recent
آخر المقالات

أول كتاب الجهاد

 

١ - باب ما جاء في الهجرة وسكنى البَدوِ
٢٤٧٧ - حدَّثنا مُؤمل بن الفَضل، حدَّثنا الوليد -يعني ابنَ مُسلم- عن الأوزاعيّ، عن الزهري، عن عطاء بن يزيدَ
عن أبي سعيد الخدري: أن أعرابيًا سأل النبيَّ ﷺ عن الهجرة، فقال: «وَيحَكَ! إن شأن الهجرةِ شديدٌ فهل لك من إبلٍ؟» قال: نعم، قال: «فهل تؤدي صدقتها؟» قال: نعم، قال: «فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يَتِركَ مِن عملِك شيئًا» (١).
٢٤٧٨ - حدَّثنا أبو بكر وعثمانُ ابنا أبي شيبةَ، قالا: حدَّثنا شريكٌ، عن المِقدام بن شُريحٍ، عن أبيه، قال:
سألت عائشةَ، عن البَدَاوة، فقالت: كان رسولُ الله ﷺ يبْدو إلى هذه التِّلاع، وإنه أراد البَدَاوة مرةً، فأرسل إليَّ ناقةً مُحرَّمة من إبل



(١) إسناده صحيح. وقد صرح الوليد بن مسلم بسماعه في كل طبقات الإسناد عند مسلم وغيره.
وأخرجه البخاري (١٤٥٢)، ومسلم (١٨٦٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧٧٣٩)، و(٨٦٤٦) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١١١٠٥)، و«صحيح ابن حبان» (٣٢٤٩).
قال الخطابي: وقوله: «لن يترك» معناه: لن يَنقُصَك، ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥]، والمعنى: أنك قد تدرك بالنية أجر المهاجر وإن أقمتَ من وراء البحار، وسكنت أقصى الأرض.
وفيه دلالة على أن الهجرة إنما كان وجوبها على من أطاقها دون من لا يقدر عليها.

الصَّدقة، فقال لي: «يا عائشةُ ارفُقي، فإن الرِّفق لم يكن في شيء قطُّ إلا زانَهُ، ولا نُزِع من شيء قط إلا شانَه» (١).

٢ - باب في الهجرةِ هل انقطعتْ؟
٢٤٧٩ - حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى، عن حَريزٍ، عن عبد الرحمن بن أبي عوفٍ، عن أبي هندٍ
عن معاويةَ، قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لا تنقطع الهجرةُ حتى تنقطعَ التوبةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتى تطلعَ الشمسُ من مَغربِها» (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات، شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- وإن كان سيئ الحفظ، قد توبع.
وأخرجه بنحوه مسلم (٢٥٩٤) من طريق شعبة بن الحجاج، عن المقدام بن شريح، به. لكن ليس فيه ذكر البداوة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٣٠٧) و(٢٤٨٠٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٥٠). وقد جاء في طريق أحمد الثاني: أن النبي ﷺ خرج إلى البادية إلى إبل الصدقة من طريق إسرائيل عن المقدام.
وسيتكرر برقم (٤٨٠٨).
قال الخطابي: البداوة: الخروج إلى البدو، والمقام به، وفيه لغتان: البداوة بفتح الباء، والبداوة بكسرها. والناقة المُحرّمة هي التي لم تُركب ولم تذلل فهي غير وطيئة، ويقال: أعرابي محرّم إذا كان جلفًا لم يخالط أهل الحضر، والتلاع: جمع تلعة، وهي ما ارتفع من الأرض وغَلُظ، وكان ما سفل منها مسيلًا لمائها.
(٢) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي هند -وهو البجلي- ولكنه متابع. عيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٦٥٨) من طريق حريز بن عثمان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٩٠٦).

٢٤٨٠ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا جَرير، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن طاووسٍ عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله ﷺ يوم الفتح -فتحِ مكةَ-: «لا هجرةَ، ولكن جهادٌ ونيةٌ، وإذا استُنْفرتمْ فانفِروا» (١).


= وأخرجه أحمد (١٦٧١) من طريق مالك بن يخامر، عن معاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص. وإسناده حسن.
وقوله: لا تنقطع الهجرة ... معناه: لا تنقطع الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إلى يوم القيامة.
قال الإمام البغوي في «شرح السنة» في الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس: «لا هجرة بعد الفتح»: إن قوله: «لا هجرة بعد الفتح» أراد به من مكة إلى المدينة، وإن قوله: «لا تنقطع الهجرة» أراد بها هجرة من أسلم في دار الكفر عليه أن يفارق تلك الدار ويخرج من بنيهم إلى دار الإسلام. وقد فصل الحافظ في «الفتح» في هذه المسألة، فقال: فمن به (أي: في البلد التي لم يفتحها المسلمون) من المسلمين أحد ثلاثة:
الأول: قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه بها، ولا أداء واجباته، فالهجرة منه واجبة.
الثاني: قادر، لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته، فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم ...
الثالث: عاجز يُعْذَر من أسر أو مرض أو غيره، فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر.
(١) إسناده صحيح. جرير: هو ابن عبد الحميد الضبّي، ومنصور: هو ابن المعتمر، ومجاهد: هو ابن جبْر المكي، وطاووس: هو ابن كيسان اليماني.
وأخرجه البخاري (١٨٣٤)، ومسلم (١٣٥٣)، وبإثر الحديث (١٨٦٣)، والترمذي (١٥٩٠)، والنسائي (٤١٧٠) من طريق منصور بن المعتمر، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٩١)، وابن حبان (٣٧٢٠).
وأخرج ابن ماجه (٢٧٧٣) من طريق أبي صالح السمان، عن ابن عباس رفعه: «إذا استنفرتم فانفروا». =

٢٤٨١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيي، عن اسماعيلَ بن أبي خالدٍ، حدَّثنا عامر، قال:
أتى رجلٌ عبدَ الله بن عَمرو وعنده القوم حتى جلس عندَه، فقال: أخبِرْني بشيء سمعتَه من رسولِ الله ﷺ، فقال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «المسلم من سَلِم المسلمون من لِسانه ويده، والمُهاجر مَنْ هجر ما نهى اللهُ عنه» (١).


= وقوله: ولكن جهاد ونية. قال النووي: يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة، فاخرجوا إليه.
(١) إسناده صحيح. مُسَدَّد: هو ابن مُسَرْهَد، ويحيى: هو ابن سعيد القطّان، وعامر: هو ابن شَراحيل الشَّعبي.
وأخرجه البخاري (١٠)، والنساثي (٤٩٩٦) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، به. وقرن به البخاري عبد الله بن أبي السفر. وقد تحرف اسم عبد الله بن عَمرو في مطبوع النسائي إلى: بن عُمر، وصوبناه من «تحفة الأشراف»، ومن «السنن الكبرى» (٨٦٤٨).
وهو في «مسند أحمد» (٦٥١٥)، و«صحيح ابن حبان» (١٩٦).
وأخرج النسائي (٤١٦٥) من طريق أبي كثير الزبيدي. عن عبد الله بن عمرو قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره الله».
وهو في «مسند أحمد» (٦٤٨٧).
وأخرج مسلم (٤٠) من طريق أبي الخير اليزني، عن عبد الله بن عمرو يقول: إن رجلًا سأل رسول الله ﷺ أيّ المسلمين خير؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
قال الحافظ في «الفتح»١١/ ٣١٩: قيل: خص المهاجر بالذكر تطييبًا لقلب مَن لم يُهاجر من المسلمين، لفوات ذلك بفتح مكة، فأعلمهم أن من هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجر الكامل، ويُحتمل أن يكون ذلك تنبيهًا للمهاجرين أن لا يتكلوا على الهجرة، فيقصّروا في العمل، وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أُوتيها ﷺ، والله أعلم.

٣ - باب في سُكنى الشام
٢٤٨٢ - حدَّثنا عُبيد الله بن عمرَ، حدَّثنا مُعاذ بن هِشام، حدثني أبي، عن قتادةَ، عن شهرِ بن حَوشب
عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ، فخِيار أهلِ الأرضِ ألْزمُهمِ مُهاجَرَ إبراهيمَ، ويبقى في الأرضِ شرارُ أهلها، تَلفِظُهم أرَضُوهُم، تقْذَرُهم نَفْسُ اللهِ، وتحشُرهم النارُ مع القردةِ والخنازيرِ» (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم إنه اضطرب فيه كما سيأتي ومع ذلك قال الحافظ في «الفتح» ١١/ ٣٨٠: سنده لا بأس به. قتادة: هو ابن دِعامة السدوسي.
وأخرجه الطيالسي (٢٢٩٣)، وعبد الرزاق (٢٠٧٩٠)، وأحمد (٦٨٧١)،
والحاكم ٤/ ٤٨٦، وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٥٣ - ٥٤، والبغوي (٤٠٠٨) من طريق قتادة بن دعامة، وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٦٦ من طريق ليث بن أبي سُليم، كلاهما عن شهر بن حوشب، به.
وأخرجه أحمد (٥٥٦٢ م ٢) من طريق أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فجعله من مسند عبد الله بن عمر ابن الخطاب، وأبو جناب الكلبي ضعيف أيضًا.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٧٩١)، وفي «الشاميين» (٢٧٦١) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن نوف البِكالي، عن عبد الله بن عمرو. فزاد في الإسناد نوفًا البكالي بين شهر وعبد الله بن عمرو، وإنما كان نوف البكالي حاضرًا في المجلس الذي كان فيه شهر بن حوشب كما تدل عليه رواية أكثر من خرّج الحديث، وفي ذلك المجلس سمع شهر ونوف الحديث من عبد الله بن عمرو، وسعيد بن بشير ضعيف.
وأخرجه الحاكم ٤/ ٥١٠ و٥١١ في قصة عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن موسي بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن عبد الله بن عمرو. وصححه على شرط الشيخين وسكت عنه الذهبي مع أن في إسناده عبد الله كاتب الليث في حفظه شيء، ولم يحتج به البخاري لكن علّق له. =

٢٤٨٣ - حدَّثنا حيوةُ بن شُريح الحضرمي، حدَّثنا بقيةُ، حدثني بَحيرٌ، عن خالدٍ - يعني ابنَ مَعدانَ - عن أبي قُتَيلةَ (١)
عن ابن حَوالةَ، قال: قال رسول الله ﷺ: «سيصير الأمرُ إلى أن تكونوا جنُودًا مُجنَّدةً، جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق» قال ابن حَوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: «عليك بالشامِ فإنها خِيَرةُ اللهِ من أرضِه، يجْتبي إليها خِيَرتَه من عبادِه، فأما إن أبيتُم فعليكم بيَمَنِكم، واسقُوا من غُدُرِكم، فإن الله تَوكّل لي بالشامِ وأهلِه» (٢).


وأخرجه البيهقي فيما قاله ابن كثير في «تفسيره» ٦/ ٢٨٤ من طريق أبي النضر إسحاق بن يزيد وهشام بن عمار الدمشقيين، عن يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، عن نافع، -وقال أبو النضر: عمن حدثه عن نافع- عن عبد الله بن عُمر. قال ابن كثير: غريب من حديث نافع، والظاهر أن الأوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء، والله أعلم. وروايته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أقرب إلى الحفظ.
وأخرجه مرسلًا ابن جرير الطبري في «تفسيره» ٢٠/ ١٤٢ من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول ..
مهاجر إبراهيم: موضع هجرة إبراهيم عليه السلام وهو الشام.
تقذرهم: تكرههم.
نفس الله بسكون الفاء: ذاته.
(١) تحرف في (أ) و(ع) إلى: ابن أبي قتيلة، والمثبت على الصواب من (هـ).
وكذلك هي على الصواب في «تحفة الأشراف» (٥٢٤٨).
(٢) حديث صحيح. وهذا إسناد ضعيف، بقية -وهو ابن الوليد- ضعيف يدلس ويُسوِّي، وأبو قُتيلة -وهو مرثد بن وداعة الشرعبي- مختلف في صحبته، وإن يكن تابعيًا فقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في «الثقات». وللحديث طرق أخرى صحيحة.
وأخرجه أحمد (١٧٠٠٥)، والطبرانى في «مسند الشاميين» (١١٧٢)، ومن طريق الطبراني أخرجه ضياء الدين المقدسي في «المختارة» ٩/ (٢٣١)، والمزيُّ في «تهذيب الكمال» ٢٧/ ٣٦١ في ترجمة مرثد بن وداعة أبي قتيلة، من طريق حيوة بن شريح، بهذا الإسناد. =

٤ - باب في دوام الجهاد
٢٤٨٤ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن قتادةَ، عن مُطَرِّفٍ عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفةٌ من أُمتي يقاتِلون على الحق ظاهرين على من ناوأَهم حتى يُقاتِل آخرُهُم المسيحَ الدجّالَ» (١).


= وأخرجه بنحوه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» ٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٢٩٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١١١٤)، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٥٤٠)، وأبو نعيم في «الحلية» ٢/ ٣ - ٤، وفي «الدلائل» (٤٧٨)، والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ٣٢٧، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (٥٠٠)، والبيهقي ٩/ ١٧٩، وضياء الدين المقدسي ٩/ (٢٤١) من طرق عن يحيى بن حمزة الحضرمي، عن نصر بن علقمة الحضرمي يردُّه إلى جبير بن نفير، عن عبد الله بن حوالة. وهذا الإسناد وإن كان ظاهره الانقطاع بين نصر وبين جبير، إلا أن نصرًا صرح بسماعه من الواسطة بينهما، وهو عبد الرحمن بن جبير بن نفير في آخر الحديث فاتصل الإسناد، ورجاله ثقات.
وأخرجه ابن حبان (٧٣٠٦)، والحاكم ٤/ ٥١٠ من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبد الله بن حوالة. وهذا إسناد صحيح.
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد» (١٧٠٠٥).
خِر لي: اختر لي جندًا ألزمه، وغدره جمع غدير، أي: حياضه. توكل لي بالشام وأهله، أي: تكفل لأجلي وإكرامًا لي في أمتي، وقيل: تكفل لي بأمر الشام وحفظ أهله من بأس الكفرة واستيلائهم بحيث يتخطفهم ويدمرهم بالكلية.
(١) إسناده صحيح. حماد: هو ابن سلمة، وقتادة: هو ابن دعامة، ومُطرِّف: هو ابن عبد الله بن الشِّخِّير.
وأخرجه أحمد (١٩٨٥١)، والبزار (٣٥٢٤)، والحاكم ٢/ ٧١ و٤/ ٤٥٠، والطبراني في «الكبير» ١٨/ (٢٢٨)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (٤٦)، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (١٦٨) و(١٦٩) من طريق قتادة بن دعامة، به. =

٥ - باب في ثواب الجهاد
٢٤٨٥ - حدَّثنا أبو الوليدِ الطيالسيُّ، حدَّثنا سليمانُ بن كثيرٍ، حدَّثنا الزُّهري، عن عطاء بن يزيدَ
عن أبى سعيد، عن النبي ﷺ أنه سُئِلَ: أيُّ المؤمنين أكملُ إيمانًا؟ قال: «رجلٌ يُجاهد في سبيل الله بنفسه ومالِه، ورجلٌ يعبُد الله في شِعْب من الشِّعاب قد كفَى الناسَ شرَّه» (١).


= وجاء في رواية أحمد: «حتى يأتي أمر الله وينزل عيسى ابن مريم» بدل قوله: «حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال».
وأخرجه أبو عوانة (٧٥١٣) والطبرانى ١٨/ (٢٥٤) من طريق مطرّف، عن عمران بن الحصين. وفي رواية أبي عوانة: «حتى تقوم الساعة» بدل «حتى يقاتل آخرهم ...».
وأخرجه موقوفًا على عمران ضمن حديث أحمد (١٩٨٩٥) من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير أبي العلاء، عن أخيه مُطرِّف، عن عمران.
قوله: «ناوأهم»: قال الخطابي: يريد ناهضهم للقتال، وأصله من ناء ينوء، إذا نهض، والمناوأة مهموزة مفاعلة منه.
وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم، ويرى الإمام النووي أن هذه الطائفة متفرقة بين أنهل من المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل سليمان بن كثير -وهو العبدي البصري- وهو متابع.
وأخرجه البخاري (٦٤٩٤)، ومسلم (١٨٨٨)، وابن ماجه (٣٩٧٨)، والترمذي (١٧٥٥)، والنسائي (٣١٥٥) من طرق عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١١٢٥)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠٦).
قال النووي في «شرح مسلم»: فيه دليل لمن قال بتفضيل العُزلة على الاختلاط، وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط=

٦ - باب في النهيِ عن السِّياحة
٢٤٨٦ - حدَّثنا محمد بن عثمان التَّنُوخِيُّ أبو الجُماهِر، حدَّثنا الهيثمُ بن حُميدٍ، أخبرني العلاءُ بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن
عن أبي أُمامة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، ائذن لي بالسِّياحة، قال النبيُّ ﷺ: «إن سياحةَ أُمتي الجهادُ في سبيل الله» (١).


= رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناسُ منه، ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين، فيحصّلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحِلَق الذكر وغير ذلك.
قال: وأما الشِّعْب فهو ما انفرج بين جبلين، وليس المراد نفس الشعب خصوصًا، بل المراد الانفرادُ والاعتزالُ، وذكر الشعب مثالًا، لأنه خالٍ عن الناس غالبًا.
قال العيني في «شرح البخاري» وذكر كلام النووي هذا: قلت: يدل لقول الجمهور قوله ﷺ: «المؤمنُ الذي يخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهم أعظم أجرًا مِن المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» رواه الترمذي في أبواب الزهد [٢٦٧٥] وابن ماجه [٤٠٣٢].
(١) إسناده صحيح. وقد صححه عبد الحق الإشبيلي وسكت عنه ابن القطان، وجوّد إسناده العراقى في «تخريج أحاديث الإحياء».
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٧٦٠)، وفي «مسند الشاميين» (١٥٢٢)، والحاكم ٢/ ٧٣، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١٦١، وفي «شعب الإيمان» (٤٢٢٦)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٥٣/ ٢٨٩ من طريق الهيثم بن حميد، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في«الكبير» (٧٧٠٦) من طريق عفير بن معدان، عن سُليم بن عامر، عن أبي أمامة. وعفير بن معدان ضعيف الحديث.
ونقل أبو الطيب العظيم آبادي عن علي بن محمد العزيزي في «شرح الجامع الصغير للسيوطي» قوله: كأن هذا السائل استأذن النبي ﷺ في الذهاب في الأرض قهرًا=

٧ - باب في فضل القَفْل في الغزو
٢٤٨٧ - حدَّثنا محمد بن المصُفَّى، حدَّثنا عليُّ بن عَيَّاش، عن الليث بن سعدٍ، حدَّثنا حيْوةُ، عن ابن شُفَيٍّ عن شُفيِّ بن ماتِعٍ
عن عبد الله -هو ابنُ عَمرو- عن النبي ﷺ قال: «قَفْلةٌ كغزوةٍ» (١).


= لنفسه بمفارقة المألوفات والمباحات واللذات، وترك الجمعة والجماعات، وتعلم العلم ونحوه، فردّ عليه ذلك كما ردّ على عثمان بن مظعون التبتُّل.
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن المُصفَّى -وهو الحمصي- ولكنه متابع. ابن شُفَيٍّ: اسمُه حسين، وحيوة: هو ابن شُريح.
وأخرجه أحمد (٦٦٢٥)، وابن الجارود (١٠٣٩) والحاكم ٢/ ٧٣، وأبو نعيم في «الحلية» ٥/ ١٦٩، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٢٨، وفي «شعب الإيمان» (٤٢٧٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٧١) من طرق عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد. وسقط من مطبوع الحاكم من الإسناد: عن أبيه.
قال الخطابي في «معالم السنن» عن قوله: «قفلة كغزوة»: هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد به القفولَ عن الغزو والرجوعَ إلى الوطن، يقول: إن أجرَ المجاهد في انصرافه إلى أهله كأجره في إقباله إلى الجهاد، وذلك لأن تجهيز الغازي يَضُرُّ بأهله، وفي قُفوله إليهم إزالةُ الضرر عنهم واستجمامٌ للنفس، واستعدادٌ بالقوة للعَود.
والوجه الآخر: أن يكون أراد بذلك التعقيب وهو رجوعه ثانيًا في الوجه الذي جاء منه منصرفًا وإن لم يَلقَ عدوًا ولم يشهد قتالًا، وقد يفعل ذلك الجيش إذا انصرفوا من مَغزاتهم، وذلك لأحد أمرين: أحدهما: أن العدو إذا رأوهم قد انصرفوا عن
ساحتهم أمِنوهم فخرجوا من مكانهم، فإذا قفل الجيش إلى دار العدوّ نالوا الفرصة منهم فأغاروا عليهم.
والوجه الآخر: أنهم إذا انصرفوا من مغزاتهم ظاهرين لم يأمَنوا أن يقَفُوَ العدوُّ أثرهم فيوقِعُوا بهم وهم غادُون، فربما استظهر الجيش أو بعضهم الرجوع على أدراجهم بغضون الطريق، فإن كان من العدوّ طلب كانوا مستعدين للقائهم، وإلا فقد سلموا وأَحرزوا ما معهم من الغنيمة.

٨ - باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم
٢٤٨٨ - حدَّثنا عبدُ الرحمن بن سلاَّم، حدَّثنا حجّاج بن محمد، عن فَرَج بن فَضَالةَ، عن عبد الخَبير بن ثابتِ بن قَيسِ بن شَمَّاسٍ، عن أبيه
عن جده، قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي ﷺ يقال لها: أُم خَلّاد، وهي مُتنَقِّبةٌ، تسألُ عن ابنِها وهو مقتولٌ، فقال لها بعضُ أصحابِ
النبيَّ ﷺ: جئتِ تسألين عن ابنِك وأنت مُتنقِّبةٌ؟ فقالت: إن أُرْزَإ ابني فلن أُرْزأَ حيائي، فقال رسولُ الله ﷺ: «ابنُك له أجرُ شهيدَين» قالت: ولِمَ ذاك يا رسولَ الله؟ قال: «لأنه قتَلَه أهلُ الكتابِ» (١).

٩ - باب في ركوب البحر في الغزو
٢٤٨٩ - حدَّثنا سعيدُ بن منصور، حدَّثنا إسماعيلُ بن زكريا، عن مُطرِّفٍ، عن بشرٍ أبي عبد الله، عن بَشيرِ بن مُسلم
عن عبد الله بن عَمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يركبُ البحرَ إلا حاجٌّ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل الله، فإن تحتَ البحرِ نارًا، وتحت النارِ بحرًا» (٢).


(١) إسناده ضعيف ومتنه منكر. فرج بن فضالة ضعيف، وعبد الخبير بن ثابت ابن قيس -كذا جاء في رواية أبي داود، والصواب أنه: ابن قيس بن ثابت بن شماس - قال البخاري: حديثه ليس بالقائم، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، حديثه ليس بالقائم، وقال ابن عدي وأبو أحمد الحاكم: ليس بالمعروف.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٣/ ٥٣٠، وأبو يعلى في«مسنده» (١٥٩١)، والبيهقي ٩/ ١٧٥ من طريق فرج بن فضالة، بهذا الإسناد.
متنقبة: أي: سادلة نقابها على وجهها. إن أرزأ من الرزء وهي المصيبة بفقد الأعزة، أي: إن أصابتنى مصيبة قتل ابني وفقدته، فلم أصب بحيائي.
(٢) إسناده ضعيف جدًا لجهالة بشر أبي عبد الله وبشير بن مسلم على اختلاف في إسناده. وقد ضعف هذا الحديث البخاري في «تاريخه الكبير» في ترجمة الثاني منهما،=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وضعفه كذلك ابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ٢٤٠ بل قال: مظلمُ الإسناد لا يُصححه أهلُ العلم بالحديث، لأن رواتَه مجهولون لا يُعرفون.
وقال الخطابي: ضعفوا إسناد هذا الحديث، ونقل الحافظ في «التلخيص» ٢/ ٢٢١ عن أبي داود نفسه أنه قال: رواته مجهولون. وضعف هذا الحديث أيضًا العيني في «شرح البخاري» ١٤/ ٨٧. مطرّف: هو ابن طريف.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٩٣)، ومن طريقه أخرجه البيهقي ٤/ ٣٣٤، وابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (١٢٠٠).
ورواه أحمد بن الهيثم الشعراني وأحمد بن بشر المرثدي، عن سعيد بن منصور -فقالا:- عن إسماعيل بن زكريا، عن مطرف بن طريف، عن بشير أبي عبد الله، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. فأسقطا من إسناده بشير بن مسلم، وجعلا اسم بشر أبي عبد الله بشيرًا! أخرجه من هذا الوجه البيهقي ٦/ ١٨.
وكذلك رواه أبو الربيع الزهراني، عن إسماعيل بن زكريا، عن مطرف، وكذا أبو حمزة السكري، عن مطرّف فيما قاله البخاري في «تاريخه» ٢/ ١٠٤.
ورواه سعيد بن سليمان الواسطي، عن إسماعيل بن زكريا وصالح بن عمر الواسطي، عن مطرف بن طريف، عن بشير بن مسلم، عن عبد الله بن عمرو. فأسقط من إسناده بشرًا أبا عبد الله. أخرجه من هذا الوجه البيهقي ٤/ ٣٣٤.
وخالفه محمد بن الصباح الدولابي، فرواه عن صالح بن عمر الواسطي، عن مطرّف عن بشير بن مسلم، عن رجل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه من هذا الوجه البخاري في «تاريخه» ٢/ ١٠٤.
وقد رُوي هذا الحديث موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق شعبة وهمام، عن قتادة بن دعامة، عن أبي أيوب المراغي الأزدي، عن عبد الله بن عمرو قال: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا من جنابة. إن تحت البحر نارًا ثم ماءً ثم نارًا حتى عدّ سبعة أبحر وسبعة أنيار. أخرجه البيهقي ٤/ ٣٣٤ وإسناده صحيح موقوفًا.
وفي الباب عن عبد الله بن عمر بن الخطاب عند البزار (١٦٦٨ - كشف الأستار) وابن حبان في «المجروحين» ٢/ ٢٣٤ وفي إسناده ليث بن أبي سُليم سيئ الحفظ، وقد=

٢٤٩٠ - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ العَتكيُّ، حدَّثنا حمادٌ -يعني ابنَ زيد- عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن أنس بن مالك، قال:
حدَّثتني أمُّ حَرامٍ بنتُ مِلْحانَ أختُ أُم سُليم: أن رسولَ الله ﷺ قالَ عندهم، فاستيقظ وهو يضحَك، قالت: فقلت: يا رسولَ الله، ما أضحكك؟ قال: «رأيتُ قومًا ممن يركبُ ظهرَ هذا البحرِ كالملوك على الأسِرَّةِ» قالت: قلت: يا رسول الله، ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم، قال: «فإنك منهم» قالت: ثم نام فاستيقظ وهو يضحكُ، قالت: فقلتُ: يا رسول الله، ما أضحكك؟ فقال مثل مَقالتِه، قالت: قلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: «أنتِ من الأَوَّلِين» قال: فتزوجها عُبادة بن الصامت فغزا في البحر فحملها معه، فلما رجع قُرِّبت لها بغلةٌ لتركبَها فصرعتْها فاندقَّت عنقُها فماتت (١).


= اختُلِف عليه فيه، فرواه مرة عن نافع عن ابن عمر كما عند البزار وابن حبان، ورواه مرة عن مجاهد من قوله كما أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٣٩٢)، وابن أبي شيبة ٥/ ٣١٥.
وعن أبي بكرة الثقفي عند الحارث بن أبي أسامة (٣٥٩ - زوائده) وفي إسناده الخليل بن زكريا الشيباني البصري متروك الحديث.
(١) إسناده صحيح. يحيى بن سعيد: هو ابن قيس الأنصاري.
وأخرجه البخاري (٢٧٩٩) و(٢٨٠٠) و(٢٨٩٤) و(٢٨٩٥)، ومسلم (١٩١٢) (١٦١) و(١٦٢)، وابن ماجه (٢٧٧٦)، والنسائي (٣١٧٢) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٠٣٢) و(٢٧٣٧٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٠٨) وانظر تمام تخريجه في «المسند».
وسيأتي بعده من حديث أنس بن مالك يرفعه، وبرقم (٢٤٩٢) من طريق عطاء بن يسار، عن أخت أم سليم الرميصاء. قلنا: يعني أم حرام نفسها.

٢٤٩١ - حدَّثنا القَعنبيُّ، عن مالكٍ، عن إسحاقَ بن عبد الله بن أبي طلحةَ عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول: كان رسولُ الله ﷺ إذا ذهب إلى قُباء يدخل على أمِّ حرام بنتِ مِلْحانَ، وكانت تحت عُبادةَ بن الصَّامت، فدخل عليها يومًا، فأطعمتْه وجلستْ تَفْلِي رأسَه، وساقَ هذا الحديثَ (١).
قال أبو داود: وماتت بنتُ مِلحان بقُبرسَ
٢٤٩٢ - حدَّثنا يحيى بن مَعين، حدَّثنا هشام بن يوسفَ، عن مَعمر، عن زيدِ بن أسلَم، عن عطا، بن يسارٍ
عن أُخت أُمِّ سُليم الرُّميصاءِ، قالت: نام النبي ﷺ فاستيقظ، وكانت تغسِل رأسَها، فاستيقظ وهو يضحكُ، فقالت: يا رسول الله، أتضحكُ من رأسي؟ قال: «لا» وساق هذا الخبرَ: يَزيدُ، ويَنقُص (٢).


(١) إسناده صحيح. القَعنَبي: هو عبد الله مسلمة.
وهو في «الموطأ» ٢/ ٤٦٤ - ٤٦٥، ومن طريقه أخرجه البخاري (٢٧٨٨) و(٦٢٨٢) و(٧٠٠١)، ومسلم (١٩١٢) (١٦٠) والترمذي (١٧٤٠)، والنسائي (٣١٧١).
وهو في «مسند أحمد» (١٣٥٢٠) مختصرًا، و«صحيح ابن حبان» (٦٦٦٧).
وانظر ما قبله.
قوله: تَفلِي رأْسه، من فَلا يَفْلو ويَفْلي فِلاية وفلْيًا وفلَّاه: بحثه عن القمل.
وانظر «فتح الباري»١١/ ٧٨ - ٧٩.
(٢) إسناده صحيح. هشام بن يوسف: هو الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد. وأخرجه عبد الرزاق (٩٦٢٩)، وأحمد (٢٧٤٥٤)، والطبراني في «المعجم الكبير» ٢٥/ (٣٢٥) من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار - قال عبد الرزاق: إن امرأة حذيفة قالت ...، وهذا تحريف قديم في «مصنف عبدالرزاق» مشى عليه=

قال أبو داود: الرُّميْصاء أختُ أُمِّ سُليم من الرَّضاعة.
٢٤٩٣ - حدَّثنا محمد بن بكار العَيشيُّ، حدَّثنا مروانُ (ح)
وحدَّثنا عبدُ الوهاب بن عبد الرحيم الجَوبَري الدمشقي -المعنى- قال: حدَّثنا مروانُ، أخبرنا هلالُ بن ميمونٍ الرَّمليُّ، عن يَعلى بن شدَّادٍ عن أُمِّ حرام، عن النبيَّ ﷺ أنه قال: «المائدُ في البحر الذي يصيبُه القيء له أجرُ شهيدٍ، والغَرِقُ له أجرُ شهيدَين» (١).
٢٤٩٤ - حدَّثنا عبدُ السلام بن عَتيقٍ، حدَّثنا أبو مسهرٍ، حدَّثنا إسماعيلُ بن عبد الله -يعني ابنَ سَمَاعةَ- حدَّثنا الأوزاعيُ، حدَّثني سليمانُ بن حبيب
عن أبي أُمامةَ الباهلي، عن رسولِ الله ﷺ قال: «ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج غازيًا في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله


= الدارقطني في»علله«٥/ ورقة ٢٢٥، لأن أحمد رواه عن عبد الرزاق فقال: إن امرأة حدثته، قلنا: وهذه المرأة هي أم حرام بنت مِلحان، وقال الطبراني: عن امرأةٍ كانت عند رسول الله ﷺ يومًا وهو نائم ... فوافقت رواية أحمد، وهو الصحيح.
وانظر ما سلف برقم (٢٤٩٠).
(١) إسناده حسن من أجل هلال بنِ ميمون. مروان: هو ابن معاوية الفَزاري. وأخرجه الحميدي (٣٤٩)، وابن أبي عاصم في»الآحاد والمثاني «(٣٣١٥)، وفي»الجهاد«(٢٨٥) و(٢٨٦)، والدولابي في»الكنى«٢/ ١٢٧، والطبراني في»الكبير«٢٥/ (٣٢٤)، والبيهقي ٤/ ٣٣٥، وابن عبد البر في»التمهيد«١/ ٢٣٩ من طريق يعلى بن شداد، به. زاد الحميدي وابن أبي عاصم والطبرانى: أن أم حرام قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال:»اللهم اجعلها منهم«، فغزت البحر، فلما خرجت، ركبت دابتها، فسقطت، فماتت.
قوله: المائد في البحر: هو اسم فاعل من ماد يميد: إذا دار رأسه من غثيان معدته بشم ريح البحر، قال تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥].
أي: لئلا تضطرب بكم. قاله المناوي في»فيض القدير".

حتى يَتَوفاه فيدخلَه الجنةَ، أو يَرُدَّه بما نال من أجرٍ وغنيمةِ، ورجلٌ راحَ إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله حتى يَتَوفاه فيدخلَه الجنةَ أو يردَّه بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجل دخلَ بيتَه بسلامٍ فهو ضامنٌ على الله عز وجل» (¬١).

١٠ - باب في فضل من قتل كافرًا
٢٤٩٥ - حدَّثنا محمد بن الصَّباح البزّازُ، حدَّثنا إسماعيل -يعني ابنَ جعفرٍ- عن العلاء عن أبيه


(١) إسناده صحيح. أبو مسهر: هو عبد الأعلى بن مُسهر الدمشقي، والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو، وأبو أمامة الباهلي: اسمه صُدَيُّ بن عجلان.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الجهاد» (٥١)، والطبراني في «الكبير» (٧٤٩١)، وفي «الأوسط» (٣٠٩٤)، وفي «مسند الشاميين» (١٥٩٦)، والحاكم ٢/ ٧٣، والبيهقي ٩/ ١٦٦ من طريق الأوزاعي، به، وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (١٠٩٤)، وابن حبان (٤٩٩) من طريق عثمان بن أبي العاتكة، والطبراني في «الكبير» (٧٤٩٣) من طريق كلثوم بن زياد مولى سليمان بن حبيب، كلاهما عن سليمان بن حبيب، به.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٥٧٩)، وفي «مسند الشاميين» (١٥٤١) و(٣٤١٣) من طريق مكحول، عن أبي أمامة الباهلي.
وفي الباب عن معاذ بن جبل عند أحمد (٢٢٠٩٣)، وابن حبان (٣٧٢) وهو حديث حسن.
ولضمان المجاهد على الله شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري (٣٦)، ومسلم (١٨٧٦)، وابن ماجه (٢٧٥٣)، والنسائي (٣١٢٢) و(٣١٢٣).
ومن حديث أنس بن مالك عند الترمذي (١٧١٤) وهو حديث صحيح.
ومن حديث ابن عمر عند النسائي (٣١٢٦)، ورجاله ثقات.

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يجتمعُ في النارِ كافرٌ وقاتلُه أبدًا» (¬١).

١١ - باب في حرمةِ نساء المجاهدين على القاعدين
٢٤٩٦ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا سفيانُ، عن قَعنَبِ، عن علقمةَ بن مرثَدٍ، عن ابن بُريدة
عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: «حُرمةُ نساءِ المجاهدين على القاعدين كحرمةِ أمَّهاتهم، وما من رجلٍ من القاعدين يخلُف رجلًا من المجاهدين في أهلِه إلا نُصِب له يومَ القيامةِ، فقيل: هذا قد خَلَفَك في أهلك فخُذ من حسناتِه ما شئتَ» فالْتفتَ إلينا رسولُ الله ﷺ، فقال: «ما ظَنُّكم؟» (٢).


(١) إسناده صحيح. إسماعيل بن جعفر: هو ابن أبي كثير الأنصاري مولاهم والعلاء: هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرَقَة.
وأخرجه مسلم (١٨٩١) من طريق إسماعيل بن جعفر، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٨٨١٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٦٥).
(٢) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل قَعنَبٍ -وهو التميمي الكوفي- وهو متابع. سفيان: هو ابن عيينة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٣١)، وعنه أخرجه مسلم (١٨٩٧).
وأخرجه النسائي (٣١٩١) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٨٩٧)، والنسائى (٣١٨٩) من طريق سفيان الثوري، والنسائي (٣١٩٠) من طريق شعبة بن الحجاج، كلاهما عن علقمة بن مرثد، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٧٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٣٤).
قال النووي في «شرح مسلم» في قوله: «كحرمة أمهاتهم»: هذا في شيئين: أحدهما: تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك،=

[قال أبو سعيد (١): قال أبو داود: كان قعنبٌ رجلًا صالحًا، وكان ابنُ أبي ليلى أراد قعنبًا على القضاء، فأبى عليه، وقال قعنبٌ: أنا أُريد الحاجةَ بدرهمٍ فاستعينُ عليها برجلٍ، قال: وأيُّنا لا يستعينُ في حاجتِه؟ قال: أخرِجوني حتى أنظرَ، فأُخرِجَ، فتَوارَى، قال سفيان: فبينما هو مُتَوارٍ إذ وقعَ عليه البيتُ فماتَ].

١٢ - باب السَّرية تُخفِقُ
٢٤٩٧ - حدَّثنا عُبيد الله بنُ عُمر بنِ مَيسرةَ، حدَّثنا عبد الله بن يزيدَ، حدَّثنا حيوةُ وابنُ لهيعةَ، قالا: حدَّثنا أبو هانئ الخَولانيُّ، أنه سمع أبا عبد الرحمنِ الحُبُليَّ يقول:
سمعتُ عبد الله بن عَمرو يقول: قال رسول الله ﷺ: «ما مِن غازيةٍ تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمةً إلا تعجَّلوا ثلُثَي أجرِهم من الآخرةِ، ويبقى لهم الثلثُ، فإن لم يُصيبوا غنيمةً تمّ لهم أجرُهُم» (٢).


= والثاني: في برِّهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يُتوصَّل بها إلى ريبة ونحوها.
وقال عن قوله: «فما ظنكم؟»: معناه: ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام، أي: لا يبقي منها شيئًا إن أمكنه، والله أعلم.
(١) هو أبو سعيد ابن الأعرابي، أحد رواة «السنن» عن أبي داود.
(٢) إسناده صحيح. عبد الله بن يزيد: هو أبو عبد الرحمن المقريء، وحيوة: هو ابن شُريح، وابن لهيعة: هو عبد الله، وأبو هانئ الخَولاني: هو حميد بن هانئ، وأبو عبد الرحمن الحُبُلي: هو عبد الله بن يزيد المَعافري.
وأخرجه مسلم (١٩٠٦)، وابن ماجه (٢٧٨٥)، والنسائي (٣١٢٥) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيوة بن شريح، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٩٠٦) من طريق نافع بن يزيد، عن أبي هانئ الخولاني، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٥٧٧). =

١٣ - باب في تضعيفِ الذكر في سبيل الله عز وجل
٢٤٩٨ - حدَّثنا أحمدُ بن عَمرو بن السَّرح، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، عن يحيى بن أيوبَ وسعيدِ بن أبي أيوبَ، عن زبَّانِ بن فائدٍ، عن سهل بن مُعاذ
عن أبيه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إن الصلاةَ والصيامَ والذكر يُضاعَفُ على النفقةِ في سبيل الله بسبع مئة ضِعْفٍ» (١).


= قال النووي في «شرح مسلم»: معنى الحديث فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سَلِموا وغَنِموا يكونُ أجرهم أقل من أجر مَن لم يَسلم أو سَلِم ولم يغنَم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم، فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمةُ من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله: منا من مات ولم يأكل مِن أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرتُه فهو يَهدِبُها، أي يجتنيها، فهذا الذي ذكرنا هو الصواب وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حملُه على ما ذكرنا، وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه.
(١) إسناده ضعيف لضعف زبّان بن فائد وسهل بن معاذ -وهو ابن أنس الجُهني- على اضطراب في لفظه كما سيأتي.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٧٨، وعنه البيهقي ٩/ ١٧٢ من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وأخرجه أحمد (١٥٦١٣)، والطبرانى في «الكبير» ٢٠/ (٤٠٥) من طريق عبد الله ابن لهيعة، عن زبّان بن فائد، به. ولفظه: «إن الذكر في سبيل الله تعالى يُضعَّف فوق النفقة بسغ مئة ضعف». فاقتصر على الذكر، وقيّده بأنه في سبيل الله تعالى يعني حال الجهاد في سبيل الله.
وأخرجه الطبراني ٢٠/ (٤٠٦) من طريق محمد بن أبي السري، عن رشدين بن سعد، عن زبان، به. ولفظه كلفظ ابن لهيعة السابق.
وخالف محمدَ بنَ أبى السري يحيى بنُ غيلان عند أحمد (١٥٦١٣)، فرواه عن رشدين، عن زبّان بن فائد، به. كلفظ ابن لهيعة إلا أنه قال: «بسبع مئة ألف ضعف».=

١٤ - باب فيمن مات غازيًا
٢٤٩٩ - حدَّثنا عبد الوهّاب بن نَجْدةَ، حدَّثنا بقيةُ بن الوليد، عن ابن ثوبانَ، عن أبيه، يَرُدُّ إلى مكحولٍ، إلى عبد الرحمن بن غَنمٍ الأشعري
أن أبا مالك الأشعريَّ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ: «مَن فَصَل في سبيل الله فماتَ أو قُتل فهو شهيد، أو وقَصه فرسُه أو بعيرُه أو لدغَتْه هامَّةٌ أو مات على فراشه بأيِّ حَتْفٍ شاء اللهُ فإنه شهيدٌ، وإن له الجنةَ» (١).


= وأخرجه أحمد (١٥٦٤٧) عن إسحاق بن عيسى ابن الطباع، عن ابن لهيعة، عن خير بن نعيم الحضرمي، عن سهل بن معاذ، به. بلفظ: «يفضل الذكر على النفقة في سبيل الله تبارك وتعالى بسبع مئة ألف ضعف».
وخالف ابنَ الطباع يحيي بنُ بُكير، فرواه عن ابن لهيعة، به بلفظ: «الذكر يفضل على النفقة في سبيل الله مئة ضعف».
(١) إسناده ضعيف لضعف بقية بن الوليد وهو على ضعفه يدلس تدليس التسوية، ثم في إدراك مكحول لعبد الرحمن بن غنم الأشعري نظر، قال الذهبي في «تلخيص المستدرك»: عبد الرحمن بن غنم لم يدركه مكحول فيما أظن.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الجهاد» (٥٤) و(٢٣٥)، والطبراني في «الكبير» (٣٤١٨)، وفي «مسند الشاميين» (١٨٨)، والحاكم ٢/ ٧٨، والبيهقي ٩/ ١٦٦ من طريق بقية بن الوليد، بهذا الإسناد. وتحرف اسم بقية في مطبوع البيهقي إلى: عتبة وفي الباب عن عبد الله بن عتيك عند أحمد (١٦٤١٤) وغيره، وإسناده فيه ضعيفٌ.
وعن يحيي بن أبي كثير مرسلًا عند ابن المبارك في «الجهاد» (٦٧).
ويغني عنه حديث أبي هريرة عند مسلم (١٩١٥) بلفظ: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد».
وحديث أبي أمامة الباهلي السالف عند المصنف برقم (٢٤٩٤) ولفظه: «ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل، رجل خرج غازيًا في سبيل الله فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاهُ فيدخله الجنة ...». وإسناده صحيح. =

١٥ - باب في فضل الرِّباط
٢٥٠٠ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا عبدُ الله بن وهب، حدثني أبو هانئ، عن عَمرو بن مالك
عن فَضالةَ بنِ عُبيد، أن رسول الله ﷺ قال: «كلُّ الميِّت يُختَم على عمله، إلا المُرابِطَ، فإنه ينمو له عملُه إلى يوم القيامة ويُؤمَّن من فَتَّان القبرِ» (¬١).

١٦ - باب فضل الحَرَس في سبيل الله عز وجل
٢٥٠١ - حدَّثنا أبو توبةَ، حدَّثنا مُعاويةُ -يعني ابنَ سلَّام-، عن زيدٍ -يعني ابنَ سلَّام-، أنه سمع أبا سلّامٍ قال: حدثني السَّلُوليُّ أبو كَبشةَ


وحديث عقبة بن عامر عند ابن أبي عاصم في «الجهاد» (٢٣٧)، وأبي يعلى (١٧٥٢)، والطبراني في «الكبير» (١٧/ (٨٩٢) بلفظ: «من صُرع عن دابته في سبيل الله فهو شهيد». وإسناده صحيح.
قوله: «مَن فَصل في سبيل الله» قال في«النهاية»: أي: خرج من منزله وبلده.
قلنا: ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ [البقرة: ٢٤٩].
وقوله: «وقصه فرسُه» من الوقْص: وهو كسر العُنُق.
وقوله: «هامَّة» واحدة الهوامِّ، وهي الحيّات وكُلُّ ذي سمٍّ يقتل سمُّه، فأما ما يسم ولا يقتل، فهو السامَّة كالعقرب والزنبور.
وقوله: «حتفٍ»، أي: هلاكٍ.
(١) إسناده صحيح. أبو هانئ: هو حُميد بن هانئ الخَولاني.
وهو في«سنن سعيد بن منصور» (٢٤١٤).
وأخرجه الترمذي (١٧١٥) من طريق حيوة بن شُريح، عن أبي هانئ الخولاني، به. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٥١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٢٤)، و«شرح مشكل الآثار» (٢٣١٦).
الفتان بفتح الفاء وتشديد التاء للمبالغة من الفتنة، ولفظ الترمذي وأحمد: ويأمن فتنة القبر.

أنه حدَّثه سهلُ ابن الحَنْظليةِ: أنهم ساروا مع رسول الله ﷺ يومَ حُنينٍ، فأطنَبُوا السيرَ حتى كانَ عشيَّةً، فحضرتُ الصلاةَ عند رسول الله ﷺ، فجاء رجلٌ فارسٌ، فقال: يا رسول الله، إني انطلقتُ بين أيديكم حتى طلعتُ جبلَ كذا وكذا، فإذا أنا بهَوازنَ على بَكْرةِ آبائهم، بظُعُنهِم ونَعَمِهم وشائهم اجتمعوا إلى حنينٍ، فتبسّم رسولُ الله ﷺ وقال: «تلك غنيمةُ المسلمين غدًا إن شاء الله» ثم قال: «من يحرُسُنا الليلةَ؟» قال أنسُ بن أبي مَرْثَدٍ الغَنَويُّ: أنا يا رسول الله، قال: «فاركَبْ» فركب فرسًا له، فجاء إلى رسول الله ﷺ، فقال له رسولُ الله ﷺ: «استقبِلْ هذا الشِّعْبَ حتى تكون في أعلاهُ ولا نُغَرَّنَّ من قِبَلِكَ الليلةَ» فلما أصبحنا خرجَ رسولُ الله ﷺ إلى مُصلاّه فركع ركعتين، ثم قال: «هل أحسسْتم فارسَكم؟» قالوا: يا رسول الله ما أحسَسْناه، فثُوِّب بالصلاة، فجعلَ رسولُ الله ﷺ يصلي وهو يلتفتُ إلى الشعبِ حتى إذا قضى صلاتَه وسلَّم، قال: «أبشِروا فقد جاءكم فارسُكم» فجعلنا ننظُر إلى خِلال الشَّجر في الشِّعب، فإذا هو قد جاء حتى وقفَ على رسولِ الله ﷺ فسلّم، فقال: إني انطلقتُ حتى كنتُ في أعلى هذا الشِّعب حيث أمرني رسولُ الله ﷺ، فلما أصبحتُ اطَّلعتُ الشَّعبَين كليهما، فنظرتُ فلم أرَ أحدًا، فقال له رسولُ الله ﷺ: «هل نزلتَ الليلةَ؟» قال: لا، إلا مُصليًا أو قاضيًا حاجةً، فقال له رسولُ الله ﷺ: "قد أَوْجَبْتَ، فلا عليك أن لا تعملَ بَعَدها (١).


(١) إسناده صحيح. أبو توبة: هو الربيع بن نافع الحلبي. =

١٧ - باب كراهيةِ تركِ الغزو
٢٥٠٢ - حدَّثنا عبدةُ بن سُليمانَ المروزيُّ، أخبرنا ابنُ المباركِ، أخبرنا وُهَيبٌ -قال عَبدة: يعني ابنَ الوَرْدِ- أخبرني عُمر بن محمد بن المنكَدِر، عن سُميٍّ، عن أبي صالح عن أبي هريرة، عن النبيّ ﷺ قال: «من ماتَ ولم يَغزُ ولم يحدث نفسَه بغزوٍ، ماتَ على شُعبةٍ من نِفاقٍ» (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٨١٩)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٥٦١٩) وفي «الأوسط» (٤٠٧)، وفي «الشاميين» (٢٨٦٦)، والحاكم ١/ ٢٣٧ و٢/ ٨٣ - ٨٤، والبيهقي ٢/ ١٣ و٩/ ١٤٩ من طريق أبي توبة الربيع بن نافع، والبيهقي ٩/ ١٤٩ من طريق مروان بن محمد، كلاهما عن معاوية بن سلام، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم في الموضعين وسكت عنه الذهبي.
وقد سلفت قصة التثويب بالصلاة والتفاته ﷺ عند المصنف برقم (٩١٦).
قوله: «فأطنبوا السيرَ» من الإطناب وهو المبالغة.
وقوله: «على بكْرة أبيهم» هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفير العدد، وأنهم جاؤوا جميعًا لم يتخلف منهم أحدٌ. قاله في «اللسان».
وقوله: «بظُعُنهم» قال الخطابي: أي: النساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة الراحلة التي تَظْعَن وترتحل، فقيل للمرأة: ظعينة، إذا كانت تظعن مع الزوج حيثما ظَعَن، أو لأنها تُحمل على الراحلة إذا ظعنت، وهذا من باب تسمية الشيء باسم سببه كما سمَّوا المطر سماءً.
(١) إسناده صحيح. ابن المبارك: هو عبد الله، وسُمَىٌّ: هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو صالح: هو ذكوان السمّان.
وأخرجه مسلم (١٩١٠)، والنسائي (٣٠٩٧) من طريق عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد. وجاء عند مسلم عقب روايته: قال ابن المبارك: فنُرى أن ذلك كان على عهد رسول الله ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (٨٨٦٥). =

٢٥٠٣ - حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ، وقرأتُه على يزيدَ بن عبدِ ربِّه الجُرْجُسيِّ، قالا: حدَّثنا الوليد بن مُسلمٍ، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن
عن أَبي أُمامةَ، عن النبيّ ﷺ قال: «من لم يغزُ أو يجهِّزْ غازيًا أو يَخلُفْ غازيًا في أهله بخير أصابَه الله بقارعةٍ». قال يزيدُ بنُ عبدِ ربِّه في حديثه: «قبل يوم القيامة» (١).
٢٥٠٤ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن حُميدٍ


= وأخرجه الترمذي (١٧٦١)، وابن ماجه (٢٧٦٣) من طريق إسماعيل بن رافع، عن سمي، به بلفظ: «من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثُلمةٌ». وإسماعيل بن رافع ضعيف الحديث.
قال النووي في «شرحه على مسلم»: قوله: «نُرى» بضم النون، أي: نظن وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره: إنه عامٌّ، والمراد: أن مَن فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإنَّ ترك الجهاد أحدُ شُعَبِ النِّفاقِ.
(١) إسناده صحيح، وقد صرح الوليد بن مسلم بسماعه من يحيي بن الحارث -وهو الذِّماري- عند ابن ماجه وغيره، وصرح بالسماع كذلك في جميع طبقات الإسناد عند الروياني في «مسنده» (١٢٠١)، ومن طريق الروياني أخرجه ابن عساكر في «الأربعون في الحث على الجهاد» ص ٨٤ - ٨٥ فأُمِنَ من تدليس التسوية، ثم هو متابع.
وأخرجه الدارمي (٢٤١٨)، وابن ماجه (٢٧٦٢)، وابن أبي عاصم في «الجهاد» (٩٩)، والرويانى في «مسنده» (١٢٠١)، والطبراني في «الكبير» (٧٧٤٧)، وفي «مسند الشاميين» (٨٩١)، وابن عساكر في «الأربعون في الحث على الجهاد» ص ٨٤ - ٨٥ من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (٨٨٣) من طرق عن يحيي بن الحارث الذماري، به. وفي كلِّها مقالٌ.
القارعة: الداهية والمصيبة.

عن أنسٍ أن النبي ﷺ قال: «جاهِدوا المشركين بأَموالِكم
وأَنفُسِكُم وأَلسنتِكم» (¬١).

١٨ - باب في نسخِ نفيرِ العامّة بالخاصّة
٢٥٠٥ - حدَّثنا أحمدُ بن محمد المَروزيُّ، حدَّثني عليُّ بن الحُسينِ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويِّ، عن عِكرمةَ
عن ابن عباس قال: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: ٣٩] و﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ إلى قوله: ﴿يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢٠ - ١٢١]: نسخَتْها الآيةُ التي تَليها: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] (٢).


(١) إسناده صحيح. حماد: هو ابن سلمة، وحميد: هو ابن أبي حميد الطويل.
وأخرجه النسائي (٣٠٩٦) و(٣١٩٢) من طريق حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٢٤٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٠٨).
(٢) إسناده حسن من أجل علي بن الحسين - وهو ابن واقد المروزي، أحمد بن محمد: هو ابن ثابت بن عثمان الخزاعي، ويزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد. وقد حسنه الحافظ في «الفتح» ٦/ ٣٨.
وأخرجه أبو بكر الجصاص في «أحكام القرآن» ٤/ ٣١٠، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٤٧ وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٣٦٤ من طريق أبي داود السجستانى، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «تفسيره» ١٠/ ١٣٥ عن محمد بن حميد الرازي، عن أبي تميلة يحيي بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قولَهما، ومحمد بن حميد الرازي ضعيف.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (٢٤١٣) من طريق عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس. وعطاء الخراساني ليس بذاك، ثم في الإسناد إليه رجل مجهول. =

٢٥٠٦ - حدَّثنا عثمانُ بن أَبي شيبةَ، حدَّثنا زيدُ بن الحُباب، عن عبدِ المؤمن ابن خالد الحَنفيِّ، حدَّثني نَجدةُ بن نُفَيع، قال:


= وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في «الناسخ والمنسوخ» (٣٨٥)، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٣٦٦ من طريق حجاج بن محمد المصيصي الأعور، عن ابن جريج وأبو عبيد القاسم (٣٨٥)، والبيهقي ٩/ ٤٧ من طريق عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، كلاهما (ابن جريج وعثمان بن عطاء) عن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن ابن عباس لم يذكرا بينهما عكرمة. وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس، وقال الحافظ أبو مسعود الدمشقي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في «الفتح» ٨/ ٦٦٧، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنما أخذه من ابنه عثمان بن عطاء فنظر فيه، ونقل الحافظ ابن حجر كذلك عن ابن المديني قوله: سألت يحيي القطان، عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف، فقلت له: يقول: أخبرنا، قال: لا شيء، إنما هو كتاب رفعه إليه. قال الحافظ معلقًا: وكان ابن جريج يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة. وأخرجه أبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ٢٠١ من طريق جويبر بن سعيد الأزدي، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس. وجويبر ضعيف جدًا. قال الطبري ١٠/ ١٣٥: ولا خبر بالذي قال عكرمة والحسن من نسخ حكم هذه الآية التي ذكرا يجب التسليم له، ولا حجة تأتي لصحة ذلك، وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد، وجائز أن يكون قوله: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: ٣٩] لخاص من الناس، ويكون المراد من استنفره رسول الله ﷺ فلم ينفر على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس (قلنا: يعني حديثه الآتي عند المضنف بعده). وإذا كان ذلك كذلك كان قوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] نهيًا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلامًا من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيًا فيما عُنيت به.
وإلى القول بالإحكام وعدم النسخ ذهب ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ونسبه إلى ابن جرير الطبري -وقد أسلفنا كلامه- وإلى أبى سليمان الدمشقي.

سألتُ ابنَ عباسٍ، عن هذه الآية: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: ٣٩] قال: فأمسكَ عنهم المَطَرَ وكان عذابَهم١).

١٩ - باب الرخصةِ في القعود من العُذْر
٢٥٠٧ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن أبي الزَّنادِ، عن أبيه، عن خارجةَ بن زيدٍ
عن زيد بن ثابتٍ، قال: كنتُ إلى جنْبِ رسولِ الله ﷺ فغشِيَتْه السكينةُ فوقعتْ فخذُ رسولِ الله ﷺ على فَخِذي، فما وجدتُ ثِقلَ شيءٍ أثقلَ من فَخِذِ رسولِ الله ﷺ، ثم سُرِّيَ عنه، فقال: «اكتُبْ» فكتبتُ في كتِفٍ: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) إلى آخر الآية، فقام ابنُ أُم مكتومٍ، وكان رجلًا أعمى، لمّا سمع فضيلةَ المجاهدين، فقال: يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيعُ الجهادَ من المؤمنين؟ فلمّا قَضَى كلامَه غشيتْ رسولَ الله ﷺ السَّكينةُ فوقعتْ فخذُه على فَخِذِي، ووجدت من ثِقلِها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأُولى ثم سُرِّيَ عن رسولِ الله ﷺ، فقال: «اقرأ يا زيدُ» فقرأتُ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٩٥] فقال رسولُ الله ﷺ ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ الآية كلها [النساء: ٩٥]، قال زيد: فأنزلها الله عز وجل وحدها، فألحقتُها، والذي نفسي بيده


(١) إسناده ضعيف لجهالة نجدة بن نفيع -وهو الحنفي- نسبة إلى بني حنيفة. وأخرجه عبد بن حميد (٦٨١)، والطبري في «تفسيره» ١٠/ ١٣٤، والحاكم ٢/ ١٠٤ و١١٨، والبيهقي ٩/ ٤٨ من طريق عبد المؤمن بن خالد الحنفي، به.
وصححه الحاكم! وسكت عنه الذهبي.

لكأنّي أَنظُرُ إلى مُلْحَقِها عند صَدْعٍ في كَتِفٍ (١).
٢٥٠٨ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن حُميدٍ، عن مُوسى ابن أنسٍ بن مالكٍ
عن أبيه، أن رسولَ الله ﷺ قال: «لقد تركتم بالمدينةِ أقوامًا ما سِرْتمْ مَسيرًا، ولا أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتمْ من وادٍ إلا وهم معكم فيهِ» قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينةِ؟ فقال: «حبَسَهُم العُذْر» (٢).


(١) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف يعتبر به، وقد توبع. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان المدني وخارجة بن زيد: هو ابن ثابت.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣١٤)، وفي قسم التفسير منه (٦٨١). وأخرجه بنحوه البخاري (٢٨٣٢) و(٤٥٩٢)، والترمذي (٣٢٨٢)، والنسائي (٣٠٩٩) و(٣١٠٠) من طريق مروان بن الحكم الأموي، عن زيد بن ثابت.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٦٠٢) من طريق مروان بن الحكم.
وهو في «مسند أحمد» أيضًا (٢١٦٠١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧١٣) من طريق قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت. وإسناده صحيح، وانظر تمام تخريجه عندهما.
وأخرجه البخاري (٢٨٣١)، ومسلم (١٨٩٨)، والترمذي (١٧٦٥) و(٣٢٨٠) والنسائي (٣١٠١) و(٣١٠٢) من حديث البراء بن عازب.
ابن أم مكتوم: هو عمرو بن زائدة، أو ابن قيس بن زائدة القرشي العامري المعروف بابنِ أم مكتوم الأعمى مؤذن النبي ﷺ، وهو الأعمى المذكور في قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ [عبس:١ - ٢] وقيل اسمه عبد الله، والأول أكثر وأشهر، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين. هاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي ﷺ وبعد مصعب بن عمير، واستخلفه النبي ﷺ، مات في آخر خلافة عمر.
(٢) إسناده صحيح. وقد رواه جماعة غير حماد -وهو ابن سلمة- عن حميد -وهو ابن أبي حميد الطويل-، عن أنس بن مالك، بإسقاط ابنه موسي من الإسناد،=

٢٠ - باب ما يُجزئ من الغزو
٢٥٠٩ - حدَّثنا عبدُ الله بن عمرِو بن أبي الحَجَّاج أبو مَعمَرٍ، حدَّثنا عبدُ الوارثِ حدَّثنا الحُسينُ، حدثني يحيى، حدثني أبو سلمةَ، حدثني بُسرُ بن سعيدٍ


= قال البخاري بإثر (٢٨٣٩): وهو أصح، لكن قال الحافظ في «الفتح» ٦/ ٤٧: وإنما قال البخاري ذلك لتصريح حميد بتحديث أنس له كما تراه من رواية زهير عنده [يعني الحديث رقم (٢٨٣٨)]، وكذلك قال معتمر. قال الحافظ: ولا مانع من أن يكونا محفوظين، فلعل حميدًا سمعه من موسي عن أبيه، ثم لقي أنسًا فحدثه به، أو سمعه من أنس فثبّته فيه ابنه موسى. قلنا: وفي تصريح حميد بسماعه من أنس لقطعة من أصل الحديث ردٌّ على ابن عبد البر، إذ قال في «التمهيد» ١٢/ ٢٦٨: هذا الحديث لم يسمعه حميد من أنس.
وأخرجه البخاري معلقا (٢٨٣٩)، والبيهقي ٩/ ٢٤ وابن عبد البر في «التمهيد» ١٩/ ٢٠٤ من طريق موسى بن إسماعيل وأبو يعلى (٤٢٠٩) من طريق عفان بن مسلم، كلاهما عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٦٢٩).
وفي هذا الحديث دليل على أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العُذر عن العمل.
وأخرجه البخاري (٢٨٣٩) من طريق حماد بن زيد، و(٤٤٢٣) من طريق عبد الله ابن المبارك، وابن ماجه (٢٧٦٤) من طريق محمد بن أبي عدي، ثلاثتهم عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك. دون ذكر موسى بن أنس في الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٠٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٣١).
قال الحافظ في «الفتح» ٦/ ٤٧ عن معنى الحديث: قال المهلّب [وهو أحد شراح البخاري]: يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: ٩٥]،فإنه فاضَلَ بين المجاهدين والقاعدين، ثم استثنى أولي الضرر من القاعدين، فكأنه ألحقهم بالفاضلين، وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل.

حدَّثني زيدُ بن خالد الجهنيُّ، أن رسولَ الله ﷺ قال: «من جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غَزا، ومن خَلَفَه في أهله بخيرٍ فقد غزا» (١).
٢٥١٠ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني عمرو بن الحارِث، عن يزيدَ بن أبي حبيب، عن يزيدَ بن أبي سعيد مولى المَهريَّ، عن أبيه
عن أبي سعيد الخدري: أن رسولَ الله ﷺ بعث إلى بني لَحيانَ وقال: «لِيخرُجْ من كل رجلين رجلٌ» ثم قال للقاعد: «أيّكّم خَلَفَ الخارجَ في أهله ومالِه بخيرٍ كان له مثلُ نصفِ أجرِ الخارجِ» (٢).


(١) إسناده صحيح. عبد الوارث: هو ابن سعيد البصري، والحسين: هو ابن ذكوان المُعلِّم، ويحيي: هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه البخاري (٢٨٤٣)، ومسلم (١٨٩٥)، والترمذي (١٧٢٢) و(١٧٢٥)، والنسائي (٣١٨١) من طريق يحيي بن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٨٩٥)، والنسائي (٣١٨٠) من طريق بكير ابن الأشجّ، عن بسر بن سعيد، به.
وأخرجه الترمذي (١٧٢٣) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد. وعطاء لم يسمع من زيد، وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٣١).
وأخرج الترمذي (١٧٢٤)، وابن ماجه (٢٧٥٩) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله ﷺ: «من جهز غازيًا في سبيل الله حتى يستقل كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجبره شيئًا». ولم يسق الترمذي لفظه.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٣٣).
وقوله: من جهز غازيًا، أي: هيأ له أسباب سفره وما يحتاج إليه مما لا بد منه، أو خلفه: هو بفتح الخاء واللام الخفيفة، قال القاضي: يقال: خلفه في أهله: إذا قام مقامه في إصلاح حالهم ومحافظة أمرهم، أي: من تولى أمر الغازي وناب منابه في مراعاة أهله زمان غيبته شاركه في الثواب.
(٢) إسناده صحيح. =

٢١ - باب في الجُرأة والجبن
٢٥١١ - حدَّثنا عبدُ الله بن الجرّاح، عن عبدِ الله بن يزيدَ، عن موسى بن عُليِّ بن رَباح، عن أبيه، عن عبدِ العزيز بن مَروان، قال:
سمعتُ أبا هريرةَ يقول: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «شَرُّ ما في رجُلٍ شُحٌّ هالعٌ وجُبنٌ خالعٌ» (١).


وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٢٦)، وعنه مسلم (١٨٩٦).
وأخرجه مسلم (١٨٩٦) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سعيد مولى المهري، عن أبي سعيد الخدري.
وهو في «مسند أحمد» (١١١١٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٢٩).
ولا تعارض بين هذا الحديث والذي قبله فإن لفظة النصف أطلقت فيه بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين، كان لكل منهما مثل ما للآخر أفاده الحافظ في «الفتح».
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل عبد الله بن الجراح وهو التميمي القُهُستاني - ولكه متابع. عبد الله بن يزيد: هو المكي المقرئ، وعبد العزيز بن مروان: هو ابن الحكم الأموي والد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، وأخو الخليفة عبد الملك بن مروان.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في «الجهاد» (١١١)، وابن أبي شيبة ٩/ ٩٨، وإسحاق بن راهويه -قسم مسند أبي هريرة- (٣٤١) و(٣٤٢)، وأحمد (٨٠١٠) و(٨٢٦٣)، وعبد بن حميد (١٤٢٨)، والبخاري في «التاريخ الكبير» تعليقًا ٦/ ٨، وابن حبان (٣٢٥٠)، وأبو نعيم في «الحلية» ٩/ ٥٠، والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٣٣٨)، والبيهقي ٩/ ١٧٠ من طرق عن موسى بن عُلَي بن رباح، بهذا الإسناد.
قوله: «شحٌّ هالعٌ» قال الخطابي: أصل الهَلَع: الجَزَع، والهالع هنا: ذو الهلع كقول النابغة: كِليني لهمٍّ يا أميمة ناصب، أي: ذو نصب، ويقال: إن الشح أشد من البخل، ومعناه البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه، فإذا استُخرج منه هَلعَ، وجَزِعَ منه. و«الجُبن الخالع»: هو الشديد الذي يخلعُ فؤاده من شدة خوفه.

٢٢ - باب في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]
٢٥١٢ - حدَّثنا أحمد بن عمرو بن السَّرح، حدَّثنا ابنُ وهب، عن حَيوةَ بن شُريحٍ وابنِ لَهيعةَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ
عن أسلمَ أبي عمرانَ، قال: غزونا من المدينة، نريدُ القُسطنطينيةَ، وعلى الجماعةِ عبدُ الرحمن بن خالدِ بن الوليد، والرومُ مُلصِقو ظُهورِهم بحائطِ المدينةِ، فحمل رجلٌ على العدوّ، فقال الناسُ: مَهْ، مَهْ، لا إله إلا الله، يُلقي بيديه إلى التَّهْلُكَةِ، فقال أَبو أَيوب: إنما نزلتْ هذه الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ لمَّا نصر الله نبيه ﷺ، وأظهرَ الإسلامَ، قلنا: هَلُمَّ نقيمُ في أموالِنا ونُصلِحُها، فأنزلَ اللهُ عز وجل: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فالإلقاء بالأيدي إلى التَّهْلُكةِ: أن نقيمَ في أموالِنا ونصلِحُها وندعَ الجهاد، قال أبو عمرانَ: فلم يزلْ أبو أَيوبَ يُجاهدُ في سبيلِ الله حتى دُفِنَ بالقُسطنطينيةِ (١).


(١) إسناده صحيح من جهة حيوة بن شريح. ابن وهب: هو عبد الله، وابن لهيعة: هو عبد الله أيضًا، وأسلم أبو عمران: هو ابن يزيد التجيبي المصري، وأبو أيوب: هو الأنصاري الصحابي الجليل.
وأخرجه الترمذي (٣٢١١)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٩٦١) و(١٠٩٦٢) من طريق حيوة بن شريح وحده، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن غريب صحيح. وقد جاء عند الترمذي: أن الذي كان على الجماعة: فضالة بن عُبيد لا عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد، وعند النسائي قال: وعلى أهل الشام فضالة بن عُبيد.
وهو عند ابن حبان في «صحيحه» (٤٧١١) ولم يذكر فضالة ولا عبد الرحمن. =

٢٣ - باب في الرمي
٢٥١٣ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا عبدُ الله بن المُبارَكِ، حدثني عبدُ الرحمن بن يزيدَ بن جابرٍ، حدّثني أبو سلام، عن خالد بن زيدٍ
عن عقبةَ بن عامرٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إن الله عز وجل يُدخلُ بالسَّهم الواحد ثلاثةَ نَفَرٍ الجنةَ: صانعَه يحتسِبُ في صَنْعَتِه الخيرَ، والراميَ به، ومُنْبلَه، وارمُوا واركَبُوا، وأن ترمُوا أحبُّ إليَّ مِن أن تركَبُوا، ليس من اللهْو إلا ثلاثٌ: تأديبُ الرجلِ فرسَه، ومُلاعبتُه أهلَه، ورميُه بقوسه ونَبْلِه، ومن تركَ الرْميَ بعد ما عَلِمَه رَغْبةً عنه، فإنها نعمةٌ تركَها -أو قال: كَفَرَها-» (١).


أبو أيوب الأنصاري: هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة من بني النجار صحابي جليل، شهد العقبة وبدرًا وأحدًا والمشاهد كلها.
وكان شجاعًا صابرًا تقيًا محبًا للجهاد، عاش إلى أيام بني أمية، وكان يسكن المدينة، فرحل إلى الشام، ولما غزا يزيد القسطنطينية في خلافة أبيه معاوية، صحبه أبو أيوب غازيًا فحضر الوقائع ومرض، فأوصى أن يوغل به في أرض العدو، فلما توفي، دفن في أصل حصن القسطنطينية (استنبول عاصمة العثمانيين).
(١) حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لجهالة خالد بن زيد -ويقال: ابن يزيد- فقد تفرد بالرواية عنه أبو سلاّم -وهو ممطور الحبشي- وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقد ذهب الخطيب بغير حجة إلى أنه وخالد ابن الصحابي زيد ابن خالد الجهني واحدٌ، وفرق بينهما البخاري وأبو حاتم وغيرهما، وهو الذي صوّبه المزي في «تهذيب الكمال»، وجعله ابن عساكر في «تاريخه» هو وعبد الله بن زيد الأزرق واحدًا، ورده المزى في «تهذيبه» وحاصله أن خالد بن زيد هذا مجهول، وباقي رجال الإسناد ثقات. وقد اختُلف في إسناده كما فصلنا القول فيه في «المسند» (١٧٣٠٠) و(١٧٣٢١). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه النسائي (٣١٤٦) و(٣٥٧٨) من طريقين عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، بهذا الإسناد. لكنه قال في روايته: خالد بن يزيد، فسمى أباه يزيد، بدل: زيد، ونَسَبَهُ جُهَنيًا. ورواية النسائي الأولى مختصرة بذكر السهم.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٣٢١).
وأخرجه الترمذي (١٧٣٢) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن عبد الله ابن الأزرق، عن عقبة بن عامر الجهني. كذا رواه هام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، وخالفه معمر عند عبد الرزاق (٢١٠١٠) وعنه أحمد (١٧٣٣٧) وغيرهما، فرواه عن يحيى، عن زيد بن سلاّم -وهو حمد أبي سلاّم- عن عبد الله بن زيد الأزرق، عن عقبة بن عامر.
وأخرج القطعة الأخيرة بنحوه مسلم (١٩١٩) من طريق عبد الرحمن بن شماسة، عن عقبة بن عامر رفعه: «من علم الرمي ثم تركه، فليس منا، أو قد عصى». وأخرجها ابن ماجه (٢٨١٤) من طريق عثمان بن نعيم الرعيني، عن المغيرة بن نهيك، عن عقبة رفعه: «من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصانى». وإسناده ضعيف لجهالة عثمان والمغيرة.
ويشهد له دون هذه القطعة الأخيرة حديث أبي هريرة عند الحاكم ٢/ ٩٥ من طريق سويد بن عبد العزيز، عن محمد بن عجلان، عن سيد المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف لضعف سويد، وخالفه الليث وحاتم بن إسماعيل وجماعة، فرووه عن ابن عجلان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن النبي ﷺ مرسلًا، هكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في «العلل» ١/ ٣٠٢ لابن أبي حاتم، وقالا: وهو الصحيح مرسلٌ. قلنا: ورجال المرسل ثقات لا بأس بهم، وتابع ابنَ عجلان على إرساله محمد بن إسحاق عند الترمذي (١٧٣١).
ويشهد له أيضًا ما رواه سعيد بن منصور (٢٤٥١) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا. ورجاله ثقات.
ويشهد للقطعة الأولى منه حديث أبي هريرة عند الخطيب في «تاريخه» ٣/ ١٢٨ و٦/ ٣٦٧ وهو ضعيف. =

٢٥١٤ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا عبدُ الله بن وهْب، أخبرني عَمرو ابن الحارث، عن أبي علي ثُمامةَ بن شُفَيّ الهَمدانيٍّ
أنه سمع عقبةَ بن عامرٍ الجُهنيَّ يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ وهو على المِنبَر يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠] ألا إنِ القوةَ الرمْيُ، ألَا إِن القوةَ الرمْيُ، ألا إن القوةَ الرمْيُ» (١).

٢٤ - باب في من يغزو يَلتمِسُ الدنيا
٢٥١٥ - حدَّثنا حَيوةَ بن شُريحِ الحضرميُّ، حدَّثنا بقيةُ، حدثني بَحيرٌ، عن خالدِ بن مَعدانَ، عن أبي بَحريةَ


= ويشهد لقوله في القطعة الثانية: «كل شيء يلهو به الرجل ...» إلخ حديث جابر ابن عمر أو جابر بن عبد الله عند النسائي في «الكبرى» (٨٩٣٨) و(٨٩٣٩) و(٨٩٤٠) والبزار (١٧٠٤ - كشف الأستار)، والطبراني في «الكبير» (١٧٨٥)، وجوَّد إسناده المنذري في «الترغيب» ٢/ ١٧٠، وصححه ابن حجر في ترجمة جابر بن عمير من «الإصابة».
ويشهد للقطعة الأخيرة منه حديث أبي هريرة عند الطبراني في«الصغير» (٥٤٣)، وفي «الأوسط» (٤١٨٩)، وسنده حسن في المتابعات والشواهد، ونقل ابن أبي حاتم في«العلل» ١/ ٤٠ عن أبيه أنه قال فيه: حديث منكر!
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (١٩١٧)، وابن ماجه (٢٨١٣) من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٤٣٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٠٩).
وأخرج مسلم (١٩١٨) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شُفَيّ، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ستُفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهُو بأسهُمه».
وهو في «مسند أحمد» (١٧٤٣٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٩٧).

عن معاذِ بن جبَلٍ، عن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «الغَزْوُ غزوانِ: فأما من ابتغَى وجهَ اللهِ، وأطاعَ الإمامَ، وأنفقَ الكريمةَ، وياسَرَ الشريكَ، واجتنَبَ الفَسادَ، فإنَّ نومَه ونَبَهَه أجرٌ كُلُّه. وأما من غزا فخْرًا ورِياءً وسُمعةً، وعصَى الإمامَ، وأفسدَ في الأرضِ، فإنه لم يَرجِع بالكَفَافِ» (١).
٢٥١٦ - حدَّثنا أبو توبةَ الربيعُ بن نافعٍ، عن ابنُ المباركِ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن القاسمِ، عن بُكَيرِ بن عبد الله بن الَاشَجِّ، عن ابنِ مَكرَزٍ -رجلٍ من أهل الشام-
عن أبي هريرةَ: أن رجلًا قال: يا رسولَ الله، رجلٌ يريد الجهادَ في سبيل الله وهو يبتغي عَرَضًا من عَرَضِ الدنيا، فقال رسولُ الله ﷺ: «لا أجْرَ له»، فأعظَمَ ذلك الناسُ، وقالوا للرجل: عُدْ لِرسول الله ﷺ،


(١) حسن موقوفًا، وهذا إسناد ضعيف لضعف بقية بن الوليد، ثم إنه يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد. أبو بحرية: هو عبد الله ابن قيس.
وأخرجه النسائي (٣١٨٨) و(٤١٩٥) من طريق بقية بن الوليد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٠٤٢).
وأخرجه سعيد بن منصور (٢٣٢٣) من طريق جنادة بن أبي أمية عن معاذ موقوفًا.
وإسناده حسن.
وأخرجه مالك في «موطئه» ٢/ ٤٦٦ - ٤٦٧ عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن معاذ بن جبل موقوفًا. وهو منقطع، فإن يحيى بن سعيد لم يدرك معاذًا.
قوله: «أنفق الكريمة» الكريمة واحدة الكرائم، وهي النفائس التي تتعلق بها نفس مالكها، ويختصها لها من حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها. قاله في «النهايه».
و«ياسر الشريك» قال الخطابي: معناه الأخذ باليسر في الأمر والسهولة فيه مع الشريك والصاحب، والمعاونة لهما.

فلعلّك لم تُفْهِمْه، فقال: يا رسولَ الله، رجلٌ يريدُ الجِهاد في سبيل الله وهو يبتغي عَرَضًا من عَرَض الدنيا، فقال: «لا أجْرَ له»، فقالوا للرجل: عُد لِرسول الله ﷺ، فقال له الثالثة، فقال له: «لا أجْرَ له» (١).


(١) حديث حسن، ابن مكرز اختلف في اسمه، فسماه أحمد في إحدى روايتيه (٨٧٩٣): يزيد بن مكرز، وسماه الحاكم في «المستدرك» ٢/ ٨٥ ومن طريقه البيهقى ٩/ ١٦٩: أيوب بن مكرز، وأيوب هذا هو: ابن عبد الله بن مكرز، رجل من أهل الشام من بني عامر بن لؤي بن غالب كما قال البخاري وغيره، وزاد البخاري: وكان رجلًا خطيبًا، وقد ذهب علي ابن المديني إلى أن راوي هذا الحديث ليس بأيوب بن مكرز، ولكنه رجلٌ آخر لم يرو عنه غير ابن الأشج، وأنه مجهول كما نقله عنه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» والمزي في «تهذيب الكمال»، وإلى ذلك ذهب المزي، لكن ذهب ابن عساكر إلى أنه أيوب بن عبد الله بن مكرز نفسه. ويؤيده ما جاء في رواية عبد الله بن المبارك في كتاب «الجهاد» له (٢٢٧)، ومن طريقه ابن حبان (٤٦٣٧) وقد أخرج الحديث فقال فيه: ابن مكرز رجل من أهل الشام من بني عامر بن لؤي. فترجح أن ابن مكرز هذا هو أيوب نفسه، والله أعلم. وأيوب بن عبد الله بن مكرز هذا يكون بذلك قد روى عنه ثلاثة وهم الزبير أبو عبد السلام وشُريح بن عُبيد الحضرمي، وبكير ابن عبد الله بن الأشج، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال البخاري: كان رجلًا خطيبًا، وذكر أبو القاسم ابن عساكر أن معاوية بن أبي سفيان ولاه غزو الروم سنة خمسين، وعليه يكون حسن الحديث إن شاء الله تعالى. القاسم: هو ابن عباس الهاشمي.
وهو في «الجهاد» لعبد الله بن المبارك (٢٢٧).
وأخرجه أحمد (٧٩٠٠) و(٨٧٩٣)، وابن حبان (٤٦٣٧)، والحاكم ٢/ ٨٥، وأبو نعيم في «الحلية» ١٠/ ١٧١، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١٦٩ من طريق ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، لكن سقط من إسناد الحاكم: القاسم بن عباس، وكذلك لم يذكره الحافظ في «إتحاف المهرة» في إسناد «المستدرك»، لكن البيهقي أخرج الحديث من طريق الحاكم وأوهم أنه مثبَتٌ فيه القاسم بن عباس! ووقع في إسناد ابن حبان وأبي نعيم: مكرز بدل: ابن مكرز، وهو تحريف، =

٢٥ - باب من قاتَلَ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا
٢٥١٧ - حدَّثنا حفصُ بن عُمرَ، حدَّثنا شُعبة، عن عَمرو بن مُرّةَ، عن أبي وائلٍ عن أبى موسى: أن أعرابيًا جاء إلى رسولِ الله ﷺ، فقال: إن الرجلَ يقاتلُ للذِّكْر، ويقاتلُ ليُحمَدَ، ويقاتلُ ليَغْنَم، ويقاتلُ ليُرى مكانُه، فقال رسولُ الله ﷺ: «من قاتلَ حتى تكونَ كلمةُ الله هي أَعلَى فهو في سبيلِ اللهِ عز وجل» (١).


= لأن ابن حبان أخرجه من طريق ابن المبارك، وقد جاء عند ابن المبارك في «الجهاد» على الصواب: ابن مكرز.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٣٧١، وعنه البيهقي في «شعب الإيمان» (٦٨٤٠) من طريق سعيد بن مسعود، عن يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن الوليد بن سرح (وتحرف في مطبوع الحاكم إلى: الوليد بن مسلم، وصوبناه من الأصل ومن «الشعب» عن أبي هريرة. كذا سماه الوليد بن سرح، ولكن الحافظ في «إتحاف المهرة» سماه: الوليد بن سراح! وسقط من إسناد الحاكم أيضًا القاسم بن عباس! ولم يذكره الحافظ كذلك في «الإتحاف» في إسناد الحاكم، ومع ذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي!! وسعيد بن مسعود -وهو ابن عبد الرحمن المروزي، وإن قال فيه الذهبي في «السير» ١٢/ ٥٠٤: أحد الثقات- خالفه الإمام أحمد (٧٩٠٠) فرواه عن يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن مكرز، عن أبي هريرة، ولا شك أن رواية الإمام أحمد أولى بالقبول لجلالته، ولموافقة روايته رواية الباقين عن ابن أبي ذئب.
وفي الباب عن أبي أمامة الباهلي عند النسائي (٣١٤٠) وحسن إسناده العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» ٤/ ٣٨٤، وجوّده ابن حجر في «الفتح» ٦/ ٣٥.
(١) إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة.
وأخرجه البخاري (٢٨١٠)، ومسلم (١٩٠٤)، والنسائي (٣١٣٦) من طريق شعبة، بهذا الإسناد. =

٢٥١٨ - حدَّثنا علي بن مُسلم، حدَّثنا أبو داودَ، عن شعبةَ، عن عَمرو، قال: سمعتُ من أبي وائلٍ حديثًا أعجَبَني، فذكر معناهُ (١).
٢٥١٩ - حدَّثنا مُسلُم بن حاتِمٍ الأنصاريُّ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن مَهديٍّ، حدَّثنا محمدُ بن أبي الوضاحِ، عن العلاءِ بن عبدِ الله بن رافعٍ، عن حَنَانِ بن خارجةَ عن عبد الله بن عمرو، قال: قال عبدُ الله بن عَمرٍو: يا رسولَ الله، أخبِرْني، عن الجهاد والغزْو، فقال: «يا عبدَ الله بن عمرو، إن قاتلتَ صابرًا مُحتسبًا بعثكَ اللهُ صابرًا مُحتسبًا، وإن قاتلتَ مُرائيًا مُكاثرًا بعثكَ اللهُ مُرائيًا مُكاثرًا، يا عبدَ اللهِ بن عَمرٍو، على أيّ حالٍ قاتَلْتَ أو قُتلْتَ بعثكَ اللهُ على تِيكَ الحالِ» (٢).


= وأخرجه البخاري (١٢٣)، ومسلم (١٩٠٤) من طريق منصور بن المعتمر، والبخاري (٧٤٥٨)، ومسلم (١٩٠٤)، وابن ماجه (٢٧٨٣)، والترمذي (١٧٤١)، من طريق الأعمش، كلاهما عن أبي وائل، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤٩٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٣٦). وقوله: والرجل يقاتل للذكر، أي: ليذكر بين الناس، ويشتهر بالشجاعة.
وقوله: من قاتل لتكون كلمة ... المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط، بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببًا من الأسباب المذكورة أخل بذلك، ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنًا لا أصلًا ولا مقصودًا، وبذلك صرح الطبري فقال: إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك، وبذلك قال الجمهور. «فتح الباري» ٢٨/ ٦ - ٢٩.
(١) إسناده صحيح. أبو داود: هو سليمان بن داود الطيالسي.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف لجهالة حنان بن خارجة، فقد قال ابن القطان: مجهول الحال. وقد اختلف في رفع الحديث ووقفه. محمد بن أبي الوضاح: هو محمد بن مُسلم بن أبي الوضاح.

٢٦ - باب في فضْل الشهادة
٢٥٢٠ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا عبدُ الله بن إدريسَ، عن محمدِ ابن إسحاقَ، عن إسماعيلَ بن أُميّةَ، عن أبي الزُّبيرِ، عن سعيدِ بن جُبَير
عن ابنِ عباس قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لما أُصيب إخوانُكم بأحُدٍ جعلَ اللهُ أرواحَهم في جَوْفِ طَيرٍ خُضْر تَرِدُ أنهارَ الجَنةِ: تأكلُ من ثمارِها، وتَأوي إلى قَناديلَ من ذهبٍ مُعلَّقةٍ في ظلّ العرشِ، فلما وجَدُوا طِيْبَ مأكَلِهم ومَشربِهم ومَقِيلِهم، قالوا: من يُبلِّغُ إخوانَنا عنّا أنا أحياءٌ [في الجنةِ] نُرزقُ، لئلا يَزهَدُوا في الجهاد ولا يَنكُلوا عند الحرب؟ فقال الله تعالى: أَنا أُبلغهم عنكُم، قال: فأنزلَ اللهُ عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾ [آل عمران: ١٦٩] إلى آخر الآية (١).


= وأخرجه الحاكم ٢/ ٨٥ - ٨٦ من طريق إسحاق من منصور، والحاكم ٢/ ١١٢، والبيهقي في»السنن«٩/ ١٦٨ من طريق أحمد بن حنبل، والبيهقي في»شعب الإيمان«(٤٢٦٤) من طريق مسلم بن حاتم الأنصاري ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي!
وأخرجه ابن أبي الدنيا في»محاسبة النفس«(٦٢) ومن طريقه البيهقي في»الزهد«(٣٦٩) عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، به موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص.
وكذلك أخرجه موقوفًا الطيالسي (٢٢٧٧) عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، به، لكن أخرجه المزي في»تهذيب الكمال«في ترجمة حنان بن خارجة من طريق أبي داود الطيالسي، فجعله مرفوعًا!!
والحديث عند أبي يعلى الموصلي في»مسنده«كما أشار إليه البوصيري في»إتحاف الخيرة" (٩٤٨١) موقوفًا كذلك. ونظنه من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب كابن أبي الدنيا، والله أعلم.
(١) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي- وقد صرح بالسماع عند أحمد (٢٣٨٨) وغيره، فانتفت شبهة تدليسه. =

٢٥٢١ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يزيدُ بن زُريع، حدَّثنا عَوف، حدَّثتنا حسناءُ بنتُ معاويةَ الصُّريميَّهُ، قالت:
حدَّثنا عمّي، قال: قلتُ للنبيِّ ﷺ: مَنْ في الجنة؟ قال: «النبيُّ في الجنةِ، والشهيدُ في الجنةِ، والمولُودُ في الجنةِ، والوَئيدُ في الجنةِ» (١).


= وأخرجه بقي بنُ مخلدٍ كما في «التمهيد» ١١/ ٦١، وعبد الله بن أحمد في زيادات «المسند» (٢٣٨٩)، وابن أبي عاصم في «الجهاد» (٥٢) و(١٩٣)، وأبو يعلى (٢٣٣١)، والآجري في «الشريعة» ص ٣٩٢ - ٣٩٣، والحاكم ٢/ ٨٨ و٢٩٧ - ٢٩٨، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١٦٣، وفي«الدلائل» ٣/ ٣٠٤، وفي «الشعب» (٤٢٤٠)، وفي «الأسماء والصفات» ص ٣٦٤ - ٣٦٥، وفي «البعث» (٢٠١)، وفي «إثبات عذاب القبر» (١٤٥)، والواحدي في «أسباب النزول» ص ٨٥ من طرق عن عبد الله بن إدريس، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه عبد بن حميد (٦٧٩) عن يوسف بن بهلول، عن عبد الله بن إدريس، به ولم يذكر سعيد بن جبير في إسناده!
وأخرجه ابن أبي شيبة ٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥، وأحمد (٢٣٨٨)، وهناد بن السري في «الزهد» (١٥٥)، وابن أبي عاصم في «الجهاد» (١٩٤) من طريق محمد بن فضيل، وابن أبي عاصم (١٩٥) من طريق إسماعيل بن عياش، والطبري في «تفسيره» من طريق سلمة ابن الفضل وإسماعيل بن عياش، ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. دون ذكر سعيد بن جبير في إسناده.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في «الجهاد» (٦٢) عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير المكي وغيره، عن ابن عباس. دون ذكر سعيد بن جبير في إسناده.
قال ابن كثير في «تفسيره» ٢/ ١٤١ عن طريق عبد الله بن إدريس الذي فيه سعيد بن جبير: وهذا أثبتُ، وكذا رواه سفيان الثوري، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود عند مسلم (١٨٨٧).
(١) حديث حسن وهذا إسناد رجاله ثقات غير حسناء بنت معاوية فإنها لا تعرف.
مُسَدد: هو ابن مُسَرهَد. عوف: هو ابن أبي جميلة الأعرابي. =

٢٧ - باب في الشهيد يَشفع
٢٥٢٢ - حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا يحيى بنُ حسانَ، حدَّثنا الوليدُ بنُ رباحٍ الذِّماريُّ حدثني عمّي نِمْرانُ بن عتبةَ الذِّماريُّ، قال: دخلْنا على أُم الدَرداء ونحن أيتامٌ، فقالت: أبشِروا فإني سمعتُ أبا الدَرداء يقول: قال رسولُ الله ﷺ: «يَشفعُ الشهيدُ في سبعينَ من أهلِ بيتهِ» (١).


= وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٧/ ٨٤، وابن أبي شيبة ٥/ ٣٣٩، وأحمد (٢٠٥٨٣)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (٤٥١)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٨٦٤)، وفي «أخبار أصبهان» ٢/ ١٩٩، والبيهقي ٩/ ١٦٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٨/ ١١٦ من طرق عن عوف الأعرابي، به.
وله شاهد من حديث الأسود بن سريع وأنس بن مالك، وكعب بن عجرة، انظر تخريجها في «المسند» (٢٠٥٨٣).
ولقوله: «النبي في الجنة» شاهد من حديث سعيد بن زيد، عند أحمد (١٦٣١) وإسناده حسن.
وله شاهد مرسل صحيح عند أبي القاسم البغوي في «مسند ابن الجعد» (٣١٨٢)، حدَّثنا يزيد بن إبراهيم التستري، قال: سمعت الحسن قال: قيل: يا رسول الله من في الجنة؟ قال النبي ﷺ: «النبي في الجنة، والصِّديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة».
والوئيد هو الموءود، أي: المدفون في الأرض حيًّا، وكانوا يئدون البنات، ومنهم من كان يئد البنين أيضًا عند المجاعة والضيق يُصيبهم. ومن هذا قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)﴾ [التكوير:٨ - ٩].
«والمولود»: هو الطفل الصغير والسقط ومن لم يُدرك الحِنث. قاله الخطابي.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. نمران بن عتبة الذِّماري روى عنه حريز بن عثمان ورباح بن الوليد الذماري وعياش بن يونس أبو معاذ الشامي، وذكره ابن حبان في «الثقات» فهو صدوق حسن الحديث، والله أعلم، وقد قال أبو داود: شيوخ حريز كلهم ثقات. =

قال أبو داودَ: صوابه رباحُ بن الوليدِ.

٢٨ - باب في النور يُرى عند قبر الشهيدِ
٢٥٢٣ - حدَّثنا محمد بن عَمرو الرَّازيُّ، حدَّثنا سلمةُ -يعني ابنَ الفضلِ- عن محمد بن إسحاقَ، حدثني يزيدُ بن رُومانَ، عن عروةَ
عن عائشة، قالتْ: لما ماتَ النَّجاشيُّ كنَّا نتحدثُ أنه لا يَزالُ يُرى على قبرهِ نورٌ (١).
٢٥٢٤ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا شعبةُ، عن عَمرو بن مُرَّةَ، قال: سمعت عَمرو بن ميمونٍ، عن عبدِ الله بن رُبَيِّعةَ
عن عُبيد بن خالدٍ السُّلميِّ، قال: آخى رسولُ الله ﷺ بين رجلين، فقُتل أحدُهما، وماتَ الآخَر بعدَه بجمعةٍ أو نحوِها فصلَّينا عليه، فقال رسولُ الله ﷺ: «ما قلتُم؟» فقلنا: دعَونَا لَه، وقلنا: اللهم اغفِرْ


= وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٤٦٦٠)، والطبراني كما قال المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة رباح بن الوليد الذماري، والبزار في «مسنده» كما قال المنذري في «تهذيب السنن» ٣/ ٣٧٥، والآجري في «الشريعة» ص ٣٥٩، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١٦٤، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٦٢/ ٢٢٢ من طريق يحيى ابن حسان، بهذا الإسناد. كلهم قالوا: الوليد بن رباح على الوهم.
وفي الباب عن المقدام بن معدي كرب عند أحمد (١٧١٨٢)، وابن ماجه (٢٧٩٩)، والترمذي (١٧٥٦). وقال الترمذي: حديث صحيح غريب. قلنا: إسناد أحمد حسن.
(١) إسناده حسن. سلمة بن الفضل -وهو الأبرش- أثبتُ الناس في ابن إسحاق-، وقد صرح ابن إسحاق بسماعه فانتفت مظِنَّة تدليسه هنا.
وهو في «السيرة النبوية» لابن هشام ١/ ٣٦٤ عن زياد بن عبد الله البكائي، عن ابن إسحاق، به.

له وألحِقْه بصاحبِه، فقال رسولُ الله ﷺ: «فأينَ صلاتُه بعد صلاتِه وصومُه بعد صومِه؟ -شك شعبة في صومه- وعملُه بعد عملِه، إن بينهما كما بين السماءِ والأرضِ» (١).

٢٩ - باب في الجَعائل في الغزو
٢٥٢٥ - حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ، أخبرنا أبو سلمةَ (ح)
وحدَّثنا عَمرو بن عُثمانَ، حدَّثنا محمدُ بن حرب -المعنى، وأنا لحديثه أتقنُ- عن أبي سلمةَ سليمانَ بن سُليمِ، عن يحيى بن جابرٍ الطائى، عن ابنِ أخي أبي أيوبَ الأنصاريِّ


(١) إسناده صحيح. عمرو بن ميمون: هو الأودي، وشعبة: هو ابن الحجاج، ومحمد بن كثير: هو العَبدي.
وأخرجه النسائي (١٩٨٥) من طريق عبد الله بن المبارك، عن شعبة بن الحجاج، بهذا الإسناد. وقال في روايته: عن عبد الله بن رُبيِّعة السلمي - وكان من أصحاب رسول الله ﷺ ونقل الحافظ في «الإصابة» عن البخاري قوله: لم يتابع شعبة على ذلك. قلنا: يعني على ذكر الصحبة لعبد الله بن ربيعة.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠٧٤) و(١٧٩٢١).
وفي الباب عن طلحة بن عُبيد الله، وعن سعد بن أبي وقاص عند أحمد (١٤٠٣) و(١٥٣٤).
قال صاحب «بذل المجهود» ١٢/ ١٠: قد يُستشكل فضيلة درجة الآخر بالصلاة والصوم والأعمال غير الصلاة والصوم على القتل في سبيل الله. قلت: لا إشكال فيه، فإن بعضهم يبلغ درجة بالصلاة والصوم لا يبلغها الشهداء وغيرهم بكمال إخلاصه وصدقه مع الله تعالى، فلعل هذا الرجل الآخر بلغ درجة بإخلاصه وصدقه في أعماله لم يبلغها الأول مع شهادته في سبيل الله.
ويحتمل أن يقال: إن الأول لم يبلغ منزلة الشهادة الكاملة لأمر عرض في نيته، فقصر عن درجة الشهادة الكاملة، وأما الآخر، فبلغ بإخلاصه في نيته في الصلاة والصوم والأعمال درجة فاق على الأول.

عن أبى أيوبَ أنه سمعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «ستُفتَحُ عليكم الأمصارُ، وستكونُ جنود مُجنَّدةٌ تُقطَع عليكم فيها بُعوثٌ، فيكرهُ الرجلُ منكم البَعْثَ فيها، فيتخلَّص من قومِه، ثم يتصفَّح القبائلَ يَعرِضُ نفسَه عليهم، يقول: من أكفِيه بَعْثَ كذا، من أكفيه بَعْثَ كذا؟ ألا وذلك الأجيرُ إلى آخر قَطْرَةٍ من دمِه» (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف ابن أخي أبي أيوب -وهو أبو سورة- قال البخاري: منكر الحديث، يروي عن أبي أيوب مناكير لا يتابَع عليها، وقال أيضًا: لا يُعرف له سماع من أبي أيوب. عمرو بن عثمان: هو ابن سعيد بن كثير، ومحمد بن حرب: هو الأبرش الخولاني. وأخرجه أحمد (٢٣٥٠٠)، والهيثم الشاشي في «مسنده» (١١٣٠)، والطبراني في "مسند الشاميين، (١٣٨٠)، والبيهقي ٢٧/ ٩ من طريق محمد بن حرب، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: فيه دليل على كراهة الجعائل (ما يعطاه الإنسان على الأمر بفعله، والمراد به في الحديث: أن يكتب الجهاد على الرجل فيعطي آخر شيئًا من المال ليخرج مكانه، أو يدفع المقيم إلى الغازي شيئًا فيقيم الغازي، ويخرج هو). وفيه دليل على أن عقد الإجارة على الجهاد غير جائز. وقد اختلف الناس في الأجير يحضر الوقعة، هل يُسهم له، فقال الأوزاعي: المستأجَر على خدمة القوم لا سهم له، وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وقال سفيان الثوري: يُسهَم له إذا غزا وقاتل، وقال مالك وأحمد: يُسهَم له إذا شهد وكان مع الناس عند القتال. قال الخطابي: قلت: يشبه أن يكون معناه في ذلك أن الإجارةَ إذا عقدت على أن يجاهد عن المستأجِر، فإنه إذا صار جهاده لحضور الوقعة فرضًا عن نفسه، بطل معنى الإجارة، وصار الأجيرُ واحدًا من جملة من حضر الوقعة، فإنه يُعطى سهمَه إلا أن حصة الأجرة لتلك المدة ساقطة عن المستأجر.

٣٠ - باب الرُّخصةِ في أخذِ الجَعائل
٢٥٢٦ - حدَّثنا إبراهيمُ بن الحَسن المِصِّيصِيُّ، حدَّثنا حَجَّاج -يعني ابنَ محمدٍ- (ح)
وحدَّثنا عبدُ الملك بن شُعيب، حدَّثنا ابنُ وهب، عن الليث بن سعْدٍ، عن حَيوةَ بن شُريحٍ، عن ابنِ شُفَيٍّ، عن أبيه
عن عبد الله بن عَمرو أن رسول الله ﷺ قال: «للغازي أجرُه، وللجاعِلِ أجرُه وأجرُ الغازي» (١).

٣١ - باب في الرجل يغزو بأجْرِ الخِدمة
٢٥٢٧ - حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا عبدُ الله بن وهْب، أخبرني عاصمُ ابن حَكيم، عن يحيى بن أبي عَمرو السَّيْبانيِّ، عن عبدِ الله بن الدَّيلَمِيِّ أن يَعلَى ابن مُنْيَةَ، قال: أَذن رسولُ الله ﷺ بالغزو وأنا شيخٌ كبيرٌ، ليس لي خادمٌ، فالتمستُ أجيرًا يكفيني وأُجْري له سَهْمَه، فوجدتُ


(١) إسناده صحيح. ابن شُفَيٍّ: هو حسين بن شُفَى بن ماتِعٍ الأصبحي، وابن وهب: هو عبد الله بن وهب.
وأخرجه أحمد (٦٦٢٤)، وابن الجارود (١٠٣٩)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٣٢٦٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٢٨، وفي «شعب الإيمان» (٤٢٧٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٧١) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: في هذا ترغيب للجاعل ورخصة للمجعول له، واختلف العلماء في ذلك: فرخص فيه الزهري ومالك بن أنس، وقال أصحاب الرأي: لا بأس به وكرهه قوم، وروي عن ابن عمر أنه قال: أرى الغازي يبيع غزوَهُ وأرى هذا يفرُّ من عدوّه، وكرهه علقمة. وقال الشافعي: لا يجوز أن يغزو بجُعل فلو أخذه فعليه ردُّه، وعن النخعي أنه قال: لا بأس بإعطائه، وأكره أخذه للأجر.

رجلًا، فلما دنا الرحيلُ أتاني، فقال: ما أدري ما السُّهْمانُ، وما يبلغُ سَهمي؟ فسَمِّ لي شيئًا كان السهمُ أَو لم يكن، فسمّيتُ له ثلاثةَ دنانيرَ.
فلما حضرتْ غنيمتُه أردتُ أن أُجريَ له سهمَه، فذكرتُ الدنانيرَ، فجئتُ النبيَّ ﷺ فذكرتُ له أَمرَه، فقال «ما أجِدُ له في غزوته هذه في الدنيا والآخرةِ، إلا دنانيرَه التي سمَّى» (١).

٣٢ - باب في الرجل يغزُو وأبوَاه كارهان
٢٥٢٨ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، وقال: حدَّثنا عطاءُ بن السائبِ، عن أبيه


(١) إسناده صحيح. عبد الله بن الديلمي: هو ابن فيروز، ويعلى ابن مُنيةَ: هو ابن أميَّهَ، فأُمية أبوه، ومنية اسم أمه.
وأخرجه الحاكم ٢/ ١١٢ وعنه البيهقي ٦/ ٣٣١ من طريق أحمد بن صالح، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه بنحوه أحمد (١٧٩٥٧)، والطبراني في «الكبير» ١٨/ (١٤٦) و٢٢/ (٦٦٧)، و «الأوسط» (٦٦٢٥)، والحاكم ٢/ ١٠٩، والبيهقي ٩/ ٢٩ من طريق خالد بن دُريك، عن يعلى ابن مُنية. وخالد بن دريك لا يصح سماعُه من يعلى ابن منية.
قال ابن حجر في «الفتح» ١٢٥/ ٦: للأجير في الغزو حالان: إما أن يكون استؤجر للخدمة، أو استؤجر ليقاتل، فالأول: قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: لا يُسهَم له، وقال الأكثر: يُسهَم له لحديث سلمة: كنت أجيرًا لطلحة أسوسُ فرسَه ..
أخرجه مسلم [١٨٠٧]، وفيه أن النبي ﷺ أسهم له، وقال الثوري: لا يُسهم للأجير إلا إن قاتل، وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل فقال المالكية والحنفية: لا يُسهم له، وقال الأكثر: له سَهمُه، وقال أحمد: لو استأجر الإمام قومًا على الغزو لم يُسهم لهم سوى الأجرة، وقال الشافعي: هذا فيمن لم يجب عليه الجهادُ، أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف، فإنه يتعين عليه الجهاد، فيُسهم له، ولا يستحق أجرة.

عن عبد الله بن عَمرٍو، قال: جاء رجل إلى رسولِ الله ﷺ، فقال: جئتُ أُبايُعك على الهجرةِ، وتركتُ أبويَّ يبكيان، فقال: «ارجِعْ إليهما فَأضحِكْهُما كما أبكيتَهما» (١).
٢٥٢٩ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، عن حبيبِ بن أبي ثابتٍ، عن أبي العباسِ عن عبد الله بن عمرو، قال: جاء رجلٌ إلى النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسولَ الله، أُجاهدُ؟ قال: «ألك أبوانِ؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فَجاهِدْ» (٢).


(١) إسناده صحيح. سفيان -وهو الثوري- سماعه من عطاء بن السائب قبل اختلاطه. والسائب والد عطاء: هو ابن مالك أو ابن زيد الثقفي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧٨٢) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، والنسائي (٤١٦٣) من طريق حماد بن زيد، كلاهما عن عطاء بن السائب، به. وجاء عند ابن ماجه: إني جئت أريد الجهاد، بدل: الهجرة.
وهو في «مسند أحمد» (٦٤٩٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٩).
قال الخطابي: الجهاد إذا كان الخارج فيه متطوعًا، فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، فأما إذا تعين عليه فرضُ الجهاد، فلا حاجة به إلى إذنهما، وإن منعاه من الخروج عصاهما، وخرج في الجهاد. وهذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه من الجهاد فرضًا كان أو نفلًا، وطاعتهما حينئذٍ معصية لله، ومعونة للكفار، وإنما عليه أن يبرهما ويُطيعهما فيما ليس بمعصية.
قال: ولا يخرج إلى الغزو إلا بإذن الغرماء إذا كان عليه لهم دَين عاجلٌ، كما لا يخرج إلى الحج إلا بإذنهم، فإن تعين عليه فرض الجهاد لم يعرّج على الإذن.
(٢) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وأخرجه البخاري (٣٠٠٤)، ومسلم (٢٥٤٩)، والترمذي (١٧٦٦)، والنسائي (٣١٠٣) من طريق حبيب بن أبي ثابت، به. =

قال أبو داودَ: أبو العبَّاس هذا: الشاعرُ، اسمُه السائبُ بن فَرُّوخٍ
٢٥٣٠ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصور، حدَّثنا عبدُ الله بن وهب، أخبرني عَمرو ابن الحارث، أن درَّاجًا أبا السّمح، حدثه، عن أبي الهَيثم
عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا هاجَر إلى رسولِ الله ﷺ مِن اليمنِ، فقال: «هل لك أحدٌ باليمن؟» قال: أبواي، قال: «أذِنا لك؟» قال: لا، قال: «ارجعِ إليهما فاستأذِتهما، فإن أذِنا لك فجَاهِد، وإلا فبِرَّهما» (١).

٣٣ - باب في النساء يغزون
٢٥٣١ - حدَّثنا عبدُ السلامِ بن مُطَهرٍ، حدَّثنا جعفرُ بن سُليمَانَ، عن ثابتٍ عن أنسٍ قال: كان رسولُ الله ﷺ يغزو بأم سُليم، ونسْوةٍ من الأنصارِ ليَستقِينَ الماءَ ويُداوِينَ الجَرحَى (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (٦٥٤٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣١٨).
وأخرجه بنحوه مسلم (٢٥٤٩) من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو.
وهو في «مسند أحمد» (٦٥٢٥).
(١) إسناده ضعيف لضعف درّاج أبي السَّمح -وهو ابن سمعان- في روايته عن أبي الهيثم - وهو سيمان بن عمرو العُتْواري.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٣٤).
وأخرجه أحمد (١١٧٢١)، وابن الجارود (١٠٣٥)، وأبو يعلى (١٤٠٢)، وابن حبان (٤٢٢)، والحاكم ٢/ ١٠٣ - ١٠٤، وأبو نعيم في «الحلية» ٨/ ٣٢٨، والبيهقي ٩/ ٢٦ من طريق درّاج أبي السَّمح، به. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: درّاج واهٍ. ويغني عنه حديث عبد الله بن عمرو السالف قبله.
(٢) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلمَ البُنانيُّ. =

٣٤ - باب في الغزو مع أئمة الجَوْر
٢٥٣٢ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا أبو معاويةَ، حدَّثنا جعفرُ بن بُرقانَ، عن يزيدَ بن أبي نُشبةَ
عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاث من أصلِ الإيمان: الكفُّ عمَّن قال: لا إله إلا اللهُ، ولا نكفِّره بذنبٍ، ولا نُخرجُه من الإسلام بعملٍ، والجهادُ ماضٍ منذُ بعثني اللهُ إلى أن يقاتلَ آخِرُ أُمتي الدجالَ، لا يبطِلُه جَوْر جائرٍ، ولا عَدل عادلٍ، والإيمانُ بالأقدار» (١).


وأخرجه مسلم (١٨١٠)، والترمذي (١٦٦٥)، والنسائى في «الكبرى» (٧٥١٥) و(٨٨٣١) من طريق جعفر بن سليمان، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٧٢٣).
قال الإمام النووي: فيه خروج النساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة ونحوهما، وهذه المداواة لمحارمهن وأزواجهن، وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مسُّ بشرة إلا في موضع الحاجة.
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة يزيد بن أبي نُشْبَة، بضم النون وسكون الشين المعجمة، وبعدها باء بواحدة مفتوحة وتاء تأنيث. ضبطه المنذري.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٦٧).
وأخرجه أبو يعلى (٤٣١١) و(٤٣١٢)، والبيهقي في «السنن» ٩/ ١٥٦، وفي «الاعتقاد» ص ١٨٨، والضياء المقدسي في «المختارة» (٢٧٤١) و(٢٧٤٢)، والمزي في ترجمة يزيد بن أبي نُشبة من «تهذيب الكمال» من طريق جعفر بن بُرقان، به.
ولقوله: «الكف عمن قال: لا إله إلا الله» شواهد عدة منها:
قوله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله» روي من حديث أبي هريرة عند البخاري (٢٩٤٦)، ومسلم (٢١). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقوله ﷺ لأسامة بن زيد وقد قتل رجلًا بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله: «أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها أم لا؟!» أخرجه البخاري (٤٢٦٩)، ومسلم (٩٦) من حديث أسامة نفسه. واللفظ لمسلم.
ولقرله: «الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» شواهد منها: قوله ﷺ: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» روي من حديث عبد الله ابن عمر عند البخاري (٢٨٤٩)، ومسلم (١٨٧١)، ومن حديث عروة بن الجعد عند البخاري (٢٨٥٠) و(٢٨٥٢)، ومسلم (١٨٧٣)، وزاد: «الأجر والمغنم».
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: «الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر» قال الحافظ في «الفتح» ٦/ ٥٦: سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد، لأنه جمع ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، والمغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلًا، فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر.
وكذلك قال ابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٩٧ وذكر هذا الحديث: وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث، لأنه قال فيه: «إلى يوم القيامة» ولا وجه لذلك إلا الجهاد في سبيل الله لأنه قد ورد الذم فيمن ارتبطها واحتبسها رياة وفخرًا ونواء لأهل الإسلام قلنا: يعني بحديث الذم حديث أبى هريرة عند البخاري (٧٣٥٦)، ومسلم (٩٨٧) وفيه: «ورجل ربطها فخرًا ورياء فهي على ذلك وزر».
ويشهد لقوله: «الجهاد ماض» أيضًا قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، لا يضرهم من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال»، وقد سلف عند المصنف من حديث عمران بن حصين برقم (٢٤٨٤) وإسناده صحيح ومن حديث جابر بن عبد الله عند مسلم (١٥٦)، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم كذلك (١٩٢٢)، وحديث معاوية بن أبي سفيان كذلك عنده (١٠٣٧) (١٧٥).
ويشهد له أيضًا حديث أبي هريرة الآتي بعده. =

٢٥٣٣ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهب، حدثني معاويةُ بن صالح، عن العلاءِ بن الحارثِ، عن مكحولٍ
عن أبي هُريرةَ، قال: قال رسول الله ﷺ: «الجهادُ واجبٌ عليكم مع كلِّ أميرٍ، بَرًّا كان أو فاجرًا، والصلاةُ واجبةٌ عليكم خلفَ كلِّ مسلمٍ، بَرًا كان أو فاجرًا، وإنْ عَمِل الكبائرَ، والصلاةُ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ، برًا كان أو فاجرًا، وإن عملَ الكبائرَ» (١).

٣٥ - باب الرجلِ يتحمل بمالِ غيرِه يغزو
٢٥٣٤ - حدَّثنا محمد بن سليمانَ الأنباريُّ، حدَّثنا عَبيدةُ بن حُميدٍ، عن الأسودِ بن قَيسِ، عن نبيحٍ العَنَزيِّ
عن جابر بن عبد الله، حدَّث، عن رسولِ الله ﷺ أنه أراد أن يغزوَ، فقال: «يا معشرَ المهاجرين والأنصارِ، إنَّ من إخوانِكم قومًا ليس لهم مالٌ ولا عَشيرةٌ، فليضُمَّ أحدُكم إليه الرجلين أو الثلاثةَ» فما


ولقوله: «والإيمان بالأقدار» يشهد له حديث جبريل الطويل لما جاء بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وفيه: أن جبريل سأل النبي ﷺ عن الإيمان، فقال ﷺ: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، وهو عند مسلم (٨) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، و(١٠) من حديث أبي هريرة.
(١) رجاله ثقات لكنه منقطع فإن مكحولًا -وهو الشامي- لم يسمع من أبي هريرة كما قال المنذري في «تهذيب السنن». معاوية بن صالح: هو ابن حُدَير الحمصي، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (١٥١٢)، والبيهقي في«السنن الكبرى» ٣/ ١٢١ و٨/ ١٨٥، وفي «السنن الصغرى» (٥٣٤)، وفي «شعب الإيمان» (٩٢٤٢) من طريق معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
وقطعةُ الصلاةِ خلف كل بَرّ وفاجر سلفت عند المصنف برقم (٥٩٤) بهذا الإسناد.

لأحدنا من ظهرٍ يحملُه إلا عُقبْةً كعُقبةِ -يعني- أحدِهم، قال: فضممتُ إليَّ اثنين أو ثلاثةً، قال: مالي إلا عُقبةٌ كعُقبةِ أحدِهم من جَمَلي (١).

٣٦ - باب في الرجلِ يغزو يلتمسُ الأجرَ والغنيمةَ
٢٥٣٥ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا أسدُ بن موسى، حدَّثنا معاويةُ بن صالحٍ، حدثني ضَمْرةُ
أن ابن زُغْبٍ الإياديَّ حدَّثه، قال: نزل عليَّ عبدُ الله بن حَوالَةَ الأزديُّ، فقال لي: بعثَنا رسولُ الله ﷺ لِنَغْنَم على أقدامِنا فرجَعْنا، فلم نغنمْ شيئًا، وعرفَ الجَهْدَ في وجُوهنا، فقام فينا، فقال: «اللهم
لا تَكِلْهم إليَّ، فأضعُفَ عنهم، ولا تَكِلْهُم إلى أَنفُسِهم، فيعجِزُوا عنها، ولا تكلْهم إلى الناسِ، فيستأثِروا عليهم» ثم وضعَ يدَه على رأسِي -أو قال: على هامَتي- ثم قال: «يا ابنَ حَوالة، إذا رأيتَ الخِلافةَ قد نزلت أَرض المقدَّسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك» (٢).


(١) إسناده صحيح. نُبيحٌ العَنزي: هو ابن عبد الله أبو عمرو الكوفي.
وأخرجه أحمد (١٤٨٦٣)، والحاكم ٢/ ٩٠، والبيهقي ٩/ ١٧٢ من طريق عَبيدة ابن حميد، بهذا الإسناد.
قوله: «إلا عُقبة كعُقبةِ يعني أحدهم» العُقبة بالضم ركوبُ مركب واحد بالنوبة على التعاقب، «كعقبة يعني أحدهم» بالجر وهو المضاف إليه لعقبة، ووقع لفظ «يعني» بين المضاف والمضاف إليه، والمعنى: لم يكن لي فضل في الركوب على الذين ضممتُهم إليّ، بل كان لي عقبة من جملي مثل عقبة أحدهم. قاله العظيم آبادي في «شرحه» على سنن أبي داود.
(٢) ضعيف. معاوية بن صالح -وهو ابن حُدير الحضرمي، وإن كان ثقة- يقع في حديثه إفرادات يهم فيها، وفى حديثه هذا نكارة. ابن زُغْب -وهو عبد الله- مختلف =

قال أبو داود: عبد الله بن حَوالة حمصي.

٣٧ - باب في الرجُل يَشْري نفسَه
٢٥٣٦ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا عطاءُ بن السائب، عن مُرَّةَ الهَمدانى


= في صحبته، والصواب أنه من تابعي أهل حمص، وقال الذهبي في «الميزان»: ما روى عنه سوى ضمرة بن حبيب، وقال في «الكاشف»: ليس بالمشهور، وترجمه ابن حبان في«الثقات» فسماه: زُغب بن عبد الله، وقال: يُغرب. قلنا: فهو في عداد المجهولين، والله تعالى أعلم.
وأخرجه البخاري في «تاريخه» ٨/ ٤٣٦ - ٤٣٧، وأحمد (٢٢٤٨٧)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» ١/ ٢٦٦ - ٢٦٧، وابن أبي الدنيا في «العقوبات» (٢٦٢)، وأبو يعلى (٦٨٦٧)، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٠١٩)، والحاكم ٤/ ٤٢٥، والبيهقي ٩/ ١٦٩، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ١/ ٣٨٩ و٣٩١ - ٣٩٢، وفي ترجمة عبد الله بن حوالة ٢٧/ ٤٣٥، والمزي في ترجمة عبد الله بن زغب من «تهذيب الكمال» ١٤/ ٥١٩ من طريق معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
ووقع عند أبي يعلى ومن طريقه ابن عساكر في بعض رواياته: زغب بن فلان الأزدي، بدل: عبد الله بن زغب، قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما هو عبد الله بن زغب.
وأخرجه بسياقة أخرى يعقوب بن سفيان ٢/ ٢٨٨ - ٢٨٩، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٢٩٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١١١٤)، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٥٤٠)، وأبو نعيم في «الحلية» ٢/ ٣ - ٤، وفي «دلائل النبوة» (٤٧٨) والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ٣٢٧، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (٥٠٠) من طريق يحيى بن حمزة الحضرمي، عن نصر بن علقمة الحضرمي، يرده إلى جبير بن نفير، عن عبد الله بن حوالة. ولم يذكر فيه قوله: «إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت البلايا ...» وهو صحيح بهذه السياقة، وانظر ما سلف برقم (٢٤٨٣).

عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «عَجِب ربُّنا عز وجل من رجلٍ غزا في سبيلِ الفهِ فانهزمَ -يعني أصحابه- فعَلِمَ ما عليه، فرجَع حتى أُهَرِيقَ دَمُه، فيقولُ اللهُ عز وجل لملائكتِه: انظُروا إلى عبدي رجَع رغْبةً فيما عندي، وشَفَقةً مما عندي، حتى أُهَرِيقَ دمه» (١).


(١) إسناده صحيح. عطاء بن السائب سماعُ حماد -وهو ابن سلمة- منه قبل اختلاطه، لكن الدارقطني صحح وقفه في «العلل» ٥/ ٢٦٧.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٥/ ٣١٣، وأحمد (٣٩٤٩)، وابن أبي عاصم في «السنة» (٥٦٩)، وأبو يعلى (٥٢٧٢) و(٥٣٦١) و(٥٣٦٢)، وابن خزيمة في «التوحيد» (٦٠٥)، والشاشي في «مسنده» (٨٧٦)، وابن حبان (٢٥٥٧)، والطبراني في «الكبير» (١٠٣٨٣)، والحاكم ٢/ ١١٢، وأبو نعيم في «الحلية» ٤/ ١٦٧، والبيهقي في «السنن» ٩/ ٤٦ و١٦٤، وفي «الأسماء والصفات» ص ٤٧٢، والبنوي في «شرح السنة» (٩٣٠) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. قال أبو نعيم: هذا حديث غريب تفرد به عطاء عن مرة، وعنه حماد بن سلمة. وقال البيهقي في «الأسماء والصفات»: رواه أبو عبيدة، عن ابن مسعود من قوله موقوفًا عليه.
وأخرجه الخطيب البغدادي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ٢/ ٤١٣ من طريق زائدة بن قدامة، عن عطاء بن السائب، به. وزائدة ممن سمع من عطاء قبل اختلاطه أيضًا. فتكون تلك متابعة لحماد بن سلمة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٦٣٧) من طريق شريك النخعي، والطبراني في «الكبير» (٨٧٩٨) من طريق معمر، كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه موقوفًا عليه وشريك النخعي سيئ الحفظ وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وذكر الدارقطني في «العلل» ٥/ ٢٦٧ أن خالد بن عبد الله الواسطي قد رواه عن عطاء بن السائب موقوفًا. قلنا: أخرجه كذلك أبو بكر القرشي في «التهجد وقيام الليل» (٢٤٩). لكن خالدًا الواسطي سمع من عطاء بعد اختلاطه. =

٣٨ - باب فيمن يُسلِم ويقتَل في مكانِه في سببلِ الله عز وجل
٢٥٣٧ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا محمدُ بن عَمرِو، عن أبي سَلَمةَ عن أبي هريرة: ان عَمرو بن أقَيْشٍ كان له رِبًا في الجاهليةِ، فكَره أن يُسلِمَ حتى يأخذَه، فجاء يومَ أُحدٍ، فقال: أين بنو عمّي؟ قالوا: بأُحدٍ، قال: أين فلان؟ قالوا: بأُحدِ، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأُحدِ، فلبس لأمَتَه، وركبَ فرسَه، ثم توجّه قِبَلَهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عَمرو، قال: إني قد آمنتُ، فقاتَلَ حتى جُرِحَ، فحُمل إلى أهله جَريحًا، فجاءه سعدُ بن مُعاذٍ فقال لأخته: سَليه: حَميَّةَ لقومك، أَو غضبًا لهم، أم غضبًا لله؟ فقال: بل غضبًا لله ولِرسوله، فماتَ، فدخل الجنَة، وما صلّى لله صلاةً (١).


= وذكر أن قيس بن الربيع قد رواه عن أبي إسحاق، عن مرة، عن عبد الله مرفوعًا.
قلنا: وقيس بن الربيع ضعيف، ونظنه أخطأ في هذا الإسناد فأدخل إسنادًا في إسناد، ولعله من يحيى الحماني الراوي عن قيس بن الربيع فهو ضعيف أيضًا.
وذكر الدارقطني أيضًا أن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قد رواه عن جده فاختُلف عنه: فرواه أحمد بن يونس، عنه، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي الكنود، عن عبد الله موقوفًا.
ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة وأبي الكنود موقوفًا. ثم قال: والصحيح هو الموقوف!
(١) إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وحماد: هو ابن سلمة. وحسنه الحافظ في «الإصابة» ٤/ ٦٠٩.
وأخرجه الطبراني في«الكبير» ١٧/ (٨٣)، والحاكم ٢/ ١١٣، والبيهقي في «السنن» ٩/ ١٦٧، وفي «الشعب» (٤٣١٦) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي. =

٣٩ - باب في الرجل يموتُ بسلاحِه
٢٥٣٨ - حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا عبدُ اللهِ بن وَهْب، أخبرني يونسُ، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبدُ الرحمنِ وعبدُ الله بن كَعْبِ بن مالكٍ -قال أبو داودَ: قالَ أحمدُ: كذا قال هو، يعني ابنَ وهبٍ، وعَنْبَسةُ، يعني ابنَ خالدٍ، جميعًا عن يونسُ، قال أحمدُ: والصوابُ عبدُ الرحمن بنُ عبد الله-
أن سلمةَ بن الأكوعِ قال: لما كان يومُ خيبرَ قاتلَ أخي قتالًا شديدًا، فارتَدَّ عليه سيفُه فقتلَه، فقال أصحابُ رسولِ الله ﷺ في ذلك، وشَكُّوا فيه: رجلٌ مات بسلاحِه، فقال رسولُ الله ﷺ: «ماتَ جَاهدًا مُجاهدًا».
قال ابنُ شهابٍ: ثم سألتُ ابنًا لسلمةَ بن الأكوعِ فحدَّثني عن أبيه بمثل ذلك، غيرَ أَنه قال: فقال رسول الله ﷺ: «كذَبُوا ماتَ جَاهدًا مُجاهدًا، فله أَجرُه مرتين» (١).


= وأخرج ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» ٣/ ٩٥ عن الحصين بن عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة قال: كان يقول -يعني أباهريرة-: حدِّثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلّ قط، فإذا لم يعرفه الناس، سألوه: من هو؟ فيقول: أُصيرِم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وَقْش. وحسّن إسناده الحافظ في «الإصابة» ٤/ ٦٠٩.
وفي ذلك ردٌّ على الدارقطني إذ قال بأن حماد بن سلمة قد تفرد به كما نقله المنذري في «اختصار السنن». أفاده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه.
(١) إسناداه صحيحان. إلا أن ابنَ وهب قد وهم في قوله: عبد الرحمن وعبد الله ابن كعب بن مالك كما قال أحمد بن صالح -وهو المصري الحافظ- هنا، وكما قال النسائي في «الكبرى» بإثر رواية الحديث (١٠٢٩١)، والصحيح ما جاء في غير رواية ابن وهب: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك. يونس: هو ابن يزيد الأيلي.
وابن سلمة الوارد في الإسناد الثاني هو إياس كما سيأتي في رواية مسلم الآتي ذكرها.

٢٥٣٩ - حدَّثنا هِشامُ بن خالدٍ الدمشقيُّ، حدَّثنا الوليدُ، عن معاويةَ بن أبي سلام، عن أبيه، عن جده أبي سلاَّم
عن رجلٍ من أصحابِ النبيِّ ﷺ قال: أَغَرْنا على حيٍّ من جُهينةَ، فطلبَ رجل من المسلمين رجلًا منهم، فضربَه فأخطأَه، وأَصابَ نفسَه


= وأخرجه النسائي في «المجتبى» (٣١٥٠)، وفي «الكبرى» (٤٣٤٣) و(١٠٢٩١) من طريق عمرو بن سوَّاد، عن ابن وهب، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣١٩٦) من طريق حرملة بن يحيى التجيبي، عن عبد الله بن وهب.
وأخرجه مسلم (١٨٠٢) عن أبي الطاهر بن السَّرْح المصري، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد، عن عبد الرحمن -ونسبه غير ابن وهب، فقال: ابن عبد الله بن كعب بن مالك- عن سلمة بن الأكوع.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٢٩٢) من طريق عبد الرحمن بن خالد بن مسافر المصري، عن ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن سلمة بن الأكوع. فنسب عبد الرحمن هنا إلى جده كعب.
وأخرجه بنحوه البخاري (٤١٩٦) و(٦١٤٨)، ومسلم (١٨٠٢) من طريق يزيد ابن أبي عُبيد مولى سلمة بن الأكوع، ومسلم (١٨٠٧) من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع، كلاهما، عن سلمة بن الأكوع.
وقد جاء عند البخاري ومسلم في رواية يزيد بن أبي عُبيد هذه: أن عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع - جرى له ذلك، من رجوع سيفه فقتله، وقال الناس فيه ما قالوا. وردّه ﷺ بما ردّ. قال المنذري في «تهذيب السنن» ٣/ ٣٨٣: الظاهر أنهما قضيتان، وأن المنكرين على الثاني منهما غير الأولين، إذ لا يقول أحدٌ من الأولين ذلك بعدما سمعوا من رسول الله ﷺ جوابه الأول.
قال: وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أن لسلمة بن الأكوع أخوين، أحدهما عامر، والآخر أُهبان. وذكر أبو القاسم البغوي أن عامرًا أخا سلمة صحب النبي ﷺ، وحكى محمد بن سعد في «الطبقات الكبرى» أن أهبان بن الأكوع أسلم وصحب النبي ﷺ.

بالسيف، فقال رسولُ الله ﷺ: «أخوكُم يا معشرَ المسلمين» فابتدرَه الناسُ فوجَدُوه قد ماتَ، فلفَّه رسولُ الله ﷺ بثيابِه ودمائِه وصلّى عليه ودفنَه، فقالوا: يا رسولَ اللهِ أشهيد هو؟ قال: «نَعَمْ وأنا له شهيدٌ» (١).

٤٠ - باب الدعاء عند اللقاء
٢٥٤٠ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا ابنُ أَبي مريمَ، حدَّثنا مُوسى بن يعقوبَ الزمعِيُّ، عن أبي حازمٍ
عن سهل بن سعْد، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «ثنتان لا تُردَّانِ، أو قلّما تُردّان: الدعاءُ عند النِّداءِ، وعِند البأسِ حين يُلحِمُ بعضُه بَعضًا».
قال موسى: وحدَّثني رِزْقُ بن سَعيدِ بن عبدِ الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعدٍ، عن النبي ﷺ قال: «وتحتَ المطر» (٢).


(١) إسناده ضعيف. الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي، وإن كان ثقة- يدلِّس تدليس التسوية، ولم يُصرِّح بالسماع في شيء من طبقات الإسناد، ثم إن سلَّام بن أبي سلَّام والدَ معاوية مجهول، لكن جاء في بعض نسخ أبي داود من رواية اللؤلؤي أن أبا داود قال بإثر الحديث: إنما هو معاوية، عن أخيه، عن جده. قال: وهو معاوية بن سلّام بن أبي سلّام. قلنا: وأخو معاوية هو زيد بن سلام ثقة، لكن تبقى شبهة تدليس الوليد بن مسلم، والله تعالى أعلم.
وأخرجه البيهقي ٨/ ١١٠ من طريق أبي بكر بن داسة، عن أبي داود السجستاني بهذا الإسناد. ولم يذكُر كلامَ أبي داود في آخره.
(٢) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد. موسى بن يعقوب الزمعي ضعيف يُعتبر به، وقد توبع. أبو حازم: هو سلمة بن دينار، وابن أبي مريم: هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم، والحسن بن علي: هو الخلال.
وأخرجه الدارمي (١٢٠٠)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٨)، وابن الجارود (١٠٦٥)، والروياني في «مسنده» (١٠٤٦)، وابن خزيمة (٤١٩)، والطبراني=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


في «الكبير» (٥٧٥٦)، والحاكم ١/ ١٩٨ و٢/ ١١٣، والبيهقي في «السنن الكبرى» ١/ ٤١٠ و٣/ ٣٦٠، وفي «الدعوات الكبير» (٥٢) والمزي في ترجمة رزيق بن سعيد من «تهذيب الكمال» ٩/ ١٨٤ من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٥٨٤٧)، وفي «الدعاء» (٤٨٩)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» ٤/ ١٤٢ من طريق عبد الحميد بن سليمان، وأبو بشر الدولابي في «الكنى» ٢/ ٢٤ من طريق دَبّاب بن محمد أبي العباس المديني، كلاهما عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد. وعبد الحميد ضعيف الحديث ودَبّاب بن محمد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٣/ ٤٥٤ بالذال المعجمة، ولم يأثر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
ورواه مالك عن أبي حازم سلمة بن دينار، واختلف عنه.
فرواه يحيي الليثي في «موطأ مالك» ١/ ٧٠ وكذلك أبو مصعب الزهري في «الموطأ» (١٨٥)، ومعن بن عيسى عند ابن أبي شيبة ١٠/ ٢٢٤، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٩١٠)، وإسماعيل بن أبي أويس عند البخاري في «الأدب المفرد» (٦٦١)، ويحيى بن بكير عند البيهقي ١/ ٤١١، كلهم يحيى الليثي وأبو معصب ومعن بن عيسى وعبد الرزاق، وابن أبي أويس، وابن بكير، عن مالك بن أنس، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد موقوفًا عليه من قوله. قال ابن عبد البر في «التمهيد» ٢١/ ١٣٨: هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في «الموطأ» عند جماعة الرواة، ومثله لا يُقال من جهة الرأي، وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن مخلد وإسماعيل بن عُمر عن مالك مرفوعًا.
قلنا: أما رواية أيوب بن سويد فأخرجها ابن حبان (١٧٦٤)، والطبرانى في «الكبير» (٥٧٧٤)، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢١/ ١٣٨ و١٣٩، وفي «الاستذكار» (٤٠٩٢)، وشمس الدين المقدسي في «فضل الجهاد والمجاهدين» (١٤)، وأيوب بن سويد ضعيف.
وأما رواية محمد بن مخلد -وهو الرُّعيني- فأخرجها أبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٤٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢١/ ١٣٩. ومحمد بن مخلد الرعيني ضعيف.
وأما رواية إسماعيل بن عمر -وهو أبو المنذر الواسطي- فأخرجها ابن حبان (١٧٢٠) من طريق محمد بن إسماعيل البخاري عنه. وإسماعيل بن عمر ثقة. =

٤١ - باب فيمن سألَ اللهَ تعالى الشهادةَ
٢٥٤١ - حدَّثنا هِشامُ بن خالدٍ أبو مَروان وابنُ المُصفَّى، قالا: حدَّثنا بقيّةُ، عن ابنِ ثَوبانَ، عن أبيه يَردُّ إلى مَكحولٍ، إلى مالكِ بن يُخامر
أن معاذَ بن جبلٍ حدَّثهم أنه سمع رسولَ الله ﷺ يقولُ: «من قاتلَ في سبيلِ اللهِ فُواقَ ناقةٍ فقد وجَبَتْ له الجنةُ، ومن سألَ اللهَ القتلَ من نفسِه صادقًا ثم ماتَ أو قُتِلَ فإن له أَجرَ شهيدٍ» زادَ ابنُ المُصفَّى مِن هنا: «ومَن جُرحَ جُرحًا في سبيل اللهِ أو نُكِب نَكبَةً فإنها تَجيء يومَ القيامةِ كأَغْزَرِ ما كانتْ: لونُها لونُ الزعفرانِ، وريحُها ريحُ المِسك، ومن خَرج به خُرَاج في سبيل الله فإن عليه طابَعَ الشهداءِ» (١).


= ورواه عن مالك كذلك مرفوعًا أبو مطر منيع عند أبي نعيم في «الحلية» ٦/ ٣٤٣ ومنيع أبو مطر -هو منيع بن ماجد بن مطر- لين الحديث، فحديثه حسن في المتابعات.
قال الخطابي: قوله: «يلحم» معناه حين يشتبك الحرب ويلزم بعضهم بعضًا، ويقال: لحمت الرجل إذا قتلته، أو من هذا قولهم: كانت بين القوم ملحمة، أي: مقتلة.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف بقية بن الوليد، ثم هو يدلس تدليس التسوية، وأسقط من إسناده كثير بن مرة الحضرمي بين مكحول ومالك بن يخامر، وقد قال الذهبي في «أسير أعلام النبلاء» ٥/ ١٥٦ في ترجمة مكحول: روى مكحول عن طائفة من قدماء التابعين، ما أحسبه لقيهم، وذكر منهم مالك بن يخامر.
وما حسِبَه الذهبي قد تحقق، فقد أخرج أحمد (٢٢١١٠)، وابن حبان (٣١٩١) و(٤٦١٨) هذا الحديث من طريق آخر عن ابن ثوبان -وهو عبد الرحمن بن ثابت- عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، وإسناده حسن لأن ابن ثوبان صدوق حسن الحديث، وقد توبع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧٩٢)، والترمذي (١٧٥١)، والنسائي (٣١٤١) من طريق سليمان بن موسى الأشدق، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، وهذا إسناد صحيح، وما ذكره ابن معين من كون رواية سليمان بن موسى عن مالك بن يخامر مرسلة،=

٤٢ - باب في كراهية جَزِّ نَواصي الخيلِ وأَذنابها
٢٥٤٢ - حدَّثنا أبو تَوبةَ، عن الهيثمِ بن حُمَيدٍ (ح)
وحدَّثنا خُشَيشُ بن أصْرمَ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، جميعًا عن ثورِ بن يزيدَ، عن نصرٍ الكِنانيِّ، عن رجلٍ -وقال أبو تَوبةَ: عن ثَورِ بن يزيدَ، عن شيخِ من بني سُلَيم- عن عتبةَ بن عَبْدِ السُّلَميِّ -وهذا لفظه- أنه سمعَ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «لا تَقُصُّوا نواصيَ الخيلِ، ولا مَعارِفَها، ولا أذنابَها، فإن أذنابَها مَذابُّها، ومعارفَها دِفاؤها، ونَواصيَها معقودٌ فيها الخير» (١).


= وموافقة المزي له، مدفوع بتصريح سليمان بسماعه من مالك بن يخامر في هذا الحديث عند ابن ماجه والنسائي. وقد اقتصر الترمذي في روايته على القطعة الأولى والثالثة من الحديث، واقتصر ابن ماجه على القطعة الأولى منه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٠١٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣١٨٥) ورواية ابن حبان مختصرة.
قوله: «فُواق» قال الخطابي: هو ما بين الحَلْبَتَين، وقيل: هو ما بين الشُخْبَين.
والشُّخبان ما يخرج من اللبن.
وقوله: «خُرَاج» قال العظيم آبادي: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء (بزنة غراب) ما يخرج في البدن من القروح والدماميل.
(١) إسناده ضعيف لاضطرابه، فقد اختُلف فيه على ثور بن يزيد كما سيأتي. أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد النبيل، ونصر الكناني: هو ابن عبد الرحمن.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٣١ من طريق أبي عاصم النبيل، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٧٦٤٠) عن عبد الله بن الحارث المخزومي، عن ثور بن يزيد، عن نصر، عن رجل من بني سليم، عن عتبة بن عبد، فأطلق اسم نصر ولم يبينه.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٧/ (٣١٩)، وفي «الشاميين» (٤٥٥) من طريق عبد الملك بن الصباح، عن ثور، عن نصر بن شفي، عن شيخ من بني سيم، عن عتبة.
فسماه نصر بن شفي. وإنما هو النضر بن شفي، بالضاد المعجمة، قال ابن القطان: مجهول جدًا. =

٤٣ - باب فيما يُستحبُّ من ألوانِ الخيلِ
٢٥٤٣ - حدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله، حدَّثنا هشامُ بن سعيدِ الطَّالْقَاني، حدَّثنا محمدُ بن المُهاجِر الأنصاريُ، حدَّثني عَقِيلُ بن شَبيبٍ
عن أبي وَهب الجُشَميِّ -وكانت له صحبةٌ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «عليكم بكل كُمَيْتٍ أَغرَّ مُحجَّلٍ، أو أَشقرَ أَغرَّ مُحجَّلٍ، أو أَدهمَ أَغَرَّ مُحجَّلٍ» (١).


وأخرجه أبو عوانة (٧٢٩٢) من طريق عمرو بن الحصين، عن ابن علاثة، والطبراني في «مسند الشاميين» (٤٦٧) من طريق جبارة بن مغلس، عن مندل بن علي، كلاهما (ابن علاثة ومندل) عن ثور، عن نصر بن علقمة، عن عتبة. وعمرو بن الحصين متروك، وجبارة ومندل ضعيفان. وقد أخطؤوا في الرواية، فجعلوا الحديث لنصر بن علقمة الثقة.
وأخرجه أبو عوانة (٧٢٩٠)، والبيهقي ٦/ ٣٣١ من طريق الهيثم بن حميد، و(٧٢٩١) من طريق سفيان الثوري، كلاهما عن ثور بن يزيد، عن شيخ -زاد الهيثم: من بني سليم-، عن عتبة.
وأخرجه أحمد (١٧٦٤٣) من طريق بقية بن الوليد، عن نصر بن علقمة، عن رجال من بني سليم، عن عتبة. فسماه بقية نصر بن علقمة، وهذا هو الحضرمي وهو ثقة، ويغلب على الظن أن بقية قد أخطأ في تعيينه، ثم إن بقية نفسه ضعيف.
ولقوله: «ونواصيها معقود فيها الخير» شواهد صحيحة ذكرناها عند الحديث (٢٥٣٢).
قوله: «معارفها» أي: شعر عُنقها جمع عَرف على غير قياس، وقيل: هي جمع مَعرفة، وهي المحل الذي ينبت عليه العرف، فأطلق على الأعراف مجازًا.
وقوله: «أذنابها مذابُّها» أي: مراوحها تذب بها الهوام عن نفسها.
وقوله: «معارفها دفاؤها» أي: كساؤها التي تَدَفّأ بها. قاله السهارنفوري.
(١) إسناده ضعيف لجهالة عقيل بن شبيب، قال الذهبي في «الميزان»: لا يعرف.
وأخرجه النسائي (٣٥٦٥) من طريق هشام بن سعيد الطالقاني، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٠٣٢). =

٢٥٤٤ - حدَّثنا محمدُ بن عَوفٍ الطائيُّ، حدَّثنا أبو المُغيرةِ، حدَّثنا محمدُ ابن المُهاجر، حدَّثنا عَقيلٌ
عن أبي وَهْب، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «عليكم بكلِّ أَشقرَ أَغرَّ مُحجَّلٍ، أو كُمَيتٍ أَغرَّ» فذكر نحوه.
قال محمد، يعني ابنَ مُهاجرٍ: فسألتُه لِمَ فَضَّل الأشقر؟ قال: لأَن النبيَّ ﷺ بعثَ سريةً فكانَ أولَ من جاء بالفتح صاحبُ أشقَرَ (١).
٢٥٤٥ - حدَّثنا يحيى بن مَعينٍ، حدَّثنا حُسينُ بن محمدٍ، عن شيبانَ، عن عيسى بن عَليّ، عن أبيه
عن جده ابنِ عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «يُمنُ الخيلِ في شُقْرِها» (٢).

٤٤ - باب هل تُسمَّى الأنثى من الخيل فرسًا (٣)؟
٢٥٤٦ - حدَّثنا مُوسى بن مَروانَ الرَّقِّي، حدَّثنا مَروانُ بن مُعاويةَ، عن أبي حيّانَ التيميِّ، حدَّثنا أبو زُرعةَ


= الكُميتُ: هو الفرس في لونه حُمرة، والأغرّ: الذي في جبهته بياض. والمُحجَّل: الذي في قوائمه كلها أو ثلاث منها بياض، والأدهم: الأسود اللون.
(١) إسناده ضعيف كسابقه. أبو المغيرة: هو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني.
(٢) إسناده حسن من أجل عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس. شيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي.
وأخرجه الترمذي (١٧٩٠) من طريق شيبان بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد.
وقال: حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٤).
(٣) هذا التبويب أثبتناه من النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي ومن النسخة التي شرح عليها السَّهارَنفوري، ووجوده يقتضيه الحديث المسوق تحته.

عن أبي هريرةَ: أن رسولَ الله ﷺ كان يُسمَّي الأُنثى من الخيلِ فرسًا (١).

٤٥ - باب ما يُكره من الخيلِ
٢٥٤٧ - حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن سَلْم -هُو ابنُ عبدِ الرحمن- عن أبي زُرعةَ
عن أبي هريرة قال: كانَ النبي ﷺ يكره الشِّكالَ من الخيلِ، والشِّكالُ: يكونُ الفرسُ في رِجْلِه اليُمنى بَياضٌ وفي يَدِه اليُسرى بياضٌ، أو في يدِه اليُمنى وفي رِجْلِه اليُسرى (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل موسى بن مروان الرقي. أبو حيان: هو يحيي بن سعيد بن حيّان، وأبو زُرعة: هو ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَلي.
وأخرجه ابن حبان (٤٦٨٠)، والحاكم ٢/ ١٤٤، والبيهقي ٦/ ٣٣٠ من طريق مروان ابن معاوية، بهذا الإسناد.
(٢) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري، ومحمد بن كثير: هو العَبدي.
وأخرجه مسلم (١٨٧٥)، والترمذى (١٧٩٣)، وابن ماجه (٢٧٩٠)، والنسائي (٣٥٦٧) من طريق سفيان الثوري، ومسلم (١٨٧٥)، والنسائي (٣٥٦٦) من طريق شعبة بن الحجاج، كلاهما عن سلم بن عبد الرحمن، به لكن شعبة سمى سَلمًا في روايته: عبد الله بن يزيد النخعي، وهو خطأ كما نص عليه الإمام أحمد بإثر الحديث (٩٨٩٤) من«مسنده».
وهو في «مسند أحمد» (٧٤٠٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٧٧) من طريق سفيان، وهو في «مسند أحمد» (٩٨٩٤) من طريق شعبة.
وقد اختُلِفَ في تفسيرِ الشِّكال على أقوال غير هذا القول الذي بإثر هذا الحديث، منها ما قاله أبو عُبيد وجمهورُ أهلِ اللّغة والغريب وهو أن يكون منه ثلاث قوائم مُحجَّلة وواحدة مطلقة تشبيهًا بالشكال الذي تشكل به الخيل، فإنه يكون في ثلاث قوائم غالبًا، ولا تكون المطلقة من الأرجل أو المحجلة إلا الرجل، ... وقال العلماء: إنما كرهه على صورة المشكول، وقيل: يحتمل أن يكون قد جرَّب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة. قاله النووي في «شرح مسلم».

قال أبو داودَ: أي مُخالفٌ.

٤٦ - باب ما يؤمَر به مِن القيام على الدوابِّ والبهائم
٢٥٤٨ - حدّثنا عبدُ الله بن محمدٍ النُّفيليُّ، حدَّثنا مِسكين -يعني ابنَ بُكير- حدَّثنا محمد بن مُهاجِرٍ، عن ربيعةَ بن يزيدَ، عن أبي كَبشةَ السَّلُولي
عن سهْل ابن الحنْظليَّةِ، قال: مرَّ رسولُ الله ﷺ ببعيرٍ قد لَحِقَ ظهرُه ببطنه، فقال: «اتقُوا الله في هذه البهائمِ المُعْجَمَةِ، فارْكَبوها صالحةً، وكلُوها صالحةً» (١).
٢٥٤٩ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا مَهدي، حدَثنا ابنُ أبي يعقوبَ، عن الحسنِ بن سَعدٍ مولى الحسنِ بن عليٍّ
عن عبد الله بن جعفرٍ، قال: أرْدفَني رسولُ الله ﷺ خلفَه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أُحدَّث به أحدًا من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسولُ الله ﷺ لحاجته هَدَفًا أو حائشَ نخلٍ، قال: فدخل حائطًا لرجلٍ من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبي ﷺ حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبيُّ ﷺ فمسح ذِفْراه فسكتَ، فقال: «من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟» فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسول الله، قال:


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل مسكين بن بُكير فهو صدوق لا بأس به، وقد توبع.
وأخرجه ابن خزيمة (٢٥٤٥) من طريق عبد الله بن محمد النُّفيليُّ، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٧٦٢٥)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٠٧٤)، وابن حبان (٥٤٥) و(٣٣٩٤)، والطبراني في «الكبير» (٥٦٢٠)، وفي «مسند الشاميين» (٥٨٤) و(٥٨٥) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ربيعة بن يزيد، به.
وإسناده صحيح.

«أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التي مَلَّككَ اللهُ إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئبه» (١).
٢٥٥٠ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمة القَعنَبيُّ، عن مالكٍ، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكرٍ، عن أبي صالحٍ السمانِ
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال: «بينما رجل يمشي بطريقٍ، فاشتدّ عليه العطشُ، فوجد بئرًا، فنزلَ فيها، فشَرِبَ ثم خرجَ فإذا كلبٌ يَلْهثُ يأكلُ الثَّرى من العطشِ، فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبُ من العطشِ مثلَ الذي كانَ بلغَ بي، فنزلَ البئرَ، فملأ خُفَّه فأمسكه بفيه حتى رَقِيَ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللهُ له، فغفَرَ له» فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ قال: «في كل ذاتِ كبدٍ رَطْبةٍ أجْرٌ» (٢).


(١) إسناده صحيح. مهدي: هو ابن ميمون المِعولي، وابن أبي يعقوب: هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي.
وأخرجه مختصرًا مسلم (٣٤٢) و(٢٤٢٩)، وابن ماجه (٣٤٠) من طريق مهدي ابن ميمون، بهذا الإسناد. واقتصر مسلم في الموضع الأول وابن ماجه على قصة الاستتار، واقتصر مسلم في الموضع الثاني على قصة الإسرار.
وهو بتمامه في «مسند أحمد» (١٧٤٥) و(١٧٥٤).
وفي «صحيح ابن حبان» (١٤١١) و(١٤١٢) مختصرًا بقصة الاستتار.
قال الخطابي: «الهدف»: كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره، و«الحائش»: جماعة النخل الصغار، لا واحد له من لفظه، و«الذِّفْرى» من البعير: مؤخر رأسه، وهو الموضع الذي يعرق مِن قفاه.
قال: وقوله: «تُدئبُه»: يريد تُكِدُّه وتتعِبُه.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «الموطأ» ٢/ ٩٢٩ - ٩٣٠، ومن طريقه أخرجه البخاري (٢٣٦٣)، ومسلم (٢٢٤٤). =

٢٥٥١ - حدَّثنا محمدُ بن المثنَّى، حدَّثني محمدُ بن جعفرٍ، حدَّثنا شُعبة، عن حمزةَ الضبيٍّ قال:
سمعتُ أنسَ بنَ مالكِ قال: كنا إذا نزلْنا منزلًا لا نُسبِّح حتى تُحَلَّ الرِّحالُ (١).

٤٧ - باب في تقليدِ الخيل بالأوتار
٢٥٥٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن مسلمةَ القَعنبيُّ، عن مالكٍ، عن عبد الله بن أبي بكرِ بن محمدِ بنِ عَمرو بن حَزمٍ، عن عَبَّادِ بن تميم


= وهو في «مسند أحمد» (٨٨٧٤)، و«صحيح ابن حبان» (٥٤٤).
وأخرجه بنحوه البخاري (١٧٣) من طريق عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، به.
لكنه قال فيه: «فشكر الله له فأدخله الجنة»، ولم يذكر قوله: «في كل ذات كبد رطبة أجر».
وأخرج البخاري (٣٣٢١)، ومسلم (٢٢٤٥)، واللفظ للبخاري من طريق محمد ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: «غُفر لامرأة مُومِسَة، مرت بكلبٍ على رأس رَكيٍّ يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفَّها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك». وقرن البخاري بابن سيرين الحسن البصري.
فجعلا القصة لامرأة مُومِسة. والركي: هو البئر.
(١) إسناده صحيح. حمزة الضبي: هو ابن عمرو العائذي، وشعبة: هو ابن الحجاج العتكي.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٢٦٣) عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، به.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٣٧٦) من طريق بقية بن الوليد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس. وبقية ضعيف الحديث، ومع ذلك جود إسناده الهيثمي في «مجمع الزوائد» ١٠/ ١٩٠!!
قال الخطابي: يريد (قلنا: يعني أنسًا) لا نصلي سبحة الضحى حتى تُحطُّ الرَّحالُ ويُجَمَّ المَطيُّ، وكان بعض العلماء يستحب أن لا يَطعَم الراكب إذا نزل المنزل حتى يَعلِفَ الدابة، وأنشدني بعضهم فيما يشبه هذا المعنى:
حق المطية أن يُبدا بحاجتها ... لا أُطعمُ الضيفَ حتى أَعلِف الفرسا

أن أبا بشَيرٍ الأنصاريِّ أخبره: أنه كان مع رسولِ الله ﷺ في بعض أسفارِه، قال: فأرسل رسولُ الله ﷺ رسولًا، قال عبد الله بن أبي بكر: حسبتُ أنه قال: والناسُ في مَبيتِهم «لا يُبقَيَنَّ في رقبةِ بعيرٍ قلادةٌ من وَتَر ولا قِلادةٌ إلا قُطِعتْ» قال مالكٌ: أُرى أن ذلك من أجل العَينِ (١).

٤٨ - باب إكرامِ الخيلِ، وارتباطِها، والمسحِ عليها (٢)
٢٥٥٣ - حدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله، حدَّثنا هشامُ بن سعيدٍ الطالقَانيُّ، أخبرنا محمدُ بن المُهاجِر، حدَّثني عَقيلُ بن شَبيبٍ


(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٣٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (٣٠٠٥)، ومسلم (٢١١٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٥٧). إلا أن النسائي قال في روايته: عن عباد ابن تميم، أن رجلًا من الأنصار أخبره. ولم يذكر البخاري قول مالك في آخره.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٨٨٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٩٨).
قال الحافظ في «الفتح» ٦/ ١٤٢: قال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم كلانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلامًا بأن الأوتار لا ترد من قدر الله شيئًا، وهذا قول مالك.
وثانيها: النهي عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند شدة الركض، ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، وكلام أبي عُبيد يرجحه، فإنه قال: نهى عن ذلك، لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسُها ورعيها. وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير. ثالها: أنهم كانوا يُعلقون فيها الأجراس، حكلاه الخطابي، قال النووي وغيره: الجمهور على أن النهي للكراهة، وأنها كراهة تنزيه، وقيل: للتحريم، وعن مالك: تختص الكراهة من القلائد بالوتر، ويجوز بغيرها إذا لم يقصد رفع العين. هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه، وأما ما فيه ذكر الله، فلا نهي فيه، فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره، وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف.
(٢) هذا التبويب من هامش (هـ) وأشار هناك إلى أنه من رواية أبي عيسى الرملي.

عن أبي وهبٍ الجُشَمي -وكانت له صحبةٌ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «ارتَبِطوا الخيلَ، وامسَحُوا بنواصيها وأعجازها -أوقال: أكفالها- وقَلِّدوها، ولا تُقلدوها الأَوتارَ» (١).

٤٩ - باب في تعليق الأجراس
٢٥٥٤ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن عُبيد الله، عن نافعٍ، عن سالم، عن أبي الجرَّاح مولَى أُم حبيبةَ
عن أم حبيبةَ، عن النبيِّ ﷺ قال: «لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها جَرَسٌ» (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة عقيل بن شبيب، قال عنه الذهبي في «الميزان»: لا يُعرف.
وأخرجه النسائي (٣٥٦٥) من طريق هشام بن سعيد الطالقاني، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٠٣٢).
قال الخطابي: قوله: «لا تقلدوه الأوتار» يحتمل أن يكون أراد عين الوتر خاصة، دون غيره من السُّيور والخيوط وغيرها، وقيل: معناه: لا تطلبوا عليها الأوتار والذُّحول (جمع ذَحْل، وهو الثأر أو طلب مكافأة بجناية)، ولا تركضوها في درك الثأر، على ما كان من عاداتهم في الجاهلية.
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في الشواهد. أبو الجراح مولى أم حبيبة زوج النبي ﷺ روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال العجلي: تابعي ثقة، ووثقه الذهبي في «الكاشف» لكن قال في «الميزان»: وثق، وهي عبارة يقولها لمن ذكر في كتاب «الثقات» لابن حبان ولم يؤثر توثيقه عن أحد غيره، فهذا أصح مما جاء في «الكاشف».
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٧٦٠) من طريق مالك، عن نافع، به ولفظه: «العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة».
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٧٧٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٠٥). =

٢٥٥٥ - حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا زهيرٌ، حدَّثنا سهيلُ بن أبي صالحٍ، عن أبيه عن أبي هُريرةَ، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقةً فيها كلبٌ أو جَرسٌ» (١).


= قال النووي في شرحه حديث أبي هريرة: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» من «صحيح مسلم»: فيه كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار، وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة قال: قيل: سبب منافرة الملائكة للجرس أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل: سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية: مزامير الشيطان، وهذا الذي ذكرناه من كراهة الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين، وهي كراهة تنزيه، وقال جماعة من متقدمي علماء الشام يكره الجرسُ الكبير دون الصغير.
وذهب ابن حبان في «صحيحه» بإثر الحديث (٥٨٤٥) وهو حديث: «إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة» إلى أنه البيت الذي يوحى فيه على النبي ﷺ قال: إذ محالٌ أن يكون رجلٌ في بيت وفيه صورة من غير أن يكون حافظاه معه، وهما من الملائكة، وكذلك معنى قوله: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس» يريد به رفقة فيها رسول الله ﷺ، إذ محالٌ أن يخرج الحاجُّ والعمار من أقاصي المدن والأقطار يؤمُّون البيت العتيق على نَعَم وعِيس بأجراس وكلاب ثم لا تصحبها الملائكة وهم وفد الله.
وعلق صاحب «بذل المجهود» على قوله: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس أو كلب» بقوله: وهذا إذا خليا من المنفعة، وأما ما احتيج إليه منهما، فرخص فيه.
(١) إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية بن حُديج، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس، فنسب إلى جده هنا، وهو مشهور بنسبته إلى جده.
وأخرجه مسلم (٢١١٣)، والترمذي (١٧٩٨) من طريق سهيل بن أبي صالح، به. وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٧٥٩) من طريق زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة. لكن ليس فيه ذكر الكلب.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٦٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٠٣).

٢٥٥٦ - حدَّثنا محمدُ بن رافع، حدَّثنا أبو بكرِ بن أبي أوَيس، حدثني سليمانُ بن بلالٍ، عن العَلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه
عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال في الجَرس: «مِزمارُ الشيطان» (١).

٥٠ - باب في ركوبِ الجلَّالة
٢٥٥٧ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الوارثِ، عن أيوبَ، عن نافع عن ابن عمرَ، قال: نُهيَ عَن ركوب الجَلَّالة (٢).
٢٥٥٨ - حدَّثنا أحمدُ بن أبي سُريج الرازيُّ، أخبرني عبدُ الله بن الجَهم، حدَّثنا عَمرو -يعني ابنَ أبي قَيس- عن أيَوبَ السَختِيانيِّ، عن نافع


(١) إسناده صحيح. أبو بكر بن أبي أويس اسمه: عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي مشهور بكنيته كأبيه وهو أخو إسماعيل. والعلاء بن عبد الرحمن: هو ابن يعقوب مولى الحُرَقة.
وأخرجه مسلم (٢١١٣)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٦١) من طريق العلاء بن عبد الرحمن، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٧٨٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٠٤).
(٢) إسناده صحيح. أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، وعبد الوارث: هو ابن سعيد العنَبري، ومُسَدَّد: هو ابن مُسَرهَد بن مُسَربَل.
وأخرجه البيهقي ٥/ ٢٥٤ و٩/ ٣٣٣ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (٣٧٨٧).
قال الخطابي: الجلالة الإبل التي تأكل العَذرة، والجَلة: البعر، كره ﷺ ركوبها، كما نهى عن أكل لحومها، ويقال: إن الإبل إذا اجتلت أنتنَ روائحُها إذا عَرِقَت كما تُنتن لحومُها.
وقال في «المجمع»: وهذا إذا كان غالب علفها من النجاسة حتى ظهر على لحمها ولبنها وعرلَها فيحرم أكلُها وركوبُها إلا بعد أن تحبس أيامًا.

عن ابن عمرَ قال: نهى رسولُ الله ﷺ عن الجَلاَّلة في الإبل أن يُركَبَ عليها (١).

٥١ - باب في الرجلِ يُسمِّي دابته
٢٥٥٩ - حدَّثنا هَنَّاد بن السَّريِّ، عن أبي الأحوصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عَمرِو بن ميمونٍ
عن معاذ، قال: كنتُ رِدْف النبيَّ ﷺ على حمارٍ يُقال له: عُفَيْرٌ (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الله بن الجهم وعمرو بن أبي قيس الرازيان. وقد توبعا في الطريق السالفة قبله.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٣٤ - ٣٥، والبيهقي ٩/ ٣٣٣ من طريق أحمد بن أبي سريج الرازي، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله. وسيتكرر برقم (٣٧٨٧).
(٢) إسناده صحيح. أبو الأحوص: هو سلَّام بن سُليم، وأبو إسحاق: هو عمرو ابن عبد الله السَّبيعي.
وأخرجه البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثانى» (١٨٤٣)، والطبراني في «الكبير» ٢٠/ (٢٥٦)، وابن منده في «الإيمان» (١٠٨)، وأبو نعيم في «مستخرجه» (١٣٨)، والبيهقي ١٠/ ٢٥ من طريق أبي الأحوص سلام بن سُليم، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: وفيه أن الإرداف مباح إذا كانت الدابّة تقوى على ذلك، ولا يضر بها الضرر البين، وتسمية الدوابّ شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب، وكان سيفه ﷺ يُسمى ذا الفقار، ورايتُه العُقاب، ودرعُه ذات الفضول، وبغلتُه دُلْدُل، وبعض أفراسه السكب وبعضها البحر.
وعفير: هو تصغير ترخيم لأعفر، من العفرة، وهي الغبرة ولون التراب، كما قالوا في أسود: سويد، وتصغيره غير مرخم: أعيفر.

٥٢ - باب في النِّداء عند النفير: يا خيلَ اللهِ، اركَبِيْ
٢٥٦٠ - حدَّثنا محمدُ بن داودَ بنِ سفيانَ، حدَّثني يحيي بنُ حسان، أخبرنا سليمانُ بن مُوسى أبو داودَ، حدَّثنا جعفرُ بن سعدٍ بن سَمُرةَ بن جُندُب، حدّثني خُبيبُ بن سليمانَ، عن أبيه سليمانَ بنِ سَمُرةَ
عن سمرة بن جندب: قال: أما بعد، فإن النبي ﷺ سمَّى خيلَنا خيلَ اللهِ، إذا فَزِعنا، وكان رسولُ الله ﷺ يأمُرُنا إذا فَزِعنا بالجماعةِ والصبرِ والسَّكينةِ، وإذا قاتلْنا (١).

٥٣ - باب النهيِ عن لعنِ البهيمةِ
٢٥٦١ - حدَّثنا سليمانُ بن حَربٍ، حدَّثنا حمادٌ، عن أَيوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي المُهَلَّبِ عن عمرانَ بن حُصينٍ: أن النبيَّ ﷺ كان في سفر فسمع لعنةً، فقال: «ما هذه؟» قالوا: هذه فلانةُ لعنتْ راحِلَتَها، فقال النبي ﷺ: «ضَعُوا عنها فإنها ملعونةٌ» فوضعوا عنها، قال عمرانُ: فكأني أَنظُر إليها ناقةً وَرْقاءَ (٢).


(١) إسناده مسلسل بالضعفاء والمجاهيل. محمد بن داود وسليمان بن موسى -وهو الزهري- وجعفر بن سعد ضعفاء، وخبيب بن سليمان وأبوه مجهولان.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٧١٠٢) من طريق يحيى بن حسان، بهذا الإسناد.
وللسكينة في القتال شاهد من حديث قيس بن عُباد قال: كان أصحاب محمد ﷺ يستحبون خفضَ صوتٍ عند ثلاث: عند القتال، وعند القرآن، وعند الجنائز. أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٢٤٧)، وابن أبي شيبة ٣/ ٢٧٤. وإسناد هذا الأثر صحيح.
وقوله: «يا خيل الله اركبي» قال ابن الأثير: هذا على حذف المضاف، أراد: يا فرسان خيل الله اركبي، وهذا من أحسن المجازات وألطفها.
(٢) إسناده صحيح. أبو المهلب: هو الجَرْمي عم أبي قلابة، وأبو قلابة: هو عبد الله بنُ زيد الجَرْمي، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختياني، وحماد: هو ابن زيد. =

٥٤ - باب في التحريش بين البَهائم
٢٥٦٢ - حدَّثنا محمدُ بن العَلاء، أخبرنا يحيى بنُ آدمَ، عن قُطْبةَ بن عبد العزيز ابن سِياه، عن الأعمش، عن أبي يحيى القتَّات، عن مجاهد
عن ابن عباس قال: نهى رسولُ الله ﷺ عن التحريشِ بين البَهائم (١).


= وأخرجه مسلم (٢٥٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٦٥) من طريق أبي قلابة الجرمي، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٨٥٩)، و«صحيح ابن حبان» (٥٧٤٠).
قال الخطابي: زعم بعض أهل العلم أن النبي ﷺ إنما أمرهم بذلك فيها، لأنه قد استجيب لها الدعاء عليها باللعن، واستدل على ذلك بقوله: فإنها ملعونة.
قال: وقد يُحتمل أن يكونَ إنما فعل ذلك عقوبة لصاحبها، لئلا تعود إلى مثل قولها، ومعنى ضعُوا عنها، أي: ضعوا رحلها وأعروها، لئلا تُرْكَب.
(١) إسناده ضعيف لضعف أبي يحيى القتات. وقد اختُلف فيه عن الأعمش كما سيأتي. محمد بن العلاء: هو أبو كريب الهمداني مشهور بكنيته.
فأخرجه الترمذي (١٨٠٤)، وأبو يعلى (٢٥٠٩)، والطبراني في «الكبير» (١١١٢٣)، وابن عدي في «الكامل» ٣/ ١٠٩٢، والبيهقي في «السنن الكبرى» ١٠/ ٢٢، وفي «شعب الإيمان» (٦٥٣٩) من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، بهذا الإسناد.
وخالف قطبةَ بن عبد العزيز فيه سفيانُ الثوري، فرواه عن الأعمش، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد مرسلًا أخرجه كذلك الترمذي (١٨٠٥) وقال: هذا أصح من حديث قطبة، وكذلك صححه مرسلًا البخاري نقله عنه الترمذي في «علله الكبير».
ورواه شريك النخعي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، فأسقط من إسناده أبا يحيي القتات. وشريك سيئ الحفظ. أخرجه كذلك أبو يعلى (٢٥١٠) وابنُ عدي ٣/ ١٠٩٢.
ورواه شريك مرة أخرى عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر. فأسقط من إسناده أبا يحيي القتات، وجعله من مسند ابن عمر. أخرجه كذلك أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (٢٢١٢). =

٥٥ - باب في وسْم الدوابّ
٢٥٦٣ - حدَّثنا حفصُ بن عُمرَ، حدَّثنا شعبةُ، عن هشامِ بن زيد
عن أنس بن مالك، قال: أتيت النبيَّ ﷺ بأخ لي حين وُلِد ليُحنّكَه فإذا هو في مِرْبدٍ يسِمُ غنمًا، أحسبه قال: في آذانها (١).


ورواه وكيع بن الجراح عند البيهقي في «سننه» ١٠/ ٢٢، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير فيما قاله الترمذي بإثر الحديث (١٨٠٥) وعُبيد الله بن موسى عند ابن أبي هاشم في «العلل» ٢/ ٢٤٢، ثلاثتهم عن الأعمش، عن مجاهد مرسلًا. فأسقط من إسناده أبا يحيى القتات. قال البيهقي: وهو المحفوظ.
ورواه زياد بن عبد الله البكائي عند الطبراني في «الأوسط» (٢١٣٦)، وابن عدي في «الكامل» ٣/ ٢٣٨ عن الأعمش، عن المنهال بن عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس. فذكر المنهال بن عمرو بدل أبي يحيي القتات، والمنهال ثقة. إلا أن زيادًا البكائي لا يُحتمل تفرُّدُه بمثل ذلك. ورواه الليث بن أبي سليم عند البخاري في «الأدب المفرد» (١٢٣٢) عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا عليه. والليث سيئ الحفظ.
وقد ذكر البيهقي في «السنن» ١٠/ ٢٢، وفي «شعب الإيمان» بإثر الحديث (٦٥٣٩) أن منصور بن أبي الأسود قد رواه عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر!! قوله: «التحريش» معناه الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجِمال والكِباش والدُّيوك وغيرها. قاله في «النهاية».
قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» ٣/ ٣٣٩: ويكره التحريش بين الناس وكل حيوان بهيم ككباش وديكة وغيرها، ذكره في «الرعاية الكبرى». وذكر في «المستوعب» أنه لا يجوز التحريش بين البهائم.
وقال المناوي في «فيض القدير» ٦/ ٣٠٣: وهل النهي للتحريم أو الكراهة. وجهان: قلنا: الذي قاله الخطيب الشربيني في «مغني المحتاج» ويحرم الهريش بين البهائم.
(١) إسناده صحيح. هشام بن زيد: هو ابن أنس بن مالك، وحفص بن عمر: هو أبو عمر الحوضي. =

٥٦ - باب النهيِ عن الوسْم في الوجه والضرب في الوجه (١)
٢٥٦٤ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، عن أبي الزُّبير
عن جابر: أن النبي ﷺ مُرَّ عليه بحمار قد وُسِم في وجهه، فقال: «أما بَلَغكم أني قد لعنتُ من وسَم البهيمة في وجهها أو ضربَها في وجهها؟» فنهى عن ذلك (٢).


= وأخرجه البخاري (٥٥٤٢)، ومسلم (٢١١٩)، وابن ماجه (٣٥٦٥) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٧٢٥)، و«صحيح ابن حبان» (٥٦٢٩).
وأخرجه بنحوه البخاري (١٥٠٢)، ومسلم (٢١١٩) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، والبخاري (٥٨٢٤)، ومسلم (٢١١٩) من طريق محمد بن سيرين، كلاهما عن أنس بن مالك. إلا أن إسحاق قال في روايته: يَسِم إبلَ الصدقةِ، وأما ابن سيرين، فقال: يسِم الظَّهرَ الذي قدم عليه في الفتح.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٢٨) و(١٤٠٢٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٥٣٢) و(٤٥٣٣).
وسيأتي من طريق ثابت عن أنس برقم (٤٩٥١) بلفظ: والنبي ﷺ في عباءة يَهنأ بعيرًا له.
المِرْبد: بِكسرِ الميم وسكون الراء وفتح الباء: الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم، من ربد بالمكان: إذا أقام فيه، وقوله: يسم شاة. من الوسم: وهو أن يُعَلَّم الشيء بشيءٍ يؤثر فيه تأثيرًا بالغًا، وأصله أن يجعل في البهيمة علامة ليميزها عن غيرها.
وفي هذا الحديث حجة للجمهور في جواز وسم البهائم بالكي، وخالف فيه
الحنفية تمسكًا بعموم النهي عن التعذيب بالنار، ومنهم من ادعى نسخ الوسم، وجعله الجمهور مخصوصًا من عموم النهي.
(١) هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ)، وهو في النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي.
(٢) إسناده صحيح. أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- قد صرح بسماعه من جابر عند ابن حبان (٥٦٢٦) بلفظ: «لعن الله من فعل هذا»، وإنما=

٥٧ - باب في كراهيةِ الحمرِ تُنزَى على الخيلِ
٢٥٦٥ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيد، حدَّثنا الليثُ، عن يزيدَ بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن ابن زُرَير
عن عليِّ بن أبي طالبٍ قال: أُهديَتْ لرسولِ الله ﷺ بغلةٌ فركبها، فقال عليٌّ: لو حملْنا الحميرَ على الخيلِ فكانت لنا مثلُ هذه، قال رسول الله ﷺ: «إنما يفعلُ ذلك الذين لا يعلمونَ» (١).


= قلنا ذلك مع أنه صرح عند مسلم أيضًا بسماعه من جابر، لأن لفظ حديث مسلم الذي صرح فيه بالسماع مختلف ليس فيه ذكر اللعن، وإنما فيه النهي وحسبُ. سفيان: هو الثوري.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (١٧٥) من طريق سفيان الثوري، به بلفظ: «لعن الله من فعل هذا».
وأخرجه مسلم (٢١١٧)، وابن حبان (٥٦٢٨) من طريق معقل بن عبد الله الجزري، عن أبي الزبير، عن جابر: أن النبي ﷺ مر عليه حمارٌ قد وسم في وجهه فقال: «لعن الله الذي وسمه» فجعل اللعْن من الله كذلك، وكذلك رواه أبو يعلى (٢٠٩٩) وعنه ابن حبان (٥٦٢٧) من طريق حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر. وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر عند عبد الرزاق (٨٤٥٠)، وعنه أحمد (١٤١٦٤).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرج مسلم (٢١١٦)، والترمذي (١٨٠٦) من طريق ابن جريج - قال عند مسلم: - أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله ﷺ عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه. فجعله بالنهي دون اللعن وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٢٤).
ويشهد لهذا اللفظ الأخير حديث ابن عباس عند مسلم (٢١١٨) قال: ورأى رسول الله ﷺ حمارًا موسوم الوجه فأنكر ذلك. وليس فيه اللعن.
(١) إسناده صحيح. ابن زُرير -هو عبد الله بن زُرير الغافقي، وأبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليَزَني، والليث: هو ابن سعد. =

٥٨ - باب في ركوبِ ثلاثهٍ على دابّةٍ
٢٥٦٦ - حدَّثنا أبو صالحٍ محبوبُ بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفَزَاريُّ، عن عاصمِ بن سليمانَ، عن مُورِّقٍ -يعني العِجلىَّ-
حدثني عبد الله بن جعفرٍ، قال: كانَ النبيُّ ﷺ إذا قدم من سفر استُقبِل بنا، فأيُّنا استقبلَ أولًا جعله أمامَه، فاستُقبلَ بي، فحملَني أمامَه، ثم استُقبل بحسنٍ أو حسينٍ فجعلَه خلفَه، فدخلْنا المدينةَ وإنا لكذلك (١).


= وأخرجه النسائي (٣٥٨٠) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٨٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٨٢).
قال الخطابي: يُشبه أن يكونَ المعنى في ذلك -والله أعلم- أن الحمر إذا حملت على الخيل، تعطَّلَتْ منافع الخيل وقلَّ عدَدُها وانقطع نماؤها، والخيل يُحتاج إليها للركوب والركض والطلب، وعليها يُجاهَد العدوُّ وبها تُحرز الغنائم ولحمها مأكول، ويُسهَم للفرس كما يُسهَم للفارس، وليس للبغل شيء من هذه الفضائل، فأحب ﷺ أن ينمو عددُ الخيل ويكثر نسلُها لما فيها من النفع والصلاح، ولكن يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمر جائزًا، لأن الكراهة في هذا الحديث إنما جاءت في حمل الحمر على الخيل لئلا تشغل أرحامها بنجل الحمر، فيقطعها ذلك عن نسل الخيل، فإذا كانت الفحولة خيلًا والأمهات حمرًا فقد يحتمل أن لا يكون داخلًا في النهي إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمر وكراهة اختلاط مائها بمائها لئلا يضيع طَرقُها، ولئلا يكون منه الحيوان المركب من نوعين مختلفين ... وانظر «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٧٣ للإمام الطحاوي.
(١) إسناده صحيح. مُورِّق العجلي: هو ابن مُشَمْرِج بن عبد الله، وأبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث صاحب «السير».
وأخرجه مسلم (٢٤٢٨)، وابن ماجه (٣٧٧٣)، والنسائي في «الكبرى» (٤٢٣٢) من طريق عاصم بن سليمان الأحول، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٤٣).

٥٩ - باب في الوقوف على الدابة
٢٥٦٧ - حدَّثنا عبد الوهّابِ بنُ نَجْدةَ، حدَّثنا ابنُ عيّاشٍ، عن يحيي بن أبي عَمرٍو السَّيبانيِّ، عن أبي مريمَ
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «إياي أن تتخِذوا ظهورَ دوابِّكم منابرَ؛ فإن الله إنما سخَّرها لكم لِتُبلغَكُم إلى بلدٍ لم تكونوا بالِغيه إلا بِشِقِّ الأنفُسِ، وجعلَ لكُم الأرضَ فعليها فاقْضُوا حاجَاتِكم» (١).

٦٠ - باب في الجنائب
٢٥٦٨ - حدَّثنا محمدُ بن رافعٍ، حدَّثنا ابنُ أبى فُدَيكٍ، حدَّثني عبدُ الله بنُ أبي يحيي، عن سعيدِ بن أبي هندٍ، قال:
قال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ: «تكون إبل للشياطين، وبيوت للشياطين: فأما إبل الشياطين فقد رأيتُها، يخرج أحدُكم بنَجيباتٍ معه قد أسمنَها، فلا يعلُو بعيرًا منها، ويَمُرُّ بأخيه قد انقُطِعَ به فلا يحملُه،


(١) إسناده حسن، ابن عياش -وهو إسماعيل- روايته عن أهل بلده مستقيمة، وهذا منها إذِ السَّيباني حمصي.
وأخرجه الطبراني في»مسند الشاميين«(٨٦٧)، والبيهقي في»السنن الكبرى«٥/ ٢٥٥، وفي»شعب الإيمان«(١١٠٨٣)، وابن عساكر في»تاريخ دمشق«٢٧/ ٢١٢ من طريق يحيى بن أبي عمرو السيباني، به.
قال الخطابي: قد ثبت عن النبي ﷺ أنه خطب على راحلته واقفًا عليها فدلَّ ذلك على أن الوقوف على ظهورها إذا كان لأربٍ أو بلوغ وطر لا يُدرك مع النزول إلى الأرض مباح جائز، وأن النهي إنما انصرف في ذلك إلى الوقوفِ عليها، لا لمعنى يوجبه، لكن بأن يستوطنه الإنسانُ، ويتخذه مقعدًا فيتعب الدابة، ويُضرُّ بها من غير طائل.
قوله:»إياي" قال العظيم آبادي: المشهور في التحذير الخطاب، وقد يكون بصيغة المتكلم.

وأما بيوتُ الشياطين فلم أرها» (١). كان سعيدٌ يقول: لا أُراها إلا هذه الأقفاصَ التي يسترُ الناسُ بالديباجِ.

٦١ - باب في سرعة السير
٢٥٦٩ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا سهيلُ بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إذا سافرتم في الخِصْب فأعطوا الإبلَ حقَّها، وإذا سافرتُم في الجَدْبِ فأسرعوا السيرَ، فإذا أردتُم التعريسَ فتنكَّبوا عن الطريقِ» (٢).


(١) إسناده ضعيف لانقطاعه. قال أبو حاتم: سعيد بن أبي هند لم يلق أبا هريرة، ونقله عنه العلائي وأبو زرعة ابن العراقي في «المراسيل»، والمنذري في «مختصر السنن» وأقروه. وابن أبي فديك -وهو محمد بن إسماعيل بن مسلم، وإن وثقه ابن معين وقال أحمد والنسائي: ليس به بأس وروى له الجماعة- قد ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: ربما أخطأ، وضعفه يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» وقال ابن سعد في «طبقاته»: كان كثير الحديث وليس بحجة. وأخطا الألباني رحمه الله في إدراج هذا الحديث في «صحيحته» (٩٣) وأثبت له عنوانا: تنبؤه ﷺ عن السيارات ثم قال في آخره: فالحديث من أعلام نبوته ﷺ، ثم تبين له في ما بعد أن الحديث ضعيف، فحذفه من «الصحيحة» في طبعته الجديدة.
وأخرجه البيهقى ٥/ ٢٥٥ من طريق أبي داود السجستاني، بهذا الإسناد.
وأخرج البخاري في «الأدب المفرد» (٤٥٩) عن عبد الرحمن بن يونس، و(٧٧٧) عن إبراهيم بن المنذر، كلاهما عن ابن أبي فديك، عن عبد الله بن أبي يحيى، عن سعيد ابن أبي هند، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ-لفظ إبراهيم-: «لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتًا يوشُّونها وشي المَراحيل». قال إبراهيم: يعني الثياب المخططة.
(٢) إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم (١٩٢٦)، والترمذي (٣٠٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٦٣) من طريق سهيل بن أبي صالح، به. زاد مسلم في إحدى روايتيه والترمذي: "فاجتنبوا=

٢٥٧٠ - حدَّثنا عثمان بن أبي شيبةَ، حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، أخبرنا هشامٌ، عن الحسنِ
عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ، نحو هذا، قال بعد قوله: «حقها»: «ولا تَعدُوا المنازِلَ» (١).


= الطريق فإنها طرقُ الدواب ومأوى الهوام بالليل«، وفي الرواية الأخرى عند مسلم وعند النسائي:»فإنها مأوى الهوامِّ بالليل«. وجاء عندهم جميعًا:»فأعطوا الإبل حظها من الأرض«، وقال مسلم في ثاني روايتيه والترمذي:»وإذا سافرتم في السَّنَةِ فبادروا بها نِقْيَها«.
وهو في»مسند أحمد«(٨٤٤٢)، و»صحيح ابن حبان«(٢٧٠٣) و(٢٧٠٥).
قال النووي في»شرح مسلم«: الخصب، بكسر الخاء وهو كثرة العشب والمرعى، وهو ضد الجدْب، والمراد بالسَّنة هنا: القحطُ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠] أي: بالقحوط، ونقْيُها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخُّ، ومعنى الحديث: الحث على الرفق بالدوابّ، ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا في الخصب، قللوا السير، وتركوها ترعى في بعض النهار، وفي أثناء السير، فتأخذ حظَّها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا في القحط عجلوا السير ليصِلوا المقصِد، وفيها بقية من قوتها، ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر، لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ويذهب نقيُها، وربما كلَّت ووقفت، وقد جاء في أول هذا الحديث في رواية مالك في»الموطأ«:»إن الله رفيق يحب الرفق".
ثم قال في بيان الشطر الثاني من الحديث: قال أهل اللغة: التعريس: النزول في أواخر الليل لنوم والراحة، هذا قول الخليل والأكثرين، وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار، والمراد بهذا الحديث هو الأول، وهذا أدبٌ من آداب السير والنزول أرشد إليه ﷺ لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم، والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما تجد فيها من رِمَّة ونحوها، فإذا عرّس الإنسان في الطريق ربما مرّ به منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد عن الطريق.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات لكن الحسن -وهو ابن أبي الحسن البصري- لم يسمع من جابر. وقد روي عن الحسن مرسلًا، وروي مقطوعًا أيضًا.
هشام: هو ابن حسان القردوسي. =

٦٢ - باب في الدُّلْجة (١)
٢٥٧١ - حدَّثنا عَمرو بن علي، حدَّثنا خالدُ بن يزيدَ، حدَّثنا أبو جعفرٍ الرازيُّ، عن الرَّبيعِ بن أنس
عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «عليكم بالدُّلْجة، فإن الأرضَ تُطوى بالليل» (٢).


= وأخرجه ابن ماجه (٣٢٩) من طريق سالم بن عبد الله الخياط، عن الحسن البصري، به لكنه اقتصر على النهي عن التعريس على جوادّ الطريق.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٧٧) و(١٥٠٩١) مطولًا بنحو رواية حديث أبي هريرة السالف قبله وزيادات ليست عنده. وانظر تمام تخريجه هناك.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٢٤٧) عن هشام بن حسان، عن الحسن مرسلًا.
وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٦١٩) عن أبي شهاب الحناط، عن هشام ابن حسان، عن الحسن قال: كان يُقال: إذا كان الخصب فأعطوا الظهر ... مقطوعًا.
ويشهد له حديث أبي هريرة السالف قبله.
وانظر تمام شواهده في «المسند».
(١) هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ)، وهو في النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي.
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، أبو جعفر الرازي -واسمه عيسى بن أبي عيسى: عبد الله بن ماهان- ضعيف يعتبر به، وقد توبع. خالد ابن يزيد: هو الأزدي العتكي صاحب اللؤلؤ.
وأخرجه البزار (١٦٩٤ - كشف الأستار)، والحاكم ٢/ ١١٤، والبيهقي ٥/ ٢٥٦، والضياء المقدسي في «المختارة» (٢١١٨) من طريق خالد بن يزيد، به.
وجاء عند الحاكم وعنه البيهقي مقيدًا بالعمري خطأ وخالد بن يزيد العمري متهم متروك، بينما جاء عند الضياء على الصواب مقيدًا بصاحب اللؤلؤ.
وأخرجه الترمذي في «العلل الكبير» ٢/ ٨٧٤، والبزار (١٦٩٦ - كشف الأستار)، وأبو يعلى (٣٦١٨)، وابن خزيمة بإثر (٢٥٥٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= (١١٣)، والحاكم ١/ ٤٤٥، والبيهقي ٥/ ٢٥٦، والخطيب البغدادي في «تاريخه» ٨/ ٤٢٩، والضياء المقدسي (٢٦٢٩) من طريق رُويم بن يزيد اللَّخْمي، وأخرجه ابن خزيمة (٢٥٥٥)، وابن أبلى حاتم في «العلل» ٢/ ٢٥٤، والحاكم ١/ ٤٤٥، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» ٩/ ٢٥٠ من طريق محمد بن أسلم الطوسي، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ١٥٩ من طريق قطن بن إبراهيم النيسابوري، كلاهما (محمد بن أسلم وقطن بن إبراهيم) عن قبيصة بن عقبة، كلاهما (رُويم بن يزيد وقبيصة بن عقبة) عن الليث بن سعد، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، عن أنس بن مالك.
ورجال هذه الطرق ثقات، لكن رواه قتيبة بن سعيد وغيره فخالفوا فيه رويم بن يزيد وقبيصة بن عقبة فرووه عن الليث بن سعد، عن عُقيل، عن ابن شهاب مرسلًا أخرجه ابن أبي حاتم في «علله» ٢/ ٢٥٤ عن أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ، عن قتيبة بن سعيد، والطحاوي في «شرح المشكل» (١١٤) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، كلاهما عن الليث، به.
وقد ذكر الدارقطني في «الغرائب والأفراد» كما في «أطرافه» لأبي الفضل المقدسي (١١٢٠) أن ابن أعين -وهو إبراهيم بن أعين نزيل مصر- قد رواه كقتيبة بن سعيد - يعني مرسلًا. وذكر الإمام مسلم بن الحجاج فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في«العلل» ٢/ ٢٥٤ أن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد قد أخرج له كتاب جده الليث فإذا هو على ما رواه قتيبة بن سعيد يعني مرسلًا أيضًا. قلنا: فتعين أن المرسَلَ هو الصحيح كما ذهب إليه البخاري فيما نقله عنه الترمذي في «علله الكبير» ٢/ ٨٧٥، ومسلم فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في «العلل» ٢/ ٢٥٤، وكذلك الدارقطني فيما نقله عنه الخطيب البغدادي في «تاريخه» ٨/ ٤٢٩.
وفي الباب عن أبي هريرة عند الطحاوي في «شرح المشكل» (١١٥) وإسناده حسن في الشواهد.
وعن عبد الله بن عباس عند البزار (١٦٩٥ - كشف) وإسناده حسن في الشواهد.
وعن عبد الله بن مغفل ذكره الهيثمي في «المجمع» ٣/ ٤٨٨ وعزاه للطبراني، وقال: رجاله ثقات. =

٦٣ - باب ربُّ الدابة أحق بصدرها
٢٥٧٢ - حدَّثنا أحمد بن محمد بن ثابتٍ المروزيُّ، حدثني عليُّ بن حسينٍ، حدثني أبي، حدثني عبدُ الله بن بُريدةَ، قال:
سمعت أبي -بريدةَ- يقول: بينما رسولُ الله ﷺ يمشي جاء رجلٌ ومعه حمارٌ، فقال: يا رسول الله، اركَبْ، وتأخَّر الرجلُ، فقال رسول الله ﷺ: «لا، أنت أحق بصدْرِ دابتِك مني، إلا أن تجعلَه لي» قال: فإني قد جعلتُه لك، فركِبَ (١).


= وعن خالد بن معدان، عن أبيه ذكره الهيثمي أيضًا في «المجمع» وقال: ورجاله رجال الصحيح.
ويشهد له أيضًا حديث أبى هريرة عند البخاري (٣٩)، ومسلم (٢٨١٦) رفعه: «واستعينوا بالغَدوة والرَّوحة وشيء من الدُّلجة».
الدلجة: قال في «النهاية»: هو سير الليل، يقال: أدلَجَ بالتخفيف: إذا سار من أول الليل، وادَّلَج بالتشديد: إذا سار من آخره، والاسم منهما الدُّلجة والدَّلجة بالضم والفتح، ومنهم من يجعل الإدلاج لليل كله، وكأنه المراد في هذا الحديث، لأنه عقبه بقوله: فإن الأرض تُطوى بالليل، ولم يفرق بين أوله وآخره.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل علي بن الحسين بن واقد، فقد وصفه الذهبي في «السير» بالمحدث الصدوق، وقال فيه النسائي: ليس به بأس، وروى عنه جمع من الحفاظ، وتضعيف بعضهم له بسبب الإرجاء ليس بشيء، فهو كما قال الذهبي في «الميزان» في ترجمة مسعر بن كدام: مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قائله، ومع ذلك فقد توبع، وأبوه الحسين قوي الحديث.
وأخرجه الترمذي (٢٩٧٨) من طريق علي بن الحسين بن واقد، بهذا الإسناد.
وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٦٤ من طريق علي بن الحسن بن شقيق، عن الحسين بن واقد، به. =

٦٤ - باب في الدابة تُعرْقَب في الحرب
٢٥٧٣ - حدَّثنا عبد الله بن محمد النُّفَيليُّ، حدَّثنا محمدُ بن سلَمةَ، عن محمدِ بن إسحاقَ، حدثني ابنُ عبَّاد، عن أبيه عبّاد بنِ عبد الله بن الزُّبير [قال أبو داود: هو يحيى بن عباد] قال: حدثني أبي الذي أرضَعَني -وهو أحدُ بني مُرَّة بن عَوف- وكان في تلك الغَزاة -غَزاةِ مُؤتةَ- قال: واللهِ لكأني أنظرُ إلى جعفرٍ حين اقْتَحَم عن فرسٍ له شقراءَ فعَقَرها، ثم قاتَلَ القومَ حتى قُتِلَ (١).
قال أبو داود: هذا الحديثُ ليس بالقويِّ.


وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٩٢)،و«صحيح ابن حبان» (٤٧٣٥) من طريق زيد ابن الحباب عن الحسين بن واقد.
وفي الباب عن عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن حنظلة الغسيل وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن عمر خرجنا حديثهم في «المسند» عند حديث بريدة هذا.
(١) أثر إسناده حسن كما قال الحافظ في «فتح الباري» ٧/ ٥١١. محمد بن إسحاق حسن الحديث، وقد صرح بسماعه فانتفت شبهة تدليسه. وإنما ضعف أبو داود هذا الحديث مع صحة إسناده ظنًا منه أن فيه إتلافَ المال، وهو منهي عنه، فقد ذكر السهارنفوري في «شرحه» أنه وقع في بعض نسخ أبي داود زيادة من قوله: وقد جاء فيه نهي كثير عن أصحاب النبي ﷺ، قلنا: أسندها البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٨٧ عن أبي داود.
وقلنا: وهذا الحديث لا يعارض الأحاديث التي فيها النهي عن إتلاف المال، فإن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه علم أن هذا الجواد سيقع في يد أعداء الإسلام فينتفعون به، ويتقوَّون به على المسلمين، فعقره لهذا السبب، وهذا مذهب مالك بن أنس وغيره من أهل العلم أنهم يُجيزون ذلك في مثل هذا الحال.
وهذا الأثر في «السيرة النبوية» لابن هشام ٤/ ٢٠. =

٦٥ - باب في السَّبَق
٢٥٧٤ - حدَّثنا أحمد بن يونُس، حدَّثنا ابن أبي ذِئبٍ، عن نافعِ بن أبي نافعٍ عن أبي هُريرةَ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا سَبق إلا في خُفٍّ أو حافرٍ أو نَصلٍ» (١).


= وأخرجه من طريق ابن إسحاق: ابن سعد في «الطبقات» ٤/ ٣٧، وابن أبي شيبة ٥/ ٣١٦ و١٢/ ٥٣٢، و١٤/ ٥١٧ - ٥١٨، والطبري في «تاريخه» ٢/ ١٥١، والطبراني في «المعجم الكبير» (١٤٦٢)، والحاكم ٣/ ٢٠٩، وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ١١٨، والبيهقي ٩/ ٨٧، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٦٨/ ٦٧ و٨٨، وابن الأثير في «أسد الغابة» ١/ ٣٤٣. لكن وقع عند ابن أبي شية: عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن جده، قال: أخبرنى أبي الذي أرضعني، والظاهر أنه أراد بجده جدَّه من الرضاعة، فيكون هو نفسه أبو عباد بن عبد الله بن الزبير من الرضاعة، فتتفق الروايات.
(١) إسناده صحيح. ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي، وأحمد بن يونس: هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي.
وأخرجه الترمذي (١٧٩٥)، والنسائي (٣٥٨٥) و(٣٥٨٦) من طريق ابن أبي ذئب، به.
وأخرجه دون ذكر النصل النسائي (٣٥٨٧) من طريق سليمان بن يسار، عن أبي عبد الله مولى الجُنْدَعيِّين [وتحرف في المطبوع إلى: أبي عُبيد الله]، عن أبي هريرة.
وأبو عبد الله هذا هو نافع بن أبي نافع نفسُه كما نقله المزي في «تحفة الإشراف» ١١/ ٨٦ عن محمد بن يحيى الذهلي. وقد جاء عند النسائي موقوفًا على أبي هريرة، ولم يشر المزي إلى أنه موقوف. وقد جاء من هذا الطريق مرفوعًا عند البخاري في «تاريخه» ٩/ ٤٨.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٧٨) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي الحكم مولى بني ليث، عن أبي هريرة. ولم يذكر النصل أيضًا.
وهو في «مسند أحمد» (٧٤٨٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٩٠). =

٢٥٧٥ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ القَعْنبيُّ، عن مالك، عن نافعٍ
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ سابَقَ بين الخيلِ التي قد أُضْمِرتْ من الحَفْياء، وكان أمَدُها ثنيَّهَ الوَداع، وسابَقَ بين الخيلِ التي لم تُضْمَر من الثنيةِ إلى مسجدِ بني زُريْقٍ، وإن عبدَ الله ممن سابَقَ بها (١).


= قال الخطابي: «السبق» بفتح الباء: هو ما يجعل للسابق على شقه من جُعل أو نوال. فأما «السبق» بسكون الباء، فهو مصدر. سبقت الرجل أسبقه سبقًا، والرواية الصحيحة في هذا الحديث «السبق» مفتوحة الباء. يُريد أن الجُعل والعطاء لا يُستَحقُّ إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرميُ، وذلك لأن هذه الأمور عُدة في قتال العدو، وفي بذل الجُعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه.
ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير، لأنها كلها ذوات حوافر، وقد يُحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها، لأنها تحمل أثقال العساكر وتكون معها في المغازي.
وقال الحافظ في «الفتح»: وقد أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض، لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل، وخصه بعض العلماء بالخيل، وأجازه عطاء في كل شيء، واتفقوا على جوازها بعوض بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس، وجوز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من المتسابقين، وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئًا ليخرج العقد عن صورة القمار، وهو أن يخرج كل منهما سبقًا، فمن غلب أخذ السبقين، فاتفقوا على منعه.
(١) إسناده صحيح. وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٤٦٧.
وأخرجه البخاري (٤٢٠)، ومسلم (١٨٧٠)، والترمذي (١٧٩٤)، والنسائي (٣٥٨٣) و(٣٥٨٤) من طرق عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٨٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٨٦).
وانظر تالييه.
والحَفياء: قال البكري: بفتح أوله وبالياء أخت الواو ممدود على مثال علياء موضع قرب المدينة، وبينه وبين ثنية الوداع ستة أميال. =

٢٥٧٦ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا المُعتمِرُ، عن عُبيدِ الله، عن نافعٍ
عن ابن عمر: أن نبيَّ الله ﷺ كان يُضمِّر الخيلَ يُسابِقُ بها (١).
٢٥٧٧ - حدَّثنا أحمد بن حنبل، حدَّثنا عُقبةُ بن خالد، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر: أن النبيَّ ﷺ سَبَّق بين الخيلِ، وفضَّل القُرَّح في الغايةِ (٢).

٦٦ - باب في السَّبَق على الرِّجْل
٢٥٧٨ - حدَّثنا أبو صالح الأنطاكيُّ محبوبُ بن مُوسى، أخبرنا أبو إسحاقَ -يعني الفَزاريَّ- عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه. وعن أبي سلمةَ


وقال الخطابي: تضمر الخيل أن تُعلَف الحب والقضيم حتى تسمن وتقوى، ثم تغشى بالجلال وتترك حتى تحمى فتعرق ولا تعلف إلا قوتًا حتى تضمّر ويذهب رَهَلُها فيخف، فإذا فُعل ذلك بها فهي مضمّرة، ومن العرب من يطعمها اللحم واللبن في أيام التضمير.
و«الأمد» الغاية.
(١) إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر العمري، ومعتمر: هو ابن سليمان، ومُسَدَّد: هو ابن مُسرهَد بن مُسَربَل.
وأخرجه الجاري (٢٨٦٨)، ومسلم (١٨٧٠)، وابن ماجه (٢٨٧٧) من طريق عُبيد الله بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٣٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٨٧).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح كسابقه.
وهو في «مسند أحمد» (٦٤٦٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٦٨٨).
قال المنذري: «القُرَّح» بضم القاف وتشديد الراء المهملة وفتحها، وحاء مهملة: جمع قارح، والقارح من الخيل: هو الذي دخل في السنة الخامسة.
ومعنى قوله: وفضل القرح قي الغاية، أي: جعل مسافة عددها أكثر من غيرها، لأنها أقوى على الجري من غيرها.

عن عائشة: أنها كانت مع النبيِّ ﷺ في سفرٍ، قالت: فسابقتُه فسبقتُه على رِجليَّ، فلما حملتُ اللحمَ سابقتُه فسبقَني، فقال: «هذه بتلك السبْقَة» (١).

٦٧ - باب في المحلِّل
٢٥٧٩ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حُصينُ بن نُميرٍ، حدَّثنا سفيانُ بن حُسينٍ (ح)
وحدَّثنا عليُّ بن مُسلم، حدَّثنا عبادُ بن العوّام، أخبرنا سفيانُ بنُ حُسينٍ -المعنى- عن الزهريِّ، عن سعيدِ بن المسيَّب
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «من أدخَل فرسًا بين فرسَين، يعني وهو لا يؤمَن أن يُسبَقَ فليس بقِمارٍ، ومن أدخَل فرسًا بين فرسَين وقد أُمِن أن يُسبَق فهو قِمارٌ» (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل شيخ المصنف محبوب بن موسى الأنطاكي فهو صدوق لا بأس به، وقد توبع، وهذا الحديث سمعه هشام بن عروة من أبيه، ومن أبي سلمة -وهو ابن عبد الرحمن بن عوف- كلاهما روياه عن عائشة.
وأخرجه ابن ماجه (١٩٧٩)، والنسائي في «الكبرى» (٨٨٩٣) و(٨٨٩٥) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وأخرجه النسائي (٨٨٩٦) من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن هشام بن عروة، عن أبي سلمة، عن عائشة. وهو في «مسند أحمد» (٢٤١١٨) و(٢٦٢٥٢).
(٢) إسناده ضعيف، سفيان بن حسين ضعيف في الزهري ثقة في غيره، وتابعه سعيد بن بشير الأزدي مولاهم الشامي في الطريق التالية، وهو ضعيف، وخالفهما الثقات من أصحاب الزهري كمعمر وشعيب بن أبي حمزة وعُقيل بن خالد فيما ذكر أبو داود نفسُه، فرووه عن الزهري، عن رجال من أهل العلم.
وقال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في «العلل» ٢/ ٢٥٢: هذا خطأ لم يعمل سفيان شيئًا، لا يشبه أن يكون عن النبي ﷺ، وأحسنُ أحوالِه أن يكون عن سعيد بن المسيب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قوله، فقد رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قوله. قلنا: أخرجه من قول سعيد بن المسيب مالكٌ في «موطئه» ٢/ ٤٦٨.
ونقل ابن القيم في«تهذيب السنن» عن ابن أبي خيثمة في «تاريخه» أنه قال: سألت يحيى بن معين عن حديث سفيان هذا، فخط على أبي هريرة -قلنا: يعني: ضرب عليه خطأ، يريدُ حذفَه.
وقال البيهقي ١٠/ ٢٠: تفرد به سفيان بن حسين وسعيد بن بشير عن الزهري.
وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ٤٨٠: علة هذا الخبر ضعف سفيان بن حسين في الزهري، فقد عُهد كثيرَ المخالفة لحفاظ أصحابه، كثير الخطأ عنه، وضعف سعيد بن بشير بالجملة ومنهم من يوثقه.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٧٦) من طريق سفيان بن حسين، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٥٥٧).
قال الخطابي: الفرس الثالث الذي يُدخَل بينهما يُسمي المُحلِّل، ومعناه: أنه يحلل للسابق ما يأخذه من السبق، فيخرج به عقد التراهن عن معنى القمار الذي إنما هو مواضعة بين اثنين على مال يدور بينهما في الشقين، فيكون كل واحد منهما إما غانمًا أو غارمًا، ومعنى المحلل ودخوله بين الفرسين المتسابقين هو لأن يكون أمارة لقصدهما إلى الجري والركض لا إلى المال، فيشبه حينئذٍ القمار، وإذا كان الفرس المحلل كفئًا لفرسيهما يخافان أن يسبقهما فيحرز السبق، اجتهدا في الركض وارتاضا به، ومَرَنا عليه، وإذا كان المحلّل بليدًا أو كؤودًا، مأمونًا أن يُسبق، غير مَخوف أن يتقدم فيُحرز السبق، لم يحصل به معنى التحليل، وصار إدخاله بينهما لغوًا لا معنى له، وحصل الأمر على رهانٍ بين فرسين لا محلل محهما، وهو عين القمار المحرم.
قال: وصورة الرهان والمسابقة في الخيل: أن يتسابق الرجلان بفرسيهما، فيعمدا إلى فرس ثالث كفءٍ لفرسيهما يدخلانه بينهما، ويتواضعا على مالٍ معلومٍ يكون للسابق منهما، فمن سبق أحرز سبقَهُ، وأخذ سَبَق صاحبه، ولم يكن على المحلل شيء، فإن سبقهما المحلل أحرز السبَقين معًا، وإنما يُحتاج إلى المحلل فيما كان الرهن فيه دائرًا بين اثنين، فأما إذا سبّق الأمير وجعل للسابق منهما جُعلا، أو قال الرجل لصاحبه: إن سبقت فلك عشرة دراهم، فهذا جائز من غير محلل، والله أعلم.
قال: وفي الحديث دليل على أن التوصل إلى المباح بالذرائع جائز، وأن ذلك ليس من باب الحيلة والتَّلجئة المكروهتين.

٢٥٨٠ - حدَّثنا محمود بن خالد، حدَّثنا الوليدُ بن مُسلمِ، عن سعيدِ بن بَشيرٍ، عن الزهريِّ، بإسنادِ عبَّادٍ ومعناه (١).
قال أبو داود: رواه مَعمر وشعيب وعُقَيل [عن الزهريِّ] (٢) عن رجالٍ من أهل العلمِ، قال أبو داود: وهذا أصحُّ عندنا.

٦٨ - باب الجَلَبِ على الخيلِ في السِّباق
٢٥٨١ - حدَّثنا يحيى بن خلَف، حدَّثنا عبدُ الوهاب بن عبد المجيد، حدَّثنا عَنبسةُ (ح) وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا بِشرُ بن المُفضَّل، عن حميدٍ الطويلِ، جميعًا عن الحسن
عن عمرانَ بن حُصينٍ، عن النبيَّ ﷺ قال: «لا جَلَب ولا جَنَب» زاد يحيى في حديثه: «في الرِّهانِ» (٣).


(١) إسناده ضعيف لضعف سعيد بن بشير - وهو الأزدى مولاهم الشامي. وانظر ما قبله.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (ج) و(هـ)، ولم ترد في (أ)، وزدنا ذكر الزهري هنا من «تهذيب السنن» لابن قيم الجوزية، ووجوده هنا ضروري، لأن أبا داود أراد ذكر اختلاف أصحاب الزهري عنه في هذا الخبر، وأن الثقات منهم قد رووه على خلاف ما رواه سفيان بن حسين وسعيد بن بشير.
(٣) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن الحسن -وهو البصري- لم يسمع من عمران بن حصين. عنبسة مختلف في تعيينه كما ذكر الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» في ترجمة عنبسة بن سعيد القطان، ومحصله أنه معدود في جملة الضعفاء، وقد انفرد بذكر الرهان. حميد الطويل: هو ابن أبي حميد.
وأخرجه الترمذي (١١٥١)، والنسائى (٣٣٣٥) و(٣٥٩٠) من طريق حميد الطويل، والنسائي (٣٥٩١) من طريق أبي قزعة سويد بن حُجير، كلاهما عن الحسن البصري. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ولم يذكر أحدٌ منهم الرهان.

٢٥٨٢ - حدَّثنا ابن المثنى، حدَّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قال: الجَلَب والجَنَب في الرِّهان (١).

٦٩ - باب في السيف يُحلَّى
٢٥٨٣ - حدَّثنا مُسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا جَريرُ بن حازمِ، حدَّثنا قتادةُ عن أنس، قال: كانت قَبِيعَةُ سيفِ رسولِ الله ﷺ فضةً (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (١٩٨٥٥)، و«صحيح ابن حبان» (٣٢٦٧).
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو سلف برقم (١٥٩١) وفُسِّر هناك الجلب والجنب أنه في الزكاة وهو في «المسند» (٦٦٩٢) وانظر تمام شواهده هناك.
قال الخطابي: هذا يفسِّر على أن الفرس لا يُجلَب عليه في السباق، ولا يزجَر الزجرَ الذي يزيد معه مِن شأوه، وإنما يجب أن يركض فرسيهما بتحريك اللجام، وتعريكهما العنان، والاستحثاث بالسوط والمهماز وما في معناهما من غير إجلاب بالصوت.
وقد قيل: إن معناه أن يجتمع قوم، فيصطَفُّوا وقوفًا من الجانبين، ويجلبوا، فنهوا عن ذلك.
وأما الجنَب، فيقال: إنهم كانوا يجنبون الفرس، حتى إذا قاربوا الأمد تحوّلوا عن المركوب الذي قد كدّه الركوب إلى الفرس الذي لم يُركب، فنهى عن ذلك.
(١) أثر إسناده صحيح. سعيد: هو ابن أبي عروبة، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي، وابن المثنى: هو محمد بن المثنى.
كذا فسَّر قتادةُ هنا الجَلَب والجَنَب أنه في الرهان، وكذلك فسَّره مالك فيما أسنده عنه البيهقي ١٠/ ٢١، وكذلك فسّره ابن أبي أويس فيما أسنده عنه الدارقطني (٤٨٣٢) وفسَّره محمد بن إسحاق فيما سلف عند المصنف برقم (١٥٩٢) بأنه في زكاة الماشية فقال: هو أن تُصَدَّق الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المُصدِّق، والجنب عن هذه الفريضة أيضًا: لا يُجنَبُ أصحابُها يقول: ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتُجْنَبُ إليه، ولكن تؤخذ من موضعه، وفسر أبو عبيد القاسم الجلب والجنب بكلا الأمرين فيما أسنده عنه الدارقطني (٤٨٣٣).
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات. مسلم بن إبراهيم: هو الأزدي الفراهيدي أكبر شيخ لأبي داود، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدُوسي. وقد تابع جريرَ بنَ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حازم على رواية هذا الحديث عن قتادة: همامُ بن يحيى العوذي وأبو عوانة كما سيأتي، وخالفهم هشام بن أبي عبد الله الدستُوائي، فرواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن البصري كما في الطريق الآتية، وقد رجح المرسلَ كلٌّ من أحمد بن حنبل في «العلل ومعرفة الرجال» ١/ ٢٣٩ و٥٤٣ والدارمي في «سننه» (٢٤٥٨)، وأبو حاتم الرازي كما في «العلل» لابنه ١/ ٣١٣، وأبو داود نفسه كما سيأتي بإثر الحديث (٢٥٨٥)، والبزار في «مسنده» كما نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» ١/ ٦٣٦، ونقله عنه أيضًا ابنُ القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» ٢/ ١٤٧، والنسائى فيما نقله عنه المنذري في «مختصر سنن أبي داود» ٣/ ٤٠٣، وكذلك نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» ١/ ٦٣٥، والدارقطني فيما حكاه عنه ابنُ الملقن ١/ ٦٣٥ - ٦٣٦، ونقله عنه أيضًا ابن القيم في «تهذيب سنن أبي داود» ٣/ ٤٠٤، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٤/ ١٤٣.
وقد قال الترمذي بعد إخراجه الحديث (١٧٨٦): هذا حديث حسن غريب، وقال ابن القيم في «تهذيبه» ٣/ ٤٠٤: الصواب أن حديث قتادة عن أنس محفوظ من رواية الثقات الضابطين المتثبتين جرير بن حازم وهمام، عن قتادة، عن أنس، والذي رواه عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلًا هو هشام الدستوائي، وهشام وإن كان مقدمًا في أصحاب قتادة، فليس همام وجرير إذا اتفقا بدونه، والله أعلم، وصححه الضياء المقدسي في «مختارته» (٢٣٧٥)، وصححه كذلك العلامة خليل أحمد السهارنفوري في «بذل المجهود» ١٢/ ٨٦، وله فيه بحث في غاية النفاسة، فراجعه.
وأخرجه الترمذي (١٧٨٦)، والنسائي (٥٣٧٤) من طريق جرير بن حازم، والنسائي (٥٣٧٤) من طريق همام بن يحيى، كلاهما عن قتادة، به.
وهو عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١٣٩٨) من طريق أبي عوانة اليشكري، عن قتادة، عن أنس. لكن في إسناده هلالُ بن يحيى البصري المعروف بهلال الرأي ضعيف. وانظر تمام تخريجه هناك.
ويشهد لحديث أنس هذا حديث أبي أمامة بن سهل عند النسائي (٥٣٧٣)، وصحح إسناده ابن الملقن في «البدر المنير» ١/ ٦٣٩، وتبعه الحافظ في «التلخيص الحبير» ١/ ٥٢، وهو كما قالا. =

٢٥٨٤ - حدَّثنا محمد بنُ المُثنَّى، حدَّثنا معاذُ بن هشامٍ، حدثني أبي، عن قتادةَ عن سعيدِ بن أبي الحسنِ، قال: كانتْ قَبيعةُ سيفِ رسولِ الله ﷺ فضةً (١).
قال قتادةُ: وما علمتُ أحدًا تابعه على ذلك.
٢٥٨٥ - حدَّثنا محمدُ بن بشارٍ، حدَّثني يحيى بنُ كثيرٍ أبو غسّانَ العنبريُّ، عن عثمانَ بن سَعدٍ عن أنس بن مالك، قال: كانت فذكَر مثلَه (٢).


ويشهد له كذلك حديث مرزوق الصيقل عند الطبراني في«الكبير»٢٠/ (٨٤٤) وأبي الشيخ في «أخلاق النبي ﷺ» ص١٤٠، والبيهقي ٤/ ١٤٣، قال ابن الملقن: لا أعلم بهذا السند بأسًا، وأثر محمد الباقر عند عبد الرزاق (٩٦٦٣)، وابن سعد في «الطبقات» ١/ ٤٨٧، والإسناد إليه صحيح.
(١) رجاله ثقات، ولكنه مُرسل. وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائى.
وأخرجه النسائي (٥٣٧٥) من طريق يزيد بن زريع، عن هشام الدستوائى، به.
وقد تابع هشامًا على إرساله نصر بن طريف عند أحمد في «العلل» ١/ ٢٣٩ و٥٤٣، والعقيلي في «الضعفاء» ١/ ١٩٩، ولكن نصر بن طريف متروك الحديث.
وذكر العقيلي أن شعبة بن الحجاج قد رواه كما رواه هشام الدستوائي، ولم نقف على متابعته تلك.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عثمان بن سعد -وهو البصري الكاتب- وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فرواه أبو عبيدة الحداد كما في «العلل» لابن أبي حاتم ١/ ٤٨٣، عن عثمان بن سعد، عن ابن سيرين، عن سمرة عن النبي ﷺ. قال أبو زرعة فيما نقله عنه ابن أبي حاتم وقد سأله عن هذا الحديث: أبو عبيدة الحداد أحفظ من يحيي بن كثير. قلنا: لكن أبا زرعة جعل الوهم من يحيى بن كثير مع =

قال أبو داود: أقواها حديثُ سعيدِ بن أبي الحسنِ، والباقيةُ ضِعافٌ.

٧٠ - باب في النَّبْل يُدخَلُ به المسجد
٢٥٨٦ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن أبي الزُّبيرِ
عن جابر، عن رسول الله ﷺ: أنه أمر رجلًا كان يتصدَّق بالنَّبْل في المسجد أن لا يَمُرَّ بها إلا وهو آخِذٌ بنُصُولها (١).


= أنه ثقة، ولأن يكون الوهم من عثمان بن سعد الضعيف أليق وأنسب، بأن يكون عثمان رواه مرة كما عند المصنف ومرة كما في الرواية التي أشار إليها ابن أبي حاتم، والله تعالى أعلم.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٥٥٩٤)، وابن عدي في «الكامل» في ترجمة عثمان بن سعد ٥/ ١٨١٦، والبيهقي ٤/ ١٤٣ من طريق يحيي بن كثير، به.
وقد صح من طريق أخرى عن أنس كما سلف برقم (٢٥٨٣)، وصح أيضًا عن أبي أمامة بن سهل كما ذكرناه هناك.
قال الخطابي: «قبيعة السيف» هو التومة التي فوق المقبض، قلنا: التومة بضم التاء المثناة: اللؤلؤة والدرة ونحوهما، أو مثل ذلك يصنع من الفضة.
ثم قال الخطابي: ويستدل به على جواز تحلية اللجام باليسير من الفضة، وسقوط الزكاة عنه على مذهب من يسقط الزكاة عن الحلي.
وقد قيل: إنه لا يجوز ذلك، لأنه من زينة الدابة، وإنما جاز ذلك في السيف لأنه من زينة الرجل وآلته، فيقاس عليه المِنطَقة ونحوها من أداة الفارس، دون أداة الفرس.
(١) إسناده صحيح. أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- وإن لم يصرح بالسماع، فإن روايته هنا محمولة على السماع، ذلك أنها من رواية الليث - وهو ابن سعد، عنه، وقد أعلم له أبو الزبير على الأحاديث التي سمعها من جابر سماعًا كما رواه ابن حزم بسنده في «المحلى» ٧/ ٣٩٦ و٩/ ١١، ونقله عنه الذهبي في «الميزان» في ترجمة أبي الزبير. =

٢٥٨٧ - حدَّثنا محمدُ بن العلاءِ حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن بُريدٍ، عن أبي بُردةَ عن أبي موسى، عن النبي ﷺ قال: «إذا مَرَّ أحدُكم في مسجدِنا، أو في سوقِنا، ومعه نَبلٌ، فليُمسك على نِصالِها -أو قال: فلْيقبِضْ كفَّه أو قال: فليقبِضْ بكفِّه- أن تُصيبَ أحدًا من المسلمين» (١).

٧١ - باب في النهي أن يُتعاطَى السيفُ مسلُولًا
٢٥٨٨ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حَمّاد، عن أبي الزبيرِ عن جابرِ: أن النبي ﷺ نَهى أن يُتعاطَى السيفُ مَسلُولًا (٢).


= وأخرجه مسلم (٢٦١٤) من طريق الليث بن سعد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٧٨١)، و«صحيح ابن حبان» (١٦٤٨).
وأخرج البخاري (٤٥١)، ومسلم (٢٦١٤)، وابن ماجه (٣٧٧٧)، والنسائى (٧١٨) من طريق عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال: مرَّ رجل في المسجد ومعه سهام، فقال له رسول الله: «أمسك بنصالها».
(١) إسناده صحيح. أبو بردة: هو ابن أبي موسى الأشعري، وبُريد: هو ابن عبدالله بن أبي بُردة، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة، ومحمد بن العلاء: هو الهَمداني أبو كريب مشهور بكنيته.
وأخرجه البخاري (٤٥٢)، ومسلم (٢٦١٥)، وابن ماجه (٣٧٧٨) من طريق
بريد بن عبد الله بن أبي بردة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤٨٨) و(١٩٥٤٥)، و«صحيح ابن حبان» (١٦٤٩). وقال الحافظ في «الفتح» وفى الحديث إشارة إلى تعظيم قليل الدم وكثيره، وتأكيد حرمة المسلم، وجواز إدخال السلاح المسجد.
(٢) إسناده صحيح، وأبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- قد صرح بالسماع عند أحمد (١٤٩٨١)، وابن حبان (٥٩٤٣). حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه الترمذي (٢٣٠٢) من طريق حماد بن سلمة، به. وقال: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٠١)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٤٣).

٧٢ - باب في النهي أن يُقَدَّ السَّيرُ بين إصبعين (١)
٢٥٨٩ - حدَّثنا محمدُ بن بشار، حدَّثنا قُريشُ بن أنسٍ، حدَّثنا أشعثُ، عن الحسن
عن سَمُرة بن جُندبٍ: أن رسولَ الله ﷺ نهى أن يُقَدَّ السَّيرُ بين إصبعين (٢).


(١) هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنه من رواية أبي عيسى الرملي.
(٢) ضعيف، وهذا سند رجاله ثقات، لكن الحسن -وهو البصري- مختلف في سماعه من سمرة بن جندب، وقريش بن أنس ثقة، لكنه اختلط قُبيل موته.
وأخرجه الرويانى في «مسنده» (٨١٩)، وابن حبان في «المجروحين» ٢/ ٢٢٠ من طريق محمد بن بشار، والطبراني في «الكبير» (٦٩٣٥) من طريق علي ابن المديني، والحاكم ٤/ ٢٨١ من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثلاثتهم عن قريش بن أنس، بهذا الإسناد.
وقال الذهبي في «الميزان» ٣/ ٣٨٩ في ترجمة قريش بن أنس: هذا حديث منكر.
وأخرجه أبو بكر القطيعي في «جزء الألف دينار» (٢٩٧)، والطبرانى (٦٩١٠) من طريق يعلى بن عباد، عن همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. ويعلى بن عباد -وهو الكلابي- ضعيف الحديث.
وأخرجه الطبراني (٦٩٤٩) من طريق عاصم بن على الواسطي، عن قيس بن الربيع، عن إسماعيل بن مسلم المكي، عن الحسن، عن سمرة. وإسماعيل بن مسلم المكي ضعيف الحديث وعاصم بن علي وقيس بن الربيع في حفظهما شيء.
وأخرجه الطبراني أيضًا (٧٠٧٧) من طريق محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده سمرة بن جندب. قال الذهبي في «الميزان» في ترجمة جعفر بن سعد ابن سمرة وروى له عدة أحاديث بهذه السلسلة نفسها: وبكل حالٍ هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم. ونقل عن ابن القطان قوله: ما من هؤلاء من يُعرف حاله، وقد جَهِد المحدثون فيهم جُهدَهم. =

٧٣ - باب في لُبس الدُّروعِ
٢٥٩٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ، قال: حسبتُ أني سمعتُ يزيدَ ابنَ خُصيفةَ يَذكُر، عن السَّائبِ بن يزيدَ
عن رجلٍ قد سماه: أن رسولَ الله ﷺ ظاهَرَ يومَ أُحدٍ بين درْعَين، أو لَبِسَ دِرْعَين (١).


= القد: القطع طولًا كالشق، والسير: ما يقد من الجلد. أي: نهى أن يقطع ويشق قطعة الجلد بين إصبعين لئلا تعقر الحديدة يده.
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، وتعيين الحافظ المنذري له بأنه الثوري فيه نظر، فالثوري وإن توفى في البصرة بلد مُسَدَّد بن مُسَرْهَد، وكان عمر مسدَّد إذ ذاك بحدودِ الأحدَ عشرَ عامًا -لا يُعرف أنه سمع منه، وإنما يُعرف سماعُه من سفيان بن عيينة، ثم إن هذا الحديث لا يُعرف أحدٌ رواه غير سفيان بن عيينة، عن يزيد ابن خصيفة- وهو يزيد بن عبد الله ابن خصيفة - كذلك رواه أحمد وابن المديني والشافعي وغيرهم عن ابن عيينة. وأما شك سفيان بسماعه من ابن خصيفة فزائل بما وقع من التصريح جزمًا عند أحمد في «مسنده» (١٥٧٢٢) وقد رواه ابن عيينة على ثلاثة وجوه كما سيأتي بيانه.
فأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (٦٦٠)، والشاشي في«مسنده» (٢٣)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٣/ ٢٥ - ٢٦ من طريق سويد بن سعيد، عن سفيان بن عيينة، عن يزيد ابن خصيفة، عن السائب بن يزيد، عن رجل من بني تيم يقال له معاذ. فسماه معاذًا. وسُويد ابن سعيد ضعيف يعتبر به، وقد تابعه دون تسمية الرجل مسدَّدٌ كما في طريق المصنف.
وأخرجه أبو يعلى (٦٥٩) من طريق بشر بن السريّ، والشاشي (٢٢) و(٢٤) و(٢٥)، وابن قانع ٢/ ٣٩، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٤٦ من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن خُصيفة، عن السائب بن يزيد، عن رجل من بنى تيم، عن طلحة بن عبيد الله - فزاد في الإسناد طلحة بن عبيد الله.
وبمتابعة إبراهيم بن بشار الرمادي هنا ينفي ما قاله الدارقطني في «علله» ٤/ ٢١٨ من تفرد بشر بن السري بهذا الوجه. وقال إبراهيم بن بشار في روايته عند الشاشي (٢٢): وقال سفيان مرة أخرى: حدَّثنا يزيد ابن خصيفة، عن السائب. ولم يذكر الإسناد فيه.
قلنا: يعني رواه بالوجه الثالث الآتى. =

٧٤ - باب في الرايات والألوية (١)
٢٥٩١ - حدَّثنا إبراهيم بن مُوسى الرازيُّ، أخبرنا ابنُ أبي زائدةَ، أخبرنا أبو يعقوب الثقفيُّ، حدثني يونُس بن عُبيدٍ مولى محمدِ بن القاسم، قال:


= وأخرجه الشافعي في «مسند» ٢/ ١٢٠، وسعيد بن منصور (٢٨٥٨)، وأحمد (١٥٧٢٢)، ومن طريقه الطبراني في «الكبير» (٦٦٦٩) وأخرجه ابن سعد في«الطبقات» ٢/ ٤٦ من طريق عبد الله بن المبارك، وابن ماجه (٢٨٠٦) عن هشام بن عمار، والترمذي (١٠٤)، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٥٨) من طريق ابن أبي عمر العدني، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٢٩) عن عبد الله بن محمد الضعيف، وابن الجارود في «المنتقى» (١٠٦٠) عن عبد الله بن هاشم، والشاشي (٢٢) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي ﷺ» ص ١٤٢ من طريق علي ابن المديني، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٤٦، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٥٩) من طريق يحيى بن الربيع المكي، كلهم (الشافعي وسعيد بن منصور وأحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وهشام ابن عمار وابن أبي عمر وعبد الله بن هاشم وعبد الله بن محمد الضعيف وإبراهيم بن بشار وعلي ابن المديني ويحيى بن الربيع) عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة، عن السائب بن يزيد لم يجاوزه، وهذا الذي رجحه الدارقطني في «العلل» ٤/ ٢١٨. والسائب بن يزيد له صحبة، فعلى أي تقدير يكون الإسناد صحيحًا، ويكون رفع السائب له إرسالًا من صحابي، ومُرسل الصحابي صحيح. وفي الباب عن الزبير بن العوام عند ابن هشام في«السيرة النبوية» ٣/ ٩١، والترمذي في «جامعه» (١٧٨٧)، وفي «الشمائل» (١٠٣)، والحاكم ٣/ ٢٥، والبيهقي ٦/ ٣٧٠، والضياء المقدسي في «المختارة» (٨٦١) و(٨٦٢). وإسناده حسن.
وعن سعد بن أبي وقاص عند الدورقي في «مسند سعد» (٩٠)، وابن عدي في «الكامل» ٢/ ٧٤٦، والخطيب البغدادي في«تاريخه» ٧/ ٣٠٥ وإسناد ابن عدي والخطيب حسن.
(١) جاء في «بذل المجهود» ١٢/ ٩٢: قال ابن الأثير في «النهاية» ٣/ ٥٢٦: الراية العلم الضخم، وكان اسم راية النبي ﷺ العقاب، وفي «المغرب»: اللواء علم الجيش، وهو دون الراية، لأنه شقة ثوب يلوى ويشد إلى عود الرمح، والراية: علم الجيش، ويكنى أم الحرب، وهو فوق اللواء، وقال التوربشتي: الراية: هي التي يتولاها صاحب الحرب ويقاتل عليها، واللواء: علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار.

بعثني محمد بن القاسم، إلى البَراء بن عازِبٍ يسألُه عن رايةِ
رسولِ الله ﷺ ما كانت؟ فقال: كانت سوداءَ مُربَّعةً من نَمِرةٍ (١). ٢٥٩٢ - حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ المروزي -وهو ابن راهَويه-، حدَّثنا يحيي بنُ آدمَ، حدَّثنا شريكٌ، عن عمارِ الدهنيِّ، عن أبي الزبيرِ عن جابر يرفعُه إلى النبي ﷺ: أنه كان لِواؤُه يومَ دخلَ مكة أبيضَ (٢).


(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم. ولضعف أبي يعقوب الثقفي -واسمه إسحاق بن إبراهيم- ابن أبي زائدة: هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. وسأل الترمذي في «العلل الكبير» ٧١٣/ ٢ شيخه البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن.
وأخرجه الترمذي (١٧٧٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٥٢) من طريق ابن أبي زائدة، بهذا الإسناد. وقال الترمذى: حديث حسن غريب.
وفي الباب عنِ ابن عباس عند ابن ماجه (٢٨١٨)، وانظر تمام شواهده هناك.
وقوله: من نمِرة: بفتح النون وكسر الميم: بردة من صوف يلبسها الأعراب، فيها تخطيط من سواد وبياض، ولذلك سميت نمرة تشبيهًا بالنمر.
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- وأبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- مدلس وقد عنعن.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨١٧)، والترمذي (١٧٧٤)، والنسائي (٢٨٦٦) من طريق يحيى بن آدم، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحى بن آدم، عن شريك، وسألت محمدًا (يعني البخاري) عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم، عن شريك، وقال: حدَّثنا غير واحدٍ عن شريك، عن عمار، عن أبي الزبير، عن جابر: أن النبي ﷺ دخل مكة وعليه عمامة سوداء.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٧٤٣).
وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي (١٧٧٦)، وابن ماجه (٢٨١٨) وهو حديث حسن.
وعن عائشة عند أبي الشيخ في «أخلاق النبي ﷺ» ص ١٤٤ - ١٤٥، والبغوي (٢٦٦٥).

٢٥٩٣ - حدَّثنا عقبةُ بن مُكرَمٍ، حدَّثنا سَلمُ بن قُتيبةَ الشَعِيريُّ، عن شُعبةَ، عن سماكٍ، عن رجلِ من قومِه عن آخَرَ منهم، قال: رأيتُ رايةَ رسولِ الله ﷺ صفراءَ (١).

٧٥ - باب في الانتصار برُذُل الخيل والضَّعفة
٢٥٩٤ - حدَّثنا مُؤمَّل بن الفَضل الحرَّانيُّ، حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا ابنُ جابر، عن زيدِ بن أرطاةَ الفَزَاريِّ، عن جُبيرِ بن نُفَير الحضرميِّ
أنه سمع أبا الدرداء يقولُ: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «ابغُوني الضعفاءَ، فإنما تُرزَقُون وتُنْصَرون بضعفائِكم» (٢).


(١) إسناده ضعيف لإبهام شيخ سماك -وهو ابن حرب.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٦٩٤)، والبيهقي ٦/ ٣٦٣ من طريق سلم بن قتيبة، بهذا الإسناد.
(٢) إسناده صحيح. ابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، والوليد: هو ابن مسلم الدشقى، وهو وإن لم يصرح بسماعه في كل طبقات الإسناد تابعه عبد الله بن المبارك وغيره. فأُمن تدليسه.
وأخرجه الترمذي (١٧٩٧) من طريق عبد الله بن المبارك، والنسائي (٣١٧٩) من طريق عمر بن عبد الواحد، كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧٣١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٦٧).
وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص عند البخاري (٢٨٩٦) من طريق مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي ﷺ: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم».
وهو عند النسائي ٦/ ٤٥ من طريق مصعب بن سعد عن أبيه بزيادة تبين معنى الحديث، ولفظه: «إنما ينصُرُ الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم».
قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصًا في الدعاء، وأكثر خشوعًا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. =

قال أبو داودَ: زيدُ بن أرطاةَ أخو عديِّ بن أرطاةَ.

٧٦ - باب في الرجل ينادي بالشِّعار
٢٥٩٥ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، عن الحجّاج، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سَمُرةَ بن جُندبِ، قال: كانَ شعارُ المهاجرين عبدَ الله، وشعارُ الأنصار عبدَ الرحمن (١).


= وقوله: «ابغوني» قال المناوي في «فيض القدير» ١/ ٨٢: بالوصل من الثلاثي، فهو مكسور الهمز، أي: اطلبوا لي طلبًا حثيثًا، يقال: ابغني مطالبي: اطلبها لي، وفي رواية بالقطع من الرباعي فهو مفتوح الهمزة، أي: أعينوني على الطلب. يقال: أبغيتك الشي أي: أعنتك على طلبه، قال ابن حجر: الأول أليق بالقياس، وأوفق في المذاق.
(١) إسناده ضعيف لضعف الحجاج -وهو ابن أرطاة- ثم هو مدلس وقد عنعن، والحسن -وهو البصري- مختلف في سماعه من سمرة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٩٠٩).
وأخرجه ابن أبي شيبة ٦/ ٥٣٠، والروياني في «مسنده» (٨٠٣)، والطبراني في «الكبير» (٦٩٥٣)، والبيهقي ٦/ ٣٦١ من طريق الحجاج بن أرطاة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني (٧١٠٢) من طريق سليمان بن موسى الزهري، عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده. قال: كان رسول الله ﷺ جعل شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج يا بني عبد الله، وشعار الأوس يا بني عُبيد الله، وسمى خيلنا خيل الله إذا فَزِعنا. قال الذهبي في «الميزان» في ترجمة جعفر بن سعد بن سمرة وروى له عدة أحاديث بهذه السلسلة نفسها: وبكل حال هذا إسناد مُظلم لا ينهض بحكم، ونقل عن ابن القطان قوله: ما من هؤلاء من يعرف حاله، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم.
قلنا: لكن أخرج الحاكم ٢/ ١٠٦، وعنه البيهقي ٦/ ٣٦١ ما يوافق هذه الرواية الأخيرة من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن يزيد بن رومان، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة. وإبراهيم ضعيف، وخالفه ابن إسحاق عند البيهقي ٦/ ٣٦١ فرواه عن عمر بن عبد الله بن عروة، عن جده عروة بن الزبير مرسلًا.

٢٥٩٦ - حدَّثنا هَنَّادٌ، عن ابنِ المبارَك، عن عكرمةَ بن عمارٍ، عن إياسِ بن سلمة عن أبيه، قال: غَزَونا مع أبي بكرِ رضي الله عنه زمنَ النبيَّ ﷺ فكان شعارُنا أمِتْ أمِتْ (١).
٢٥٩٧ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن المُهلَّب بن أبي صُفْرة قال:
أخبرني مَنْ سمع النبيَّ ﷺ يقول: «إنْ بُيِّتُّم فليكن شعارُكم: حم لا يُنصَرونَ» (٢).


(١) إسناده قوي من أجل عكرمة بن عمار. سلمة: هو ابن الأكوع، وابن المبارك: هو عبد الله، وهناد: هو ابن السَّريِّ.
وأخرجه النسائي في «الكبري» (٨٦١٢) و(٨٨١١) من طريق عكرمة بن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٩٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٤٤).
وسيأتي عند المصنف أيضًا (٢٦٣٨).
والشعار: العلامة في الحرب. أمت أمت قال ابن الأثير: هو أمر بالموت، والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الفرض للشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل. قيل: المخاطب هو الله تعالى، فإنه المميت، فالمعنى: يا ناصر أمت وفي رواية في «أخلاق النبي» ص١٦٥: يا منصور أمت أمت، فالمخاطب على هذه الرواية: كل واحد من المقاتلين ذكره القاري.
(٢) إسناده صحيح. وإبهام الصحابي لا يضر، أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وسفيان -وهو الثوري- أثبت الناس في أبي إسحاق.
وأخرجه الترمذي (١٧٧٧) من طريق سفيان الثوري والنسائي في «الكبرى» (٨٨١٠) من طريق شريك النخعي، كلاهما عن أبي إسحاق، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٦١٥).
وأخرجه النسائي (١٠٣٧٦) عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن شيبان (وفي «تحفة الأشراف»: «سفيان»، وقال: في نسخة «شيبان» بدل «سفيان») عن أبي إسحاق، عن البراء. =

٧٧ - باب ما يقول الرجل إذا سافر
٢٥٩٨ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، حدَّثنا محمدُ بن عَجْلانَ، حدَّثني سعيدٌ المقَبُريُّ عن أبي هُريرةَ، قال: كان رسول الله ﷺ إذا سافر قال: «اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ، والخليفةُ في الأَهلِ، اللهم إني أعوذ بك من وعْثَاء السفرِ، وكآبةِ المُنقَلَب، وسُوء المنظَرِ في الأَهل والمالِ، اللهم اطْوِ لنا الأَرَضَ، وهَوِّن علينا السفرَ» (١).
٢٥٩٩ - حدَّثنا الحسنُ بن علي، حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا ابنُ جُريجٍ، أخبرني أبو الزبيرِ، أن عليًا الأَزديَّ أخبره


= وأخرجه النسائي (١٠٣٧٧) من طريق أجلح بن عبد الله بن حُجَيَّهَ، عن أبي إسحاق، عن البراء.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٤٩).
وأخرجه النسائى (١٠٣٧٩) من طريق زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة، مرسلًا وزهير ممن سمع من أبي إسحاق بعد اختلاطه.
(١) إسناده صحيح. سعيد المقبري: هو ابن أبي سعيد، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرهَد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٢٦١) من طريق يحيى القطان، بهذا الإسناد. وأخرجه الترمذي (٣٧٣٨) و(٣٧٣٩)، والنسائي (٧٨٨٥) و(٨٧٥١) من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٩٢٠٥) و(٩٥٩٩).
قال الخطابي: قوله: «وعثاء السفر» معناه المشقة والشدة، وأصله: من الوَعْث، وهو أرض فيها رملٌ تسوخ فيها الأرجل.
ومعنى «كآبة المنقلب» أن ينقلب من سفره إلى أهله كئيبًا حزينًا، غير مَقضيّ الحاجة، أو منكوبًا ذهب مالُه، أو أصابته آفة في سفره، أو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى، أو يفقد بعضهم، وما أشبه ذلك من المكروه.

أن ابنَ عمر علَّمه: أن رسولَ الله ﷺ كان إذا استوى على بعيرِه خارجًا إلى سفرٍ كبَّر ثلاثًا، ثم قال: «﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف:١٣ - ١٤] اللهم إني أسألُك في سفرِنا هذا البرَّ والتقوى، ومِن العملِ ما تَرضَى، اللهم هَوِّن علينا سفرَنا هذا، اللهم اطْوِ لنا البُعدَ، اللهم أنت الصاحبُ في السفر، والخليفةُ في الأهلِ والمالِ»، وإذا رجَعَ قالهن، وزاد فيهن: «آيبُون تائبون عابدون لِربنا حامِدُونَ»، وكان النبي ﷺ وجيوشُه إذا علوا الثنايا كبَّروا، وإذا هَبَطُوا سبَّحوا، فوُضِعَتِ الصلاةُ على ذلكَ (١).

٧٨ - باب في الدعاء عند الوداع
٢٦٠٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الله بن داودَ، عن عبد العزيز بن عمر، عن إسماعيلَ بن جرير، عن قزَعَةَ، قال:


(١) إسناده صحيح. علي الأزدي: هو ابن عبد الله البارقي، وأبو الزبير: هو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز. وقد صرح هو وأبو الزبير بالسماع فانتفت شبهة تدليسهما.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٩٢٣٢).
وأخرجه مسلم (١٣٤٢)، والترمذي (٣٧٥٠)، والنسائي في «الكبرى» (١١٤٠٢) من طريق أبي الزبير، به، ولم يذكر النسائى في روايته دعاءه ﷺ إذا رجع من سفره، ولم يذكروا جميعًا قوله في آخر الحديث: وكان النبي ﷺ وجيوشُه ... وهو في «مسند أحمد» (٦٣١١)، و«صحيح ابن حبان» (٢٦٩٦).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ قال ابن عباس ومجاهد: مطيقين. قال ابن قتيبة: يقال: أنا مُقْرِنٌ لك، أي: مطيق لك، ويقال: هو من قولهم: أنا قِرْنٌ لفلان: إذا كنت مثله في الشدة، فإن قلت: أنا قرن لفلان بفتح القاف، فمعناه أن يكون مثله بالسن.

قال لي ابنُ عمر: هلُمَّ أُودِّعْك كما ودَّعني رسولُ الله ﷺ: «أستودع الله دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملِك» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد اختلف فيه في تسمية شيخ عبد العزيز بن عمر -وهو الأموي- والصحيح أنه يحيى بن إسماعيل بن جرير فيما رجحه أبو حاتم وأبو زرعة كما ذكر ابن أبي حاتم في «العلل» ١/ ٢٦٩، وكذلك رجحه الدارقطني في «العلل» ٤/ ورقة ١١٢، وقال المزي في «تهذيب الكمال» ٣/ ٥٦: هو المحفوظ، وتابعه ابن حجر في «تهذيب التهذيب»، ويحيى بن إسماعيل بن جرير بن عبد الله البجلي ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال الدارقطني: لا يحتج به. قلنا: وقد انفرد برفع الحديث عن قزعة، لكن الحديث روي من وجوه أُخَر عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٤٩٥٧).
وأخرجه النسائى في «الكبري» (١٠٢٦٩/ ٣) من طريق عبدة بن سليمان، و(١٠٢٦٩/ ٤) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، و(١٠٢٦٩/ ٥) من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض، ثلاثتهم عن عبد العزيز بن عمر، عن يحيى بن إسماعيل بن جرير، عن قزعة، عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٦١٩٩)، وانظر تمام الكلام على هذا الإسناد عنده.
وأخرجه النسائي (١٠٢٧١) من طريق عيسى بن يونس، عن عبد العزيز بن عمر، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن قزعة، عن ابن عمر. كذا سماه إسماعيل بن محمد بن سعد، فوهم، والصحيح يحيى بن إسماعيل كما سبق بيانه.
وأخرجه كذلك (١٠٢٧٢) عن هشام بن عمار، عن يحيى بن سعيد، عن عبد العزيز ابن عمر، عن قزعة، عن ابن عمر، فأسقط من إسناده يحيى بن إسماعيل!! ولعل الوهم فيه من هشام.
وأخرجه النسائي أيضا (١٠٢٧٣ - ١٠٢٧٥) من طريق نهشل بن مُجمِّع الضبي، عن قزعة، قال: كنت عند ابن عمر، فلما خرجتُ شيعني، وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال لقمان الحكيم: إن الله إذا استُودع شيئًا حفظه وإني أستودع الله دينك=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأمانتك وخواتم عملك، وأقرأ عليك السلام. كذلك رواه نهشل في رواية النسائي الأولى وهي أتم الروايات عنه فجعله من قول ابن عمر، وكذلك رواه المطعم بن المقداد، عن مجاهد، عن ابن عمر عند النسائي (١٠٢٦٩/ ١). لكنه لم يذكر لقمان الحكيم. وإسناد نهشل صحيح وإسناد المُطعمِ قوي.
وأخرجه موقوفًا كذلك النسائي (١٠٢٧٦) من طريق نهشلٍ أيضًا، عن أبي غالب قال: شيعت أنا وقزعةُ ابنَ عمر، فقال ... كروايته السابقة. إلا أنه جعل المشيَّع هنا عبد الله بن عمر.
وأخرجه موقوفًا أيضًا النسائي (١٠١٧٧) و(١٠٢٧٨) من طريق أبي سنان ضرار ابن مرة الشيباني، عن قزعة وأبي غالب قالا: شيعنا ابن عمر ... وأبو سنان ثقة والإسناد إليه صحيح. وأخرجه الترمذي (٣٧٤٤)، والنسائي (٨٧٥٥) و(١٠٢٨٠) من طريق أبي معمر سعيد بن خثيم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه مرفوعًا. وأعله أبو زرعة وأبو حاتم كما في «العلل» لابن أبي حاتم ١/ ٢٦٨ - ٢٦٩ بأن سعيد بن خثيم وهم فيه، وأن الصحيح عندهما: عن عبد العزيز بن عمر، عن يحيي ابن إسماعيل بن جرير، عن قزعة، عن ابن عمر. لكن الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم بن عبد الله.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٢٤).
وأخرجه النسائي (٨٧٥٤) و(١٠٢٧٩)، وأبو يعلى (٥٦٧٤)، وابن خزيمة (٢٥٣١)، والحاكم ٢/ ٩٧ من طريق الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، لكن نقل ابن أبي حاتم في «العلل» ١/ ٢٦٨ - ٢٦٩ عن أبيه وأبي زرعة أنهما قالا: وروى هذا الحديث الوليد بن مسلم، فوهم فيه أيضًا؛ فقال: عن حنظلة، عن سالم، عن القاسم، عن ابن عمر!! قلنا: أما ذكر سالم فلم يرد في حديث الوليد عند من خرج الحديث من طريقه: ثم إن الوليد لم ينفرد به، فقد أخرجه الحاكم ١/ ٤٤٢، وعنه البيهقي ٥/ ٢٥١ من طريق إسحاق بن سليمان الرازي، وهو ثقة والإسناد إليه ثقات كلهم. =

٢٦٠١ - حدَّثنا الحسنُ بن علي، حدَّثنا يحيي بنُ إسحاقَ السِّيلَحيني، حدَّثنا حمادُ بن سلمةَ، عن أبي جعفرِ الخَطميِّ، عن محمد بن كعْبٍ
عن عبدِ الله الخَطمِيّ قال: كان النبيُّ ﷺ إذا أراد أن يستودعَ الجيشَ قال: «أستودعُ اللهَ دينكُم وأمانتكم وخَواتيمَ أعمالِكم» (١).

٧٩ - باب ما يقول الرجل إذا ركب
٢٦٠٢ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، حدَّثنا أبو إسحاقَ الهمدانيُّ، عن عليِّ بن ربيعةَ، قال:
شهدتُ عليًا رضي الله عنه وأُتيَ بدابّة ليركبَها، فلما وضع رجلَه في الرِّكاب، قال: باسمِ اللهِ، فلما استوى على ظهرِها قال: الحمدُ


= وأخرجه الترمذي (٣٧٤٣) من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية، وابن ماجه (٢٨٢٦)، والنسائي (١٠٢٦٧) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر. وابراهيم مجهول وابن أبي ليلى سيئ الحفظ.
وأخرجه النسائي (١٠٢٦٩) من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز، عن مجاهد، عن ابن عمر. وعبد الله بن عمر العمري ضعيف الحديث.
ويشهد له حديث عبد الله بن يزيد الخطمي الآتي بعده، واسناده صحيح.
وقوله: أستودع الله دينك، أي: أستحفظ وأطلب منه حفظ دينك.
وأمانتك: قال الخطابي: الأمانة هاهنا أهله ومن يخلفه منهم، وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناهما.
(١) إسناده صحيح. محمد بن كعب: هو القُرظي، وأبو جعفر الخَطمي: هو عُمير بن يزيد الأنصاري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٢٦٨)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٥٩٤٢)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ١١٤، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٥٠٤)، والحاكم ٢/ ٩٧ - ٩٨، والبيهقي ٧/ ٢٧٢ من طريق حماد بن سلمة، عن أي جعفر الخطْمي، به.

لله ثم قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)﴾ [الزخرف:١٣ - ١٤] ثم قال: الحمدُ لله، ثلاثَ مراتٍ، ثم قال: اللهُ أكبرُ، ثلاثَ مراتٍ، ثم قال: سُبحانَك إني ظلمتُ نفسِي فاغفرْ لي، فإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، ثم ضحكَ، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أيِّ شيء ضحكتَ؟ قال: رأيتُ النبيَّ ﷺ فعل كما فعلتُ، ثم ضحكَ، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء ضحكتَ؟ قال: «إن ربَّك يعجَبُ من عبده إذا قال: اغفرْ لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفرُ الذنوبَ غَيرِي» (١).


(١) حديث حسن، أبو إسحاق الهمداني -وهو عمرو بن عبد الله السبيعي- قد دلَّس في هذا الإسناد، فحذف منه رجلين بينه وبين علي بن ربيعة، مع أنه محتمل السماع منه جدًا، لكن روى ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل» ص١٦٨ عن شعبة أنه قال: قلت لأبي إسحاق: من حدثك عن علي بن ربيعة قال: كنت ردف عليٍّ، فلما ركب قال: سبحان الذي سخر لنا هذا؟ قال: سمعتُ من يونس بن خباب، َ فأتيتُ يونس بن خباب، فقلتُ من حدثك؟ قال: حدثني رجلٌ عن علي بن ربيعة، ونحو هذا نقل البخاري في«التاريخ الأوسط»١/ ٢٩٠ - ٢٩١، والدارقطني في «العلل» ٤/ ٦١. وهذا الرجل المبهم سماه الطبراني في «الأوسط» (١٧٥): شقيق بن أبي عبد الله، والدارقطني في «العلل»: شقيق بن عقبة، قال الحافظ في «نتائج الأفكار» كما نقله عنه ابن علان في «الفتوحات الربانية» ٥/ ١٢٦: شقيق هذا ما عرفت اسم أبيه ولا حاله هو، والعلم عند الله تعالى.
قلنا: وقع تصريح أبي إسحاق السبيعي بإخبار علي بن ربيعة له عند عبد بن حميد (٨٨)، والبيهقي ٥/ ٢٥٢، والبغوي في «شرح السنة» (١٣٤٢)، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (٦٧٧) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق! وقال عبد الرزاق فيما حكاه الإمام أحمد عنه في «المسند» (٩٣٠): وأكثر ذاك يقول (يعني به أبا إسحاق): أخبرني من شهد عليا حين ركب ... الحديث! فالظاهر من كلام عبد الرزاق هذا أن أبا إسحاق السبيعي كان أحيانًا يصرح بالإخبار، وأحيانًا لا يصرح، فالله تعالى أعلم! =

٨٠ - باب ما يقولُ الرجلُ إذا نزلَ المنزلَ
٢٦٠٣ - حدَّثنا عَمرو بن عُثمانَ، حدَّثنا بقيةُ، حدَّثني صفوانُ، حدَّثني شُريحُ بن عُبيدٍ، عن الزُّبير بن الوليد
عن عبد الله بن عمر، قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا سافر فأقبل الليل، قال: «يا أرضُ، ربي وربُّكِ اللهُ، أعوذُ بالله من شَرِّك، وشَرِّ ما فيك، وشرِّ ما خُلِقَ فيك، وشَرِّ ما يَدِبُّ عليكِ، وأعوذ بالله من أسَدٍ وأسودَ، ومِن الحيةِ والعقْربِ، ومن ساكنِ البلد، ومِن والدٍ وما وَلَدَ» (١).


= وعلى أي حال فللحديث طرق أخرى.
وأخرجه الترمذي (٣٧٤٩)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٤٨) و(٨٧٤٩) و(١٠٢٦٣) من طريقين عن أبي إسحاق السبيعي، به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٣)، و«صحيح ابن حبان» (٢٦٩٧) و(٢٦٩٨).
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ٢٨٤، والبزار في «مسنده» (٧٧١)، والطبراني في «الدعاء» (٧٧٧) من طريق إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الضُّفير -أو الضُّفَيرا- والطبراني (٧٨٠) من طريق الحكم، والطبراني أيضًا (٧٧٨)، والحاكم ٢/ ٩٨ - ٩٩ من طريق المنهال بن عمرو، ثلاثتهم عن علي بن ربيعة، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقد قال الدارقطنى في «العلل» ٤/ ٦٢: أحسنها إسنادًا حديث المنهال بن عمرو، عن علي بن ربيعة، وقال الحافظ في «أمالي الأذكار» عن طريق المنهال كما في «الفتوحات الربانية» ٥/ ١٢٥: رجاله كلهم موثقون من رجال الصحيح إلا ميسرة وهو ثقة.
(١) إسناده ضعيف لجهالة الزبير بن الوليد، وبقية -وهو ابن الوليد- وإن كان ضعيفًا قد توبع، فتبقى جهالة الزبير بن الوليد. عمرو بن عثمان: هو ابن سعيد بن كثير ابن دينار، وصفوان: هو ابن عمرو السَّكسَكي. =

٨١ - باب في كراهيةِ السيرِ أولَ الليلِ
٢٦٠٤ - حدَّثنا أحمدُ بن أبي شعيبِ الحرَّانيُّ، حدَّثنا زُهير، حدَّثنا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسولُ ﷺ: «لا تُرسِلُوا فَواشيَكم إذا غابتِ الشمسُ حتى تذهبَ فحمةُ العِشاءِ؛ فإن الشياطينَ تَعيثُ إذا غابتِ الشمسُ حتى تذهبَ فحمة العِشاء» (١).
قال أبو داود: الفَواشي ما يفشُو مِن كلّ شيءٍ.


وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٨١٣) من طريق أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، و(١٠٣٢٢) من طريق بقية بن الوليد، كلاهما عن صفوان بن عمرو، بهذا الإسناد. وقال النسائي عقب روايته الثانية: الزبير بن الوليد شامي ما أعرف له غير هذا الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (٦١٦١).
قوله: «ساكن البلد» قال الخطابي: يريد به الجن الذين هم سكانُ الأرض، والبلد من الأرض: ما كان مأوى للحيوان، وإن لم يكن فيه بناء ومنازل.
قال: ويحتمل أن يكون أراد بالوالد: إبليس، وما ولد: الشياطين.
(١) إسناده صحح. أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- قد صرح بالسماع عند الحميدي (١٢٧٣) فانتفت شبهة تدليسه ثم إنه متابع. زهير: هو ابن معاوية.
وأخرجه مسلم (٢٠١٣) من طريق زهير بن معاوية، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٤٢)، و«صحيح ابن حبان» (١٢٧٥).
وأخرجه البخاري (٣٢٨٠)، ومسلم (٢٠١٢) من طريق عطاء بن أبي رباح، والبخاري (٣٣٠٤)، ومسلم بإثر (٢٠١٢) من طريق عمرو بن دينار، كلاهما عن جابر ابن عبد الله بلفظ: «إذا استجنح الليل -أو كان جُنحُ الليل-، فكُفُّوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم». لفظ عطاء عند البخاري.
وسيأتي عند المصنف من طريق عطاء، عن جابر بلفظ: «واكفتوا صبيانكم عند العشاء -أو عند المساء- فإن للجن انتشارًا وخطفة» وانظر تمام تخريجه هناك. =

٨٢ - باب، في أي يومٍ يُستحب السفرُ
٢٦٠٥ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا عبدُ الله بن المبارَكِ، عن يونسَ بن يزيدَ، عن الزُّهري، عن عبد الرحمن بن كعبِ بن مالكٍ
عن كعب بن مالك، قال: قلَّما كانَ رسولُ الله ﷺ يَخرُجُ في سفرِ إلا يومَ الخميسِ (١).

٨٣ - باب في الابتكار في السفر
٢٦٠٦ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا هُشيمٌ، حدَّثنا يعلى بن عطاءٍ، حدَّثنا عُمارة بن حَديدٍ
عن صخرِ الغامديِّ، عن النبيَّ ﷺ، قال: «اللهم بارِك لأُمتي في بُكورِها»، وكان إذا بعثَ سَريَّةً، أو جيشًا بعثهم من أولِ النهار.


= قوله: «فواشيكم» قال المنذري في «تهذيب السنن»: جمع فاشية، وهي الماشية التي تنتشر من المال، كالإبل والبقر والغنم السائمة والصبيان وغيرهم، لأنها تفشو أي: تنتشر.
و«فَحْمة العشاء» (بفتح الفاء وسكون العين): هو إقبالُه وأول سواده، وهو أشد الليل سوادًا، قال ابن الأعرابي: يقال للظُّلْمة التي بين الصلاتين: الفحمة، وللظُّلْمة التي بين العتمة والغداة: العَسْعَسَة.
(١) إسناده صحيح.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٨٠).
وأخرجه البخاري (٢٩٤٩)، والنسائى في «الكبرى» (٨٧٣٦) من طريق يونس بن يزيد، والنسائي (٨٧٣٤) من طريق معمر بن راشد، كلاهما عن الزهري، به. لكن لفظ معمر: أن النبي ﷺ خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٨١)، و«صحيح ابن حبان» (٣٣٧٠).
قال الحافظ في «الفتح» وكونه يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه، وقد ثبت أنه خرج لحجة الوداع يوم السبت.

وكان صخرٌ رجلًا تاجرًا، وكان يبعثُ تجارتَه من أولِ النهار فأَثْرى وكثُر مالُه (١).
قال أبو داود: صخرُ بن وَدَاعةَ.


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمارة بن حديد -وهو البجلي-، وصححه الحافظ أبو طاهر السِّلفي في «المجالس الخمسة» ص١١١، وقال العقيلي بعد أن أخرج حديث ابن عباس في ترجمة عمر بن مساور في «الضعفاء» ٣/ ١٩٣: والمتن ثابت عن النبي ﷺ من غير هذا الوجه. هشيم: هو ابن بَشير.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٨٢).
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٣٦)، والترمذي (١٢٥٥) من طريق هشيم بن بشير والنسائى في «الكبرى» (٨٧٨٢) من طريق شعبة، كلاهما عن يعلى بن عطاء، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٤٤٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٥٤).
وفي الباب عن أنس بن مالك عند البزار (١٢٤٩ - كشف الأستار)، وأبى يعلى في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة» للبوصيري (٣٦٣٦)، وابن الأعرابى في «معجمه» (٢٠٩٦)، وابن عدي في «الكامل» ١/ ١٧٠. وتمام في «فوائده» (٦٧١)، والخطيب في «تاريخه» ١٠/ ١٠٣، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٥١٩ - ٥٢٢) وهو حديث حسن، وعده الحافظ الذهبي في «تلخيص العلل المتناهية» أجود أحاديث الباب.
وعن جابر بن عبد الله عند الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (٤٣١)، والطبراني في «الأوسط» (٩٩٦)، وابن عدي في «الكامل» ٥/ ١٦٦٦ و٧/ ٢٦٠٣. وإسناد الطبراني صحيح إن شاء الله.
وعن أبي هريرة عند ابن ماجه (٢٢٣٧)، وإسناده ضعيف.
وعن ابن عمر عند ابن ماجه أيضًا (٢٢٣٨)، وإسناده ضعيف كذلك.
وعن بريدة بن الحصيب عند النسائي في «الكبرى» (٨٧٣٧)، وإسناده ضعيف.
وانظر تمام أحاديث الباب عند ابن ماجه (٢٢٣٦).

٨٤ - باب في الرجلِ يُسافر وحدَه
٢٦٠٧ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن عبدِ الرحمن بن حَرملةَ، عن عَمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه
عن جده، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «الراكبُ شيطانٌ، والراكبان شَيطانانِ، والثلاثةُ رَكبٌ» (١).

٨٥ - باب في القوم يُسافِرون يؤمِّرون أحدَهم
٢٦٠٨ - حدَّثنا عليُّ بن بحرِ بن بَرِّي، حدَّثنا حاتمُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا محمدُ بن عجلانَ، عن نافع، عن أبيْ سَلَمةَ
عن أبي سعيدِ الخدري، أن رسول الله ﷺ قال: «إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفرٍ فليُؤمِّروا أحدهم» (٢).


(١) إسناده حسن من أجل شعيب بن محمد والد عمرو، وعبد الرحمن بن حرملة، فهما صدوقان حسنا الحديث.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٧٨، ومن طريقه أخرجه الترمذي (١٧٦٩)،
والنسائي في «الكبرى» (٨٧٩٨).
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٤٨).
قال الخطابي: معناه -والله أعلم- أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، أو هو شيء يحمله عليه الشيطان، ويدعوه إليه، فقيل على هذا: إن فاعله شيطان. ويقال: إن اسم الشيطان مشتق من الشُّطُون، وهو البعد والنزوح، يقال: بئرٌ شَطون: إذا كانت بعيدة المهوى. فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن المُمعِن في الأرض وحده مضاهئًا للشيطان في فعله، وشبه اسمه، وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث، فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب، أي: جماعة وصحب.
(٢) رجاله ثقات، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح المرسل أبو حاتم وأبو زرعة فيما نقله عنهما ابن أبي حاتم في «العلل» ١/ ٨٤، ورجح المرسل كذلك الدارقطني في «العلل» ٩/ ٣٢٦. وقال أبو زرعة: وروى أصحاب ابن عجلان هذا الحديث، عن أبي سلمة مرسلًا. =

٢٦٠٩ - حدَّثنا علي بن بحرٍ، حدَّثنا حاتمُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا محمدُ بن عَجلانَ، عن نافعٍ، عن أبي سلمةَ


= وأخرجه أبو يعلى (١٠٥٤) و(١٣٥٩)، وأبو عوانة (٧٥٣٨)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٦٢٠)، والطبراني في «الأوسط» (٨٠٩٣) و(٨٠٩٤)، والبيهقي ٥/ ٢٥٧، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٠/ ٧، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٧٦) من طريق حاتم بن إسماعيل، بهذا الإسناد. وتحرف قوله: «فليؤمروا» عند أبي يعلى في الموضعين إلى: «فليؤمهم».
وأخرجه البزار (١٦٧٣ - كشف الأستار) عن إبراهيم بن المستمر، عن عُبيس بن مرحوم العطار، عن حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، وإذا كانوا ثلاثة في سفر
فليؤمروا أحدهم». قلنا: لعل إبراهيم بن المستمر أو عُبيس بن مرحوم أحدهما قد سلك في هذه الرواية الجادة، لأن جل رواية نافع عن مولاه ابن عمر.
وأخرجه مسدَّدٌ في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة» (٥٧٢٤)، والدارقطني في «العلل» ٩/ ٣٢٦ من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة مرسلًا.
وقال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في «العلل» ١/ ٨٤: ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة أن النبي ﷺ يعني مرسلًا كذلك.
ثم قال أبو حاتم: ومما يقوي قولنا أن معاوية بن صالح وثور بن يزيد وفرج بن فضالة، حدثوا عن المهاصر بن حبيب، عن أبي سلمة، عن النبي ﷺ هذا الكلام.
قلنا: رواية ثور بن يزيد عن المهاصر عند عبد الرزاق في «مصنفه» (٣٨١٢) لكن تحرف اسم المهاصر بن حبيب إلى: مهاجر بن ضمرة، وإنما هو المهاصر بن حبيب أخو ضمرة بن حبيب.
والصحيح من حديث أبي سعيد الخدري ما أخرجه مسلم (٦٧٢)، والنسائي (٧٨٢) و(٨٤٠) من طريق قتادة بن دعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم».
وهو في «مسند أحمد» (١١١٩٠)، و«صحيح ابن حبان» (٢١٣٢).
وانظر ما بعده.

عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال: «إذا كان ثلاثةٌ في سفرٍ فليُؤمِّروا أحدَهم» قال نافعٌ: فقُلنا لأبي سلمةَ: فأَنت أَميرُنا (١).

٨٦ - باب في المُصحف يُسافَر به إلى أرض العدوّ
٢٦١٠ - حدَّثنا عبدُ الله بن مسلمةَ القَعنبيُّ، عن مالكٍ، عن نافع أن عبد الله بن عُمر قال: نَهَى رسول الله ﷺ أن يُسافَر بالقرآنِ إلى أرضِ العدوِّ، قال مالكٌ: أُراه مَخافةَ أن ينالَه العدوُّ (٢).


(١) رجاله ثقات، وقد اختُلف في وصله وإرساله، والصحيح المرسل كما بيناه في الطريق السالف.
وأخرجه أبو عوانة (٧٥٣٩)، والبيهقي ٥/ ٢٥٧، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٧٦) من طريق حاتم بن إسماعيل، بهذا الإسناد.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٤٤٦، ومن طريقه أخرجه البخاري (٢٩٩٠) ومسلم (١٨٦٩)، وابن ماجه (٢٨٧٩). لكن ابن ماجه جعل قول مالك الذي في آخر الحديث تتمة للمرفوع. ولم يذكره البخاري ولا مسلم أصلًا.
وأخرجه مسلم (١٨٦٩)، وابن ماجه (٢٨٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٠٦) و(٨٧٣٨) من طريق الليث بن سعد، ومسلم (١٨٦٩) من طريق أيوب السختياني، و(١٨٦٩) من طريق الضحاك بن عثمان، ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمر. وجعل الليث والضحاك ما قاله مالك تتمة للمرفوع. ورواية أيوب: «لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمَنُ أن يناله العدوّ» جعله من قوله ﷺ جميعًا.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٠٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧١٥).
قال المنذري في «اختصار السنن»: المراد بالقرآن هاهنا المصحف، وكذا جاء مفسّرًا في بعض الحديث، ونيلُ العدوّ له: استخفافه به وامتهانه إياه، فإذا أمنت العلة في الجيوش الكثيرة ...، وقد قيل: ارتفع النهي، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره من العلماء وأشار إليه البخاري، وحملوا النهي عن الخصوص، ولم يفرق مالك بين=

٨٧ - باب فيما يستحبُّ من الجيوشِ والرُّفقاءِ والسرايا
٢٦١١ - حدَّثنا زهيرٌ بن حَرب أبو خَيثمةَ، حدَّثنا وهبُ بن جَرير، حدَّثنا أبي، قال: سمعتُ يونسَ، عن الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس، عن النبيَّ ﷺ قال: «خيْرُ الصحابةِ أربعةٌ، وخيرُ السرايا أربعُ مئةٍ، وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَر. ألفًا من قِلَّةِ» (١).


= العسكر الكبير والصغير في النهي عن ذلك، وحكي عن بعضهم جواز السفر به مطلقًا، وقيل: إن نهيه ﷺ فيه ليس على وجه التحريم والفرض، وإنما هو على معنى الندب والإكرام للقرآن.
(١) ضعيف وهذا سند رجاله ثقات، إلا أنه قد اختلف في وصله وإرساله، قال المصنف هنا: الصحيح مرسل، وقال أيضًا في «المراسيل» عقب الحديث (٣١٤): وقد أُسند هذا ولا يصح، وقال الترمذي: لا يسنده كبير أحدٍ غير جرير بن حازم، وإنما روى هذا الحديث عن الزهري، عن النبي ﷺ مرسلًا، وقال أبو حاتم كما في «العلل» لابنه ١/ ٣٤٧: مرسل أشبه، لا يَحتمِلُ هذا الكلام أن يكونَ كلامَ النبي ﷺ. يونس: هو ابن يزيد الأيلي.
ومع ذلك فقد صححه ابن خزيمة (٢٥٣٨)، وابن حبان (٤٧١٧)، والحاكم ١/ ٤٤٣، وابن التركماني في «الجوهر النقي» ٩/ ١٥٦، وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ٤٨٤، قال الحافظ في «إتحاف المهرة» ٣/ ٦٠: وصححه ابن القطان لأنه لا يرى الاختلاف في الإرسال والوصل علة كما هو رأي أبي محمد بن حزم. قلنا: وصححه كذلك الضياء المقدسي في «المختارة» ٦٢/ ٢٩٢/ ٢!
وأخرجه الترمذي (١٦٣٨) من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد. وقال: حسن غريب، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما رُوي هذا الحديث عن النبي ﷺ مرسلًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٨٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧١٧). =

قال أبو داود: والصحيحُ مرسل (١).

٨٨ - باب في دعاءِ المشركين
٢٦١٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ سُليمانَ الأنباريُّ، حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن علقمةَ بن مَرثَدٍ، عن سليمانَ بن بُريدةَ
عن أبيه، قال: كانَ رسولُ الله ﷺ إذا بعثَ أميرًا على سَرِيّةٍ أو جيشٍ أوصاهُ بِتَقْوَى الله في خاصَّةِ نفسِه وبمن معه من المسلمين خيرًا، وقال: «إذا لقيتَ عَدوَّك من المشركين فادْعُهُم إلى إحدى ثلاثِ خِصالٍ، -أو خِلالٍ- فأيَّتُها أجابوك إليها، فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم: ادْعهُمْ إلى الإسلامِ، فإن أجابوك فاقبلْ منهم وكُفَّ عنَهُم، ثم ادعُهم إلى التحوُّلِ من دارهِم إلى دارِ المُهاجرينَ، وأعلِمْهم أنهم إن فَعلُوا ذلك أن لَهم ما لِلمهاجرين وأن عَليهم ما عَلى المهاجرين، فإن


= وأخرجه أبو داود في»المراسيل«(٣١٤) من طريق عثمان بن عمر، عن يونس بن يزيد، عن عُقيل بن خالد، عن الزهري، عن النبي ﷺ بمعناه مرسلًا.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٦٩٩) عن معمر بن راشد، وسعيد بن منصور (٢٣٨٧) وعنه أبو داود في»المراسيل«(٣١٣) عن عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن عُقيل كلاهما (معمر، وعقيل) عن الزهري، مرسلًا. ولم يذكر عقيل في روايته هنا:»لن يغلب اثنا عثر ألفًا من قلة«.
وأخرجه الطحاوي في»شرح مشكل الآثار«(٥٧٥) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن عُقيل، عن الزهري، مرسلًا. وعبد الله بن صالح حسن الحديث في المتابعات.
وانظر تمام تخريجه موصولًا في»مسند أحمد".
(١) قول أبي داود هذا أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنه من رواية ابن الأعرابي.

أبَوا واختاروُا دارَهم فأعلِمهم أنهم يكونُون كأعرابِ المسلمين: يجْري عليهم حُكْمُ اللهِ الذي يَجري على المؤمنينَ، ولا يكونُ لهم في الفيء والغنيمةِ نَصيبٌ، إلا أنْ يُجاهدوا مَع المسلمينَ، فإن هم أبَوا فادعُهمْ إلى إعطاء الجِزْيَةِ، فإن أجابُوا فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، فإن أبَوْا فاستعنْ بالله وقاتِلْهم، وإذا حاصرتَ أهلَ حِصْنٍ فأرادُوك أن تُنزِلَهمْ على حكمِ الله فلا تُنزِلْهم، فإنكم لا تَدْرُون ما يحكُمُ اللهُ فيهم، ولكن أنزِلُوهم على حُكْمِكُم، ثم اقضُوا فيهم بعدُ ما شئتُم» (١).


(١) إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (١٧٣١)، وابن ماجه (٢٨٥٨)، والترمذي (١٤٦٦) و(١٧٠٩) و(١٧١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٣٢) و(٨٦٢٧) و(٨٧١٢) و(٨٧٣١) من طرق عن علقمة بن مرثد، به. وزادوا جميعًا في روايتهم أولَ الحديث ما جاء في الحديث الآتي بعده.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٧٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٣٩).
قال الخطابي: في هذا الحديث عدة أحكام:
منها: دعاء المشركين قبل القتال، وظاهر الحديث يدل على أن لا يقاتَلوا إلا بعد الدعاء.
وقد اختلف العلماء في ذلك:
فقال مالك بن أنس: لا يقاتَلون حتى يُدعَوا، أو يُؤذَنوا.
وقال الحسن البصري: يجوز أن يقاتلوا قبل أن يُدعَوا، قد بلغتهم الدعوة.
وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
واحتج الشافعي في ذلك بقتل ابن أبي الحُقيق.
فأما من لم تبلغه الدعوة ممن بعدت دارُه، ونأى محلُّه، فإنه لا يقاتل حتى يُدعى، فإن قتل منهم أحدٌ قبل الدعوة وجبت فيه الكفارة والدية. وفي وجوب الدية اختلاف بين أهل العلم. =

قال سفيانُ: قال علقمةُ: فذكرتُ هذا الحديثَ لِمُقاتِل بن حَيَّان، فقالَ: حدَّثني مُسِلمٌ -قال أبو داود- هو ابن هَيْصَمَ، عن النعمانِ بن مُقرِّن عن النبي ﷺ مثل حديث سليمانَ بن بُريدةَ (١).
٢٦١٣ - حدَّثنا أبو صالح الأنطاكيُّ مَحبوبُ بن مُوسى، أخبرنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن سفيانَ، عن علقمةَ بن مَرثدٍ، عن سُليمانَ بن بريدةَ


= وأما قوله: «فأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين» فإن المهاجرين كانوا أقوامًا من قبائل مختلفة، تركوا أوطانهم وهجروها في الله، واختاروا المدينة دارًا ووطنًا، ولم يكن لهم أو لأكثرهم بها زرعٌ ولا ضَرْع، فكان رسول الله ﷺ ينفق عليهم مما أفاء الله عليه أيام حياته، ولم يكن للأعراب وسكان البدو في ذلك حظ، إلا من قاتل منهم، فإن شهد الوقعة أخذ سهمه، وانصرف إلى أهله، فكان فيهم.
وقوله: «وعليهم ما على المهاجرين» أي: من الجهاد والنَّفير، أي وقتٍ دُعُوا إليه لا يتخلَّفون.
والأعراب: من أجاب منهم وقاتل أحد سهمَه، ومن لم يخرج في البعث فلا شيء له من الفيء، ولا عتْب عليه، ما دام في أهل الجهاد كفاية.
وقوله: «فإن أبو فادعُهم إلى إعطاء الجزية» فظاهره يوجب قبول الجزية من كل مشرك، كتابيٍّ أو غير كتابيٍّ، من عَبَدة الشمس والنيران والأوثان، إذا أذعَنوا لها وأعطَوها، وإلى هذا ذهب الأوزاعي. ومذهب مالك قريب منه وحكى عنه أنه قال: تقبل من كل مشرك إلا المرتد.
وقال الشافعي: لا تقل الجزية إلا من أهل الكتاب، سواءٌ كانوا عربًا أو عجمًا، وتقبل من المجوس، ولا تقل من مشرك غيرهم.
وقال أبو حنيفة: تقل من كل مشرك من العجم، ولا تقبل من مشركي العرب.
قلت (القائل الخطابي): لم يثبت عن النبي ﷺ أنه حارب أعجميًا قط، ولا بعث إليهم جيشًا، وإنما كانت عامة حروبه مع العرب، وكذلك بعوثه وسراياه، فلا يجوز أن يصرف هذا الخطاب عن العرب إلى غيرهم.
(١) أخرجه مسلم (١٧٣١)، وابن ماجه (٢٨٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧١٢) من طريق علقمة بن مرثد، به.

عن أبيه، أن النبي ﷺ قال: «اغْزُوا باسم اللهِ، وفي سبيلِ اللهِ، وقاتِلُوا من كَفَر باللهِ، اغزُوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتُلوا وليدًا» (١).
٢٦١٤ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شبةَ، حدَّثنا يحيى بنُ آدم وعُبيدُ الله بن مُوسى، عن حسنِ بن صالح، عن خالد بن الفِزْرِ
حدَّثني أنس بن مالك، أن رسولَ الله ﷺ قال: «انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخًا فانيًا. ولا طفلًا، ولا صغيرًا، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾» [البقرة: ١٩٥] (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل محبوب بن موسى أبي صالح الأنطاكي، فهو صدوق لا بأس به، وقد توبع.
وهذا الحديث قطعة من الحديث السالف قبله عند جميع من خرجه، فراجع تخريجه هناك. قال الخطابي: نهيه عن قتل النساء والصبيان يُتأول على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بعد الإسار، نهى عن قتلهم، لأنهم غيمة للمسلمين.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك عامًا قبل الإسار وبعده، نهى أن يقصدوا بالقتل، وهم متميزون عن المقاتلة، فأما وهم مختلطون بهم لا يوصل إليهم إلا بقتلهم، فإنهم لا يُتحاشَون، والمرأة إنما لا تقتل إذا لم تكن تقاتل، فإن قاتلت قُتلت، وعلى هذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال الشافعي: الصبي الذي يقاتل يجوز قتله، وكذلك قال الأوزاعي وأحمد.
واختلفوا في الرهبان، فقال مالك وأهل الرأي: لا يجوز قتلهم.
وقال الشافعي: يقتلون، إلا أن يُسلموا أو يؤدوا الجزية.
وقال أصحاب الرأي: لا يقتل شيخ ولا زَمِنٌ ولا أعمى، وقال الشافعي: هؤلاء كلهم يُقتلون.
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة خالد بن الفزر. =

٨٩ - باب في الحَرْق في بلاد العدوّ
٢٦١٥ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن نافع
عن ابن عمرَ: أن رسول الله ﷺ حرَّق نخلَ بني النضِيرِ وقَطَع -وهي البُوَيْرةُ-، فأنزل الله ﷺ عز وجل: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِّنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً﴾ [الحشر: ٥] (١).


وأخرجه البيهقي ٩/ ٩٠، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ٢٣٣ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ١٢/ ٣٨٢ - ٣٨٣، وتمام في «فوائده» (٨٧٢)، والمزي في ترجمة خالد بن الفزر من «تهذيب الكمال» ٨/ ١٥١ من طريق يحيى بن آم وحده، به.
وفي الباب عن بريدة الأسلمي، عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٢٤، والطبراني في «الأوسط» (١٣٥) و(١٤٣١)، وفي«الصغير» (٣٤٠)، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٦٩) بذكر الشيخ الكبير، وانظر ما قبله لبقية الذين نهى عن قتلهم وللغلول من الغنائم.
وعن أبي موسى الأشعري عند البزار (٣١٢٢)، والطبراني في «الصغير» (٥١٤)، والخطيب في «تاريخه» ٤/ ٢٩٦ وسنده حسن، لكن الدارقطني حكم بغرابته من هذا الطريق كما في «أطراف الغرائب» لأبي الفضل المقدسي.
وعن أبي بكر الصديق من قوله لجيش الشام عند مالك في «موطئه» ٢/ ٤٤٧، وعبد الرزاق (٩٣٧٥)، وسعيد بن منصور (٢٣٨٣)، وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٨٣، وأبي بكر المروزي في «مسند أبي بكر» (٢١)، والبيهقي ٩/ ٨٩ و٩٠ من طرق عن أبي بكر الصديق، مرسلات ورجالها ثقات، وإسناد أبي بكر المروزي متصل لكن في إسناده رجل ضعيف. ولم يذكر سعيد بن منصور في روايته الشيخ الكبير.
وعن عمر بن الخطاب عند سعيد بن منصور في «سننه» (٢٤٧٦) ورجاله ثقات.
(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد. =

٢٦١٦ - حدَّثنا هنَّادُ بن السَّرِيِّ، عن ابنِ المُباركِ، عن صالحِ بنِ أبي الأخضَر، عن الزهريِّ، قال عروةُ:
فحدَّثني أُسامةُ أن رسولَ الله ﷺ كان عَهِدَ إليه فقال: «أغِرْ على أُبنَى صباحًا وحَرِّق» (١).


= وأخرجه البخاري (٢٣٢٦) و(٤٠٣١)، ومسلم (١٧٤٦)، وابن ماجه (٢٨٤٤)، والترمذي (١٦٣٣) و(٣٥٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٥٤) و(٨٥٥٥) و(١١٥٠٩) من طرق عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٣٢).
قال الخطابي: اختلف العلماء في تأويل ما فعل رسول الله ﷺ من ذلك: فقال
بعضهم: إنما أمر بقطع النخيل، لأنه كان مقابل القوم، فأمر بقطعها ليتسع المكان له، وكره هذا القائل قطع الشجر. واحتج بنهي أبي بكر عن ذلك (قلنا: هي الرواية السالفة الإشارة إليها في الحديث السابق) وإلى هذا المعنى ذهب الأوزاعي.
وقال الأوزاعي: لا بأس بقطع الشجر وتحريقها في بلاد المشركين، وبهدم دورهم وكذلك قال مالك.
وقال أصحاب الرأي: لا بأس بذلك، وكذلك قال إسحاق.
وكره أحمد تخريب العامر، إلا من حاجة إلى ذلك.
قال الشافعي: ولعل أبا بكر إنما أمرهم أن يكفوا عن أن يقطعوا شجرًا مثمرًا، لأنه سمع النبي ﷺ يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فأراد بقاءها عليهم.
والبويرة: تصغير بورة، وهو موضع كان به نخل بني النضير. وقال الإمام النووي: اللينة المذكورة في القرآن: هي أنواع التمر كله إلا العجوة، وقيل: كمام النخل، وقيل: كل الأشجار.
(١) إسناده ضعيف لضعف صالح بن أبي الأخضر، ثم إنه خالفه هشام بن عروة فرواه عن أبيه عروة مرسلًا، ولم يذكر التحريق، لكن ذكر من غير طريق عروة بن الزبير مرسلًا كذلك.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٤٣) من طريق صالح بن أبي الأخضر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٧٨٥). =

٢٦١٧ - حدَّثنا عبد الله بن عَمرٍو الغَزِّيُّ: سمعتُ أبا مُسْهِرٍ، قيل له: أُبنَى، قال: نحن أعلَمُ، هي يُننَى فلسطين (١).

٩٠ - باب في بَعث العُيُون
٢٦١٨ - حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، حدَّثنا هاشمُ بن القاسمِ، حدَّثنا سليمانُ -يعني ابنَ المُغيرةِ- عن ثابتٍ
عن أنسِ، قال: بعثَ النبي ﷺ بُسَيْسَةَ عينًا ينظرُ ما صَنَعَتْ عِيرُ أبي سفيانَ (٢).


= وأخرجه مرسلًا ابن سعد في «الطبقات» ٤/ ٦٧ عن حماد بن أسامة، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، قال: أمر رسول الله ﷺ أسامة بن زيد، وأمره أن يغير على أبنى من ساحل البحر. ورجاله ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه مرسلًا كذلك سعيد بن منصور (٢٦٤١) عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار قال: أمّر رسول الله ﷺ أسامة بن زيد على جيشٍ، وأمره أن يُحرق في يُبنى. ورجاله ثقات رجال الشيخين.
ويشهد للتحريق حديث ابن عمر السالف قبله.
ولضبط أبنى انظر الأثر الآتي بعده.
(١) رجاله ثقات. عبد الله بن عمرو الغزي: هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الجراح الأزدي، نسب هنا لجده، وهو من غزة فلسطين، وأبو مسهر: هو عبد الأعلى ابن مسهر الدمشقي.
وأُبنى أو يُبنى، قال أبو مسهر هنا بأنها في فلسطين، وقال ابن الأثير كذلك: هي بفم الهمزة والقصر اسم موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة. وذهب نصر بن عبد الرحمن الإسكندري إلى أنها قرية بمؤتة، ووافقه ياقوت وأبو عبيد البكري فقالا: موضع بناحية البلقاء. قلنا: لكن أبا مُسهر وابن الأثير شاميان وهما أعرف بالبلدان الشامية من غيرهما، ورواية عروة المرسلة عند ابن سعد ٤/ ٦٧ توافق قولهما، حيث جاء فيها: أبنى على ساحل البحر. وأين البلقاء من ساحل البحر.
(٢) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (١٩٠١) من طريق هاشم بن القاسم، بهذا الإسناد. =

٩١ - باب في ابنِ السبيلِ يأكُلُ من الثمرة ويشرب من اللبن إذا مرَّ به
٢٦١٩ - حدَّثنا عياشُ بن الوليدِ الرَّقَّام، حدَّثنا عبدُ الأعلى، حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سَمُرةَ بن جُندبٍ أن نبيَّ الله ﷺ قال: «إذا أتى أحدُكم على ماشيةٍ: فإن كان فيها صاحبُها فليستأْذنْهُ، فإن أذِنَ له فَلْيَحتلِبْ وليشربْ، فإن لم يكن فيها فَليُصَوَّتْ ثلاثًا، فإن أجابَه فليستأْذنْه، وإلا فليحْتلِب وليشربْ ولا يَحمِلْ» (١).


وهو في «مسند أحمد» (١٢٣٩٨).
وقوله: بسبسة. قال المنذري: بفتح الباء الموحدة وبعدها سين مهملة ساكنة، وبعدها باء بواحدة مفتوحة، وسين مهملة مفتوحة وتاء تأنيث، ويقال: بسبس ليس فيه هاء تأنيث، وقيل فيه أيضًا بُسيسة، وهو بسبسة بن عمرو، ويقال ابن بشر قال في «الإصابة»: شهد بدرًا باتفاق.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد اختُلف في سماع الحسن -وهو البصري- من سمرة بن جندب، قتادة: هو ابن دعامة، وسعيد: هو ابن أبي عروبة، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي.
وأخرجه الترمذي (١٣٤٢)، والطبراني في «الكبير» (٦٨٧٧) و(٦٨٧٨)، والبيهقي ٩/ ٣٥٩ من طريق سعيد بن أبي عروبة، به. وقال الترمذي: حسن غريب صحيح.
ووقع عند الطبراني في الموضع الأول: سعيد بن بشير بدل: سعيد بن أبي عروبة، ولا نظنه إلا وهمًا، لأنه من رواية عبد الأعلى السامي عنه، وعبد الأعلى معروف بالرواية عن ابن أبي عروبة، ولا تذكر له رواية عن سعيد بن بشير، والله أعلم.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدرى عند أحمد في «مسنده» (١١٠٤٥)، وصححه ابن حبان (٥٢٨١)، وهو كذلك.
قلنا: ويخالف هذين الحديثين ظاهرًا حديثُ ابن عمر الآتي عند المصنف برقم (٢٦٢٣)، وعموم الأحاديث الواردة في النهي عن أكل مال أحدٍ إلا بإذنه، وقوله =

٢٦٢٠ - حدَّثنا عُبيدُ الله بن مُعاذٍ العَنبريُّ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعبةُ، عن أبي بِشرٍ


= تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، وقد أزال هذا التعارض ابن القيم في «تهذيب السنن» قال: إن الآية وعموم أحاديث النهي لا تعارضَ بينها وبين حديثي أبي سعيد وسمرة، لأن التحريم في الآية مقيد بالباطل الذي لم يأذن فيه الشارعُ ولا المالك، فإذا وجد الإذنُ الشرعي أو الإذن من المالك لم يكن باطلًا، وكذلك أحاديث النهي فإن التحريم فيها يتناول ما لم يقع فيه الإذن من الشارع ولا من المالك.
ويبقى حديث ابن عمر، وهو الآتي عند المصنف برقم (٢٦٢٣)، فيقول ابن القيم: إنه لا تعارض كذلك، لأن النهي في حديث ابن عمر ذاك يتناول المحتلب غير الشارب، لأنه يكون حينئذٍ كالمتخذ خُبنة من الثمار، يُشير بذلك إلى حديث عبد الله ابن عمر بن الخطاب عند الترمذي (١٣٣٣)، وابن ماجه (٢٣٠١)، وحديث عبد الله ابن عمرو بن العاص السالف عند المصنف برقم (١٧١٠)، وفيهما أنه ﷺ قال فيمن يدخل الحائط: «يأكل غير متخذٍ خبنة» يعني: لا يأخذ منه بثوبه. وهما حديثان حسنان.
قال: وحديث الإباحة يتناولُ المحتَلِب الشاربَ فقط، دون غيره، ويدل على هذا التفريق قوله ﷺ في حديث سمرة: «فليحتلب وليشرب ولا يحمل»، فلو احتلب للحمل كان حرامًا عليه، فهذا هو الاحتلاب المنهي عنه في حديث ابن عمر.
ثم قوى ابن القيم الجواز بحديث عباد بن شرحبيل الآتي عند المصنف بعده وصحح إسناده وردّ على من تكلّف ردّه بما لا يصلح التعليل به.
وأطال النَّفَس في درء التعارض في هذا البحث النفيس، بما يُقنع ويُمتع، فراجعه.
وذكر في بحثه ذلك اختلافَ الفقهاء. في هذه المسألة على قولين، فقال: فذهبت طائفة منهم أن أحاديث الجواز محكمة، وأنه يسوغ الأكل من الثمار، وشرب البن لضرورة وغيرها ولا ضمانَ عليه، وهذا المشهور عند أحمد.
وقالت طائفة: لا يجوزُ له شيء من ذلك إلا لضرورة مع ثبوت العوض في ذمته، وهذا المنقول عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، وحجة هؤلاء الآية السالفة الذكر وعموم أحاديث النهي عن أكل مال المرء إلا بإذنه.
ورد على الطائفة الثانية في تضمينهم للآكل والمُخزِّن على حدٍّ سواءٍ في ذلك البحث فراجعه.

عن عَبّاد بنِ شرُحْبيل، قال: أصابتْني سَنَةٌ فدخَلْتُ حائطًا من حيطانِ المدينة فَفركْتُ سُنْبُلًا، فأكلْتُ وحَمَلْتُ في ثوبي، فجاء صاحبُه فضربني وأخذَ ثَوبي، فأتيتُ رسولَ الله ﷺ فقال له: «ما علَّمْتَ إذ كانَ جاهِلًا، ولا أطعَمتَ إذ كان جائعًا - أو قال: ساغِبًا» وأمره فردَّ عليَّ ثوبي، وأعطاني وسْقًا أو نِصفَ وَسْقٍ من طعامٍ (١).
٢٦٢١ - حدَّثنا محمدُ بن بشَّارٍ، حدَّثنا محمدُ بن جعفرٍ، عن شعبةَ، عن أبي بِشْر قال: سمعت عبَّاد بن شُرَحْبيلَ -رجُلًا مِنَّا من بني غُبَر- بمعناه (٢).

٩٢ - باب من قال: يأكُلُ مما سَقَطَ (٣)
٢٦٢٢ - حدَّثنا عثمانُ وأبو بكرْ ابنا أبي شيبةَ -وهذا لفظُ أبي بكرٍ- عن معتمرِ بنِ سُليمانَ، قال: سمعتُ ابنَ أبي حَكَمٍ الغِفاريَّ يقول: حدثتني جدَّتي عن عَم أبي رافعِ بن عَمرٍو الغفاريِّ، قال: كنتُ غُلامًا أرمي نَخْلَ الأنصار، فأُتِي بي النبيُّ ﷺ فقال: «يا غُلامُ، لِمَ تَرمي النخلَ؟»


(١) إسناده صحيح. أبو بشر: هو جعفر بن إياس أبي وحشية، ومعاذ العنبري: هو ابن معاذ.
وقد صحح هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في «الإصابة» ٣/ ٦١٥، وابن القيم كذلك من قبله في «تهذيب السنن» عند الكلام على حديث سمرة السالف قبه.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٩٨) من طريق شعبة بن الحجاج، والنسائي (٥٤٠٩) من طريق سفيان بن حسين، كلاهما عن أبي بشر جعفر بن إياس، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٥٢١).
(٢) إسناده صحيح كسابقه.
(٣) هذا التبويب أثبتناه من (هـ) وحدها.

قال: آكُلُ، قال «فلا تَرمِ النَّخلَ وكُل ما يَسقُطُ في أسفلِها» ثم مَسَحَ رأسَه، فقال: «اللَهُمَّ أشبغ بَطْنَه» (١).

٩٣ - باب فيمن قال: لا يحلُب
٢٦٢٣ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن مالكٍ، عن نافع
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: «لا يَحلُبَنَّ أحَدٌ ماشيةَ أحَدٍ بغير إذنه، أيُحِبُّ أحدُكم أن تُؤتَى مَشْرَبَتُه فتكسَرَ خِزانتُهُ فيُنْتَثَلَ طعامُه؟ فإنما تَخزُن لهم ضُروعُ مواشيهم أطعِمَتَهم فلا يَحلُبَنَ أحَدٌ ماشيةَ أحَدٍ إلاَّ بإذنِه» (٢).


(١) حديث محتمل للتحسين. وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن أبي الحكم وجدته، وله إسناد آخر سيأتي تخريجه، وفيه ضعف أيضًا.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٩٩) من طريق معتمر بن سليمان، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٣٣٥) من طريق صالح بن أبي جبير، عن أبيه، عن رافع بن عمرو. وقال: حديث حسن غريب صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٤٣).
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٧١، ومن طريقه أخرجه البخاري (٢٤٣٥)، ومسلم (١٧٢٦).
وأخرجه مسلم (١٧٢٦)، وابن ماجه (٢٣٠٢) من طرق عن نافع، عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٧١) و(٤٥٠٥)، و«صحيح ابن حبان» (٥١٧١).
قال الخطابي: «المشربة» كالغرفة يرنع فيها المتاع والشيء.
وقوله: «ينتثل» معناه: يستخرج، ويقال لما يخرج من تراب البئر إذا حُفرت: نثيل،
ومن هذا قولهم: نثل الرجل كنانته: إذا صبها على الأرض، فأخرج ما فيها من النبل.
ثم قال الخطابي: وفي هذا إثبات للقياس، والحكم للشيء بحكم نظيره. =

٩٤ - باب في الطاعةِ
٢٦٢٤ - حدَّثنا زهيرُ بن حَربٍ، حدَّثنا حجاجٌ، قال:
قال ابنُ جُرَيج: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] في عبدِ الله بن قَيسِ بن عَدِيٍّ، بعثَه النبي ﷺ في سريةٍ، أخبَرَنيه يَعْلَى، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ (١).


= قلنا: وقد سلف تلخيص كلام الإمام ابن القيم في «تهذيب السنن» في درء التعارض بين بهذا الحديث، وبين حديث سمرة بن جندب السالف عند المصنف برقم (٢٦١٩) فراجعه هناك.
(١) إسناده صحيح. يعلى: هو ابن مسلم بن هرمُز المكي، وابن جريج: هو عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريج المكي، وحجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور.
وأخرجه البخاري (٤٥٨٤)، ومسلم (١٨٣٤)، والترمذي (١٧٦٧)، والنسائي (٤١٩٤) من طريق حجاج بن محمد، بهذا الاسناد. وجاء عندهم جميعًا: عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عدي، وإنما نسب في رواية المصنف هنا إلى جده.
وهو في «مسند أحمد» (٣١٢٤).
والمقصود من الآية في قصة عبد الله بن حذافة قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] كما أفاده الحافظ في«الفتح» ٨/ ٢٥٤ في ردّه على الداوودي إذ توهم أن المقصود من هذه الآية أولُها، فحكم بأن هذا وهمٌ على ابن عباس. وذلك أن عبد الله بن حذافة لما خرج على جيش فغضب فأوقدوا نارًا، وقال: اقتحِموها، فامتغ بعضهم، وهم بعضهم أن يفعل، فقال الداوودي: فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم: إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم: لِمَ لَمْ تطيعوه؟
فقال الحافظ: وبالحمل الذي قدمتُه يظهر المراد، وينتفي الإشكال الذي أبداه.
وقوله: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ قال النووي: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء. هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم العلماء، وقيل الأمراء والعلماء. =

٢٦٢٥ - حدَّثنا عَمرو بن مَرزُوقِ، أخبرنا شعبةُ، عن زُبَيدٍ، عن سَعد بن عُبيدةَ، عن أبي عبدِ الرحمن السُّلَميِّ
عن علي: أن رسولَ الله ﷺ بَعَثَ جيشًا وأَمَّرَ عليهم رجلًا، وأمَرَهُم أن يَسمَعُوا له ويُطيعوا، فأجَّجَ نارًا وأمَرَهُم أن يَقتحِمُوا فيها، فأبَى قومٌ أن يدخُلُوها، وقالوا: إنما فَرَرْنا من النار، وأراد قومٌ أن يدخُلُوها، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ فقال: «لَو دخلُوها -أو دخَلُوا فيها- لم يزالُوا فيها».
وقال: «لا طاعةَ في معصيةِ اللهِ، إنما الطاعةُ في المعروفِ» (١).


= قال الخطابي: هذه القصة وما ذكر فيها من شأن النار والوقوع فيها يدل على أن المراد به طاعة الولاة، وأنها لا تجب إلا في المعروف كالخروج في البعث إذا أمر به الولاة والنفوذ لهم في الأمور التي هي طاعات ومعاون للمسلمين ومصالح لهم، فأما ما كان فيها من معصية كقتل النفس المحرمة وما أشبهه، فلا طاعة لهم في ذلك.
(١) إسناده صحيح. أبو عبد الرحمن السُّلَمي: هو عبد الله بن حبيب بن رُبَيَّعة، وزُبيد: هو ابن الحارث اليامي أو الإيامي، شعبة: هو ابن الحجاج.
وأخرجه البخاري (٧٢٥٧)، ومسلم (١٨٤٠)، والنسائي في «المجتبى» (٤٢٠٥) من طريق شعبة بن الحجاج، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٤٣٤٠) و(٧١٤٥)، ومسلم (١٨٤٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٦٩) من طريق الأعمش، عن سعد بن عبيدة، به. وقرن النسائي بالأعمش منصورًا واقتصر على قوله: «إنما الطاعة في المعروف». ووقع في رواية الأعمش عند البخاري ومسلم: فاستعمل رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه ... فقال: من الأنصار، وهذا الأمير هو عبد الله بن حذافة وهو سهمي قرشي لا أنصاري. قال الحافظ تعليقًا على قول البخاري في ترجمة الباب: باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجرز المُدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصاري: وأما قوله: ويقال: إنها سرية الأنصاري، فأشار بذلك إلى احتمال تعدد القصة، وهو الذي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم أميرهما، والسبب في أمره بدخول النار، ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل، ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريًا، فقد تقدَّم نسب عبد الله بن حذافة في كتاب العلم، ويحتمل الحمل على المعنى الأعم، أي: أنه =

٢٦٢٦ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن عُبيد الله، حدَّثني نافعٌ
عن عبد الله، عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «السمعُ والطاعةُ على المرء المسلمِ فيما أَحبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمَر بمعصيةٍ، فإذا أمُر بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ» (١).
٢٦٢٧ - حدَّثنا يحيى بنُ مَعينٍ، حدَّثنا عبدُ الصَّمد بن عبد الوارثِ، حدَّثنا سليمانُ بن المغيرةِ، حدَّثنا حميدُ بن هِلالٍ، عن بِشْرِ بن عاصمٍ
عن عُقبةَ بن مالكٍ -من رَهْطِهِ- قال: بعثَ النبيُّ ﷺ سريةً فسلَّحتُ رجلًا منهم سيفًا، فلما رجَعَ قال: لو رأيتَ ما لامَنا رسولُ الله ﷺ قال: «أعَجَزْتُم إذْ بعثتُ رجلًا منكم، فلم يَمْضِ لأمري، أن تجعلُوا مكانَه مَن يمضي لأمري؟» (٢).


= نصَر رسول الله ﷺ في الجملة، وإلى التعدد جنح ابن القيم، وأما ابن الجوزي فقال: قوله: من الأنصار، وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي. قلت (القائل ابن حجر): ويؤيده حديث ابن عباس ... قلنا: يعني الحديث السالف قبله.
ورواية شعبة بن الحجاج عن زُبيد اليامي التي عند المصنف والشيخين ليس فيها قوله: من الأنصار، فيترجح قول ابن الجوزي، والله تعالى أعلم.
وهو في «مسند أحمد» (٦٢٢).
(١) إسناده صحيح. عبد الله: هو ابن عمر بن الخطاب، ونافع مولاه، وعُببد الله: هو ابن عمر العمري، ويحيي: هو ابن سعيد القطان، ومُسَدَد: هو ابن مُسَرهد.
وأخرجه البخاري (٢٩٥٥)، ومسلم (١٨٣٩)، وابن ماجه (٢٤٦٤)، والترمذي (١٨٠٣)، والنسائي (٤٢٠٦) من طرق عن نافع، عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٦٨).
(٢) إسناده صحيح إن كان بشر بن عاصم الليثي هو الذي وثقه النسائي، فقد قال الحافظ في «التهذيب»: لم ينسبه النسائي إذ وثقه، وزعم ابن القطان أن مراده بذلك الثقفي، وأن الليثي مجهول الحال. قلنا: قد أطلق الذهبي في «الميزان» توثيقه عن =

٩٥ - باب ما يؤمَرُ من انضمامِ العَسْكر وسَعَتِه
٢٦٢٨ - حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ الحمصي ويزيدُ بن قُبيسٍ -من أهل جَبَلةَ، ساحلِ حمصَ، وهذا لفظ يزيد- قالا: حدَّثنا الوليدُ بن مسلم، عن عبدِ الله بن العلاء، أنه سمع مُسلَم بنَ مِشكَمِ أبا عُبيد الله يقول:
حدَّثنا أبو ثعلبةَ الخُشَنيُّ قال: كان الناسُ إذا نزلوا منزلًا -قال عمرو: كان الناس إذا نزل رسول الله ﷺ منزلًا- تفرَّقُوا في الشِّعَابِ والأوْدِيةِ، فقال رسولَ الله ﷺ: «إنَّ تَفَرُّقَكُم في هذه الشِّعابِ والأوديةِ إنما ذلكمُ من الشيطانِ»، فلم ينزلْ بعدَ ذلكَ مَنزلًا إلا انضَمَّ بعضُهم إلى بعض، حتى يقال: لو بُسِطَ عليهم ثَوبٌ لَعَمَّهُم (١).


= النسائي، وإن لم يكُنه، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في «الثقات» فهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات. وقد صحح هذا الحديث العراقي في «أماليه» كما قال المناوي في «فيض القدير»، وصححه ابن حزم في «المحلى» ٩/ ٣٦٢.
وأخرجه أحمد (١٧٠٠٧)، وابن حبان (٤٧٤٠)، والحاكم ٢/ ١١٤ - ١١٥، وابن حزم في «المحلى» ٩/ ٣٦٢، والمزي في ترجمة عقبة بن مالك من «تهذيب الكمال» ٢٠/ ٢٢٠ من طريق سليمان بن المغيرة، بهذا الإسناد.
وقد أدرجه ابن حبان تحت قوله: ذكر البيان بأن صاحب السرية إذا خالف الإمام فيما أمره به كان على القوم أن يعزلوه ويولوا غيره، وقوله: سلحتُ رجلًا سيفًا على صيغة المتكلم، أي: جعلته سلاحه وهو ما أعددته للحرب من آلة الحديد، والسيف وحده يسمى سلاحًا، يقال: سلحته: إذا أعطيته سلاحًا، وقوله: «لو رأيت ما لامنا رسول الله ﷺ»من اللوم، وجواب لو محذوف، أي: لو رأيت ما لامنا رسول ﷺ
على عجزنا وتقصيرنا في ترك التأمير لرأيت أمرًا عجبًا.
(١) إسناده صحيح، وقد صرح الوليد بن مسلم بسماعه عند أحمد وابن حبان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٨٠٥) عن عمرو بن عثمان وحده، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٣٦)، و«صحيح ابن حبان» (٢٦٩٠).

٢٦٢٩ - حدَّثنا سعيدُ بنَ منصورٍ، حدَّثنا إسماعيلُ بن عيّاشٍ، عن أَسِيد بن عبد الرحمن الخَثعميِّ، عن فَروةَ بن مُجاهِدٍ اللَّخْمِيِّ، عن سَهلِ بن معاذِ بن أنسٍ الجُهَنيِّ
عن أبيه، قال: غزوتُ مع نبى الله ﷺ غزوةَ كذا وكذا فَضَيّقَ الناسُ المنازلَ، وقطَعُوا الطريقَ، فبعثَ نبي الله ﷺ مُناديًا يُنادي في الناسِ: أنَّ مَن ضَيّق منزلًا أو قَطَعَ طريقًا، فلا جِهادَ له (١).
٢٦٣٠ - حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ، حدَّثنا بقيةُ، عن الأوزاعيِّ، عن أَسِيدِ بن عبد الرحمن، عن فَروةَ بن مُجاهِدٍ، جمن سهلِ بن مُعاذِ عن أبيه، قال: غزونا مع نبي الله ﷺ، بمعناه (٢).


(١) إسناده حسن من أجل سهل بن معاذ بن أنس، وإسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن أهل بلده، وقد رواه هنا عن أسيد بن عبد الرحمن، وهو من أهل بلده.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٤٦٨).
وأخرجه أحمد (١٥٦٤٨)، وأبو يعلى (١٤٨٣)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥)، والطبراني في «الكبير» ٢٠/ (٤٣٤)، والبيهقي ٩/ ١٥٢ من طريق
إسماعيل بن عياش، بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده.
وقوله: فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق. قال السهارنفوري: أي: وَسدُّوا الطريق فلم يبق للناس مجال أن يخرجوا من منازلهم ويرجعوا إليها بسبب تضييق المنازل.
(٢) حديث حسن كسابقه، وقد تابع بقيةَ -وهو ابن الوليد- إسماعيلُ بن عياش في الإسناد السابق.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٤)، والطبراني في «الكبير» ٢٠/ (٤٣٥)، والبيهقي ٩/ ١٥٢ من طريق الأوزاعي، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

٩٦ - باب في كراهية تمني لقاء العدو
٢٦٣١ - حدَّثنا أبو صالحٍ مَحبوبُ بيب مُوسى، أخبرنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن موسى بن عُقبةَ، عن سالمِ أبي النَّضْر مولى عُمر بن عُبيد الله -يعني ابنَ مَعمرٍ- وكان كاتبًا له قال: كتب إليه عبدُ الله بن أبي أوفَى حين خرج إلى الحروريَّة: أن رسولَ الله ﷺ في بعضِ أيامه التي لقي فيها العدوَّ قال: «يا أيَّها الناسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقاءَ العدوِّ، وسَلُوا اللهَ العافيةَ، فإذا لقيتُموهم فاصبِروا، واعلَمُوا أن الجنةَ تحتَ ظِلالِ السيُّوفِ». ثم قال: «اللهم مُنزِلَ الكتابِ، مُجْرِيَ السَّحابِ، وهازِم الأحزَاب، اهزِمهُم وانصُرنا عليهم» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل أبي صالح محبوب بن موسى، فهو صدوق لا بأس به، وهو متابع. أبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث صاحب كتاب السير، والحديث عنده فيه برقم (٥٠٨ - ٥١٠).
وأخرجه البخاري (٢٨١٨) و(٢٨٣٣) و(٢٩٣٣) و(٢٩٦٦)، ومسلم (١٧٤٢) من طريق موسى بن عقبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩١١٤).
وأخرج قصة الدعاء منه فقط البخاري (٤١١٥) و(٦٣٩٢)، ومسلم (١٧٤٢) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى.
قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أبتلى فأصبر.
وقال غيره: إنما نهي عن تمني لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس، والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم. قاله في «الفتح» ٦/ ١٥٦.
قال الخطابي: ومعنى ظلال السيوف الدنو من القِرْنِ حتى يعلوه ظل سيفه لا يولي عنه ولا يفر منه، وكل شيء دنا منك، فقد أظلك قال الشاعر:
ورنقَّت المنيةُ فهي ظلٌّ ... على الأقران دانية الجناح =

٩٧ - باب ما يُدعَى عند اللقاء
٢٦٣٢ - حدَّثنا نصرُ بن علي، أخبرني أبي، حدَّثنا المُثنَّى بن سعيدٍ، عن قتادةَ عن أنسِ بن مالكٍ، قال: كان رسول الله ﷺ إذا غَزَا قال: «اللهم أَنْتَ عَضُدِي ونَصيري، بِكَ أَحُول، وبِكَ أَصُولُ، وبِكَ أُقاتِلُ» (١).

٩٨ - باب في دعاء المشركين
٢٦٣٣ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ، قال: أَخبرنا ابن عَونٍ، قال:


وقال القرطبي المحدث: وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين.
(١) إسناده صحيح. نصر بن علي هو ابن نصر الجَهضَمي، والمثنى بن سعيد: هو الضُّبَعي القسّام القصير.
وأخرجه الترمذي (٣٩٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٧٦) و(١٠٣٦٥) من طريق المثنى بن سعيد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٩٠٩/ ٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٦١).
قال الخطابي: «أحُولُ» معناه: أحتال. قال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب: الحيلة، يقال: ما للرجل حَوْل، وماله مَحالة، قال: ومنه قولك: «لا حول ولا قوة إلا بالله» أي: لا حيلة في دفع سوء، ولا قوة في درك خير إلا بالله.
قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما عن الآخر. يقول: لا أمنع، ولا أدفع إلا بك.
وقال ابن الأثير: «وبك أصول»، وفي رواية: «أصاول» أي: أسطو وأقهر، والصولة الوثْبة.
وقوله: أنت عضدي، أي: معتمدي وناصري ومعيني.

كتبت إلى نافعٍ أسالُه، عن دُعاءِ المشركين عند القتال، فكتب إليَّ أن ذلك كان في أول الإسلام، وقد أغارَ نبيُّ الله ﷺ على بني المُصْطَلِقِ وهم غَارُّون، وأنعامُهم تُسقَى على الماء، فقتل مُقاتِلَتَهُم، وسَبَى سَبْيَهُم، وأصاب يومئذٍ جُوَيرِيَةَ بنتَ الحارثِ. حدَّثني بذلك عبدُ الله وكان في ذلك الجيش (١).
قال أبو داود: هذا حديثٌ نبِيلٌ، رواه ابن عون عن نافع، لم يَشْرَكهُ فيه أحدٌ.


(١) إسناده صحيح. ابن عون: هو عبد الله بن عون بن أرطبان، وإسماعيل بن إبراهيم: هو ابن عُلَيّة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٤٨٤).
وأخرجه البخاري (٢٥٤١)، ومسلم (١٧٠٣)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٣١)
من طرق عن عبد الله بن عون، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٨٥٧).
قال النووي في «شرح مسلم»: في دعاء المشركين إلى الإسلام ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي:
أحدها: يجب الإنذار مطلقًا، قاله مالك وغيره، وهذا ضعيف.
والثاني: لا يجب مطلقًا، وهذا أضعف منه أو باطل.
والثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب، وهذا هو الصحيح، وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والثافعي، وأبو ثور وابن المنذر والجمهور. قال ابن المنذر: وهو قولُ أكثر أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه، فمنها هذا الحديث، وحديثُ كعب بن الأشرف، وحديث قتل ابن أبي الحقيق، وفي هذا الحديث جوازُ استرقاق العرب، لأن بني المصطلق عرب مِن خُزَاعَة، وهذا قول الشافعي في الجديد، وهو الصحيح، وبه قال مالك وجمهور أصحابه، وأبو حنيفة والأوزاعي وجمهور العلماء، وقال جماعة من العلماء: لا يُسترقون، وهذا قول الشافعي في القديم.

٢٦٣٤ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا ثابتٌ
عن أنسٍ: أن النبيَّ ﷺ كان يُغيرُ عند صلاة الصبحِ، وكان يَتَسَمَّعُ، فإذا سَمِعَ أذانًا أمْسَكَ، وإلا أغارَ (١).
٢٦٣٥ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا سفيانُ، عن عبدِ الملك بن نَوفَلِ ابن مُسَاحِقٍ، عن ابنِ عِصامٍ المزنيِّ
عن أبيه، قال: بعثنا رسولُ الله ﷺ في سَرِيّةٍ، فقال: «إذا رَأيتم مَسجدًا، أُو سمعتُم مُؤذِّنًا، فلا تَقتُلُوا أحَدًا» (٢).


(١) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم (٣٨٢)، والترمذي (١٧١١) و(١٧١٢) من طرق عن حماد بن سلمة، به. وزادا في روايتهما: فسمع رجلًا يقول: الله كبر الله أكبر، فقال رسول الله ﷺ: «على الفطرة» ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: «خرجتَ من النار».
وهو في «مسند أحمد» (١٢٣٥١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٤٥) و(٤٧٥٣).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن إظهار شعار الإسلام في القتال وعند شن الغارة يُحقن به الدم، وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة التي يتسع فيها معرفة الأمور على حقائقها واستيفاء الشروط اللازمة فيها.
ونقل عن الشافعي قوله في هذا الحديث: إنما كان رسول الله ﷺ لا يُغير حتى يصبح ليس لتحريم الغارة ليلًا أو نهارًا، ولا غارّين، وفي كل حالٍ، ولكنه على أن يكونَ يبصر من معه كيف يُغيرون احتياطًا أن يُؤتَوا من كمين ومن حيث لا يشعرون، وقد يختلط أهل الحرب إذا أغاروا ليلًا، فيقتل بعض المسلمين بعضًا.
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، لجهالة ابن عصام المزني، قال الذهبي في «الكاشف»: تفرد عنه عبد الملك بن نوفل، وقال الحافظ في «التقريب»: لا يُعرف حاله. قنا: ولم يؤثر توثيقه عن أحد، وعبد الملك بن نوفل بن مُساحق صدوق حسن الحديث. سفيان: هو ابن عُيينة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٨٥). =

٩٩ - باب المكر في الحرب
٢٦٣٦ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرٍو أنه سمع جابرًا، أن رسولَ الله ﷺ قال: الحَربُ خَدْعَةٌ» (١).
٢٦٣٧ - حدَّثنا محمدُ بن عُبيدٍ، حدَّثنا ابنُ ثَورٍ، عن مَعمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن عبدِ الرحمن بن كعب بن مالكٍ
عن أبيه: أن النبيَّ ﷺ كان إذا أراد غزوةً وَرَّى غيرَها، وكانَ يقولُ: «الحربُ خَدْعَهٌ» (٢).


وأخرجه الترمذى (١٦٣٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٨٠) و(٨٧٨٧) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧١٤).
ويشهد له الحديث السالف قبله.
(١) إسناده صحيح. عمرو: هو ابن دينار المكي، وسيان: هو ابن عيينة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٨٨٩).
وأخرجه البخاري (٣٠٣٠)، ومسلم (١٧٣٩)، والترمذي (١٧٧٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٨٩) من طريق سفيان بن عيينة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٧٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٦٣).
وقوله: الحرب خدعة. قال الخطابي: معناه: إباحة الخداع في الحرب، وإن كان محظورًا في غيرها من الأمور. وهذا الحرف يُروى على ثلاثة أوجه: خَدْعَة بفتح الخاء وسكون الدال، وخُدْعَة بضم الخاء وسكون الدال، وخُدَعَة الخاء مضمومة والدال منصوبة، وأصوبها خَدْعة، ومعنى الخُدَعَةِ: أنها هي مرة واحدة، أي: إذا خُدع المقاتل مرة واحدة، لم يكن له إقالة، ومن قال: خُدْعة أراد الاسم كما يقال: هذه لعبة، ومن قال: خُدَعَة بفتح الدال، كان معناه أنها تخدع الرجال وتمنيهم، ثم لا تفي لهم، كما يقال: رجل لعبة: إذا كان كثير التلعب بالأشياء.
(٢) إسناده صحيح. ابن ثور: هو محمد بن ثور الصنعاني، محمد بن عبيد: هو ابن حِسابٍ الغُبَري. =

قال أبو داود: لم يجئ به إلا معمرٌ -يعني: «الحَربُ خَدْعةٌ»- من هذا الطريق (١).


= وأخرجه البيهقي ٩/ ١٥٠ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٧٤٤) ومن طريقه أحمد (٢٧١٧٥)، وأبو عوانة (٦٥٤٨)، وابن حبان (٣٣٧٠)، والطبراني في «الكبير» ١٩/ (٩٠)، وأبو بكر القطيعي في «جزء الألف دينار» (٣٢١)، وأخرجه أبو عوانة (٦٥٤٩) من طريق عبد الله بن المبارك، والقضاعي في «مسند الشهاب» (٨) من طريق الحسن بن أبي جعفر، ثلاثتهم (عبد الرزاق وعبد الله بن المبارك والحسن) عن معمر، بهذا الإسناد. إلا أن ابن المبارك قال في روايته عند أبي عوانة: عن ابن كعب بن مالك. فلم يُسمِّه. وليس في رواية عبد الرزاق وابن المبارك عند أبي عوانة أنه ﷺ كان إذا أراد غزوة ورّى غيرها.
وأخرجه أبو عوانة (٦٥٤٧) من طريق زيد بن المبارك، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال: يعني كعب بن مالك ...
وأخرجه أبو عوانة (٦٥٤٦) من طريق يونس بن زيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن عمه عُبيد الله -وكان قائد أبيه- عن كعب بن مالك، وفي الإسناد إلى يونس يعقوب بن محمد الزهري ضعيف الحديث.
وأخرجه دون قوله: «الحرب خدعة»: البخاري (٢٩٤٧) من طريق عُقيل بن خالد، ومسلم (٢٧٦٩) من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٢٨) من طريق إسحاق بن راشد، ثلاثتهم عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن كعب بن مالك.
وأخرجه كذلك النسائي في «الكبرى» (٨٧٢٧) من طريق معقل بن عبيد الله، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عمه عُبيد الله، عن كعب ابن مالك.
وأخرجه كذلك البخاري (٢٩٤٨) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جده كعب بن مالك.
وقوله: ورَّى غيرها: معنى التورية: أن يريد الإنسان الشيء فيظهر غيره.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ) وهي برواية ابن داسه.

١٠٠ - باب في البَيات
٢٦٣٨ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الصمدِ وأبو عامرٍ، عن عكرمةَ ابن عمَّارٍ، حدَّثنا إياسُ بن سَلمةَ
عن أبيه، قال: أمَّرَ رسولُ الله ﷺ علينا أبا بكرٍ، فغزونا ناسًا من المشركين، فبَيَّتنْاهم نقتُلُهم، وكان شعارُنا تلك الليلة: أمِتْ، أمِتْ، قال سلمةُ: فقتلتُ بيديّ تلك الليلةَ سبعةَ أهلِ أبياتٍ من المشركين١).

١٠١ - باب في لُزوم الساقَةِ
٢٦٣٩ - حدَّثنا الحسنُ بن شَوكَر، حدَّثنا إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، حدَّثنا الحجاجُ ابن أبي عثمانَ، عن أبي الزبيرِ
أن جابر بن عبد الله حدثهم، قال: كان رسولُ الله ﷺ يتخلَّف في المسير، فيرْجِي الضَّعِيفَ، ويُرْدِفُ، ويَدْعُو لهم (٢).


(١) إسناده قوي من أجل عكرمة بن عمار. سلمة: هو ابن الأكوع، وعبد الصمد: هو ابن عبد الوارث العنبري، وأبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي، والحسن ابن علي: هو الخلال.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٤٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦١٢) من طريق عكرمة ابن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٩٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٤٤).
وقد سلف برقم (٢٥٩٦).
قوله: أمِت أمِت، قال ابن الأثير: هو أمرٌ بالموت.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل الحسن بن شوكر، فهو حسن الحديث وهو متابع. وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي-بالسماع فانتفت شبهة تدليسه. =

١٠٢ - باب، على ما يقاتَل المشركون؟
٢٦٤٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي صالح عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللهُ، فإذا قالُوها مَنعُوا مني دماءَهم وأموالَهم، إلا بحقِّها، وحِسابُهم على الله عز وجل» (١).


= وأخرجه الحاكم ٢/ ١١٥ وعنه البيهقي ٥/ ٢٥٧ من طريق أحمد بن حنبل، عن إسماعيل بن عُلَية، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: قوله: «يُزجي» أي: يسوق بهم، يقال: أزجيتُ المطية: إذا حثثتُها في السَّوق.
(١) إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، والأعمش: هو سيمان بن مِفران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، ومُسَدَّد: هو ابن مُسرهَد.
وأخرجه مسلم (٢١) وابن ماجه (٣٩٢٧)، والترمذي (٢٧٨٩)، والنسائي (٣٩٧٦) و(٣٩٧٧) من طريق الأعمش، به.
وأخرجه البخاري (٢٩٤٦)، ومسلم (٢١)، والنسائي (٣٠٩٠) و(٣٠٩٥) و(٣٩٧٢) و(٣٩٧٣) من طريق سعيد بن المسيب، ومسلم (٢١) من طريق عبد الرحمن
ابن يعقوب الحُرقي، والنسائي (٣٩٧٨) مق طريق زياد بن قيس، ثلاثتهم عن أبي هريرة.
زاد يعقوب في روايته: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به».
وهو في «مسند أحمد» (٨١٦٣)، و«صحيح ابن حبان» (١٧٤) و(٢١٨).
وقد سلف عند المصنف برقم (١٥٥٦) من طريق عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب ضمن قصة ارتداد العرب.
وقوله: أمرت أن أقاتل الناس: هذا عامٌّ خُصَّ منه من أقر بالجزية بالآية وهي قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]. =

٢٦٤١ - حدَّثنا سعيدُ بن يعقوبَ الطَّالْقانيُّ، حدَّثنا عبدُ الله بن المبارَك، عن حميدٍ
عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وأن يستقبِلُوا قبلتَنا، وأن يأكُلوا ذبيحتَنا، وأن يُصَلُّوا صلاتَنا، فإذا فعلوا ذلك حَرُمَتْ علينا دماؤُهم وأموالُهم، إلا بحقها: لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» (١).


= وقوله: إلا بحقها، ولفظ حديث ابن عمر في «الصحيحين»: «إلا بحق الإسلام» والمعنى إذا فعلوا ذلك لا يجوز إهدار دمائهم واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإسلام من استيفاء قصاص نفس أو طرف إذا قتل أو قطع، ومن أخذ مال إذا غصب إلى غير ذلك من الحقوق الإسلامية كقتل لنحو زنى محض، وقطع لنحو سرقة، وتغريم مال لنحو إتلاف مال الغير المحترم. قاله القاري في «مرقاة المفاتيح» ١/ ٧٤.
وقوله: «وحسابهم على الله» فيما يُسرونه من كفر وإثم، أي: أنهم إذا أسلموا في الظاهر يجري عليهم حكمُ الإسلام وإن كانوا في الباطن على خلاف ذلك، فإذا كان باطنهم على خلاف ظاهرهم لا يتعرض لهم في الدنيا، ولكن يؤاخذون به في الآخرة، فيعاقبون عليه، لأنهم منافقون.«بذل المجهود» ١٢/ ١٥٠.
(١) إسناده صحيح. حميد: هو ابن أبي حميد الطويل.
وأخرجه البخاري (٣٩٢)، والترمذي (٢٧٩١)، والنسائى (٣٩٦٧) و(٥٠٠٣) من طريق عبد الله بن المبارك عن حميد الطويل، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وهو في «مسند أحمد، (١٣٠٥٦)، و»صحيح ابن حبان" (٥٨٩٥).
وانظر ما بعده.
وأخرج البخاريُ تعليقًا (٣٩٣) من طريق خالد بن الحارث، والنسائي (٣٩٦٨) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، كلاهما عن حميد الطويل قال: سأل ميمون بن =

٢٦٤٢ - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ المَهريُّ، أخبرنا ابنُ وَهبٍ، أخبرني يحيى ابنُ أيوبَ، عن حُميدٍ الطَّويلِ
عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «أُمِرْتُ أن أقاتلَ المشركين» بمعناه (١).
٢٦٤٣ - حدَّثنا الحسنُ بن عَليٍّ وعثمانُ بن أبي شَيبةَ -المعنى- قالا: حدَّثنا يعلَى بن عُبيدٍ، عن الأعْمشِ، عن أبي ظَبيانَ
حدَّثنا أُسامة بن زيدٍ، قال: بعثَنا رسولُ الله ﷺ سريةً إلى الحُرقَاتِ، فَنُذِرُوا بنا، فهَربوا، فأدركْنا رجلًا، فلما غَشِيناه، قال: لا إله إلا اللهُ، فضربْناه، حتى قتلناه، فذكرتُه للنبي ﷺ، فقال: «مَنْ لكَ بلا إله إلا الله يومَ القيامة؟»، فقلت: يا رسول الله، إنما قالها مخافَةَ السلاح، قال: «أفلا شَققْتَ عن قلبه حتى تعلمَ مِن أجلِ ذلك قالها أم لا؟ مَنْ


= سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة، ما يحرِّم دمَ العبد ومالَه؟ فقال: من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم. هكذا روياه موقوفًا عليه.
وأخرجه البخاري (٣٩١) من طريق منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ:»من صلَّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته"، فرفعه.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل يحيي بن أيوب -وهو الغافقي-، وهو متابع. ابن وهب: هو عبد الله بن وهب.
وأخرجه البخاري تعليقًا (٣٩٣) من طريق يحيي بن أيوب، والنسائي (٣٩٦٦) من طريق محمد بن عيسى بن سميع، كلاهما عن حميد الطويل، به.
وانظر ما قبله.

لكَ بلا إله إلا اللهُ يومَ القيامةِ؟ «فما زالَ يقولُها حتى ودِدْت أني لم أُسلم إلا يومئذ (١).


(١) إسناده صحيح. أبو ظبيان: هو حُصَين بن جندب الجَنبي الكوفي، والأعمش: هو سليمان بن مهران الكاهلي، والحسن بن علي: هو الخلال.
وأخرجه مسلم (٩٦)، والنسائي في»الكبرى«(٨٥٤٠) من طريق الأعمش، به.
وأخرجه بنحوه البخاري (٤٢٦٩)، ومسلم (٩٦)، والنسائي (٨٥٤١) من طريق حصين بن عبد الرحمن الواسطي، عن أبي ظبيان، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢١٧٤٥)، و»صحيح ابن حبان«(٤٧٥١).
الحُرَقات: بضم الحاء وفتح الراء بعدها قاف: نسبة إلى الحُرَقَة: بطن من جهينة سموا بذلك لوقعة كانت بينهم وبين بنى مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، فأحرقوهم بالسهام لكثرة من قتلوا منهم، وهذه السرية يقال لها: سرية غالب بن عبيد الله الليثي وكانت في رمضان سنة سبع فيما ذكره ابن سعد ٢/ ١١٩ عن شيخه محمد بن عمر، وكذا ذكره ابن إسحاق في المغازي (وانظر ابن هشام ٤/ ٢٧١) حدثني شيخ من أسلم عن رجال من قومه، قالوا: بعث رسول الله ﷺ غالب بن عبد الله الكلبي ثم الليثي إلى أرض بني مرة، وبها مرداس بن نهيل حليف لهم من بنى الحرقة، فقتله أسامة بن زيد.
قال الخطابي: فيه من الفقه: أن الكافر إذا تكلم بالشهادة، وإن لم يَصف الإيمان، وجب الكفُّ عنه، والوقوفُ عن قتله، سواء بعد القدرة عليه أو قبلَها.
وفي قوله:»هلا شققتَ عن قلبه؟ " دليل على أن الحكم إنما يجري على الظاهر، وأن السرائر موكولة إلى الله سبحانه.
وفيه أنه لم يُلزم أسامة مع إنكاره عليه الدية.
ويشبه أن يكون المعنى فيه: أن أصل دماء الكفار الإباحة، وكان عند أسامة: أنه إنما تكلم بكلمة التوحيد مستعيذًا من القتل، لا مصدقًا به. فقتله على أنه كافر مباح الدم، فلم تلزمه الدية، إذ كان في الأصل مأمورًا بقتاله، والخطأ عن المجتهد موضوع.
ويحتمل أن يكون قد تأول فيه قول الله: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٥] وقوله في قصة فرعون: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٩١]، فلم يخلّصهم إظهار الإيمان عند الضرورة، والإرهاق من نزول العقوبة بساحتهم ووقوع بأسه بهم.

٢٦٤٤ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، عن الليثِ، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيدَ الليثيَّ، عن عُبيد الله بن عَديِّ بن الخِيَارِ
عن المِقداد بن الأسود، أنه أخبره، أنه قال: يا رسول الله، أرأيت إن لقيتُ رجلًا من الكفار فقاتَلَني، فضرب إحدى يَدَيَّ بالسيف، ثمَّ لاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمتُ للهِ، أفأقتُلُهُ يا رسولَ الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﷺ: «لا تقتُلْه»، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنه قطعَ يَدِي، قال رسولُ الله ﷺ: «لا تقتُلْه، فإن قتلْتَه فإنه بمنزلتِك قبلَ أن تقتلَه، وأنت بمنزلتِه قبل أن يقولَ كلمتَه التي قال» (¬١).

١٠٣ - باب النهي عن قتل من اعتصمَ بالسجود (٢)
٢٦٤٥ - حدَّثنا هنادُ بن السَّرِي، حدَّثنا أبو مُعاويةَ، عن إسماعيلَ، عن قيس عن جريرِ بن عبد الله، قال: بعثَ رسولُ الله ﷺ سريةً إلى خَثْعَمٍ، فاعتصم ناسٌ منهم بالسجود، فأَسرع فيهم القتل، قال: فبلغَ ذلك النبي ﷺ فأمر لهم بنصفِ العقلِ.


(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٤٠١٩)، ومسلم (٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٣٧) من طريق عطاء بن يزيد الليثي، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٨١١)، و«صحيح ابن حبان» (١٦٤).
قال الخطابي: الخوارج ومن يذهب مذاهبهم في التكفير بالكبائر يتأولونه على أنه بمنزلة الكفر، وهذا تأويل فاسد. وإنما وجهه أنه جعله بمنزلته في إباحة الدم. لأن الكافر قبل أن يُسلم مباح الدم بحق الدين، فإذا أسلم فقتله قاتل، فإن قاتله مباحُ الدم بحق القصاص.
(٢) هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية أبي عيسى الرملي.

وقال: «أنا بريء من كل مُسلم يقيم بين أظْهُرِ المشركين» قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: «لا تَرَاءَى نارَاهما» (١).


(١) إسناده صحيح. وقد اختُلف في وصله وإرساله، فوصله أبو معاوية - وهو محمد بن خازم الضرير، وحفص بن غياث والحجاج بن أرطاة، وأرسله آخرون، وقد صحح الوصل ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ٤٢١، وابن دقيق العيد في «الإمام» فيما نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» ٩/ ١٦٤، وصحح الإرسال البخاري كما في «العلل الكبير» للترمذي ٢/ ٦٨٦، والترمذي عقب الرواية (١٦٩٧) من «جامعه»، وأبو حاتم الرازي كما في «العلل» لابنه ١/ ٣١٤، والدارقطني في «العلل» ٤/ ورقة ٨٨. إسماعيل: هو ابن أبي خالد، وقيس: هو ابن أبي حازم، وهو تابعي كبير مخضرم.
وأخرجه الترمذي في «جامعه» (١٦٩٦)، وفي «العلل الكبير» ٢/ ٦٨٦، والطبراني في «الكبير» (٢٢٦٤)، وابن حزم في «المحلى» ١٠/ ٣٦٩ و١١/ ١٩٩، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ١٣١ و٩/ ١٤٢، وفي «شعب الإيمان» (٨٩٢٩) من طريق أبي معاوية الضرير، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الديات» ص ٩١، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٣٢٣٣)، والطبراني (٣٨٣٦)، والبيهقي في «الكبرى» ٨/ ١٣١ من طريق حفص بن غياث، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن خالد بن الوليد أن النبي ﷺ بعثه إلى ناس من خثعم ... الحديث، فجعله من مسند خالد بن الوليد، وأنه هو صاحب تلك السرية، واختلافُ الصحابي لا يضر، ما دام الإسنادُ إليه صحيحًا. لكن وقع عند البيهقي وحده: عن جرير بن عبد الله.
وأخرجه الطبراني (٢٢٦٥) من طريق صالح بن عمر الواسطي، والطبراني أيضًا (٢٢٦٢)، والبيهقي في «الشعب» (٨٩٢٨) من طريق الحجاج بن أرطاة، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أي حازم، عن جرير بن عبد الله. وهذان الإسنادان، وإن كان فيهما مقال، يصلحان للاعتبار. ورواية الحجاج مختصرة بالنهي عن الإقامة بين ظهراني المشركين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وأخرجه الشافعي في «مسنده» ٢/ ١٠٢، والبيهقي في «الكبرى» ٨/ ١٣٠ من طريق مروان بن معاوية وسعيد بن منصور في «سننه» (٢٦٦٣) عن معتمر بن سيمان، وابن أبي شيبة ١٤/ ٣٤٠ عن عبد الرحيم بن سليمان، والترمذي (١٦٩٧) من طريق عبدة بن سليمان، والنسائي (٤٧٨٠) من طريق أبي خالد الأحمر، خمستهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم مرسلًا.
وكذلك رواه مرسلًا الذين أشار إليهم المصنف بإثر الحديث، وهم هشيم ومعمر وخالد الواسطي.
وأخرج النسائي (٤١٧٧) من طريق أبي نُخيلة البجلي، عن جرير بن عبد الله قصة بيعته النبي ﷺ، وفيه: قال رسول الله ﷺ: «أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتُنَاصِحَ المسلمين، وتفارق المشركين» وإسناده صحيح.
ولابن ماجه (٢٥٣٦)، والنسائي (٢٥٦٨) من حديث معاوية بن حيدة، رفعه: «لا يقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملًا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين». وسنده حسن.
قال الخطابي: إنما أمر بنصف العقل، ولم يكمل لهم الدية -بعد علمه بإسلامهم- لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره. فسقط حصة جنايته من الدية.
وأما اعتصامهم بالسجود فإنه لا يُمحِّص الدلالة على قبول الدين، لأن ذلك قد يكون منهم في تعظيم السادة والرؤساء، فعُذِروا لوجود الشبه. وفيه دليل على أنه إذا كان أسيرًا ي أيديهم فأمكنه الخلاص والانفلات منهم لم يحل له المقام معهم، وإن حلَّفوه فحلف لهم أن ايخرج، كان الواجب أن يخرج، إلا أنه إن كان مكرهًا على اليمين لم تلزمه الكفارة، وإن ان غير مكره كانت عليه الكفارة عن يمينه.
وعلى الوجهين جميعًا، فعليه الاحتيال للخلاص، وقد قال رسول الله ﷺ: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه».
وقوله: "لا تَراءى ناراهما: فيه وجوه: أحدها: معناه: لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم. =

قال أبو داود: رواه هُشيم، ومُعمرٌ، وخَالدٌ الواسطيُّ، وجماعةٌ، لم يذكروا جَريرًا.

١٠٤ - باب في التَّولي يوم الزَّحْفِ
٢٦٤٦ - حدَّثنا أبو توبةَ الربيعُ بن نافعٍ، حدَّثنا ابنُ المُبارَك، عن جريرِ بن حازمٍ، عن الزُّبير بن خِرِّيتِ، عن عكرمةَ
عن ابن عباسٍ، قال: نزلت ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥] فشقَّ ذلك على المسلمين حين فرض اللهُ عليهم أن لا يَفرَّ واحدٌ من عشرةٍ، ثم إنه جاء تخفيفٌ، فقال: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦] قرأ أبو توبة إلى قوله: ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾، قال: فلما خفَّف الله عنهم من العِدَّه نقصَ من الصبرِ بقدْرما خَفَّف عنهم (١).


وقال بعضهم: معناه: أن الله قد فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يُساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا نارًا كان منهم بحيث يراها.
وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من مدة أربعة أيام.
وفيه وجه ثالث ذكره بعض أهل اللغة، قال: معناه لا يتَّسم المسلم بسِمَة المشرك، ولا يتشبه به في هديه وشكله، والعرب تقول: «ما نار بعيرك؟» أي: ما سِمَتُه، ومن هذا قولهم: «نارها نجارها» يريدون: أن مِيسَمها يدل على كَرَمِها وعِتقها، ومنه قول الشاعر:
حتى سقوا آبالهم بالنار ... والنار قد تشفي من الأُوار
يريد: أنهم يعرفون الكرام منها بسِماتها، فيقدمونها في السقي على اللئام.
(١) إسناده صحيح. ابن المبارك: هو عبد الله.
وأخرجه البخاري (٤٦٥٣) من طريق عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا بنحوه (٤٦٥٢) من طريق عمرو بن دينار، عن ابن عباس.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٧٧٣) بنحوه أيضًا من طريق عطاء، عن ابن عباس.

٢٦٤٧ - حدَّثنا أحمد ابن يونس، حدَّثنا زهُيرٌ، حدَّثنا يزيد بن أبي زياد، أن عبدَ الرحمن بن أبي ليلى حدثه
أن عبدَ الله بن عُمر حدثه: أنه كان في سَرِيَّةٍ، من سرايا رسولِ الله ﷺ، قال: فحَاصَ الناسُ حَيْصَةً، فكنت فيمن حَاصَ، قال: فلما بَرَزْنا قلنا: كيف نصنعُ، وقد فَرَرْنا من الزَّحْف، وبُؤْنا بالغضبِ؟ فقلنا: ندخُل المدينةَ، فنثبتُ (١) فيها، لنذهبَ، ولا يرانا أحدٌ، قال: فدخلنا، فقلنا: لو عَرَضنَا أنفسنا على رسولِ الله ﷺ فإن كانت لنا توبةٌ أقَمْنا، وإن كان غيرَ ذلك ذهبنا، قال: فجلسنا لِرسول الله ﷺ قبلَ صلاةِ الفجرِ، فلما خرج قُمنا إليه، فقلنا: نحن الفَرَّارون، فأقبلَ إلينا، فقال: «لا، بل أنتم العَكَّارون»، قال: فدنَونا فقبَّلْنا يدَه، فقال: «أنا فِئةُ المُسلمين» (٢).


(١) كذا في (أ): فنثبت، وهي كذلك عند العظيم آبادي والسهارنفوري. وفي (ج): فنبيت، وهي كذلك عند ابن سعد وأحمد، وفي (ب) و«اختصار السنن» للمنذري: فنتثبَّت، وفي (هـ): فننبثُّ، وأشار الحافظ في نسخه (أ) إلى أن رواية ابن الأعرابي: فننبتُّ، والله أعلم بالصواب.
(٢) إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد -وهو مولى الهاشميين- أحمد بن يونس: هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي، زهير: هو ابن معاوية الجُعفي.
وأخرجه بنحوه الترمذي (١٨١٣) من طريق سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، به. ولم يذكر فيه قصة تقبيل اليد، وقال: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد.
وهو في «مسند أحمد» (٥٣٨٤).
وفي الباب عن عروة بن الزبير عند ابن إسحاق كما في «السيرة النبوية» لابن هشام ٤/ ٢٤ قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله ﷺ والمسلمون، قال: ولقيهم =

٢٦٤٨ - حدَّثنا محمد بن هشام المِصريُّ، حدَّثنا بِشر بن المُفضَّل، حدَّثنا داودُ، عن أبي نَضْرةَ
عن أبي سعيدٍ، قال: نزلَتْ في يوم بدرٍ ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] (١).

١٠٥ - باب في الأسير يُكره على الكفر
٢٦٤٩ - حدَّثنا عَمرو بن عَونٍ، أخبرنا هُشيمٌ وخالدٌ، عن إسماعيلَ، عن قيسِ بن أبي حازمٍ


= الصبيان يشتدون، ورسول الله ﷺ مقبل مع القوم على دابّة، فقال: «خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر»، فأتي بعبد الله بن جعفر فحمله بين يديه. قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون: يا فُرّار، فررتم في سبيل الله! قال: فيقول رسول الله ﷺ: «ليسوا بالفُرار، ولكنهم الكُرار إن شاء الله تعالى» وهذا مرسل حسن، وكان ذلك في قفول المسلمين من مؤتة.
وستأتي قصة تقبيل اليد برقم (٥٢٢٣).
قال الخطابي: يقال: «حاص الرجل» إذا حاد عن طريقه، أو انصرف عن وجهه إلى جهة أخرى.
وقوله: «وأنتم العكارون» يريد: أنتم العائدون إلى القتال، والعاطفون عليه، يقال: عكرتُ على الشيء: إذا عطفتَ عليه، وانصرفتَ إليه بعد الذهاب عنه، وأخبرني ابن الزَّيبقي، حدَّثنا الكُديمي، عن الأصمعي، قال: رأيتُ أعرابيًا يَفْلى ثيابه، فيقتل البراغيث، ويترك القمل. فقلت: لم تصنع هذا؟ قال: أقتل الفرسان، ثم أعكر على الرجالة.
وقوله ﷺ: «أنا فئة المسلمين» يُمهِّد بذلك عُذرهم، وهو تأويل قوله تعالى: ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦].
(١) إسناده صحيح. أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قِطعة، وداود: هو ابن أبي هند.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٦٠٠) و(١١١٣٩) و(١١١٤٠)، والطبري في «تفسيره» ٩/ ٢٠١ و٢٠١ - ٢٠٢ و٢٠٢، والحاكم ٢/ ٣٢٧ من طرق عن داود بن أبي هند، به.

عن خَبّابٍ، قال: أتينا رسولَ الله ﷺ وهو مُتوسد بُردةً في ظلِّ الكعبة، فشكَونا إليه فقلْنا: ألا تستَنْصِر لنا، ألا تدعُو اللهَ لنا؟ فجلس مُحمَرًّا وجهُه فقال: «قد كانَ مَن قبلَكم يؤخَذُ الرجلُ فيُحفَر له في الأرض، ثم يُؤتى بالمِنشارِ، فيُجعَل على رأسِه فيجعل فرقَتَينِ، ما يصرِفُه ذلك عن دينه، ويُمشطُ بأمشاطِ الحديدِ، ما دون عظمِه من لحم وعَصَبٍ، ما يصرِفُه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ ما بين صنعاءَ وحضرموتَ، ما يَخافُ إلا الله والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تَعْجَلون» (¬١).

١٠٦ - باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلمًا
٢٦٥٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرو، حدثه حَسنُ بن محمدِ ابن علي، أخبرَه عُبيدُ الله بن أبي رافع -وكان كاتبًا لعلي بن أبي طالب- قال: سمعتُ عليًا يقولُ: بعثَني رسولُ الله ﷺ أنا والزبيرَ والمقدادَ، فقال:، انطلِقُوا حتى تأْتوا رَوضَة خَاخٍ، فإن بها ظَعينةً معها كتابٌ فخذُوه منها، فانطلَقْنا تتعادى بنا خَيلُنا حتى أتينا الرَّوضةَ، فإذا نحن بالظَّعينةِ، فقلنا: هَلُمِّي الكتابَ، قالت: ما عندي مِن كتابٍ، فقلتُ: لتُخْرِجِنَّ الكتابَ، أو لنُلْقِيَنَّ الثيابَ، فأخرجتْه من عِقاصِها، فأتينا به النبيَّ ﷺ، فإذا هو: من حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى ناسٍ من المشركين،


(١) إسناده صحيح. إسماعيل: هو ابن أبي خالد الأحمسي، وهشيم: هو ابن بشير الواسطي، وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي.
وأخرجه البخاري (٣٦١٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٦٢) من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، به. وقرن النسائي بإسماعيل بيان بن بشر.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٠٥٧)، و«صحيح ابن حبان» (٢٨٩٧) و(٦٦٩٨).

يُخبرهم ببعض أمرِ رسولِ الله ﷺ، فقال: «ما هذا يا حاطبُ؟» فقال: يا رسولَ الله، لا تعجَلْ عليَّ فإني كنتُ امرأً مُلْصقًَا في قريش، ولم أكن من أنفُسِها، وإن قريشًا لهم بها قَراباتٌ يحمُونَ بها أهليهم بمكةَ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك أن أتخذ فيهم يدًا يحمُون قرابتي بها، واللهِ ما كان بي كُفرٌ ولا ارتدادٌ، فقال رسولُ الله ﷺ: «صَدَقَكم» فقال عمرُ: دَعْني أضْربْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «قد شهد بدرًا، وما يُدريك لعلَّ اللهَ اطَّلع على أهلِ بدر فقال: اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفرْتُ لكم» (١).


(١) إسناده صحيح. عمرو: هو ابن دينار المكي، وسفيان: هو ابن عُيينة، ومُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَدٍ.
وأخرجه البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤)، والترمذي (٣٥٩١)، والنسائى في «الكبرى» (١١٥٢١) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٠٠)، و«صحيح ابن حبان» (٦٤٩٩).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه: أن الحكم المتأول في استباحة المحظور عليه، خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل.
وفيه: أنه إذا تعاطى شيئًا من المحظور وادعى أمرًا مما يحتمله التأويل، كان القول قوله في ذلك. وإن كان غالب الظن بخلافه. ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب، وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضى الله عنهما. استعمل رسول الله ﷺ حُسنَ الظن في أمره، وقبل ما ادّعاه في قوله. وفيه دليل على أن الجاسوس إذا كان مسلمًا لم يقتل.
واختلفوا فيما يفعل به من العقوبة. فقال أصحاب الرأي في المسلم إذا كتب إلى العدو ودلَّه على عورات المسلمين: يُوجَع عقوبةً، ويُطال حبْسُه.
وقال الأوزاعي: إن كان مسلمًا عاقبه الإمام عقوبة مُنكِّلة، وغرَّبه إلى بعض الآفاق في وثاق. وإن كان ذميًا فقد نقض عهده. =

٢٦٥١ - حدَّثنا وهبُ بن بقيةَ، عن خالدٍ، عن حُصَين، عن سعد بن عُبيدةَ، عن أبي عبد الرحمن السُّلمَي، عن عليٍّ، بهذه القصة، قال:
انطلق حاطبٌ فكتب إلى أهل مكةَ: أن محمدًا قد سار إليكم، وقال فيه: قالت: ما معي كتابٌ، فانْتَحيناها، فما وجدنا معها كتابًا، فقال عليٌّ: والذي يُحلَفُ به لأقْتُلَنَّكِ أو لتُخْرِجِنَّ الكتابَ، وساق الحديثَ (١).


= وقال مالك: لم أسمع فيه شيئًا، وأرى فيه اجتهاد الإمام.
وقال الشافعي: إذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة، كما كان من حاطب بجهالة، وكان غير متهم أحببتُ أن يُتجافى عنه. وإن كان من غير ذي الهيئة كان للإمام تعزيره.
وفي الحديث من الفقه أيضًا: جواز النظر إلى ما يكشف من النساء لاقامة حدٍّ، أو إقامة شهادة في إثبات حقٍّ، إلى ما أشبه ذلك من الأمور.
وفيه دليل على أن من كفَّر مسلمًا، أو نفقه على سبيل التأويل، وكان من أهل الاجتهاد لم تلزمه عقوبة.
ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قال: «دعني أضرب عنق هذا المنافق» وهو مؤمن، وقد صدقه رسول الله ﷺ فيما ادعاه من ذلك، ثم لم يعنف عمر فيما قاله؟
وذلك أن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدين إذ كان المنافق هو الذي يظهر نُصرة الدين في الظاهر، ويبطن نصرة الكفار، وكان هذا الصنيع من حاطب شبيهًا بأفعالِ المنافقين، إلا أن رسول الله ﷺ قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع، وعفا عنه، فزال عنه اسم النفاق، والله أعلم.
(١) إسناده صحيح. أبو عبد الرحمن السُّلَمي: هو عبد الله بن حبيب الكوفي، مشهور بكنيته، وحصين: هو ابن عبد الرحمن السُّلَمي، وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان.
وأخرجه البخاري (٣٠٨١) و(٣٩٨٣) و(٦٢٥٩) و(٦٩٣٩)، ومسلم (٢٤٩٤)
من طرق عن حصين بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. =

١٠٧ - باب في الجاسوس الذمي
٢٦٥٢ - حدَّثنا محمد بن بشار، حدثني محمد بن مُحَبَّب أبو همامٍ الدَّلَّالُ، حدَّثنا سفيانُ بن سعيدٍ، عن أبي اسحاقَ، عن حارثةَ بن مُضَرَّب
عن فُرَات بن حَيانَ: أن رسولَ الله ﷺ أمر بقتله، وكان عينًا لأبي سفيانَ، وحليفًا لرجل من الأنصار، فمر بحلْقة من الأنصار فقال: إني مسلمٌ، فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله، إنه يقول: إننى مسلمٌ فقال رسولُ الله ﷺ: «إن منكم رجالًا نكلُهُم إلى إيمانِهم، منهم فراتُ بن حَيَّانَ» (١).


= وهو في «مسند أحمد» (٨٢٧).
وانظر ما قبله.
قوله: فانتحيناها، أي: قصدناها.
(١) إسناده صحيح. سفيان بن سعيد: هو الثوري.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٣٩٦)، وأحمد في «مسنده» (١٨٩٦٥)، والبخاري في «التاريخ الكبير» ٧/ ١٢٨، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٦٦٢)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على «المسند» لأبيه (١٨٩٦٥)، وابن الجارود (١٠٥٨)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٣٢٤/ ٢ - ٣٢٥، والطبراني في «الكبير» ١٨/ (٨٣١)، والحاكم ٢/ ١١٥ و٤/ ٣٦٦، وأبو نعيم في «الحلية» ٢/ ١٨، والبيهقي ٨/ ١٩٧ و٩/ ١٤٧، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٤/ ٣٥٢، والمزي في ترجمة فرات بن حيان من «تهذيب الكمال» من طرق عن سفيان بن سعيد الثوري، بهذا الإسناد.
قال المنذري: وفرات، بضم الفاء، وراء مهملة مفتوحة، وبعد الألف تاء ثالث الحروف. وحيان، بفتح الحاء المهملة، وياء آخر الحروف مشددة مفتوحة، وبعد الألف نون.
وفرات -هذا- له صحبة، وهو عِجْلي، سكن الكوفة، وهاجر إلى رسول الله ﷺ، ولم يزل يغزو مع رسول الله ﷺ إلى أن قُبض فتحول، فنزل الكوفة.

١٠٨ - باب في الجاسوس المستأمَن
٢٦٥٣ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا أبو نعيم، حدَّثنا أبو عميس، عن ابن سلمة بن الأكوع
عن أبيه، قال: أتى النبيَّ ﷺ عينُ المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسَلَّ، فقال النبيُّ ﷺ: «اطلُبوه، فاقتُلوه» قال: فسبقتُهم إليه فقتلتُه، وأخذتُ سَلَبَهَ، فنفَّلَني إياه (١).
٢٦٥٤ - حدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله، أن هاشمَ بن القاسمِ وهشامًا حدثاهم، قالا: حدَّثنا عكرمةُ بن عمار، قال: حدَّثني إياس بن سلمةَ
قال: حدَّثني أبي، قال: غزوتُ مع رسولِ الله ﷺ هوَازنَ، قال: فبينما نحنُ نَتضَحَّى وعامَّتُنا مُشاةٌ وفينا ضَعَفَةٌ إذ جاء رجلٌ على جمل أحمرَ، فانتزع طَلَقًا من حَقو البعيرِ فقيَّد به جملَه، ثم جاء يتغذَّى مع القومِ، فلما رأى ضعَفَتَهم ورِقَّةَ ظهرِهم خرج يعدُو إلى جملِه،


(١) إسناده صحيح. ابن سلمة: هو إياس، وأبو العُميس: هو عتبة بن عبد الله ابن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وأبو نعيم: هو الفضل بن دُكين، والحسن بن علي: هو الهُذلي الخلال.
وأخرجه البخاري (٣٠٥١) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٩٣) من طريق جعفر بن عون، كلاهما عن أبي العميس، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٣٦) من طريق وكيع، عن أبي العُميس، به بلفظ: بارزت رجلًا فقتلته، فنفّلني رسول الله ﷺ سلبه. كذا جاء عنده بذكر تنفيل السلب، دون ذكر أن ذلك كان عينًا للمشركين وأن قتله كان لذلك السبب.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٩٢) عن وكيع كلفظ ابن ماجه.
وانظر ما بعده.

فأطلَقه ثم أناخَه فقعَد عليه، ثم خرج يَرْكُضه، واتَّبعه رجلٌ من أسلَمَ على ناقة وَرقَاءَ هي أمثَلُ ظَهْرِ القوم، فخرجتُ أعدُو، فأدركتُه، ورأسُ النَّاقة عند وَرِك الجمل، وكنت عند وَرِك الناقة، ثم تقدَّمتُ، حتى كنت عند وَرِك الجمل، ثم تقدَّمتُ، حتى أخذْتُ بخُطامِ الجمل، فأنَخْتُه، فلما وضَعَ رُكبتَه بالأرضُ اختَرَطْتُ سيفي فأضربُ رأسه، فَنَدَرَ، فجئتُ براحلتِه وما عليها أقودُها، فاستقبَلَني رسولُ الله ﷺ في الناسِ مُقبلًا، فقال: «مَن قَتَل الرَّجُلَ؟» فقالوا: سلمة بن الأكْوعِ، فقال: «له سَلَبُهُ أجمعُ» (١).
قال هارونُ: هذا لفظُ هاشم.


(١) إسناده صحيح. إياس بن سلمة: هو ابن الأكوع، وهشام: هو ابن سعيد الطالقاني.
وأخرجه مسلم (١٧٥٤)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٢٤) من طريق عكرمة بن عمار، به.
وأخرج قصَّة تنفيل السلب منه فقط ابن ماجه (٢٨٣٦) من طريق عكرمة بن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٥١٩) و(١٦٥٢٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٤٣) بتمامه.
وتختلف هذه الرواية عن سابقتها بأن الرواية الأولى التي عند البخاري والنسائي (٨٧٩٣) فيها أمر منه ﷺ بقتل ذلك العين المشرك، وهنا فيه إقرارٌ منه ﷺ لقتله، لا أمرٌ منه بذلك.
قال الخطابي: «نتضحّى» معناه: نتغدى، والضحاء -ممدود- الغداء. و«الطلق»: سَير يقيد به البعير، و«حقوه»: مؤخَّره.
وقوله: «نَدَر» معناه: بانَ منه وسقط.
قال: وفيه إثبات السَّلب للقاتل، وأنه ﷺ لم يخمِّسْه.

١٠٩ - باب في أيِّ وقتٍ يُستحب اللقاء
٢٦٥٥ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا أبو عِمرانَ الجَوني، عن علقمةَ بن عبدِ الله المُزني، عن مَعْقلِ بن يَسارٍ
أن النعمانَ -يعني ابنَ مقَرِّن- قال: شهدتُ رسول الله ﷺ إذا لم يقاتل من أول النهار أخَّر القتالَ حتى تزولَ الشمسُ، وتهبَّ الرياحُ، وينزلَ النصرُ١).

١١٠ - باب فيما يؤمَرُ به من الصَّمت عند اللقاء
٢٦٥٦ - حدَّثنا مسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا هِشام (ح)
وحدَّثنا عُبيد الله بن عمر، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن مَهدي، حدَّثنا هشامٌ، حدَّثنا قتادةُ، عن الحسنِ
عن قيس بن عُبَاد قال: كانَ أصحابُ النبيِّ ﷺ يكرهُون الصوتَ عند القتالِ (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو عمران الجَوني: اسمه عبد الملك بن حبيب، مشهور بكنيته، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه الترمذي (١٧٠٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٨٣) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٧٤٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٥٧).
وأخرجه بنحوه البخاري (٣١٦٠) من طريق جبير بن حية، والترمذي (١٧٠٤) من طريق قتادة بن دعامة، كلاهما عن النعمان بن مقرن. وطريق الترمذي منقطع، لأن قتادة لم يدرك النعمان بن مقرن فيما قاله الترمذي.
(٢) أثر إسناده صحيح. الحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، وقتادة: هو ابن دِعامة، وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدَّستُوائي، وعبيد الله بن عمر: هو ابن ميسرة القواريري، ومسلم بن إبراهيم: هو الفراهيدي. =

٢٦٥٧ - حدَّثنا عُيد الله بن عُمر، حدَّثنا عبدُ الرحمنِ، عن همامٍ، حدثني مَطرٌ، عن قتادةَ، عن أبي بُردةَ
عن أبيه، عن النبيَّ ﷺ، بمثل ذلك١).

١١١ - باب في الرجل يترجل عند اللقاء
٢٦٥٨ - حدَّثنا عثمان بن أبي شيبةَ، حدَّثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ


= وأخرجه الحاكم ٢/ ١١٦، والبيهقي ٩/ ١٥٣ من طريق مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي ٤/ ٧٤ من طريق وكيع بن الجراح، و٩/ ١٥٣ من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، كلاهما عن هشام الدستوائي، به. وزادا: وعند الجنائز وعند الذكر. وخالف معمر هشامًا في إسناده عند عبد الرزاق (٦٢٨١) فقال: عن قتادة، عن الحسن قال: أدركتُ أصحاب رسول الله ﷺ يستحبون خفض الصوت عند الجنائز وعند قراءة القرآن وعند القتال وبه نأخذ. فجعله من قول الحسن البصري. وهشام الدستوائي أوثق الناس في قتادة، حتى قال شعبة: هشام الدستوائى أعلم بحديث قتادة منى وأكثر مجالسة له مني.
وخالفه كذلك مطر الوراق كما سيأتى في الطريق الآتي بعده. ومطر ضعيف.
(١) أثر صحيح لكن عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عُباد كما في الطريق السابق، وهذا إسناد أخطأ فيه مطر -وهو ابن طهمان الوراق، وهو ضعيف- إذ جعله عن قتادة، عن أبي بردة -وهو ابن أبي موسى الأشعري-، عن أبيه، وإنما الصحيح ما رواه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عُباد. عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
وأخرجه الحاكم ٢/ ١١٦ من طريق عُبيد الله بن عمر القواريري، بهذا الإسناد.
وقال: وحديث هشام الدستوائي شاهده، وهو أولى بالمحفوظ، وقال الذهبي في «تلخيصه» عن طريق هشام: هذا أصح.

عن البراءِ قال: لما لقي النبيُّ ﷺ المشركين يومَ حنينٍ نزل عن بغلته فتَرجَّل١).

١١٢ - باب في الخُيلاء عند الحرب
٢٦٥٩ - حدَّثنا مُسلُم بن إبراهيمَ وموسى بن إسماعيلَ -المعنى واحد- قالا: حدَّثنا أبانُ، قال، حدَّثنا يحيى، عن محمدِ بن إبراهيمَ، عن ابن جابرِ بن عَتيكٍ
عن جابرِ بن عَتيكٍ، أن نبيَّ الله ﷺ كان يقول: «مِن الغَيرةِ ما يحبُّ اللهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللهُ: فأما التي يُحبها الله عز وجل فالغَيرةُ في الرِّيبةِ، وأما التي يُبغِضُها فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ. وإن مِن الخُيلاء ما يُبغضُ اللهُ، ومنها ما يحبُّ اللهُ: فأما الخُيلاءُ التي يحبُّ اللهُ فاختيالُ الرجلِ نفسَه عند اللقاء، واختيالُه عند الصدقةِ، وأما التي يُبغِضُ اللهُ فاختيالُه في البغيِ» قال موسى: «والفخرِ» (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وإسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو من أثبت الناس في جده للزومه إياه.
ووكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي.
وأخرجه البخاري (٢٩٣٠) و(٣٠٤٢)، ومسلم (١٧٧٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٧٥) و(١٠٣٦٦) من طرق عن أبي إسحاق، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٧٧٥).
(٢) حسن لغيره، ابن جابر بن عتيك قال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٤/ ٤١٦: إن كان هو عبد الملك فهو ثقة، وإن كان هو عبد الرحمن المذكور في إسناد حديث «سيأتيكم ركيب مبغّضون» فإنه غير معروف، ولا مذكور، فيما أعلم، والله الموفق. لكن ابن حبان قال: هو أبو سفيان بن جابر بن عتيك وذكره في «الثقات».
قلنا: وباقي رجاله ثقات. محمد بن إبراهيم: هو ابن الحارث التيمي، ويحيى: هو ابن أبي كثير، وأبان: هو ابن يزيد العطار. وقد سكت عبد الحق الإشبيلي عن هذا الحديث مصححًا له، وصحح إسناده الحافظ في «الإصابة» في ترجمة جابر بن عتيك. =

١١٣ - باب في الرجلُ يستأسِر
٢٦٦٠ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا إبراهيمُ -يعني ابنَ سعدٍ- أخبرنا ابنُ شهابٍ، أخبرني عَمرو بن جَارِيةَ الثقفي -حليفُ بني زُهرةَ-
عن أبي هريرةَ، عن النبي ﷺ قال: بعثَ رسولُ الله ﷺ عشرةً عينًا وأمّر عليهم عاصمَ بن ثابتٍ، فنَفَروا لهم هُذيلٌ بقريبٍ من مئةِ رجلٍ رامٍ، فلما أحسَّ بهم عاصمٌ لجؤوا إلى قَرْدَدٍ، فقالوا لهم: انزِلُوا فأعطُوا بأيديكم ولكم العهدُ والميثاقُ، أن لا نقتلَ منكم أحدًا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزِلُ في ذمَّة كافرٍ، فرَمَوهُم بالنَّبْل، فقتلوا عاصمًا في سبعةِ نفرٍ، ونَزل إليهم ثلائةُ نفرٍ على العهدِ والميثاق، منهم خُبَيبٌ وزيدُ بن الدَّثِنَة ورجلٌ آخرُ، فلمَّا استمكَنُوا منهم أطلقوا أوتار قِسِيِّهم فربطُوهم


= وأخرجه النسائي (٢٥٥٨) من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٧٤٧)، و«صحيح ابن حبان» (٢٩٥).
ويشهد له حديث عقبة بن عامر الجهني عند أحمد (١٧٣٩٨)، وعبد الرزاق (١٩٥٢٢)، وابن خزيمة (٢٤٧٨)، والطبراني في «الكبير» ١٧/ (٩٣٩)، والخطيب في «تاريخه» ١٢/ ٣٨٠ - ٣٨١، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٤١)، لكنه لم يذكر فيه المخيلة في القتال. وهو حسن في الشواهد.
ويشهد للخيلاء في الحرب والقتال قوله ﷺ لأبي دجانة في غزوة أحد وقد كان يتبختر في مشيته: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» أخرجه ابن إسحاق في «سيرته» كما في «السيرة النبوية» لابن هشام، ومن طريقه الطبري في«تاريخه» ٢/ ٦٣ و٦٣ - ٦٤، والأثير في «أسد الغابة» في ترجمة أبي دجانة.
قال الخطابي: معنى الاختيال في الصدقة: أن يَهُزَّه أريحية السخاء، فيعطيها طيبة نفسه بها، من غير مَنٍّ ولا تصريد [أي: تعاظم على الفقير] واختيال الحرب، أن يتقدم فيها بنشاط نفسٍ، وقوة جَنان، ولا يكبَعُ [من الكبوع، وهو الذل والخضوع] ولا يجبُن.

بها، قالَ الرجلُ الثالثُ: هذا أولُ الغَدْرِ، واللهِ لا أصحبُكم، إن لي بهؤلاء لأسوةَ، فجرُّوه، فأبى أن يصحبَهم، فقتَلوه، فلبِثَ خبيبٌ أسيرًا حتى أجمعوا قتلَه، فاستعار مُوسى يَستحِدُّ بها، فلما خرجوا به ليقتُلوه، قال لهم خُبيبٌ: دعوني أركعْ ركعتَين، ثم قال: واللهِ لولا أن تحسَبُوا ما بي جَزَعًا لزِدْتُ (١).


(١) إسناده صحيح.
وأخرجه بأطول مما هاهنا البخاري (٣٩٨٩) عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، و(٤٠٨٦) من طريق معمر، كلاهما عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٩٢٨)، و«صحيح ابن حبان» (٧٠٣٩). وانظر ما بعده. قال الخطابي: «القردد» رابية مشرفة على وَهْدة. فال الشاعر:
متى ما تزُزنا آخر الدهر تلقنا ... بقرقرةٍ ملساءَ ليست بقَردَدِ
وقوله: «يستحد بها» أي: يحلق شعر - عانته. والاستحداد: مأخوذ من الحديد.
وفيه من العلم: أن المسلم يجالد العدو إذا أُرهِق، ولا يستأسر له ما قدر على الامتناع منه.
وإنما استحد خبيب خوفًا أن تظهر عورته إذا صلبوه، ثم إنه من السنة، فاستعمله متجهزًا للموت.
وقال المنذري: خُبيب، بضم الخاء المعجمة، وفح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها باء موحدة.
والدثنة: بفتح الدال المهملة، وكسر الثاء المثلثة، وفح النون، وبعدها تاء تأنيث.
ويقال: الدَّثنة بفتح الدال وسكون الثاء.
قال: وخبيب: هو ابنُ عدي الأنصاري الأوسى، وابن الدثنة، هو أنصاري بياضي. وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح -بالقاف والحاء المهملة- أنصاري، شهد بدرًا، وهو الذي حمته دَبَر النحل من المشركين، كنيته أبو سليمان.
وكان ذلك يوم الرجيع سنة ثلاث من الهجرة.

٢٦٦١ - حدَّثنا ابنُ عوف، حدَّثنا أبو اليمانِ، أخبرنا شعيبٌ، عن الزُّهريِّ، أخبرني عَمرو بن أبي سفيانَ بنِ أسيد بن جَارية الثقفيُّ -وهو حليفٌ لبني زُهرةَ- وكان من أصحاب أبي هريرة، فذكر الحديث١).

١١٤ - باب في الكُمناء
٢٦٦٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد النُّفَيليُّ، حدَّثنا زهيرٌ، حدَّثنا أبو إسحاقَ، قال: سمعتُ البَراءَ يُحدَّث، قال: جعلَ رسولُ الله ﷺ على الرُّماةِ يومَ أُحدٍ -وكانوا خمسينَ رجلًا- عبدَ الله بن جُبيرٍ، وقال: «إن رأيتُمونا تَخْطَفُنا الطيرُ فلا تَبرحُوا من مكانِكم هذا، حتى أُرسلَ إليكم، وإن رأيتُمونا هَزمْنا القومَ وأوطأناهم فلا تبرَحُوا حتى أُرسِلَ إليكُم» قال: فهزمهم اللهُ، قال: فأنا واللهِ رأيتُ النساءَ يَشْتدِدْنَ (٢) على الجبل، فقال أصحابُ عبدِ الله بن جُبيرٍ: الغنيمةَ، أيْ قومِ، الغنيمةَ!! ظَهَرَ أصحابُكم فما تَنْظُرون؟ فقال عبدُ الله بن جُبيرٍ: أنسيتُم ما قال لكُم رسولُ الله ﷺ؟ فقالوا: والله لنأتينَ الناسَ فلَنُصِيبنَّ مِن الغنيمةِ، فأتَوهم، فصُرِفَتْ وجوهُهم، وأقبَلُوا مُنهزمين (٣).


(١) إسناده صحيح كسابقه. شعيب: هو ابن أبي حمزة، وأبو اليمان: هو الحكم ابن نافع البهراني، وابن عوف: هو محمد بن عوف الحمصي.
وأخرجه مطولًا البخاري (٣٠٤٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٨٨) من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع، بهذا الإسناد. وانظر ما قبله.
(٢) كذا جاء في أصولنا الخطية: يشتددن، وجاء في نسخة الخطابي التي شرح عليها: يُسندن، وفسّرَها بقوله: معناه: يصعدن فيه، يقال: سند الرجل في الجبل: إذا صعد فيه. وكذلك هو عند العظيم آبادى والسهارنفوري.
(٣) إسناده صحيح. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وزهير: هو ابن معاوية الجُعفي. =

١١٥ - باب في الصفوف
٢٦٦٣ - حدَّثنا أحمدُ بن سنانٍ، حدَّثنا أبو أحمد الزبيريُّ، حدَّثنا عبدُ الرحمن ابن سليمانَ بن الغَسِيل، عن حمزةَ بن أبي أُسَيدٍ
عن أبيه، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ حين اصطفَفْنا يومَ بدرِ: «إذا أكْثَبوكم -يعني إذا غَشُوكْم- فارمُوهم بالنَّبل، واستَبْقُوا نَبْلَكم» (١).


وأخرجه البخاري (٣٠٣٩)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٨١) و(١١٠١٣) من طريق
زهير بن معاوية، والبخاري (٤٠٤٣) من طريق إسرائيل، كلاهما عن أبي إسحاق، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٩٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٣٨).
قال الخطابي: قوله: «تخطَفُنا الطير» معناه الهزيمة. يقول: إن رأيتمونا وقد أسرعنا مُولِّين، فاثبتوا أنتم، ولا تبرحوا، والعرب تقول: فلان ساكن الطير: إذا كان ركينًا ثابت الجأش، وقد طار طير فلانٍ: إذا طاش وخفَّ، قال لقيط الإيادي:
هو الجلاء الذي يَجتَذُّ أصلكُمُ ... إن طار طيرُكم يومًا، وإن وقعا
(١) إسناده صحيح. عبد الرحمن بن سليمان الغسيل: هو عبد الرحمن بن سليمان ابن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وأبو أحمد الزبيري: هو محمد بن عبد الله بن الزبير، مشكور بكنيته.
وأخرجه البخاري (٢٩٠٠) و(٣٩٨٤) و(٣٩٨٥) من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، به. لكن قرن في الموضع الثاني بحمزة الزبير بن المنذر بن أبي أسيد، وفي الموضع الثالث قرن بحمزة المنذر بن أبي أسيد. قال الحافظ في «الفتح» ٧/ ٣٠٦: قيل: هو عمه، وقيل: هو هو لكن نسب إلى جده، والأول أصوب. قلنا: لم يذكر البخاري في الموضع الأول قوله: «واستبقوا نبلكم». وهو في «مسند أحمد» (١٦٠٦٠). وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «أكثبوكم» معناه: غشوكم، وأصله من الكَثْب، وهو القُرب يقول: إذا دنوا منكم فارموهم، ولا ترمُوهم على بُعد، أي: فإنه يسقط في الأرض فتذهب السهام ولا تحصل نكاية.

١١٦ - باب في سَلِّ السيوف عند اللقاء
٢٦٦٤ - حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا إسحاقُ بن نَجيح -وليس بالمَلَطِيِّ- عن مالك بن حمزةَ بن أبي أُسَيدٍ السَّاعِدي، عن أبيه
عن جده، قال: قال النبي ﷺ يومَ بدر: «إذا أكثَبُوكم فارمُوهم بالنَّبْل، ولا تَسُلُّوا السيوفَ حتى يَغشَوكُم» (¬١).

١١٧ - باب في المبارزة
٢٦٦٥ - حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، حدَّثنا عثمانُ بن عُمر، أخبرنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن حارثةَ بن مُضَرِّب
عن عليِّ، قال: تقدَّم، يعني عتبةَ بن ربيعةَ، وتبعَه ابنُه وأخوه، فنادى: من يُبارِزُ؟ فانتَدَب له شبابٌ من الأنصارِ، فقال: من أنتم؟
فأخبروه، فقال: لا حاجةَ لنا فيكم، إنما أردنا بني عَمِّنا، فقال رسول الله ﷺ: «قُم يا حمزةُ، قم يا عليُّ، قم يا عُبيدةُ بن الحارث» فأقبل حمزةُ إلى عتبةَ، وأقبلْتُ إلى شيبةَ، واختلُف بين عُبيدةَ والوليدِ ضربتان، فأثْخَنَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، ثم مِلْنا على الوليد، فقتلْناهُ، واحتَمَلْنا عُبيدةَ (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة إسحاق بن نجيح. وهو في معنى ما قبله دون قوله: «ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم».
(٢) إسناده صحيح. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وإسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وعثمان بن عمر: هو ابن فارس العبدي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٦٢ - ٣٦٤، وأحمد (٩٤٨)، والبزار في «مسنده» (٧١٩)، والطبري في «تاريخه» ٢/ ٤٢٤ - ٤٢٦، والحاكم ٣/ ١٩٤، والبيهقي ٣/ ٢٧٦ و٩/ ١٣١ من طرق عن إسرائيل، بهذا الإسناد. =

١١٨ - باب في النهي عن المُثلةِ
٢٦٦٦ - حدَّثنا محمد بن عيسى وزياد بن أيوب، قالا: حدَّثنا هشيمٌ، أخبرنا مُغيرةُ، عن شِباكٍ، عن إبراهيمَ، عن هُنَي بن نويرةَ، عن علقمةَ
عن عبد الله، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أعَفُّ الناسِ قِتْلَةً أهلُ الإيمانِ» (١).


= قال الخطابي: فيه من الفقه: إباحة المبارزة في جهاد الكفار، ولا أعلم اختلافًا في جوازها إذا أذن الإمام فيها، وإنما اختلفوا فيها إذا لم تكن عن إذنٍ من الإمام. فكره سفيان الثوري وأحمد وإسحاق أن يفعل ذلك إلا بإذن الإمام. وحكي ذلك أيضًا عن الأوزاعي.
وقال مالك والشافعي: لا بأس بها، كانت بإذن الإمام أو بغير إذنه.
وقد روي ذلك أيضًا عن الأوزاعي.
قلت (القائل الخطابي): قد جمع هذا الحديث معنى جوازها بإذن الإمام، وبغير إذنه، وذلك أن مبارَزة حمزة وعلي رضي الله عنهما كانت بإذن النبي ﷺ، ولم يذكر فيه إذن من النبي ﷺ للأنصاريين اللذين خرجا إلى عتبة وشيبة قبل عليٍّ وحمزة، ولا إنكار من النبي ﷺ عليهما في ذلك.
وفي الحديث من الفقه أيضًا: أن معونة المبارز جائزة إذا ضعُف أو عَجَزَ عن قِرنه. ألا ترى أن عُبيدة لما أُثخن أعانه عليٌّ وحمزة على قتل الوليد؟ واختلفوا في ذلك. فرخص فيه الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال الأوزاعي: لا يعينونه عليه، لأن المبارزة إنما تكون هكذا.
(١) إسناده حسن من أجل هني بن نويرة، فقد روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في «الثقات»ووثقه العجلي، وقال أبو داود: كان من العُبّاد، وباقي رجاله ثقات. عبد الله: هو ابن مسعود، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وشباك: هو الضبي، ومغيرة: هو ابن مِقْسَم الضبي، وهشيم: هو ابن بشير الواسطي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٨٢) من طريق هشيم بن بشير، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٧٢٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٩٤)، وانظر تمام الكلام عليه وتخريجه عندهما. =

٢٦٦٧ - حدَّثنا محمد بن المُثنَّى، حدَّثنا معاذُ بن هِشام، حدَّثني أبي، عن قتادةَ، عن الحسنِ، عن الهَيَّاج بن عِمرانَ
أن عمرانَ أبَقَ له غلامٌ، فجعلَ للهِ عليه، لئن قَدَرَ عليه ليقطَعَنَّ يدَه، فأرسلني لأسأل فأتيتُ سمُرةَ بنَ جُندب فسألْته، فقال: كان نبي الله ﷺ يحثُّنا على الصدقةِ وينهانا عن المُثلَةِ، وأتيتُ عمرانَ بن حُصينٍ فسألتُه، فقال: كان رسولُ الله ﷺ يَحُثُّنا على الصدقة وينهانا عن المُثلَة (١).


وفي الباب عن شداد بن أوس عند مسلم (١٩٥٥) قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله ﷺ قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذَّبح، وليُحد أحدكم شفرته، فليُرِح ذبيحتَه».
قال المناوي في «فيض القدير»: قوله: «أعف الناس قتلة أهل الإيمان»: هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم تحريًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول، وإطالة تعذيبه، إجلالًا لخالقهم، وامتثالًا لما صدر عن صدر النبوة من قوله: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفَوا من مُسماه بلقلقة اللسان، وأُشرِبُوا القسوة، حتى أُبعدوا عن الرحمن، وأبعدُ القلوب من الله القلب القاسي، ومن لا يَرحم لا يُرحَم.
(١) إسناده حسن، والمرفوع منه صحيح. الهياج بن عمران، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في «الثقاقط، وجهله ابن المدينط لأنه لم يرو عنه غير الحسن -وهو البصري- وباقي رجاله ثقات. قتادة: هو ابن دعامة، وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدَّستُوائي.
وأخرجه عبد الرزاق (١٥٨١٩)، ومن طريقه أحمد (١٩٨٤٧)، والطبراني في»الكبير«١٨/ (٥٤١) عن معمر بن راشد، وابن أبي شيبة ٩/ ٤٢٣، وأحمد (١٩٨٤٦)، والطبراني في»الكبير" (٦٩٦٦) و١٨/ (٥٤٣)، والبيهقي ٩/ ٦٩ و١٠/ ٧١ من طريق همام بن يحيى العوذي، والدارمي (١٦٥٦) من طريق هشام الدستوائي، ثلاثتهم عن قتادة، به. وجاء عند الدارمي والطبراني ١٨/ (٥٤٣) عن عمران بن حصين وحده، وعند الطبراني (٦٩٦٦) عن سمرة بن جندب وحده. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه أحمد (١٩٨٤٤)، والطبراني ١٨/ (٥٤٢) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، أن هياج بن عمران أتى عمران بن حصين ... فأرسله.
وأخرج المرفوع منه الطيالسي (٨٣٦)، وأحمد (١٩٨٥٧)، والبزار في «مسنده» (٣٥٦٦) و(٣٥٦٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٨٢، وفي«شرح مشكل الآثار» (١٨٢٠)، وابن حبان (٤٤٧٣) و(٥٦١٦)، والطبراني ١٨/ (٣٢٥ - ٣٢٧) و(٣٤٣) و(٣٤٥) و(٣٤٩) و(٣٥٠) و(٣٥٢) و(٣٨٨) و(٤٠٢)، والحاكم ٤/ ٣٠٥، والبيهقي ١٠/ ٨٠ من طرق عن الحسن البصري، وأحمد (١٩٩٠٩) من طريق أبي قلابة الجرمي، كلاهما عن عمران بن حصين. وقرن أبو قلابة بعمران سمرة بن جندب، والحسن وأبو قلابة لم يسمعا عمران بن حصين. ولم يسمع أبو قلابة من سمرة كذلك.
وأخرج المرفوع كذلك ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» ٣/ ١٠٢، وأخرجه أحمد (٢٠١٣٦)، والطحاوي في «شرح المعاني» ٣/ ١٨٢، وفي«شرح المشكل» (١٨٢١) من طريق هشيم بن بشير، كلاهما (ابن إسحاق وهشيم) عن حميد الطويل، وأخرجه أحمد (٢٠٢٢٥)، والطحاوي في «شرح المعاني» ٣/ ١٨٢، وفي «شرح المشكل» (١٨٢٢)، والطبراني (٦٩٤٤) من طريق يزيد بن إبراهيم التُّستَري، كلاهما (حميد ويزيد) عن الحسن عن سمرة بن جندب. وقد صرح الحسن في رواية هشيم بالسماع من سمرة، فإن كان هشيمٌ حفظ ذلك فالإسناد صحيح. وقد احتج الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» برواية هشيم هذه في إثبات سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة.
وفي باب الأمر بالصدقة والنهي عن المثلة عن جرير بن عبد الله عند الطيالسي (٦٦٥) وإسناده صحيح.
وفي باب النهي عن المثلة وحدها عن عبد الله بن يزيد الخطمي عند البخاري (٢٤٧٤)، وهو في «المسند» (١٨٧٤٠).
وعن بريدة بن الحُصيب عند مسلم (١٧٣١)، وقد سلف عند المصنف برقم (٢٦١٣).
وعن المغيرة بن شعبة عند أحمد (١٨١٥٢). =

١١٩ - باب في قتل النساء
٢٦٦٨ - حدَّثنا يزيدُ بن خالدِ ابن مَوهَب وقتيبةُ -يعني ابنَ سعيدٍ- قالا: حدَّثنا الليثُ، عن نافع
عن عبدِ الله: أن امرأةً وُجِدت في بعضِ مغازي رسولِ الله ﷺ مقتولةً، فأْنكَر رسولُ الله ﷺ قتلَ النساءِ والصبيانِ (١).
٢٦٦٩ - حدَّثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ، حدَّثنا عُمر بن المرقَّع بن صيفيِّ، قال: حدَّثني أبي عن جده رِياحِ بن ربيعٍ، قال: كُنا مع رسولِ الله ﷺ في غزوةٍ، فرأى الناسَ مجتمعين على شيءٍ، فبعثَ رجلًا، فقال: «انظُر عَلامَ


وعن عبد الله بن عمر عند أحمد (٤٦٢٢)، وإسناده صحيح. وانظر تمام شواهده
هناك.
قال الخطابي: المثلة تعذيب المقتول بقطع أعضائه، وتشويه خَلقه قبل أن يقتل، أو بعده. وذلك مثل أن يُجدَع أنفه أو أذنه، أو يفقأ عينه، أو ما أشبه ذلك من أعضائه.
قال: قلت: وهذا إذا لم يكن الكافر فعل مثل ذلك بالمقتول المسلم. فإن مثل بالمقتول جاز أن يمثل به. ولذلك قطع رسول الله ﷺ أيدي العرنيين وأرجلهم، وسَمَر أعينهم، وكانوا فعلوا ذلك برعاء رسول الله ﷺ، وكذلك هذا في القصاص بين المسلمين إذا كان القاتل قطع أعضاء المقتول وعذبه قبل القتل، فإنه يعاقب بمثله، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤].
(١) إسناده صحيح. عبد الله: هو ابن عمر بن الخطاب، ونافع: هو مولاه، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه الجاري (٣٠١٤)، ومسلم (١٧٤٤)، وابن ماجه (٢٨٤١)، والترمذي (١٦٥٩)، والنسائي في»الكبرى«(٨٥٦٤) من طريق نافع، به.
وهو في»مسند أحمد«(٤٧٣٩)، و»صحيح ابن حبان«(١٣٥).
قال البغوي في»شرح السنة" ١١/ ٤٧: والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يقتل نساه أهل الحرب وصبيانهم إلا أن يقاتلوا فيدفعوا بالقتل.

اجتمعَ هؤلاء» فجاءَ، فقال: على امرأةٍ قَتيلٍ. فقال: «ما كانتْ هذهِ لتقاتلَ»، قال: وعلى المُقدِّمة خالدُ بن الوليدِ، فبعث رجلًا، فقال: «قُل لخالد: لا يقتُلَنَّ امرأةً ولا عَسِيفًا» (١).
٢٦٧٠ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا هشيمٌ، حدَّثنا حَجّاجٌ، حدَّثنا قتادةُ، عن الحسنِ
عن سمرةَ بن جُندبٍ، قال: قال رسول الله ﷺ: «اقتُلوا شُيوخَ المشركين، واستَبقُوا شَرْخَهُم» (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك.
وأخرجه النسائي في «الكبري» (٨٥٧١) من طريق عمر بن مرقع، به.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٤٢/ م)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٧٢) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن المرقع، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٩٩٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٨٩).
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٤٢)، والنسائي (٨٥٧٣) من طريق سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن المرقع، عن حنظلة بن الربيع الكاتب وهو أخو رياح بن الربيع ونفل ابن ماجه عن ابن أبي شيبة قوله: يخطئ الثوري فيه.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٦١٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٩١).
قال الخطابي: فيه دليل على أن المرأة إذا قاتلت قتلت. ألا ترى أنه جعل العلة في تحريم قتلها: أنها لا تقاتل. فإذا قاتلت دل على جواز قتلها؟ و«العسيف» الأجير والتابع. واختلفوا في جواز قتله: فقال الثوري: لا يقتل العسيف وهو التابع. قلنا: هو كالأجير وزنًا ومعنى.
وقال الأوزاعي نحوًا منه.
وقال: لا يقتل الحرّاث إذا علم أنه ليس من المقاتلة.
قال: وكذلك لا يقتل صاحب الصَّومعة، ولا شيخًا فانيًا، ولا صغيرًا.
(٢) إسناده ضعيف. الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من سمرة. وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة. =

٢٦٧١ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بن سَلَمةَ، عن محمد بنِ إسحاقَ، حدَّثني محمدُ بن جعفرِ بن الزُّبَير، عن عُروةَ بن الزبيرِ
عن عائشةَ، قالت: لم يقتَل من نسائِهم -تعني بني قُرَيظةَ- إلا امرأةٌ، إنها لَعِنْدي تُحَدِّثُ تضحكُ ظهرًا وبطنًا، ورسولُ الله ﷺ يقتُل رجالَهم بالسُّيوف، إذ هتَفَ هاتِف باسمها: أين فلانةُ؟ قالت: أنا، قلتُ: وما شأنُكِ؟ قالت: حَدَثٌ أحدثتُه، قالت: فانطُلِقَ بها، فضُربَتْ عنقُها، فما أنسى عجبًا منها أنها تضحَكُ ظهرًا وبطنًا، وقد علمتْ أنها تُقتَلُ (١).


= وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٦٢٤).
وأخرجه الترمذي (١٦٧٤) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الحجاج بن أرطاة عن قتادة نحوه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٤٥).
قال الخطابي: «الشرخ» هاهنا جمع شارخ، وهو الحديثُ السن، يقال: شَارِخُ وشرخ، كما قالوا: راكب ورَكْب، وصاحب وصحب، يريد بهم الصبيان ومن لم يبلغ مبلغ الرجال. و«الشيوخ» هاهنا المَسَانُّ، فإذا قيل: شرخ الشباب، كان معناه أول الشباب. قال حسان:
إن شرخَ الشباب والشعَر الأسـ ... ـود ما لم يُعاصَ كان جنونا
(١) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي، صاحب السيرة النبوية- وقد صرح بالسماع فانتفت شبهةُ تدليسه. محمد بن سلمة: هو الحراني، وعبد الله بن محمد النُّفيليُّ: هو ابن علي بن نفيل الحراني.
وهو في «السيرة النبوية» لابن هشام ٣/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
وأخرجه أحمد (٢٦٣٦٤)، والطبري في «تفسيره» ٢١/ ١٥٣ - ١٥٤، وفي «تاريخه» ٢/ ١٠٢، والحاكم ٣/ ٣٥ - ٣٦، والبيهقي في «السنن» ٩/ ٨٢، وفي «معرفة السنن» (١٨٠١٨)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٦/ ١٤١ - ١٤٢ من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. =

٢٦٧٢ - حدَّثنا أحمد بن عَمرو بن السَّرْحِ، حدَّثنا سفيانُ، عن الزُهريِّ، عن عُبيد الله -يعني ابنَ عبد الله- عن ابنِ عبّاسٍ
عن الصَّعْب بن جَثامةَ، أنه سألَ رسول الله ﷺ عن الدارِ من المشركين يُبَيِّتُون، فيُصاب من ذَرارِيهم ونسائِهم، فقال النبيُّ ﷺ: «هُم منهم»، وكان عمرٌو -يعني ابنَ دينارِ- يقول: «هم من آبائهم».
قال الزهري: ثم نهى رسولُ الله ﷺ بعد ذلك عن قتل النساء والولدان (١).


= قال ابنُ هشام في تفسير قول المرأة: «حَدَثٌ أحدثْتُه»: هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته.
لكن قال الخطابي: يقال: إنها كانت شتمتِ النبيَّ ﷺ. قال: وفي ذلك دلالة على وجوب قتل من فعل ذلك، ويُحكى عن مالك أنه كان لا يرى لمن سبَّ النبيَّ ﷺ توبة، ويقبل توبة من ذكر الله سبحانه بسبّ أو شتم ويكف عنه.
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٣٠١٢)، ومسلم (١٧٤٥)، وابن ماجه (٢٨٣٩)، والترمذي (١٦٦٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٦٨ - ٨٥٧٠) من طرق عن ابن شهاب الزهري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٢٢)، و«صحيح ابن حبان» (١٣٧) و(٤٧٨٦).
وقول الزهري الذي في آخر الحديث أسنده عن ابن كعب بن مالك، عن عمه أن النبي ﷺ لما بعث إلى ابن أبي الحُقيق نهى عن قتل النساء والولدان. أخرجه الشافعي في «مسنده» ٢/ ١١٨، والحميدي (٨٧٤)، وسعيد بن منصور (٢٦٢٧)، وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٨١، وأحمد بن حنبل (٢٤٠٠٩/ ٦٦)، والطحاوي في «شرح معانى الآثار» ٣/ ٢٢١، والبيهقي ٩/ ٧٧ و٧٨، وابن عبد البر في «التمهيد» ١١/ ٦٩. وقد اختُلف فيه عن الزهري، فقيل: عنه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، وقيل: عنه، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه، وقيل: عنه عن عبد الرحمن بن كعب، مرسلًا،=

١٢٠ - باب في كراهية حرق العدو بالنار
٢٦٧٣ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا مُغيرةُ بن عبدِ الرحمن الحِزَاميُّ، عن أبي الزِّناد، حدَّثني محمدُ بن حمزةَ الأسلميُّ
عن أبيه: أن رسول الله ﷺ أمَّرَه على سريةٍ، قال: فخرجتُ فيها، وقال: «إن وجدتُم فلانًا فأحرقُوه بالنار» فولَّيتُ، فناداني،


= وقيل: عنه عن عبد الله بن كعب مرسلًا، وقيل: غير ذلك. وبالجملة فهو صحيح لغيره.
انظر: تفصيل طرقه في «التمهيد» لابن عبد البر ١١/ ٦٦ - ٧٣ نقلًا عن محمد بن يحيى الذهلي.
وانظر كذلك «مسند أحمد» (٢٤٠٠٩/ ٦٦).
قال الشافعي في «الرسالة» ص ٢٩٩: حديث الصعب بن جثامة في عمرة النبي ﷺ، فإن كان في عمرته الأولى فقد قيل: أمرُ ابن أبي الحقيق قبلها، وقيل: في سنتها، وإن كان في عمرته الآخرة، فهو بعد أمر ابن أبي الحُقيق غير شكٍّ، والله أعلم. ولم نعلمه ﷺ رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه.
قال: ومعنى نهيه عندنا -والله أعلم- عن قتل النساء والولدان: أن يقصد قصدَهم بقتل، وهم يُعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم.
قال: ومعنى قوله: «هم منهم» أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكمُ الإيمان الذي يُمنع به الدم، ولا حكم دار الإيمان الذي يُمنع به الإغارةُ على الدار.
وإذ أباح رسول الله البيات والإغارة على الدار، فأغار على بني المصطلق غارَّين، فالعلم يحيط أن البيات والإغارة إذا حلّ بإحلال رسول الله لم يمتنع أحدٌ بيَّتَ أو أغار من أن يُصيب النساء والولدان، فيسقط المأثم فيهم والكفارة والعقل والقَوَدُ عمن أصابهم؛ إذ أُبيح له أن يُبيِّت ويُغير، وليست لهم حرمة الإسلام.
ولا يكون له قتلهم عامدًا لهم متميزين عارفًا بهم.
فإنما نهى عن قتل الولدان لأنهم لم يبلغوا كفرًا فيعملوا به، وعن قتل النساء لأنه لا معنى فيهن لقتالٍ، وأنهن والولدان يُتَخَوَّلون فيكونون قوةً لأهل دين الله.

فرجعتُ إليه، فقال: «إن وجدتُم فُلانًا فاقتُلوه ولا تُحرِقُوه، فإنه لا يُعذب بالنارِ إلا ربُّ النارِ» (١).
٢٦٧٤ - حدَّثنا يزيدُ بن خالدٍ وقتيبةُ، أن الليثَ بن سعدِ حدثهم، عن بُكَيرٍ، عن سليمانَ بن يسارٍ
عن أبي هُريرةَ، قال: بعثَنا رسولُ الله ﷺ في بَعْثٍ، فقال: «إنْ وجدتُم فلانًا وفلانًا» فذكر معناه (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن حمزة الأسلمي والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، فهما صدوقان حسنا الحديث، وقد روي بإسناد آخر صحيح عن حمزة بن عمرو الأسلمي.
وهو عند سعيد بن منصور (٢٦٤٣).
وأخرجه أحمد بن حنبل (١٦٠٣٤)، والبخاري في «تاريخه» ١/ ٥٩، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٣٧٦)، وأبو يعلى (١٥٣٦)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ١٦٧، والطبراني في «الكبير» (٢٩٩٠)، وابن حزم في «المحلى» ١٠/ ٣٧٦ و١١/ ٣٨٣، والبيهقي ٩/ ٧٢ من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٤١٨)، وأحمد (١٦٠٣٦)، والبيهقي ٩/ ٧٢ من طريق ابن جريج، قال: أخبرنا زياد أن أبا الزناد أخبره، قال: أخبرني حنظلة بن علي الأسلمي، أن حمزة بن عمرو الأسلمى صاحب النبي ﷺ حدثه ... الحديث وهذا إسناد صحيح. وزياد: هو ابن سعد الخراساني.
قال الخطابي: هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرًا قد ظُفِر به، وحصل في الكف، وقد أباح رسولُ الله ﷺ أن تُضرمَ النار على الكفار في الحرب. وقال لأسامة: «اغزُ على أُبنى صباحًا، وحَرِّق».
ورخص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمي أهل الحصون بالنيران، إلا أنه يستحب أن لا يُرموا بالنار ما داموا يطاقون، إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة. فيجوز حينئذٍ أن يقذفوا بالنار.
(٢) إسناده صحيح. بكير: هو ابن عبد الله بن الأشج. =

٢٦٧٥ - حدَّثنا أبو صالح محبوبُ بن مُوسى، أخبرنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن أبي إسحاقَ الشَيبانيِّ، عن ابنِ سعدٍ -قال غيرُ أبي صالح: عن الحسنِ بن سَعْدٍ- عن عبدِ الرحمن بن عبد الله
عن أبيه، قال: كنا مع رسولِ الله ﷺ في سَفَرٍ، فانطَلق لحاجتِه، فرأينا حُمَّرةً معها فَرْخَانِ، فأخذْنا فرخَيها، فجاءتِ الحُمَّرة فجعلتْ تفرُشُ، فجاء النبي ﷺ فقال: «من فَجَعَ هذهِ بولَدها؟ رُدُّوا ولدَها إليها». ورأى قريةَ نملٍ قد حَرَقْناها، فقال: «من حَرَق هذه؟» قلنا: نحنُ، قال: «إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا رَبُّ النار» (١).


= وأخرجه البخاري (٣٠١٦)، والترمذي (١٦٦١)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٥٩) من طريق الليث بن سعد، والنسائي (٨٧٥٣) و(٨٧٨١) - وهو عند البخاري معلقًا (٢٩٥٤) - من طريق عمرو بن الحارث المصري، كلاهما عن بكير بن عبد الله ابن الأشج، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠٦٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٦١١).
(١) إسناده صحيح. فقد ذكر المنذري: أن البخاري وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قالا: إنه سمع من أبيه عبد الله بن مسعود، وصحح الترمذي حديث عبد الرحمن عن أبيه في «جامعه». قلنا: أبو إسحاق الشيباني: هو سليمان بن أبي سليمان، وأبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث. وهو في «السير» له.
وأخرج الحديثين هناد في «الزهد» (١٣٣٧) عن أبي معاوية الضرير، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الحسن بن سعد، به.
وأخرج الحديث الأول وهو قصة الحمرة: الطيالسي (٣٣٦)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٣٨٢)، والبزار (٢٠١٠)، والطبرانى في «الكبير» (١٠٣٧٥) و(١٠٣٧٦)، و«الأوسط» (٤١٤٣)، والحاكم ٤/ ٢٣٩، والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ٣٢ - ٣٣ من طرق عن الحسن بن سعد، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وأخرج الحديث الثاني، وهو قصة حرق قرية النمل: عبد الرزاق (٩٤١٤)، وأحمد (٤٠١٨)، والنسائى في «الكبرى» (٨٥٦٠)، والطبراني في«الكبير» (١٠٣٧٤) من طريق أبي إسحاق الشيباني، بهذا الإسناد. =

١٢١ - باب في الرجل يَكري دابته على النصف أو السهم ٢٦٧٦ - حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ الدمشقيُّ أبو النضرِ، حدَّثنا محمدُ بن شُعيبٍ، أخبرني أبو زُرعةَ يحيي بن أبي عَمرو السَّيباني، عن عمرو بن عبد الله أنه حدَّثه عن واثِلةَ بنِ الأسْقَع، قال: نادَى رسولُ الله ﷺ في غزوةِ تَبُوكَ، فخرجتُ إلى أهلي، َ فأقبلتُ وقد خرجَ أولُ صحابةِ رسولِ الله ﷺ فطفِقْت في المدينة أُنادي: ألا مَن يَحمِلُ رجلًا له سهمُه، فنادى شيخٌ من الأنصارِ، قال: لنا سهمُه على أن نحمِلَه عُقْبةً وطعامُه معنا؟ قلتُ: نعم، قال: فَسِرْ على بركةِ الله، قال: فخرجتُ مع خيرِ صاحبٍ حتى أفاءَ اللهُ علينا، فأصابني قَلائِصُ فسُقْتُهن حتى أتيتُه، فخرجَ فقعد على حقيبةٍ من حقائبِ إبله، ثم قال: سُقْهنَّ مُدبِراتٍ، ثم قال: سُقْهُن مُقبِلاتٍ، فقال: ما أرى قلائصَك إلا كِرامًا،


= وسيتكرر الحديثان برقم (٥٢٦٨).
وأخرج الطيالسي (٣٤٥)، وأحمد (٣٧٦٣) من طريق المسعودي، عن الحسن ابن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنه قال: نزل النبي منزلًا، فانطلق لحاجته، فجاء وقد أوقد رجلٌ على قرية نمل، إما في الأرض وإما في شجرة، فقال رسول الله ﷺ: «أيكم فعل هذا؟» فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: «أطفها أطفها».
قال الخطابي: «الحُمَّرة» طائر. قوله: «تفرشُ» أو «تعرش» معناه: ترفرف.
والتفريش مأخوذ من فرش الجناح وبسطه، والعريش: أن ترتفع فرقهما، ويظلل عليهما، ومنه أخذ العريش، يقال: عَرَشتُ عريشًا أعرُشُه وأعرِشُه.
وفيه دلالة على أن تحريق بيوت الزنابير مكروه، وأما النمل فالعذر فيه أقل. وذلك أن ضرره قد يمكن أن يُزال من غير إحراق.
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: «إن نبيًا من الأنبياء نزل على قرية نمل، فقرصته نملة، فأمر بالنمل فأحرقت، فأوحى إليه: ألا نملة واحدة؟».

قال: إنما هي غنيمتُك التي شرطتُ لك، قال: خُذْ قلائِصَك يا ابن أخي، فغيرَ سَهْمِك أرَدنا١).

١٢٢ - باب في الأسير يوثَقُ
٢٦٧٧ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ -يعني ابنَ سلمةَ- أخبرنا محمدُ بن زيادٍ، قال:
سمعت أبا هريرةَ يقولُ: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «عجِبَ ربُّنا من قوم يُقادُونَ إلى الجنَّة في السَّلاسِلِ» (٢).


(١) إسناده حسن. عمرو بن عبد الله -وهو السيباني الحضرمي الحمصي - روى عن عمر بن الخطاب وذي مخمر وعوف بن مالك الأشجعي وواثلة بن الأسقع وأبي هريرة وأبي أمامة وكلهم صحابة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال في «مشاهير علماء الأمصار»: كان متقنًا. ووثقه العجلي، وباقي رجاله ثقات. محمد بن شعيب: هو ابن شابور الدمشقي.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٩٢١)، والطبراني في «الكبير» ٢٢/ (١٩٦)، والبيهقي ٩/ ٢٨ من طريق محمد بن شعيب بن شابور، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: اختلف الناس في هذا:
فقال أحمد بن حنبل فيمن يعطي فرسه على النصف مما يغنمه في غزاته: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال الأوزاعي: ما أُراه إلا جائزًا. وكان مالك بن أنس يكرهُه، وفي مذهب الشافعي: لا يجوز أن يعطيه فرسًا على سهم من الغنيمة. فإن فعل فله أجر مثل ركوبه.
قال: وقوله: «فغير سهمك أردْنا» يشبه أن يكون معناه: أني لم أُرِدْ سهمَك من المغنم. إنما أردتُ مشاركتك في الأجر والثواب، والله أعلم.
(٢) إسناده صحيح. محمد بن زياد هو الجمحي المدني.
وأخرجه البخاري (٣٠١٠) من طريق شعبة بن الحجاج، عن محمد بن زياد، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠١٣)، و«صحيح ابن حبان» (١٣٤). =

٢٦٧٨ - حدَّثنا عبدُ الله بن عَمرو بن أبي الحجّاج أبو مَعمرٍ، حدَّثنا عبدُ الوارِثِ، حدَّثنا محمدُ بن إسحاقَ، عن يعقوبَ بن عُتبةَ، عن مُسلمِ بن عبد الله
عن جُندبِ بن مَكيثٍ، قال: بعثَ رسولُ الله ﷺ عبدَ الله بن غالبٍ الليثيَّ في سرِيةٍ، وكنتُ فيهم، وأمرهم أن يَشُنُّوا الغارةَ على بني المُلوِّحِ بالكَدِيد، فخرجْنا، حتى إذا كنا بالكَدِيد لقِينا الحارثَ بن البَرصاء الليثيَّ، فأخذناهُ، فقال: إنما جئتُ أُريد الإسلامَ، وإنما خرجتُ إلى رسولِ الله ﷺ، فقلنا: إن تكنْ مُسلمًا لم يضُرَّك رباطُنا يومًا وليلةً، وإن تكن غيرَ ذلك نَستوثقُ منك، فشددناه وَثَاقًا (١).


= قال ابن حبان: قوله ﷺ: «عجب ربنا» من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ علمُ المخاطَبِ بما يخاطب به في القصد إلا بهذه الألفاظ التي استعملها الناسُ فيما بينهم.
والقصد في هذا الخبر السَّبيُ الذين يَسبيهم المسلمون من دار الشرك مُكَتَّفين في السلاسل يُقادون إلى دور الإسلام حتى يُسلموا فيدخلوا الجنة. ولهذا المعنى أراد ﷺ
بقوله في خبر الأسود بن سريع: «أوليس خيارَكم أولادُ المشركين» وهذه اللفظة أطلقت أيضًا بحذف «من» عنها: يريد: أوليس من خياركم.
(١) إسناده ضعيف لجهالة مسلم بن عبد الله -وهو ابن خبيب الجهني، فقد تفرد بالرواية عنه يعقوب بن عتبة- وهو ابن المغيرة الثقفي-، وقال الحافظ في«التقريب»: مجهول. عبد الوارث: هو ابن سعيد العنبري.
وهو في «السيرة النبويه» لابن هشام ٤/ ٢٥٧ - ٢٥٨.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٢/ ١٢٤، وأحمد (١٥٨٤٤)، والبخاري في «تاريخه» ٢/ ٢٢١، والطبري في «تاريخه» ٢/ ١٤٤، والطحاوي في «شرح المعاني» ٣/ ٢٠٨، وابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ١٤٥ - ١٤٦، والطبراني في «الكبير» (١٧٢٦)، والحاكم ٢/ ١٢٤، والبيهقي ٩/ ٨٨ من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
قال الخطابي: «فشنُّوا الغارة» معناه: بثُّوها من كل وجه، وأصل الشَّنِّ: الصبُّ، يقال: شننتُ الماء: إذا صببتَه صبًّا متفرقًا، والشِّنان: ما تفرق من الماء. =

٢٦٧٩ - حدَّثنا عيسى بن حمّادٍ المِصريُّ وقتيبةُ - قال قتيبةُ: حدَّثنا الليثُ، عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ أنه سمع أبا هريرةَ يقول: بعثَ رسولُ الله ﷺ خيلًا قبَل نجدٍ، فجاءتْ برجُلٍ من بني حَنيفةَ، يقال له: ثُمامةُ بنُ أُثالٍ - سيدُ أهل اليمامةِ - فربطوه بساريةٍ من سَواري المسجدِ، فخرجَ إليه رسولُ الله ﷺ، فقال: «ماذا عندك يا ثُمامةُ؟» قال: عندي يا محمدُ خيرٌ إن تَقتُل تقتُل ذا دَمٍ، وإن تُنعِم تُنعِم على شاكرٍ، وإن كنتَ تُريدُ المالَ فسَل تُعْطَ منه ما شئتَ، فتركه رسولُ الله ﷺ، حتى كانَ الغَدُ، ثم قال له: «ما عندك يا ثُمامةُ؟» فأعاد مثلَ هذا الكلامِ، فتركَه حتى كان بعدَ الغَدِ، فذكر مثلَ هذا، فقال رسولُ الله ﷺ: «أطلِقُوا ثُمامةَ» فانطلقَ إلى نَخْلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل فيه ثم دخلَ المسجدَ، فقال: أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وساقَ الحديثَ، قال عيسى: أخبرنا الليثُ، وقال: ذا ذِمٍّ (١).


وفيه دلالة على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر بالرباط والقيد والغُلّ، وما يدخل في معناها، إن خيف انفلاته، ولم يؤمن شرّه، إن ترك مطلقًا.
قلنا: والكَديد: قال البكري في «معجم ما استعجم»: بفتح أوله وكسر ثانيه، بعده دال وياء مهملة أيضًا موضع بين مكة والمدينة.
(١) إسناده صحيح. سعيد بن أبي سعيد: هو المقبري، واسم أبي سعيد كيسان، وقتيبة: هو ابن سعيد البَغْلاني، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٤٦٢) و(٤٣٧٢)، ومسلم (١٧٦٤)، والنسائي (٧١٢) من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة. ورواية البخاري الاولى والنسائي مختصرة بقصة ربط ثمامة بسارية المسجد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٨٣٣)، و«صحيح ابن حبان» (١٢٣٩). =

٢٦٨٠ - حدَّثنا محمدُ بن عَمروْ الرَّازيُ، قال، حدَّثنا سَلَمةُ -يعني ابنَ الفَضلِ- عن ابنِ اسحاقَ، حدثني عبدُ الله بن أبي بكرٍ
عن يحيي بنِ عبد الله بن عبد الرحمن بن سَعْد بن زُرارةَ، قال: قُدِم بالأسارى حين قُدم بهم وسَودةُ بنت زَمْعةَ عند آلِ عفْراءَ في مَنَاحَتِهم على عوفٍ ومُعوِّذٍ ابنَي عَفْراء، قال: وذلك قبل أن يُضْرَب عليهنَّ الحجابُ، قال: تَقُول سودةُ: واللهِ إني لَعِندهم إذ أُتيتُ، فقيل: هؤلاء الأُسارى قد أُتي بهم، فرجعتُ إلى بيتي ورسولُ الله ﷺ فيه، وإذا أبو يزيدَ سهيلُ بن عَمرٍو في ناحيةِ الحجرةِ مجموعَةٌ يداه إلى عنُقه بحبْلٍ، ثم ذكر الحديثَ (١).


= قال في «النهاية»: «إن تقتل تقتل ذا دَم» أي: مَن هو مُطالِبٌ بدم أو صاحب دمٍ مطلوب، ويُروى: ذا ذمٍّ بالذال المعجمة، أي: ذا ذمامٍ وحُرمةٍ في قومه، وإذا عَقَد ذِمّة وُفِّي له.
(١) إسناده حسن. سلمة بن الفضل -وهو الأبرش- من أثبت الناس في محمد ابن إسحاق، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث هنا، وقوله في السند: ابن سَعد بن زرارة، قال في «تهذيب الكمال»: ويقال: ابن أسعد بن زرارة، وقال البخاري في «تاريخه الكبير» ٨/ ٢٨٣: من قال: سَعد بن زرارة فقد وهم.
وأخرجه الطبري في «تاريخه» ٢/ ٣٩ من طريق سلمة بن الفضل الأبرش، بهذا الإسناد.
وأخرجه يونس بن بكير في «مغازيه» كما في «الإصابة» ٤/ ٢٨٦، ومن طريقه البيهقي ٩/ ٨٩، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٣/ ٤٢٦ - ٤٢٧، والمزي في ترجمة سودة بنت زمعة من «تهذيب الكمال» عن محمد بن إسحاق، به. وقد جاء عندهم: ابن أسعد بن زرارة. على الصواب. وكذلك هو«سيرة ابن هشام» ٢/ ٢٩٩.
وقول المصنف بإثر الحديث عن عوفٍ ومعوِّذ ابني عفراء بأنهما قتلا أبا جهل، قال صاحب «بذل المجهود» ١٢/ ٢٢٠: قلت: اللذان قتلا أبا جهل هما معاذ ومعوِّذ

قال أبو داودَ: وهما قتلا أبا جهلٍ، وكانا انْتَدبا له، ولم يعرفاه، وقُتِلا يومَ بدرٍ.

١٢٣ - باب في الأسير يُنالُ منه ويُضرَبُ
٢٦٨١ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمّادٌ، عن ثابتِ
عن أنسٍ: أن رسولَ الله ﷺ ندبَ أصحابَه، فانطلقوا إلى بدر، فإذا هم بِرَوَايا قريشٍ فيها عبدٌ أسودُ لبني الحجّاج، فأخذه أصحابُ رسولِ الله ﷺ، فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيانَ؟ فيقول: واللهِ مالي بشيءٍ من أمره علمٌ ولكن هذه قريشٌ قد جاءتْ فيهم أبو جهلٍ وعتبةُ وشيبةُ ابنا ربيعةَ، وأميةُ بن خَلَفٍ، فإذا قال لهم ذلك ضربوُه، فيقول: دعوني دعوني أُخبِرْكم، فإذا تركوه، قال: واللهِ مالي بأبي سُفيانَ


= ابنا عفراء، وفي بعض الروايات ذُكر معاذ بن عمرو بن الجموح، ولم أر أحدًا ذكر عوفًا فيمن قتل أبا جهل إلا أبا داود وابن سعد، فإنه قال في «طبقاته» ٤/ ٤٩٢ - ٤٩٣: وقُتِل عوف بن الحارث [الحارث هو والد معوِّذ ومعاذ وعوف، وأمهم عفراء] يوم بدر شهيدًا، قتله أبو جهل ابن هشام بعد أن ضربه عوف وأخوه معوّذ ابنا الحارث، فأثبتاه.
والذي في البخاري ومسلم أن الذي قتل أبا جهل هم ثلاثة: معاذ ومعوِّذ؟ ابني عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، ولم أر لعوفٍ ذكرًا وشركة في قتل أبي جهل. قلنا: وفي البخاري (٣١٤١)، ومسلم (١٧٥٢) من طريق ابن الماجشون ...، وفيهما: وكانا معاذَ بن عفراء ومعاذَ بن عمرو بن الجموح.
وعوف ومعوّذ استشهدا يوم بدر، وأما معاذ فقال ابن الأثير في «أسد الغاية» ٥/ ١٩٨: شهد بدرًا هو وأخوه عوف ومعوِّذ ابنا عفراء، وقُتِل عوف ومعوِّذ ببدرٍ، وسلم معاذ فشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ ... وقيل: إن معاذًا بقى إلى زمن عثمان، وقيل: إنه جرح ببدر وعاد إلى المدينة فتوفي بها. وقال خليفة: عاش معاذ إلى زمن علي.

علمٌ، ولكنْ هذه قريشٌ قد أقبلت فيهم أبو جهلٍ وعُتبةُ وشَيبةُ ابنا ربيعةَ، وأُميةُ بن خَلَفٍ قد أقبَلُوا، والنبيُّ ﷺ يصلي، وهو يسمعُ ذلك، فلما انصرفَ، قال: «والذي نفسي بيده، إنكم لتضرِبُونه إذا صَدقَكم، وتَدَعُونه إذا كَذَبكم، هذه قريش قد أقبلَتْ لتمنَع أبا سُفيانَ». قال أنس: قال رسول الله ﷺ: «هذا مَصرَعُ فلانٍ غدًا»، ووضَعَ يدَه على الأرض، «وهذا مَصرَعُ فلانٍ غدًا» ووضَعَ يدَه على الأرض، «وهذا مَصرعُ فلانٍ غدًا» ووضَع يدَه على الأرض، فقال: والذي نفسي بيده، ما جاوزَ أحدٌ منهم عن مَوضعِ يدِ رسولِ الله ﷺ، فأمر بهم رسولُ الله ﷺ، فأُخِذَ بأرجُلِهم، فسُحِبُوا، فألقُوا في قَليبِ بدرٍ (١).


(١) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٧٨، وأحمد (١٣٢٩٦)، وأبو عوانة (٦٧٦٧)، وابن حبان (٤٧٢٢)، والبيهقي ٩/ ١٤٧ من طريق حماد بن سلمة، به.
وأخرج قصة تعيين مصارع المشركين يوم بدر أحمد (١٨٢)، ومسلم (٢٨٧٣)، والنسائي (٢٠٧٤) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب، فجعله من مسند عمر بن الخطاب. وإنما أخذ أنسٌ الحديثَ من عمر بن الخطاب، لأن أنسًا لم يشهد بدرًا، إذ كان عمره إذ ذاك اثنى عشر عامًا تقريبًا، وإرسال الصحابيّ لا يضر.
وأخرج قصة إلقاء قتلى بدر من المشركين في القليب مسلم (٢٨٧٤) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس. وزاد فيه قصة مخاطبته ﷺ لصناديد قريش القتلى. وقوله ﷺ: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم».
قال الخطابي: «السحب» الجرّ العنيف.
و«القليب» البئر التلى لم تُطوَ. وإنما هي حفيرة قُلب ترابها. فسميت قليبًا.
و«الروايا» الإبل التي يُستقى عليها. واحدتها: راوية، وأصل الراوية المزادة، فقيل للبعير: راوية، لحملهِ المزادة.

١٢٤ - باب في الأسير يُكرهُ على الإسلام
٢٦٨٢ - حدَّثنا محمدُ بن عُمر بن عليٍّ المُقدميُّ، حدَّثنا أشعثُ بن عبدِ الله -يعني السجِستاني- (ح)
وحدَّثنا ابنُ بشار، حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ -وهذا لفظه- (ح)
وحدَّثنا الحسنُ بن عَليٍّ، حدَّثنا وهبُ بن جَريرٍ، عن شُعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ
عن ابن عباسِ، قال: كانت المرأةُ تكونُ مِقْلاتًا، فتجعلُ على نفسِها إن عاشَ لها ولدٌ أن تُهَوِّدهُ، فلما أُجلِيتْ بنو النَّضيرِ كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندَع أبناءنا، فأنزل اللهُ عز وجل: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: ٢٥٦] (١).


(١) إسناده صحيح. أبو بشر: هو جعفر بن إياس أبى وحشية، وشعبة هو ابن الحجاج، والحسن بن علي: هو الخلال، وابن أبي عدي: هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وابن بشار: هو محمد بن بشار بُندار.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٩٨٢) و(١٠٩٨٣) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (١٤٠).
قال الخطابي: «المقلات»: هي المرأة التي لا يعيش لها ولد، وأصله من القَلْت، وهو الهلاك. قال الشاعر:
بغاث الطير أكثرُها فِراخًا ... وأمُّ الصقر مِقلاةٌ نَزورُ
وفيه دليل على أن من انتقل من كفر وشرك إلى يهودية أو نصرانية، قبل مجئ دين الإسلام فإنه يُقَرُّ على ماكان انتقل إليه. وكان سبيلُه سبيلَ أهل الكتاب في أخذ الجزية منه، وجواز مناكحته واستباحة ذبيحته.
فأما من انتقل عن شرك إلى يهودية أو نصرانية، بعد وقوع نسخ اليهودية، وتبديل ملة النصرانية، فإنه لايُقرُّ على ذلك. =

١٢٥ - باب قَتلِ الأَسير ولا يُعرَضُ عليه الإسلام
٢٦٨٣ - حدَّثنا عثمان بن أبي شيبةَ، حدَّثنا أحمدُ بن المفضَّل، حدَّثنا أسباطُ بن نَصْرٍ، قال: زَعَمَ السُّديُّ، عن مُصعبِ بن سعْدٍ
عن سعْدٍ، قال: لمَّا كان يومُ فتح مكة أمَّنَ رسولُ الله ﷺ الناسَ إلا أربعةَ نفرٍ وامرأتين، وسمّاهم، وابنُ أبي سَرْحٍ، فذكر الحديثَ، قال: وأما ابنُ أبي سَرْحٍ فإنه اختبأ عند عثمانَ بنِ عفّان، فلما دعا


= وقوله سبحانه ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦]. محكمة غير منسوخة، وهي من العام المخصوص، فإنه خُص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام، بل يقرون على دينهم إذا بذلوا الجزية، فقد روى الطبري (٥٨٣٠) عن قتادة في قوله: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف، قال: ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية.
وقال الطبري بعد ذكر الخلاف في معنى هذه الآية وإحكامها أو نسخها، وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء بإقرار، على دينه المخالف دين الحق وأخذ الجزية منه، وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخًا وكان المسلمون جميعًا قد نقلوا عن نبيهم ﷺ أنه أكره على الإسلام قومًا فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر، ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبول الجزية منه، وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم. انظر «تفسير الطبري» ٢/ ٤١٥.
قلنا: والجهاد المشروع في الإسلام لم يستعمل للإكراه على الدخول في الدين، ولا حمل الناس عليه بقوة السلاح ولكن لحماية الدعوة إلى الدين، وأن يسود نظام الإسلام في المجتمع، وأن لا يحال بين الدعاة وما كلفوه من دعوة، وأن لا يفتن مسلم عن دينه.

رسولُ الله ﷺ الناسَ إلى البيعةِ جاء به حتى أوقفه على رسول الله ﷺ، فقالَ: يا نبي الله: بايعْ عبدَ الله، فرفع رأسَه، فنظَر إليه ثلاثًا، كلُّ ذلك يأبى عليه، فبايَعه بعدَ ثلاثٍ، ثم أقبَل على أصحابه، فقال: «أما كان فيكم رجل رشيدٌ يقوم إلى هذا حيثُ رآني كَفَفْتُ يدِي عن بيعتِه فيقتُلَه»؟ فقالوا: ما ندري يا رسولَ الله ما في نفسِك، ألا أومأْتَ إلينا بعينك، قال: «إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعيُن» (١).


(١) إسناده حسن. السُّدي -وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة- وأسباط بن نصر وأحمد بن المفضل حديثهم حسن لا يرتقي إلى الصحة.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٤٩١ - ٤٩٢، والبزار (١١٥١)، والنسائي (٤٠٦٧)، وأبو يعلى (٧٥٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣٣٠، والهيثم بن كليب الشاشي في «مسنده» (٧٣)، والدارقطني (٤٣٤٥) و(٤٣٤٦)، والحاكم ٢/ ٥٤ و٣/ ٤٥، والبيهقي ٧/ ٤٠ و٨/ ٢٠٥ من طريق أسباط بن نصر، بهذا الإسناد. وجاء عند بعضهم تعيين الذين أمر النبي ﷺ بقتلهم وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وابن أبي السرح.
وسيتكرر عند المصنف برقم (٤٣٥٩).
قال الخطابي: معنى «خائنة الأعين» أن يُضمر بقلبه غير ما يُظهره للناس، فإذا كَفَّ بلسانه، وأومأ بعينه إلى خلاف ذلك فقد خان. وكان ظهور تلك الخيانة من قبل عينيه، فسميت خائنة الأعين، ومعنى الرشد هاهنا: الفطنة لصواب الحكم في قتله.
وفيه دليل على أن ظاهر السكوت من رسول الله ﷺ في الشيء يراه يصنع بحضرته: يحُّل محلَّ الرضا به، والتقرير له.
وابن أبي سرح هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حُبيب القرشي العامري يكنى أبا يحيي، وكان أخا عثمان من الرضاعة، له صحبة ورواية حديث.
قال ابن يونر: شهد فتح مصر، واختط بها، وكان صاحب الميمنة في الحرب مع عمرو بن العاص في فتح مصر، وله مواقف محمودة في الفتوح وأمره عثمان على مصر، ولما وقعت الفتنة، سكن عسقلان، ولم يبايع لأحد، ومات بها سنة ست =

قال أبو داود: كان عبد الله أخا عثمانَ من الرِّضاعةِ، وكانَ الوليدُ ابنُ عقبةَ أخا عثمان لأُمه، وضربَه عثمانُ الحدَّ إذ شَربَ الخمرَ (١).
٢٦٨٤ - حدَّثنا محمد بن العلاءِ، قال: أخبرنا زيد بن حُبابٍ، أخبرنا عَمرو ابن عثمانَ بنِ عبد الرحمن بن سعيدِ بن يَربوعِ المخزوميُّ، حدَّثني جدي عن أبيه، أن رسولَ الله ﷺ قال يومَ فتح مكة: «أربعةٌ لا أُؤمِّنُهم في حلٍّ ولا حَرَمٍ» فسمَّاهم، فال: وقَيْنتَين كانتا لِمقْيَسٍ، فقُتلتْ إحداهُما، وأفلِتَتِ الأخرى فأسلمت (٢).


= وثلاثين في خلافة علي رضي الله عنه، وذكره ابن سعد في تسمية من نزل مصر من الصحابة، وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان، وولي مصر بعد ذلك، وكانت ولايته مصر سنة خمس وعشرين، وكان فتح إفريقية من أعظم الفتوح بلغ سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف دينار. وقال خليفة: سنة سبع وعشرين عُزل عمرو عن مصر وولى عبد الله بن سعد، فغزا إفريقية ومعه العبادلة، وأرخ الليث عزل عمرو سنة خمس وعشرين، وغزا إفريقية سنة سبع وعشرين، وغزا الأساود سنة إحدى وثلاثين، وذات الصواري سنة أربع وثلاثين.
وأما الوليد بن عقبة، فهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، له صحبة قليلة ورواية يسيرة، وهو أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه من مسلمة الفتح، بعثه رسول الله على صدقات بني المصطلق، وولي الكوفة لعثمان وجاهد بالشام، ثم اعتزل بالجزيرة بعد قتل أخيه عثمان، ولم يحارب مع أحد الفريقين، وكان سخيًا ممدحًا شاعرًا شجاعًا قائمًا بأمر الجهاد، وكان يشرب الخمر، وقصة صلاته بالناس الصبح أربعًا وهو سكران مشهورة في الصحيح، وعزله عثمان بعد إقامة الحد عليه عن الكوفة، وولاها سعيد بن العاص.«سير أعلام النبلاء» ٣/ ٤١٢ - ٤١٦ للذهبي.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عثمان. قال المزي: وقيل فيه: عُمر بن عثمان، ويقال: إنه الصواب، وقال أبو داود في كتاب «التفرد»: والصواب عُمر بن عثمان. =

قال أبو داود: لم أَفهم إسناده من ابن العلاءِ كما أُحِبُّ.
٢٦٨٥ - حدَّثنا القَعنَبيُّ، عن مالكٍ، عن ابن شهابٍ
عن أنس بن مالكٍ: أن رسولَ الله ﷺ دخل مكةَ عامَ الفتحِ وعلى رأسِه المِغْفَرُ، فلما نزعه جاءه رجلٌ، فقال: ابنُ خَطَل مُتعلِّق بأستارِ الكعبةِ، فقال «اقتُلُوه» (١).


= وأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ٢٦٢، والطبراني في «الكبير» (٥٥٢٩)، والدارقطني (٢٧٩٣) و(٤٣٤٧)، والبيهقي ٩/ ١٢٠ و٢١٢، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٣١/ ٢٩ - ٣٢، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة سعيد بن يربوع ١١/ ١١٣ من طرق عن زيد بن الحباب، بهذا الإسناد. وجاء عند بعضهم تسمية أولئك الذين أمر النبي ﷺ بقتلهم، وهم: الحويرث بن نقيذ ومقيس بن صبابة، وهلال بن خطل - كذا جاءت تسميته في هذه الرواية، خلافًا للرواية السابقة - وابن أبي السرح.
وفي الباب دون ذكر الحويرث بن نقيذ عن أنس بن مالك عند الحارث بن أبي أسامة (٦٩٨ - زوائده) وإسناء صحيح. وهو في «المسند» (١٢٠٦٨)، و«صحيح البخاري» (١٨٤٦)، و«صحيح مسلم» (١٣٥٧) بذكر ابن خطل وحده. وسيأتي في الطريق الذي بعده.
وعن سعد بن أبي وقاص في الحديث السالف قبله.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مرسلًا عند ابن أبي شيبة ١٤/ ٤٧٣ - ٤٧٥.
وقد جاء ذكر الحويرث بن نقيذ عند البيهقي ٩/ ١٢٠ من طريق عروة بن الزبير، ومن طريق موسى بن عقبة مرسلًا.
(١) إسناء صحيح. القعنبيُّ: هو عبدالله بن مسلمة.
وهو في «موطأ مالك» ١/ ٤٢٣، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٨٤٦)، ومسلم (١٣٥٧)، والترمذي (١٧٨٨)، والنسائي (٢٨٦٧).
وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٦٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٧١٩). =

قال أبو داودَ: ابن خَطَلٍ اسمُهُ عبدُ الله، وكان أبو برزةَ الأسلميُّ قتلَه١).

١٢٦ - باب في قَتْل الأسيرِ صبرًا (٢)
٢٦٨٦ - حدَّثنا علي بن الحسين الرَّقِّيُّ، حدثني عبد الله بن جعفر الرَّقِّيُّ، أخبرني عُبيد الله بن عَمرٍو، عن زَيد بن أبي أُنيسةَ، عن عمرو بن مُرَّة، عن إبراهيمَ، قال: أراد الضَّحَّاكُ بن قيسِ أن يستعمِل مَسروقًا، فقال له عُمارةُ بن عُقبة: أتستعمِلُ رجلًا من بقايا قَتَلَةِ عثمانَ؟ فقال له مسروقٌ:
حدَّثنا: عبدُ الله بن مَسعودٍ - وكان في أنفُسِنا مَوثُوقَ الحديثِ-: أن النبيَّ ﷺ لمَّا أراد قتل أبيك قال: مَنْ للصِّبيةِ؟ قال «النارُ» فقد رضيتُ لكَ ما رضي لكَ رسولُ الله ﷺ (٣).


= قال الخطابي: في كون المغفر على رأسه دليل على جواز ترك الإحرام للخائف على نفسه إذا دخل مكة، وعلى أن صاحب الحاجة إذا أراد دخول الحرم لم يلزمه الإحرام إذا لم يُرد حجًا أو عمرة، وكان ابن خطل بعثه رسول الله ﷺ في وجهٍ مع رجل من الأنصار، وأمَّر الأنصاري عليه، فلما كان ببعض الطريق وثب على الأنصاري فقتله، وذهب بماله، فلم ينفذ رسول الله ﷺ له الأمان، وقتله بحق ما جناه في الإسلام.
وفيه دليل على أن الحرم لا يَعصِمُ من إقامة حكم واجب، ولا يؤخره عن وقته.
قلنا: والمِغْفَر، بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء، قال في «اللسان»: زردٌ يُنسج من الدروع على قدر الرأس يُلبس تحت القلنسوة، قال أبو عبيد في «غريبه»: والأصل في الغَفر التغطية، ومنه سُمي المِغفرُ، لأنه يغفر الرأس، أي: يلبسُه ويغطيه.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢) قوله: صبرًا: هو أن يمسك من ذوات الروح شيء حيًا، ثم يُرمى بشئ حتى يموت، وكل من قُتِل في غير معركة ولا حرب ولا خطأٍ فإنه قتلُ صبر.
(٣) إسناده صحيح. إبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومسروق: هو ابن الأجْدع=

١٢٧ - باب في قتل الأسير بالنَّبْل
٢٦٨٧ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا عبدُ الله بن وهْبٍ، أخبرني عَمرو ابن الحارثِ، عن بُكَيرِ بن عبد الله بن الأشجِّ، عن ابن تِعلَى
قال: غَزَونا مع عبد الرحمن بن خالدِ بن الوليد، فأتي بأربعةِ أعْلاجٍ من العدوِّ، فأمر بهم فقُتِلُوا صَبْرًا (١).


= وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٥٦٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥١٤)، والشاشي في «مسنده» (٤٠٩)، والطبراني في «الأوسط» (٢٩٤٩)، والحاكم ٢/ ١٢٤، والبيهقي ٩/ ٦٥ من طريق عُبيد الله بن عمرو الرقي، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
قوله: من للصّبية؟: قال القاري في «مرقاة المفاتيح» ٤/ ٢٥٠ - ٢٥١: بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي، كفتية، والقياس: صبوة، والمعنى: من يكفل بصبيانى ويتصدى لتربيتهم ومؤنتهم وأنت تقتلُ كافلهم.
وقوله: «النار» قال الطيبي في «شرح المشكاة» فيما نقله عنه القاري: يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون النار عبارة عن الضياع، يعني: إن صلحت النار أن تكون
كافلة فهي هي.
وثانيهما: أن الجواب من الأسلوب الحكيم، أي: لك النار، والمعنى: اهتم بشأن نفسك وما هُيِّئ لك من النار، ودع عنك أمر الصبية، فإن كافلهم هو الله الذي ما من دابة في الأرض إلا عليه رزقها، وهذا هو الوجه.
قال القاري معلقًا: والأظهر أن الأول هو الوجه، فإنه لو أريد هذا المعنى لقال: الله، بدل: «النار».
(١) المرفوع منه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، فإن فيه -على الصواب- بين بكير بن عبد الله وبين ابن تِعْلَى -واسمه عُبيد- والدَ بكيرٍ عبدَ الله بن الأشج، وهو مجهول لم يرو عنه غير ابنه، ولم يوثقه سوى ابن حبان. قال المزي في ترجمة عبيد ابن تعلى عن «تهذيب الكمال»: الصحيح قول من قال: عن أبيه. وقال الذهبي في «الكاشف» في ترجمة عبيد نحوه.=

قال أبو داود: قال لنا غيرُ سعيدٍ عن ابنِ وهْبٍ في هذا الحديث، قال: بالنَّبْل صبْرًا - فبلغ ذلك أبا أيوبَ الأنصاريَّ، فقال: سمعتُ


= وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٦٦٧).
وأخرجه أحمد (٢٣٥٩٠) عن سريج بن النعمان، وابن حبان (٥٦١٠) من طريق حرملة بن يحيى، كلاهما عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معانى الآثار» ٣/ ١٨٢ عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، والطبراني في «الكبير» (٤٠٠٢)، ومن طريقه المزي في ترجمة عُبيد بن تِعلَى من «تهذيب الكمال» ١٩/ ١٩٠ - ١٩١ من طريق أحمد بن صالح، كلاهما عن ابن وهب، به.
وذكرا فيه عبد الله بن الأشج. وقرن أحمد بن عبد الرحمن بعمر بن الحارث ابن لهيعة.
وأخرج المرفوع منه فقط أحمد (٢٣٥٨٩)، والدارمي (١٩٧٤)، والطحاوي ٣/ ١٨٢، والشاشي في «مسنده» (١١٦٠) و(١١٦١)، والطبراني في «الكبير» (٤٠٠١)، والبيهقي ٩/ ٧١ من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، والطحاوي ٣/ ١٨٢، والطبراني (٤٠٠٣)، والبيهقي من طريقين عن محمد بن إسحاق، كلاهما عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن أبيه، عن عُبيد بن تعلى، به فذكرا عبد الله بن الأشج.
وأخرجه ابن حبان (٥٦٠٩) من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن يزيد بن أبي حبيب، وابن أبي شيبة ٥/ ٣٩٨، والطبراني (٤٠٠٤) من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، والطبراني كذلك (٤٠٠٥) من طريق عبيد الله بن أبي جعفر، ثلاثتهم عن بكير بن عبد الله، عن عبيد بن تِعلى، به فلم يذكروا عبد الله بن الأشج.
قال المنذري في «اختصار السنن» تِعلى: بكسر التاء ثالث الحروف وسكون العين المهملة.
وفي باب النهي عن صبر البهائم عن عبد الله بن عمر عند البخاري (٥٥١٥)، ومسلم (١٩٥٨).
وعن أنس بن مالك عند البخاري (٥٥١٣)، ومسلم (١٩٥٦).
وعن جابر عند مسلم (١٩٥٩).
وانظر تمام شواهده عند أحمد في «المسند» عند حديث ابن عمر (٤٦٢٢).
والقتل صبرًا: هو أن يمسك من ذوات الروح بشئٍ حيًا ثم يرمى بشئ حتى يموت، وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرًا.

رسولَ الله ﷺ ينهَى عن قتْلِ الصبْر، فوالذي نفسِي بيده لو كانتْ دجاجةٌ ما صَبَرْتُها، فبلغَ ذلك عبدَ الرحمن بن خالدِ بن الوليد فأعتقَ أربعَ رِقابٍ.

١٢٨ - باب في المَنِّ على الأسير بغير فداء
٢٦٨٨ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمّاد، أخبرنا ثابت
عن أنسٍ: أن ثمانين رجلًا من أهل مكةَ هَبَطُوا على النبيّ ﷺ وأصحابِه من جبال التَنْعيم عند صلاة الفجر ليقتُلُوهم، فأخذَهم رسولُ الله ﷺ سَلْمًا، فأعتَقَهُم رسولُ الله ﷺ، فأنزلَ اللهُ عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ إلي آخر الآية (١) [الفتح: ٢٤].


(١) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم (١٨٠٨)، والترمذي (٣٥٤٧)، والنسائى في «الكبرى» (٨٦١٤)
و(١١٤٤٦) من طريق حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٢٢٧).
وقوله: سلمًا. قال النووي: ضبطوه بوجهين بفتح السين واللام، وبإسكان اللام مع كسر السين وفتحها، قال الحميدي: معناه: الصلح، وقال القاضي: هكذا ضبط الأكثرون، والرواية الأولى أظهر، أي: أسرهم، وجزم الخطابي بفتح اللام والسين، قال: والمراد به الاستسلام والإذعان، كقوله تعالى: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ أي: الانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع، قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقضية، فإنهم لم يؤخذوا صلحًا، وإنما أخذوا قهرًا، وأسلموا أنفسهم عجزًا.
والتنعيم: موضع بمكة في الجبل، وهو بين مكة وسرف، ومنه يحرم من أراد العمرة من أهل مكة، وهو الموضع الذي أمر رسول الله ﷺ عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُعمِر منه عائشة، وهو أدنى الحلِّ، لأنه ليس موضع في الحل أقرب إلى الحرم منه، وهو على ثلاثة أميال من مكة، وقيل: أربعة أميال، وسمي بذلك، لأن جبلًا عن يمينه يقال له: نعيم وآخر عن شماله، يقال له ناعم، والوادي نعمان.

٢٦٨٩ - حدَّثنا محمدُ بن يحيي بن فارسٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا مَعمرٌ، عن الزهري، عن محمدِ بن جُبير بن مُطعِمٍ
عن أبيه، أن النبيَّ ﷺ قال لأُسارى بدر: «لَو كان مُطعِمُ بنُ عَدِيّ حيًّا ثم كلَّمني في هؤلاءِ النَّتنَى لأطلقتُهم له» (¬١).

١٢٩ - باب في فداء الأسير بالمال
٢٦٩٠ - حدَّثنا أحمد بن محمد بن حَنبلِ، حدَّثنا أبو نُوحٍ، أخبرنا عِكرمةُ ابن عمارٍ، حدَّثنا سِمَاكٌ الحنفيُّ، حدثني ابنُ عبّاس، قال:
حدثني عمرُ بن الخطاب، قال: لما كان يومُ بدرٍ فأخذَ -يعني النبيَّ ﷺ- الفداء أنزل اللهُ عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال:٦٧ - ٦٨] من الفداء ثم أحل لهم الغَنائمَ (٢).


(١) إسناده صحيح.
وهو في«مصنف عبد الرزاق» (٩٤٠٠)، ومن طريقه أخرجه البخاري (٣١٣٩).
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٣٣).
قال الخطابي: «النتنى» جمع النتِن، وهو المُنتن، يقال: نَتِن الشيء يَنتَنُ، فهو نَتِنٌ، ويجمع على النَّتْنى، كما يقال: زَمِنَ الرجلُ يَزمَنُ، فهو زَمِنٌ، ويجمع على الزَّمني. وفيه دليل على جواز إطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء.
(٢) إسناده قوي من أجل عكرمة بن عمار. سماك الحنفي: هو ابن الوليد أبو زُمَيل -مصغرًا-، وأبو نوح سيعرِّفه المصنِّف. وقد نقل ابن كثير في أول سورة الأنفال تصحيح هذا الحديث عن علي ابن المديني والترمذي.
وأخرجه مسلم (١٧٦٣) من طريقين عن عكرمة بن عمار، بهذا الإسناد. ضمن قصة طويلة في غزوة بدر.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٩٣) مطولًا كرواية مسلم.=

قالَ أبو داودَ: سمعتُ أحمد بن حَنبلٍ يُسأل عن اسم أبي نُوحٍ، فقال: إيش تصنعُوا باسمِه؟ اسمُه اسمٌ شَنيعٌ.


= قلنا: الذي في «جامع الترمذي»، من حديث عمر الطويل في غزوة بدر قصةُ دعائه ﷺ (٣٣٣٤) وهناك صححه.
قال الخطابي: في هذه الأحاديث الثلاثة: حديث جبير بن مطعم، وحديث ابن عباس وحديث عبد الله بن مسعود دليل على أن الإمام مُخيَّر في الأسارى البالغين: إن شاء مَنَّ عليهم وأطلقهم من غير فداء، وإن شاء فاداهم بمالٍ معلوم، وإن شاء قتلهم، أي ذلك كان أصلح، ومن أمر الدين وإعزاز الإسلام أوقع.
وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد، وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري.
وقال أصحاب الرأي: إن شاء قتلهم، وإن شاء فاداهم، وإن شاء استرقَّهم. ولا يمُنُّ عليهم فيطلقهم بغير عوض، فيكون فيه تقوية للكفار وزيادة في عددهم.
وزعم بعضهم أن المنّ كان خاصًا للنبي ﷺ دون غيره.
قلت (القائل الخطابي): التخصيص في أحكام الشريعة لا يكون إلا بدليل، والنبي ﷺ إذا حكم بحكم في زمانه كان ذلك سنة وشريعة في سائر الأزمان، وقد قال سبحانه: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] وهذا خطاب لجماعة الأمة كلهم، ليس فيه تخصيص للنبي ﷺ، وإنما كان فعله امتثالًا للآية.
وأما الذي اعتلوا به في تقوية الكفر: فإن الإمام إذا رأى أن يعطي كافرًا عطية يستميله بها إلى الإسلام كان ذلك جائزًا، وإن كان في ذلك تقوية لهم، فكذلك هذا.
وقد أعطى النبي ﷺ رجلًا من الكفار غنمًا بين جبلين. حدثناه ابن الأعرابي، حدَّثنا عبد الرحمن بن منصور الحارثي، حدَّثنا عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد العذري، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: جاء رجل من العرب إلى رسول الله ﷺ، فسأله شيئًا بين جبلين، فكتب له بها، فأسلم، ثم أتى قومه فقال لهم: «أسلموا فقد جئتكم من عند رجل يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة». وفي أخذه في الفداء المال دليلٌ على فسادِ قول من يقول: إنه يفادى بالرجال ولا يفادى بالمال، ويُحكى نحو هذا القول عن مالك بن أنس.
وانظر «المغني» ١٣/ ٤٤ - ٤٧ لابن قدامة المقدسي.

قال أبو داودَ: اسمُ أبي نُوح قُرادٌ، والصحيحُ عبدُ الرحمن بن غَزْوانَ.
٢٦٩١ - حدَّثنا عبدُ الرحمن بن المُبارك العَيشيُّ، حدَّثنا سفيانُ بن حَبيب، حدَّثنا شعبةُ، عن أبي العَنبَسِ، عن أبي الشَّعثاء
عن ابنِ عباس: أن النبيَّ ﷺ جعلَ فداءَ أهلِ الجاهليةِ يومَ بدرٍ أربعَ مئةٍ (١).
٢٦٩٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بن سلمةَ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يحيى بن عَبّادٍ، عن أبيه عبادِ بن عبد الله بن الزُّبيرِ عن عائشةَ قالت: لما بعثَ أهلُ مكةَ في فداء أسْرَاهُم بعثتْ زينبُ في فداء أبي العاصِ بمالٍ، وبعثتْ فيه بقِلادةٍ لها كانت عند خديجةَ أدخلَتْها بها على أبي العاص، قالت: فلما رآها رسولُ الله ﷺ رقَّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال: «إن رأيتُم أن تُطلِقُوا لها أسيرَها وتردُّوا عليها


(١) إسناده ضعيف لجهالة أبي العنبس -وهو الأكبر-، فلم يرو عنه غير شعبة ومسعر ولا يُعرف اسمُه: وسكت عنه عبد الحق الإشبيلي مصححًا له، فاعترض عليه ابن القطان في»بيان الوهم«٤/ ٤١٧.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٨٦٠٧)، والحاكم ٢/ ١٢٥، والبيهقي ٦/ ٣٢١ و٩/ ٦٨، وابن الجوزي في»التحقيق«(١٨٨٣)، والضياء المقدسي في»المختارة«٩/ (٥٠٢) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
والصحيح في مقدار ما أُخذ من الفداء من أسرى بدر ما أخرجه عبد الرزاق في»مصنفه«(٩٣٩٤) ومن طريقه الطبراني في»الكبير«(١٢١٥٤) عن معمر، عن قتادة، قال (القائل هو معمر): وأخبرني عثمان الجزري، عن مقسم عن ابن عباس قال: فادى النبي ﷺ بأسارى بدر، فكان فداء كل واحدٍ منهم أربعة آلاف. وهذا إسناد حسن وكذلك رواه ابن سعد في»الطبقات الكبرى" ٢/ ٢٦ عن عكرمة مولى ابن عباس مرسلًا بإسناد صحيح إليه.

الذي لها» فقالوا: نعم، وكان رسولُ الله ﷺ أخذ عليه، أو وَعَدَه، أن يُخلّيَ سبيلَ زينبَ إليه، وبعثَ رسولُ الله ﷺ زيدَ بن حارثةَ ورجلًا من الأنصارِ، فقال: «كونا ببطن يَأْجِج حتى تمرَّ بكما زينب فتصحباها حتى تأْتيا بها» (١).
٢٦٩٣ - حدَّثنا أحمد بن أبي مَريمَ، حدَّثنا عمِّي -يعني سعيدَ بنَ الحَكَم- قال: أخبرنا الليثُ، عن عُقَيل، عن ابن شهابٍ، قال: وذكر عُروةُ بن الزُّبير
أن مروانَ والمِسوَرَ بنَ مَخْرمةَ أخبراه: أن رسولَ الله ﷺ قال حين جاءه وَفْد هَوَازنَ مسلمين فسألُوه أن يَرُدَّ إليهم أموالَهم، فقال لهم رسول الله ﷺ: «معي من ترون، وأحبُّ الحديث إليَّ أصدَقُهُ، فاختاروا إمَّا السبْيَ، وإما المالَ» فقالوا: نختار سبْيَنا، فقامَ رسولُ الله ﷺ فأثْنى على الله، ثم قال: «أما بعدُ، فإن إخوانكم هؤلاءِ جاؤوا تائبينَ، وإني قد رأيتُ أن أرُدَّ إليهم سَبْيَهم، فمن أحبَّ منكم أن يُطَيِّبَ ذلك فليفعلْ، ومن أحبَّ منكم أن يكون على حظِّه حتى نعطيَه


(١) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، فقد صرح بالسماع عند ابن هشام في»السيرة النبوية«٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨ وغيره فانتفت شبهة تدليسه.
وأخرجه أحمد (٢٦٣٦٢)، وابن الجارود (١٠٩٠)، والطحاوي في»شرح مشكل الآثار«(٤٧٠٨)، والطبراني في»الكبير«٢٢/ (١٠٥٠)، والحاكم ٣/ ٢٣ و٢٣٦ و٣٢٤ و٤/ ٤٤ - ٤٥، والبيهقي في»السنن الكبرى«٦/ ٣٢٢، وفي»دلائل النبوة«٣/ ١٥٤ من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
قوله:»يأجج«، قال المنذري في»اختصار السنن" بفتح الياء آخر الحروف، وبعدها همزة وجيمين، الأولى مكسورة، موضع على ثمانية أميالٍ من مكة، كان ينزله عبد الله بن الزبير، فلما قتله الحجاج أنزله المجذَّمين، وبنواحي مكة موضع آخر يقال له: ياجج، وهو أبعدهما، بينه وبين مسجد التنعيم ميلان.

إياهُ من أول ما يُفيءُ اللهُ علينا فليفعلْ»، فقال الناسُ: قد طَيَّبْنَا ذلك لهم يا رسول الله، فقال رسولُ الله ﷺ: «إنا لا نَدْري مَن أذِنَ منكم مِمن لم يأذَنْ، فارجِعوا حتى يرفَع إلينا عُرَفَاؤكم أمْرَكم» فرجعَ الناسُ، فكلَّمَهم عُرفاؤهم فأخبَروهم أنهم قد طَيَّبُوا وأذِنُوا (١).
٢٦٩٤ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن محمد بن إسحاقَ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جدِّه -في هذه القصة- قال: فقال رسول الله ﷺ: «رُدُّوا عليهم نساءَهم وأبناءَهم، فمن مَسَّك بشيءٍ من هذا الفيءِ فإن له به علينا سِتَّ فرائضَ من أولِ شيءٍ يُفيئهُ اللهُ علينا» ثم دنا -يعني النبيَّ ﷺ من بعيرٍ، فأخذَ وَبَرَةً من سَنامِه، ثم قال: «يا أيها الناسُ، إنه ليس لي من هذا الفيء شيء، ولا هذا» ورفع إصبَعَيْه «إلا الخُمُسَ، والخُمُسُ مُردُودٌ عليكم، فأدُّوا الخِياط والمِخْيَطَ» فقام رجل في يده كُبَّةٌ من شَعر، فقال: أخذْتُ هذه لأُصلحَ بها بَرذَعةً لي، فقال رسولُ الله ﷺ: «أمَّا ما كان لي ولبني عبد المُطَّلب فهو لك» فقال: أمَا إذْ بلغتَ ما أرى فلا أرَبَ لي فيها، ونَبَذَها (٢).


(١) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو الزهري، وعُقيل: هو ابن خالد الأيلي، وأحمد ابن أبي مريم: هو أحمد بن سعْد بن الحكم بن محمد الجُمَحي، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٢٣٠٧) و(٢٣٠٨)، والنسائى في «الكبرى» (٨٨٢٥) من طريق ابن شهاب الزهري، به. ورواية النسائي مختصرة.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٩١٤).
(٢) إسناده حسن. فقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند أحمد (٧٠٣٧) وغيره فانتفت شبهة تدليسه. حماد: هو ابن سلمة. =

١٣٠ - باب في الإمام يُقيم عند الظُّهور على العدو بعَرْصَتِهم
٢٦٩٥ - حدَّثنا محمدُ بن المثنى، حدَّثنا مُعاذُ بن معاذٍ
وحدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله، حدَّثنا رَوْحٌ، قالا: حدَّثنا سَعيدٌ، عن قتادةَ، عن أنسٍ عن أبي طلحةَ، قال: كانَ رسولُ الله ﷺ إذا غَلَبَ على قومٍ أقامَ بالعَرْصَةِ ثلاثًا -قال ابنُ المثنى: إذا غَلَبَ قومًا أحب أن يُقيم بعَرْصَتِهم ثلاثًا (١).


= وأخرجه النسائي (٣٦٨٨) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٢٩).
قوله: «من مسَّك، قال الخطابي: يريد: أمسك، يقال: مَسَّكْتُ بالشيء وأمسكته، بمعنى واحد. وفيه إضمارٌ، وهو الردّ، كأنه قال: من أصاب شيئاَ من هذا الفيء فأمسكه ثم ردّه.
وقوله:»أدّوا الخِياط والمِخْيَط" الخِياط هنا: الخيط، والمِخْيَط: ما يخاط به وهو الإبرة.
قال الخطابي: فيه دليل على أن قليل ما يغنم وكثيره مقسوم بين مَنْ شهد الوقعة، ليس لأحد أن يستبِدَّ بشىء منه، وإن قلّ، إلا الطعام الذي قد وردت فيه الرخصة، وهذا قول الشافعي. وقال مالك: إذا كان شيئًا خفيفًا، فلا أرى به بأسًا أن يرتفق به آخِذُه دونَ أصحابه.
وقوله: كبة من شعر، أي: مجموعة من شعر، والبَرْدَعَة: قال الفيومي: حلس يجعل تحت الرحل بالدال والذال، والجمع: البرادع هذا هو الأصل، وفي عرف زماننا: هي للحمار ما يُركب عليه بمنزلة السرج للفرس.
(١) إسناده صحيح. أبو طلحة: اسمه زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري، مشهور بكنيته من كبار الصحابة، وأنس: هو ابن مالك الصحابي. وقتادة: هو ابن دِعامة، وسعيد: هو ابن أبي عروبة، ورَوح: هو ابن عُبادة. وسماع روح من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه. =

قال أبو داود: كان يحيى بنُ سعيدٍ يطعُن في هذا الحديث، لأنه ليس من قديم حديث سعيدٍ، لأنه تغيَّر سنة خمسٍ وأربعينَ، ولم يُخرج هذا الحديثَ إلا بأخَرَةٍ.
قال أبو داود: يقال: إن وكيعًا حَمل عنه في تغيُّره١).

١٣١ - باب في التفريقِ بين السَّبْيِ
٢٦٩٦ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا اسحاقُ بن منصورٍ، حدَّثنا عبدُ السلام بن حَرْبٍ، عن يزيدَ بن عبدِ الرحمنِ، عن الحكمِ، عن ميمونِ بن أبي شَبيبٍ
عن عليٍّ، أنه فرَّق بين جاريةٍ وولدِها، فنهاهُ النبيُّ ﷺ عن ذلكَ، ورَدَّ البيعَ (٢).


= وأخرجه البخاري (٣٠٦٥) من طريق روح بن عُبادة، والترمذي (١٦٣٢)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٠٣) من طريق معاذ بن معاذ، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٣٥٥)، و«صحح ابن حبان» (٤٧٧٦).
والعرصة: الساحة الواسعة بين الدور ليس فيها بناء، قال ابن الجوزي: إنما كان يُقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام، وقلة الاحتفال، فكأنه يقول: من كان فيه قوة منكم فليرجع إلينا.
(١) مقالتا أبي داود هاتان أثبتناهما من هاش (هـ).
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد ضيف لانقطاعه، ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليًا كما قال المصنف بإثر الحديث، وليس هو بذاك، الحكم: هو ابن عتيبة، ويزيد بن عبد الرحمن: هو الدالاني أبو خالد، وقد اختُلف في إسناده كما بينه الدارقطني في «العلل» ٣/ ٢٧٢ - ٢٧٥.
وأخرجه الدارقطني (٣٠٤٢)، والحاكم ٢/ ٥٥ و١٢٥، والبيهقي ٩/ ١٢٦ من
طريق يزيد بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. =

قال أبو داودَ: ميمونٌ لم يُدرك عليًا، قُتل بالجماجم، والجماجم سنة ثلاثٍ وثمانين.


= وأخرجه ابن ماجه (٢٢٤٩)، والترمذي (١٣٣٠) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن علي قال: وهب لي رسول الله ﷺ غلامين أخوين، فبعتُ أحدهما، فقال: «ما فعل الغلامان؟»قلتُ: بعتُ أحدهما، قال: «رُدَّه». والحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعن.
وهو في «مسند أحمد» (٨٠٠) بهذا اللفظ الأخير.
وأخرجه بنحو هذا اللفظ الأخير أحمد (٧٦٠) عن محمد بن جعفر، والبزار (٦٢٤)، والبيهقي ٩/ ١٢٧ من طريق الحسن بن محمد الزعفراني، عن عبد الوهَّاب بن عطاء الخفاف، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن علي. وسعيد لم يسمع من الحكم فيما قاله غير واحدٍ من أهل العلم. ويدل على ذلك رواية أحمد بن حنبل لهذا الحديث (١٠٤٥) عن عبد الوهَّاب ابن عطاء الخفاف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن رجل، عن الحكم، به فذكر بينهما واسطة. وكذلك رواه محمد بن سواء عند إسحاق بن راهويه كما في «نصب الراية» ٤/ ٢٦، والبيهقي ٩/ ١٢٧ عن سعيد بن أبي عروبة.
وانظر تمام تخريجه، والكلام عليه في «المسند» (١٠٤٥)، و«علل الدارقطني» ٣/ ٢٧٢ - ٢٧٥.
وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري عند أحمد (٢٣٤٩٩)، والترمذي (١٣٢٩) ولفظه: «من فرق بين والدة وولدها، فرّق الله بينه وبين الأحبة يوم القيامة» وهو حديث حسن.
والجماجم: موضع يُسمى دير الجماجم قرب الكونة، وبه كانت وقعة ابن الأشعث مع الحجاج، والحرة: أرض بظاهر المدينة، بها حجارة سود كثيرة بها كانت الوقعة بين جيش يزيد بن معاوية وبين أهل المدينة، وهي فيما يقول ابن حزم أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرًا ظلمًا في الحرب وصبرًا ...

قال أبو داود: والحَرَّةُ سنة ثلاثٍ وستين، وقُتِلَ ابنُ الزُّبيرِ سنة ثلاث وسبعين١).

١٣٢ - باب الرُّخصة في المدرِكين يُفرَّق بينهم
٢٦٩٧ - حدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله، حدَّثنا هاشِمُ بن القاسمِ، حدَّثنا عِكرمةُ، حدَّثني إياسُ بن سلمةَ
حدثني أبي، قال خرجْنا مع أبي بكرٍ -وأمَّرَهُ علينا رسولُ اللهِ ﷺ- فغَزَونا فَزارةَ، فشَننَّا الغارةَ ثم نظرتُ إلى عُنُقٍ من الناسِ فيه الذريةُ والنساء، فرمَيتُ بسهْمٍ، فوقع بينهم وبين الجبل، فقاموا، فجئتُ بهم إلى أبي بكرٍ فيهم امرأة من فَزارةَ، عليها قِشْعٌ من أدَمٍ، معها بنتُ لها من أحسن العرب، فنفَّلني أبو بكر ابنتَها، فقدمتُ المدينةَ، فلقيَني رسولُ الله ﷺ فقال لي: «يا سلمةُ، هَبْ لي المرأةَ» فقلت: والله لقد أعجبتْني، وما كشفتُ لها ثوبًا، فسكتَ، حتى إذا كان من الغَدِ لقيَني رسولُ الله ﷺ في السُّوق فقال: «يا سلمةُ، هبْ لي المرأةَ، لله أبوكَ» فقلت: يا رسول الله، والله ما كشفتُ لها ثوبًا، وهي لكَ، فبعثَ بها إلى أهل مكةَ وفي أيديهم أسرى فَفَداهمُ بتلك المرأةِ (٢).


(١) مقالتا أبي داود هاتين أثبتناهما من (هـ).
(٢) إسناده صحيح. سلمة: هو ابن الأكوع، وعكرمة: هو ابن عمار اليمامي.
وأخرجه مسلم (١٧٥٥)، وابن ماجه (٢٨٤٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦١٢) من طريق عكرمة بن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٥٠٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٦٠). =

١٣٣ - باب في المال يصيبُه العدوُّ من المسلمين ثم يدركه صاحبه في الغنيمة
٢٦٩٨ - حدَّثنا صالحُ بن سُهيلٍ، حدَّثنا يحيي -يعني ابنَ أبي زائدةَ- عن عُبيد الله، عن نافعٍ
عن ابن عُمر: أن غُلامًا لابن عُمر أبقَ إلى العدوِّ فظهر عليه المسلمون، فردَّه رسولُ الله ﷺ إلى ابنِ عمر، ولم يُقسَم (١).


= قوله: «قشع من أدم» هو الجلد اليابس، وقيل: هو الفرو الخَلَق. قاله ابن الأثير في «النهاية».
قال الخطابي: «عنق من الناس» يريد جماعة منهم، ومن هذا قوله تعالى: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤] أي: جماعاتهم، ولو كان المراد به الرقاب لقيل: «خاضعات»، والله أعلم.
وفي قوله: «نفلني أبو بكر ابنتها» دليل على أن النفل قبل الخمس. قال: وفيه دليل على جواز التفريق بين الأم وولدها الكبير، خلاف ما ذهب إليه أحمد بن حنبل.
وفي قوله: «ما كشفت لها ثوبًا» وسكوت النبي ﷺ وتركه الإنكار عليه دليل على أنهم كانوا يستبيحون إذ ذاك وطء الوثنيات، وذلك قبل نزوله من الحديبية، ولولا إقامة هذه الجارية على كفرها لما رُدَّت إلى أهل مكة وهم كفار إذ ذاك.
(١) إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر بن حفص العُمري، ويحيى: هو ابن زكريا بن أبي زائدة.
وأخرج البخاري (٣٠٦٨) من طريق يحيى بن سعيد القطان، و(٣٠٦٩) من طريق موسى بن عقبة، كلاهما عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع: أن عبدًا لابن عمر أبق فلحق بالروم فظهر عليه خالد بن الوليد فردَّه على عبد الله، وأن فرسًا لابن عمر عار فلحق بالروم، فظهر عليه فردَّوه على عبد الله. لفظ رواية يحيى، واقتصر موسى على ذكر الفرس.
وسيأتي بعده بنحوه، فانظره. =

قال أبو داود: وقال غيره: ردَّه عليه خالد بن الوليد (١).
٢٦٩٩ - حدَّثنا محمدُ بن سليمانَ الأنباريُّ والحسنُ بن علي -المعنى- قالا: حدَّثنا ابن نُمير، عن عُبيد الله، عن نافعٍ
عن ابن عُمر قال: ذَهبَ فرسٌ له، فأخذها العدوُّ، فظهر عليهم المسلمون، فَرُدَّ عليه في زمنِ رسولِ الله ﷺ، وأبَقَ عبدٌ له، فلحِق بأرضِ الرُّوم، فظهر عليهم المسلمون، فردَّه عليه خالدُ بن الوليد بعدَ النبيَّ ﷺ (٢).

١٣٤ - باب في عَبيد المشركين يَلحَقُونَ بالمسلمين فيُسلمون
٢٧٠٠ - حدَّثنا عبدُ العزيز بن يحيى الحَرَّانيُّ، حدثني محمد -يعني ابنَ سلمةَ- عن محمدِ بن إسحاقَ، عن أبانَ بن صالح، عن منصورِ بن المُعتمِر، عن ربعيِّ بن حِراشٍ


قال الخطابي: في هذا دليل على أن المشركين لا يُحرزون على المسلم مالًا بوجه، وأن المسلمين إذا استنقذوا من أيديهم شيئًا كان للمسلم، وكان عليهم ردُّه عليه، ولا يغنمونه.
واختلفوا في هذا، فقال الشافعي: صاحب الشيء أحق به قُسم أو لم يُقسم.
وقال الأوزاعي والثوري: إن أدركه صاحبه قبل أن يُقسم فهو له، وإن لم يدركه حتى قُسم كان أحق به، وكذلك قال أبو حنيفة، إلا أنه فرق بين المال يغلب عليه العدو، وبين العبد يأبق، فيأسره العدو: فقال في المال مثل قول الأوزاعي، وقال في العبد مثل قول الشافعي.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن الأعرابي.
(٢) إسناده صحيح. ابن نمير: هو عبد الله بن نمير.
وأخرجه البخاري تعليقا (٣٠٦٧)، وابن ماجه (٢٨٤٧) من طريق عبد الله بن نمير، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٨٤٥).

عن عليِّ بن أبي طالبِ قال: خرجَ عُبدَانٌ إلى رسولِ الله ﷺ يعني يومَ الحُدَيبيةِ - قبلَ الصُّلْح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمدُ، واللهِ ما خَرَجوا إليك رغبةً في دينك، وإنما خرجُوا هربًا من الرِّقِّ، فقال ناسٌ: صدقُوا يا رسولَ الله، رُدَّهم إليهم، فغضِبَ رسولُ الله ﷺ، وقال: «ما أُراكُم تنتهون يا مَعشَر قُريش، حتى يبعثَ اللهُ عليكم من يَضْربُ رقابكم على هذا» وأبى أن يَرُدَّهم، وقال: «همُ عتَقَاءُ الله عز وجل» (¬١).

١٣٥ - باب في إباحة الطعام في أرض العدو
٢٧٠١ - حدَّثنا إبراهيمُ بن حمزةَ الزُّبيريُّ، حدَّثنا أنسُ بن عياض، عن عُبيد الله، عن نافعٍ
عن ابن عُمر: أن جيشًا غَنِموا في زمانِ رسول الله ﷺ طعامًا وعسلًا فلم يؤخَذْ منهم الخُمُسُ (٢).


(١) إسناده ضعيف. محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (١٠٩٣)، والطبراني في «الأوسط» (٤٣٠٧)، والحاكم ٢/ ١٢٥، والبيهقى ٩/ ٢٢٩ من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه بنحوه أحمد (١٣٣٦)، والترمذي (٤٠٤٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٣٦٢) من طريق شريك بن عبد الله النخعي، عن منصور، به. وشريك سيئ الحفظ.
ومع ذلك قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وصحح الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» كلا الطريقين وانظر «نصب الراية» ٣/ ٢٨١ - ٢٨٣ و«المغني» لابن قدامة ١٣/ ١١٦.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي، إبراهيم بن حمزة صدوق لا بأس به، وهو تابع. =

٢٧٠٢ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ والقَعنَبيُّ، قالا: حدَّثنا سليمانُ، عن حميدٍ -يعني ابنَ هِلالٍ-
عن عبدِ الله بن مُغَفَّل، قال: دُلِّيَ جِرَابٌ من شَحْمٍ يومَ خيبرَ، قال: فأتيتُه فالتزمتُه، قال: ثم قلتُ: لا أُعطي من هذا أحدًا اليومَ شيئًا، قال: فالتفَتُّ، فإذا رسولُ الله ﷺ يتبسَّم إليَّ (١).


= وأخرجه ابن حبان (٤٨٢٥) من طريق شعيب بن إسحاق، والطبراني في «الكبرى» (١٣٣٧٢)، وفي «الأوسط» (٨٩٤) و(٥٣٠١)، والبيهقي ٩/ ٥٩ من طريق أنس بن عياض، كلاهما عن عُبيد الله بن عمر، به.
وأخرج البخاري (٣١٥٤) من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه.
قال الخطابي: لا أعلم خلافًا بين الفقهاء في أن الطعام لا يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة، وأن لواجده أكلَه، ما دام الطعام في حدِّ القلة، وعلى قدر الحاجة، وما دام صاحبه مقيمًا في دار الحرب، وهو مخصوص من عموم الآية ببيان النبي ﷺ، كما خصّ منها السَّلَب وسهم النبي ﷺ والصفي، ورخص أكثر العلماء في علف الدواب، ورأوه في معنى الطعام، للحاجة إليه.
(١) إسناده صحيح. سليمان: هو ابن المغيرة القيسي، والقعنبي: هو عبد الله بن مسلمة.
وأخرجه مسلم (١٧٧٢)، والنسائي (٤٤٣٥) من طريق سليمان بن المغيرة، والبخاري (٣١٥٣)، ومسلم (١٧٧٢) من طريق شعبة بن الحجاج، كلاهما عن حميد ابن هلال، عن ابن مغفل.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٩١) و(٢٠٥٥٥).
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب على قدر حاجتهم، ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه، ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه إلا الزهري.

١٣٦ - باب في النهي عن النُّهبى إذا كان في الطعام قلةٌ في أَرض العدو
٢٧٠٣ - حدَّثنا سليمانُ بن حَرب، حدَّثنا جَريرٌ -يعني ابنَ حازمٍ- عن يَعلَى ابنِ حكيم، عن أبي لَبيدٍ، قال:
كنا مع عبد الرحمن بن سمُرةَ بكابُلَ فأصابَ الناسُ غنيمةً، فانتهبوها، فقامَ خطيبًا فقال: سمعتُ رسول الله ﷺ ينهى عن النُّهْبى. فردُّوا ما أخذوا، فقسَمه بينهم (١).
٢٧٠٤ - حدَّثنا محمد بن العَلاء، حدَّثنا أبو مُعاويةَ، حدَّثنا أبو إسحاقَ الشَّيبانيُّ، عن محمدِ بن أبي مُجالدٍ


(١) مرفوعه صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل أبي لبيد -واسمه لمازة ابن زبّار الأزدي- وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد (٢٠٦١٩)، والدارمي (١٩٩٥)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار»، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ١٦٧ - ١٦٨ من طريق جرير بن حازم، بهذا الإسناد.
وفي باب النهي عن النُّهبى عن أبي هريرة عند البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧).
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري عند البخاري (٢٤٧٤).
وانظر تمام شواهده في «المسند» عند حديث أبي هريرة (٨٣١٧).
قال الخطابي: «النُّهبى» اسم مبني على فُعْلَى: من النهب، كالرُّغبَى من الرَّغبة.
وإنما نهى عن النهب، لأن الناهب إنما يأخذه على قدر قوته، لا على قدر استحقاقه، فيؤدي ذلك إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه، وأن يبخس بعضهم حقه.
وإنما لهم سهام معلومة: للفارس سهمان، وللراجل سهم، فإذا انتهبوا الغنيمة بطلت القسمة وعدمت التسوية.
وكابل: هي عاصمة أفغانستان الواقعة شمال باكستان، افتتحها الأحنف بن قيس عام (٢٢ هـ) في خلافة عمر رضي الله عنه.

عن عبدِ الله بن أبي أوفَى قال: قلتُ: هل كنتم تخمِّسوُن -يعني الطعامَ- في عهدِ رسولِ الله ﷺ؟ فقال: أصبْنا طعامًا يومَ خَيبَر، فكان الرجلُ يجيءُ فيأخذُ منه مقدارَ ما يكفيه ثم ينصرفُ (١).
٢٧٠٥ - حدَّثنا هنَّادُ بن السَّرِيِّ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، عن عاصمٍ -يعني ابنَ كُليبٍ- عن أبيه
عن رجلِ من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في سفر فأصابَ الناسَ حاجةٌ شديدةٌ وجَهدٌ، وأصابوا غنمًا فانتَهبُوها، فإن قُدُورنَا لَتَغِلي إذ جاءَ رسولُ الله ﷺ يمشي على قوسِه، فأكْفأ قُدُورنا بقوسه، ثم جعلَ يُرَمِّلُ اللحمَ بالتُّراب، ثم قال: «إن النُّهْبَة ليست بأحلَّ من الميتةِ» أو «إن الميتةَ ليستْ بأحلَّ من النُّهْبةِ» الشَّكُّ من هنَّادٍ (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو إسحاق الشيباني: سليمان بن أبي سليمان، وأبو معاوية: هو محمد بن خَازم الضرير، ومحمد بن العلاء: هو أبو كُريب الهمْداني، مشهور بكنيته.
وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٧٤٠)، وأحمد (١٩١٢٤)، وابن الجارود (١٠٧٢)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٣٤٥٤)، والحاكم ٢/ ١٢٦ و١٣٣ - ١٣٤، والبيهقي في«السنن الكبرى» ٩/ ٦٠، وفي «دلائل النبوة» ٤/ ٢٤١ من طريق أبي إسحاق الشيباني، به.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عاصم بن كليب -وهو ابن شهاب- وأبيه، فهما صدوقان لا بأس بهما، لكن روي الحديث من وجه آخر عن رافع بن خديج وهو أنصاري، فلعله هو، والله أعلم. أبو الأحوص: هو سلاّم بن سُليم.
وأخرجه سعيد بن منصور (٢٦٣٦)، والبيهقي ٩/ ٦١ من طريق عاصم بن كليب، به.
وأخرج البخاري (٢٤٨٨)، ومسلم (١٩٦٨)، وابن ماجه (٣١٣٧)، والترمذي (١٦٩١)، والنسائي (٤٢٩٧) عن رافع بن خديج، نحوه. إلا أنه قال: فأمر النبيُّ بالقدور فأكفئت، ثم قسم، فعدل عشرة من الغنم ببعير.
وانظر في شرح هذا الحديث «فتح الباري» ٩/ ٦٢٦ - ٦٢٧ رقم الحديث (٥٤٩٨).

١٣٧ - باب في حمل الطعام من أَرض العدو
٢٧٠٦ - حدَّثنا سعيد بن منصور، حدَّثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عَمرو ابن الحارثِ، أن ابنَ حَرْشَفٍ الأزديَّ حدَّثه، عن القاسِمِ مولى عبد الرحمن عن بعضِ أصحابِ النبي ﷺ، قال: كُنا نأكُل الجَزور في الغزوِ، ولا نقسِمه، حتى إنْ كنا لَنرجِعُ إلى رحالِنا وأخْرِجَتُنا منه مُملأةٌ١).

١٣٨ - باب في بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو ٢٧٠٧ - حدَّثنا محمد بن المُصفّى، حدَّثنا محمد بن المبارك، عن يحيى ابن حمزة، حدَّثنا أبو عبد العزيز -شيخ من أهل الأردن- عن عُبادةَ بن نُسَيٍّ عن عبد الرحمن بن غَنْم، قال: رابطْنا مدينةَ قِنَّسرينَ مع شُرَحبيل ابن السِّمْطِ، فلما فتحها أصابَ فيها غنَمًا وبقَرًا، فقسم فينا طائفةً منها، وجعل بقيَّتَها في المغنَم، فلقيتُ معاذَ بن جَبَلٍ فحدثتُه، فقال معاذٌ: غزونا مع رسولِ الله ﷺ فأصبْنا فيها غنَمًا فقسَم فينا رسولُ الله ﷺ طائفةً، وجعل بقيَّتَها في المغنَم (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة ابن حرشف. القاسم مولى عبد الرحمن: هو نفسه القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٧٣٩).
وأخرجه سحنون في «المدونة الكبرى» ٣/ ٣٨ عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد. إلا أنه قال: عن رجل من أهل الأردن، بدل: ابن حرشف.
وأخرجه البيهقي ٩/ ٦١ من طريق هشيم بن بشير، عن عمرو بن الحارث، به.
(٢) إسناده حسن من أجل محمد بن المصفى وأبي عبد العزيز -وهو يحى بن عبد العزيز- فهما صدوقان حسنا الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٢٠/ (١٧٠)، وفي «الأوسط» (٦٧٣٧)، والبيهقي ٩/ ٦٠ من طريق يحيى بن حمزة، بهذا الإسناد. =

١٣٩ - باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء
٢٧٠٨ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ وعثمانُ بن أبي شيبةَ -المعنى، قال أبو داودَ: وأنا لحديثه أتْقَنُ- قالا: حدَّثنا أبو مُعاوية، عن محمد بن إسحاق، عن يزيدَ بن أبي حبيبِ، عن أبي مَرزوقٍ مولى تُجيب، عن حَنَشٍ الصنعانيِّ
عن رُويفعِ بن ثابتٍ الأنصاريِّ، أن النبيَّ ﷺ قال: «مَن كانَ يُؤمِنُ بالله وباليومِ الآخِرِ فلا يركبْ دابَّةً من فَيءِ المسلمين حتى إذا أعْجَفَها رَدَّها فيه، ومن كان يُؤمِنُ بالله وباليوم الآخر فلا يَلْبَس ثَوبًا مِن فَئ المُسلمين حتى إذا أخْلَقَهُ رَدَّهُ فيه» (¬١).

١٤٠ - باب في الرخصة في السلاح يقاتَل به في المعركة
٢٧٠٩ - حدَّثنا محمد بن العلاء، أخبرنا إبراهيمُ -يعني ابنَ يُوسفَ، قال أبو داود: هو إبراهيمُ بن يوسفَ بن إسحاقَ بن أبي إسحاقَ السَّبيعيُّ -عن أبيه، عن أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، قال: حدثني أبو عُبيدةَ


= وأخرجه الطبراني في «الكبير»٢٠/ (١٣١) من طريق رشدين بن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم، عن عبادة بن نسيّ، به.
وقنسرين: مدينة بالشام، بينها وبين حلب اثنا عشر ميلًا، فتحها أبو عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه سنة (١٧ هـ).
(١) صحيح بشواهده، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع عند أحمد (١٦٩٩٧) فانتفت شبهة تدليسه. وباقي رجاله ثقات. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وقد سلف برقم (٢١٥٩).
قال الخطابي: أما في حال الضرورة وقيام الحرب فلا أعلم بين أهل العلم اختلافًا في جواز استعمال سلاح العدو ودوابهم، فأما إذا انقضت الحرب، فإن الواجب ردُّها في المغنم. فأما الثياب والخرثى والأدوات فلا يجوز أن يستعمل شيئًا منها إلا أن يقول قائل الثياب: إنه إذا احتاج إلى شيء منها حاجة ضرورة كان له أن يستعمله مثل أن يشتد البرد فيستدفئ بثوب ويتقوى به على المقام في بلاد العدو مرصدًا لقتالهم.

عن أبيه، قال: مررتُ فإذا أبو جهلٍ صريعٌ قد ضُربتْ رجلُه فقلت: يا عدوَّ الله يا أبا جهلٍ، قد أخْزى اللهُ الآخِرَ، قال: ولا أهابُه عند ذلك، فقال: أبعَدُ من رجلٍ قتلَه قومُه! فضربتُه بسيفٍ غيرِ طائلٍ، فلم يُغنِ شيئًا حتى سقط سيفُه من يدِه، فضربتُه به حتى بَرَد (١).


(١) إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن أبا عبيدة -وهو ابن عبد الله بن مسعود- لم يسمع من أبيه، وإبراهيم بن يوسف -وإن كان ضعيفًا- متابع، لكن وردت قصة مقتل أبي جهل في «سيرة ابن إسحاق» من وجه آخر كما سيأتي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٧٣، وأحمد (٣٨٢٤) و(٤٢٤٦)، وأبو يعلى (٥٢٣٢)، والشاشي (٩٣٢)، والطبراني في «الكبير» (٨٤٦٨ - ٨٤٧١)، والبيهقي في «السنن» ٩/ ٦٢، وفي «دلائل النبوة» ٣/ ٨٧ و٨٨ من طريق أبي عُبيدة، عن أبيه.
وأخرج ابن إسحاق في «سيرته» كما في «سيرة ابن هشام» ٢/ ٢٨٨ قال: حدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضًا قد حدثني ذلك، قالا: ... فذكر قصة مقتلهِ إلى أن قال: فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل، حين أمر رسول الله ﷺ أن يُلتمس في القتلى، قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمقٍ فعرفتُه، فوضعت رجلي عدى عنقه، قال: وقد كان ضَبَثَ بي مرة بمكة (يعني قبض عليه ولزمه) فآذاني ولكَزَني، ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ قال: وبماذا أخزاني! أعمَدُ من رجلِ قتلتموه! أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قلت: لله ولرسوله.
وهذا إسناد حسن، لأن ابن إسحاق صرح بسماعه. وقد تحرف ثور بن زيد في «سيرة ابن هشام» إلى: ثور بن يزيد.
وأخرجه من طريق ابن إسحاق الطبري في «تاريخه» ٢/ ٣٧.
قال الخطابي: قوله: «أبعد من رجل» هكذا رواه أبو داود. وهو غلط، إنما هو: «أعمد من رجل» بالميم بعد العين، وهي كلمة للعرب، معناها: كأنه يقول: هل زاد على رجل قتله قومه، يهوِّن على نفسه ما حلّ به من الهلاك. حكاها أبو عبيد عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، وأنشد لابن ميادة:
وأعمدُ مِن قوم كفاهم أخوهُم ... صدامَ الأعادي حين فلَّتْ نيوبُها
يقول: هل زادنا على أن كفينا إخواننا؟ =

١٤١ - باب في تعظيم الغلول
٢٧١٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، أن يحيى بنَ سعيدٍ وبِشرَ بن المُفضَّل حدثاهم، عن يحيى بنِ سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن أبي عَمرةَ
عن زيدِ بن خالدِ الجُهنيِّ: أن رجلًا من أصحابِ النيى ﷺ تُوفِّي يومَ خيبرَ، فذكَروا ذلك لِرسولِ الله ﷺ فقال: «صلُّوا على صاحبِكم» فتغيَّرتْ وجوهُ الناسِ لذلك، فقال: «إن صاحبَكم غَلَّ في سبيلِ الله»، ففتَّشنا مَتاعَه فوجدنا خَرَزًا من خَرزِ يهودَ لا يُساوي درهمين (١).
٢٧١١ - حدَّثنا القَعنبيُّ، عن مالك، عن ثَورِ بن زَيدٍ الدِّيليِّ، عن أبي الغَيثِ مولى ابنِ مُطيعٍ
عن أبي هُريرةَ، أنه قال: خرجْنا مع رسولِ الله ﷺ عامَ خيبرَ فلم نَغْنم
ذهبًا ولا وَرِقًا إلا الثيابَ والمتاعَ والأموالَ، قال: فوجَّه رسولُ الله ﷺ


= وقوله: «برد» يريد مات، وأصل الكلمة من الثبوت. يريد سكون الموت، وعدم حركة الحياة، ومن ذلك قولهم: برد لي على فلان حقّ، أي: ثبت. وقوله: «غير طائل» أي غير ماض، وأصل الطائل: النفع والعائدة، يقال: أتيت فلانًا فلم أر عنده طائلًا. وفيه أنه قد استعمل سلاحه في قتله، وانتفع به قبل القسم.
(١) اسناده محتمل للتحسين. أبو عمرة: هو مولى زيد بن خالد مجهول الحال، فلم يرو عنه غير محمد بن يحيى بن حبان، ولم يُؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال الحاكم: رجل معروف بالصدق، وأقره الذهبي. وقد سمى بعضهم أبا عمرة: ابن أبي عمرة -وهو عبد الرحمن الثقة- وهو خطأ، وانظر تفصيل ذلك في «المسند» (١٧٠٣١).
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٤٨)، والنسائي (١٩٥٩) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٣١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٥٣).
قال الفقهاء: إذا مات الفاسق المصر على فسقه يجوز أن يمتنع من الصلاة عليه الأئمة الذين يقتدى بهم، بل يأمرون الناس أن يُصلوا عليه.

نحو وادي القُرَى -وقد أُهديَ لرسول الله ﷺ عبدٌ أسودُ يقال له: مِدْعَمٌ- حتى إذا كانوا بوادي القُرَى، فبينا مِدعَمٌ يَحُطُّ رَحْل رسولِ الله ﷺ إذ جاءه سهمٌ فقتَله، فقال الناسُ: هنيئًا له الجنةُ، فقال رسول الله ﷺ: «كلَّا، والذي نفسي بيدِه إن الشَّمْلَةَ التي أخذها يومَ خيبرَ من المغانم لم تُصِبها المَقاسِم لَتشتَعِلُ عليه نارًا» فلما سمعوا ذلك جاء رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَين إلى رسولِ الله ﷺ، فقال رسولُ الله ﷺ: «شِراكٌ من نارٍ -أو قال: شِراكان مِن نارٍ-» (¬١).

١٤٢ - باب في الغُلول اذا كان يسيرًا يتركه الإمام ولا يُحرِق رحلَه
٢٧١٢ - حدَّثنا أبو صالحٍ محبوبُ بن مُوسى، أخبرنا أبو إسحاق الفزاريُّ، عن عبد الله بن شَوذَبٍ، حدَّثني عامرٌ -يعني ابنَ عبدِ الواحد، عن ابن بُريدةَ


(١) إسناده صحيح. أبو الغيث مولى ابن مطيع: اسمه سالم، والقعنبي: هو عبد الله ابن مسلمة.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٤٥٩، ومن طريقه أخرجه البخاري (٤٢٣٤)، ومسلم (١١٥)، والنسائى (٣٨٢٧).
وأخرجه مسلم (١١٥) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن ثور بن زيد، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٨٥١).
وقوله في الحديث: عن أبي هريرة أنه قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام خيبر.
ولفظ البخاري: افتتحنا خيبر، فحكى الدارقطني عن موسى بن هارون قال: وهم ثور ابن زيد في هذا الحديث، لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي ﷺ إلى خيبر، وإنما قدم بعد خروجهم من المدينة إلى خيبر، وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت. انظر «تحفة الأشراف» ٩/ ٤٥٩، وفتح الباري ٧/ ٤٨٨.

عن عبد الله بن عَمرٍو، قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا أصاب غنيمةً أمر بلالًا فنادى في النَّاس فيجيئون بغنائِمهم فيُخَمِّسُه ويَقسِمُه، فجاء رجل بعدَ ذلك بزمامٍ من شَعر فقال: يا رسولَ الله، هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة، فقال: «أسمعتَ بلالًا يُنادي؟» ثلاثًا، قال: نعم، قال: «فما منعك أن تجيء به؟» فاعتَذر إليه فقال: «كن أنتَ تجيءُ به يومَ القيامة، فلن أقبلَه عنك» (¬١).

١٤٣ - باب في عقوبة الغالِّ
٢٧١٣ - حدَّثنا النُّفيليُّ وسعيد بن منصور، قالا: حدَّثنا عبدُ العزيزِ بن محمدٍ -قال النُّفيليُّ: الأنْدَرَاوَردِيُّ- عن صالح بن محمدِ بن زائدةَ
قال: دخلتُ مع مَسلَمةَ أرضَ الرُّومِ، فأُتي برجلٍ قد غَلَّ، فسألَ سالمًا عنه، فقال: سمعتُ أبي يحدث عن عمر بن الخطاب، عن النبيَّ ﷺ، قال: «إذا وجَدتُم الرجلَ قد غلَّ فأحرِقُوا مَتاعَه واضرِبُوه»


(١) إسناده حسن من أجل عامر بن عبد الواحد -وهو الأحول-. ابن بريدة: هو عبد الله، وأبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث.
وأخرجه أحمد (٦٩٩٦)، وابن حبان (٤٨٠٩)، والطبراني في «الأوسط» (٨٠٢٣)، وفي «مسند الشاميين» (١٢٨٠)، والحاكم ٢/ ١٢٧ و١٣٩، والبيهقي في «السنن» ٦/ ٢٩٣ و٣٢٤ و٨/ ٣٢٢ و٩/ ١٠٢ من طريق عبد الله بن شوذب، بهذا الإسناد.
وقوله: «فلن أقبله عنك» قال الطيبي: هذا وارد على سبيل التغليظ، لا أن توبته غير مقبولة، ولا أن ردَّ المظالم على أهلها أو الاستحلال منهم غير ممكن.
وقال المظهر: وإنما لم يقبل ذلك منه، لأن جميع الغانمين فيه شركة، وقد تفرقوا وتعذر إيصال نصيب كل واحد منهم منه إليه، فتركه في يده، ليكون إثمه عليه لأنه هو الغاصب. أفاده في «المرقاة».

قال: فوجدنا في متاعِه مُصحفًا، فسأل سالمًا عنه فقال: بعْه وتَصدَّق بثمنِه (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف صالح بن محمد بن زائدة، فقد قال عنه البخاري فيما نقله الترمذي في «جامعه» بأثر الحديث (١٥٢٨): هو منكر الحديث، وقال عن حديثه: حديث غريب، وكذلك قال الترمذي عن حديثه هذا.
النُّفيليُّ: هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٧٢٩).
وأخرجه الترمذي (١٥٢٨) من طريق عبد العزيز بن محمد الدَّراوَرْدي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤).
قال البخاري فيما نقله الترمذي بإثر الحديث: وقد روي في غير حديثٍ عن النبي ﷺ في الغالِّ، ولم يأمر فيه بحرق متاعه.
وقال الخطابي: أما تأديبُه عقوبته في نفسه على سوء فعله، فلا أعلم بين أهل العلم فيه خلافا، وأما عقوبته في ماله: فقد اختلف العلماءُ في ذلك.
فقال الحسن البصري: يحرق ماله إلا أن يكون حيوانًا أو مصحفًا.
وقال الأوزاعي: يُحرق متاعه، وكذلك قال أحمد وإسحاق، قالوا: ولا يُحرق ماغل، لأنه حق الغانمين يُرَدُّ عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته.
وقال الأوزاعي: يُحرق متاعه الذي غزا به وسرجه وإكافه، ولا يُحرق دابته ولا نفقته إن كانت معه، ولا سلاحه، ولا ثيابه التي عليه.
وقال الشافعي: لا يُحرق رحله، ولا يُعاقَبُ الرجل في ماله، إنما يعاقب في بدنه، جعل اللهُ الحدودَ على الأبدان، لا على الأموال.
وإلى هذا ذهب مالك. ولا أراه إلا قولَ أصحاب الرأي.
ويشبه أن يكونَ الحديثُ عندهم معناه: الزجرُ والوعيدُ، لا الإيجابُ، والله أعلم.
وقال الإمام محمد بن الحسن في «السير الكبير» ٤/ ١٢٠٦ - ١٢١١: وإذا وجد الغلول في رحل رجل، أُوجعَ ضربًا، ولم يبلغ به أربعين سوطًا، ولا يُحرق رحلُه بما صنع، ولا قطع عليه أيضًا، وهذا قول الجمهور من الفقهاء، فأما أهل الشام كانوا =

٢٧١٤ - حدَّثنا أبو صالح محبوبُ بن مُوسى الأنطاكيُّ، أخبرنا أبو إسحاقَ، عن صالحِ بن محمدٍ، قال:
غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالمُ بنُ عبدِ الله بن عُمر وعمرُ ابن عبد العزيز، فغَلَّ رجلٌ متاعًا، فأمر الوليدُ بمتاعِه فأُحرِقَ، وطِيْفَ به، ولم يُعْطِهِ سَهْمَه (١).
قال أبو داود: وهذا أصِحُّ الحديثين، رواه غيرُ واحدٍ أن الوليد ابنِ هشام حرَّقَ رحْلَ زيادٍ شَغَر، وكان قد غَلَّ، وضربَه. قال أبو داود: شَغر لقبُه.
٢٧١٥ - حدَّثنا محمد بن عَوفٍ، حدَّثنا مُوسى بن أيوبَ، حدَّثنا الوليدُ بن مُسلم، حدَّثنا زُهيرُ بنُ محمدٍ، عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده: أن رسولَ الله ﷺ وأبا بكر وعُمرَ حرّقُوا متاع الغالِّ وضربُوه (٢).


= يقولون: يحرق رحلُ الغالِّ، ويروون فيه حديثًا عن الحسن رضي الله عنه، قال: يؤخذ الغلول من رحله ثم يُحرق رحلُه إلا أن يكون فيه مصحف، وأصحاب الحسن يروونه عنه موقوفًا، وقد ذكر الأوزاعي عن الحسن هذا الحديث مرفوعًا، ولكن الفقهاء لم يُصححوا هذا الحديث، لأنه شاذ يرويه مجهول لا يعرف، فإن الأوزاعي لم يذكر اسم الرجل الذي بينه وبين الحسن، ثم هو مخالف للأحاديث المشهورة أن رسول الله ﷺ ألحق الوعيد بكل من ظهر منه غلول، ولم يشتغل بإحراق رحل أحد ...
(١) إسناده ضعيف لضعف صالح بن محمد -وهو ابن زائدة- السالف ذكره في الحديث السابق. أبو إسحاق: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفَزاري.
وأخرجه البيهقي ٩/ ١٠٣ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
(٢) إسناده ضعيف. زهير بن محمد -وهو التميمي- رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة لأنه كان يحدث هناك من حفظه فيكثر غلُطه، والوليد بن مسلم دمشقي، ثم =

قال أبو داود: وزاد فيه عليُّ بن بَحْرِ عن الوليدِ -ولم أسمعْه منه-: ومَنَعُوه سهمَه.
وحدَّثنا به الوليد بن عتبةَ وعبدُ الوهاب بن نَجْدةَ، قالا: حدَّثنا الوليدُ، عن زهيرِ بن محمد، عن عَمرو بن شُعيبٍ قولَه: لم يذكُر عبدُ الوهّاب بن نَجْدةَ الحَوطِيُّ: منع سهمه.

١٤٤ - باب النهيِ عن السَّترِ على مَن غَلَّ
٢٧١٦ - حدَّثنا محمدُ بن داودَ بن سفيانَ، حدَّثنا يحيي بنُ حَسَّانَ، حدَّثنا سليمانُ بن موسى أبو داود، حدَّثنا جعفرُ بن سَعدِ بن سَمُرةَ بن جُندب، حدثني خُبيبُ بن سُليمانَ، عن أبيه سليمانَ بنِ سَمُرةَ
عن سَمرةَ بن جُندب: أما بعدُ، وكان رسول الله ﷺ يقولُ: «مَنْ كَتَم غَالا فإنه مثلُه» (١).


= إنه اختلف عنه في رفعه ووقفه، إذ روي من طريقه مرة من قول عمرو بن شعيب لم يجاوزه، كما أشار إليه المصنف.
وأخرجه ابن الجارود (١٠٨٢)، والحاكم ٢/ ١٣٠ - ١٣١، والبيهقي ٩/ ١٠٢ من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي! لكن ضعفه البيهقي، والحق ما قال.
(١) إسناده ضعيف مسلسل بالضعفاء والمجاهيل، قال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ١٣٨ عند حديث بناء المساجد في الدور عن سمرة بهذا الإسناد: إسناد مجهول ألبتة، وما من هؤلاء من تعرف له حالٌ، وقد جَهِدَ المُحدِّثون فيهم جهدهم.
وقال الذهبي في ترجمة جعفر بن سعد بن سمرة من «الميزان»: هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم، وأورد هذا الحديث.
يحيى بن حسان: هو التِّنِّيسي، وسليمان بن موسى: هو الزهري الكوفي.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٠٢٣) من طريق دُحيم، عن يحيي بن حسان، بهذا الإسناد.

١٤٥ - باب في السَّلَبِ يُعطَى القاتل
٢٧١٧ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلَمةَ القَعنبيُّ، عن مالكٍ، عن يحيى بنِ سَعيدٍ، عن عمرَ بن كثيرِ بن أفلحَ، عن أبي محمدٍ مولى أبي قَتادةَ
عن أبي قتَادةَ، قال: خرجْنا مع رسولِ اللهِ ﷺ في عامِ حنينٍ، فلما التقينا كانت للمسلمين جَولَةٌ، قال: فرأيتُ رجلًا من المشركين قد عَلا رجلًا مِنَ المُسلمين، قال: فاستدَرْتُ له حتى أتيتُه من ورائه، فضربتُه بالسيفِ على حَبْل عاتقِه، فأقبلَ عليَّ، فضَمَّني ضَمَّةً وجدتُ منها ريحَ الموت، ثم أدركه الموتُ فأَرسلَني، فلحقتُ عمرَ بن الخطاب فقلتُ له: ما بالُ الناسِ؟ قال: أمرُ الله، ثم إن الناسَ رجَعوا، وجلسَ رسولُ الله ﷺ وقال: «مَن قَتَل قَتِيلًا لَهُ عليه بيِّنَةٌ، فله سلَبُه» قال: فقمتُ، ثم قلتُ: من يشهدُ لي؟ ثم جلستُ، ثم قال: «مَن قتل قتيلًا له عليه بينةٌ، فله سلَبُه» قال: فقمتُ، ثم قلتُ: من يشهدُ لي؟ ثم جلستُ، ثم قال ذلك الثالثةَ، فقمتُ، فقالَ رسولُ الله ﷺ: «ما لك يا أبا قتادةَ؟» فاقتصَصْتُ عليه القصةَ، فقال رجل من القوم: صَدَق يا رسولَ الله، وسَلَبُ ذلك القتيلِ عندي، فأَرْضِه منْه، فقال أبو بكر الصديق: لاها اللهِ إذا، يَعْمِدُ إلى أسدٍ من أُسْدِ الله، يقاتِل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سَلبَه، فقال رسولُ الله ﷺ: «صَدَقَ، فأعطِه إياهُ».
فقال أبو قتادةَ: فأعطانِيه، فبعتُ الدِّرعَ، فابتَعْتُ مَخْرَفًا في بني سَلِمةَ، فإنه لأوَّلُ مالٍ تَأثَّلْتُهُ في الإسلام (١).


(١) إسناده صحيح. أبو محمد مولى أبي قتادة: هو نافع بن عباس الأقرع، ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري، ومالك: هو ابن أنس. =

٢٧١٨ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حمّاد، عن إسحاقَ بن عبد الله ابن أبي طلحةَ


= وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٤٥٤.
وأخرجه البخاري (٣١٤٢)، ومسلم (١٧٥١)، وابن ماجه (٢٨٣٧) والترمذي (١٦٤٩) و(١٦٥٠) من طريق يحيى بن سعيد، به. ورواية ابن ماجه مختصرة بلفظ: أن رسول الله ﷺ نفله سلَبَ قتيل، قتله يوم حُنين.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥١٨) و(٢٢٦٠٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٠٥).
قال الخطابي: «حبل العاتق»: وصلة ما بين العنق والكاهل.
وقوله: «لاها الله إذًا»، هكذا يروى، والصواب: «لاها الله ذا» بغير ألف قبل الذال، ومعناه في كلامهم: لا والله، يجعلون الهاء مكان الواو. ومعناه: لا والله لا يكون ذا.
و«المخرف» بفتح الميم: البستان، يريد حائط نخل يُخترف منه الثمر، فأما المِخرف بكسر الميم: فالوعاء الذي يُخرف فيه الثمر.
وقوله: «تأثَّلْتُه» معناه: تملكتُه، فجعلته أصل مالٍ. وأثَلَةُ كل شيء: أصله، ويقال: تأثَّل مِلكُ فلانٍ: إذا كثُر.
وقال النووي في «شرح مسلم»: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث: فقال الشافعي ومالك والأوزاعي والليث والثوري وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن جرير وغيرهم: يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلًا فله سلبه، أم لم يقل ذلك. قالوا: وهذه فتوى من النبي ﷺ وإخبار عن حكم الشرع فلا يتوقف على قول أحدٍ. وقال أبو حنيفة ومالك ومن تابعهما رحمهم الله تعالى: لا يستحق القاتل بمجرد القتل سلب القتيل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة إلا أن يقول الأمير قبل القتال: من قتل قتيلًا فله سلبه، وحملوا الحديث على هذا، وجعلوا هذا إطلاقًا من النبي ﷺ، وليس بفتوى وإخبار عام، وهذا الذي قالوه ضعيف، لأنه صرح في هذا الحديث بأن النبي ﷺ قال هذا بعد الفراغ من القتاد واجتماع الغنائم، والله أعلم. قال: ثم إن الشافعي رضي الله عنه يشترط في استحقاقه أن يغزو بنفسه في قتل كافر ممتنع قي حال القتال، والأصح أن القاتل لو كان ممن له رضْخ ولا سهم له كالمرأة والصبي والعبد استحق السَّلَب، وقال مالك رضي الله عنه: لا يستحقه إلا المقاتل، وقال الأوزاعي والشاميون: لا يستحق السلب إلا في قتيل قتله قبل التحام الحرب، فأما من قتل في التحام الحرب فلا يستحقه.

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ يومئذٍ -يعني يومَ حُنينٍ- «من قتلَ كافرًا فله سَلبَه» فقتَل أبو طلحةَ يومئذ عشرينَ رجلًا وأخذ أسلابَهُم، ولقي أبو طلحةَ أُمَّ سُليمٍ ومعها خِنْجَرٌ، فقال: يا أُم سليم، ما هذا معك؟ قالت: أردْتُ والله إن دنا منِّي بعضُهم أبْعَجُ به بطنَه، فأخبر بذلك أبو طلحةَ رسولَ اللهِ ﷺ (١).
قال أبو داود: هذا حديث حسنٌ.
قال أبو داود: أردنا بهذا الخِنْجرَ، وكان سلاحَ العَجَم يومئذ الخِنجرُ (٢).

١٤٦ - باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى، والفرسُ والسلاحُ من السَّلَبِ
٢٧١٩ - حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدّثنا الوليد بن مُسلم، حدّثني صفوانُ بن عَمرو، عن عبد الرحمن بن جُبيرِ بن نُفَيرِ، عن أبيه عن عَوفِ بن مالكِ الأشجعىِّ، قال: خرجتُ مع زيدِ بن حارثةَ في غزوة مُؤْتَةَ ورَافَقَني مَدَدِيٌّ في أهل اليمن، ليس معه غيرُ سيفِه، فنحر رجلٌ من المسلمين جَزُورًا، فسأله المدَدِيُّ طائفةً من جِلْدهِ،


(١) إسناده صحيح. حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم (١٨٠٩) من طريق حماد بن سلمة، به.
وأخرجه مسلم أيضًا (١٨٠٩) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس فيكون لحماد بن سلمة في هذا الحديث شيخان هما ثابت وإسحاق.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٥٨) و(١٢٩٧٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٣٨).
(٢) مقالتا أبي داود هاتان أثبتناهما من (هـ) وهي برواية ابن داسه.

فأعطاهُ إياهُ، فاتخذه كهيئةِ الدَّرَقِ ومضَينا فلقِينا جُموعَ الرُّوم، وفيهم رجلٌ على فرسِ له أشقرَ عليه سَرجٌ مُنْ مُذْهَبٌ وسِلاح مُذْهَبٌ، فجعل الروميُّ يُغرِي بالمسلمين، فقعدَ له المَدَدِّيُّ خلفَ صخرةٍ، فمرَّ به الروميُّ فَعَرْقَب فَرسه، فخرَّ، وعلاه فقتَلَه وحازَ فرسَه وسلاحَه، فلما فتحَ اللهُ عز وجل للمسلمين بعثَ إليه خالدُ بنُ الوليدِ، فأخذ من السلب، قال عوفٌ: فأتيتُه فقلتُ: يا خالدُ، أما علمتَ أن رسولَ الله ﷺ قضى بالسَّلبَ للقاتِل؟ قال: بلى، ولكني استكثرْتُه، قلتُ: لَتردَّنهُ إليه أو لأعرفَنَّكَهَا عندَ رسولِ الله ﷺ، فأبى أن يردَّ عليه، قال عوفٌ: فاجتمعْنا عندَ رسولِ الله ﷺ، فقصَصَتُ عليه قصةَ المَدديِّ، وما فعلَ خالدٌ، فقالَ رسولُ الله ﷺ: «يا خالدُ، ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟» قال: يا رسولَ الله، لقد استكْثرْتُه، فقال رسولُ الله ﷺ: «يا خالدُ، رُدَّ عليه ما أخذتَ منه» قال عوفٌ: فقلتُ: دونَك يا خالدُ، ألم أفِ لكَ؟ فقال رسولُ الله ﷺ «وما ذلك؟» قال: فأخبرتُه، قال: فغضِبَ رسولُ الله ﷺ فقال: «يا خالدُ، لا تَرُدَّ عليه، هل أنتم تاركو (١) لي أُمَرائي؟ لكُم صِفوةُ أمرِهم وعليهم كَدَرُهُ» (٢).


(١) قال النووي في «شرح مسلم»: تعليقا على قوله: «هل أنتم تاركو لي؟»: هكذا هو في بعض النسخ «تاركو» بغير نون، وفي بعضها: «تاركون»بالنون. وهذا هو الأصل، والأول، صحيح أيضًا، وهي لغة معروفة، وقد جاءت بها أحاديث كثيرة، منها: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا».
(٢) إسناده صحيح، والوليد بن مسلم -وإن كان يدلس تدليس التسوية. تابعه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني عند أحمد (٢٣٩٨٧) وغيره فانتقت شبهة تدليسه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٩٧). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه مسلم (١٧٥٣) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه كذلك (١٧٥٣) من طريق معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، به.
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (٢٧٢١).
قوله: يُغري، من الإغراء وتشجيع الكافرين على المسلمين، وفي النسخة التى شرح عليها الخطابي: يفريَ من الفرْي، وهو شدة النكاية في المسلمين، يقال: فلان يفري الفري إذا كان يبالغ في الأمر، وأصل الفري القطع.
وقال الخطابي: وقوله: «لأعرفنَّكها» يريد لأجازينك بها حتى تعرف صنيعك. قال الفراء: العرب تقول للراجل إذا أساء إليه رجل:! لأعرفنَّ لك عن هذا«أي: لأجازينك عليه، تقول هذا لمن تتوعده: قد علمت ما علمت، وعرفت ما صنعت، ومعناه: سأجازيك عليه، لا أنك تقصد إلى أن تعرِّفه أنك قد علمت فقط، ومنه قول الله عز وجل ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾ [التحريم: ٣] قراءة الكسائي بالتخفيف.
وقد روي ذلك عن عاصم في إحدى الروايتين، قال: ومعنى»عرف«جازى.
قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه: أن الفرس من السلب، وأن السلب ما كان قليلًا أو كثيرًا فإنه للقاتل، لا يخمس، ألا ترى أنه أمر خالدًا بردّه عليه مع استكثاره إياه، وإنما كان ردّه إلى خالد بعد الأمر الأول بإعطائه القاتل نوعا من التكبر على معروف، وردعًا له وزجرًا، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، ولئلا يتسرعوا إلى الوقيعة فيهم، وكان خالد مجتهدًا في صنيعه ذلك، إذا كان قد استكثر السلب، فأمضى له رسول ﷺ اجتهاده، لما رأى في ذلك من المصلحة العامة، بعد أن كان خطأه في رأيه الأول، والأمر الخاص مغمور بالعام، واليسير من الضرر محتمل للكثير من النفع والصلاح.
ويشبه أن يكون النبي ﷺ قد عوّض المدديَّ من الخمس الذي هو له، وترضّى خالدًا بالصفح عنه، وتسليم الحكم له في السلب.
وفيه دليل على أن نسخ الشيء قبل الفعل جائز، ألا ترى أن النبيَّ ﷺ أمره بإمساكه قبل أن يَردَّه، فكان في ذلك نسخ لحكمه الأول؟
و»الصفوة" مكسورة الصاد، خلاصة الشىء، وما صفا منه. إذا أثبت الهاء قلت: صفوة بكسر الصاد، وإذا حذفتها قلت: صفو بفتحها.

٢٧٢٠ - حدّثنا أحمد بن محمد بن حَنبلٍ، حدَّثنا الوليدُ، قال: سألتُ ثَورًا عن هذا الحديثِ، فحدَّثني عن خالدِ بن مَعدانَ، عن جُبيرِ بن نُفيرٍ، عن عوفِ ابن مالكٍ الأشجعيِّ، نحوه١).

١٤٧ - باب في السَّلب لا يُخَمَّس
٢٧٢١ - حدَّثنا سعيدُ بن مَنصور، حدَّثنا إسماعيلُ بن عيَّاشِ، عن صفوانَ ابن عَمروٍ، عن عبد الرحمن بن جُبيرِ بن نُفَير، عن أبيه
عن عوفِ بن مالكٍ الأشجعيِّ وخالدِ بن الوليد: أن رسولَ الله ﷺ قَضَى بالسّلَب للقاتِل، ولم يُخَمِّس السَّلَبَ (٢).


(١) إسناده صحيح كسابقه. ثور: هو ابن زيد الكَلاعي الحمصي.
وانظر ما بعده أيضًا.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل إسماعيل بن عياش، وروايته هنا عن أهل بلده، ثم إنه متابع.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٦٩٨).
وأخرجه أبو عبيد في «الأموال» (٧٧٢)، وأبو يعلى (٧١٩٢)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٢٦، والبيهقي ٦/ ٣١٠، وابن عبد البر في «الاستذكار» (١٩٧٥٣) من طريق إسماعيل بن عياش، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٦٨٢٢)، وابن الجارود (١٠٧٧) من طريق أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، عن صفوان بن عمرو، به. وإسناده صحيح ولفظه: أن النبي ﷺ لم يخمس السلب.
وانظر ما سلف برقم (٢٧١٩).
قال النووي في «شرح مسلم» عند حديث أبي قتادة الأنصاري (١٧٥١): واختلفوا في تخميس السلب، وللشافعي فيه قولان: الصحيح منهما عند أصحابه. لا يخمس، وهو ظاهر الأحاديث، وبه قال أحمد وابن جرير وابن المنذر وآخرون. وقال مكحول ومالك والأوزاعي: يخمس، وهو قول ضعيف للشافعي، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه: يخمس إذا كثر، وعن مالك رواية، اختارها إسماعيل القاضي: أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا. =

١٤٨ - باب من أجازَ على جريحٍ مُثخَنٍ يُنَفَّل من سَلَبِهِ
٢٧٢٢ - حدَّثنا هارونُ بن عبَّاد الأزديُّ، حدَّثنا وكيعٌ، عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ
عن عبد الله بن مَسعودٍ، قال: نَفَّلني رسولُ الله ﷺ يومَ بدرٍ سَيفَ أبي جَهْل، كان قتَلَه١).

١٤٩ - باب فيمن جاء بعد الغنيمةِ لاسَهْمَ له
٢٧٢٣ - حدّثنا سعيدُ بن منصور، حدّثنا إسماعيلُ بن عيَّاش، عن محمد ابن الوليد الزُّبَيديِّ، عن الزُّهريِّ أن عَنْبَسةُ بن سعيد أخبره
أنه سمع أبا هُريرةَ يُحدَّث سعيدَ بن العاص أن رسولَ الله ﷺ بعثَ أبانَ بن سعيدِ بن العاصِ على سَريّةٍ من المدينةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فقدِم أبانُ بن سعيد وأصحابُه على رسولِ الله ﷺ بخيبرَ بعد أن فتحها، وإنَّ حُزُمَ خَيلِهم لِيْفٌ، فقال أبانُ: اقْسِمْ لنا يا رسولَ الله، فقال أبو هُريرةَ: فقلتُ: لا تَقْسِم لهم يا رسولَ الله، فقال أبانُ: أنتَ بها يا وَبْرُ، تحدَّرَ علينا من رأس ضَالٍ،


= وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٣١: كل من كان من أهل العسكر في دار الحرب لا يستحق أحدٌ منهم شيئًا مما تولَّى أخذه من أسلاب القتلى وغيرها، إلا كما يستحق منه سائرُ أهل العسكر، إلا أن يكونَ الإمامُ نفَّله من ذلك شيئًا، فيكون ذلك له بتنفيل الإمام لا بغير ذلك ... وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، رحمة الله عليهم أجمعين.
(١) إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن أبا عبيدة -وهو ابن عبد الله بن مسعود- لم يسمع من أبيه.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٧٣، وأحمد (٤٢٤٦)، وأبو يعلى في «مسنده» (٥٢٣١) عن وكيع، بهذا الإسناد. وزاد محقق «مسند أبي يعلى» من كيسه خطأ «سفيان بن» قبل وكيع وليست هذه الزيادة في الأصلين اللذين اعتمدهما.

فقال النبيُّ ﷺ: «اجلِسْ يا أبانُ»، ولم يَقْسِمْ لهم رسولُ الله ﷺ (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل إسماعيل بن عياش، فهو صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا منها، على أنه متابع كما سيأتي.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٧٩٣).
وعلقه البخاري في «صحيحه» بصيغة التمريض (٤٢٣٨) عن محمد بن الوليد الزبيدي، به.
وأخرجه محمد بن يحيي الذهلي في «الزهريات» كما في «تغليق التعليق» لابن حجر ٤/ ١٣٥، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٥٣٢) و(٥٣٤) و(٥٤١) وابن الجارود (١٠٨٨)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٩٠٦)، وفي «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٤٤، والطبراني في «الأوسط» (٣٢٤٢)، وأبو نعيم في «مستخرجه على البخاري» كما في«التغليق» ٤/ ١٣٤، وابن حجر كذلك في «التغليق» ٤/ ١٣٥ من طريق إسماعيل بن عياش، وأبو نعيم في «مستخرجه»، وابن حجر في «التغليق» ٤/ ١٣٥ من طريق عبد الله بن سالم، كلاهما عن محمد بن الوليد، به.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٩٠٧)، وابن حبان (٤٨١٤) و(٤٨١٥)، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٧٣)، والبيهقي ٦/ ٣٣٤ من طريق الولِيد بن مسلم قال: فذكرته لسعيد بن عبد العزيز قال: سمعت الزهري يذكر عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكره. وهذا إسناد صحيح.
وسيأتي بعده من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عنبسة بن سعيد، عن أبي هريرة، فخالفَ الزّبَيديَّ، إذ جعل السائل القَسْمَ أبا هريرة.
وقد صحح الذُّهليُّ فيما نقله البيهقي ٦/ ٣٣٤ روايةَ الزُّبيدي ورواية سعيد بن عبد العزيز، وهما متفقتان. أما البخاري فالذي يظهر من صنيعه أنه يصحح رواية سفيان بن عيينة، إذ علق طريق الزُّبيدي وأسند طريق سفيان. وانظر فقه الحديث بعد تخريج الحديث الآتي.
قال الخطابي: قوله: أنت بها، فيه اختصار وإضمار. ومعناه: أنت المتكلم بهذه الكلمة. وكان ابن عمر يرمي، فإذا أصاب الخصل قال: «أنا بها» أي أنا الفائز بالإصابة. و«الوبر» دويبة في قدر السِّنَّور أو نحوه.
و«ضال» يقال: إنه جبل. أو موضع. يريد بهذا الكلام تصغير شأنه، وتوهين أمره.

٢٧٢٤ - حدَّثنا حامدُ بن يحيى البَلْخِيُّ، حدَّثنا سفيانُ، حدّثنا الزهريُّ، وسأله إسماعيلُ بن أُميةَ، فحدثَنَاه الزُّهريُّ أنه سمع عَنبَسةَ بنَ سعيد القرشىَّ يحدثُ
عن أبي هُريرةَ، قال: قدمتُ المدينةَ ورسولُ اللهِ ﷺ بخيبرَ حين افتتحها، فسألتُه أن يُسهِمَ لي، فتكلم بعضُ ولدِ سعيدِ بن العاصِ، فقال: لا تُسْهِم له يا رسول الله، قال: فقلتُ: هذا قاتِلُ ابنِ قَوْقَلٍ، فقال سعيدُ ابن العاص: يا عجبًا لوبْرٍ قد تدلَّى علينا من قَدومِ ضالٍ، يُعيِّرنُي بقتْل امرىءٍ مسلمٍ أكرَمَهُ الله تعالى على يديَّ، ولم يُهِنِّي على يدَيه (١).


(١) إسناده صحيح. لكن حامد بن يحيي قد أخطأ في روايته إذ قال: فقال سعيد ابن العاص، وإنما هو: ابن سعيد بن العاص، وهو أبان، كما جاء في الطريق السالفة وكما رواه البخاري من طريق ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢٨٢٧) و(٤٢٣٧) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
لكن جاء في الموضع الأول عند البخاري قول سفيان: فلا أدري أسهم له رسول الله ﷺ أم لم يسهم له. في حين جزم الزبيدي وسعيد بن عبد العزيز بأنه لم يسُهم له.
وأخرجه البخاري (٢٨٢٧) و(٤٢٣٩) من طريق عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن جده: أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي ﷺ فسلّم
عليه، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل، فقال أبان لأبي هريرة: واعجبًا لك، وبْرٌ تدأدأ من قَدومِ ضأن، ينعى عليَّ امرأً أكرمه الله بيدي، ومنعه أن يهينني بيده. هكذا ليس فيه ذكر سؤال القسمة أصلا.
قال الخطابي: وفيه من الفقه: أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، دون من لحقهم بعد إحرازها.
وقال أبو حنيفة: من لحق بالجيش بعد أخذ الغنيمة قبل قسمها في دار الحرب، فهو شريك الغانمين.
وقال الشافعي: الغنيمة لمن حضر الوقعة، أو كان رِدءًا لهم، فأما من لم يحضرها فلا شيء له منها. وهو قول مالك وأحمد.
وكان الشافعي يقول: إن مات قبل القتال فلا شيء له ولا لورثته، وإن مات بعد القتال وقبل القسم كان سهمه لورثته. =

قال أبو داود: هؤلاء كانوا نحو عشرة، فقُتِل منهم ستةٌ ورجع من بقي.
٢٧٢٥ - حدَّثنا محمد بن العَلاء، حدَّثنا أبو أُسامةَ، حدَّثنا بُريد، عن أبي بُردةَ عن أبي موسى، قال: قدِمنا فوافَقنا رسولَ الله ﷺ حين افتتح خيبرَ، فأسهم لنا -أو قال: فأعطانا منها- وما قَسمَ لأحدٍ غابَ عن فتحِ خيبرَ منها شيئًا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتِنا جعفرٍ وأصحابِه، فأسهمَ لهم معهم (١).
٢٧٢٦ - حدَّثنا محبوبُ بن مُوسى أبو صالح، أخبرنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن كُليبِ بن وائلٍ، عن هانىء بن قَيس، عن حبيبِ بن أبي مُلَيكةَ
عن ابن عمر، قال: إن رسولَ الله ﷺ قامَ -يعني يومَ بدرٍ- فقال: «إن عُثمانَ انطلقَ في حاجةِ اللهِ وحاجةِ رسولهِ، وإني أُبايعُ له»، فضربَ له رسولُ الله ﷺ بسهمٍ، ولم يضربْ لأحدٍ غابَ غيرِه (٢).


= وكان الأوزاعى يقول: إذا أَدْرَبَ [أي: دخل الدرب]، قاصدًا في سبيل الله أسهم له، شهد القتال أو لم يشهد.
(١) إسناده صحيح. أبو موسى: هو عبد الله بن قيس الأشعري، وأبو بردة: هو ابن أبي موسى الأشعري، وبُريد: هو ابن عبد الله بن أبي بُردة، وأبو أسامة: هو حماد ابن أسامة، ومحمد بن العلاء: هو أبو كريب الهَمْداني، مشهور بكنيته.
وأخرجه ضمنَ حديث مطول البخاري (٣١٣٦)، ومسلم (٢٥٠٢)، والترمذي (١٦٤٤) من طريق بريد بن عبد الله، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٦٣٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨١٣).
(٢) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل هانىء بن قيس، فقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في «الثقات» فمثله يكون حسن الحديث إن شاء الله، وقد توبع.=

١٥٠ - باب في المرأةِ والعبدِ يُحْذَيان من الغنيمةِ
٢٧٢٧ - حدَّثنا محبوبُ بن موسى أبو صالحٍ، حدَّثنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن زائدةَ، عن الأعمشِ، عن المُختار بن صَيفيٍّ، عن يزيدَ بن هُرمُزَ قال:
كتب نَجْدَةُ إلى ابنِ عباسٍ يسألُه عن كذا وعن أشياءَ، وعن المملوكِ: ألَهُ في الفيء شيءٌ؟ وعن النساءِ: هل كُنَّ يَخرجْن مع النبيَّ


= وأخرجه الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ٢/ ٥، والمزي في ترجمة حبيب بن أبي مليكة عن «تهذيب الكمال» ٥/ ٤٠١ - ٤٠٢ من طريق أبي إسحاق الفزاري، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٥٧٧٤)، وفي «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٤٤، والطبراني في «الأوسط» (٨٤٩٤) من طريق عبد الواحد بن زياد، عن كليب بن وائل، به. وقد سقط اسمُ عبد الواحد من مطبوع «المشكل» واستدركناه من «شرح المعاني».
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٤٦ - ٤٧، وابن حبان (٦٩٠٩)، والمزي في ترجمة حبيب من «تهذيب الكمال» من طريق زائدة بن قدامة، والحاكم ٣/ ٩٨ من طريق معتمر بن سليمان، كلاهما عن كليب بن وائل، عن حبيب بن أبي مليكة، عن ابن عمر. فلم يذكرا في الإسناد هانىء بن قيس، ولم يتعقَّب المزيُّ هذا الأمر بشيءٍ. وقد صرح كليبٌ بسماعه من حبيب في رواية المعتمر!
وأخرج البخاري (٣١٣٠) من طريق عثمان بن موهب، عن ابن عمر قال: إنما تغيب عثمان عن بدرٍ، فإنه كانت تحته بنتُ رسول الله ﷺ وكانت مريضة، فقال له النبي ﷺ: «إن لك أجرَ رجلٍ ممن شهد بدرًا وسهمَه» وهو في «مسند أحمد» (٥٧٧٢).
قال الخطابي: هذا خاصٌّ لعثمان رضي الله عنه. لأنه كان مُمرِّض ابنة رسول الله ﷺ. وهو معنى قوله: «حاجة الله وحاجة رسوله» يريد بذلك حاجة عثمان في حق الله وحق رسوله، وهذا كقوله سبحانه: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧] وإنما هو رسول الله إليهم.
ومن احتج بهذا في وجوب القسم لمن لحق الجيش قبل القسم، فهو غير مُصيب، وذلك أن عثمان رضي الله عنه كان بالمدينة. وهذا القائل لا يقسم لمن كان في المصر. فلا موضع لاستدلاله فيه.

ﷺ؟ وهل لهن نَصيبٌ؟ فقالَ ابنُ عباسٍ: لولا أن يأتيَ أُحمُوقَةً ما كتبتُ إليه، أما المملوكُ فكان يُحْذَى، وأما النساءُ فقد كُنَّ يُداوينَ الجَرحى ويَسْقِينَ الماءَ (١).
٢٧٢٨ - حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارسٍ، حدَّثنا أحمدُ بن خالدٍ -يعني الوَهْبىَّ- حدَّثنا ابن إسحاقَ، عن أبي جعفر والزُّهريِّ، عن يزيدَ بن هُرمزَ، قال: كتب نجْدةُ الحَروريُّ إلى ابن عباسٍ يسألُه عن النساءِ: هل كُنَّ يشهدْنَ الحربَ مع رسولِ الله ﷺ؟ وهل كان يُضربُ لهن بسهمٍ؟ قال: فأنا كتبتُ كتابَ ابنِ عباسٍ إلى نَجْدةَ: قد كُنَّ يَحضُرنَ الحربَ


(١) حديث صحيح. وهذا إسناد ضعيف لجهالة المختار بن صيفى فلم يرو عنه غير الأعمش، وليس له عند مسلم غير هذا الحديث متابعة. زائدة: هو ابن قدامة.
وأخرجه مسلم (١٨١٢) من طريق زائدة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم أيضًا (١٨١٢)، والترمذي (١٦٣٩) من طريق محمد بن علي الباقر، ومسلم (١٨١٢)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٦٣) من طريق سعيد المقبري، ومسلم (١٨١٢) من طريق قيس بن سعد، ثلاثتهم عن يزيد بن هرمز. لكن اقتصر الترمذي على ذكر النساء، وأما النسائي فلم يقل في روايته: يُحذيان، واكتفى بقوله: وأما العبد والمرأة فليس لهما شيء، يعني سهمًا في الغنيمة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٣٥).
وانظر ما بعده.
ونجدة السائل: هو نجدة بن عامر الحروري نسبة إلى حروراء - وهو موضع بنواحى الكوفة على ميلين منها، نزل به جماعة خالفوا الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه من الخوارج يقال لهم: الحرورية، ينسبون إلى هذا الموضع لنزولهم به.
الأحموقة، بضم الهمزة وميم، أي: لولا أن يفعل فعل الحمقى غير الفقهاء في الدين ما كتبت إليه، وفي رواية لمسلم: لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه، وإنما كره ابن عباس خطابه وجوابه لبدعته، وهى كونه من الخوارج. وقوله: يُحذى، أي: يعطى.

مع رسولِ الله ﷺ، فأما أن يُضْرَبَ لهنَّ بسهمٍ فلا، وقد كانَ يُرضَخُ لهن (١).
٢٧٢٩ - حدَّثنا إبراهيمُ بن سعيد وغيرُه، قا لا: أخبرنا زيدٌ -يعنى ابنَ الحُبابِ- قال: حدَّثنا رافعُ بن سَلَمةَ بنِ زياد، حدثني حَشرَجُ بن زياد
عن جدتِه أم أبيه: أنها خرجتْ مع رسولِ اللهِ ﷺ في غزوةِ خيبرَ سادسَ سِتّة نِسْوَةٍ، فبلغَ رسولَ الله ﷺ، فبعث إلينا، فجئنا فرأينا فيه الغضبَ، فقال: «مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ، وبإذنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟» فقلنا: يا رسولَ الله، خرجنا نغزِل الشَّعرَ، ونُعينُ في سبيلِ الله، ومعَنا دواءٌ للجَرحى، ونُناول السِّهامَ، ونَسقي السَّويق، فقال: «قُمْنَ» حتى إذا فتحَ اللهُ عليه خيبرَ أسهم لنا كما أسهم للرجالِ، قال: قلتُ لها: يا جدَّةُ، وما كانَ ذلك؟ قالت: تمرًا (٢).


(١) حديث صحيح. ابن إسحاق -وهو محمد- وإن لم يصرح بالسماع متابع.
أبو جعفر: هو محمد بن علي الباقر، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد بن عبد الله ابن شهاب.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف لجهالة حشرج بن زياد، وقد ضعف هذا الإسناد الخطابي في «معالم السنن» ٢/ ٣٠٧.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٨٢٨) من طريق رافع بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٣٢).
قال الخطابي: قد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن النساء والعبيد والصبيان لا يُسهم لهم. وإنما يُرضَخ لهم، إلا أن الأوزاعى قال: يسهم لهن. وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث. وإسناده ضعيف، لا تقوم الحجة بمثله، وقد قيل أيضًا: إن المرأة إذا كانت تقاتل أُسهم لها، وكذلك المراهق إذا قوي على القتال أسهم له. =

٢٧٣٠ - حدَّثنا أحمد بن حنبل، حدَّثنا بشرٌ -يعني ابنَ المُفضَّل- عن محمدِ بن زيدٍ، قال:
حدَّثني عُميرٌ مولى آبي اللّحْم، قال: شهدتُ خيبرَ مع سادتي فكلَّموا فيَّ رسولَ الله ﷺ، فأمر بي فقُلِّدْتُ سيفًا، فإذا أنا أجُرُّه، فأخبِر أني مملوكٌ، فأمر لي بشيءٍ من خُرْثِيِّ المَتاع (١).
قال أبو داودَ: وقال أبو عُبيدٍ: كان حَرَّمَ اللحمَ على نفسِه، فسُمي آبيَ اللحمِ.
٢٧٣١ - حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ
عن جابرٍ، قال: كنتُ أمِيحُ أصحابي الماءَ يومَ بدر (٢).


= وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يرضخ للنساء من الغنيمة، وإنما يرضخ لهن من خمس الخُمس سهم النبي ﷺ، وقد روي في هذا الحديث أنها قالت: أسهم لنا تمرًا. والتمر طعام، وليس الطعام كسائر الأموال.
وقال مالك بن أنس: لا يُسهِم للنساء ولا يُرضخ لهن شيئًا.
(١) إسناده صحيح. محمد بن زيد: هو ابنُ المهاجِر بن قُنفُذ.
وأخرجَه ابنُ ماجَه (٢٨٥٥)، والترمذي (١٦٤١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٩٣) من طريق محمد بن زيد، به. زاد الترمذي والنسائي في الرواية: وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين، فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٩٤٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٣١).
وخرثي المتاع، بضم الخاء: أثاث البيت وأسقاطه كالقِدْرِ وغيره.
(٢) إسناده قوي مِن أجل أبي سفيان - واسمه طلحة بن نافع. وقد صححه الحافظ في «الفتح» ٧/ ٢٩٢. الأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير. =

قال أبو داود: معناه لم يُسْهَم له.

١٥١ - باب في المشرِك يُسهَمُ له
٢٧٣٢ - حدَّثنا مُسدَّدٌ ويحيى بنُ مَعينٍ، قالا: حدَّثنا يَحيى، عن مالكٍ، عن الفُضَيل، عن عبدِ الله بن نِيَارِ، عن عُروةَ


= وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٤٦٦).
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٥٩ والبخاري في «التاريخ الكبير» ٢/ ٢٧، وفي «التاريخ الأوسط» ١/ ١٩٣،وأبو يعلى (٢٣١٥)، والبيهقي ٩/ ٣١ من طريق الأعمش، به.
قال ابن ماكولا في «تهذيب مستمر الأوهام» ص ٢١٥: شهود جابر العقبة صحيح، وأما بدرا فليس بصحيح، وأهل العلم بالسير ينكرون ذلك.
قال ابن ماكولا ذلك ردًا على الدارقطني إذ قال في «المؤتلف والمختلف» في باب حبتة وروى حديثا في استصغار النبي ﷺ لعدد من الصحابة يوم أحد وذكر منهم جابر بن عبد الله فقال الدارقطني: أخاف ألا يكون حفظ فيه جابرا، لأن جابرا شهد العقبة مع أبيه وخاله، وشهد بدرا (النص في المطبوع فيه تحريف صوبناه من «تهذيب مستمر الأوهام»).
وكذلك قال أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي أحد رواة الحديث الذي أسنده الدارقطني بعد أن رواه: أخاف أن لا يكون حفظ جابر. أخرجه البخاري في «التاريخ الأوسط» ١/ ١٦١ وغيره.
لكن ذكر الحافظ في «الإصابة» في ترجمة جابر بن عبد الله رجل من الأنصار، أن ابن فتحون ذكر عن ابن سعد أنه أسند الحديث نفسه في استصغار عدد من الصحابة يوم أحد، وقال في روايته: وجابر بن عبد الله وليس بالذي يُروى عنه الحديث. قلنا: فهذا إن صح يكون صحابيا آخر، فيسلم حديثنا من الطعن، ويكون الذي شهد بدرًا هو جابر بن عبد الله بن حرام الصحابي المعروف، والذي استُصغر آخرُ هو سميُّ جابر، ويكون هو الذي عناه أهل السِّير، ويكون ابن ماكولا في دعواه واهمًا، ويكون الدارقطني وأبو منصور من قبله واهمين أيضا، لأنهما ظنا أنه جابر بن عبد الله الصحابى المعروف، والله تعالى أعلم.
قال الخطابي: «المايْح» هو الذي ينزل إلى أسفل البئر، فيملأ الدلو، ويرفعها إلى الماتح. وهو الذي ينزع الدلو.

عن عائشة - قال يحيى: إن رجلًا من المشركين لَحِقَ بالنبيِّ ﷺ ليقاتِل معه، فقال: «إرجِعْ» ثم اتفقا - فقال: «إنا لا نَستعينُ بمُشرِكٍ» (١).


(١) إسناده صحيح. الفضيل: هو ابن أبي عبد الله. ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه مسلم (١٨١٧)، والترمذي (١٦٤٢)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٨) و(٨٨٣٥) من طريق مالك بن أنس، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٣٨٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٢٦).
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٣٢) من طريق وكيع، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد، عن نيار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة. فوقع لوكيع في هذا الإسناد وهم فيما قاله أبو حاتم في «العلل» لابنه ١/ ٣٠٥، والدارقطني في العلل «٥/ ورقة ٥٠، والصواب على ما رواه الجماعة عن مالك. وقد ذهب إلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين مطلقا في الجهاد جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أحمد وابن المنذر والجوزجانى. وقال في»المغني«١٣/ ٩٨: وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة بالمشرك عند الحاجة وهو مذهب الشافعي، يشترط أن يكون من يُستعانُ به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم، لم يجز الاستعانة به، لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذِّل والمرجف، فالكافر أولى. وقال الإمام محمد ابن الحسن في»السير الكبير«٤/ ١٤٢٢: ولا بأس بأن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك إذا كان حكم الإسلام هو الظاهر عليهم.
وقال النووي في شرح مسلم تعليقا على قوله ﷺ:»فارجع فلن أستعين بمشرك": وقد جاء في الحديث الآخر أن النبيَّ ﷺ استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول على إطلاقه، وقال الشافعى وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به، استعين به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين، وإذا حضر الكافر بالإذن رُضِخَ ولا يُسهم له، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور. =

١٥٢ - باب في سُهمَان الخيلِ
٢٧٣٣ - حدَّثنا أحمد بن حَنبلٍ، حدَّثنا أبو مُعاويةَ، حدَّثنا عُبيد الله، عن نافع عن ابن عمرَ: أن رسولَ اللهِ ﷺ أسهَمَ لِرجلِ ولِفرسِه ثلاثةَ أسهم: سَهْمًا له، وسهمَين لفرسِه (١).


= وقال الشوكانى في «نيل الأوطار» ٨/ ٤٤: وشرط بعض أهل العلم ومنهم الهادوية: أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين، كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي ﷺ للقتال وهم كذلك.
ومما يدل على جواز الاستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله يوم أحد وهو مشرك، فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال ﷺ: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر» كما ثبت ذلك عند أهل السير [وانظر حديث البخاري (٣٠٦٢)] وخرجت خزاعة مع النبي ﷺ على قريش عام الفتح.
(١) إسناده صحيح. نافع: هو مولى ابن عمر، وعُبيد الله: هو ابن عمر العمري، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وأخرجه البخاري (٢٨٦٣) و(٤٢٢٨)، ومسلم (١٧٦٢)، وابن ماجه (٢٨٥٤)، والترمذي (١٦٣٦) من طريق عُبيد الله بن عمر العُمري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨١٠).
قال الخطابي: قوله: «سهما له» اللام في هذه الإضافة لام التمليك.
وقوله: «سهمين لفرسه» عطف على الكلام الأول، إلا أن اللام فيه لام التسبيب.
وتحرير الكلام: أنه أعطى الفارس ثلاثة أسهم: سهما له، وسهمين لأجل فرسه.
أي لغنَائه في الحرب، ولما يلزمه من مؤنته، إذ كان معلومًا أن مؤنة الفرس متضاعفة على مؤنة صاحبه، فضوعف له العرض من أجله، وهذا قول عامة العلماء، إلا أن أبا حنيفة قال: للفارس سهمان ... وخالفه صاحباه، فكان مع جماعة العلماء.
قال: وقد روي هذا الحديث من طريق عَبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر فقال: «للفارس سهمان، وللراجل سهم» وعُبيد الله أحفظ من عبد الله، وأثبت باتفاق أهل الحديث كلهم. =

٢٧٣٤ - حدَّثنا أحمد بن حَنبل، حدَّثنا عبدُ الله بن يزيدَ، حدَّثنا المَسعوديُّ، حدثني أبو عَمرَة
عن أبيه، قال: أتينا رسولَ اللهِ ﷺ أربعةَ نَفَرٍ ومعنا فرسٌ، فأعْطَى كُلَّ إنسانٍ منا سَهْمًا، وأعطى للفرسِ سهمَين (١).
٢٧٣٥ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أُميّةُ بن خالدٍ، حدَّثنا المَسعوديُّ، عن رجلٍ من آلِ أبي عَمرةَ


= وقال الإمام محمد في «السير الكبير» ٣/ ٨٨٥: وإذا أصاب المسلمون الغنائم فأحرزوها وأرادوا قسمتها، فعلى قول أبي حنيفة يُعطى للفارس سهمين: سهما له وسهما لفرسه والراجل سهمًا، وقال: لا أجعل سهم الفرس أفضل من سهم الرجل المسلم، وهو قول أهل العراق من أهل الكوفة والبصرة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وهو قول أهل الحجاز والشام.
(١) إسناده ضعيف لجهالة أبي عمرة، ولاختلاط المسعودي -وهو عبد الرحمن ابن عبد الله بن عتبة- واضطرابه فيه كما سيأتي.
وأخرجه أحمد (١٧٢٣٩)، وأبو يعلى (٩٢٢) من طريق عبد الله بن يزيد المقرىء، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ٨٥ عن محمد بن يونس الكديمي والبيهقي ٦/ ٣٢٦ من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر، كلاهما عن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن المسعودي، عن ابن أبي عمرة، عن أبيه، وأخرجه ابن منده في «الصحابة» كما في «الإصابة» ٧/ ٢٩٠ من طريق يوسف بن بكير، عن المسعودي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، عن جده.
وسيأتي بعده من طريق آخر عن المسعودي، عن رجل من آل أبي عمرة، عن أبي عمرة.
وأخرج الدارقطني (٤١٧٧) من طريق محمد بن صالح، عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة، عن أبيه، عن جده بشير بن عمرو بن محصن قال: أسهم رسول الله ﷺ لفرسى أربعة أسهم، ولي سهما فأخذت خمسة أسهم.
ويغنى عنه حديث ابن عمر السالف قبله.

عن أبي عَمْرةَ، بمعناه إلا أنه قال: ثلاثة نَفَرٍ، زادَ: فكان للفارسِ ثلاثةُ أسهم١).

١٥٣ - باب فيمن أسهم له سَهْمًا
٢٧٣٦ - حدَثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا مُجمّعُ بن يعقوبَ بنِ مُجمّع بن يزيدَ الأنصاريُّ، سمعتُ أبي يعقوبَ بنَ مُجمَّع يذكُر، عن عمه عبدِ الرحمن بن يزيدَ الأنصاري عن عمِّه مُجمّع بن جاريةَ الأنصاريِّ -وكان أحدَ القراء الذين قرؤوا القرآنَ- قال: شهدْنا الحُديبيةَ مع رسولِ الله ﷺ، فلما انصرفْنا عنها إذا الناسُ يَهُزُونَ الأباعِرَ، فقالَ بعضُ الناسِ لبعضٍ: ما للناس؟ قالوا: أُوحِيَ إلى رسولِ الله ﷺ، فخرجْنا مع الناس نُوجِفُ، فوجدْنا النبيَّ ﷺ واقفًا على راحِلتِه عند كُراع الغَمِيمِ، فلما اجتمعَ عليه الناسُ قرأ عليهم: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] فقالَ رجل: يا رسولَ الله، أفَتْحٌ هو؟ قال: «نعم، والذي نَفْسُ محَمَدٍ بيَدهِ إنّهُ لَفَتْحٌ» فقُسمتْ خيبرُ على أهل الحديبيةِ، فقسَمها رسولُ الله ﷺ على ثمانيةَ عشرَ سهمًا، وكان الجيشُ ألفًا وخمس مئةٍ، فيهم ثلاثُ مئةِ فارسٍ، فأعطى الفارسَ سهمَين، وأعطى الراجِلَ سهمًا (٢).


(١) إسناده ضعيف كسابقه. مسدَّد: هو ابن مُسَرهَد.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٢٦ من طريق أبي داود السجستاني، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف. يعقوب بن مجمع بن جارية، والد مجمع -وإن كان حسن الحديث- قد انفرد به، وقد خولف فيه كما أشار إليه المصنِّف بإثر الحديث، وكما قال البيهقي فيما نقله عنه المنذري في «مختصر السنن». =

قال أبو داودَ: حديثُ أبي مُعاويةَ أصحُّ والعملُ عليه، وأرى الوهم في حديث مُجمّع أنه قال: ثلاثَ مئةِ فارسٍ، وإنما كانوا مئتي فارسٍ.

١٥٤ - باب في النَّفَلِ
٢٧٣٧ - حدَّثنا وهبُ بن بقيةَ، أخبرنا خالدٌ، عن داودَ، عن عكرمةَ عن ابن عباسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ يومَ بدرٍ: «مَن فَعَلَ كذا وكذا فلَهُ من النَّفَلِ كذا وكذا» قال: فتقدَّم الفِتيانُ ولزم المَشْيَخةُ الراياتِ فلم يبرَحُوها، فلما فتحَ اللهُ عليهم، قال المَشْيَخَةُ: كنا رِدْءًا لكم، لو انهزمتُم لَفِئْتُم إلينا، فلا تَذهَبُوا بالمَغنم ونبقى، فأبى الفِتيانُ وقالوا: جعلَه رسولُ الله ﷺ لنا، فأنزل اللهُ عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] إلى قوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥)﴾ [الأنفال: ٥] يقول:


= وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٤٣٧، وأحمد (١٥٤٧٠)، والطبري في «التفسير» ٢٦/ ٧١، والدارقطني (٤١٧٩)، والحاكم ٢/ ١٣١، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/ ٣٢٥، وفي «الدلائل» ٤/ ٢٣٩ من طريق مجمع بن يعقوب، بهذا الإسناد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقد سقط من مطبوع الحاكم يعقوب بن مجمع وعبد الرحمن من الإسناد.
وأخرجه الطبراني ١٩/ (١٠٨٢)، والحاكم ٢/ ٤٥٩ من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مجمع، عن أبيه، به دون ذكر عبد الرحمن بن يزيد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي بقوله: لم يرو مسلم لمجمع شيئًا ولا لأبيه، وهما ثقتان! وقصة تقسيم خيبر على أهل الحديبية ستتكرر عند المصنف برقم (٣٠١٥).
قال الخطابي: "يهزّون، أى: يحركون رواحلهم، والهزُّ: كالضغط للشيء، وشدة الاعتماد عليه. والإيجاف: الركض والإسراع. يقال: وجف البعير وجيفًا، وأوجفه راكبه إيجافًا.

فكان ذلكَ خيرًا لهم، فكذلك أيضًا، فأطيعوني، فإني أعلمُ بعاقبةِ هذا منكم (١).
٢٧٣٨ - حدَّثنا زيادُ بن أيوبَ، حدَّثنا هُشَيم أخبرنا داودُ بن أبي هند، عن عكرمةَ


(١) إسناده صحيح. عكرمة: هو أبو عبد الله البربري مولى ابن عباس، وداود: هو ابن أبي هند، وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٩/ ١٧٢، والحاكم ٢/ ١٣١ - ١٣٢، والبيهقي ٦/ ٢٩١ من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، والطبري ٩/ ١٧٢ من طريق عبد الأعلى السامي، والبيهقي ٦/ ٣١٥ من طريق معتمر بن سليمان، ثلاثتهم عن داود بن أبي هند، به.
وأخرجه الطبري ٩/ ١٧٢ من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن داود، عن عكرمة مرسلا.
وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (٢٧٣٩).
قال الخطابي: «النفل» ما زاد من العطاء على القدر المستحق منه بالقسمة. ومنه النافلة، وهي الزيادة من الطاعة بعد الفرض. وكان رسول الله ﷺ ينفل الجيوش والسرايا، تحريضا على القتال، وتعويضا لهم عما يصيبهم من المشقة والكآبة. ويجعلهم أُسوة الجماعة في سُهمان الغنيمة، فيكون ما يخصهم به من النفل كالصلة والعطية المستأنفة. ولا يفعل ذلك إلا بأهل الغناء في الحروب، وأصحابِ البلاء في الجهاد.
وقد اختلفت مذاهب العلماء في هذا الباب، وفي تأويل ما روي فيه من الأخبار.
فكان مالك بن أنس لا يرى النفل، ويكره أن يقول الإمام: من قاتل في موضع كذا، أو قتل من العدو عددا فله كذا، أو يبحث سرية في وجه من الوجوه، فيقول: ما غنمتم من شيء فلكم نصفه، ويكره أن يقاتل الرجل ويسفك دمَ نفسه في مثل هذا.
وأثبت الشافعي النفل، وقال به الأوزاعي وأحمد بن حنبل.
وقال الثوري: إذا قال الإمام: من جاء برأسٍ فله كذا، ومن أخذ شيئا فهو له.
ومن جاء بأسير فله كذا جاز.

عن ابنِ عبّاس، أن رسولَ الله ﷺ قال يومَ بدرٍ: «من قَتَل قَتيِلًا فله كذا وكذا، ومن أسرَ أسيرًا، فله كَذا وكَذا» ثم ساقَ نحوه، وحديثُ خالدٍ أتَمُّ (١).
٢٧٣٩ - حدَّثنا هارونُ بن محمد بن بَكَّارِ بن بلالٍ، حدَّثنا يزيدُ ابن خالدِ بنِ مَوهَبٍ الهَمْدانيُّ، حدَّثنا يَحيى بن أبي زائدةَ، أَخبرني داودُ، بهذا الحديثِ بإسناده
قال: فقسَمها رسولُ الله ﷺ بالسَّواءِ، وحديثُ خالدٍ أتمُّ (٢).
٢٧٤٠ - حدَّثنا هَنّاد بن السَّريِّ، عن أبي بكرٍ، عن عاصمٍ، عن مُصعبِ بن سعدٍ عن أبيه، قال: جئتُ إلى النبيِّ ﷺ يومَ بدر بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إن اللهَ قد شَفَى صَدْري اليومَ مِن العدو، فَهَبْ لي هذا السَّيفَ، قال: «إن هذا السيفَ ليس لي وَلَا لَكَ» فذهبتُ وأنا أقولُ: يُعطاهُ اليومَ مَن لَمْ يُبْلِ بَلائي، فبينما أنا إذ جاءني الرسولُ، فقال: أجِبْ، فظننتُ أنه نزلَ فيَّ شيءٌ بكلامي، فجئتُ، فقال لي النبي


(١) إسناده صحيح كسابقه. هُشيم: هو ابن بشير الواسطي.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٢٢١ والبيهقي ٦/ ٣١٥ من طريق هشيم، بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبى.
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢) إسناده صحيح كسابقيه. يحيى بن أبي زائدة: هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، نسب هنا لجده، وهو معروف بذلك.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٢٩٢ من طريق سهل بن عثمان الكندي، عن ابن أبي زائدة، به

ﷺ: «إنك سألتَني هذا السيفَ، وليس هو لي وَلا لَك، وإن اللهَ قد جَعَلَه لي، فهو لَك» ثم قرأ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ إلى آخر الآية (١) [الأنفال: ١].
قال أبو داود: قراءةُ ابنِ مَسعُود (يسألونك النَّفَلَ).

١٥٥ - باب في نَفَل السرية تخرُجُ مِنَ العَسْكَر
٢٧٤١ - حدَّثنا عبد الوهَاب بن نَجْدَةَ، حدَّثنا الوليدُ بن مُسلم (ح) وحدَثنا مُوسى بن عبدِ الرحمن الأنطاكيُّ، حدَّثنا مُبَشِّرٌ (ح) وحدَثنا محمدُ بن عَوفٍ الطائيُّ، أن الحَكَمَ بن نافعٍ حدَثهم -المعنى- كلُّهم عن شعيبِ بن أبي حمزةَ، عن نافع
عن ابن عُمر، قال: بعثنا رسولُ الله ﷺ في جيشٍ قِبلَ نَجْدٍ، وانبعثتْ سريةٌ من الجيشِ، فكان سُهمانُ الجيشِ اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا، ونَفل أهلَ السريةِ بعيرًا بعيرًا، فكانتْ سُهمانُهم ثلاثةَ عشرَ ثلاثةَ عشرَ (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. عاصم -وهو ابن بَهدلة- صدوق حسن الحديث. أبو بكر: هو ابن عياش.
وأخرجه الترمذي (٣٣٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (١١١٣٢) من طريق أبي بكر ابن عياش، بهذا الإسناد، وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٣٨).
وأخرجه بنحوه ضمن حديث مطول مسلم (١٧٤٨) وبإثر (٢٤١٢) من طريق سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٦٧).
(٢) إسناده صحيح، إلا أن شعيب بن أبي حمزة قد خالف مالكًا والليث بن سعد وعبيد الله، إذ جعل السرية منبعثة من الجيش، وأن قسمة ما غنموا كان بين الجيش =

٢٧٤٢ - حدَّثنا الوليدُ بن عتبةَ الدِّمشقىُّ، قال: قال الوليدُ - يعني ابنَ مُسلم، حَدَثتُ ابنَ المبارك بهذا الحديثِ، قلتُ: وكذا حدَّثنا ابنُ أبي فَروةَ
عن نافعٍ، قال: لا تَعدِلْ مَن سميت بمالكٍ، هكذا أو نحوَه، يعني مالكَ بن أنسِ (١).
٢٧٤٣ - حدَّثنا هَنّادٌ، حدَّثنا عَبدةُ بنُ سُليمانَ الكِلابيُّ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن نافع عن ابنِ عُمرَ، قال: بعثَ رسولُ الله ﷺ سريةً إلى نجْدٍ، فخرجتُ معها، فأصبنا نَعَمًا كثيرًا، فنفَّلنا أميرُنا بعيرًا بعيرًا لكل إنسانٍ، ثُم قدِمنا على رسولِ الله ﷺ فَقَسَمَ بيننا غَنيمتَنا، فأصابَ كلَّ رجلٍ منا


= وبين السرية، وأن أهل السرية فضلوا على الجيش بعيرًا بعيرًا، وحديث الليث ومالك وعبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع يدل على أن الاثني عشر بعيرًا كان سهمان السرية وأنهم هم الذين نُفلوا مع ذلك بعيرًا بعيرًا. أفاده ابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٩ - ٤٠.
وأخرجه ابن الجارود (١٠٧٤)، وأبو عوانة (٦٦٢٠)، والبيهقي ٦/ ٣١٢، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٧ - ٣٨ و٣٨ - ٣٩ من طريق شعيب بن أبي حمزة، به.
وسيأتى الحديث عند أبي داود من طريق ابن إسحاق برقم (٢٧٤٣)، ومن طريق مالك والليث برقم (٢٧٤٤)، ومن طريق عُبيد الله بن عمر برقم (٢٧٤٥).
وانظر تمام تخريجه عند الحديث (٢٧٤٤) و(٢٧٤٥).
قال البغوي في «شرح السنة» ١١/ ١١٢: والنفل: اسم لزيادة يعطيها الإمام بعض الجيش على القدر المستحق، ومنه سميت النافلة لما زاد على الفرائض من الصلوات. وفي الحديث دليل على أنه يجوز للإمام أن يُنفِّل بعض الجيش لزيادة غناء وبلاء منهم في الحرب يخصهم من بين سائر الجيش، لما يصيبهم من المشقة ويجعلهم أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة.
(١) إسناده ضعيف جدًا. ابن أبي فروة -وهوإسحاق بن عبد الله- متروك الحديث. وانظر ما قبله.

اثنا عشرَ بعيرًا بعد الخُمُس، وما حاسَبَنا رسولُ الله ﷺ بالذي أعطانا صاحِبُنا ولا عابَ عليه ما صَنَعَ، فكان لكلِّ رجلٍ منا ثلاثةَ عشرَ بعيرًا بنَفَله (١).
٢٧٤٤ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن مالك (ح)
وحدَثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ ويزيدُ بن خالدِ بن مَوْهَب، قالا: حدَّثنا الليثُ -المعنى- عن نافعِ
عن عبدِ الله بن عمرَ: أن رسولَ الله ﷺ بعثَ سريّةً فيها عبدُ الله بن عمر قِبَل نجدٍ، فغنموا إبلًا كثيرةً، فكانت سُهْمانُهُمْ اثني عشر بعيرًا، ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا -زاد ابن مَوْهَبٍ: فلم يُغيرْه رسولُ الله ﷺ (٢).


(١) إسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، ثم إنه خالف في متنه من هو أوثق منه كمالك والليث بن سعد وعُبيد الله بن عمر وغيرهم، إذ جعل ابنُ إسحاق النفل من رأس الغنيمة ثم جعل القسمة بعدُ، وأولئك جعلوا النفل بعد القسمة، أفاده ابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٤٦ - ٤٧.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣١٢، وابنُ عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٤٥ و٤٦ من طريق محمد بن إسحاق، به.
وسيأتى بعده من طريق مالك والليث بن سعد، وبرقم (٢٧٤٥) من طريق عُبيدالله بن عمر، كلهم عن نافع.
وسلف برقم (٢٧٤١) من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن نافع.
(٢) إسناده صحيح. لكن ذكر ابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٥ أن مالكًا شك في روايته فقال: كانت سهمانُهم اثني عشر بعيرًا أو أحد عشر بعيرًا، كذا رواه جماعة رواة «الموطأ» عنه قال: وهذا مما حُمل فيه حديث مالك على حديث الليث، لأن القعنبي رواه في «الموطأ» عن مالك على الشك. قلنا: لكن جاء في رواية محمد بن الحسن الشيباني «للموطأ» (٨٦٣) كرواية أبي داود دون شك، وكذلك رواه أحمد (٥٩١٩) عن إسحاق بن عيسى الطباع، عن مالك. فالله تعالى أعلم. =

٢٧٤٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن عُبيد الله، حدَّثني نافعٌ
عن عَبد الله، قال: بعثَنَا رسولُ الله ﷺ في سريةٍ، فبلغتْ سُهمانُنا اثني عشر بعيرًا، ونفلنا رسولُ اللهِ ﷺ بعيرًا بعيرًا (١).


= وهو في «الموطأ» برواية يحيى بن يحيى ٢/ ٤٥٠، وفيه برواية أبي مصعب
الزهري (٩٥٣) ومن طريق مالك أخرجه البخاري (٣١٣٤)، ومسلم (١٧٤٩).
وهو في «مسند أحمد» (٥٢٨٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٣٣).
وأخرجه مسلم (١٧٤٩) من طريق الليث بن سعد، به.
وأخرجه البخاري (٤٣٣٨)، ومسلم (١٧٤٩) من طريق أيوب بن أبي تميمة السختيانى، ومسلم (١٧٤٩) من طريق عبد الله بن عون، و(١٧٤٩) من طريق موسى ابن عقبة، ومن طريق أسامة بن زيد الليثي، أربعتهم عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٧٩) من طريق أيوب.
(١) إسناده صحيح. عبيد الله: هو ابن عمر العمري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرهَدٍ.
وأخرجه مسلم (١٧٤٩) من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٥٥١٩).
قال الخطابي: اختلفوا في هذه الزيادة التي هي النفل، من أين أعطاهم إياها؟ فكان ابن المسيب يقول: إنما ينفلُ الإمامُ من الخمس، يعني سهم النبي ﷺ. وهو خمس الخمس من الغنيمة. وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو عبيد.
وذلك أن النبي ﷺ كان يضعه حيث أراه الله عز وجل في مصالح أمر الدين ومعاونة المسلمين.
قال الشافعي: فإذا كثر العدو، واشتدت شوكتهم، وقل من بإزائهم من المسلمين نفّل منه الإمام، اتباعًا للسنة، وإذا لم يكن ذلك لم ينفِّل.
وقال أبو عُبيد: الخمس مُفوَّض إلى الإمام، ينفل منه إن شاء، ومن ذلك قول النبي ﷺ: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم».
وقال غيرهم: إنما كان النبي ﷺ ينفلهم من الغنيمة التي يغنمونها، كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة.
قلت (القائل الخطابي): وعلى هذا دل أكثر ما روي من الأخبار في هذا الباب.

قال أبو داود: رواهُ بُرْدُ بن سِنانٍ عن نافغ مثل حديث عُبيد اللهِ، ورواه أيوبُ عن نافعٍ مثلَه، إلا أنه قال: ونُفِّلْنَا بعيرًا بعيرًا، لم يذكر النبي ﷺ.
٢٧٤٦ - حدَّثنا عبدُ الملك بن شُعَيبِ بن الليثِ، حدثني أبي، عن جدِّي (ح) وحدَّثنا حجاجُ بن أبي يعقوبَ، حدَّثني حُجَيْنٌ، حدَّثنا الليثُ، عن عُقَيلٍ، عن ابنِ شهاب، عن سالمٍ عن عبد الله بن عُمر: أن رسولَ الله ﷺ قد كان يُنَفّلُ بعضَ من يبعث من السَّرايا لأنفُسِهم خاصةً النفَلَ، سوى قَسْمِ عامّةِ الجيش، والخُمسُ في ذلك واجبٌ كلُّه (١).
٢٧٤٧ - حدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا عبدُ الله بن وَهب، حدَّثنا حُييٌّ، عن أبي عبدِ الرحمن الحُبُليِّ
عن عبد الله بن عَمرِو: أن رسولَ الله ﷺ خرجَ يوم بدر في ثلاثِ مئةٍ وخمسةَ عشرَ، فقالَ رسولُ الله ﷺ: «اللهم إنهم حُفَاةٌ فاحْمِلْهم، اللهم إنهم عُرَاةٌ فاكْسُهُم، اللهم إنَّهُم جِياعٌ فأشْبِعْهُم» ففتح اللهُ لهُ يومَ بدرٍ، فانقلبُوا حين انقلَبُوا وما منهم رجلٌ إلا وقد رجَع بجمَل أو جملَين، واكتَسَوا، وشَبِعُوا (٢).


(١) إسناده صحيح. حُجَين: هو ابن المثنى اليمامي، والليث: هو ابن سعد، وعُقيل: هو ابن خالد الأيلي، وسالم: هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وأخرجه البخاري (٣١٣٥)، ومسلم (١٧٥٠) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٧٥٠) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٢٥٠).
(٢) رجاله ثقات غير حُيي -وهو ابن عبد الله المعافري- ضعفه غير واحد وقال =

١٥٦ - باب فيمن قال: الخُمس قبل النَّفَلِ
٢٧٤٨ - حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن يزيدَ بن يزيدَ بن جابرٍ الشامي، عن مَكحولٍ، عن زيادِ بن جاريةَ التميميِّ
عن حبيبِ بن مَسلَمة الفِهْريِّ أنه قال: كان رسولُ الله ﷺ يُنَفِّل الثلُثَ بعدَ الخُمُس (١).
٢٧٤٩ - حدَّثنا عُبيد الله بن عُمر بن مَيسرةَ الْجُشَمىّ، حدَّثنا عبدُ الرحمن ابن مهديٍّ، عن معاويةَ بن صالحٍ، عن العلاءِ بن الحارث، عن مَكحولٍ، عن ابنِ جاريةَ


= ابن معين لا بأس به، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: لا بأس به إذا روى عنه ثقة، والراوي عنه هنا عبد الله بن وهب وهو ثقة.
وأخرجه ابن سعد في «طبقاته» ٢/ ٢٠، والحاكم ٢/ ١٣٢ - ١٣٣ و١٤٥، والبيهقي ٦/ ٣٠٥ و٩/ ٥٧ من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، وحسنه الحافظ في «الفتح» ٧/ ٢٩٢، وانظر عدة أصحاب بدر في «صحيح البخاري» (٣٩٥٦) و(٣٩٥٧) و(٣٩٥٨).
(١) إسناده صحيح. زياد بن جارية -ويقال: زيد- الصواب أنه تابعي كما بيناه في «المسند» (١٧٤٦٢) وهو ثقة. وباقى رجاله ثقات. مكحول: هو الشامي، وسفيان: هو الثورى، ومحمد بن كثير: هو العبدي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٨٥١) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٤٦٢).
وانظر ما بعده، وما سيأتى برقم (٢٧٥٠).
قال الخطابي: وفي هذا الحديث أنه أعطاهم ذلك بعد أن خمس الغنيمة، فيشبه -والله أعلم- أن يكون الأمران معا جائزين، وفيه أنه قد بلغ بالنفل الثلث.
قال: وقد اختلف العلماء في ذلك.
فقال مكحول والأوزاعي: لا يجاوز بالنفل الثلث.
وقال الشافعي: ليس في النفل حدٌّ لا يُجاوَزُ، وإنما هو اجتهاد الإمام.

عن حبيبِ بن مَسلَمةَ: أن رسولَ الله ﷺ كان يُنفِّل الربُعَ بعدَ الخُمُسِ، والثُّلُثَ بعد الخُمسِ، إذا قَفَلَ (١).
٢٧٥٠ - حدَّثنا عبدُ الله بن أحمد بن بَشيرِ بن ذَكوان ومحمودُ بن خالد الدمشقيّانِ -المعنى- قالا: حدَّثنا مَروانُ بن محمدٍ، حدَّثنا يحيي بن حمزةَ، سمعتُ أبا وهب يقول: سمعتُ مكحولًا يقول: كنتُ عبدًا بمصرَ لامرأةٍ من بني هُذَيلٍ فأعتقتْني، فما خرجْتُ من مصرَ وبها عِلْمٌ إلا حَوَيتُ عليه فيما أُرَى، ثم أتيتُ الحجازَ فما خرجتُ منها وبها علمٌ إلا حَوَيتُ عليه فيما أُرَى، ثم أتيتُ العراقَ فما خرجتُ منها وبها علمٌ إلا حَوَيت عليه فيما


(١) إسناده صحيح. ابن جارية: هو زياد -وقيل: زيد- وهو تابعي ثقة كما أسلفنا في الطريق السالف.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٤٦٥).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قال ابن المنذر: قيل: إن النبي ﷺ إنما فرق بين البدأة والقفول، حتى فضل إحدى العطيتين على الأخرى، لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم، لأنهم -وهم داخلون- أنشط وأشهى للسير، والإمعان في بلاد العدو وأجمّ، وهم عند القفول تضعف دوابهم. وهم أشهى للرجوع إلى أوطانهم وأهاليهم، لطول عهدهم بهم، وحبهم للرجوع إليهم. فنرى أنه زادهم في القفول لهذه العلل.
قلت (القائل الخطابي):كلام ابن المنذر هذا ليس بالبين لأن فحواه يوهم أن معنى الرجعة هو القفول إلى أوطانهم، وليس هو معنى الحديث.
و«البدأة» إنما هي ابتداء سفر الغزو، إذا نهضت سرية من جملة العسكر، فأوقعت بطائفة العدو، فما غنموا كان لهم منه الربع، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه.
فإن قفلوا من الغزاة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث، لأن نهوضهم بعد القفل أشقُّ، والخطر فيه أعظم.

أُرى، ثم أتيتُ الشامَ فَغَرْبَلْتُها، كلُّ ذلك أسأل عن النَّفَل، فلم أجد أحدًا يخبرُني فيه بشيءِ، حتى لقيتُ شيخًا يقال له: زياد بن جاريةَ
التميميُّ، فقلت له: هل سمعتَ في النَّفَل شيئًا؟ قال: نعم، سمعتُ حبيبَ بن مَسْلَمةَ الفِهْرِيَّ يقول: شهدتُ النبيَّ ﷺ نَفَّل الرُّبُعَ في البَدْأةِ، والثلُثَ في الرَّجْعة١).

١٥٧ - باب في السَّرية تردُّ على أهل العسكر
٢٧٥١ - حدَّثنا قُتيبةُ بن سعيد، حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن ابن إسحاق (ح) وحدَثنا عُبيد الله بن عُمرَ، حدَّثني هُشَيم عن يحيى بن سعيدٍ، جميعًا، عن عَمرو بن شُعيب، عن أبيه عن جده قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «المسلمون تَتكافأ دِمَاؤُهُم: يَسعَى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقْصاهُم، وهم يَدٌ على مَن سِوَاهم، يَرُدُّ مُشِدُّهُم على مُضْعِفِهِم، ومُتَسَرِّيهم على قاعِدهم، لا يُقْتَل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهدِه» ولم يذكر ابنُ إسحاقَ القَوَدَ والتكافُؤ (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو وهب -واسمه عبيد الله بن عُبيد الكلاعي- ثقة، فقد وثقه دُحيم، وقال ابن معين: ليس به بأس، وهذه تُساوي عنده ثقة كما نص هو على ذلك، فقد قال ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (٦٩٠) و(٤٤٤٥): قلت ليحيي: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلتُ لك: ليس به بأس فهو ثقة، وإذا قلتُ لك: ضعيف، فليس هو بثقة لا يُكتب حديثُه.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٢٧٤٨).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. عمرو بن شعيب: هو ابن محمد بن عبد الله ابن عمرو بن العاص، والْمُراد بجده: عبد الله، يحيى بن سعيد: هو الأنصاري، وهُشيم: هو ابن بَشير، وابن أبي عدي: هو محمد بن إبراهيم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه ابن ماجه (٢٦٨٥) من طريق عبد الرحمن بن عياش، عن عمرو بن شعيب، به. دون قوله: «يردُّ مُشدُّهم على مُضعفهم ...» إلى آخر الحديث.
وقوله في الحديث «لا يقتل مؤمن بكافر» أخرجه ابن ماجه (٢٦٥٩) من طريق عبد الرحمن بن عياش، والترمذي (١٤٧١) من طريق أسامة بن زيد، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٠١٢) لكن ليس فيه قوله: «يردُّ مُشِدُّهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم»، ولا قوله: «ولا ذو عهد في عهده».
وقد أخرجه بتمامه ابن الجارود (١٠٧٣) من طريق عُبيد الله بن عمر، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٢٩ من طريق إبراهيم بن سعد و٩/ ٥١ من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عمرو بن شعيب، به. لكنه لم يذكر قوله: «يرد مشدهُّم على مضُعفهم».
ويشهد له بتمامه حديث علي بن أبي طالب الآتي عند المصنف برقم (٤٥٣٠).
وإسناده صحيح.
وسيتكرر عند المصنف طريق عُبيد الله بن عمر بن ميسرة برقم (٤٥٣١).
وقوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» سيأتى ضمن الحديث (٤٥٠٦).
قال الخطابي: قوله: «تتكافأ دماؤهم»معناه: أن أحرار المسلمين دماؤهم متكافئة في وجوب القصاص والقود لبعضهم من بعض، لا يفضّل منهم شريف على وضيع. فإذا كان المقتول وضيعًا وجب القصاص على قاتله. وإن كان شريفا لم يُسقِط القَوَدَ عنه شرفُه، وإن كان القتيل شريفا لم يُقتص له إلا من قاتله حَسْبُ.
وكان أهل الجاهلية لا يرضَون في دم الرجل الشريف بالاستقادة من قاتله، ولا يرونه بواء به، حتى يقتصوا من عدة من قبيلة القاتل، فأبطل الإسلام حكم الجاهلية وجعل المسلمين على التكافؤ في دمائهم، وإن كان بينهم تفاضل وتفاوت في معنى آخر.
وقوله: «يسعى بذمتهم أدناهم» يريد أن العبد ومن كان في معناه من الطبقة الدنيا كالنساء والضعفاء الذين لا جهاد عليهم إذا أجاروا كافرًا أُمضي جوارهم ولم تُخْفَر ذمتُهم.
وقوله: «ويجير عليهم أقصاهم» معناه: أن بعض المسلمين، وإن كان قاصي الدار، إذا عقد للكافر عقدًا لم يكن لأحد منهم أن ينقضه، وإن كان أقرب دارًا من المعقود له. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قلت (القائل الخطابي): وهذا إذا كان العقد والذمة منه لبعض الكفار دون عامتهم. فإنه لا يجوز له عقد الأمان لجماعتهم، وإنما الأمر في بذل الأمان وعقد الذمة للكافة منهم إلى الإمام على سبيل الاجتهاد، وتحري المصلحة فيه، دون غيره.
ولو جعل لأفناء الناس ولآحادهم أن يعقدوا لعامة الكفار كلما شاؤوا، صار ذلك ذريعةً إلى إبطال الجهاد، وذلك غير جائز.
وقوله: «وهم يدٌ على مَن سِواهم» فإن معنى اليد المعاونة والمظاهرة: إذا استُنفِروا وجب عليهم النفير، وإذا استُنجِدوا أنجدوا، ولم يتخلفوا، ولم يتخاذلوا.
و«المُشِدُّ» المقوي، و«المضعف» من كانت دوابه ضعافًا.
قلنا: وقال ابن الأثير: المُشِدُّ: الذي دوابه شديدة قوية، والمضعف الذي دوابُّه ضعيفة، يريد أن القوي من الغزاة يُساهم الضعيف فيما يكسبه من الغنيمة.
قال الخطابي: وجاء في بعض الحديث: «المضعف أمير الرُّفقة» يريد أن الناس يسيرون بسير الضعيف لا يتقدمونه، فيتخلف عنهم، ويبقى بمضْيَعة.
و«المتسري» هو الذي يخرج في السرية، ومعناه: أن يخرج الجيش فيُنيخوا بقرب دار العدو، ثم ينفصل منهم سرية، فيغنموا، فإنهم يردون ما غنموه على الذين هم ردءٌ لهم، لا ينفردون به، فأما إذا كان خروج السرية من البلد، فإنهم لا يردون على المقيمين في أوطانهم شيئًا.
وقوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» فإنه قد دخل فيه كل كافر، له عهد وذمة، أو لا عهد له ولا ذمة.
وقوله: «ولا ذو عهد في عهده»، فإن العهد للكفار على ضربين:
أحدهما: عهد متأبِّد، كمن حُقن دمه للجزية.
والآخر: من كان له عهد إلى مدة، فإذا انقضت تلك المُدة عاد مباح الدم، كما كان.
وقد تأوله مَن ذهب من الفقهاء إلى أن المسلم يقتل بالذمي، على أن قوله: «ولا ذو عهد في عهده» معطوف على قوله:. لا يقتل مؤمن بكافر" ويقع في الكلام على مذهبه تقديم وتأخير، فيصير كأنه قال: لا يقتل مؤمن، ولا ذو عهد في عهده بكافر، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي. =

٢٧٥٢ - حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، حدَّثنا هاشِمُ بن القاسمِ، حدَّثنا عكرمةُ، حدَّثني إياسُ بن سلمة
عن أبيه، قال: أغارَ عبدُ الرحمن بن عُيينةَ على إبل رسولِ الله ﷺ فقتل راعيَها، وخرج يَطرُدُها هو وأنُاسٌ معه في خيلٍ، فجعلتُ وجهيَ قِبَلَ المدينةِ، ثم ناديتُ ثلاثَ مراتِ: يا صبَاحَاهُ، ثم اتَّبعتُ القومَ فجعلتُ أرمي وأعْقِرُهُم، فإذا رجعَ إلّيَ فارسٌ جلستُ في أصل شجرةِ، حتى ما خلق الله شيئًا من ظهْر النبيَّ ﷺ إلا جعلتُه وراءَ ظهري، وحتى ألْقَوا أكثر من ثلاثين رُمحًا وثلاثين بُردةَ يستخِفُّون منها، ثم أتاهم عيينةُ مدَدًا فقال: لِيقُم إليه نفرٌ منكُم، فقامَ إلي منهم أربعةٌ فصعِدُوا الجبلَ، فلما أسمعتُهم قلتُ: أتعرفُوني؟ قالوا: ومَن أنتَ؟ قلت: أنا ابنُ الأكْوع، والذي كرَّم وجهَ محمدٍ ﷺ، لا يطلُبُني رجلٌ منكم فيُدركَني، ولا أطلُبُه فيفُوتَني، فما برِحْتُ حتى نظرت إلى فَوارِسِ رسولِ الله ﷺ يتخلَّلُون الشجرَ أولُهم الأخرمُ الأسديُ، فيلحقُ بعبد الرحمن بن عُيينةَ ويعطِفُ عليه عبدُ الرحمن، فاختلفا طعنتَين، فعقَرَ الأخْرمُ عبدَ الرحمن وطعنه عبدُ الرحمن فقتله، فتحوَّلَ عبدُ الرحمن على فرسِ الأخْرم، فيلحقُ أبو قتادةَ بعبد الرحمن،


= وقال الشافعي: لا يقتل مسلم بوجه من الوجوه بأحد من الكفار، على ظاهر الحديث وعمومه. قال: وقوله: «لا يقتل مسلم بكافر» كلام تام بنفسه، ثم قال على أثره: «ولا ذو عهد في عهده» أي: لا يقتل معاهَدٌ ما دام في عهده. قال: وإنما احتيج إلى أن يجري ذكر المعاهَد، ويؤكد تحريم دمه هاهنا. لأن قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» قد يوهم ضعفًا وتوهينًا لشأنه، ويوقع شبهة في دمه، فلا يؤمن أن يُستباح، إذا علم أن لا قود على قاتله. فوكّد تحريمه بإعادة البيان، لئلا يَعرِض الأشكال في ذلك.

فاختلفا طعنتَين فَعُقِر بأبي قتادةَ وقتلَه أبو قتادةَ، فتحوَّل أبو قتادةَ على فرسِ الأخْرمِ، ثم جئتُ إلى رسولِ الله ﷺ وهو على الماء الذي جَلَّيتُهُم عنه ذو قَرَدٍ، فإذا نبيُّ الله ﷺ في خمس مئةٍ، فأعطاني سهمَ الفارسِ والراجِلِ١).

١٥٨ - باب في النّفَل من الذهبِ والفضةِ ومن أول مَغنمٍ
٢٧٥٣ - حدَّثنا أبو صالحٍ محبوبُ بن موسى، أخبرنا أبو إسحاق الفَزاريُ، عن عاصمِ بن كُلَيب
عن أبي الجُويرية الجَرْميِّ، قال: أصبتُ بأرض الرومِ جَرَّة حمراءَ فيها دنانيرُ في إمرةِ معاويةَ، وعلينا رجلٌ من أصحاب النبيَّ ﷺ من بني سُلَيمٍ يقال له: معنُ بن يزيدَ، فأتيتُه بها، فقسَمَها بين المسلمين، وأعطاني منها مثلَ ما أعطى رجلا منهم، ثم قال: لولا أني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا نَفَلَ إلا بعدَ الخُمس»لأعطيتُك، ثم أخذ يَعرضُ عَلَىَّ من نَصيبِه فأبَيتُ (٢).


(١) إسناده صحيح. سلمة: هو ابن الأكوع الأسلمي، وعكرمة: هو ابن عمار اليمامي.
وأخرجه بأطول مما هاهنا مسلم (١٨٠٧) من طريق عكرمة بن عمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٥٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٧١٧٣).
وقوله: «أعطاني سهم الفارس والراجل» فإنه يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل حسبُ، لأن سلمة كان راجلًا في ذلك اليوم، وأعطاه الزيادة نفلًا، لما كان من حسنِ بلائه.
(٢) حديث قوي، وهذا إسناد قد اختلفتْ فيه نسخُ أبي داود عن أبي إسحاق الفزاري، كما نبه عليه المزي في «تحفة الأشراف» (١١٤٨٤) نقلًا عن الخطيب البغدادي حيث قال: في نسختين مرويتين عن أبي داود: هذا الحديث مروي عن أبي إسحاق =

٢٧٥٤ - حدَّثنا هنّادٌ، عن ابنِ المباركِ، عن أبي عَوانةَ، عن عاصمِ بن كُلَيب، بإسناده ومَعناه١).

١٥٩ - باب الإمام يستأْثِر بشئٍ من الفيء لنفسه
٢٧٥٥ - حدَّثنا الوليدُ بن عُتبةَ، حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا عبد الله بن العلاء، أنه سمع أبا سَلاَّم الأسودَ


= الفزاري، عن ابن المبارك، عن أبي عوانة، عن عاصم بن كليب، وقال المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة معن بن يزيد السلمى: رواه أبو داود عن أبي صالح محبوب بن موسى الفراء، عن إبي إسحاق الفزاري، عن أبي عوانة. وفي بعض النسخ: عن أبي إسحاق الفزاري، عن ابن المبارك، عن أبي عوانة، فوقع لنا عاليًا بدرجتين أو ثلاث. قلنا: فتحصل من هذا الكلام ثلاث احتمالات، احتمال كما رواه المصنف بإسقاط ابن المبارك وأبي عوانة، واحتمال بإسقاط ابن المبارك وحده، واحتمال بذكر الاثنين كليهما. لكن الذي في «السير» لأبي إسحاق الفزاري نفسه برقم (٥٤٠) كإسناد المصنف بإسقاط ابن المبارك وأبى عوانة، فالله تعالى أعلم. وقد روي الحديث من غير طريق الفزاري كما في الطريق الآتي بعده.
وأخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخه» ٥/ ١٥٠ من طريق أبي حمزة، عن عاصم بن كليب، به.
وانظر ما بعده.
(١) إسناده قوي من أجل عاصم بن كليب، فهو صدوق لا بأس به. أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وابن المبارك: هو عبد الله، وهناد: هو ابن السَّري.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٤٢ من طريق سهل بن بكار، والطبراني في «الكبير» ١٩/ (١٠٧٣)، والبيهقي ٦/ ٣١٤ من طريق عفان بن مسلم، والطبراني في «الأوسط» (٣٧٤٨) من طريق أبي ربيعة فهد بن عوف، والبيهقي ٦/ ٣١٤ من طريق محمد بن عُبيد، أربعتهم، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

سمعتُ عَمرو بن عَبَسَةَ قال: صلَّى بنا رسولُ الله ﷺ إلى بعيرٍ من المغنم، فلما سَلَّم أخذ وبَرَةَ من جَنْبِ البعير، ثم قال: «ولا يَحِلُّ لي من غنائمكم مثلُ هذا، إلا الخُمس، والخُمس مَردُود فيكم» (¬١).

١٦٠ - باب في الوفاء بالعهد
٢٧٥٦ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ القَعنَبِيُّ، عن مالك، عن عبد الله بن دينارٍ عن ابنِ عُمُر، أن رسولَ الله ﷺ قال: «إن الغادرَ يُنْصَبُ له لواء يومَ القيامةِ، فيُقال: هذه غَدرَةُ فلانِ بن فلانٍ» (٢).


(١) إسناده صحيح. عبد الله بن العلاء: هو ابن زبر، والوليد: هو ابن مسلم الدمشقي، وقد صرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد، فانتفت شبهة تدليسه، ثم هو متابع.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (٨٠٥)، والبيهقي ٦/ ٣٣٩، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٥/ ٥٠ - ٥١ من طريق الوليد بن مسلم، والحاكم ٣/ ٦١٦ - ٦١٧ من
طريق محمد بن شعيب بن شابور، كلاهما عن عبد الله بن العلاء، به.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «الموطأ» برواية محمد بن الحسن الشيباني (٩٩٣).
وأخرجه البخاري (٦١٧٨) و(٦٩٦٦)، ومسلم (١٧٣٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٨٣) من طرق عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه البخاري (٣١٨٨) و(٦١٧٧) و(١٧٣٥)، ومسلم (١٧٣٥)، والترمذي (١٦٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٨٤) من طريق نافع مولى ابن عمر، ومسلم (١٧٣٥) من طريق حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر، ثلاثتهم عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٧٣٤٢) و(٧٣٤٣).
قال القرطبي فيما نقله عنه الحافظ في «الفتح» ٦/ ٢٨٤: هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل، لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء، ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة، فيذمه أهل الموقف. =

١٦١ - باب يُستَجَنُّ بالإمام في العُهود
٢٧٥٧ - حدَّثنا محمدُ بن الصبّاح البَزّازُ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ أبي الزِّنادِ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعرَجِ
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما الإمامُ جُنَّةٌ يقاتلُ به» (١).


= قال الحافظ: وفي الحديث غلظُ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة، لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء.
وقال القاضى عياض: المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها، والتزم القيام بها، فمتى خانَ فيها أو ترك الرفق، فقد غدر بعهده.
وقيل: المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا تخرج عليه، ولا تتعرض لمعصيته، لما يترتب على ذلك من الفتنة.
قال: والصحيح الأول. قلت (القائل ابن حجر): ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات، عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف يعتبر به في المتابعات، وقد توبع. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز.
وأخرجه البخاري (٢٩٥٧)، والنسائي (٤١٩٦) من طريق شعيب بن أبي حمزة، ومسلم (١٨٤١) من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، كلاهما عن أبي الزناد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٧٧٧).
قال الخطابي: معناه أن الإمام (رئيس الدولة) هو الذي يَعقِد العهدَ والهُدنة بينَ المسلمين، وبين أهلِ الشرك، فإذا رأى ذلك صلاحًا وهادنهم، فقد وجب على المسلمن أن يُجيزوا أمانَه، وأن لا يعرِضوا لمن عقد لهم في نفسِ أو مال.
ومعنى جُنّة: العصمة والوقاية، وليس لغير الإمام أن يجعل للأمة بأسرها من الكفار أمانًا، وإنما معنى قوله ﷺ: «يسعى بذمتهم أدناهم» أن يكون ذلك في الأفراد والآحاد، أو في أهل حصن أو قلعة ونحوها. فأما أن يجوز ذلك في جيل وأمة منهم، فلا يجوز.

٢٧٥٨ - حدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا عبدُ الله بن وهْبٍ، أخبرني عَمرٌو، عن بُكير ابنِ الأشَجِّ، عن الحسنِ بن عليِّ بن أبي رافعٍ
أن أبا رافعٍ أخبره قال: بعثَتْني قريشٌ إلى رسولِ الله ﷺ، فلما رأيتُ رسولَ الله ﷺ أُلقي في قلبي الإسلامُ، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجِعُ إليهم أبدًا، فقال رسولُ الله ﷺ: «إني لا أخِيسُ بالعَهْدِ ولا أحبِسُ البُرُدَ، ولكن ارجِع فإن كانَ في نفسِك الذي في نفسك الآنَ فارجع» قال: فذهبتُ، ثم أتيتُ النبي ﷺ فأسلمتُ، قال بكيرٌ: فأخبرني أَن أبا رافعِ كان قِبْطيًّا (١).
قال أبو داود: هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليومَ فلا يصلُح.

١٦٢ - باب الإمام يكون بينه وبين العدو عهدٌ فيسير إليه
٢٧٥٩ - حدَّثنا حفصُ بن عُمرَ النَّمَريُّ، حدَّثنا شعبةُ، عن أبي الفَيض، عن سُليمِ بن عامرٍ -رجلٍ من حِمْير- قال:


(١) إسناده صحيح. بكير بن الأشج. هو ابن عبد الله بن الأشج، وعمرو: هو ابن الحارث.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٨٦٢١) من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٨٥٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٧٧).
قال الخطابي: قوله: «لا أخيس بالعهد» معناه: لا أنقض العهد، ولا أفسده، من قولك: خاس الشيءُ في الوعاء: إذا فَسَدَ.
وفيه من الفقه: أن العقد يُرعَى مع الكافر، كما يُرعى مع المسلم، وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان، ففد وجب عليك أن تؤمنه، وأن لا تغتاله في دم، ولا مالٍ، ولا ولامنفعة.
وقوله: «لا أحبس البرد» فقد يشبه أن يكون المعنى في ذلك: أن الرسالة تقتضي جوابًا، والجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول بعد انصرافه. فصار كأنه عقد له العهد مدة مجيئه ورجوعه، والله أعلم.

كان بين معاويةَ وبين الروم عهدٌ، وكان يسيرُ نحو بلادِهم، حتى إذا انقضى العهدُ غَزاهُم، فجاء رجل على فرسٍ أو بِرْذَونٍ وهو يقولُ: الله أكبرُ، الله أكبرُ، وفاءٌ لا غَدْرٌ، فنظروا فإذا عَمرو بن عَبَسَةَ، فأرسَلَ إليه معاويةُ، فسأله، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «مَن كانَ بينهُ وبين قومٍ عهدٌ فلا يَشُدُّ عُقدةً ولا يحلُّها حتى يَنقضيَ أمَدُها أو يَنْبِذَ إليهم على سَوَاءٍ» فرجع معاوية١).

١٦٣ - باب في الوفاء للمُعَاهِد وحرمة ذمته
٢٧٦٠ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا وكيعٌ، عن عُيَينةَ بنِ عبد الرحمن، عن أبيه


(١) حديث صحيح. سُلَيم بن عامر: هو الخبائري الكلاعي، وأبو الفيض: هو موسى بن أيوب -ويقال: ابن أبي أيوب- المَهري الحمصي، وشعبة: هو ابن الحجاج.
وأخرجه الترمذي (١٦٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٧٩) من طريق شعبة بن الحجاج، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠١٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٧١).
وفي الباب عن أبي هريرة (٣٦٩) و(٣١٧٧)، وهو في «مسند أحمد» (٧٩٧٧).
قال الخطابي: «الأمد» الغاية، قال النابغة:
سَبق الجوادِ إذا استولى على الأمدِ
ومعنى قوله: «ينبذ إليهم على سواء» أي: يُعلمُهم أنه يُريد أن يغزوهم، وأن الصلح الذي كان بينه وبينهم قد ارتفع. فيكون الفريقان في ذلك على السواء.
وفيه دليل على أن العهد الذي يقعْ بين المسلمين وبين العدو ليس بعقدٍ لازمٍ لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته، ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه.

عن أبي بكرةَ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ قتلَ مُعَاهِدًا في غير كُنْهِهِ حَرَّم الله عليهِ الجنةَ» (¬١).

١٦٤ - باب في الرُّسُل
٢٧٦١ - حدَّثنا محمدُ بن عَمرٍ والرَّازيُّ، حدَّثنا سلمةُ -يعني ابنَ الفضلِ- عن محمد بن إسحاقَ، قال: كان مُسَيلِمةُ كتبَ إلى رسولِ الله ﷺ قال: وقد حدَّثني محمدُ بن إسحاق عن شيخٍ من أشْجَعَ يقال له: سعدُ بن طارقٍ، عن سلمةَ بن نُعيمِ بن مَسعودٍ الأشجعيِّ
عن أبيه نعيم، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول لهما حين قرأ كتابَ مُسيلمةَ: «ما تقُولانِ أنتُما؟» قالا: نقولُ كما قال، قال: «أما واللهِ لولا أنَّ الرُّسلَ لا تُقتَلُ لضربتُ أعناقَكُما» (٢).


(١) إسناده صحيح. عبد الرحمن:. هو ابن جَوشَنٍ الغَطَفاني، ووكيع: هو ابنُ الجراح.
وأخرجه النسائى في «المجتبى» (٤٧٤٧) من طريق عيينة بن عبد الرحمن، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٧٧).
وأخرجه النسائي في «المجتبى» (٤٧٤٨) من طريق الأشعث بن ثُرمُلة، وفي «الكبرى» (٨٦٩١) من طريق الحسن البصري، كلاهما عن أبي بكرة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٨٣) و(٢٠٤٦٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٨٨١) و(٧٣٨٢).
والمعاهد: قال ابن الأثير في «النهاية»: يجوز بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول، وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر، والمعاهد: من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة، وقوله: «في غير كهنه» كنه الأمر: حقيقته، وقيل: وقته وقدره، وقيل: غايته يعني مَن قتله في غير وقته، أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله.
(٢) حديث صحيح بطرقه وشاهده، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع كما في «سيرة ابن هشام» ٤/ ٢٤٧ وغيرها، فانتفت شبهة تدليسه،=

٢٧٦٢ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ
عن حارثةَ بن مُضَرِّبِ أنه أتى عبدَ الله فقال: ما بيني وبين أحدٍ من العرب حِنَةٌ، وإني مررتُ بمسجدٍ لبني حَنيفةَ فإذا هم يؤمنون بمُسيلمةَ، فأرسل إليهم عبدُ الله، فجِيء بهم فاستتابَهم، غيرَ ابنِ النَّوّاحة قال له: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لولا أنك رسولٌ لضربتُ عنقكَ» فأنتَ اليومَ لستَ برَسُولٍ، فأمر قَرَظَةَ بن كَعبِ فضرب عُنقَه في السوق، ثم قال: من أراد أن ينظُرَ إلى ابنِ النّوّاحةِ قتيلَا بالسُّوق (١).


وسلمة بن الفضْل -وهو الأبرش- من أوثق الناس في ابن إسحاق، وأتمهم روايةَ لسيرته، ومع ذلك فقد توبع.
وأخرجه أحمد (١٥٩٨٩)، والحاكم ٢/ ١٤٢ - ١٤٣ من طريق سلمة بن الأبرش، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٣٠٩) من طريق جرير بن حازم، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٨٦٣)، وفي «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣١٨، والحاكم ٣/ ٥٢، والبيهقي في «السنن الكبرى»٩/ ٢١١، وفي «الدلائل» ٥/ ٣٣٢ من طريق يونس بن بكير، ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وفي الباب عن ابن مسعود سيأتي عند المصنف بعده.
(١) إسناده صحيح. وسماع سفيان -وهو الثوري- من أبي إسحاق -وهو عمرو ابن عبد الله السبيعى- قبل اختلاطه. وعبد الله: هو ابن مسعود.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٦٢٢) من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، به.
وهو في «مسند أحمد» (٣٦٤٢).
وأخرجه النسائي (٨٦٢٣) من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود رفعه: «لولا أنك رسولٌ -يعنى رسولًا لمسيلمة- لقتلتك».
وهو في «مسند أحمد» (٣٧٠٨).
قال الخطابي: قوله: «حنة» يريد الوِتر والضغن. واللغة الفصيحة: إحنة بالهمزة، قال الشاعر:
إذا كان في نفس ابنِ عمِّك إحنَةٌ ... فلا تَسْتَثْرها، سَوْف يبدو دَفينُها =

١٦٥ - باب في أمان المرأة
٢٧٦٣ - حدَّثنا أحمد بن صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني عِياضُ بن عبدِ الله، عن مَخرمةَ بن سليمانَ، عن كُريبٍ، عن ابن عباس قال:
حدَّثتني أُم هانئ بنتُ أبي طالبٍ: أنها أجارَتْ رجلا من المشركين يوم الفتح، فأتتِ النبيَّ ﷺ،فذكرتْ ذلك له، فقال: «قد أجَرْنَا من أجَرْتِ وآَمَنَّا مَن آمَنْتِ» (١).


= ويقال: فلان مواحن لفلان: إذا كان مضمرًا له على عداوة.
ويشبه أن يكون مذهب ابن مسعود في قتله من غير استتابة أنه رأى قول النبي ﷺ: «لولا أنك رسول لضربت عنقك» حكمًا منه لولا علة الرسالة، فلما ظفر به، وقد ارتفعت العلة أمضاه فيه، ولم يستأنف له حكم سائر المرتدين.
وفيه حجة لمذهب مالك في قتل المستسر بالكفر، وترك استتابته.
ومعلوم أن هؤلاء لا يمكنهم إظهار الكفر بالكوفة في مسجدهم، وهى دار الإسلام، وإنما كانوا يستبطنون الكفر ويُسرُّون الإيمان بمُسيلمة، فاطلع على ذلك منهم حارثة، فرفعهم إلى عبد الله، وهو والٍ عليها، فاستتاب قومًا منهم، وحقن بالتوبة دماءهم. ولعلهم قد كانت داخلتهم شبهة في أمر مسيلمة، ثم تبينوا الحقَّ، فراجعوا الدين، فكانت توبتهم مقبولة عند عبد الله، ورأى أن أمر ابن النواحة بخلاف ذلك، لأنه كان داعية إلى مذهب مسيلمة، فلم يعرض عليه التوبة، ورأى الصلاح في قتله.
وإلى نحو من هذا ذهب بعض العلماء في أمر هؤلاء القرامطة الذين يلقبون بالباطنية.
وأما قوله: «لولا أنك رسول لضربت عنقك» فالمعنى في الكف عن دمه: أن الله سبحانه قال: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: ٦] فحقن له دمه، حتى يبلغ مأمنه، ويعود بجواب ما أرسل به، فتقوم به الحجة على مرسله.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، عياض بن عبد الله -وهو ابن عبد الرحمن الفهري- حسن الحديث في المتابعات والشواهد، وقد توبع.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٦٨٣٢) من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد. =

٢٧٦٤ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ، حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسودِ
عن عائشة قالت: إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز١).

١٦٦ - باب في صلح العدو
٢٧٦٥ - حدَّثنا محمدُ بن عُبيدِ، أن محمدَ بن ثور حدَّثهم، عن مَعمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ بن الزبير


= وأخرجه بنحوه البخاري (٣٥٧) و(٣١٧١) و(٦١٥٨)، ومسلم بإثر (٧١٩)، والترمذي (١٦٧٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٣١) من طريق أبي مرة مولى أم هانئ، عن أم هانىء.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٨٩٢)، و«صحيح ابن حبان» (١١٨٨).
قال الخطابي: في هذا حجة لمن ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة، لأنه لو كان صلحًا لوقع به الأمان العام، فلم يحتج إلى إجازة أمان أم هانىء، ولا إلى تجديد الأمان من رسول الله ﷺ.
وأجمع عوام أهل العلم أن أمان المرأة جائز. وكذلك قال أكثر الفقهاء في أمان العبد، غير أن أصحاب الرأي فرقوا بين العبد الذي يقاتل، والذي لا يقاتل، فأجازوا أمانه إن كان ممن يقاتل، ولم يجيزوا أمانه إن كان لم يقاتل، فأما أمان الصبي، فإنه لا ينعقد، لأن القلم مرفوعٌ عنه.
قلنا: وقوله: «آمَنّا من آمنتِ»: بمد الهمزة، أي: أعطينا الأمان، «من آمنت» أي: أعطيتِه الأمان.
(١) إسناده صحيح. الأسود: هو ابن يزيد النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومنصور: هو ابن المعتمر.
وأخرجه الطيالسي (١٣٩٦)، وسعيد بن منصور (٢٦١١)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٣٠)، والبيهقي ٨/ ١٩٤، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢١/ ١٨٨ من طريق إبراهيم بن يزيد النخعي، به. قولها: فيجوز، أي: يُقبل أمانُها وجوارها.

عن المِسوَر بن مَخْرَمةَ، قال: خرجَ النبيُّ ﷺ زمنَ الحديبيةِ في بِضْعَ عَشرةَ مئةٍ من أصحابِه، حتى إذا كانوا بذِي الحُلَيفةِ قَلَّدَ الهديَ وأشعَرَهُ وأحرمَ بالعمرةِ، وساقَ الحديثَ، قال: وسارَ النبيُّ ﷺ حتى إذا كان بالثَّنِيّة التي يُهبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُه، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ خَلأتِ القَصْواءُ، مرتين، فقال النبي ﷺ: «ما خَلأتْ وما ذلكَ لها بخُلُقٍ، ولكن حَبَسها حابِسُ الفِيل» ثم قال: «والذي نفسي بيدِه لا يَسألوني اليومَ خُطَّةً يُعظِّمون بها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيتُهم إياها» ثم زَجَرها فوثَبتْ، فعَدلَ عنهم حتى نَزل بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماء فجاءَه بُديلُ بن وَرقاءَ الخُزاعيُّ، ثم أتاه -يعني عروةُ بن مَسعودٍ- فجعل يكلم النبي ﷺ فكلما كلَّمه أخذ بلحيتِه، والمغيرةُ بن شُعبةَ قائمٌ على النبي ﷺ ومعه السيفُ وعليه المِغفَرُ، فضربَ يدَه بنعلِ السيف، وقال أخِّر يدَك عن لحيتِه، فرفَع عروةُ رأسَه، فقال: مَن هذا؟ قالوا: المُغيرة بن شعبةَ، فقال: أي غُدَرُ، أوَلستُ أسعى في غَدرتك؟ -وكان المغيرةُ صحبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالَهم، ثم جاءَ فأسلمَ، فقال النبي ﷺ: «أما الإسلامُ فقد قبِلْنا، وأما المالُ فإنه مالُ غَدْرٍ لا حاجةَ لنا فيه»- فذكر الحديثَ، فقالَ النبي ﷺ: «اكتُبْ: هذا ما قاضَى عليه محمدٌ رسولُ الله» وقصَّ الخبَر، فقال سهيلٌ: وعلى أنه لا يأتيكَ منا رجلٌ وإن كان على دينك إلا رَدَدتَهُ إلينا، فلمّا فرَغَ من قضيةِ الكتابِ، قال النبي ﷺ لأصحابِه: «قومُوا فانْحَروا، ثم احلِقُوا» ثم جاء نِسوةٌ مؤمناتٌ مهاجراتٌ، الآية (١)، فنهاهُم اللهُ أن


(١) يعني الآية: (١٠) من سورة الممتحنة.

يَردُّوهُنَّ، وأمرهم أن يردُّوا الصَّدَاق، ثم رجع إلى المدينةِ، فجاءه أبو بَصيرٍ رجلٌ من قريشٍ -يعني فأرسلوا في طلبه- فدفَعه إلى الرجلين، فخَرجا به حتى إذا بلغَا ذا الحليفةِ نزَلُوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بَصيرٍ لأحدِ الرجلين: واللهِ إني لأرى سيفَكَ هذا يا فلانُ جيدًا، فاستلَّه الآخَر، فقال: أجل قد جرَّبْتُ به، فقال أبو بَصيرٍ: أرِني أنظرْ إليه، فأمكَنَه منه، فضربه به حتى بَرَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتى أتى المدينةَ، فدخل المسجدَ يعْدُو، فقالَ النبيُّ ﷺ «لقد رأى هذا ذُعْرًا» فقال: قُتِلَ واللهِ صاحبي وإني لَمَقتُولٌ، فجاء أبو بَصيرٍ فقال: قد أوفى اللهُ ذِمَتَك، فقد رددتَني إليهم ثم نَجَّاني اللهُ منهم، فقال النبي ﷺ: «وَيْلُ أمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لو كان له أحدٌ» فلما سمع ذلك عرف أنه سيردُّه إليهم، فخرج حتىً أتى سِيفَ البحرِ، ويَنفَلِتُ أبو جَنْدَلٍ، فلحق بأبي بَصيرٍ حتى اجتمعتْ منهم عِصابة (١).


(١) إسناده صحيح. الزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد الله بن عَبد الله بن شهاب، ومعمر: هو ابن راشد، ومحمد بن عُبيد: هو ابن حِساب الغُبَري.
وأخرجه بأطول مما هاهنا بقصة صلح الحديبية جميعها البخاري (٢٧٣١) (٢٧٣٢) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، بهذا الإسناد.
وأخرج قصة الخروج إلى العمرة وإشعار الهدي وتقليده البخاري (١٦٩٤) (١٦٩٥)، والنسائي (٢٧٧١) من طريقين عن معمر، به.
وأخرج قصة المهاجرات البخاري (٢٧١١) و(٢٧١٢) من طريق عقيل بن خالد، ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٩٠٩) و(١٨٩١٠) و(١٨٩٢٨)، و«ابن حبان» (٤٨٧٢).
وقد سلفت قصة الخروج للعمرة وإشعار الهدي وتقليده عند المصنف برقم وستأتي عنده قصة عروة بن مسعود مع المغيرة بن شعبة برقم (٤٦٥٥). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال الخطابي: قوله: «حَلْ حَلْ»: كلمة معناها الزجر، يقال في زجر البعير: حل -بالتخفيف- ويقال: حَلحَلتُ الإبلَ إذا زجرتَها لتنبعث.
وأما قوله: «خلأت القصواء» فإن. الخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، ومنه قول زهير: بِآرِزَةِ الفَقَارَةِ لم يَخُنها ... قطافٌ في الركاب ولا خِلاءُ
والقصواء: اسم ناقته، وكانت مقصوَّة الأُذنَ -وهو أن يقطع طرفًا من الأذن- يقال: نافة قصواء، ولم يقولوا: جمل أقصى، ومعناه المقصوة، جاء بلفظ فاعل ومعناه مفعول.
وقوله: «ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» يريد أن الخلاء لم يكن لها بخلق فيما مضى، ولكن الله حبسها عن دخول مكة كما حبس الفيل حين جاء به أبرهة الحبشي يريد هدم الكعبة واستباحة الحرم، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك، وفي التمثيل بحبس الفيل أن أصحابه لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم وأُريق فيه دماء، وكان منه الفساد والفناء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه ومضى في قضائه أنه سيُسلم جماعة من أولئك الكفار في غابر الزمان، وسيخرج من أصلابهم قوم مؤمنون يعبدون الله ويوحدونه، فلو استُبيحت مكةُ، وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل، ولبطلت تلك العواقب.
وقوله: «والذى نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حُرُمات الله إلا أعطيتهم إياها» يريد -والله أعلم- المصالحة والجنوح إلى المسالمة، وترك القتال في الحرم، والكف عن إراقة الدم فيه، وهو معنى تعظيم حُرُمات الله.
وقوله: «حتى نزل على ثمد»، فالثمد: الماء القليل، ويقال: ماء مثمود إذا كثرت عليه الشفاه حتى يفنى وينزف.
قال: وأما مسُّ عروة بن مسعود لحية رسول الله ﷺ في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده، فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم، يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدّثه، ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان ﷺ لا يدفعه عن ذلك، استمالة لقلبه، ولما كان يرجوه من إسلامه، ثم هداه الله بعدُ فحسُن إسلامه، وكان رئيسا في ثقيف، وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله ﷺ وتوقيرًا له وإجلالًا لقدره. وإنما يفعل الرجل ذلك بنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة. =

٢٧٦٦ - حدَّثنا محمدُ بن العلاءِ، حدَّثنا ابنُ إدريسَ، سمعتُ ابنَ إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن عُروةَ بن الزبيرِ


= قال: وفي قيام المغيرة على رأس رسول الله ﷺ دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن الذي نهى عنه وتوعد فيه من قوله: «من أراد أن يمثُل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار» إنما هو فيمن فعل ذلك قاصدًا به الكبر، وذاهبًا فيه مذاهب النخوة والجبرية.
وقوله: «أي غُدر» فهو نعت، يُنعت الرجلُ به عند المبالغة في الغَدْر.
وفي قوله ﷺ للمغيرة: «أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال، فإنه مالُ غدر، لا حاجة لنا فيه» دليل على أن أموال أهل الشرك -وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهرًا- فإنها ممنوعة بالأمان لهم، مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان، وذلك أن المغيرة إنما صحِبهم صحبة الرفقاء في الأسفار«، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدرًا منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البرِّ والفاجر.
ثم قال الخطابي: وفي إجابته ﷺ إياهم إلى ذلك أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلمًا، دليل على جواز أن يُقِرَّ الإمامُ فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيمُ على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبةً حميدةً، سيما إذا وافق ذلك زمانَ ضعفِ المسلمين عن مقاومة الكفار، وخوفهم الغلبة منهم.
قال: وفي أمر رسول الله ﷺ أصحابه بعد فراغه من الكتاب أن ينحروا ويحلقوا رؤوسهم، دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة فأُحْصِر بعدوٍّ، فإنه ينحر الهدي مكانه ويَحِلّ، وإن لم يكن بلغ هديهُ الحرم، والموضع الذي نحر رسول الله ﷺ هديه فيه بالحديبية حلٌّ، إذ كان مصدودًا عن دخول الحرم.
وقوله في قصة أبي بصير:»فضربه بالسيف حتى برد«معناه حتى مات وسكنت منه حرارة الحياة، وأصل البرد: السكون والثبوت.
وقوله:»ويلُ أمه مِسْعَر حرب" كلمة تعجب، يصفه بالمبالغة في الحروب، وجودة معالجتها، وسرعة النهوض فيها، يقال: فلان مسعر حرب: إذا كان أولَ من يوقد نارها ويَصلى حرَّها، من قولك: سعَّرت النار، إذا أوقدتَها، ومنه السعير: وهو النار الموقدة.

عن المسور بن مَخْرَمةَ ومروانَ بنِ الحكم، أنهم اصطلحوا على وضْعِ الحربِ عَشْرَ سنين يأمَنُ فيهنَّ الناسُ، وعلى أن بيننا عَيْبَةً مكفُوفةٌ، وأنه لا إسْلالَ ولا إغْلالَ (١).


(١) إسناده حسن، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع عند أحمد والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه.
فأخرجه أحمد (١٨٩١٠) عن يزيد بن هارون، والبيهقي ٩/ ٢٢١ و٢٢٧ من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: اختلفوا في المدة التي يجوز أن يُهادن إليها الكفار: فقال الشافعي: أقصاها عشر سنين، لا يُزادُ عليها، وما وراءها محظور، لأن الله سبحانه أمر بقتال الكفار، فاستثنينا ما أباحه رسولُ ﷺ في قصة الحديبية، وما وراء ذلك محظور.
وقال قوم: لا يجوز ذلك أكثرَ من أربع سنين.
وقال قوم: ثلاث سنين، لأن الصلح لم يبق فيما بينهم أكثر من ثلاث سنين، ثم إن المشركين نقضوا العهد، فخرج رسول الله ﷺ إلى مكة، وكان الفتح.
وقال بعضهم: ليس لذلك حدٌّ معلوم، وهو إلى الإمام يفعل ذلك على حسب ما يرى من المصلحة.
قلت (القائل الخطابي): كان سببُ نقضِ العهد: أن خزاعة كانت حلفاء رسول الله ﷺ فقاتلهم بنو بكر، فأعانت قريش بنى بكر على خزاعة، فنقضوا بذلك العهد.
وقوله: «عيبة مكفوفة» المكفوفة: المشرجة، وهي المشدودة بشَرَجها، أي: بعراها، والعيبة -هي وعاء تجعل فيه الثياب ونفيس المتاع- وهاهنا مَثَلٌ والمعنى: أن بيننا صدورًا سليمة، وعقائد صحيحة في المحافظة على العهد الذي عقدناه بيننا، وقد يشبه صدر الإنسان الذي هو مستودع سره وموضع مكنون أمره بالعيبه التي يودعها حُرَّ متاعه، ومصون ثيابه، قال الشاعر:
وكادت عِيابُ الوُدِّ مِنا ومِنكُمُ ... وإن قِيل أبناءُ العمومةِ تَصفَرُ
أراد بعياب الودِّ: صدورهم.
وقوله: «لا إسلال ولا إغلال» فإن «الإسلال» من السلة، وهى السرقه، و«الإغلال» الخيانة، يقال: أغل الرجلُ -إذا خان- إغلالًا، وغل في الغنيمة غلولًا. =

٢٧٦٧ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا عيسى بن يونُسَ، حدَّثنا الأوزاعي، عن حسانَ بن عطيةَ
قال: مَال مكحولٌ وابنُ أبيِ زكريا إلى خالد بن مَعْدَانَ، ومِلْتُ معهما، فحدَثنا، عن جُبَيرِ بن نُفير قال: قال جبيرٌ: انطَلِقْ بنا إلى ذي مِخبَرٍ -رجلِ من أصحابِ النبيِّ ﷺ- فأتيناهُ، فسأله جبيرٌ عن الهُدنةِ، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «ستُصَالِحون الرومَ صُلْحًا آمِنًا، وتَغزُون أنتم وهم عَدُوًّا من ورائِكم» (¬١).

١٦٧ - باب في العدوِّ يُؤتى على غِرَّةٍ ويُتَشَبّه بهم
٢٧٦٨ - حدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرو بن دينار
عن جابرٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ لِكعبِ بن الأشْرفِ، فإنه قد آذى اللهَ ورسولَه؟» فقامَ محمدُ بن مَسْلَمةَ فقال: أنا يا رسول الله، أتحبُّ أن أقتُلَه؟ قال: «نعم»، قال: فأذَنْ لي أن أقولَ شيئًا، قال: «نعم، قُل» فأتاه فقال: إن هذا الرجلَ قد سألنا الصدقةَ، وقد عَنّانا،


= يقول: إن بعضنا يأمن بعضًا في نفسه ومالِه، فلا يتعرض لدمه ولا لماله سرًا ولا جهرًا، ولا يخرنُه في شيء مِن ذلك.
وقال بعضهم: معنى «الإغلال» لبس الدرع للحرب، و«الإسلال»سلّ السيف، وزيّف أبو عبيد هذا القول ولم يرتضه.
(١) إسناده صحيح. عيسى بن يونس: هو ابن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه ابن ماجه (٤٠٨٩) من طريق عيسى بن يونس، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا (٤٠٨٩/ م) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٨٢٥) عن روح بن عبادة، و«صحيح ابن حبان» (٦٧٠٨) و(٦٧٠٩) من طريق الوليد بن مسلم، كلاهما عن الأوزاعى.
وسيتكرر عند المصنف بأطول مما هاهنا برقم (٤٢٩٢).

قال: وأيضًا لتَمَلُّنَّهُ، قال: اتّبعناه فنحن نكرَه أن ندَعَه حتى ننظرَ إلى أيّ شيءٍ يصيرُ أمْرُه، وقد أردنا أن تُسْلِفَنا وَسْقًا أو وَسْقينِ، قال كعب: أيَّ شيءٍ تُرهنوني؟ قالوا: وما تريدُ منا؟ قال: نسائكم، قالوا: سبحان الله، أنت أجملُ العربِ، نُرهنكَ نساءَنا فيكونُ ذلك عارًا علينا، قال: فترهنوني أولادَكم، قالوا: سبحان الله يُسَبُّ ابنُ أحدِنا فيقال: رُهِنتَ بوَسْقٍ أو وَسْقين، قالوا: نُرهنك اللأمةَ؟ -يريد السلاح- قال: نعم، فلما أتاه ناداه فخرجَ إليه، وهو مُتطيِّبٌ ينضَحُ رأْسُه، فلما أن جَلَس إليه وقد كان جاء معه بنفرٍ ثلاثةٍ أو أربعة، فذَكرُوا له، قال: عندي فلانةُ وهي أعطَرُ نساءِ الناس، قال: تأْذنُ لي فأشَمَّ؟ قال: نعم، فأدخلَ يدَه في رأسِه فشمَّه، قال: أعودُ؟ قال: نعم، فأدخلَ يدَه في رأْسِه، فلما استمكن منه، قال: دونكم، فضربُوه حتى قتلُوه (١).


(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢٥١٠) و(٤٠٣٧)، ومسلم (١٨٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٨٧) من طريق سفيان بن عيينة، به.
وهو في «شرح مشكل الآثار» (٢٠٠).
وقوله: ﷺ «مَن لكعب بن الأشرف؟». قال ابن إسحاق: كان عربيًا من بني نبهان وهم بطن من طيىء، وكان أبوه أصاب دمًا في الجاهلية، فأتى المدينة، فحالف بني النضير، فشرف فيهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق، فولدت له كعبًا، وكان طويلًا جسيمًا ذا بطن وهامة، وهجا المسلمين بعد وقعة بدر، وخرج إلى مكة، فنزل على ابن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن العيص بن أمية فطردته، فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ... وذكر ابن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة. =

٢٧٦٩ - حدَّثنا محمدُ بن حُزَابة، حدَّثنا إسحاقُ -يعني ابنَ منصورٍ- حدَّثنا أسباطٌ الهَمدانيُّ، عن السُّدِّىِّ، عن أبيه
عن أبي هريرةَ، عن النبي ﷺ قال: «الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مُؤمِنٌ» (¬١).

١٦٨ - باب في التكبير على كل شَرَفٍ في المسير
٢٧٧٠ - حدَّثنا القَعنَبيّ، عن مالك، عن نافع


= قال الخطابي: في هذا من الفقه: إسقاط الحرج عمن تأول الكلام، فأخبر عن الشيء لما لم يكن إذا كان يريد بذلك استصلاح أمر دينه أو الذبّ عن نفسه وذويه، ومثل هذا الصنيع جائز في الكافر الذي لا عهد له، كما جاز البياتُ والإغارة عليهم في أوقات الغِرّة وأوان الغفلة. وكان كعب هذا لهج بسب النبي ﷺ وهجائه، فاستحق القتل مع كفره بِسَبِّ رسول الله ﷺ. وقد ذهب معنى ذلك على قوم فتوهموا أن ذلك الصنيع من قتله كان غدرًا أو فتكًا، وقد حرم رسول الله ﷺ الفتك.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة والد السدي، واسمه عبد الرحمن ابن أبي كريمة. والسدي: اسمه إسماعيل.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ١٢٢ - ١٢٣، والبخاري في «تاريخه الكبير» ١/ ٤٠٣، وابن أبي عاصم في «الديات» ص ٥٢ - ٥٣، والحاكم ٤/ ٣٥٢، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»١٠/ ٣٨٧، والمزي في ترجمة عبد الرحمن بن أبي كريمة من «تهذيب الكمال»، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٨، وفي «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١٠٢٠ من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، به.
وفي الباب عن الزبير بن العوام عند عبد الرزاق (٩٦٧٦) و(٩٦٧٧)، وابن أبي شيبة ١٥/ ١٢٣ و٢٧٩، وأحمد (١٤٢٦) وإسناده حسن في الشواهد.
وعن معاوية بن أبي سفيان عند أحمد (١٦٨٣٢) وإسناده حسن في الشواهد.
وبمجموع هذه الشواهد يصح الحديث.
قال الخطابي: الفتك إنما هو فُجاةُ قتلِ مَن له أمانٌ، وكان كعب بن الأشرف ممن خلع الأمان ونقض العهد.

عن عبدِ الله بن عُمَر: أن رسول الله ﷺ كان إذا قَفَلَ من غَزْوٍ أو حج أو عُمْرةٍ يُكبِّر على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاثَ تكبيراتٍ، ويقولُ: «لا إله إلا الله وحدَه، لا شريكَ له، له المُلكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قدير، آيِبون، تائِبون، عابِدون، ساجِدون، لِربنا حامِدُون، صدق اللهُ وعْدَه، ونَصَر عبدَه، وهَزَم الأحزابَ وحدَه» (¬١).

١٦٩ - باب في الإذن في القُفول بعد النهي
٢٧٧١ - حدَّثنا أحمد بن محمد بن ثابت المَروزيُّ، حدثني على بن حُسين، عن أبيه، عن يزيدَ النحويِّ، عن عكرمةَ
عن ابنِ عباس قال: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٤٤] نسخَتْها التي في النُّور: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى قوله ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٦٢] (٢).


(١) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلَمة.
وهو في «موطأ مالك» ١/ ٤٢١.
وأخرجه البخاري (١٧٩٧)، ومسلم (١٣٤٤)، والترمذي (٩٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٤٢٢٩) و(١٠٢٩٧) و(١٠٢٩٨) من طرق عن نافع، به.
وأخرجه البخاري (٢٩٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٤٢٣٠) و(١٠٢٩٨) من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٩٦)، و«صحيح ابن حبان» (٢٧٠٧).
وانظر ما سلف برقم (٢٥٩٩).
(٢) إسناده حسن من أجل علي بن الحسين -وهو ابن واقد المروزي-، فهو صدوق حسن الحديث. يزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد.
وأخرجه البيهقي ٩/ ١٧٣ - ١٧٤، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٣٦٧ - ٣٦٨ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد. =

١٧٠ - باب في بعثةِ البُشَراء
٢٧٧٢ - حدَّثنا أبو توبةَ الربيعُ بن نافعٍ، حدَّثنا عيسى، عن إسماعيلَ، عن قَيسٍ


= وأخرجه الطبري في «تفسيره»١٠/ ١٤٣ عن محمد بن حميد الرازي، عن يحيى ابن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قولهما. ومحمد بن حميد متروك.
وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في «الناسخ والمنسوخ» (٣٥٧)، وابن الجوزي ص ٣٦٧ من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج (وقرن به أبو عبيد عثمان ابن عطاء)، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس. وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (٢٤١٤) من طريق يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وقد جاء عن ابن عباس ما يخالف ذلك بما يفيد عدم النسخ، وهو ما أخرجه أبو عبيد (٣٥٦)، والطبري١٠/ ١٤٣ من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٤٥] قال: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد في غير عذر، وعَذَر اللهُ المؤمنين، فقال: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: ٦٢].
وأخرجه النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ٢٠٢ من طريق عبد الله بن صالح، لكن جعله من قول على بن أبي طلحة!
وإلى القول بعدم النسخ، وإحكام الآيتين ذهب الطبري وأبو جعفر النحاس وابن الجوزي، وحكاه ابن الجوزي عن أبي سليمان الدمشقي.
قال ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٣٦٨: الصحيح أنه ليس للنسخ هاهنا مدخل، لإمكان العمل بالآيتين، وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذرِ، وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض لهم من حاجة، وكان المنافقون إذا كانوا معه، فعرضت لهم حاجة، ذهبوا من غير استئذانه.

عن جَريرِ، قال: قال لي رسولُ الله ﷺ: «ألا تُريحُني من ذي الخَلَصَة؟» فأتاها فحرَّقَها، ثم بعثَ رجلًا من أحمَسَ إلى النبيَّ ﷺ يُبشِّره، يكنى أبا أرطاةَ١).

١٧١ - باب في إعطاءِ البشير
٢٧٧٣ - حدَّثنا ابن السَّرحِ، أخبرنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني يونسُ، عن ابن شهابٍ، قال: فأخبرنى عبدُ الرحمن بن عبد الله بن كَعْب بن مالكٍ، أن عبدَ الله ابن كعْبٍ قال: سمعتُ كعبَ بن مالكٍ قال: كانَ النبي ﷺ إذا قَدِمَ من سفرٍ بدأ بالمسجدِ، فركع فيه ركعتَين، ثم جلس للناسِ، وقَصَّ ابنُ السَّرْحِ الحديثَ، قال: ونهى رسولُ الله ﷺ المسلمينَ عن كلامنا أيها الثلاثةُ، حتى إذا طالَ علي تَسَوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قتادةَ -وهو ابنُ عمي- فسلمتُ عليه، فوالله ما ردَّ على السلامَ، ثم صليتُ الصبحَ صباحَ خمسينَ ليلةً على ظهرِ بيتِ من بيُوتنا، فسمعتُ صَارِخًا: يا كَعْبَ بنَ مالكٍ أبشِر،


(١) إسناده صحيح. جرير: هو ابن عبد الله البَجَلي، وقيس: هو ابن أبي حازم، وإسماعيل: هو ابنُ أبي خالد، وعيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه البخاري (٣٠٢٠)، ومسلم (٢٤٧٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٢٤٥) و(٨٥٥٨) و(٨٦١٨) و(١٠٢٨١) من طريق قيس بن أبي حازم، به. ولم يذكر النسائي في الموضعين الأول والأخير قصة البشير، وجعله في الموضع الثاني جريرًا نفسه أنه هو الذي جاء بالخبر.
قال المنذري في «مختصر السنن»: وأبو أرطاة: اسمه الحصين بن ربيعة. له صحبة.
والخَلَصة: بفتح الخاء المعجمة، وبعدها لام مفتوحة، وصاد مهملة مفتوحة، ويقال: بضمهما، وقيل: بفتح الخاء وسكون اللام: هو بيت صنم ببلاد دَوْس. وقيل: ذو الخلصة، اسم الصنم، لا اسمُ بيته.

فلما جاءني الذي سمعتُ صوتَه يُبشِّرني نزعتُ له ثوبَيَّ فكسوتُهما إياه، فانطلقتُ حتى دخلتُ المسجدَ فإذا رسولُ الله ﷺ جالسٌ، فقامَ إليَّ طلحةُ بن عُبيدِ الله يُهرْوِلُ حتى صافحني وهَنّأني١).

١٧٢ - باب في سُجودِ الشُّكْر
٢٧٧٤ - حدَّثنا مَخلَدُ بن خَالدٍ، حدَّثنا أبو عاصم، عن أبي بكْرةَ بكارِ بن عبد العزيز، أخبرني أبي عبدُ العزيز
عن أبي بكْرةَ، عن النبي ﷺ: أنه كان إذا جاءَه أمْرُ سرُورٍ -أو يُسَرُّ بهِ خرَّ ساجدًا شاكرًا للهِ تعالى (٢).


(١) إسناده صحيح. يونُس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله، وابن السَّرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السَّرْح أبو الطاهر.
وأخرجه مطولًا البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩) من طريق ابن شهاب الزهري، بهذا الإسناد.
وأخرج قصة صلاة الركعتين منه النسائى في «المجتبى» (٧٣١) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وأخرج قصة البشارة وتهنئة طلحة بن عبيد الله النسائي في «الكبرى» (١١١٦٨) من طريق ابن شهاب، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٨٩) و(٢٧١٧٥)، وفي «صحيح ابن حبان» (٣٣٧٠). وستأتي قصة صلاة الركعتين برقم (٢٧٨١).
وقصة كعب مع أبي قتادة برقم (٤٦٠٠).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف بكار بن عبد العزيز.
وأخرجه ابن ماجه (١٣٩٤)، والترمذي (١٦٦٨) من طريق بكار بن عبد العزيز، به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٤٥٥).
ويشهد له حديث البراء بن عازب عند الطبري في «تاريخه» ٢/ ١٩٧، والبيهقي ٢/ ٣٦٩ وصححه المنذري في «مختصر السنن» والذهبي في «تاريخ الإسلام»والبيهقي.
وحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد (١٦٦٢) وهو حديث حسن.

٢٧٧٥ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا ابن أبي فُدَيكٍ، حدثني مُوسى بن يَعقوبَ، عن ابنِ عُثمانَ -قال أبو داودَ: وهو يحيى بنُ الحسن بنِ عثمانَ- عن أشعثَ بن إسحاقَ بن سَعدٍ، عن عامرِ بن سَعدٍ
عن أبيه، قال: خرجْنا مع رسولِ الله ﷺ من مكةَ نريدُ المدينةَ، فلما كنا قريبًا من عَزوَرَا، نَزلَ ثمَّ رفع يديه فدعا اللهَ ساعةً، ثم خَرَّ ساجدًا، فمكثَ طويلًا، ثم قامَ فرفعَ يديه فدعا اللهَ ساعةً ثم خَرَّ ساجِدًا، فمكثَ طويلًا، ثم قامَ فرفعَ يدَيه ساعةً ثمَ خَرّ ساجدًا، ذكرَه أحمدُ ثلاثًا، قال: «إني سألتُ ربِّي، وشَفَعْتُ لأُمتي، فأعطاني ثُلُثَ أُمتي، فخرَرْتُ ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعتُ رأْسي فسألتُ ربِّي لأمتي، فأعطاني ثُلُثَ أُمتي فخَررتُ ساجدًا لربي شُكرًا، ثم رفعتُ رأسي فسألتُ ربي لأُمتي فأعطاني الثُّلثَ الآخِر، فخررتُ ساجدًا لربي» (١).


= وحديث سعد بن أبي وقاص الآتى بعده. وإسناده ضعيف.
وحديث أنس بن مالك عند ابن ماجه (١٣٩٢) وفي اسناده ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ.
وموقوفًا من فعل كعب بن مالك عند البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩).
وانظر تمام شواهده في «مسند أحمد» (٢٠٤٥٥).
(١) إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب، وجهالة يحيى بن الحسن بن عثمان. ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم.
وأخرجه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٢٣٤)، والبيهقي ٢/ ٣٧٠ من طريق ابن أبي فُديك، بهذا الإسناد.
وعزورا: بفتح العين وسكون الزاي وفتح الواو، وفتح الراء بالقصر، ويقال فيها: عَزْوَر: ثنية (هضبة) الجحفة عليها الطريق من المدينة إلى مكة، قال إبراهيم بن هرمة:
تَذكَّر بعد النأي هندًا وشَفْغرا ... فقصَّرَ يقضي حاجة ثم هَجَّرا
ولم ينس أظعانًا عرضنَ عشيّةً ... طوالعَ مِن هرشى قواصد عَزورا

قال أبو داودَ: أشعثُ بن إسحاقَ أسقطَه أحمدُ بن صالحٍ حين حدَّثنا به، فحدَّثني به عنه مُوسى بن سَهْلٍ الرّمْلىُّ.

١٧٣ - باب في الطُّرُوق
٢٧٧٦ - حدَّثنا حفصُ بن عمرَ ومُسلمُ بن إبراهيمَ، قالا: حدَّثنا شُعبةُ، عن محارِبِ بن دِثارٍ
عن جابر بن عبد الله، قال: كانَ رسولُ اللهِ ﷺ يكرَه أن يأتي الرجُل أهْلَهُ طُرُوقًا (١).
٢٧٧٧ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جَرير، عن مُغيرةَ، عن الشعبىِّ
عن جابر بن عبد الله، عن النبيَّ ﷺ قال: «إنَّ أحسن مَا دخَلَ الرجلُ على أهله إذا قَدِمَ من سفرِ أولُ اللَّيل» (٢).


(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (١٨٠١) و(٥٢٤٣)، ومسلم بإثر (١٩٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٩٠٩٦) من طريق محارب بن دثار، به.
وأخرجه الترمذي (٢٩٠٩) من طريق نبيح العنزي، عن جابر بن عبد الله.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٩١)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٨٢).
وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (٢٧٧٨).
قال الخطابي: «طروقًا» أي: ليلا. يقال لكل ما أتاك ليلًا: طارق، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ أي: النجم، لأنه يطرق بطلوعه ليلًا.
(٢) إسناده صحيح. الشعبى: هو عامر بن شراحيل، ومغيرة: هو ابن مِقسَم، وجرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه بنحوه البخاري (٥٢٤٤)، ومسلم بإثر (١٩٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٩٠٩٧) (٩٠٨٩) من طريق عاصم بن سليمان الأحول، عن الشعبي، به بلفظ: «إذا أطال أحدكم الغيبة، فلا يطرق أهله ليلًا» لفظ البخاري، ولفظ الآخرين حكاية نهي. =

٢٧٧٨ - حدَّثنا أحمد بن حَنْبلٍ، حدَّثنا هُشَيم، أخبرنا سَيَّارٌ، عن الشعبيِّ
عن جابرِ بن عبد الله، قال: كنا مع النبيَّ ﷺ في سَفَرٍ، فَلمَّا ذهبنا لِنَدخُلَ قال: «أمهِلُوا حتى نَدخُل ليلًا، لكي تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبةُ» (١).
قال أبو داودَ: قال الزهْريُّ: الطَّرْقُ بعد العشاء.
قال أبو داودَ: وبعدَ المغربِ لا بأسَ به.


= وهو في «مسند أحمد» (١٥٢٦٥).
وانظر ما قبله، وما بعده.
قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٣٤٠: التقييد فيه بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلًا نهارًا، ويرجع ليلًا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة، كان طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم، فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره: إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله في الحديث الآتي: «لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة»، ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة، لئلا يطلع منها على ما يكون سببا لنفرته منها، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية والشرع محرض على الستر.
(١) إسناده صحيح. سيار: هو أبو الحكم العَنَزي، وهُشيم: هو ابن بشير الواسطي. وأخرجه البخاري (٥٠٧٩) و(٥٢٤٥ - ٥٢٤٧)، ومسلم بإثر (١٩٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٩٠٩٩) و(٩١٠٠) من طريق سيار أبي الحكم، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٨٤)، و«صحيح ابن حبان» (٢٧١٤). وانظر سابقيه.
قال الخطابي: «وتستحد» أي: تصلح من شأن نفسها، والاستحداد مشتق من الحديد، ومعناه الاحتلاق بالموسى، يقال: استحد الرجل إذا احتلق بالحديد، واستعان بمعناه: إذا حلق عانته.

١٧٤ - باب في التَّلقّي
٢٧٧٩ - حدَّثنا ابنُ السرح، حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ
عن السائبِ بن يزيدَ، قال: لما قَدِمَ النبيُّ ﷺ المدينةَ من غَزْوَةِ تبوك تَلَقّاه الناسُ فَلَقِيتهُ مع الصبيان على ثَنِيَّة الوَداع١).

١٧٥ - باب فيما يُستحبّ من إنفادِ الزادِ في الغزو إذا قفل
٢٧٨٠ - حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا ثابتٌ البُنَانيُّ
عن أنس بن مالك: أن فتى من أسْلَمَ قال: يا رسولَ اللهِ، إني أُريدُ الجهادَ، وليس لي مالٌ أتجهزُ به، قال: «اذهبْ إلى فلانٍ الأنصاريِّ فإنه قد تجهز فمرِضَ، فقُل له: إن رسولَ اللهِ ﷺ يُقرئك السلامَ، وقُل لَه: ادفعْ إلىّ ما تجهزتَ به» فأتاهُ فقالَ له ذلك، فقال لامرأته:


(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، وابن السرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح أبو الطاهر.
وأخرجه البخاري (٣٠٨٣)، والترمذي (١٨١٥) من طريق سفيان بن عيينة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٢١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٩٢).
قال المنذري في «اختصار السنن»: فيه تمرين الصبيان على مكارم الأخلاق، واستجلاب الدعاء لهم. قال: وقال المُهلّب (قلنا: وهو أحد شراح البخاري): التلقي للمسافرين والقادمين من الجهاد والحج بالبشر والسرور أمرٌ معروف، ووجه من وجوه البر.
وغزوة تبوك كانت في شهر رجب سنة تسع من الهجرة انظر خبرها في «زاد المعاد» ٣/ ٥٢٦ - ٥٣٧
الثنية: ما ارتفع من الأرض، وقيل: الطريق في الجبل.
وثنية الوداع: هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام.

يا فلانةُ، ادفعي له ما جهَّزْتيني به ولا تحبِسي منه شيئا، فوالله لا تحبسينَ منه شيئا فيبارَكَ لَكِ فيه١).

١٧٦ - باب في الصلاةِ عند القُدوم من السفر
٢٧٨١ - حدَّثنا محمد بن المتوكِّل العَسقلانيُّ والحسنُ بن علىٍّ، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزّاق، أخبرني ابنُ جُريجٍ، أخبرني ابنُ شِهابٍ، أخبرني عبدُ الرحمن ابن عبدِ الله بن كعبِ بن مالكٍ، عن أبيه عبدِ الله بن كعبٍ وعمّه عُبيدِ الله بن كعبٍ
عن أبيهما كعب بن مالكِ: أن النبي ﷺ كان لا يَقدَمُ من سفرِ إلا نهارا -قال الحسنُ: في الضُّحَى- فإذا قدِمَ من سَفَرِ أتى المسجدَ فرَكَعَ فيه ركعتين ثم جلس فيه (٢).
٢٧٨٢ - حدَّثنا محمدُ بن مَنصور الطُّوسِيُّ، حدَّثنا يعقوبُ، حدَّثنا أبي، عن ابنِ إسحاقَ، حدَّثني نافعٌ


(١) إسناده صحيح. ثابت البُناني: هو ابن أسلم، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم (١٨٩٤) من طريق حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣١٦٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٣٠).
(٢) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٤٨٦٤).
وأخرجه البخاري (٣٠٨٨)، ومسلم (٧١٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٢٣)
من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٧٥).
وانظر ما سلف برقم (٢٧٧٣).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنه من نسخة برواية أبي عيسى الرملي. وأورده المزي في «الأطراف» (١١١٣٢)، وقال: حديث العسقلانى والخلال في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكر ابن داسه، ولم يذكره أبو القاسم.

عن ابن عمر: أن رسولَ الله ﷺ حين أقبلَ من حَجَّتِهِ دخلَ المدينةَ، فأناخَ على بابِ مَسْجدِه، ثم دخلَه، فركَع فيه ركعتَين، ثم انصرفَ إلى بيتهِ، قال نافعٌ: فكانَ ابنُ عمرَ كذلك يصنَعُ١).

١٧٧ - باب في كِراءِ المَقاسِم
٢٧٨٣ - حدَّثنا جعفرُ بن مُسافرِ التِّنِّيسيُّ، حدَّثنا ابنُ أبي فُدَيكٍ، أخبرنا الزَّمْعِيُّ، عن الزبيرِ بن عثمانَ بن عبدِ الله بن سُراقةَ (٢)، أن محمدَ بن عبدِ الرحمن بن ثوبانَ أخبرَه
أن أبا سعيدٍ الخُدريَّ أخبره، أن رسولَ الله ﷺ قال: «إياكُم والقُسامَةَ» قال: فقُلْنا: وما القُسامَةُ؟ قال: الشيءُ يكونُ بين الناسِ فيُنْتَقَصُ منه«(٣).


(١) إسناده حسن من أجل ابن إسحاق -وهو محمد- وقد صرح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.
وأخرجه أحمد في»مسنده«(٦١٣٢) من طريق محمد بن إسحاق، به.
(٢) وقع في أصولنا الخطية هنا اختلاف في هذا الإسناد، فالذي في (أ) و(ب) و(ج): عن الزبير بن عثمان، عن عبد الله بن عبد الله بن سُراقة، وجاء في (هـ): عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن عبد الله بن سُراقة، قال المزي في»تهذيب الكمال«١٥/ ١٧٧ عن الإسناد الذي جاء في (أ) و(ب) و(ج): هكذا وقع في بعض النسخ المتأخرة من»سنن أبي داود«في باب كراء المقاسم من كتاب الجهاد، وهكذا ذكره صاحب»الأطراف«وهو وهم، والصواب: عن الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة.
هكذا وقع في عامة الأصول العتيقة الصحيحة. وهكذا ذكره البخاري في»التاريخ" وغير واحد. قلنا: يحتمل أن يكون ما جاء في (هـ) صوابًا، ويكون عبدُ الله والد عثمان اسمه عبد الله أيضًا، وأنه كان ينسب لجده أحيانًا فيقال: عبد الله بن سراقة.
(٣) حديث محتمل للتحسين بشاهده المرسل بعده، وهذا إسناد ضعيف لضعف الزمعي -واسمه موسى بن يعقوب- وجهالة الزبير بن عثمان بن عبد الله بن سراقة. ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم. =

٢٧٨٤ - حدَّثنا القَعنبي، حدَّثنا عبدُ العزيز -يعني ابنَ محمد- عن شَريك -يعني ابنَ أبي نَمِر-
عن عطاء بن يَسارٍ، عن النبي ﷺ نحوَه، قال: «الرجلُ يكونُ على الفِئامِ من الناسِ، فيأخُذُ من حَّظ هذا وحَظِّ هذا» (¬١).

١٧٨ - باب في التجارة في الغزو
٢٧٨٥ - حدَّثنا الربيعُ بن نافعٍ، حدَّثنا معاويةُ -يعني ابنَ سلام- عن زيدٍ -يعني ابنَ سلام- أنه سمع أبا سلَّام يقولُ: حدثني عُبيد الله بن سَلْمان
أن رجلًا من أصحابِ النبي ﷺ حدَّثه قال: لما فَتَحنا خيبرَ أخرَجُوا غنائمَهم من المتاعِ والسَّبْيِ، فجعلَ الناسُ يتبايعونَ غنائمهم، فجاء


= وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٨٢٨١)، والبيهقي ٦/ ٣٥٦ من طريق ابن أبي فُديك، بهذا الإسناد. وانظر ما بعده.
قال الخطابي: «القسام» مضمومة القاف: اسم لما يأخذه القسام لنفسه في القسمة كالنّشارة لما يُنشر، والفُصالة لما يفصل، والعُجالة لما يُعجّل للضيف من الطعام.
قال: وليس في هذا تحريم لأجرة القسام إذا أخذها بإذن المقسوم لهم، وإنما جاء هذا فيمن ولي أمر قوم فكان عريفًا عليهم، أو نقيبًا. فإذا قسم بينهم سهامهم أمسك منها شيئًا لنفسه يستأثر به عليهم. وقد جاء بيان ذلك في الحديث الآخر.
(١) حديث محتمل للتحسين، وهذا مرسل رجاله ثقات. القعنبى: هو عبد الله ابن مسلمة بن قعنب، وعبد العزيز بن محمد: هو الدَّرَاوردي.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٥٦ من طريق زهير بن محمد ومن طريق عبد العزيز بن محمد، كلاهما عن شريك بن أبى نمر، به.
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: الفئام: الجماعات. قال الفرزدق: فئام ينهضون إلى فئام.

رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، لقد ربحتُ ربحًا ما ربحَ اليومَ مثلَه أحدٌ من أهل هذا الوادي، قال: «ويحك وما ربحتَ؟» قال: ما زلتُ أبيعُ وأبتاعُ حتى ربحتُ ثلاثَ مئةِ أُوقيّةٍ، فقال رسولُ الله ﷺ: «أنا أُنبئكَ بخيرِ رَجُلٍ ربحَ» قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: «ركعتَين بعدَ الصلاةِ» (¬١).

١٧٩ - باب حَمل السلاحِ إلى أرض العدوِّ
٢٧٨٦ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا عيسى بن يونُس، أخبرني أبي، عن أبي إسحاقَ عن ذي الجَوْشَنِ -رجلٍ من الضِّبَاب- قال: أتيتُ النبىَّ ﷺ بعد أن فرغ من أهلِ بدرٍ بابنِ فرسٍ لي يقال لها: القَرْحاء، فقلتُ: يا محمدُ، اني قد جئتُك بابنِ القَرْحاءِ لِتتَّخذَه، قال: «لا حاجةَ لي فيه، وإن شئتَ أن أُقَيِّضَك به المُخْتارَة من دُروع بدرٍ فَعْلتُ» قلتُ: ما كنت أُقيِّضُه اليومَ بغُرَّةٍ، قال: «فلا حاجةَ لي فيهِ» (٢).


(١) إسناده ضعيف لجهالة عُبيد الله بن سلمان.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٣٢ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
قلنا: وقد ثبت عنه ﷺ فيما أخرجه النسائي (٤٦٤٥) وغيره: أنه نهى عن بيع المغانم حتى تُقسم، وهذا يدل بمفهومه على جواز البيع والشراء للغنائم في الغزو بعد قسمتها، والله تعالى أعلم.
(٢) إسناده ضعيف لانقطاعه. أبو إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله السَّبيعي- لم يسمع من ذي الجوشن، وإنما سمعه من ابنه شمر عنه، نص على ذلك سفيان الثوري عن عبد الله بن أحمد في «زوائده على المسند» لأبيه (١٥٩٦٦/ ٢)، وابن أبي حاتم في «المراسيل» ص ١٤٦، وأبو القاسم البغوي فيما نقله عنه المنذري في «اختصار السنن»، وقال المنذري: الحديث لا يثبت، فإنه دائر بين الانقطاع، أو رواية من لا يُعتمد على روايته. قلنا: يعني بذلك جهالة شمر، والله أعلم. =

١٨٠ - باب في الإقامة بأَرض الشركِ
٢٧٨٧ - حدَّثنا محمدُ بن داودَ بن سُفيانَ، حدَّثنا يحيى بنُ حسانَ، أخبرنا سليمانُ بن مُوسى أبو داودَ، حدَّثنا جعفرُ بن سَعدِ بن سَمُرةَ بن جُندب: حدثني خُبيبُ بن سُليمانَ، عن أبيه سليمانَ بن سَمُرَة
عن سَمُرةَ بن جُندب: أما بعدُ، قال رسولُ الله ﷺ: «مَن جامعَ المُشرِكَ وسكنَ معهُ فإنَّهُ مِثْلُه» (١).
آخر كتاب الجهاد


= وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٣٧٥ - ٣٧٦، وابن سعد ٦/ ٤٧، وأحمد (١٥٩٦٥)، وابن أبي عاصم في«الآحاد والمثاني» (١٥٠٦)، والطبراني في «الكبير» (٧٢١٦)، والبيهقي ٩/ ١٠٨ من طريق عيسى بن يونس، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» لأبيه (١٥٩٦٦) من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن ذي الجوشن أبي شمر الضبابى نحو هذا الحديث قال سفيان: فكان ابن ذي جوشن جارًا لأبي إسحاق، لا أُراه إلا سمعه منه.
قال الخطابي: «أقيضك به»معناه: أبدلك به، وأعوضك منه، والمقايضة في البيوع المعاوضة: أن يُعطي متاعًا ويأخذ آخر لا نقد فيه.
وفيه أنه سمى الفَرَسَ غُرَّة، وكثر ما جاء ذكر الغرة في الحديث إنما يُراد به النَّسمة من أولاد آدم عليه السلام عبد أو أمةٍ، وعلى ذلك تفسير قوله في الجنين وقضائه فيه بغرة عبدٍ أو أمةٍ. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول لا تكون الغرة إلا عبدًا أبيض أو جارية بيضاء ...
وقد روى حديث الجنين عيسى بن يونس، فجاء بزيادة تفرد بها لم يذكرها غيره من رواة الحديث، فقال: «عبد أو فرس أو بغل» فجعل الفرس والبغل غرة.
(١) إسناده مسلسلٌ بالضعفاء والمجاهيل. قال ابن القطان الفاسى في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ١٣٨ عند حديث بناء المساجد في الدور عن سمرة بهذا الإسناد: إسناد مجهول ألبتة، وما من هؤلاء من تعرف له حالٌ، وقد جَهِد المُحدِّثون فيهم جهدهم، وقال الذهبي في ترجمة جعفر بن سعد من «الميزان»: هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكمِ، وأورد هذا الحديث. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٠٢٣) و(٧٠٢٤) من طريق جعفر بن سعد، بهذا الإسناد.
ويغني عنه ما صح عن جرير بن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: «أنا بريء من كل مسلم يُقيم بين أظهر المشركين» قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما».
وقد سلف عند المصنف برقم (٢٦٤٥)، وانظر الكلام على فقهه عند حديث جرير. قال ابن القيم في «زاد المعاد» ٣/ ١٢٢ - ١٢٣ بتحقيقنا: ومنع رسول الله ﷺ من إقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة من بينهم، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى ناراهما» وقال: «من جامع المشرك وسكن معه، فهو مثله»، وقال: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» سلف عند المصنف (٢٤٧٩) وقال: «ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير» سلف عن أبي داود (٢٤٨٢).

 


google-playkhamsatmostaqltradent