسُ، حدَّثنا الليثُ (ح)
وحدَّثنا عيسى بنُ حمَّاد، أخبرنا الليثُ بنُ سعدٍ، عن بُكير بنِ عبدِ الله، عن عبدِ الملك بنِ سعيد
عن جابرِ بنِ عبد الله، قال: قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: هَشَشْتُ فقبّلتُ وأنا صَائِم، فقلتُ: يا رسولَ الله، صنعتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، قبَّلتُ وأنا صائمٌ، قال:»أرأيتَ لو مَضْمَضْتَ مِنَ الماءِ وأنتَ صائِمٌ؟ «-قال عيسى بنُ حماد في حديثه: قلتُ: لا بأسَ به- قال»فَمَهْ «(٢).


= وأخرجه مسلم (١١٠٦)، وابن ماجه (١٦٨٣)، والترمذي (٧٣٦)، والنسائي في»الكبرى«(٣٠٧٧) من طريق زياد بن علاقة، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٤٩٨٩).
وانظر ما قبله.
(١) إسناده صحيح. محمد بن كثير: هو العَبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، وسعد بن إبراهيم: هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٣٠٣٨) و(٩١٣١) من طريق سعد بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(٢٥٠٢٢).
وانظر سابقيه.
(٢) إسناده صحيح.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٣٠٣٦) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(١٣٨)، و»صحيح ابن حبان" (٣٥٤٤). =

٣٤ - باب الصائم يبلعُ الريق
٢٣٨٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى، حدَّثنا محمدُ بنُ دينار، حدَّثنا سعد بنُ أوسٍ العبديُّ، عن مِصدَعٍ أبي يحيى
عن عائشة: أنَ النبي ﷺ كان يُقبِّلُها وهو صائِمٌ، ويَمُصُّ لِسانَها (١).
قال ابنُ الأعرابي: بَلَغَنِي عن أبي داود أنه قال: ليس هذا الإسناد بصحيح (٢).


وقوله: هَشَشتُ: معناه نشطت وفرحت لفظًا ومعنى، أي: بالنظر إلى امرأتي، والهشاش في الأصل: الارتياح والخِفة والنشاط.
قال الخطابي: في هذا إثبات القياس، والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد، لاجتماعها في الشبه، وذلك أن المضمضة بالماء ذريعة لنزوله الحلق ووصوله إلى الجوف، فيكون فيه فساد الصوم، كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد لصومه، يقول: فإذا كان أحد الأمرين منهما غير مفطر للصائم فالآخر بمثابته.
(١) حديث صحيح دون قوله: «ويمصُّ لسانها»، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن دينار وقد تفرد بهذه اللفظة، ولضعفِ سعد بن أوس العبدي، ومِصدع أبو يحيى الأنصاري -وهو الأعرج المُعَرقب- قال ابن معين: لا أعرفه، وذكره العُقيلي في «الضعفاء»، ووثقه العجلي، وقال ابن حبان في «المجروحين»: كان ممن يخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات مما يوجب ترك ما انفرد منها.
قلنا: فالإسناد مسلسل بمن لا يحتج بما انفرد به. وقد انفردوا بلفظة: «ويمصُّ لسانها». وضعفه الحافظ في «الفتح» ٤/ ١٥٣.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٤٩١٦)، وابن خزيمة (٢٠٠٣)، وابن عدي في «الكامل» ٦/ ٢٢٠٥ و٢٤٥٩، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٣٤، والمزي (في ترجمة سعد بن أوس) من «تهذيب الكمال» من طرق عن محمد بن دينار، بهذا الإسناد.
وقد سلف بأسانيد صحيحة برقم (٢٣٨٢ - ٢٣٨٥) دون قوله: ويمص لسانها.
(٢) مقالة ابن الأعرابي هذه زيادة أثبتناها من هامش (هـ). وقد ذكرها ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ١١٠.

٣٥ - باب كراهيته للشاب
٢٣٨٧ - حدَّثنا نصرُ بنُ علي، حدَّثنا أبو أحمد -يعني الزبيريَّ- أخبرنا إسرائِيل، عن أبي العَنبَسِ، عن الأغرِّ
عن أبي هريرة: أن رجلًا سأل النبيَّ ﷺ عن المباشرة للصائم فرخَّص له، وأتاه آخرُ فسأله فنهاه، فإذا الذي رخصَ له شَيْخٌ، والذي نهاه شابٌّ (١).

٣٦ - باب فيمن أصبح جُنبًا في شهر رمضان
٢٣٨٨ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ (ح)
وحدَثنا عبدُ الله بنُ محمد بن إسحاق الأذرميُّ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ مهدي، عن مالكٍ، عن عبدِ ربِّه بنِ سعيدٍ، عن أبي بكرِ بنِ عبد الرحمن بنِ الحارث بنِ هشام


(١) إسناده صحيح. أبو العَنْبس -وهو الحارث بن عبيد بن كعب العدوي الكوفي- روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن معين في رواية الدارمي (٩١٦). إسرائيل: هو ابن يونس السبيعي، والأغر: هو أبو مسلم المديني نزيل الكوفة.
وأخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» ٦/ ٢٨١، وفي «الكبرى» ٤/ ٢٣١ من طريق إسرائيل، بهذا الإسناد.
وأخرج البيهقي في «السنن الكبرى» ٤/ ٢٣٢ من طريق أبي بكر بن حفص، عن عائشة: أن النبي ﷺ رخص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى عنها الشاب. ورجاله
ثقات إلا أن أبا بكر بن حفص -وهو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعدبن أبي وقاص- لم يسمع من عائشة فيما قاله أبو حاتم.
وروى مالك في «الموطأ» ١/ ٢٩٣ عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن ابن عباس سُئل عن القبلة للصائم فرخص فيها للشيخ وكره للشاب.
وروى ابن أبي شيبة ٣/ ٦٣ من طريق مجالد، عن وبرَة قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: أباشر امرأتي وأنا صائم؟ قال: نعم، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن: قلت لهذا: نعم، وقلت لهذا: لا، فقال: إن هذا شيخ وهذا شاب.

عن عائشة وأُم سلمة زوجي النبي ﷺ، أنهما قالتا: كان رسول الله ﷺ يُصْبِحُ جنبًا- قال عبدُ الله الأذرميِّ في حديثه: في رمضانَ- من جِماعٍ غير احتلامٍ، ثم يصومُ (١).
قال أبو داود: وما أقلَّ من يقول هذه الكلمة، يعني «يُصبح جنبًا في رمضان»، وإنما الحديثُ: أن النبي ﷺ كان يُصبِحُ جنبًا وهو صائِم (٢).
٢٣٨٩ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمة -يعني القعنبيُّ- عن مالكٍ، عن عبدِ الله ابنِ عبد الرحمن بنِ معمرِ الأنصاريِّ، عن أبي يونس مولى عائشةَ عن عائشة زوج النبيَّ ﷺ: أن رجلًا قال لِرسولِ الله ﷺ وهو واقِفٌ على الباب: يا رسولَ الله، إني أُصْبِحُ جنبًا، وأنا أريدُ الصيامَ، فقال رسولُ الله ﷺ: «وأنا أُصْبِحُ جنبًا وأنا أُريدُ الصِّيامَ، فأغتسِلُ


(١) إسناده صحيح.
وهو عند مالك في»الموطأ«١/ ٢٨٩ - ٢٩٠، ومن طريقه أخرجه مسلم (١١٠٩)،
والنسائي في»الكبرى«(٢٩٧١).
وأخرجه البخاري (١٩٢٥) و(١٩٣٠ - ١٩٣٢)، ومسلم (١١٠٩)، وبإثر (١١١٠)، والترمذي (٧٨٩)، والنسائي في»الكبرى«(٢٩٤٧) من طرق عن أبي بكر بن عبد الرحمن، به. وجاء في بعض الطرق مقرونًا به عروة بن الزبير.
وأخرجه بنحوه ابن ماجه (١٧٠٣)، والنسائي (٢٩٨٥) من طريق مسروق عن عائشة وحدها.
وأخرجه النسائي (٢٩٩٤) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة وأم سلمة، وأخرجه ابن ماجه (١٧٠٤) من طريق نافع، عن أم سلمة وحدها.
وهو في (مسند أحمد، (١٨٠٤) و(٢٤٠٦٢)، و»صحيح ابن حبان" (٣٤٨٩).
(٢) مقالة أبي داود هذه زيادة من (هـ) و(و).

وأصومُ»، فقال الرجلُ: يا رسولَ اللهِ، إنك لستَ مثلَنا، قد غَفَرَ الله لكَ ما تقدَّمَ مِن ذنبكَ وما تأخَّرَ، فَغَضِبَ رسولُ الله ﷺ وقال: «واللهِ إني لأرْجُو أن أكونَ أخْشَاكم للهِ وأعلمَكُم بما أتَّبِعُ» (١).

٣٧ - باب كفَّارة من أتى أهله في رمضان
٢٣٩٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ ومحمدُ بن عيسى -المعنى- قالا: حدَّثنا سفيانُ، قال مُسَدَّدٌ: حدَّثنا الزهريُ، عن حميدِ بنِ عبدِ الرحمن
عن أبي هريرة، قال: أتى رَجُلٌ النبيَّ ﷺ فقال: هَلَكْتُ، فقال: «ما شأنُكَ؟» قال: وقَعْتُ على امرأتي في رَمَضَان، قال: «فَهَلْ تَجِدُ ما تُعتِقُ رقبةً؟» قال: لا، قال -: «فهل تَسْتَطِيعُ أن تَصُومَ شهرينِ متتابعين؟» قال: لا، قال: «فَهَلْ تستطِيعُ أن تُطعم ستينَ مسكينًا؟»
قال: لا، قال: «اجْلِسْ» فأُتيَ النبي ﷺ بعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، فقال: «تصدَّق به» فقال: يا رسولَ الله، ما بين لابتيها أهلُ بيتٍ أفقرَ منا، قال فَضَحِكَ رسولُ الله ﷺ حتى بَدَتْ ثَنَاياهُ، قال: «فأطعِمْه إيَّاهم، وقال مُسَدَدٌ: في مَوْضِعٍ آخر: أنيابُه (٢).


(١) إسناده صحيح.
وهو عند مالك في»الموطأ«١/ ٢٨٩.
وأخرجه مسلم (١١١٠)، والنسائي في»الكبرى«(٣٠١٣) و(١١٤٣٦) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٤٣٨٥)، و»صحيح ابن حبان" (٣٤٩٢).
(٢) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، ومحمد بن عيسى: هو ابن نجيح البغدادي، وسفيان: هو ابن عيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب. =

٢٣٩١ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، بهذا الحديثِ، بمعناه زادَ الزهريُّ:
وإنما كان هذا رخصةً له خاصةً، فلو أن رجلًا فعل ذلك اليومَ لم يكُنْ له بدٌ من التكفير (١).


= وأخرجه البخاري (١٩٣٦) و(١٩٣٧) و(٥٣٦٨) و(٦٠٨٧) و(٦١٦٤) و(٦٧٠٩) و(٦٧١١) و(٦٨٢١)، ومسلم (١١١١)، وابن ماجه (١٦٧١)، والترمذي (٧٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣١٠١ - ٣١٠٦) من طرق عن الزهري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٩٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٢٤).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٣٩١ - ٢٣٩٣).
قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه أن على المجامع متعمدًا في شهر رمضان القضاء والكفارة، وهو قول عوام أهل العلم.
وفيه أنه من قدر على عتق الرقبة لم يجزئه الصيام ولا الإطعام؛ لأن البيان خرج مرتبًا، فقدَّم العتق ثم نسق عليه الصيام ثم الإطعام، كما رأيت ذلك في كفارة الظهار، وهو قول أكثر العلماء، إلا أن مالك بن أنس زعم أنه مخير بين عتق الرقبة، وصوم شهرين والإطعام.
وفي قوله: «وصم يومًا واستغفر الله» بيان أن صوم ذلك اليوم الذي هو القضاء لا يدخل في صيام الشهرين الذي هو الكفارة، وهو مذهب عامة أهل العلم.
قال: وفي أمره الرجل بالكفارة لما كان منه من الجناية دليل على أن على المرأة كفارة مثلها، لأن الشريعة سوَّت بين الناس في الأحكام إلا في مواضع قام عليها دليل التخصيص، وإذا لزمها القضاء، لأنها أفطرت بجماع متعمد كما وجب على الرجل، وجبت عليها الكفارة لهذه العلة، كالرجل سواء، وهذا مذهب أكثر العلماء، وقال الشافعي: يجزيهما كفارة واحدة، وهي على الرجل دونها، وكذلك قال الأوزاعي إلا أنه قال: إن كانت الكفارة بالصيام كان على واحد منهم صوم شهرين.
(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٤٥٧)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١١١١) لكن لم يذكر مسلم كلام الزهري. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه البخاري (٢٦٠٠) و(٦٧١٠) من طريق عبد الواحد بن زياد، عن معمر، به. ولم يذكر كلام الزهري أيضًا.
وهو في «مسند أحمد» (٧٧٨٥) دون كلام الزهري الذي بإثر الحديث كذلك.
قال الخطابي: وهذا من الزهري دعوى لم يُحضِر عليها برهانًا، ولا ذكر فيها شاهدًا، وقال غيره: هذا منسوخ، ولم يذكر في نسخه خبرًا يُعلم به صحة قوله، وأحسن ما سمعت فيه قول أبي يعقوب البويطي، وذلك أنه قال: هذا رجل وجبت عليه الرقبة فلم يكن عنده ما يشتري به رقبة، فقيل له: صم، فلم يطق الصوم، فقيل له: أطعم ستين مسكينًا فلم يجد ما يطعم، فأمر له النبي ﷺ بطعام ليتصدق به، فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج منه، وقد قال النبي ﷺ «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» فلم يَرَ له أن تصدق على غيره ويترك نفسه وعياله، فلما نقص من ذلك بقدر ما أطعم أهله لقوت يومهم صار طعامًا لا يكفي ستين مسكينًا، فسقطت عنه الكفارة في ذلك الوقت، فكانت في ذمته إلى أن يجدهًا، وصار كالمفلس يُمهل ويُؤجل، وليس في الحديث أنه قال: لا كفارة عليك.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الكفارة لا تلزم الفقير، واحتج بظاهر الحديث، وقال النووي في «شرح مسلم» ٧/ ١٩٤: ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة عليه إذا جامع عامدًا جماعًا أفسد به صوم يوم من رمضان، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز عنها فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز، فإطعام ستين مسكينًا، فإن عجز عن الخصال الثلاث، فللشافعي قولان: أحدهما: لا شيء عليه، وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه.
والثاني -وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار-: أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يمكن قياسًا على سائر الديون والحقوق.
وقوله: بعَرَق بفتح العين والراء: هو المكتل الضخم وهو الزَّبيلُ، وقوله: ما بين لابتيها: يريد حرتي المدينة، والحرة: الأرض التي فيها حجارة بركانية سود كثيرة، والمدينة تقع بين حرتين عظيمتين: حرة واقم وهي الشرقية، وحرة وبرة وهي الغربية.

قال أبو داود: رواه الليثُ بنُ سعْدٍ والأوزاعيُّ ومنصور بنُ المعتمِرِ وعِراك بنُ مالكٍ على معنى ابنِ عيينة، زاد فيه الأوزاعيُّ: «واستغفِرِ الله» (١).
٢٣٩٢ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلمةَ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهاب، عن حُميد ابنِ عبدِ الرحمن
عن أبي هريرة: أن رجلًا أفطرَ في رمضانَ، فأمره رسولُ اللهِ ﷺ أن يُعْتِقَ رقبةً، أو يَصُومَ شهرينِ متتابعينِ، أو يُطعِمَ ستينَ مسكينًا، قال: لا أجِدُ، فقال له رسولُ الله ﷺ: «اجْلِسْ» فأُتي رسولُ الله ﷺ بعَرَقِ تَمْرٍ، فقال: «خُذْ هذا فتصدَّقْ بهِ» فقال: يا رسولَ الله، ما أحدٌ أحوجَ مِنّي، فَضَحِكَ رسولُ الله ﷺ، حتى بَدَتْ أنيابُه، وقال له: «كُلْه» (٢).
قال أبو داود: رواه ابنُ جُريجٍ، عن الزهري على لفظِ مالك: أن رجلًا أفطر، وقال فيه: «أو تُعتِقَ رقبةً، أو تصومَ شهرينِ، أو تُطعِمَ ستينَ مِسْكِينًا» (٣).


(١) أخرجه أبو يعلى (٦٣٩٣)، وابن حبان (٣٥٢٦) و(٣٥٢٧)، والدارقطني (٢٣٠٣)، والبيهقي ٤/ ٢٢٧، وابن عبد البر في «التمهيد» ٤/ ١٧٣ - ١٧٤ من طرق عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
(٢) إسناده صحيح، وهو عند مالك في «الموطأ» ١/ ٢٩٦ - ٢٩٧، ومن طريقه أخرجه مسلم (١١١١)، والنسائي في «الكبرى» (٣١٠٢).
وهو في «مسند أحمد» (١٠٦٨٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٢٣).
وانظر سابقيه، وما بعده.
(٣) أخرجه مسلم (١١١١) من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، به.

٢٣٩٣ - حدَّثنا جعفرُ بنُ مُسافرٍ، حدَّثنا ابنُ أبي فُديكٍ، حدَّثنا هشامُ بنُ سعدٍ، عن ابنِ شهاب، عن أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ
عن أبي هريرة، قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيَّ ﷺ أفطرَ في رمضانَ، بهذا الحديثِ، قال: فأُتيَ بِعَرَقٍ فيه تمرٌ قدرَ خمسةَ عشرَ صاعًا، وقال فيه: «كُلْهُ أنتَ وأهلُ بَيْتِكَ، وصُمْ يومًا واستغفرِ الله» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا الإسناد خالف فيه هشام بن سعد من فوقه في الحفظ والضبط من أصحاب الزهري الذين اتفقوا على روايته عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وليس هو من حديث أبي سلمة.
فقد أخرجه ابن خزيمة (١٩٥٤)، وابن عدي في «الكامل» ٧/ ٢٥٦٧، والدارقطني في «سننه» (٢٣٠٥) و(٢٤٠٢)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٢٦ - ٢٢٧ من طريق هشام بن سعد، عن الزهريِّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
كذا قال هشام بن سعد: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فخالف فيه من هو فوقه في الحفظ والضبط من أصحاب الزهري، ولم يكن هشام بالحافظ، وقد أنكروا عليه هذا الحديث، فقد قال ابنُ خزيمة: الخَبر عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، هو الصحيح [وهو الطريق السالف عند المصنف بالأرقام ٢٣٩٠ - ٢٣٩٢]، لا عن أبي سلمة.
وقال ابنُ عدي: رواه الثقاتُ عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وخالف هشامُ بن سعدٍ فيه الناسَ، ومع ضعفه يكتب حديثه، والحديثُ حديثُ حميد بن عبد الرحمن. وقال الخليلي في «الإرشاد» ١/ ٣٤٥ بعد أن أشار إلى أن رواية هشام هذا الحديث عن الزهري، عن أبي سلمة: وهذا أنكره الحفاظ قاطبة من حديث الزهري عن أبي سلمة، لأن أصحابَ الزهري كلهم اتفقوا عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخي أبي سلمة، وليس هو من حديث أبي سلمة.
والزيادة التي جاعت في هذا الحديث من رواية هشام بن سعد «وهي الأمر بالقضاء» لم ينفرد بها، فقد جاءت من طرق أخرى يقوي بعضها بعضًا كما قال الحافظ في «الفتح» ٤/ ١٧٢.=

٢٣٩٤ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهريُّ، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني عمرو ابنُ الحارثِ، أن عبدَ الرحمن بنِ القَاسِم، حدَّثه، أن محمدَ بنَ جعفر بنِ الزبير حدَّثه، أن عبّادَ بنَ عبد الله بنِ الزبير حدَّثه
أنه سَمِعَ عائشةَ زوجَ النبيَّ ﷺ تقولُ: أتى رجُلٌ إلى النبيَّ ﷺ في المسجدِ في رمضَانَ، فقال: يا رسولَ الله، احترقتُ، فسأله النبيُّ ﷺ: «ما شأنُه؟» فقال أصبتُ أهلي، قال: «تَصَدَّقْ» قال: واللهِ ما لي شيء ولا أقْدِرُ عليه، قال: «اجْلِسْ» فجلسَ، فبينما هو على ذلك أقْبَلَ رجلٌ يسوقُ حمارًا عليه طعامٌ، فقال رسولُ الله ﷺ: «أينَ المُحْتَرِقُ آنفًا؟» فقامَ الرجلُ، فقالَ رسولُ الله ﷺ: «تَصَدَّقْ بهذا» فقال: يا رسولَ الله، أعلى غيرِنا؟ فو اللهِ إنا لجياعٌ، ما لنا شيءٌ! قال: «كُلُوه» (١).


وقال في «تلخيص الحبير» ٢/ ٢٠٧ بعد ذكر رواية أبي داود هذه: وأعلّه ابن حزم بهشام وقد تابعه إبراهيم بن سعد كما رواه أبو عوانة في «صحيحه»، وله طريق أخرى عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة (١٩٥٥) والبيهقي ٤/ ٢٢٦.
وأخرجه مالك في «الموطأ» ١/ ٢٩٧ عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن سعيد ابن المسيب.
قال ابن عبد البر في «التمهيد» ٨/ ٢١: هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة «الموطأ» مرسلًا، وقد روي معناه متصلًا من وجوه صحاح.
(١) إسناده صحيح. ابن وهَبْ: هو عبد الله المصري، وعمرو بن الحارث: هو ابن يعقوب الأنصاري.
وأخرجه البخاري (١٩٣٥)، ومسلم (١١١٢)، والنسائي في «الكبرى» (٣٠٩٧ - ٣٠٩٩) من طريق عبد الرحمن بن القاسم، بهذا الإسناد.
وأخرجه تعليقًا البخاري (٦٨٢٢) من طريق الليث، عن عمرو بن الحارث، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٠٩٢).
وانظر ما بعده.

٢٣٩٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ عوفِ، حدَّثنا سَعِيدُ بن أبي مريم، حدَّثنا ابنُ أبي الزِّنادِ، عن عبدِ الرحمن بنِ الحارث، عن محمد بنِ جعفرِ بنِ الزبير، عن عباد ابنِ عبد الله
عن عائشة، بهذه القِصَّة، قال: فأتي بعَرَقٍ فيه عشرون صاعًا (١).

٣٨ - باب التغليظ في من أفطر عمدًا
٢٣٩٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حَرب، قال: حدَّثنا (ح)
وحدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ قال: أخبرنا شُعبَةُ، عن حبيب بنِ أبي ثابت، عن عُمارَةَ بنِ عُمير، عن ابنِ مُطَوِّس عن أبيه -قال ابنُ كثير: عن أبي المُطوّسِ، عن أبيه -
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ أفطرَ يومًا مِن رمضانَ في غيرِ رُخصةٍ رخَّصها الله له لم يَقْضِ عنه صِيَامُ الدَّهْرِ» (٢).
٢٣٩٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن سفيانَ، حدثني حبيب، عن عُمارةَ، عن ابنِ المُطَوِّسِ، قال: فلقيتُ ابنَ المُطَوِّسِ فحدَّثني عن أبيه


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. ابنُ أبي الزناد -وهو عبد الرحمن-، وعبد الرحمن بن الحارث -وهو ابن عبد الله بن عياش المخزومي- كلاهما حسن الحديث. وقد توبعا.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف. لضعف ابن المطوِّس -واسمه يزيد بن المطوس- وجهالة أبيه.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٢٦٧ - ٣٢٧٠) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٠١٤).
وانظر ما بعده.

عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: مثلَ حديثِ ابنِ كثيرٍ وسليمان (١).

قال أبو داود: واختُلِفَ على سفيانَ وشعبة عنهما: ابنُ المُطَوِّسِ وأبو المُطَوِّسِ.

٣٩ - باب من أكل ناسيًا
٢٣٩٨ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن أيوبَ وحبيب وهِشَامِ، عن محمد بنِ سيرين
عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ إني أكلْتُ وشَرِبْتُ ناسيًا وأنا صَائم فقال: «اللهُ أطعَمَكَ وسَقَاكَ» (٢).


(١) إسناده ضعيف كسابقه. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٧٢)، والترمذي (٧٣٢)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٦٥) و(٣٢٦٦) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٧٠٦).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. حمّاد: هو ابن سلمة البصري، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختياني، وحبيب: هو ابن الشهيد الأزدي مولاهم، وهشام: هو ابن حسان الأزدي.
وأخرجه البخاري (١٩٣٣)، ومسلم (١١٥٥)، والنسائى في «الكبرى» (٣٢٦٣) من طرق، عن هشام وحده، بهذا الاسناد.
وأخرجه البخاري (٦٦٦٩)، وابن ماجه (١٦٧٣)، والترمذي بنحوه (٧٣٠) و(٧٣١)، والنسائي (٣٢٦٢) من طريق محمد بن سيرين، به. وقرن جميعُهم ما عدا الترمذي في الموضع الأول بمحمد بن سيرين خلاس بن عمرو.
وهو في «مسند أحمد» (٩١٣٦)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥١٩). =

٤٠ - باب تأخير قضاء رمضان
٢٣٩٩ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ القعنبيُّ، عن مالك، عن يحيي بن سعيد، عن أبي سلمة بنِ عبدِ الرحمن
أنه سَمعَ عائشةَ تقولُ: إن كان ليكون عليّ الصومُ مِنْ رمضان فما أستطِيعُ أن أقْضِيَهُ حتى يأتي شعبان (١).


= قال الخطابي: وفي قوله: «الله أطعمك وسقاك» دليل على أن لا قضاء على المفطر ناسيًا، وذلك أن النسيان من باب الضرورة، والضرورات من فعل الله سبحانه ليست من فعل العباد، ولذلك أضاف الفعل في ذلك إلى الله سبحانه وتعالى.
وإلى إسقاط القضاء والكفارة عن الناس ذهب عامة أهل العلم، وأما إذا وطئ زوجته ناسيًا في نهار الصوم، فقد اختلف العلماء في ذلك، فقال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وإسحاق مثل قولهم فيمن أكل أو شرب ناسيًا، وإليه ذهب الحسن ومجاهد، وقال عطاء والأوزاعي ومالك والليث بن سعد: عليه القضاء، وقال أحمد: عليه القضاء والكفارة.
(١) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس، ويحيي بن سعيد: هو الأنصاري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: هو عبد الله.
وهو عند مالك في «الموطأ» ١/ ٣٠٨.
وأخرجه البخاري (١٩٥٠)، ومسلم (١١٤٦)، وابن ماجه (١٦٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٤٠) من طرق عن يحيي بن سعيد، به. وقرن ابن ماجه بيحيى عَمرو ابن دينار.
وأخرجه بنحوه مسلم (١١٤٦)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٩٩) من طريق محمد ابن إبراهيم، عن أبي سلمة، به.
وأخرجه الترمذي (٧٩٣) من طريق عبد الله البَهيّ، عن عائشة. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٩٢٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥١٦). =

٤١ - باب فيمن مات وعليه صيامٌ
٢٤٠٠ - حدَّثنا أحمد بنُ صالح، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرني عمرو بنُ الحارث، عن عُبيدِ الله بنِ أبي جعفر، عن محمد بنِ جعفرِ بنِ الزبير، عن عُروة
عن عائشةَ، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «من مَاتَ وعليه صيام صامَ عنهُ ولِيُّه» (١).


= وقولها: فما استطيع أن أقضيه. قال الخطابي: إنما هو لاشتغالها بقضاء حق رسول الله ﷺ، وتوفير الحظ في عشرته.
قال المنذري: واختلف فيما لو أخره عن رمضان آخر، فقال جماعة من الصحابة والتابعين: يقضي ويطعم كل يوم مسكينًا، قال ابن القيم: وهذا قول ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي والإمام أحمد والشافعي ومالك وإسحاق.
وقال جماعة: يقضي ولا فدية عليه، وهذا يُروى عن الحسن وإبراهيم والنخعي وهو مذهب أبي حنيفة. وقالت طائفة منهم قتادة: يطعم ولا يقضي.
(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله بن وهْب المصري.
وأخرجه البخاري (١٩٥٢)، ومسلم (١١٤٧)، والنسائي في «الكبرى» (٢٩٣١) من طريق عمرو بن الحارث، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٤٠١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٦٩).
وسيأتي مكررًا برقم (٣٣١١).
قال الخطابي: هذا فيمن لزمه فرض الصوم إما نذرًا وإما قضاء عن رمضان فائت، مثل أن يكون مسافرًا فيقدم، وأمكنه القضاء ففرط فيه حتى مات، أو يكون مريضًا فيبرأ ولا يقضي، وإلى ظاهر هذا الحديث ذهب أحمد وإسحاق، وقالا: يصوم عنه وليه وهو قول أهل الظاهر.
وتأوله بعض أهل العلم فقال: معناه أن يطعم عنه وليه، فإذا فعل ذلك، فكأنه قد صام عنه، وسمي الإطعام صيامًا على سبيل المجاز والاتساع، إذ كان الطعام قد ينوب عنه، وقد قال سبحانه: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] فدل على أنهما يتناوبان. =

قال أبو داود: هذا في النذرِ (١). وهو قول أحمد بنِ حنبل (٢).
٢٤٠١ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن أبي حَصين، عن سعيدِ ابنِ جُبير عن ابنِ عباسٍ قال: إذا مَرِضَ الرجلُ في رمَضَانَ ثم ماتَ ولم يصُمْ أُطعِمَ عنه ولم يكن عليه قضاءٌ، وإن كان عليه نذر قضى عنهُ وليُّه (٣).


= وذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يجوز صيام أحد عن أحد، وهو قولُ أصحاب الرأي وقاسوه على الصلاة ونظائرها من أعمال البَدَنِ التي لا مدخل للمال فيها. واتفق عامة أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض أو السفر، ثم لم يفرط في القضاء حتى مات، فإنه لا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه غير قتادة فإنه قال: يطعم عنه، وقد حكي ذلك أيضًا عن طاووس. وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» ١٩٣/ ٤: وقد اختلف السلف في هذه المسألة، فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلق الشافعي في القديم على القول به على صحة الحديث كما نقله عنه البيهقي في «المعرفة» ٦/ ٣٠٩، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية، وقال البيهقي في «الخلافيات»: هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كل ما قلت وصح عن النبي ﷺ خلافه.
فخذوا بالحديث ولا تقلدوني.
وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يُصام عن الميت.
وقال الليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو عُبيد: لا يصام عنه إلا النذر.
(١) قوله: قال أبو دواد: هذا في النذر، زيادة أثبتناها من (هـ) و(و).
(٢) قوله: وهو قول أحمد، زيادة ملحقة في هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٣) إسناده صحيح موقوفًا. محمد بن كثير: هو العبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، وأبو حَصين: هو عثمان بن عاصم الأسدي.

٤٢ - باب الصوم في السفر
٢٤٠٢ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ ومُسَدَّدٌ، قالا: حدَّثنا حمادٌ، عن هشام ابنِ عُروة، عن أبيه
عن عائشة: أن حمزةَ الأسلميَّ سأل النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسولَ الله، إني رجُلٌ أسرُدُ الصوم أفأصومُ في السَّفَرِ؟ قال: «صمْ إن شئتَ، وأفْطِرْ إن شِئتَ» (١).


= وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٥٤ من طريق ميمون بن مهران، عن ابن عباس.
وأخرج النسائي في «الكبرى» (٢٩٣٠) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مُدا من حنطة. وإسناده صحيح.
وأخرج البخاري (١٩٥٣) تعليقًا، ومسلم (١١٤٨) واللفظ له، والنسائي (٢٩٢٩) من طريق الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيتِ لو كان على أُمكِ دَين فقضيتيه كان يؤدي ذلك عنها؟» قالت: نعم، قال: «فصُومي عن أمك». وصححه ابن حبان (٤٣٩٦).
(١) إسناده صحيح. مسدَّد: هو ابن مسرهد الأسَدي، وحمّاد: هو ابن زيد. وأخرجه مسلم (١١٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٠٥) من طريق حمّاد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٩٤٢) مختصرًا و(١٩٤٣)، ومسلم (١١٢١)، وابن ماجه (١٦٦٢)، والترمذي (٧٢٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٢٦ - ٢٦٢٩) من طرق عن هشام بن عروة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٩٦)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٦٠).
قال الخطابي: هذا نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار، وفيه بيان جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه، وهو قول عامة أهل العلم.
ثم اختلف أهل العلم بعد هذا في أفضل الأمرين منهما: =

٢٤٠٣ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ المجيد المدنيُّ قال: سمعتُ حمزةَ بنَ محمد بنِ حمزةَ الأسلمي يذكر أن أباه أخبره
عن جدِّهِ، قال: قلتُ يا رسول الله، إني صاحِبُ ظهْرٍ أُعَالِجُه: أُسَافِرُ عليه، وأُكْرِيهِ، وإنهُ ربما صادَفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوةَ، وأنا شابٌّ، فأجدُ بأن أصومَ يا رسولَ الله أهونُ على من أن أؤخرَهُ فيكون دينًا، أفأصومُ يا رسولَ الله أعظمَ لأجري أو أفطرُ! قال: «أيَّ ذلك شئتَ يا حمزةُ» (١).


= فقالت طائفة: أفضل الأمرين الفطر، وإليه ذهب ابن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال أنس بن مالك وعثمان بن أبي العاص: أفضل الأمرين الصوم في السفر، وبه قال النخعي وسعيد بن جبير، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وقالت فرقة ثالثة: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء، لقوله عز وجل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فإن كان الصوم عليه أيسر، صامه، وإن كان الفطر أيسر، فليفطِر، وإليه ذهب مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، محمد بن عبد المجيد المدني مجهول تفرد بالرواية عنه أبو جعفر النُّفيليّ، وذكلره ابن حبان وحده في «الثقات»، وحمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي مجهول، ولم يوثقه أحد. وقد رُوي من وجوه أُخرى.
فقد أخرجه بنحوه مختصرًا مسلم (١١٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٢٢) و(٢٦٢٣) من طريق أبي مُرَاوح، والنسائي (٢٦١٤) و(٢٦١٥) و(٢٦١٧) و(٢٦١٨)
و(٢٦٢٠) من طريق سليمان بن يسار، و(٢٦١٩) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن،
و(٢٦٢٠) و(٢٦٢١) من طريق حنظلة بن علي، و(٢٦٢٤) من طريق عروة بن الزبير،
أربعتهم، عن حمزة بن عمرو الأسلمي بهذا الإسناد. وعروة إنما رواه عن أبي مُراوح.
وحمزة بن عمرو الأسلمي صحابي جليل مات سنة إحدى وستين وله إحدى وسبعون، وقيل: ثمانون.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠٣٧).
ويشهد له حديث عائشة السالف قبله.

٢٤٠٤ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو عوانة، عن منصور، عن مجاهدٍ، عن طاووس عن ابنِ عباس، قال: خَرَجَ النبيُّ ﷺ من المدينةِ إلى مكَّة حتى بلغَ عُسْفانَ، ثم دعا بإناء فرفعه إلى فيه لِيُريَه الناس، وذلك في رمضان، فكان ابنُ عباسِ يقول: قد صامَ النبيُّ ﷺ وأفطرَ، فمن شاء صامَ، ومن شاء أفْطَرَ (١).
٢٤٠٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا زائدةُ، عن حُميدِ الطويل عن أنس، قال: سافَرْنَا مَعَ رسولِ الله ﷺ في رمضان، فصامَ بعضُنا، وأفطر بعضُنا، فلم يَعِبِ الصَائِمُ على المُفْطِرِ، ولا المُفْطِرُ على الصَّائم (٢).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرهد الأسَدي، وأبو عوانة: هو الوضاح ابن عبد الله اليشكُري، ومنصور: هو ابن المعتَمِر السُّلَمي، ومُجاهد: هو ابن جبر المكي، وطاووس: هو ابن كَيسَان.
وأخرجه البخارى (١٩٤٨) و(٤٢٧٩)، ومسلم (١١١٣)، وابن ماجه (١٦٦١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦١٠) و(٢٦١١) و(٢٦٣٥) من طرق عن منصور، بهذا الإسناد. وفي رواية مسلم والنسائي (٢٦١١): فشربه نهارًا ليراه الناس، ولفظ ابن ماجه: أنه ﷺ صام في السفر وأفطر.
وأخرجه النسائي مختصرًا (٢٦٠٩) من طريق الحكم، عن مجاهد، به.
وأخرجه بنحوه البخاري (١٩٤٤) و(٤٢٧٥) و(٤٢٧٦)، ومسلم (١١١٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٣٤) من طريق عيد الله بن عبد الله، والنسائي (٢٦٠٨) من طريق مِقْسَم، كلاهما، عن ابن عباس.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٥٠) و(٢٦٥٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٦٦).
وعُسفان: بلد بين مكة والمدينة، وهي من مكة على مرحلتين، وقيل: على ستة وثلاثين ميلًا من مكة وهى حَدُّ تِهامة، وسميت عسفان لتعسف السيول فيها.
(٢) إسناده صحيح. زائدة: هو ابن قُدامة الثقفي، وحُميد الطويل: هو ابن أبي حُميد الخزاعي. =

٢٤٠٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح ووهبُ بنُ بيان -المعنى- قالا: حدَّثنا ابنُ وهب، حدَّثني معاويةُ، عن ربيعةَ بنِ يزيدَ، أنه حدَّثه، عن قزَعَة، قال:
أتيتُ أبا سعيدِ الخدريَّ وهو يُفتي الناسَ وهم مكثُورٌ عليه، فانتظرتُ خَلْوَته، فلما خلا سألتُه، عن صِيامِ رمضانَ في السَّفر، فقال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في رمضانَ عام الفتح، فكان رسولُ اللهِ ﷺ يصومُ ونصومُ، حتى بلغ منزِلًا مِن المنازلِ فقال: «إنكم قد دنوتُم مِنْ عدوِّكُم، والفطرُ أقوى لكم»، فأصبحنا: منّا الصَائِمُ ومنَّا المفطِرُ، قال: ثم سِرْنا فنزلنا منزِلًا فقال: «إنكم تُصبِّحونَ عدوَّكم والفطر أقوى لكم، فأفطِرُوا» فكانت عزيمةً من رسولِ الله ﷺ (١).


= وأخرجه البخاري (١٩٤٧)، ومسلم (١١١٨) من طرق عن حميد الطويل، به.
وهو في«صحيح ابن حبان» (٣٥٦١).
وأخرج النسائي في «الكبرى» (٢٦٥٤) من طريق مورّق العِجلي، عن أنس بن مالك، قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا في يوم حارٍّ، واتخذنا ظلًا، فسقط الصُّوّام، وقام المفطرون، وسقوا الركاب، فقال رسول الله ﷺ: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» وإسناده صحيح. وصححه ابن حبان (٣٥٥٩) وترجم له بقوله: ذكر البيان بأن بعض المسافرين إذا أفطروا قد يكونون أفضل من بعض الصوّام في بعض الأحوال.
(١) إسناده صحيح. ابن وَهْب: هو عبد الله بن وهب المصري، ومعاوية: هو ابن صالح بن حُدير الحضرمي، وقَزَعَةُ: هو ابنُ يحيي البصري.
وأخرجه مسلم (١١٢٠) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي مختصرًا (١٧٧٩) من طريق عطية بن قيس، عن قزعة، به.
وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١١٣٠٧) مطولًا. =

قال: أبو سعيدٍ: ثم لقد رأيتُني أصومُ مع النبي ﷺ قبلَ ذلك وبعد ذلك.

٤٣ - باب اختيار الفطر
٢٤٠٧ - حدَّثنا أبو الوليد الطيالسي، حدَّثنا شُعبةُ، عن محمد بنِ عبدِ الرحمن -يعني ابنَ سعد بنِ زُرارةَ- عن محمدِ بنِ عمرو بنِ حَسَنٍ
عن جابرِ بنِ عبدِ الله: أن رسولَ الله ﷺ رأى رجلًا يُظلَّلُ عليه والزِّحَامُ عليه، فقال: «ليس من البرِّ الصيامُ في السَّفَرِ» (١).


= وله شاهد من حديث عمر في «مسند أحمد» (١٤٠) وسنده قوي.
وأخرج مسلم (١١١٦) و(١١١٧)، والترمذي (٧٢١) و(٧٢٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٣٠ - ٢٦٣٣) من طريق أبي نضرة المنذر بن مالك، عن أبي سعيد الخدري، قال: غزونا مع رسول الله ﷺ لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. هذا لفظ مسلم، وفي رواية أخرى عند مسلم: لثمان عشرة، وفي رواية أخرى: لسبع عشرة أو تسع كرة. قلنا: وهي غزوة الفتح فقد كانت في ذلك الوقت من الشهر. وعند بعضهم زيادة: يَرَون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويَرون أن من وجد ضعفًا فافطر فإن ذلك حسن.
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥)، والنسائي في «الكبرى» (٢٥٨٢) من طرق، عن شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٩٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٥٢).
وأخرج مسلم (١١١٤)، والترمذى (٧١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٥٨٣) من طريق محمد بن علي الباقر، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله ﷺ خرج إلى مكة عام الفتح، فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلتَ. فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناسًا صاموا، فقال: «أولئك العصاة». =

٢٤٠٨ - حدَّثنا شيبانُ بنُ فرُّوخِ، حدَّثنا أبو هلال الراسِبِيُّ، حدَّثنا ابنُ سَوادة القُشيريُّ
عن أنسِ بنِ مالك - رجلٍ مِن بني عبد الله بنِ كعب إخوةِ بني قشير - قال: أغارَتْ علينا خيلٌ لرسولِ الله ﷺ فانتهيتُ -أو قال: فانطلقتُ- إلى رسولِ اللهِ ﷺ وهو يأكُلُ، فقال: «اجْلِسْ فأصِبْ مِن طعامِنا هذا» فقلتُ: إني صائِم قال: «اجْلِسْ أُحدِّثْكَ، عن الصلاةِ وعنِ الصيامِ، إن الله تعالى وضَعَ شَطْرَ الصلاةِ، أو نِصفَ الصلاةِ، والصومَ عن المسافرِ، وعن المُرضِع، أو الحُبلى» والله لقد قالهما جميعًا أو أحدهما، قال: فتلهَّفَتْ نفسِي أن لا أكونَ أكلتُ مِن طعامِ رسولِ الله ﷺ (١).


قال الخطابي: هذا كلام خرج على سبب، فهو مقصور على من كان في مثل حاله، كأنه قال: ليس من البر أن يصومَ المسافر إذا كانَ الصومُ يؤذيه إلى مثل هذه الحال، بدليل صيام النبي ﷺ في سفره عام الفتح، وبدليل خبر حمزة الأسلمي وتخييره بين الصوم والإفطار، ولو لم يكن الصوم برًا لم يخيره فيه، والله أعلم.
(١) حديث حسن. وهذا إسناد وهم فيه أبو هلال الراسبي -وهو محمد بن سُليم- فأسقط من إسناده سوادة بن حنظلة القشيري، وخالفه وهيب بن خالد الثقة، فرواه عن عبد الله بن سوادة، عن أبيه، عن أنس بن مالك الكعبي. وأبو هلال الراسبي ضعيف، وسوادة بن حنظلة صدوق حسن الحديث. وكنا قد عددنا رواية وهيب متابعة لرواية أبي هلال في «المسند» و«ابن ماجه»، فيُستدرك من هنا.
وأخرجه ابن ماجه (١٦٦٧) ومختصرًا (٣٢٩٩)، والترمذي (٧٢٤) من طريق أبي هِلال الراسِبي، به. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٦٣٦) من طريق وهيب بن خالد، عن عبد الله ابن سَوادة، عن أبيه، عن أنس بن مالك وهذا إسناد حسن.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٠٤٨). =

٤٤ - باب فيمن اختار الصيامَ
٢٤٠٩ - حدَّثنا مُؤمَّلُ بنُ الفضل، حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا سعيدُ بنُ عبدِ العزيز، حدثني إسماعيلُ بنُ عُبيد الله، حدثتني أُمُ الدرداء
عن أبي الدرداء، قال: خرجْنا مع رسولِ الله ﷺ في بعضِ غَزَواتِهِ في حَرٍّ شديد، حتى إن أحدنا ليَضعُ يَدَهُ على رأسِه -أو كفه على رأسِه- مِن شِدْةِ الحر، ما فينا صائِم إلا رسولُ الله ﷺ وعبدُ الله بنُ رواحة (١).
٢٤١٠ - حدَّثنا حامِدُ بنُ يحيي، حدَّثنا هاشمُ بنُ القاسم (ح)


= قال الخطابي: قد يجمع نظم الكلام أشاء ذات عدد منسوقة في الذكر، مفترقة في الحكم، وذلك أن الشطر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء، والصوم يسقط في السفر ترخيص للمسافر ثم يلزمه القضاء إذا أقام، والحامل والمرضع تفطران إبقاءً على الولد ثم تقضيان، وتطعمان من أجل أن إفطارهما كان من أجل غير أنفسهما.
وممن أوجب على الحامل والمرضع مع القضاء الإطعام مجاهد والشافعي وأحمد، وقال مالك: الحبلى تقضي، ولا تكفر، لأنها بمنزلة المريض، والمرضع تقضي وتكفر، وقال الحسن وعطاء: تقضيان ولا تطعمان كالمريض، وهو قول الأوزاعي والثوري وإليه ذهب أصحاب الرأي.
(١) إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم- صرح بالتحديث بكامل السند. سعيد بن عبد العزيز: هر التنوخي، فمن رجال مسلم، وإسماعيل بن عبيد الله: هر ابن أبي المهاجر.
وأخرجه مسلم (١١٢٢) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٩٤٥) من طريق إسماعيل بن عبيد الله، به.
وأخرجه مسلم (١١٢٢)، وابن ماجه (١٦٦٣) من طريق عثمان بن حَيان، عن أم الدرداء، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٦٩٦).

وحدَّثنا عقبةُ بنُ مُكرَم، حدَّثنا أبو قتيبة -المعنى- قالا: حدَّثنا عبدُ الصمد ابنُ حبيب بنِ عبد الله الأزديُّ، حدَّثنى حبيبُ بنُ عبد الله، قال: سمعتُ سِنانَ ابنَ سلمةَ بن المحبَّقِ الهذليِّ يُحدّثُ
عن أبيه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «من كانت لهُ حمولةٌ تأوي إلى شِبَعٍ، فليَصُمْ رمضانَ حيثُ أدرَكَهُ» (١).
٢٤١١ - حدَّثنا نصرُ بنُ المهاجر، حدَّثنا عبدُ الصمد بنِ عبدِ الوارث، حدَّثنا عبدُ الصمدِ بنُ حبيب، قال: حدثني أبي، عن سِنان بنِ سلمة
عن سلمةَ بنِ المُحبَّقِ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ أدركَهُ رمضانُ في السفر» فذكر معناه (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة حال حبيب بن عبد الله -وهو الأزدي اليُحمِدي-، وضعف ابنه عبد الصمد. هاشم بن القاسم: هو أبو النضر الليثي، وعُقبة بن مُكرَم: هو العَمي، وأبو قتيبة: هو سَلم بن قُتيبة الشَّعيري.
وأخرجه أبو بكر الجَصّاص في «أحكام القرآن» ١/ ٢١٥، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٢/ ٤٣١ من طريق المُصنف، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (١٥٩١٢) - ومن طريقه المزي في ترجمة حبيب بن عبد الله الأزدي من «تهذيب الكمال» ٥/ ٣٨٤ - وابنُ الأثير ٢/ ٤٣١ من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم، به.
وأخرجه العُقيلي في «الضعفاء»٣/ ٨٣، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٤٥، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٨٨٤) والمزي في ترجمة عبد الصمد بن حبيب من «تهذيب الكمال» ١٨/ ٩٦ من طريق مسلم بن إبراهيم، عن عبد الصمد بن حبيب، به.
وقد سقط من مطبوع العقيلي اسم حبيب بن عبد الله من الإسناد، وتحرف فيه قوله: «فليصم» إلى: «فليقم».
وانظر ما بعده.
والحَمولة بفتح الحاء: كل ما يُركب عليه من إبل أو حمار أو غيرهما، وفي القرآن الكريم: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام: ١٤٢].
(٢) إسناده ضعيف كسابقه. =

٤٥ - باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟
٢٤١٢ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ عُمر، حدثني عبدُ الله بنُ يزيد (ح)
وحدَّثنا جعفرُ بن مسافر، حدَّثنا عبدُ الله بنُ يحيى -المعنى- حدثني سعيد -يعني ابنَ أبي أيوب-، وزاد جعفرٌ: والليثُ قال: حَدَّثني يزيدُ بنُ أبي حبيب، أن كُلَيبَ بنَ ذُهْلٍ الحضرميَّ أخبره، عن عُبيدٍ،-قال جعفر: بن جبر- قال:
كنتُ مع أبي بَصْرَةَ الغفاريِّ صاحبِ النبيَّ ﷺ في سفينةٍ مِن الفُسْطاطِ في رمضانَ، فرفع، ثم قَرَّبَ غداءه -قال جعفر في حديثه: فلم يُجاوز البيوتَ حتى دعا بالسُّفرة- قال: اقتربْ، قلتُ: ألستَ ترى البيوتَ؟ قال أبو بصرةَ: أتَرْغَبُ عن سُنةِ رسولِ الله ﷺ؟ قال جعفر في حديثه: فأَكَلَ (١).


= وأخرجه أبو بكر الجصاص في «أحكام القرآن» ١/ ٢١٥ من طريق المصنِّف، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٠٠٧٢)، والبيهقي ٤/ ٢٤٥ من طريق عبد الصمد ابن عبد الوارث، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة كليب بن ذهل. عُبَيد بن جَبْر -وهو الغِفاري- وثقه العجلي وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات. سعيد بن أبي أيوب: هو ابن مقلاص الخزاعي، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٧٢٣٢)، والدارمي (١٧١٣)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٠٤٠)، والطبرانى في «الكبير» (٢١٦٩)، والبيهقي في «سننه» ٤/ ٢٤٦، والمزي في ترجمة عُبيد بن جَبر من «تهذيبه» ١٩/ ١٩٢ من طريق سعيد بن أبي أيوب، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٧٢٣٣) و(٢٧٢٣٤) من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب=.

٤٦ - باب مسيرة ما يُفطَر فيه
٢٤١٣ - حدَّثنا عيسى بنُ حمّاد، أخبرنا الليثُ -يعني ابنَ سعْد- عن يزيدَ ابن أبي حبيب، عن أبي الخير
عن منصورٍ الكلبيِّ، أن دِحْيَةَ بنَ خليفه خَرَجَ مِنْ قريه من دمشقَ مرةً إلى قَدْرِ قريةِ عَقَبة من الفُسطاط، وذلك ثلاثةُ أميال، في رمضان، ثم إنه أفْطَرَ وأفْطَرَ معه ناس، وكرهَ آخرون أن يُفطِروا، فلما رَجَعَ إلى قريتِه قال: والله لَقَدْ رأيتُ اليومَ أمرًا ما كنتُ أظن أني أراه، إن قَوْمًا رَغِبُوا عن هَدْي رسولِ الله ﷺ وأصحابه، يقولُ ذلك لِلذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهمَّ اقبضْني إليك (١).


وفي الباب عن دِحية الكلبي سيأتي عند المصنف بعد هذا الحديث.
وآخر عن أنس بن مالك عند الترمذي (٨١٠) و(٨١١) وقال: حديث حسن.
قال في «المغني»: وإذا سافر في أثناء يوم من رمضان، فحكمه في الثاني كمن سافر ليلًا، في إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه، عن أحمد: روايتان، إحداها: له أن
يفطر، وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر.
والرواية الثانية: لا يباح له فطر ذلك اليوم، وهو قول مكحول والزهري، ويحيى الأنصاري، ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي.
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة منصور الكلبي -وهو ابن سعيد بن الأصبغ- أبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليزَني.
وأخرجه أحمد في«مسنده» (٢٧٢٣١)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٠٤١)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٧٠، والطبراني في«الكبير» (٤١٩٧)، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٤١ من طرق عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وشاهده حديث أبي بصرة الغِفاري الذي سلف قبله.
وأخرج الترمذي (٨١٠) و(٨١١) عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا، وقد رُحِلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام،=

٢٤١٤ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا المعتَمِرُ، عن عُبيدِ الله، عن نافعٍ أن ابن عمر كان يَخرُجُ إلى الغابَةِ فلا يُفطِرُ ولا يَقْصُرُ (١).

٤٧ - باب من يقول: صمت رمضان كلَّه
٢٤١٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيي، عن المهلَّب بن أبي حبيبةَ، حدَّثنا الحسنُ عن أبي بكرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يقولنَّ أحدُكُم: إني صُمْتُ رمضانَ كُلَّه وقمتُه كلَّه» فلا أدْرِي أكَرِهَ التزكيةَ، أو قال: لا بدَّ من نَوْمةٍ أو رقْدَةٍ (٢).


= فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة، ثم ركب، وهو حديث حسن كما قال الترمذي، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، وقال: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج، وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية، وهو قول إسحق بن إبراهيم الحنظلي.
والقرية التي ذكرت في الخبر هي المِزَّة، وهي ما تزال قائمة، وقد اتصلت الآن عمرانيًا بمدينة دمشق.
(١) إسناده صحيح وهو موقوف. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، والمُعتمِر: هو ابن سليمان التَّيمي، وعبيد الله: هو ابن عمر، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٣/ ١٦، والبيهقي في «الكبرى» ٤/ ٢٤١ من طريق المعتمر، بهذا الإسناد.
والغابة: موضع مِن عوالي المدينة من ناحية الشام على بَريدٍ منها.
(٢) إسناده صحيح. الحسن -وهو ابن أبي الحسن يسار البصري- سمع من أبي بكرة فقد روى البخاري في «صحيحه» ثلاثة أحاديث للحسن البصري صرح فيها بالسماع من أبي بكرة وهي: (٢٧٠٤) و(٣٧٤٦) و(٧١٠٩). مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرهَد الأسدَي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٤٣٠) من طريق يحيى، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٤٠٦)، و«صحيح ابن حبان» (٣٤٣٩).

٤٨ - باب في صوم العيدين
٢٤١٦ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد وزهيرُ بنُ حرب -وهذا حديثُه- قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهري
عن أبي عُبيدٍ، قال: شَهِدْتُ العيدَ مع عُمَرَ، فبدأ بالصلاةِ قبل الخُطبةِ، ثم قال: إن رسولَ الله ﷺ نهى عن صِيامِ هذين اليومين: أما يومُ الأضحى، فتأكُلُون من لحم نُسُكِكُم، وأما يومُ الفِطْر، فَفِطْركُم من صِيامِكُم (١).
٢٤١٧ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وُهَيبٌ، حدَّثنا عمرُو بنُ يحيى، عن أبيه
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: نهى رسولُ اللهِ ﷺ عن صيامِ يومينِ: يومِ الفِطْرِ، ويومِ الأضحى، وعن لِبْستينِ: الصَّمَّاء، وأن يحتبي الرَّجُلُ في الثوبِ الواحِدِ، وعن الصلاةِ في ساعتين: بَعْدَ الصُّبحِ، وبعدَ العَصْرِ (٢).


(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب، وأبو عبيد: هو سعد بن عبيد الزهري.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٢٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٠٢) من طريقين عن سفيان، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٩٩٠) و(٥٥٧١)، ومسلم (١١٣٧)، والترمذي (٧٨٢) من طرق، عن الزهري، به. وقال الترمذي: حديث صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٠٠).
قال النووي: وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين لكل حال، سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك.
(٢) إسناده صحيح. وهيب: هو ابن خالد الباهلي، وعمرو بن يحيي: هو ابن عمارة المازني.=

٤٩ - باب صيام أيام التشريق
٢٤١٨ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن يزيدَ بنِ الهاد
عن أبي مُرَّة مولى أُم هانئ، أنه دخل مع عبدِ الله بنِ عمرو على أبيه عمرو بنِ العاص، فقرَّب إليهما طعامًا، فقال: كُل، فقال: إني صائم، فقال عمرو: كُلْ فهذه الأيامُ التي كانَ رسولُ الله ﷺ يأمُرُنا بإفطارِهَا وينهانا عن صِيامِها، قال مالكٌ: وهي أيامُ التَّشريقِ (١).


وأخرجه البخاري (١٩٩١) و(١٩٩٢) من طريق موسى بن إسماعيل، بهذا الإسناد.
دون ذكر اللباس.
وأخرجه مسلم بإثر (١١٣٨) (١٤١)، والترمذي (٧٨١) من طريق عمرو بن يحيى، به. مقتصرًا على الصيام.
وأخرجه مفرقًا البخاري (١١٩٧) و(١٨٦٤) و(١٩٩٥)، ومسلم بإثر (١١٣٨) (١٤٠)، وابن ماجه (١٧٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٠٣ - ٢٨٠٦) من طريق قزعة بن يحيى، والبخاري (٥٨٦) و(٦٢٨٤)، ومسلم (٨٢٧) من طريق عطاء بن يزيد الليثي، والبخاري (٣٦٧) و(٥٨٢٢) من طريق عُبيد الله بن عبد الله، والبخاري (٥٨٢٠) من طريق عامر بن سعيد، أربعتهم عن أبي سعيد الخدري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٩١٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٩٩).
لبسة الصماء: أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على أحد منكبيه فتبدو منه سوأته، وقبل: أن يلف على جمع بدنه بحيث لا يترك فرجة يخرج منها يده.
والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنما نهى عنه، لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب، فتبدو عورتُه. قاله في «النهاية».
(١) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس، ويزيد ابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله الليثي، وأبو مرة: هو يزيد الهاشمي.
وهو في «الموطأ» (١٣٦٩) برواية أبي مصعب الزهري، عن مالك. =

٢٤١٩ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا وهبٌ، حدَّثنا موسى بنُ على (ح)
وحدَثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا وكيع، عن موسى بنُ عليٌّ، -والإخبار في حديثِ وهبٍ- قال: سمِعتُ أبي
أنه سَمِعَ عُقبة بنَ عامرٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «يومُ عرفة ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهي أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ» (١).


= وأخرجه أحمد (١٧٧٦٨) عن رَوح بن عُبادة، والحاكم ١/ ٤٣٥، وعنه البيهقي ٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨ من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبيُّ، وابن خزيمة (٢٩٦١) من طريق ابن وهب، والحاكم ١/ ٤٣٥، وعنه البيهقي ٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨ من طريق الشافعي، أربعتهم عن مالك، به. وقرن ابنُ وهب بمالك عبدَ الله بنَ لهيعة.
وأخرجه الدارمي (١٧٦٧)، وابن خزيمة (٢١٤٩)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٢٤٤ من طريق الليث بن سعد، عن يزيد ابن الهاد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٦٨).
قال النووي في «شرح مسلم» في شرح حديث نُبَيشَةَ الهُذلي عند مسلم (١١٤٤) «أيام التشريق أيام أكل وشرب»: وفيه دليل على من قال: لا يصح صومها بحال وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما.
وقال جماعة من العلماء يجوز صيامها لكل أحد تطوعًا وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين.
وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولا يجوز لغيره، واحتج هؤلاء بحديث البخاري في «صحيحه» عن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها وهو تقديدها ونشرها في الشمس.
(١) إسناده صحيح. الحسن بن علي: هو الهُذَليُّ الخَلاّل الحُلوانيُّ، ووَهبٌ: هو ابن جرير الأزدي، ووكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي، وموسى بن عُليّ: هو ابن رَبَاح ابن قَصِير اللَّخْمِي. =

٥٠ - باب النهي أن يُخَصَّ يومُ الجمعة بصومٍ
٢٤٢٠ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا يَصُمْ أحدُكُم يومَ الجمعةِ، إلا أن يَصُومَ قبلَه بيومٍ أو بعدَهُ» (١).

٥١ - باب النهي أن يُخَصَّ يوم السبت بصومٍ
٢٤٢١ - حدَّثنا حُميدُ بنُ مَسعدةَ، حدَّثنا سفيانُ بنُ حبيب (ح)
وحدَّثنا يزيدُ بنُ قُبيس من أهل جَبَلَةَ، حدَّثنا الوليد، جميعًا عن ثورِ بنِ يزيدَ، عن خالدِ بنِ معدان، عن عبدِ الله بن بسر السلمي


= وأخرجه الترمذي (٧٨٣) من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٨٤٢) و(٣٩٨١) و(٤١٦٧) من طرق عن موسى بن عُليّ، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٣٧٩)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٠٣).
(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو صالح: هو ذكوان السمان.
وأخرجه مسلم (١١٤٤)، وابن ماجه (١٧٢٣)، والترمذي (٧٥٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٦٩) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٩٨٥)، ومسلم (١١٤٤)، وابن ماجه (١٧٢٣) من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش، به.
وأخرجه مسلم (١١٤٤) من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠٢٥) و(١٠٤٢٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦١٤).
قال في «الفتح»: ويؤخذ من الاستثناء جواز صومه لمن صام قبله أو بعده، أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها، كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلًا، أو يوم شفاء فلان.

عن أُختِه، -وقال يزيدُ: الصَّماء- أن النبيَّ ﷺ قال: «لا تَصُومُوا يومَ السبتِ إلا في ما افْتُرِضَ عليكم، وإن لم يجد أحدُكم إلا لحاء عِنَبَة أو عُودَ شجرةٍ فليمْضَغهما (١).
قال أبو داود: وهذا الحديث منسوخ (٢).

٥٢ - باب الرخصة في ذلك
٢٤٢٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرِ، أخبرنا همّامٌ، عن قتادة (ح)


(١) رجاله ثقات إلا أن غيرَ واحد من الأئمة الذين يُرجَعُ إليهم في النقد أعلُّوه بالاضطراب والمعارضة، وانظر كلامنا عليه في»المسند«(١٧٦٨٦). الوليد: هو ابن مسلم.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٢٦ م)، والترمذي (٧٥٤)، والنسائي في»الكبرى«(٢٧٧٦) من طريق حميد بن مسعدة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٢٧٧٥) و(٢٧٧٧) من طريق ثور بن يزيد، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٧٠٧٥).
قال ابن مفلح في»الفروع «٣/ ١٢٣ - ١٢٤: قال الأثرم: قال أبو عبد الله: قد جاء في حديث الصماء وكان يحيي بن سعيد يتقيه، وأبى أن يحدثني به، قال الأثرم:
وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر منها حديث أم سلمة: كان رسول الله ﷺ يصوم يوم السبت ويوم الأحد
أكثر مما يصوم من الأيام ويقول:»إنهما يوما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم"
أخرجه أحمد (٢٦٧٥٠)، وصححه ابن خزيمة (٢١٦٧) وابن حبان (٣٦١٦).
قال ابن مفلح: واختار شيخنا (يعني ابن تيمية) أنه لا يكره، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايتهم، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليسثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ.
وجَبَلة: بالتحريك، بلدة مشهورة بساحِل الشام من أعمال حلب، قرب اللاذقية.
(٢) جاء في هامشي (أ) و(هـ) ما نصُّه: قال أبو داود: عبد الله بن بسر حمصي، وهذا الحديث منسوخ، نسخه حديث جُويرية.
وأشارا هناك إلى أنه كذلك في رواية ابن الأعرابي.

وحدَّثنا حفصُ بنُ عمر، حدَّثنا همَّام، حدَّثنا قتادةُ، عن أبي أيوبَ -قال حفص: العتكى- عن جُويريةَ بنتُ الحارث: أن النبي ﷺ دخل عليها يومَ الجمعةِ وهي صائمة، فقال: «صُمْتِ أمْسِ؟» قالت: لا، قال: «تُريدينَ أن تَصُومِي غدًا؟» قالت: لا، قال: «فأفطري» (١).
٢٤٢٣ - حدَّثنا عبدُ الملك بنُ شعيب، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، قال: سمعتُ الليثَ يُحدثُ
عن ابنِ شهاب، أنه كان إذا ذُكِرَ له أنه نُهِيَ عن صِيامِ يومِ
السَّبْتِ، يقول ابنُ شهاب: هذا حديث حِمْصيٌّ (٢).
٢٤٢٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ الصَّباح بنِ سُفيانَ، حدَّثنا الوليدُ


(١) إسناده صحيح. همام: هو ابن يحيى العَوذِي، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدُوسي، وأبو أيوب: هو يحيى -ويقال: حبيب- بن مالك المَراغي العتكي.
وأخرجه البخاري (١٩٨٦)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٦٧) من طريق شعبة، عن قتادة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٧٥٦).
وفي هذا الحديث دليل على أن صوم يوم السبت جائز صومه إذا ضم إليه صيام يوم قبله أو بعده، وإنما المكروه إفرادُه.
(٢) أخرج قول ابن شهاب هذا البيهقي في «الكبرى» ٤/ ٣٠٢ من طريق عبد الملك ابن شعيب، به.
وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٨١: ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت، ولم يعدّه من حديث أهل العلم بعد معرفته به، حدَّثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني، حدَّثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، قال: سُئل الزهري عن صوم يوم السبت، فقال: لا بأس به، فقيل له: فقد رُوي عن النبي ﷺ في كراهته، فقال: ذاك حديث حمصي، فلم يَعُدَّه الزهري حديثًا يقال به وضعَّفه.

عن الأوزاعي، قال: ما زِلتُ له كاتمًا حتى رأيتُه انتشر، يعني حديثَ عبد الله بن بُسْر هذا في صَوْمِ يَوْمِ السبْتِ (١).
قال أبو داود: قال مالك: هذا كَذِبٌ.

٥٣ - باب في صوم الدهر
٢٤٢٥ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ ومُسَدَّدٌ، قالا: حدَّثنا حمادُ بنُ زيدِ، عن غيلانَ بنِ جرير، عن عبدِ الله بن مَعبدٍ الزِّمَّاني
عن أبي قتادة: أن رجلًا أتى النبيَّ ﷺ فقال: يا رسول الله، كيف تَصومُ؟ فغَضِبَ رسولُ الله ﷺ من قوله، فلما رأى ذلك عُمَرُ، قال: رَضِينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًا، نعوذُ بالله من غَضَبِ الله وغضبِ رسوله، فلم يَزَلْ عمر يُردِّدها حتى سكن من غضبِ النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسولَ الله، كيف بمن يصوم الدهرَ كُلَّه؟ قال: «لا صامَ ولا أفْطَرَ» قال مُسدَّدٌ: «لم يصُم ولم يُفطِر -أو ما صام ولا أفطر-» شك غَيْلانُ.
قال: يا رسول الله، كيف بمن يصومُ يومينِ ويُفطر يومًا؟ قال: «أَوَيُطِيقُ ذلك أحد؟» قال: يا رسولَ الله، فكيفَ بِمَنْ يَصومُ يومًا ويفطر يومًا؟ قال: «ذلك صومُ داودَ» قال: يا رسولَ الله، فكيف بمن يَصومُ يومًا ويفطر يومين؟ قال: «وَدِدْتُ أني طُوِّقتُ ذلك».
ثم قال رسول الله ﷺ: «ثلاثٌ مِنْ كُلّ شهر، ورمضانُ إلى رمضانَ، فهذا صيام الدَّهرِ كُلِّه، وصيامُ عرفةَ إني أحتسِبُ على الله أن يُكفّرَ


(١) أخرجه البيهقي في»الكبرى" ٤/ ٣٠٢ - ٣٠٣ من طريق المصنف، بهذا الإسناد.

السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعدَه، وصومُ يومِ عاشوراء إني أحْتَسِبُ على الله أن يُكفِّر السَّنةَ التي قبلَه» (١).
٢٤٢٦ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا مَهديٌّ، حدَّثنا غَيلانُ، عن عبدِ الله ابن معبَدٍ الزِّمَّاني
عن أبي قتادةَ، بهذا الحديثِ، زاد: قال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ صومَ يوم الاثنينِ والخميس؟ قال: «فيهِ وُلِدْتُ، وفيه أُنزِلَ عليَّ القرآنُ» (٢).
٢٤٢٧ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابنِ المسيب وأبي سلمة
عن عبدِ الله بنِ عمرو بنِ العاص، قال: لقيني رسولُ الله ﷺ، فقال: «ألم أُحَدَّثْ أنك تقولُ: لأقومَنَّ الليلَ، ولأصُومنَّ النهارَ؟»


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا مسلم (١١٦٢)، وابن ماجه (١٧١٣) و(١٧٣٠) و(١٧٣٨)، والترمذي (٧٥٩) و(٧٦٢) و(٧٧٧)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٠٨) من طرق عن حماد بن زيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٢٦٩٨) و(٢٨٢٦) من طريق شعبة، عن غيلان، به. مختصرًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥١٧) و(٢٢٥٣٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٣٩).
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده صحيح. مهدي: هو ابن ميمون الأزدي.
وأخرجه مسلم (١١٦٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٩٠) من طريق مهدي، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٦٢) من طريق شعبة، عن غيلان، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥٥٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٤٢).
وانظر ما قبله.

قال: أحسِبُه قال: نعم يا رسولَ اللهِ، قد قلتُ ذاك، قال: «قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأفطِرْ، وصُمْ مِن كُل شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، وذاك مثلُ صيامِ الدَّهرِ» قال: قلتُ: يا رسولَ الله، إني أُطيقُ أفضلَ مِن ذلك، قال: «فَصُمْ يومًا وأفطِرْ يومين» قال: فقلت: إني أُطيق أفضلَ مِن ذلك، قال: «فَصُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا، وهو أعدلُ الصيام، وهو صيامُ داودَ» قلت: إني أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذلك، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا أفْضَلَ مِنْ ذلك» (١).

٥٤ - باب في صوم أشهر الحُرُم
٢٤٢٨ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن سعيدٍ الجُريرِي، عن أبي السَّليلِ، عن مُجيبةَ الباهِلية


(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وابن المسيب: هو سعيد، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٨٦٢)، ومن طريقه أخرجه البخاري (٦١٣٤).
وأخرجه البخاري (١٩٧٦) و(٣٤١٨)، ومسلم (١١٥٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧١٣) من طريق الزهري، به.
وأخرجه البخاري (١٩٧٥)، ومسلم (١١٥٩) من طريق يحيى بن أبي كثير، والنسائي (٢٧١٤) من طريق محمد بن إبراهيم، كلاهما عن أبي سلمة وحده، به.
وأخرجه مختصرًا البخاري (١٩٧٧) و(١٩٧٨) و(١٩٧٩) و(١٩٨٠) و(٣٤١٩) و(٥٠٥٢)، ومسلم (١١٥٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٠٤) و(٢٧٠٩ - ٢٧١١) و(٢٧١٥ - ٢٧٢٤) من طرق عن عبد الله بن عمرو. بعضهم يزيد فيه على بعض.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٦٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٦٠).
وانظر ما سلف برقم (١٣٨٩).

عن أبيها أو عمِّها، أنه أتى رسولَ الله ﷺ، ثم انطلَقَ، فأتاه بعد سنة وقد تغيَّرتْ حالُه وهيئتُه، فقال: يا رسولَ الله، أما تَعْرِفني؟ قال: «ومن أنت؟» قال: أنا الباهليُّ الذي جئتُكَ عام الأولِ قال: «فما غَيَّرَكَ، وقد كنتَ حسنَ الهيئة؟» قال: ما أكلتُ طعامًا منذ فارقتُك إلا بليلِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «لم عذَّبت نفسك؟» ثم قال: «صم شهر الصَّبر، ويومًا من كلِّ شهرٍ» قال: زدني فإن بي قوةً، قال: «صم يومين» قال: زدني، قال: «صُم ثلاثة أيام» قال: زدني، قال: «صم مِن الحُرُمِ واتْرُكْ، صُمْ مِن الحُرُم واتْرُك، صمْ من الحُرُم واتْرُك» وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها (١).


(١) إسناده ضعيف لجهالة مُجيبة الباهلية، وذكر بعضهم أن مُجيبة رجل، وقيل فيه: أبو مجيبة. حمّاد: هو ابن سلمة، سعيد الجريري: هو ابن إياس، وأبو السليل: هو ضُريب بن نُقير.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٤١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٥٦) من طريق سفيان الثوري، عن سعيد الجريري، بهذا الإسناد. وقال ابن ماجه فيه: عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٢٣).
وقوله: «صم ثلاثة أيام» له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد في «مسنده» (٦٤٧٧) وإسناده صحيح.
وآخر من حديث أبي هريرة عند النسائي في «الكبرى» (٢٧٢٩). وإسناده صحيح أيضًا. وهو في «المسند» (٧٥٧٧).
ولصوم شهر المحرَّم شاهد صحيح سيأتي بعده.
وقوله: «صُم من الحرم». قال الخطابي: فإن الحرم أربعة أشهر، وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: ٣٦] وهي شهر رجب وذي القَعدة وذي الحِجة والمحرم، وقيل لأعرابي يتفقه: كم الاشهر الحرم؟ قال: أربعة: ثلاث سرد وواحد فرد.

٥٥ - باب في صَومِ المُحرَّم
٢٤٢٩ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ وقتيبةُ بنُ سعيد، قالا: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن أبي بِشرٍ، عن حُميد بنِ عبدِ الرحمن
عن أبي هُريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أفضلُ الصيامِ بَعْدَ شهرِ رمضانَ شهرُ اللهِ المُحرَّم، وإنَّ أفضلَ الصلاةِ بعد المفروضةِ صلاةٌ من الليلِ» لم يَقُلْ قتيبةُ: «شهر» قال: «رمضان» (١).
٢٤٣٠ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى، حدَّثنا عيسى، حدَّثنا عثمانُ -يعني ابن حكيم- قال: سألتُ سعيدَ بنَ جُبيرٍ عن صِيام رجب، فقال:
أخبرني ابنُ عباس: أن رسولَ الله ﷺ كان يصوم حتى نقول: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتى نقولَ: لا يَصُومُ (٢).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو عوانة: هو الوضاح ابن عبد الله اليشكري، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس.
وأخرجه مسلم (١١٦٣)، والترمذي (٤٤٠) و(٧٥٠)، والنسائي في «الكبرى» (١٣١٤) و(٢٩١٩) من طريق قتيبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٦٣)، وابن ماجه (١٧٤٢)، والنسائي (٢٩١٧) و(٢٩١٨) من طريق محمد بن المنتشر، عن حميد بن عبد الرحمن، به.
وأخرجه النسائي (١٣١٥) من طريق شعبة، عن أبي بشر، به. مرسلًا.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠٢٦) و(٨٥٣٤)، و«صحيح ابن حبان» (٢٥٦٣) و(٣٦٣٦).
(٢) إسناده صحيح. عيسى: هو ابن يونس السبيعي.
وأخرجه مسلم (١١٥٧) عن إبراهيم بن موسى، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم أيضًا (١١٥٧) من طريقين، عن عثمان بن حكيم، به.
وأخرجه البخاري (١٩٧١)، ومسلم (١١٥٧)، وابن ماجه (١٧١١)، والنسائي (٢٦٦٧) من طريق أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٩٨) و(٢٠٤٦).

٥٦ - باب في صوم شعبان
٢٤٣١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ مهدي، عن معاويةَ ابنِ صالح، عن عبدِ الله بن أبي قيس
سَمِعَ عائشة تقولُ: كان أحبَّ الشُّهور إلى رسول اللهِ ﷺ أن يَصُومَهُ شعبانُ، ثم يَصِلُه برمضانَ (١).

٥٧ - باب في صومِ شوال
٢٤٣٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ عثمان العِجْليُّ، حدَّثنا عُبيد الله -يعني ابنَ موسى- عن هارونَ بنِ سلْمانَ، عن عُبيدِ الله بنِ مسلم القُرشيِّ
عن أبيه، قال: سألتُ أو سُئلَ النبيُّ ﷺ عن صيامِ الدهرِ، فقال: «إن لأهلِكَ عليكَ حقًّا، صُمْ رمضانَ والذي يليه، وكلَّ أربعاءَ وخميسٍ، فإذا أنتَ قد صُمتَ الدهرَ» (٢).


(١) إسناده صحيح. معاوية بن صالح: هو ابن حُدَير الحضرمي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٦٧١) و(٢٩٢٢) من طريق عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٥٤٨).
وانظر ما سيأتي برقم (٢٤٣٤).
(٢) إسناده ضعيف؛ لجهالة عبيد الله بن مسلم القرشي -وقيل: مسلم بن عبيد الله وهو الذي رجحه البغوي وغيرُ واحد-. هارون بن سَلْمان: هو القرشي المخزومي.
وأخرجه الترمذي (٧٥٨) من طريقين عن عبيد الله بن موسى، بهذا الإسناد.
وقال: حديث غريب.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٧٩٢) و(٢٧٩٣) من طريقين عن هارون بن سلمان، به.

قال أبو داود: وافقه زيدٌ العُكْلِيُّ، وخالفه أبو نُعيم، قال: مسلم ابن عُبيد الله (١).

٥٨ - باب في صوم ستةِ أيامٍ مِن شوال
٢٤٣٣ - حدَّثنا النُّفيليُّ، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمد، عن صفوانَ بنِ سُلَيم وسعْدِ بنِ سعيد، عن عُمَرَ بنِ ثابت الأنصاريِّ
عن أبي أيوبَ صاحبِ النبيَّ ﷺ، عن النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ صامَ رمضانَ، ثم أَتبَعَهُ بِسِتٍّ مِن شَوّالٍ، فكأنما صام الدَّهر» (٢).


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ).
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من جهة صفوان بن سليم، حسن من جهة سعد بن سعيد -وهو ابن قيس الأنصاري- عبد العزيز بن محمد -وهو الداروردي- صدوق لا بأس به، وسعد بن سعيد حسن الحديث في المتابعات، وقد توبعا.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٢٨٧٦) من طريق عبد العزيز بن محمد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٦٤)، وابن ماجه (١٧١٦)، والترمذي (٧٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٧٥) و(٢٨٧٧) من طرق عن سعد بن سعيد وحده، به.
وأخرجه النسائي (٢٨٧٩) من طريق يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، به.
وأخرجه النسائي أيضًا (٢٨٧٨) من طريق عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، به. موقوفًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٥٣٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٣٤). وانظر تمام كلامنا عليه في «المسند».
ويشهد له حديث ثوبان مولى رسول الله ﷺ عند ابن ماجه (١٧١٥)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٧٣) و(٢٨٧٤). وإسناده عند النسائي صحيح. وهو في «مسند أحمد» (٢٢٤١٢). ولفظ النسائى الأول: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة». قلنا: في هذه الرواية تفسير لقوله ﷺ في الرواية الأخرى: «فكأنما صام الدهر» يعني الستة.

٥٩ - باب، كيف كان يصومُ النبيُّ ﷺ-؟
٢٤٣٤ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ، عن مالكٍ، عن أبي النضرِ مولى عمرَ ابنِ عُبيد الله، عن أبي سلمةَ بن عبدِ الرحمن
عن عائشة زوجِ النبيَّ ﷺ، أنها قالت: كان رسولُ الله ﷺ يصُومُ حتى نقولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، وما رأيتُ رسولَ الله ﷺ استكملَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان (١).
٢٤٣٥ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن محمدِ بنِ عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن النبيَّ ﷺ، بمعناه، زاد: كان يصومُه إلا قليلًا، بل كان يُصُومُه كُلَّه (٢).


(١) إسناده صحيح. مالك: هو ابن أنس، وأبو النضر: هو سالم بن أبي أمية التيمي، وأبو سلمة: هو عبد الله الزهري.
وهو عند مالك في «الموطأ» ١/ ٣٠٩، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٩٦٩)، ومسلم (١١٥٦)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٧٢). وقرن النسائي بمالك عمرو بن الحارث المصري، وقال: وذكر آخر قبلهما.
وأخرجه مختصرًا البخاري (١٩٧٠)، ومسلم (١١٥٦) من طريق يحيى بن أبي كثير، ومسلم (١١٥٦)، وابن ماجه (١٧١٠) من طريق ابن أبي لبيد، والنسائي (٢٤٩٨) و(٢٤٩٩) من طريق محمد بن إبراهيم، ثلاثتهم عن أبي سلمة، به.
وأخرجه مختصرًا أيضًا مسلم (١١٥٦)، والترمذي (٧٧٨)، والنسائي (٢٥٠٤) و(٢٥٠٥) و(٢٦٧٠) من طريق عبد الله بن شقيق، والنسائي (٢٦٦٨) و(١٠٤٨٠) و(١١٣٨٠) من طريق مروان أبي لبابة كلاهما عن عائشة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٧٥٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٨٠) و(٣٦٤٨).
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- =

٦٠ - باب في صوم الاثنين والخميس
٢٤٣٦ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا أبانُ، حدَّثنا يحيى، عن عُمَرَ ابن أبي الحكم بنِ ثوبانَ، عن مولى قُدَامَةَ بنِ مَظعون
عن مولى أُسامةَ بنِ زيدٍ: أنه انطلقَ مع أُسامة إلى وادي القُرى في طَلَبِ مالٍ له، فكان يصومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ، فقال له مولاه: لِمَ تصومُ يومَ الاثنينِ ويوم الخميسِ وأنت شيخٌ كبير؟ فقال: إن نبيَّ اللهِ ﷺ كان يصومُ يوم الاثنين ويوم الخميس، وسُئِلَ عن ذلك، فقال: «إن أعمالَ الناسِ تُعرَضُ يومَ الاثنين ويومَ الخميس» (١).


= صدوق حسن الحديث. لكن ذكر أبي هريرة فيه غير محفوظ وإنما يروى عن أم سلمة وعائشة، وانظر ما قبله. حماد: هو ابن سلمة.
وقال المنذري: وهذه الزيادة أخرجها مسلم في «صحيحه» وفي البخاري أيضًا.
(١) المرفوع منه صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مولى قدامة، وجهالة مولى أسامة، عمر بن أبي الحكم بن ثوبان، كذا جاء اسمه في أصولنا الخطية، لكن جاء في هامش (أ) و(هـ) أن صوابه عمر بن الحكم. قلنا: كذا سماه أبان -وهو ابن يزيد العطار- فقد جاء اسمه كذلك في «مسند أحمد» (٢١٧٤٤): عمر بن أبي الحكم، لكن خالفه هشام الدستوائي فسماه: عمر بن الحكم. وذكر صاحب «بذل المجهود» ١١/ ٣٠٣ أن كلاهما صواب فأحدهما نسبه إلى أبيه والآخر إلى جده. لأنه عمر بن الحكم بن أبي الحكم ثوبان إلا أن ما جاء في الأصول الخطية هنا من زيادة: بن ثوبان فخطأ، لأن ثوبان هو نفسه أبو الحكم.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٧٩٤) و(٢٧٩٥) من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٢٦٧٩) من طريق أبي سعيد المقبري، عن أسامة بن زيد، به.
وإسناده حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧٤٤) و(٢١٧٥٣) وانظر تمام تخريجه فيه. =

قال أبو داود: كذا قال هِشَامٌ الدَّستوائي، عن يحيى، عن عُمَرَ ابنِ أبي الحَكَمِ (١).

٦١ - باب في صوم العشر
٢٤٣٧ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو عَوانة، عن الحرِّ بنِ الصَّيَّاح، عن هُنيدَة ابنِ خالد، عن امرأتِه
عن بعضِ أزواج النبيِّ ﷺ قالت: كان رسولُ الله ﷺ يَصُوُم تسعَ ذي الحجة، ويَوْمَ عاشوراء، وثلاثةَ أيامٍ من كُلِّ شهرٍ: أولَ اثنين من الشهر، والخميسَ والخَميسَ (٢) (٣).


= ويشهد للمرفوع منه حديث أبي هريرة الآتي عند المصنف برقم (٤٩١٦)، وهو في «الصحيح».
وحديث عائشة عند أحمد (٢٤٥٠٨)، وابن ماجه (١٦٤٩) و(١٧٣٩)، والترمذي (٧٥٥)، والنسائي في «الكبرى» (٢٥٠٧) و(٢٥٠٨).
وحديث أم سلمة أو حفصة عند النسائي (٢٦٨٦) و(٢٦٨٧) و(٢٦٨٨).
(١) ما قاله المصنف هنا غير مسلّم، لأن هشامًا سماه: عمر بن الحكم بن ثوبان كما جاء في «سنن النسائي الكبرى» (٢٧٩٤) و(٢٧٩٥) من طريقين عن هشام.
(٢) كلمة «والخميس» الثانية، أثبتناها من (هـ) وهامش (أ)، وهي في رواية ابن داسه وابن الأعرابي وأبي عيسى الرملي، وليست في رواية اللؤلؤي.
(٣) ضعيف لاضطرابه فقد اختلف عن هنيدة في إسناده، فروي عنه كما ذكره المصنف هنا وروي عنه، عن حفصة زوج النبي ﷺ، وروي عنه، عن أمه عن أم سلمة زوج النبي ﷺ مختصرًا، وانظر التفصيل في ما كتبناه على الحديث في «مسند أحمد» برقم (٢٢٣٣٤).
مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وأبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٦٩٣)، (٢٧٣٨) من طريق أبي عوانة، بهذا الإسناد.
وانظر ما سيأتي برقم (٢٤٥٢).

٢٤٣٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا الأعمشُ، عن أبي صالح ومجاهدٍ ومسلمٍ البَطينِ، عن سعيد بنِ جُبير
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «ما مِنْ أيَّامٍ العمَلُ الصَّالِحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيام» يعني أيامَ العشر، قالوا: يا رسُولَ الله، ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خَرَجَ بنفسِه ومالِه فلم يَرْجِعْ من ذلك بشيءٍ» (١).

٦٢ - باب في فطره
٢٤٣٩ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو عَوَانَةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ
عن عائشةَ، قالت: ما رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ صائمًا العشرَ قَطُّ (٢).


(١) إسناده صحيح. وكيع: هو ابن الجراح، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو صالح: هو ذكوان السمان، ومجاهد: هو ابن جَبر، ومُسلم البَطين: هو مُسلم بن عِمران.
وأخرجه الخاري (٩٦٩)، وابن ماجه (١٧٢٧)، والترمذي (٧٦٧). من طريقين، عن الأعمش، عن مسلم البَطين وحده، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٦٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٢٤).
(٢) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسدي، وأبو عوانة: هو الوضاح ابن عبد الله اليشكري، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، والأسود: هو ابن يزيد النخعي.
وأخرجه مسلم (١١٧٦)، والترمذي (٧٦٦)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٨٥ - ٢٨٨٧) من طرق عن الأعمش، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٢٩) من طريق منصور، عن إبراهيم، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٤٧)، و«صحيح ابن حبان» (١٤٤١) و(٣٦٠٨).

٦٣ - باب في صوم يوم عرفةَ بعرفةَ
٢٤٤٠ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب، حدَّثنا حَوشَبُ بنُ عَقيل، عن مَهديٍّ الهجرِي، حدَّثنا عِكرِمَة، قال:
كنَّا عندَ أبي هريرة في بيته فحدَّثنا: أن رسولَ الله ﷺ نهى عن صومِ يومِ عرفَةَ بَعَرَفَة (١).
٢٤٤١ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن أبي النَّضْرِ، عن عُميرٍ مولى عبدِ الله ابنِ عباس عن أُمِّ الفضل بنتِ الحارث: أن ناسًا تمارَوا عندها يوم عرفة في صومِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال بعضُهم: هو صائم، وقال بعضُهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدَحِ لبنٍ وهو واقفٌ على بعيره بعرفة فشَرِبَ (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة مهدي الهَجَري -وهو ابن حرب العبدي المُحَاربي-.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٣٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٤٣) و(٢٨٤٤) من طريق حوشب بن عقيل، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠٣١).
قال الخطابي: هذا نهي استحباب لا نهي إيجاب، وإنما نهي المحرم عن ذلك خوفًا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة، ولا يخاف معها ضعفًا فصوم ذلك اليوم أفضل له إن شاء الله، وقد قال النبي ﷺ: "صيامُ يومِ عرفَة يُكفر سنتين: سنة قبلها، وسنة بعدها.
قال ابن القيم: وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه أفطر بعرفة، وصح عنه أن صيامه
يكفر سنتين، فالصواب أن الأفضل لأهل الآفاق صومه، ولأهل عرفة فطره، لاختياره ﷺ ذلك لنفسه وعمل خلفائه بعده بالفطر، وفيه قوة على الدعاء الذي هو أفضل دعاء العبد، وفيه أن يوم عرفة عيد لأهل عرفة، فلا يستحب لهم صيامه.
وانظر الحديث الآتي بعد هذا.
(٢) إسناده صحيح. القعنبيّ: هو عبد الله بن مسلمة، ومالك: هو ابن أنس، وأبو النضر: هو سالم بن أبي أمية. =

٦٤ - باب في صوم يوم عاشوراءَ
٢٤٤٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن مسلمةَ، عن مالكٍ، عن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه
عن عائشة، قالت: كان يومُ عاشوراءَ يومًا تصومُه قريش في الجاهليةِ، وكان رسولُ اللهِ ﷺ يَصُومه في الجاهليةِ، فلما قَدِمَ رسولُ الله ﷺ المدينةَ صامَه وأمرَ بصيامِه، فلما فُرِضَ رمضانُ كان هو الفريضةَ، وتُرِكَ عاشوراءُ، فمن شاء صامَه، ومن شاء تركه (١).


= وهو عند مالك في «الموطأ»١/ ٣٧٥، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٦٦١) و(١٩٨٨)، ومسلم (١١٢٣).
وأخرجه البخاري (١٦٥٨) و(٥٦٠٤) و(٥٦١٨) و(٥٦٣٦)، ومسلم (١١٢٣) من طرق عيب أبي النضر، به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٨٣٢) من طريق عبد الله بن عباس عن أم الفضل.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٨٦٩) و(٢٦٨٧٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٠٥) و(٣٦٠٦).
(١) إسناده صحيح.
وهو عند مالك في «الموطأ»١/ ٢٩٩، ومن طريقه أخرجه البخاري (٢٠٠٢).
وأخرجه البخاري (٣٨٣١) و(٤٥٠٤)، ومسلم (١١٢٥)، والترمذي (٧٦٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٥١) و(١٠٩٤٨) من طرق عن هشام بن عروة، به.
وأخرجه مختصرًا البخاري (١٥٩٢) و(١٨٩٣) و(٢٠٠١) و(٤٥٠٢)، ومسلم (١١٢٥)، وابن ماجه (١٧٣٣)، والنسائي (٢٨٥٠) و(٢٨٥٢) و(١٠٩٤٩) من طرق عن عروة بن الزبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠١١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٢١).
قال القرطبي: عاشوراء: معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل: صفة لليلة العاشرة، لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها، فإذا قيل: يوم عاشوراء، فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر.

٢٤٤٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيي، عن عُبيدِ الله، أخبرني نافعٌ
عن ابنِ عُمَرَ، قال: كان عاشوراء يومًا نَصُومُه في الجاهلية، فلما نزلَ رمضانُ قال رسولُ اللهِ ﷺ: «هذا يومٌ من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه» (١). ٢٤٤٤ - حدَّثنا زيادُ بنُ أيوبَ، حدَّثنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد ابنِ جُبير عن ابنِ عباسٍ، قال: لما قَدِمَ النبي ﷺ المدينةَ وجد اليهودَ يصومون عاشُوراء، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هو اليومُ الذي أظهر الله فيهِ موسى على فِرعونَ، ونحنُ نصومُه تعظيمًا له، فقال رسولُ الله ﷺ: «نحنُ أولى بموسى مِنْكُم» وأمر بصيامه (٢).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، وعُبيد الله: هو ابن عمر العمري، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وأخرجه البخاري (٤٥٠١)، ومسلم (١١٢٦) من طريق يحيى القطان، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٢٦) من طريق عُبيد الله، به.
وأخرجه بنحوه مختصرًا البخاري (١٨٩٢)، ومسلم (١١٢٦)، وابن ماجه (١٧٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٥٣) من طرق عن نافع، والبخاري (٢٠٠٠)، ومسلم (١١٢٦) من طرق سالم بن عبد الله، كلاهما عن ابن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٢٠٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٢٢).
(٢) إسناده صحيح. هُشيم: هو ابن بَشير السُّلمي، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس اليشكري.
وأخرجه البخاري (٣٩٤٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٤٧) و(١١١٧٣) من طريق زياد بن أيوب، بهذا الإسناد. =

٦٥ - باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع
٢٤٤٥ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهريُّ، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني يحيى ابنُ أيوبَ، أن إسماعيلَ بنَ أُميةَ القرشيَّ حدَّثه، أنه سَمعَ أبا غطفان يقول:
سَمِعْتُ عبدَ الله بنَ عباسٍ يقول: حين صام النبي ﷺ يومَ عاشوراء وأمرنا بِصيامِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنه يومٌ تُعظِّمه اليهودُ والنصارى، فقال رسولُ الله ﷺ: «فإذا كان العامُ المقبلُ صُمْنا يومَ التَّاسِعِ» فلم يأتِ العامُ المُقْبِلُ حتى توفي رسولُ اللهِ ﷺ (١).


= وأخرجه مسلم (١١٣٠) من طريق هُشيم، والبخاري (٤٦٨٠) و(٤٧٣٧)، ومسلم (١١٣٠) من طريق شعبة، كلاهما عن أبي بِشر، به.
وأخرجه البخاري (٢٠٠٤) و(٣٣٩٧)، ومسلم (١١٣٠)، والنسائي (٢٨٤٨) و(٢٨٤٩) من طريق عبد الله بن سعيد بن جبير، وابن ماجه (١٧٣٤) من طريق أيوب، كلاهما عن سعيد بن جبير، به.
وأخرج الترمذي (٧٦٥) من طريق الحسن البصري، عن ابن عباس، قال: أمرَ رسول الله ﷺ بصوم عاشوراء، يوم عاشِر. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٣١٦٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٢٥).
وانظر ما بعده.
(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله المصري، ويحيي بن أيوب: هو الغافقي المصري، وأبو غَطَفَان: هو ابن طَريف المُري.
وأخرجه مسلم (١١٣٤) من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم، عن يحيي بن أيوب، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم أيضًا (١١٣٤) من طريق عبد الله بن عُمَير، عن ابن عباس مرفوعًا
بلفظ: «لأصومن التاسع».
وانظر ما بعده.

٢٤٤٦ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا يحيي -يعني ابن سعيدٍ، عن معاوية بنِ غَلَاب (ح) وحدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا إسماعيلُ، أخبرني حاجبُ بنُ عُمَرَ، جميعًا -المعنى- عن الحكم بنِ الأعرجِ، قال:
أتيتُ ابنَ عباسٍ وهو مُتوسِّدٌ رداءه في المسجد الحرام، فسألتُه، عن صومِ يومِ عاشوراء، فقال: إذا رأيتَ هِلالَ المُحرَّمِ فاعدُدْ، فإذا كان يومُ التاسِع فأصبِح صائمًا، فقلت: كذا كان محمد ﷺ يصوم؟
فقال: كذلك كان محمد ﷺ يصوم (١).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، ويحيى بن سعيد: هو القطان، ومعاوية بن غَلَاب: هو معاوية بن عمرو بن خالد بن غَلَاب، وإسماعيل: هو ابن إبراهيم الأسدي، والحكم بن الأعرج: هو الحكم بن عبد الله بن إسحاق البصري.
وأخرجه مسلم (١١٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٧٢) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٣٣)، والترمذي (٧٦٤) من طريق وكيع بن الجراح، عن حاجب بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٣٥)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٣٣). وانظر ما قبله.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن»: والصحيح أن المراد صوم التاسع مع العاشر
لا نقل اليوم لما روى أحمد في «مسنده» (٢١٥٤) من حديث ابن عباس يرفعه إلى
النبيَّ ﷺ قال: «خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده».
وقال عطاء عن ابن عباس: «صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود» ذكره البيهقي، وهو يبين أن قول ابن عباس: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائمًا، أنه ليس المراد به: أن عاشوراء هو التاسع، بل أمره أن يصوم اليوم التاسع قبل عاشوراء.

٦٦ - باب في فضل صومه
٢٤٤٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ المنهالِ، حدَّثنا يزيدُ بنُ زُريع، حدَّثنا سعيدٌ، عن
قتادةَ، عن عبد الرحمن بن مَسلمةَ
عن عمه، أن أسلْمَ أتَتِ النبي ﷺ فقال: «صُمتم يومكم هذا؟» قالوا: لا، قال: «فأتِمُّوا بقيةَ يَومِكُم واقضُوه» (١).
قال أبو داود: يعني عاشوراء (٢).

٦٧ - باب في صوم يوم وفطر يوم
٢٤٤٨ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل ومحمدُ بنُ عيسى ومُسَدَّد -والإخبار في حديثِ أحمد- قالوا: حدَّثنا سفيانُ، قال: سمعتُ عَمرًا، قال: أخبرني عمرُو ابنُ أوس
سمعه من عبدِ الله بنِ عمرو، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أحبُّ الصِّيامِ إلى الله صِيَامُ داودَ، وأحبُّ الصَّلاةِ إلى الله صَلاةُ داودَ: كان


(١) حديث صحيح لغيره دون قوله:»فاقضوه«فإنها زيادة تفرد بها عبد الرحمن ابن مسلمة -ويقال: ابن سلمة- الخزاعي، وهو مجهول.
سعيد: هو ابن أبي عروبة، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٢٨٦٤) و(٢٨٦٥) من طريق سعيد، بهذا الإسناد. دون قوله:»واقضوه«.
وأخرجه النسائى أيضًا (٢٨٦٣) من طريق شعبة، عن قتادة، به. دون قوله:»واقضوه«.
وهو في»مسند أحمد«(٢٣٤٧٥).
وله شاهد من حديث هند بن أسماء عند أحمد في»مسنده«(١٥٩٦٢). وانظر تتمة شواهده والكلام عليه في»المسند".
(٢) مقالة أبي داود هذه زيادة أثبتناها من (هـ) وهي برواية ابن داسه.

ينامُ نِصْفَهُ ويَقُومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ، وكان يُفطِرُ يومًا ويصوم يومًا» (١).

٦٨ - باب في صوم الثلاث من كل شهر
٢٤٤٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا همام، عن أنسٍ أخي محمدٍ، عن ابنِ ملحان القيسيِّ
عن أبيه، قال: كان رسولُ الله ﷺ يأمرنا أن نَصُومَ البِيضَ: ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخَمْسَ عشرةَ، قال: وقال: «هُنَ كهيئةِ الدَّهرِ» (٢).


(١) إسناده صحيح. محمد بن عيسى: هو ابن نَجِيح البغدادي، ومُسدَّد: هو ابنُ مسرهد الأسَدي، وسفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار المكي.
وأخرجه البخاري (١١٣١) و(٣٤٢٠)، ومسلم (١١٥٩)، وابن ماجه (١٧١٢)، والنسائي في «الكبرى» (١٣٢٩) و(٢٦٦٥) من طرق عن سفيان بن عيينة، ومسلم (١١٥٩) من طريق ابن جريج، كلاهما عن عمرو بن دينار، بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري (١١٥٣) و(١٩٧٤ - ١٩٨٠) و(٣٤١٨ - ٣٤٢٠) و(٥٠٥٢) و(٦١٣٤) و(٦٢٧٧)، ومسلم (١١٥٩)، والترمذي (٧٨٠)، والنسائي (٢٧٠٩ - ٢٧٢٤) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
واقتصروا جميعًا في رواياتهم على ذكر صوم داود دون صلاته، وعندهم أن هذا الحديث ضمن قصة لعبد الله بن عمرو نفسه.
وهو في «مسند أحمد» (٦٤٩١)، و«صحيح ابن حبان» (٢٥٩٠).
وانظر ما سلف برقم (٢٤٢٥) و(٢٤٢٧).
(٢) حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن مِلحَان القَيْسِيُّ -وهو عبد الملك بن قتادة-. محمد بن كثير: هو العَبْدي، وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي، وأنس: هو ابن سيرين الأنصاري.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٠٧ م)، والنسائي في «الكبرى» (٢٧٥٢) من طريق همام، بهذا الإسناد. ورواية النسائي دون قوله: «هن كهيئة الدهر». =

٢٤٥٠ - حدَّثنا أبو كامِل، حدَّثنا أبو داودَ، حدَّثنا شيبانُ، عن عاصم، عن زِرٍّ
عن عبدِ الله، قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ يصومُ -يعني مِن غُرَّةِ كُل شهرِ- ثلاثةَ أيامٍ (١).


= وأخطأ شعبة في تسمية ابن مِلحَان القيسي كما أخرجه عند ابن ماجه (١٧٠٧) فقال: عن أنس، عن عبد الملك بن المِنهال، وعند النسائي في «الكبرى» (٢٧٥٠) قال: عن أنس، عن عبد الملك. ولم يُسمِّه، و(٢٧٥١) قال: عن أنس، عن ابن أبي المِنهَال، والصواب كما أسلفنا أنه: عبد الملك بن قتادة. والله أعلم.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٥١٤)، وفي «صحيح ابن حبان» (٣٦٥١).
ويشهد له حديث قُرّة بن إياس عند أحمد في «مسنده» (١٥٥٨٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٥٢). وإسناده صحيح.
وآخر عند أبي ذرّ عند أحمد (٢١٣٠١)، وابن ماجه (١٧٠٨)، والترمذي (٧٧٢). ورجاله ثقات لكن فيه انقطاع.
وثالث عن جرير بن عبد الله عند النسائي في «الكبرى» (٢٧٤١). وجوَّد إسناده المنذري في «الترغيب والترهيب» ٢/ ١٢٤.
وفي الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر أيضًا شواهد انظرها في «المسند» (١٧٥١٣).
وانظر ما بعده.
(١) إسناده حسن من أجل عاصم -وهو ابن أبي النَّجُود- فإنه حسن الحديث.
أبو داود: هو سليمان بن داود الطيالسي، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب، وزر: هو ابن حُبيش، وعبد الله: هو ابن مسعود.
وهو عند أبي داود الطيالسي في «مسنده» (٣٦٠) ومن طريقه أخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٧٧١)، وأخرجه الترمذي (٧٥٢) من طريق طلق بن غنام، كلاهما عن شيبان، بهذا الإسناد. وزاد الترمذي والنسائى: وقَلَّما كان يفطر يوم الجمعة، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وأخرجه النسائي (٢٦٨٩) من طريق أبي حمزة، عن عاصم، به. وزاد: وقلما يفطر يوم الجمعة.
وهذه الزيادة أخرجها الطيالسي منفصلة برقم (٣٥٩)، ومن طريقه ابن ماجه (١٧٢٥).
وهو في «مسند أحمد» (٣٨٦٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٤١) و(٣٦٤٥).

٦٩ - باب من قال الاثنين والخميس
٢٤٥١ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن عاصم بن بَهْدلَة، عن سواءٍ الخُزاعيِّ
عن حفصةَ، قالت: كانَ رسولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ ثلاثةَ أيامٍ مِن الشَّهرِ: الاثنينِ، والخميسَ، والاثنين من الجُمعة الأخرى (١).
٢٤٥٢ - حدَّثنا زهيرُ بنُ حربٍ، حدَّثنا محمدُ بنُ فضيلٍ، حدَّثنا الحسنُ بنُ عُبيدِ الله، عن هُنيْدة الخُزاعيِّ
عن أُمِّهِ، قالت: دخلتُ على أُمِّ سلمةَ فسألتُها عن الصِّيامِ، فقالت: كان رسولُ الله ﷺ يأمرُني أن أصومَ ثلاثةَ أيامٍ من كل شهرٍ، أوَّلَها الاثنينِ، والخميسَ، والخَميسَ (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة حال سَوَاء الخُزاعي، ثم إن الإسناد منقطع بين عاصم -وهو ابن أبي النجود- وسَوَاء الخزاعي، بينهما المسيب بن رافع، أو معبد بن خالد، وعاصم بن أبي النَّجود تكلموا في حفظه، وقد اضطرب، وانظر تمام ذلك كما بيناه في «مسند أحمد» برقم (٢٦٤٦٠). حماد: هو ابن سلمة البصري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٦٨٧) من طريق النضر بن شُميل، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي أيضًا (٢٨٠٠) من طريق زائدة، عن عاصم، عن المسيّب، عن حفصة، به. مختصرًا بلفظ: كان رسول الله ﷺ يصوم الاثنين والخميس.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٤٦٠) و(٢٦٤٦١).
(٢) حديث ضعيف لاضطرابه كما سلف برقم (٢٤٣٧).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٧٤٠) من طريق محمد بن فضيل، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٤٨٠).

٧٠ - باب من قال: لا يُبالِي مِن أيِّ الشهر
٢٤٥٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الوارثِ، عن يزيدَ الرِّشْكِ، عن مُعاذةَ، قالت: قلت لعائِشةَ: أكان رسولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ مِنْ كُل شَهْرٍ ثلاثةَ أيامٍ؟ قالت: نَعَمْ، قلتُ: من أي شهرٍ كان يصومُ؟ قالت: ما كان يبالِي مِن أيّ أيامِ الشهرِ كان يصومُ (١).

٧١ - باب النية في الصيام
٢٤٥٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا عبدُ الله بنُ وهب، حدَّثني ابنُ لهيعةَ ويحيى بنُ أيوب، عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكر بنِ حَزْمٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن سالم بنِ عبدِ الله، عن أبيه عن حفْصةَ زوجِ النبي ﷺ، أن رسولَ الله ﷺ قال: «من لم يُجْمّعِ (٢) الصِّيامَ قبلَ الفجرِ فلا صِيامَ له» (٣).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرهَد الأسدي، وعبد الوارث: هو ابن سعيد، ويزيد الرّشك -والرشك: القسَّام بلغة أهل البصرة-: هو يزيد بن أبي يزيد الضُّبَعي مولاهم، ومُعَاذَة: هي بنت عبد الله العدوية.
وأخرجه مسلم (١١٦٠) من طريق عبد الوارث، وابن ماجه (١٧٠٩)، والترمذي (٧٧٣) من طريق شعبة، كلاهما عن يزيد الرِّشْك، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥١٢٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٥٤) و(٣٦٥٧).
(٢) قال في «مرقاة المفاتيح» ٢/ ٥١١: بالتخفيف من أجمع يُجمع، وبالتشديد من جمَّعَ يُجَمِّع، وهو إحكام النية والعزيمة.
(٣) صحيح. ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة -وهو عبد الله الحضرمي- قوية، ثم هو متابع، وباقي رجاله ثقات، إلا أنه قد اختلف في رفعه ووقفه، ورجَّح وقفه الأئمة أبو حاتم والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فصحَّحوا الحديث، منهم ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والخطابي والحاكم وابن حزم والبيهقي وابن العربي، وروى له الدارقطني طريقا آخر (٢٢١٣) وقال: رجالها ثقات.
أحمد بن صالح: هو المِصْريُّ، ويحيى بن أيوب: هو الغافقي، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.
وأخرجه الترمذي (٧٣٩) من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٥٢) و(٢٦٥٣) من طريق الليث بن سعد، كلاهما عن يحيى بن أيوب وحده، بهذا الإسناد. ولم يذكر النسائي في الموضع الأول ابن شهاب الزهري.
وأخرجه النسائي (٢٦٥٤) من طريق أشهب بن عبد العزيز، وابن ماجه (١٧٠٠) من طريق إسحاق بن حازم، كلاهما، عن عبد الله بن أبي بكر، به. وسقط من إسناد ابن ماجه اسم الزهري.
وأخرجه النسائي (٢٦٥٥) من طريق ابن جريج، عن ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٦٥٦) من طريق عُبيد الله بن عمر، و(٢٦٥٧) من طريق يونس، و(٢٦٥٨) من طريق معمر، ثلاثتهم عن ابن شهاب، به. موقوفًا وأخرجه موقوفًا كذلك النسائي (٢٦٥٩) من طريق سفيان بن عيينة، ومعمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن حفصة.
وأخرجه موقوفًا أيضًا النسائي (٢٦٦٠) و(٢٦٦١) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن حفصة.
وأخرجه النسائي أيضًا (٢٦٦٢) من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عائشة وحفصة، به. موقوفًا.
وأخرجه مالك في «الموطأ» ١/ ٢٨٨، ومن طريقه النسائي (٢٦٦٣)، والبيهقي في «الكبرى» ٦/ ٢٢٧ - ٢٢٨ عن نافع، عن ابن عمر قوله.
وتابع مالكًا عُبيد الله بن عمر العمري عند النسائي (٢٦٦٤)، وموسى بن عقبة عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٥٥، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر قوله.
وقد بسطنا الكلام عليه في «مسند أحمد» (٢٦٤٥٧)، فانظره.=

قال أبو داود: رواه الليثُ (١) وإسحاقُ بنُ حازِمِ أيضًا جميعًا عن عبدِ الله بن أبي بكْر مثله. وأوقفه (٢) على حفصةَ: معمرٌ والزُّبيديُّ وابنُ عيينةَ ويونسُ الأيليُّ، كلُّهم، عن الزهري.

٧٢ - باب في الرخصة في ذلك
٢٤٥٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ (ح)
وحدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا وكيعٌ، جميعًا عن طلحةَ بنِ يحيى عن عائشة بنتِ طلحة
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبيُّ ﷺ إذا دخل علىَّ قال: «هل عِندَكُم طعامٌ؟» فإذا قلنا: لا، قال: «إني صائِمٌ» زادَ وكيعٌ: فدخل علينا يومًا آخر، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، أُهديَ لنا حيْس فحبسناه لك، فقال «أدْنيهِ» قال طلحةُ: فأصبَحَ صائمًا وأفطر (٣).


قال الخطابي: معنى الإجماع أو إحكام النية والعزيمة، يقال: أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد، وفيه بيان «أن من تأخرت نيته للصوم عن أول وقته فإن صومه فاسد، وقال أصحاب الرأي: إذا نوى الفرض قبل زوال الشمس أجزأه، وقالوا في صوم النذر والكفارة والقضاء: إن عليه تقديم النية قبل الفجر، وقال صاحب»المغني«٤/ ٣٣٧: وتعتبر النية لكل يوم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وابن المنذر، وعن أحمد: أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه، وهو مذهب مالك وإسحاق.
(١) متابعة الليث عند ابن خزيمة (١٩٣٣) والطبرانى في»الكبير«٢٣/ (٣٣٧).
(٢) قوله: أوقفه، من الثلاثي المزيد، وهو لغة، والفصيح: وقَفَه يقِفُه.
(٣) إسناده قوي. سفيان: هو ابن سعيد الثوري، ووكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي، وطلحة بن يحيى: هو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي.
وأخرجه مسلم (١١٥٤)، والترمذي (٧٤٢)، والنسائي في»الكبرى" (٢٦٤٨) من طريق وكيع، ومسلم (١١٥٤) (١٦٩) من طريق عبد الواحد بن زياد، والترمذي=

٢٤٥٦ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جريرُ بنُ عبدِ الحميدِ، عن يزيدَ ابنِ أبي زياد، عن عبدِ الله بنِ الحارث
عن أُم هانئ، قالت: لما كان يومُ الفتحِ -فتحِ مكة- جاءت فاطِمةُ، فجلست عن يسار رسولِ الله ﷺ وأُمُّ هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدةُ بإناءٍ فيه شرابٌ فناولتْهُ، فشَرِبَ منه، ثم ناوله أُمِّ هانئ، فشربت منه، فقالت: يا رسولَ الله، لقد أفطرتُ وكنتُ صائمةً، فقال لها: «أكُنْتِ تقضِينَ شيئًا؟» قالت: لا، قال: «فلا يضرُّك إن كان تطوُّعًا» (١).


= (٧٤٣)، والنسائي (٢٦٤٦) و(٣٢٨٦) من طريق سفيان، والنسائي (٢٦٤٧) من طريق يحيي بن سعيد القطان، و(٢٦٤٩) من طريق القاسم بن معن، خمستهم عن طلحة بن يحيي، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٢٦٤٤) من طريق شريك، عن طلحة بن يحيي، عن مجاهد، عن عائشة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٢٠)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٢٨) و(٣٦٢٩).
وانظر لزامًا تمام كلامنا عليه في «المسند».
(١) إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد - وهو القرشي الهاشمي، قال ابن التركماني في «الجوهر النقي» ٢٧٨/ ٤: هذا الحديث مضطرب متنًا وسندًا، أما اضطراب متنه فظاهر، وقد ذكر فيه أنه كان يوم الفتح، وهي أسلمت عام الفتح، وكان الفتح في رمضان، فكيف يلزمها قضاؤه، وأما اضطراب سنده: فاختلف على سماك فيه، فتارةً رواه عن أبي صالح باذام مولى أم هانئ وهو ضعيف، وتارةً عن جَعدة، وتارةً عن هارون، وكلاهما مجهول.
وأخرجه الترمذي (٧٤٠) و(٧٤١)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٨٨) و(٣٢٨٩)
و(٣٢٩٠) و(٣٢٩٢) من طريق ابن أم هانئ عن أم هانئ. وسماه الترمذي في روايته
الثانية والنسائي في الروايتين الأولى والثانية: جعدة، وهو ابن ابن أم هانئ. =

٧٣ - باب مَنْ رأى عليه القضاء
٢٤٥٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ وهب، أخبرني حيوة ابنُ شُرَيح، عن ابنِ الهادِ، عن زُمَيْلِ مولى عُروة، عن عُروة بنِ الزُّبير
عن عائشة، قالت: أُهْدِي لِي ولحفصةَ طعامٌ، وكنا صائمتين، فأفطرنا، ثم دخلَ رسولُ الله ﷺ فقلنا له: يا رسولَ الله، إنا أُهدِيَتْ لنا هديةٌ، فاشتهينَاها، فأفطرنا، فقالَ رسولُ الله ﷺ: «لا عليكما، صُوما مكانَه يوماَ آخر» (١).


وأخرجه النسائي (٣٢٩١) من طريق سماك بن حرب، عن هارون بن أم هانئ، عن أم هانئ. وأخرجه الترمذي (٧٤١)، والنسائي (٣٢٨٩) من طريق شعبة، عن جعدة، عن أهله وأبي صالح باذام، عن أم هانئ.
وقال الحافظ ابن حجر في «التلخيص» ٢/ ٢١١: ومما يدل على غلط سِمَاك فيه أنه قال في بعض الروايات عنه: إن ذلك كان يوم الفتح، وهي عند النسائي (٣٢٩٠)، والطبراني ٢٢/ (٩٩٣)، ويوم الفتح كان في رمضان فكيف يتصور قضاء رمضان في رمضان.
(١) إسناده ضعيف لجهالة زُمَيل - وهو ابن عباس الأسَدي مولى عروة بن الزبير - وباقي رجاله ثقات. ابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله الليثي.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٣٢٧٧) من طريق عبد الله بن وَهب، بهذا الإسناد. وله طريق آخر رجاله ثقات أخرجه النسائى (٣٢٨٢)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ١٠٩، وابن حبان (٣٥١٧)، وابن حزم في «المحلى» ٦/ ٢٧٠، وابن عبد البر في «التمهد» ١٢/ ٧٠ - ٧١ من طرق عن ابن وهب، حدثني جرير بن حازم، عن يحيي ابن سعيد، عن عمرة، عن عائشة. وهذا إسناد موصول رجاله ثقات رجال صحيح، إلا أن البيهقي ٤/ ٢٨٠ - ٢٨١ قال: وجرير بن حازم وإن كان من الثقات فهو واهم فيه، وقد خطأه في ذلك الإمام أحمد وعلي بن المديني، والمحفوظ: عن يحيي بن سعيد، عن=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الزهري، عن عائشة: مرسلًا، لكن ابن حزم صحح الحديث في كتابه «المحلى» ٦/ ٢٧٠ ولم يلتفت إلى هذه العلة، فقال: لم يخفَ عليا قول من قال: إن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر، إلا أن هذا ليس بشيء لأن جريرًا ثقة، ودعوى الخطأ باطلة، إلا أن يُقيم المدعي له برهانًا على صحة دعواه، وليس انفرادُ جَرير بإسناده علة، لأنه ثقة.
وممن صحح الحديث أيضًا ابن حبان.
وأخرجه الترمذي (٧٤٤)، والنسائي (٣٢٧٨) و(٣٢٧٩) و(٣٢٨١) من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة. موصولًا.
وقال الترمذي: وروى صالحُ بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مثلَ هذا، وروى مالك بن أنس ومعمر وعُبَيد الله بن عُمر وزياد بن سعد وغير واحدٍ من الحفاظ عن الزهري، عن عائشة مُرسلًا. ولم يذكروا فيه: عن عروة، وهذا أصح، لأنه روي عن ابن جريج، قال: سألت الزهري فقلت لهُ: أحدثك عروة، عن عائشة؟ قال: لم أسْمَع من عروة في هذا شيئًا، ولكن سمعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث.
وقال الترمذي بإثر (٧٤٥): وقد ذهب قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم إلى هذا الحديث؛ فرأوا عليه القضاء إذا أفطَرَ، وهو قول مالك بن أنس. انظر «شرح معاني الآثار» ٢/ ١١١. وقد بسطنا الكلام على الحديث في «مسند أحمد» (٢٥٠٩٤) فانظره لزامًا.
قلنا: وفي الباب عن ابن عباس موقوفًا عند ابن أبي شيبة ٣/ ٢٩، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ١١١ قال: يقضي يومًا مكانه. رجاله ثقات رجال الشيخين.
وعن أنس بن سيرين عند ابن أبي شيبة ٢٩/ ٣: أنه صام يوم عرفة فعطش عطشًا شديدًا فأفطر، فسأل عدة من أصحاب النبي ﷺ فأمروه أن يقضى يومًا مكانَه. ورجالُه ثقات.
وعن أنس بن سيرين أيضًا عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ١١١ قال: صمتُ يومَ عرفة فجهدني الصوم فأفطرت، فسألت عن ذلك عبد الله بن عمر، فقال: يومًا آخر مكانه. =

٧٤ - باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها
٢٤٥٨ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن همَّام بن مُنبِّه أنه سَمعَ أبا هريرة يقولُ: قال رسولُ الله ﷺ: «لا تَصوُمُ المرأةُ وبعْلُهَا شاهِدٌ إلا بإذنه، غيرَ رمضانَ، ولا تأذنُ في بيتهِ وهو شاهِدٌ إلا بإذنِه» (١).


= وقوله: «صومًا مكانه يومًا آخر» قال السندي على «حاشية المسند»: وهذا يدل على جواز الإفطار للمتطوع لكن بشرط أن يقضي، وبه قال بعض أهل العلم، وهو أقرب إلى التوفيق بين الأدلة بخلاف قول من لا يرى جواز الإفطار أو لا يرى لزوم القضاء، وفي «التمهيد» ١٢/ ٢٧٠: اختلف الفقهاء في هذا الباب، فقال مالك وأصحابه: من أصبح صائمًا متطوعًا فأفطر متعمدًا فعليه القضاء، وكذلك قال أبو حنيفة وأبو ثور، وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق: استُحِب له أن لا يفطر، فإن أفطر فلا قضاء عليه، قال الثوري: أحبُّ إليِّ أن يقضي.
(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٧٨٨٦)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٠٢٦).
وأخرجه البخاري (٥١٩٢) من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، به.
واقتصر على ذكر الصوم.
وأخرجه البخاري (٥١٩٥)، وابن ماجه (١٧٦١)، والترمذي (٧٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٩٣٣) و(٣٢٧٥) من طريق الأعرج، والنسائي (٢٩٣٢) و(٣٢٧٤) من طريق أبي عثمان، كلاهما عن أبي هريرة، به. واقتصر جميعهم دون البخاري على ذكر الصوم.
وهو في «مسند أحمد» (٨١٨٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٥٧٢) و(٣٥٧٣).
وقوله: «وهو شاهد إلا بإذنه». قال الحافظ في «الفتح»: وهذا القيد لا مفهوم له، بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي، الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات، أي: من غاب عنها زوجها.=

٢٤٥٩ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جرير، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ، قال: جاءتِ امرأةٌ إلى النبيَّ ﷺ ونحن عنده فقالت: يا رسولَ اللهِ، إن زوجي صفوانَ بنَ المُعطَّل يضرِبُني إذا صليتُ ويُفطِّرني إذا صُمْتُ، ولا يُصَلي صلاةَ الفجر حتى تطلعَ الشمسُ، قال: وصفوانُ عندَه، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسولَ الله، أما قولُها يَضْرِبُني إذا صليتُ، فإنها تقرأ بسُورتَيَّ وقد نهيتُها، قال: فقال: «لو كانت سورةً واحِدةً لكَفَتِ الناس» وأما قولُها يفطِّرني، فإنها تنطلق فتصومُ وأنا رَجُل شابٌّ فلا أصبِرُ، فقال رسولُ الله ﷺ يومئذ: «لا تَصُومُ امرأةٌ إلا بإذن زوْجِهَا»، وأما قولها إنِّي لا أُصلِّي حتى تطلُعَ الشمسُ، فإنا أهْلَ بَيْت قد عُرِفَ لنا ذاك، لا نكادُ نستيقِظُ حتى تطلعَ الشمسُ، قال: «فإذا استيقظتَ فَصَل» (١).


= وقال النووي: في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعًا معدًا لهم سواء كان حاضرًا أم غائبًا، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك.
(١) إسناده صحيح. وقد صحح إسناده الحافظ في «الإصابة» ٣/ ٤٤١.
جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي، والأعمش: هو سليمان بن مِهران، وأبو صالح: هو ذكوان السمان.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٠٤٤)، والحاكم في «المستدرك» ١/ ٤٣٦، والبيهقي في «السنن» ٤/ ٣٠٣ من طريق عثمان، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم على شرط الشيخين وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه أبو يعلى (١٠٣٧)، وابن حبان (١٤٨٨) من طريقين، عن جرير، به.=

قال أبو داود: رواه حماد -يعني ابنَ سلمةَ- عن حُميدٍ أو ثابتٍ عن أبي المتوكَّل (١).

٧٥ - باب في الصائم يُدعى إلى وليمة
٢٤٦٠ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ سعيدٍ، حدَّثنا أبو خالدٍ، عن هِشام، عن ابنِ سيرينَ


= وأخرجه ابن ماجه (١٧٦٢) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، بلفظ: نهى رسول الله ﷺ النساء أن يَصُمنَ إلا بإذن أزواجِهن.
وهو في «مسند أحمد» (١١٧٥٩).
قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه أن منافع المتعة والعشرة من الزوجة مملوكة للزوج في عامة الأوقات، وأن حقها في نفسها محصور في وقت دون وقت.
وفيه دليل على أنها لو أحرمت بالحج كان له منعها وحصرها، لأن حقه عليها معجل، وحق الحج متراخٍ، وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح، ولم يختلف العلماء في أن له منعها من حج التطوع.
وقوله: فإذا استيقظت فصل، ثم تركه التعنيف له في ذلك أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده، ومن لطف نبيه ورفقه بأمته، ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يُغمى عليه، فعذر فيه، ولم يؤنب عليه.
ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض، وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه ويبعثه من المنام، فيتمادى به النوم حتى تطلع الشمس دون أن يكون ذلك منه في عامة الأوقات، فإنه قد يبعد أن يبقى الإنسان على هذا في دائم الأوقات، وليس بحضرته أحد لا يصلح هذا القدر من شأنه، ولا يراعي مثل هذا من حاله، ولا يجوز أن يظن به الامتناع من الصلاة في وقتها ذلك مع زوال العذر بوقوع التنبيه والإيقاظ ممن يحضره ويشاهده. والله أعلم.
(١) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «زوائده» للهيثمي (٢٣٢) عن روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي المتوكل، أن امرأة صَفْوان ابن المُعطَّل ... ثم قال الهيثمي: هذا مرسل. قلنا: وقد رَدَّ الحافظ في «الفتح» ٨/ ٤٦٢ على من أعل حديث أبي سعيد الخدري بهذا المرسل.

عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا دُعي أحدُكُم، فليجِبْ، فإن كان مُفْطِرًا فليَطْعَمْ، وإن كان صائمًا، فليُصَلِّ». قال هشامٌ: والصلاةُ: الدُّعاءُ (١).
قال أبو داود: رواه حفصُ بن غِياثٍ أيضًا عن هشامٍ.

٧٦ - باب ما يقول الصائمُ إذا دُعيَ إلى الطعام
٢٤٦١ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا سفيانُ، عن أبي الزنادِ، عن الأعرجِ
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا دُعِيَ أحدُكُم إلى طعامٍ وهو صَائِمٌ، فليَقُلْ: إني صَائِم» (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي. أبو خالد -وهو سُلَيمان بن حَيان الأزدي- صدوق لا بأس به. هشام: هو ابن حسان الأزدي، وابن سيرين: هو محمد الأنصاري.
وأخرجه مسلم (١٤٣١)، والنسائي في «الكبرى» (٣٢٥٧) و(٦٥٧٦) من طريقين عن هشام بن حسَّان، به.
وأخرجه الترمذي (٧٩٠) من طريق أيوب، عن ابن سيرين، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٧٤٩)، و«صحيح ابن حبان» (٥٣٠٦).
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده صحيح. مسدَّد: هو ابن مسرهد الأسَدي، وسفيان: هو ابن عُيينة، وأبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمز.
وأخرجه مسلم (١١٥٠)، وابن ماجه (١٧٥٠)، والترمذي (٧٩١)، والنسائي في
«الكبرى» (٣٢٥٦) من طرق عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٠٤).
وانظر ما قبله.

٧٧ - باب الاعتكاف
٢٤٦٢ - حدَّثنا قُتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن عُقيلٍ، عن الزُهريِّ، عن عُروةَ
عن عائشة: أن النبيَّ ﷺ كان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ من رمضانَ حتى قبضَهُ اللهُ، ثم اعتكفَ أزواجُه من بعدِهِ (١).
٢٤٦٣ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أبي رافع عن أُبى بنِ كعب: أن النبيَّ ﷺ كان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ من رمضانَ، فلم يعتكِفْ عامًا، فلما كان العامُ المُقْبِلُ اعتكفَ عشرينَ ليلةً (٢).


(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد، وعُقَيل: ابن خالد الأموي الأيلي، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وعروة: هو ابن الزبير بن العوّام.
وأخرجه البخاري (٢٠٢٦)، ومسلم (١١٧٢)، والنسائي في «الكبري» (٣٣٢٤) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١١٧٢) من طريق هشام بن عروة، والترمذي (٨٠٠)، والنسائي (٣٣٢١) و(٣٣٢٢) من طريقين، عن الزهري، كلاهما عن عروة، به. دون قوله: ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وأخرجه مسلم (١١٧٢) من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة، به. دون ذكر اعتكاف أزواجه أيضًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٦١٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٦٥).
(٢) إسناده صحيح. حماد: هو ابن سلمة البصري، وثابت: هو ابن أسلم البُناني، وأبو رافع: هو نُفَيع الصائغ المدني.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٧٠)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٣٠) و(٣٣٧٥) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. =

٢٤٦٤ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا أبو معاويةَ ويعلى بن عُبيدٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن عَمرَةَ
عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله ﷺ إذا أراد أن يعتكِفَ صلَّى الفجرَ ثم دخلَ مُعْتكَفَه، قالت: وإنَّه أرادَ مرةً أن يَعْتكِفَ في العشرِ الأواخرِ مِنْ رمضانَ، قالت: فأمَرَ ببنائِه فَضُرِبَ، فلما رأيتُ ذَلِكَ أمرتُ ببنائي
فضُرِبَ، قالت: وأمرَ غيري مِنْ أزواجِ النبيَّ ﷺ ببنائه فَضُرِبَ، فلما صلَّى الفجرَ نظرَ إلى الأبنيةِ، فقال: «ما هذه آلبِرَّ تُرِدْنَ؟» قالت: فأمر ببنائه فقُوِّضَ، وأمر أزواجُه بأبنيتهنَّ فَقُوِّضَتْ، ثم أخَّرَ الاعتكافَ إلى العَشْرِ الأُوَلِ، تعني من شَوَّال (١).


= وهو في «مسند أحمد» (٢١٢٧٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٦٣).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن النوافل المعتادة تقضى كما تقضى الفرائض، ومن هذا قضاء رسول الله ﷺ بعد العصر الركعتين اللتين فاتتاه لِقدوم الوفد عليه، واشتغاله بهم.
وفيه مستدل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم ينشئه له، وذلك أن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر، لأن الوقت مستحق له.
وقد اختلف الناس في هذا فقال الحسن البصري: إن اعتكف من غير صيام أجزأه، وإليه ذهب الشافعي.
وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا: إن شاء صام، وإن شاء أفطر.
وقال الأوزاعي ومالك: لا اعتكاف إلا بصوم، وهو مذهب أصحاب الرأي، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة، وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والأوزاعي.
(١) إسناده صحيح. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري، وعَمرَة: هي بنت عبد الرحمن الأنصارية.
وأخرجه مسلم (١١٧٣)، ومختصرًا الترمذي (٨٠١) من طريق أبي معاوية، وابن ماجه (١٧٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٩٠) من طريق يعلى بن عُبيد، بهذا الإسناد. =

قال أبو داود: رواه ابنُ إسحاق والأوزاعيُّ، عن يحيى بنِ سعيد، نحوه (١)
ورواه مالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ قال: اعتكفَ عشرينَ مِن شوال (٢).


= وأخرجه البخاري (٢٠٣٣) و(٢٠٣٤) و(٢٠٤١)، ومسلم (١١٧٣)، والنسائي (٣٣٣٣) من طرق عن يحيى بن سعيد، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٤٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٦٦).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن المعتكف يبتدئ اعتكافه أول النهار، ويدخل في معتكَفه بعد أن يصلي الفجر، وإليه ذهب الأوزاعي، وبه قال أبو ثور.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر بعينه، وهو مذهب أصحاب الرأي.
(١) أخرجه البخاري (٢٠٤٥)، ومسلم (١١٧٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٣١) من طريق الأوزاعي، ومسلم (١١٧٣) من طريق محمد بن إسحاق، كلاهما عن يحيى ابن سعيد، به.
(٢) كذا وقع في الأصول: عشرين، قال ابن رسْلانُ: المحفوظ عشرًا من شوال. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣٦٦٧) من طريق عمرو بن الحارث، عن يحيى بن سعيد، به بلفظ: ثم إنه اعتكف في عشرين من شوال، وهو اللفظ الموجود في «التقاسيم والأنواع» ولفظ صاحب «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان»: اعتكف في عشر من شوال، وهو الصواب.
وقال صاحب «بذل المجهود» ١١/ ٣٥٠ تعليقًا على قوله: اعتكف عشرين من شوال: هذا القول مخالف لما أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢٠٣٤) عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة، عن عائشة وفيه: «فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال».
ورواه غير واحد من الأئمة من طرق عن يحيى بن سعيد به، وهي مُخرَّجة في تعليقنا على «المسند» (٢٤٥٤٤).

٧٨ - باب أين يكون الاعتكاف؟
٢٤٦٥ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهريُّ، أخبرنا ابنُ وهبٍ، عن يونسَ، أن نافعًا أخبره عن ابنِ عُمَرَ: أن النبيَّ ﷺ كان يعتكِفُ العشر الأواخِرَ مِن رمضانَ. قال نافع: وفد أراني عبدُ الله المكانَ الذي كان يعتكِفُ فيه رسولُ الله ﷺ من المسجِدِ (١).
٢٤٦٦ - حدَّثنا هنّاد، عن أبي بكير، عن أبي حَصين، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: كان النبي ﷺ يعتكِفُ كُلَّ رمضانَ عشرةَ أيامٍ، فلما كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتكفَ عِشرينَ يومًا (٢).


(١) إسناده صحيح. ابن وَهب: هو عبد الله القرشي، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وأخرجه البخاري (٢٠٢٥)، ومسلم (١١٧١)، وابن ماجه (١٧٧٣) من طريق ابن وَهب، بهذا الإسناد. ورواية البخاري ليس فيها قولُ نافع.
وأخرجه مسلم كذلك دون قول نافع (١١٧١) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦١٧٢).
(٢) إسناده صحيح. هناد: هو ابن السري، وأبو بكر: هو ابن عياش، وأبو حَصين: هو عثمان بن عاصم الأسَدي، وأبو صالح: هو ذكوان السمّان.
وأخرجه البخاري (٢٠٤٤) و(٤٩٩٨)، وابن ماجه (١٧٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٢٩) و(٧٩٣٨) من طريق أبي بكر، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٨٤٣٥).
وإنما اعتكف في ذلك العام عشرين، لأنه كان في العام الذي قبله مسافرًا، ويدل لذلك ما سلف عند المصنف من حديث أبي بن كعب: أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر=

٧٩ - باب المعتكف يَدخُل البيت لحاجتِه
٢٤٦٧ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهاب، عن عُروةَ ابنِ الزبير، عن عَمْرَةَ بنتِ عبدِ الرحمن
عن عائِشَةَ، قالت: كان رسولُ الله ﷺ إذا اعْتكَفَ يُدْني إليَّ رأسَه فأرجلُّه، وكانَ لا يَدخُلُ البَيْتَ إلا لِحَاجَةِ الإنسانِ (١).
٢٤٦٨ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ وعبدُ الله بنُ مسلمة، قالا: حدَّثنا الليثُ، عن ابنِ شهابٍ، عن عُروة وعَمْرَةَ، عن عائشةَ، عنِ النبي ﷺ، نحوه (٢).


= الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عامًا، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين ليلة، وإسناده صحيح، وأخرجه النسائي ولفظه: أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر
من رمضان، فسافر عامًا، فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين.
(١) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٣١٢/ ١، ومن طريقه أخرجه مسلم (٢٩٧)،
والنسائي في «الكبرى» (٣٣٦٠).
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٧٣١). وانظر تمام كلامنا عليه فيه.
وانظر تالييه.
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» ٤/ ٢٧٣ التعليق على قوله: إلا لحاجة الإنسان: وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات، كالأكل والشرب، ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل، ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه ... وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري: إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضًا أو خرج للجمعة، بطل اعتكافه، وبه قال الكوفيون وابن المنذر في الجمعة، وقال الثوري والشافعي وإسحاق: إن شرط شيئًا من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله، وهو رواية عن أحمد. وانظر «المغني» ٤/ ٤٦٥ - ٤٧١.
(٢) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد. =

قال أبو داود: وكذلك رواه يونسُ عن الزهري، ولم يُتابع أحدٌ مالكًا على عُروة عن عَمرة (١)، ورواه معمرٌ وزيادُ بن سعدٍ وغيرهما عن الزهري عن عُروة، عن عائِشة.
٢٤٦٩ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ ومُسَدد، قالا: حدَّثنا حمادُ بن زيد، عن هشام بنِ عُروة، عن أبيهِ
عن عائشة قالت: كان رسولُ الله ﷺ يكونُ معتكفًا في المسجدِ، فيناوِلُني رأسَه من خَلَل الحُجرَةِ فأغْسِلُ رأسَه. وقال مُسدَّد: فأرجِّله، وأنا حائض (٢).


= وأخرجه البخاري (٢٠٢٩)، ومسلم (٢٩٧)، وابن ماجه (١٧٧٦)، والترمذي (٨١٦)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٦١) من طرق عن الليث، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (٨١٥) من طريق مالك، عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٢١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٧٢).
وانظر ما قبله وما بعده.
(١) أخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٣٥٦) و(٣٣٦٧) من طريق يونس، بهذا الإسناد. وهو في «مسند أحمد» (٢٦١٠٢).
وقول أبي داود: لم يتابع أحد مالكًا على عروة عن عمرة، فيه نظر، فقد تابعه عُبيد الله بن عمر العمري فيما أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٦٠٠)، وفي «الصغير» (١٠١٧)، والخطيب في «تاريخه» ٢/ ١٣٠ عن الزهري، به.
(٢) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرْهَد الأسَدي.
وأخرجه البخاري (٢٩٥) و(٢٩٦) و(٢٠٢٨) وبإثر (٥٩٢٥)، ومسلم (٢٩٧)، وابن ماجه (٦٣٣) و(١٧٧٨) والنسائي في «الكبرى» (٢٦٦) و(٣٣٧١) من طرق عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٠٤٦)، ومسلم (٢٩٧)، والنسائي (٣٣٦٩) و(٣٣٧٠) من طرق عن عروة، به.
وأخرجه البخاري (٣٠١) و(٢٠٣١). ومسلم (٢٩٧)، والنسائي (٣٣٦٤ - ٣٣٦٦) من طريق الأسود، عن عائشة. =

٢٤٧٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد ابن شَبُّويه المَروزِيُّ، حدثني عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعمَرٌ عن الزهريِّ، عن علي بنِ حُسين
عن صفيَّه، قالت: كانَ رسولُ الله ﷺ معتكفًا، فأتيتُه أزورُه ليلًا، فحدَّثتُه، ثم قمتُ، فانقلبتُ فقام معي ليَقْلِبَني، وكان مَسْكَنُها في دارِ اُسامةَ بنِ زيدِ، فمرَّ رجلانِ من الأنصَارِ،؛ فلما رأيا النبيَّ ﷺ أسْرَعَا، فقال النبيُّ ﷺ: «على رِسْلِكُما، إنَّها صَفيةُ بنتُ حُيَيٌّ» قالا: سُبحانَ اللهِ يا رسولَ الله! قال: «إنَّ الشَيطان يَجْرِي مِن الإنسانِ مَجْرَى الدَّمِ، فَخشِيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبِكُما شيئًا -أو قال: شرًّا-» (١).


= وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٣٨) و(٢٤٦٨٣) و(٢٥٦٨٢)، و«صحيح ابن حبان» (١٣٥٩).
وانظر سابقيه.
قال الخطابي: فيه أن المعتكف ممنوع من الخروج من المسجد إلا لغائط أو بول.
وفيه أن ترجيل الشعر يجوز للمعتكف، وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظافر، وتنظيف البدن من الشعث والدرن. وفيه أن بدن الحائض طاهر غير نجس.
وفيه أن من حلف لا يدخل بيتًا، فأدخل رأسه فيه، وسائر بدنه خارج لم يحنث.
(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وعلي بن الحسين: هو ابن علي بن أبي طالب زين العابدين.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٨٠٦٥)، ومن طريقه أخرجه البخاري (٣٢٨١)، ومسلم (٢١٧٥)، والنسائي في «الكبرى» (٣٣٤٣).
وأخرجه البخاري (٢٠٣٨) و(٢٠٣٩) و(٣١٠١) و(٦٢١٩) و(٧١٧١)، وابن ماجه (١٧٧٩)، والنسائي (٣٣٤٢) من طرق عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٨٦٣)، و«صحيح ابن حبان» (٣٦٧١).
وسيتكرر برقم (٤٩٩٤).
وانظر ما بعده. =

٢٤٧١ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن فِارسٍ، حدَّثنا أبو اليمانِ، أخبرنا شعيبٌ، عن الزُّهريِّ، بإسناده بهذا، قالت:
حتى إذا كان عندَ باب المسجدِ الذي عندَ بابِ أُمِّ سلمة مرَّ بهما رجُلانِ، وساق معناه (١).

٨٠ - باب المعتكف يعود المريض
٢٤٧٢ - حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ النُّفيليُّ ومحمدُ بنُ عيسى، قالا: حدَّثنا عبدُ السلامِ بنُ حَربٍ، أخبرنا الليثُ بن أبي سُلَيم، عن عبدِ الرحمنِ بن القاسِمِ، عن أبيه
عن عائشة، قال النُّفيليُّ: قالت: كان النبيُّ ﷺ يَمُرُّ بالمريضِ وهو معتكِفٌ، فيمرُّ كما هو ولا يُعرِّج يسألُ عنه، وقال ابنُ عيسى: قالت: إن كان النبيُّ ﷺ يعودُ المريضَ وهو مُعْتكِفٌ (٢).


= وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغاله المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره، والقيام معه، والحديث مع غيره، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته ﷺ على أمته، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن، والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار. قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يقتدى به فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيًا نفيًا للتهمة.
(١) إسناده صحيح. أبو اليمان: هو الحكم بن نافع البَهراني، وشعيب: هو ابن أبي حمزة الأموي مولاهم.
وأخرجه البخاري (٢٠٣٥) و(٦٢١٩)، ومسلم (٢١٧٥) من طريق أبي اليمان، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٤٩٦) و(٤٤٩٧).
وانظر ما قبله.
(٢) صحيح من فعل عائشة، وهذا إسناد ضعيف لضعف الليث بن أبي سُلَيم.=

٢٤٧٣ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيةَ، أخبرَنا خالِدٌ، عن عبدِ الرحمن -يعني ابنَ إسحاقَ- عن الزهري، عن عُروة
عن عائشةَ، أنها قالت: السُّنةُ على المُعْتكِفِ أن لا يَعُودَ مريضًا، ولا يَشْهَدَ جنازة، ولا يَمَسَّ امرأةً، ولا يُباشِرَهَا، ولا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلا لِما لا بُدَّ منه، ولا اعتكافَ إلا بِصَوْمٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جَامعِ (١).


وأخرجه البيهقي ٤/ ٣٢١ من طريق المصنف، بهذا الإسناد.
وأخرجه من فعل عائشة مسلم في «صحيحه» (٢٩٧) من طريقين عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله ﷺ لَيُدخِلُ عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.
(١) إسناده حسن. عبد الرحمن بن إسحاق مختلفَ فيه، وثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره، وتكلم فيه بعضُهم، فهو حسن الحديث، وقد أخرج له مسلم حديثًا واحدًا متابعة.
وقول أبي داود بإثره غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت: السنة، جعله من قول عائشة فيه نظر. فقد روى الحديث البيهقى في «سننه» ٤/ ٣١٥ و٣٢٠ من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، به. وفيه: إن السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بد منها، ولا يعود مريضًا، ولا يمسَّ امرأة ولا يباشرها، ولا اعتكافَ إلا في مسجد جماعه، والسنة فيمن اعتكف الصومُ. وأخرجه الدارقطني (٢٣٦٣) عن عبد الملك بن جريج، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن عائشة، أنها أخبرتهما: أن رسول الله ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكفَهنَّ أزواجه من بعده، وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتغ جِنازة، ولا يعود مريضًا، ولا يمس امرأةً، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجدِ جماعةٍ، ويأمر مَن اعتكف أن يصومَ.=

قال أبو داود: غيرُ عبدِ الرحمن بن إسحاق لا يقولُ فيه: قالت: السنة.
قال أبو داود: جعلَه قولَ عائِشة.
٢٤٧٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا أبو داود، حدَّثنا عبدُ الله بن بُديل، عن عمرو بنِ دينارٍ


= وذكر البيهقي في «السنن» ٤/ ٣٢١ أن كثيرًا من الحفاظ يقولون: إن هذا الكلام قولُ مَن دُون عائشةَ، وأن من أدرجه في الحديث وهمَ فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن عروة، قال: المعتكف لا يشهد جنازه ولا يعود مريضًا ولا يجيبُ دعوة ولا اعتكاف إلا بصيام.
قال ابن التركماني: جَعلُ هذا الكلام من قول مَن دونَ عائشةَ دعوى، بل هو معطوف على ما تقدَّم من قولها: السنة كذا وكذا، وهذا عند المحدثين من قسم المرفوع. رواه عروة عن عائشة مرةً، وأفتى به مرة أخرى، وقد أخرجه الدارقطني (٢٣٦٣) من حديث القاسم بن معن، عن ابن جريج، عن الزهري، بسنده. وفي آخره: ويؤمَرُ من اعتكف أن يصومَ. وأخرجه أيضًا (٢٣٦٤) من حديث الحجاج، عن ابن جريج، بسنده. وفي آخره: وسنةُ من اعتكف أن يصومَ.
وانظر كلام الحافظ في«الفتح» ٤/ ٢٧٣.
قال الخطابي في «المعالم»: قولها: السنة، إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي ﷺ قولًا أو فعلًا، فهي نصوص لا يجوز خلافها، وإن كانت أرادت الفتيا على معاني ما عقلت من السنة فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور، والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر ... ويشبه أن يكون أرادت بقولها: لا يعود مريضًا، أي: لا يخرج من معتكفه قاصدًا عيادته وأنه لا يضيق عليه أن يمر به فيسأله غير معرج عليه كما في الحديث السالف.
وقولها: لا اعتكاف إلا في مسجد جامع، فقد يحتمل أن يكون معناه نفي الفضيلة والكمال وإنما يكره الاعتكاف في غير الجامع لمن نذر اعتكافًا أكثر من جمعة لئلا تفوته صلاة الجمعة، فأما من كان اعتكافه دون ذلك فلا بأس به، والجامع وغيره سواء في ذلك. والله أعلم.

عن ابنِ عمر: أنَّ عمر رضي الله عنه جَعَلَ عليه أن يعتكِفَ في
الجاهلية ليلة أو يومًا عند الكعبةِ، فسألَ النبيَّ ﷺ فقال: «اعْتكِفْ وصُمْ» (١).
٢٤٧٥ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ عمر بنِ محمد بنِ أبانَ بنِ صالحٍ القرشيُّ، حدَّثنا عمرو بن محمد، عن عبدِ الله بنِ بُدَيْل، بإسناده نحوه، قال:
فبينما هو مُعتكِفٌ إذ كَبّرَ الناسُ، فقال: ما هذا يا عبدَ الله؟ قال: سَبْيُ هَوَازِنَ أعتقهم النبيُّ ﷺ، قال: وتلك الجاريةُ، فأرسِلْها معهم (٢).


(١) حديث صحيح بغير هذه السياقة، وهذا إسناد ضعيف، في سنده عبد الله بن بُديل -وهو الخزاعي، ويقال: الليثي المكي- وهو ضعيف، وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، وروايةُ مَن روى يومًا شاذة.
وقد رواه البخاري (٢٠٣٢)، ومسلم (١٦٥٦) من طرق عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر سأل النبي ﷺ قال: كنت
نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ فقال: أوفِ بنذرك. وسيأتي عند المصنف برقم (٣٣٢٥).
قال النووي في «شرح مسلم»: اختلف العلماءُ في صحة نذر الكافر فقال مالك وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا: لا يصح، وقال الميرة المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا: يصح، وحجتهم ظاهر حديث عمر هذا، وأجاب الأولون عنه: أنه محمول على الاستحباب، أي: يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية.
(٢) حديث صحيح دون قوله: «وصم» كما سلف قبله. عمرو بن محمد: هو العَنقَزي.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٦٥٦) من طريق أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر. وليس فيه ذكر الصيام.

٨١ - باب المستحاضةُ تعتكف
٢٤٧٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى وقتيبةُ بنُ سعيد، قالا: حدَّثنا يزيدُ، عن خالدٍ، عن عِكرمة
عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: اعتكفتْ مع النبيِّ ﷺ امرأة من أزْواجِهِ، فكانت ترى الصُّفْرةَ والحُمرَةَ، فربما وضَعْنَا الطَّستَ تحتَها وهي تُصلِّي (١).
آخر كتاب الصيام والاعتكاف


(١) إسناده صحيح. محمد بن عيسى: هو ابن نَجيح البغدادي، ويزيد: هو ابن زُريع، وخالد: هو ابن مِهران الحذَّاء، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه البخاري (٣١٠) و(٢٠٣٧) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٧٨٠)، والنساني في «الكبرى» (٣٣٣٢) من طرق عن يزيد ابن زريع، به.
وأخرجه البخاري (٣٠٩) و(٣١١) من طريقين عن خالد الحذاء، به. ورواية البخاري الثانية مختصره.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٩٩٨).

 


google-playkhamsatmostaqltradent