recent
آخر المقالات

أول كتاب الطلاق

 

تفريع أبواب الطلاق

١ - باب فيمن خَبَّب امرأةً على زوجها
٢١٧٥ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا زيدُ بنُ الحباب، حدَّثنا عمارُ بن رُزيق، عن عبد الله بنِ عيسى، عن عِكرمة، عن يحيي بن يَعمَر
عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «ليس مِنَّا مَنْ خبَّب امرأةً على زوجها، أو عبدًا على سَيدِه» (١).



٢ - باب في المرأة تَسألُ زوجَها طلاقَ امرأةٍ له
٢١٧٦ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا تسألُ المرأةُ طلاقَ
أُختِها لِتستفرغ صحفَتها ولِتَنكِحَ، فإنما لها ما قُدِّرَ لها» (٢).


(١) إسناده صحيح. الحسن بن علي: هو ابن محمد الخلال.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٩١٧٠) من طريق عمار بن رزيق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩١٥٧)، و«صحيح ابن حبان» (٥٦٨) و(٥٥٦٠).
وسيتكرر منه ذكر تخبيب المرأة برقم (٥١٧٠).
وخبَّب: أفسد وخدع. وقوله: امرأة على زوجها بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها.
(٢) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة، وأبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمز.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٩٠٠، ومن طريقه أخرجه البخاري (٦٦٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٩١٦٨). =

٣ - باب في كراهية الطلاق
٢١٧٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا مُعرِّفٌ
عن مُحارِب، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «ما أحلَّ الله شيئًا أبغَضَ اليه مِنَ الطلاقِ» (١).


= وأخرجه الجاري (٢١٤٠) و(٢٧٢٣)، ومسلم (١٤١٣)، والترمذي (١٢٢٧) والنسائي في «الكبرى» (٥٣٣٦) و(٩١٦٩) من طريق سعيد بن المسيب، والبخاري (٥١٥٢)، والنسائي في «الكبرى» (٩١٦٩) من طريق أبي سلمة، والبخاري (٢٧٢٧)، ومسلم (١٥١٥)، والنسائي (٦٠٣٨) من طريق أبي حازم، ومسلم (١٤٠٨) من طريق محمد بن سيرين، أربعتهم عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٠٦٩) و(٤٠٧٠).
وقوله: «لا تسأل»، قال السندي: الصيغة تحتمل النهي والنفي، والمعنى على النهي: قيل: هو نهي للمخطوبة عن أن تسأل الخاطب طلاق التي في نكاحه، وللمرأة أن تسأل طلاق الضرة أيضًا، والمراد: الأخت في الدين، وفي التعبير باسم الأخت تشنيع لفعلها، وتأكيد للنهي عنه، وتحريض لها على تركه.
وقوله: «لتستفرغ صحفتها»، وفي رواية البخاري: «لتستفرغ ما في صحفتها»، والصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها وجمعها صحائف، وهذا مثل، يريد به الاستئثار عليها بحظها، فتكون كمن استفرغ صحفة غيره، وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه.
(١) رجاله ثقات، لكنه مرسلٌ. وقد روي موصولًا كما في الطريق الآتي بعده، ولكن الصحيح المرسل كما قال غير واحد من أهل العلم منهم أبو حاتم والدارقطني في «العلل» والبيهقي وغيرهم. ولكنه مع إرساله يحتج به عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد إذا لم يكن في الباب ما يخالفه. وانظر بسط الكلام عليه في «سنن ابن ماجه» (٢٠١٨). مُعَرف: هو ابن واصل السعدي، ومحارب: هو ابن دِثار السدوسي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٥/ ٢٥٣ عن وكيع بن الجراح، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٢٢ من طريق يحيي بن بكير، كلاهما عن معرف بن واصل، عن محارب بن دِثار مرسلًا.

٢١٧٨ - حدَّثنا كثيرُ بنُ عُبيد، حدَّثنا محمدُ بنُ خالدٍ، عن مُعَرفِ بنُ واصلٍ،
عن محارِبِ بن دِثار
عن ابنِ عُمَرَ، عن النبي ﷺ قال: «أَبغَضُ الحَلَالِ إلى اللهِ عز وجل الطَّلَاقُ» (١).

٤ - باب في طلاق السُّنَّةِ
٢١٧٩ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكِ، عن نافعٍ
عن عبدِ الله بن عُمَرَ: أنه طلَّقَ امرأتَه وهي حَائِض على عَهْدِ رسولِ الله ﷺ، فسأل عُمَرُ بنُ الخطاب رسولَ الله ﷺ عنْ ذلك، فقال رسولُ الله ﷺ: «مُرْهُ فليُرَاجِعْهَا، ثم ليُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ثم تَحيضَ ثم تَطهُرَ، ثم إنْ شاءَ أمْسَكَ بعد ذلك وإنْ شاءَ طلَّق قبل أن يَمَسَّ، فتِلْكَ العِدَّة التي أمَرَ الله أن يُطَلَّق لها النِّسَاء» (٢).


(١) رجاله ثقات، لكن الصحيح عند الأئمة إرساله، كما سلف.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠١٨) من طريق عُبيد الله بن الوليد الوصَّافي، عن محارب ابن دِثار، به. وانظر تمام الكلام عليه فيه.
(٢) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٧٦، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٢٥١)، ومسلم (١٤٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٥٣).
وأحرجه مسلم (١٤٧١)، وابن ماجه (٢٠١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٥٢) و(٥٥٥٩) و(٥٧١٩) و(٥٧٢٠) من طرق عن نافع، به.
وأخرجه مسلم (١٤٧١) من طريق عبد الله بن دينار، ومسلم (١٤٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧٢٢) من طريق طاووس، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦١) من طريق سعيد بن جبير، ثلاثتهم عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٥٢٩٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٦٣).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢١٨٠) و(٢١٨١) و(٢١٨٢) و(٢١٨٣) و(٢١٨٤) و(٢١٨٥).

٢١٨٠ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن نافعٍ
أن ابن عُمَرَ طلقَّ امرأةَ له وهِيَ حَائِضٌ تَطَليقةً، بمعنى حديثِ مالك (١).
٢١٨١ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن محمد ابنِ عبدِ الرحمن مولى آلِ طلحةَ، عن سالمٍ
عن ابنِ عمر: أنه طلَّق امرأتَه وهي حَائِض، فذكر ذلك عُمَرُ
للنبي ﷺ، فقال: «مُرهُ فَليراجِعْها، ثم ليطلِّقها إذا طَهُرَتْ، أو وهِيَ
حَامل» (٢).
٢١٨٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا عنبَسَةُ، حدَّثنا يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، أخبرني سالمُ بنُ عبدِ الله
عن أبيه: أنه طَلَّقَ امرأتَه وهى حَائِضٌ، فذكَرَ ذلك عُمَرُ لِرسولِ الله
ﷺ، فتغيَّظ رسولُ الله ﷺ، ثم قال: «مُرْه فَلْيراجِعْها، ثم لِيُمْسِكْها


(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٥٣٣٢)، ومسلم (١٤٧١) من طريق الليث بن سعد، به.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. وكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، وسالم: هو ابن عبد الله بن عمر.
وأخرجه مسلم (١٤٧١)، وابن ماجه (٢٠٢٣)، والترمذي (١٢١٠)، والنسائى في»الكبرى«(٥٥٦٠) من طريق وكيع، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائى في»الكبرى«(٥٧٢١) من طريق حنظلة، عن سالم، به.
وهو في»مسند أحمد" (٤٧٨٩).
وانظر ما سلف برقم (٢١٧٩).

حتى تَطهُرَ ثم تحيضَ فتطهرَ، ثم إن شاء طلَّقها طاهِرًا قبل أن يَمَسَّ، فذلك الطَّلاق للعِدَّةِ كما أَمَرَ الله تعالى ذكرهُ» (١).
٢١٨٣ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوبَ، عن ابنِ سيرينَ، أخبرنى يونسُ بنُ جُبير
أنه سألَ ابنَ عمرَ فقالَ: كم طلّقْتَ امرأتَكَ؟ فقال: واحِدة (٢).
٢١٨٤ - حدَّثنا القعنبيُّ، حدَّثنا يزيدُ - يعني ابنَ إبراهيم - عن محمد بنِ سيرين، حدثني يونسُ بنُ جُبير، قال:
سألتُ عبدَ الله بنَ عمر، قال: قلتُ: رَجُلٌ طلَّق امرأتَه وهي حائضٌ، قال: أتعرِفُ عبد الله بنَ عمر؟ قلت: نعم، قال: فإن عبدَ الله


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات. عنبسة - وهو ابن خالد بن يزيد الأموي - ضعيف يعتبر به. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو محمد ابن مسلم ابن شهاب القرشي.
وأخرجه البخاري (٤٩٠٨) و(٧١٦٠)، ومسلم (١٤٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٥٤) من طرق عن ابن شهاب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٥٢٧٠).
وانظر ما سلف برقم (٢١٧٩).
(٢) إسناده صحيح، عبد الرزاق: هو الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد، وأيوب: هو السختياني، وابن سيرين: هو محمد الأنصاري.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١٠٩٥٩).
وأخرجه بنحوه البخاري (٥٢٥٣) ومسلم (١٤٧١)، والترمذي (١٢٠٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٢) من طرق عن أيوب، بهذا الاسناد.
وأخرج بنحوه أيضًا مسلم (١٤٧١) من طرق عن أيوب، عن ابن سيرين، عمن لا أتهم، عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٥١٢١).
وانظر ما بعده وما سلف برقم (٢١٧٩).

ابنَ عمر طلق امرأتَه وهي حائض، فأتى عُمَرُ النبيَّ ﷺ فسأله فقال:
«مُرْه فَلْيُراجِعْها، ثم يُطَلقْها في قُبُلِ عِدَّتها» قال: قلتُ: فَيُعْتَدُّ بها؟ قال: فمَهْ، أرأيتَ إن عَجَزَ واسْتَحْمَق؟! (١).
٢١٨٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا ابنُ جُريج، أخبرني أبو الزبيرِ، أنه سَمعَ عبد الرحمن بن أيمن مولى عُروة يسأل ابنَ عمر وأبو الزبير يَسمعُ، قال:


(١) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة.
وأخرجه البخاري (٥٢٥٨) و(٥٣٣٣)، ومسلم (١٤٧١)، وابن ماجه (٢٠٢٢)، والترمذي (١٢٠٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٢) و(٥٥٦٣) و(٥٧١٨) من طرق عن يونس بن جبير، به.
وأخرجه البخاري (٥٢٥٢)، ومسلم (١٤٧١) من طريق أنس بن سيرين، عن ابن عمر.
وأخرجه مسلم (١٤٧١) من طريق أيوب، محمد بن سيرين، عمن لا أتهمهم، عن ابن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٥٠٢٥).
وانظر ما قبله وما سلف برقم (٢١٧٩).
قال الخطابي: فيه بيان أن الطلاق في الحيض واقع، ولولا أنه قد وقع لم يكن لأمره بالمراجعة معنى، وانظر «التمهيد» ١٥/ ٥٨ لابن عبد البر.
وفي قوله: أرأيت إن عجز أو استحمق حذفٌ وإضمارٌ، كأنه يقول: أرأيت إن عجز أو استحمق أيُسقِطُ عنه الطلاق حمقُه أو يبطله عجزُه، وقال النووي: الهمزة في «أرأيتَ» للاستفهام الإنكاري، أي: نعم يحتسب الطلاق، ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته.
وقال: قد أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلقها أثم ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة.
وانظر لزامًا في ما علقته على الحديث (٤٢٦٣) من «صحيح ابن حبان» و«شرح مسلم» للنووي ٥/ ٥٢ - ٦٠.

كيف ترى فىِ رجلِ طلَّقَ امرأتَه حائضًا؟ قال: طَلَّقَ عبدُ الله بنُ عمر امرأته وهي حائض على عهدِ رسولِ الله ﷺ فسأل عمر رسول الله ﷺ فقال: إن عبدَ الله بنَ عمر طَلَّق امرأتَه وهي حائضٌ، قال عبدُ الله: فردَّها عليَّ ولم يرها شيئًا، وقال: «إذا طَهُرَت فَليطَلِّق أو لِيُمْسِكْ» قال ابنُ عمر: وقرأ النبي ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ [الطلاق: ١] في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ (١).
قال أبو داود: روى هذا الحديثَ عن ابنِ عمر: يونسُ بنُ جبير، وأنسُ بنُ سيرين، وسعيدُ بن جُبير، وزيدُ بن أسلم، وأبو الزُّبير، ومنصور، عن أبي وائل، معناهم كُلُّهم: أن النبيَّ ﷺ أمره أن يُرِاجِعها حتى تَطْهُرَ، ثم إن شاء طلّق، وإن شاء أَمْسَكَ.
وكذلك رواه محمدُ بنُ عبدِ الرحمن، عن سالم، عن ابنِ عمر.
وأما روايةُ الزهريِّ، عن سالمٍ ونافع، عن ابنِ عمر: أن النبيَّ ﷺ أمره أن يُرَاجِعَها حتى تَطْهُرَ، ثم تَحِيضَ ثم تطهر، ثم إن شاء طلَّق أو أمْسَكَ.


(١) صحيح دون قوله: ولم يرها شيئًا، فهي شاذة، وسيتكلم عنها المصنف بإثر الحديث، ابن جريج - وهو عبد الملك بن عبد العزيز -، وأبو الزبير - وهو محمد بن مسلم ابن تدرس - صرَّحا بالتحديث فانتفت شبهة تدليسهما. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١٠٩٦٠)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٤٧١) (١٤).
وأخرجه مسلم (١٤٧١) (١٤)، والنسائى في «الكبرى» (٥٥٥٥) من طريق ابن جريج، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٥٢٤).
وانظر ما سلف برقم (٢١٧٩ - ٢١٨٤).

ورُوِيَ عن عطاء الخراسانيِّ، عن الحسن، عن ابنِ عمر نحوُ روايةِ نافعٍ والزهري، والأحاديث كلُّها على خلافِ ما قال أبو الزبير (١).

٥ - باب الرجل يراجع ولا يُشْهِد
٢١٨٦ - حدَّثنا بشرُ بنُ هلال، أن جعفرَ بنَ سليمان، حدَّثهم، عن يزيد الرِّشك، عن مُطرِّف بنِ عبد الله
أن عِمرانَ بن حصين سئل عن الرجل يُطلِّق امرأته، ثم يقعُ بها، ولم يُشهد على طلاقها، ولا على رجعتِها، فقال: طلَّقتَ لِغَيْرِ سُنةٍ، وراجعتَ لِغير سنّةٍ، أشهِدْ على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعُدْ (٢).


(١) نقل المنذري في «تهذيبه» عن الشافعي قوله: ونافع أثبت عن ابن عمر من ابن الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه.
وقال الخطابي: حديث يونس بن جبير (أي الذي قبل هذا) أثبت من هذا، وقال أبو داود: جاءت الأحاديث كلها بخلاف ما رواه أبو الزبير، وقال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه: أنه لم يرها شيئًا.
(٢) إسناده قوي. جعفر بن سليمان - وهو الضبعي - صدوق لا بأس به. يزيد الرِّشْك: هو ابن أبي يزيد الضبعي البصري، والرِّشك لقبٌ اشتُهر به.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٢٥) عن بشر بن هلال، بهذا الإسناد.
قال صاحب «عون المعبود» ٦/ ١٨١: وقد استدل بهذا الحديث من قال بوجوب الإشهاد على المراجعة، وقد ذهب إلى عدم وجوب الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه واستدل لهم بحديث ابن عمر السالف، فإن فيه أنه قال ﷺ «فليراجعها» ولم يذكر الإشهاد، وقال مالك والشافعي: إنه يجب الإشهاد في الرجعة والاحتجاج بحديث الباب لا يصلح للاحتجاج، لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك، فليس بحجة لولا ما وقع من قوله: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة.

٦ - باب في سنة طلاق العبد
٢١٨٧ - حدَّثنا زُهيرُ بنُ حربٍ، حدَّثنا يحيى - يعني ابنَ سعيد - حدَّثنا عليُّ ابنُ المبارك، حدثني يحيى بنُ أبي كثير، أن عمر بنَ مُعتبٍ أخبره، أن أبا حسن مولى بني نوفلٍ أخبره
أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحتَه مملوكة فطلّقها تطليقتين، ثم عتقا بعد ذلك: هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: نعم، قضى بذلك رسولُ الله ﷺ (١).
٢١٨٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، حدَّثنا عثمان بنُ عمر، أخبرنا عليٌّ، بإسناده ومعناه بلا إخبارٍ
قال ابنُ عباس: بقِيَتْ لك واحدةٌ، قضى به رسولُ الله ﷺ (٢).
[قال أبو داود: سمعتُ أحمد بنَ حنبلٍ، قال: قال عبدُ الرزاق: قال ابنُ المبارك لمعمر: مَنْ أبو الحسن هذا؟ لقد تحمَّلَ صخْرةً عظيمةً!


(١) إسناده ضعيف، لضعف عمر بن مُعتِّب. يحيى بن سعيد: هو القطان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٩١) من طريق يحيي بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٨٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٩٢) من طريق معمر بن راشد، عن يحيي بن أبي كثير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣١) و(٣٠٨٨).
قال الخطابي: لم يذهب إلى هذا أحد من العلماء فيما أعلم، وفي إسناده مقال.
(٢) إسناده ضعيف كسابقه. عثمان بن عمر: هو ابن فارس العبدي.

قال أبو داود: أبو الحسن هذا روى عنه الزهريُّ، قال الزهريُّ: وكان مِن الفقهاء روى الزهريُّ عن أبي الحسنِ أحاديثَ.
قال أبو داود: وأبو الحسن معروفٌ، وليس العملُ على هذا الحديث] (١).
٢١٨٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ مسعودٍ، حدَّثنا أبو عاصم، عن ابنِ جريجٍ، عن مُظاهرٍ، عن القاسم بنِ محمد
عن عائشة، عن النبيِّ ﷺ قال: «طلاقُ الأمَةِ تطليقَتانِ، وقُرْؤُهَا حيضتان» (٢).
قال أبو عاصم: حدَّثني مُظاهر، حدثني القاسمُ عن عائشة عن النبيِّ ﷺ، مثله، إلا أنه قال: «وعِدَتُها حَيْضَتَانِ».


(١) ما بين معقوفين أثبتناه من (هـ) وحدها، وهي برواية أبي بكر ابن داسه.
(٢) إسناده ضعيف؛ لضعف مُظاهر - وهو ابن أسلم المخزومي المدني -.
أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد: هو ابن أبي بكر الصديق.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٨٠)، والترمذي (١٢١٨) من طريق أبي عاصم، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث عائشة حديثٌ غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من مُظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
قلنا: ورواه هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن القاسم أنه سئل عن الأمة كم تطلق؟ قال: طلاقها اثنتان، وعدتها حيضتان، قال: فقيل له: أبلغك عن النبي ﷺ في هذا؟ قال: لا. أخرجه الدارقطني (٤٠٠٥) و(٤٠٠٦)، والبيهقي ٧/ ٣٧٠، وقال الدارقطني في «العلل» ٥/ ورقة ١٤٦: وهو الصواب.

قال أبو داود: وهو حديثٌ مجهول (١).

٧ - باب في الطلاق قبل النكاح
٢١٩٠ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هشامٌ (ح)
وحدَّثنا ابنُ الصّبّاح، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ عبد الصمدِ، قالا: حدَّثنا مَطَرٌ الوراقُ، عن عمرو بنِ شعيب، عن أبيه
عن جدِّه، أن النبي ﷺ قال: «لا طَلاقَ إلا فيما تَمْلِكُ، ولا عِتقَ إلا فيما تَمْلِكُ، ولا بَيْعَ إلا فيما تَملِكُ» زاد ابنُ الصَّبَّاح: «ولا وَفَاءَ نَذْرٍ إلا فيما تَمْلِكُ» (٢).
٢١٩١ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، أخبرنا أبو أُسامةَ، عن الوليد بنِ كثيرٍ، حدثني عبدُ الرحمن بنُ الحارث


(١) جاء في (هـ) - وهي برواية ابن داسه - بدل قول أبي داود هذا: قال أبو داود: الحديثان جميعًا ليس العمل عليهما. قال أبو داود: مظاهر ليس بمعروف. وأشار هناك إلى أنه في رواية ابن الأعرابي.
(٢) حديث حسن كما قال الخطابي. مطر الورّاق - وهو ابن طهمان السلمي،
وإن كان فيه كلام - قد توبع. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدستُوائي، وابن الصَّبَّاح: هو عبد الله الهاشمي العطار.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦١٦١) من طريق أبي رجاء محمد بن سيف، عن مطر الورّاق، بهذا الإسناد. واقتصر فيه على ذكر البيع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٤٧) من طريق عبد الرحمن بن الحارث، وابن ماجه (٢٠٤٧)، والترمذي (١٢١٧) من طريق. عامر الأحول، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به. واقتصر ابن ماجه فيه على ذكر الطلاق. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٦٩).
وانظر ما سيأتي برقم (٢١٩١) و(٢١٩٢) و(٣٢٧٣) و(٣٢٧٤) و(٣٥٠٤).

عن عمرو بنِ شعيب، بإسنادِه ومعناه، زاد: «مَنْ حَلَفَ على معصيةٍ فلا يَمِينَ لهُ، ومَن حَلَفَ على قَطِيعةِ رَحِمٍ فلا يَمِينَ له» (١).
٢١٩٢ - حدَّثنا ابنُ السَّرحِ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، عن يحيى بنِ عبدالله بنِ سالم، عن عبدِ الرحمن بن الحارث المخزومي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدِّه: أن النبي ﷺ قال في هذا الخبرِ، زاد «ولا نَذرَ إلا فيما ابتُغِيَ به وجهُ الله تعالى» (٢).

٨ - باب في الطلاق على غَلط
٢١٩٣ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ سعدٍ الزهري، أن يعقوبَ بن إبراهيم حدَّثهم،
قال: حدَّثنا أبي، عن ابنِ إسحاقَ، عن ثور بنِ يزيد الحمصي، عن محمد بن عُبيد بن أبي صالحٍ الذي كان يَسكُنُ إيليا، قال: خرجتُ مع عَدي بنِ عَدي الكِندي حتى قدمنا مكةَ، فبعثني إلى صفيةَ بنتِ شيبةَ، وكانت قد حَفِظَت من عائشة، قالت:


(١) حديث حسن. عبد الرحمن بن الحارث - وهو ابن عبد الله بن عياش المخزومي - متابع. أبو أسامة: هو حمّاد بن أسامة بن زيد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٤٧) من طريق عبد الرحمن بن الحارث، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٤٧١٥) من طريق عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، به.
وسيأتي من طريق عبيد الله بن الأخنس بتمامه برقم (٣٢٧٤).
وهو في «مسند أحمد» (٦٧١٤) و(٦٧٣٢).
وانظر ما قبله وما سيأتى برقم (٣٢٧٣).
(٢) حديث حسن كسابقه. ابن السرح: هو أحمد بن عمرو، وابن وهب: هو عبد الله القرشي.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧١٤).
وانظر سابقيه.

سمعت عائشة تقولُ: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا طَلَاقَ
ولا عِتَاقَ في غَلَاق (١)» (٢).


(١) قوله: «غلاق» كذا أثبتناه من (أ)، ومن نسخة على هامش (ب) مصححًا عليها، وهي كذلك في نسخة المنذري في «تهذيبه»، وكلام أبي داود بإثر الحديث يقتضي أنه كذلك في روايته، وفي (ب) و(ج) و(هـ): «في إغلاق»، وعليها شرح الخطابي وابن القيم!
(٢) إسناده ضعيف لضعف محمد بن عبيد بن أبي صالح. إبراهيم: هو ابن سعد القرشي، وابن إسحاق: هو محمد المطلبي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٤٦) من طريق عبد الله بن نمير، عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد. وقد سمى في روايته محمد بن عبيد بن أبي صالح: عُبيد بن أبي صالح. قال المزي: وهو وهم.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٣٦٠).
قال الخطابي: معنى الإغلاق: الإكراه، وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لا يرون طلاق المكره طلاقًا، وهو قول شريح وعطاء وطاووس وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم، وإليه ذهب مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي - وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
وكان الشعبي والنخعي والزهري وقتادة يرون طلاق المكره جائزًا، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وقالوا في بيع المكره: إنه غير جائز.
وقال الحافظ في «التلخيص» ٣/ ٢١٠: الإغلاق: فسره علماء الغريب بالإكراه، [لأن المكره يغلق عليه أمره وتصرفه] وقال: هو قول ابن قتيبة والخطابي وابن السِّيد وغيرهم، وقيل: الجنون، واستبعده المطرزي، وقيل: الغضب، وقع في «سنن أبي داود» في رواية ابن الأعرابي، وكذا فسره أحمد، وردَّه ابن السيد، فقال: لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق، لأن أحدًا لا يطلق حتى يغضب، وقال أبو عُبيد: الإغلاق: التضييقُ.
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن» ٦/ ١٨٧: قال شيخنا (شيخ الإسلام ابن تيمية):
والإغلاق: انسداد باب العلم، والقصد عليه، يدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول، لأن كلًا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد، والطلاق إنما يقع من قاصد له، عالم به.

قال أبو داود: الغَلاقُ أظنُّه في الغَضَبِ.

٩ - باب في الطلاق على الهزل
٢١٩٤ - حدَّثنا القعنبيُّ، حدَّثنا عبدُ العزيز - يعني ابنَ محمد - عن عبد الرحمن ابنِ حبيبٍ، عن عطاه بنِ أبي رباح، عن ابنِ ماهَك
عن أبي هريرة أن رسولَ اللهِ ﷺ قال: «ثلاث جدُّهنَّ جَدٌّ وهَزْلُهُنَّ جدٌّ: النكَاحُ، والطَلاقُ، والرَّجْعَة» (١).


(١) حسن لغيره، عبد الرحمن بن حبيب - وهو ابن أردك المخزومي - قال عنه الذهبي: صدوق له ما ينكر، وقال ابن حجر في «التلخيص» ٣/ ٢١٠: مختلف فيه، قال النسائي: منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن الحديث. قلنا: وذكره ابن حبان في «الثقات». القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة، وابن ماهَك: هو يوسف الفارسي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٣٩)، والترمذي (١٢٢٠) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حبيب، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن غريب.
وهو في «شرح السنة» للبغوي (٢٣٥٦).
وله شواهده ذكرها الزيلعي في «نصب الراية» ٣/ ٢٩٣ - ٢٩٤، وابن حجر في «التلخيص الحبير» ٣/ ٢٠٩.
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم.
قوله: «والرَّجعة» بكسر الراء وفتحها، أي: عود المطلّق إلى طليقته.
قال الخطابي: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل، فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا أو هازلًا، أو لم أنوِ به طلاقًا، أو ما أشبه ذلك من الأمور.
واختلفوا في الخطأ والنسيان، فقال عطاء وعمر بن دينار فيمن حلف على أمر لا يفعله بالطلاق ففعله ناسيًا أنه لا يحنث، وقال الزهري ومكحول وقتادة: يحنث وإليه ذهب مالك وأصحاب الرأي، وهو قول الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى. =

١٠ - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
٢١٩٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد المروزيُّ، حدثني علي بنُ حُسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النحويِّ، عن عِكرمة
عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] الآية، وذلك أن الرجُلَ كان إذا طلَّقَ امرأتَه فهو أحقُّ بِرَجْعَتِها وإن طَلَّقها ثلاثًا، فَنُسِخَ ذلك، وقال: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] (١).


= وقال القاري في «شرح المشكاة» أو هازلًا لا ينفعه، وكلذا البيع والهبة وجميع التصرفات، وإنما خص هذه الثلاثة، لإنها أعظم وآثم، وجاء في «بذل المجهود» ١٠/ ٢٨٦: وقال القاضي: اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع، فإذا جرى صريح لفظة الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول: كنت فيه لاعبًا أو هازلًا، لأنه لو قبل ذلك منه، لتعطلت الأحكام، فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث، لزمه حكمه، وخص هذه الثلاثة بالذكر لتأكيد أمر الفرج.
وفي «فيض القدير»: وخص الثلاثة بالذكر لتأكد أمر الفروج، وإلا فكل تصرف ينعقد بالهزل على الأصح عند أصحابنا الشافعية إذ الهازل بالقول، وإن كان غير مستلزم لحكمه، فترتب الأحكام على الأسباب للشارع، لا للعاقد، فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى، ولا يقف على اختياره وذلك لأن الهازل قاصد للقول مريد له مع علمه بمعناه وموجبه، وقصد اللفظ المتضمن لذلك المعنى قصد لتلازمهما إلا أن يعارضه قصد آخر كالمكره، فإنه قصد غير المعنى المقول وموجبه، فلذلك أبطله الشارع.
(١) إسناده حسن. علي بن حسين. - وهو ابن واقد المروزي - حسن الحديث.
يزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧١٧) من طريق علي بن حسين، بهذا الإسناد.
وقال ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٢٠٨ بعد أن أورد حديثه ابن عباس هذا: التحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة. =

٢١٩٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا ابُن جُريجٍ، أخبرني بعضُ بني أبي رافع مولى النبيِّ ﷺ، عن عِكرِمَة مولى ابن عباس
عن ابنِ عباسِ، قال: طلَّق عبدُ يزيد - أبو رُكَانَةَ وإخوته - أُمَّ ركانة، ونكحَ امرأةً مِن مُزينَةَ، فجاءت النبيَّ ﷺ فقالت: ما يُغْنِي عنِّي إلا كما تُغني هذه الشعرة، لِشعَرةٍ أخذتها مِن رَأسِهَا، فَفَرِّق بيني وبينَه، فأخذتِ النبيَّ ﷺ حَمِيَّةٌ، فدعا بُركانة وإخوته، ثم قال: لجلسائه: «أتَرَوْنَ فلانًا يُشبه منه كذا وكذا، مِن عبد يزيد، وفلانًا منه كذا وكذا؟» قالوا: نعم، قال النبيُّ ﷺ: لعبد يزيد «طلقها» ففعل، قال: «راجع امرأتَك أُمَّ ركانة وإخوته» فقال: إني طلقتُها ثلاثًا يا رسولَ الله، قال: «قد عَلِمْتُ، راجعها» وتلا ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] (١).


= وإلى القول بإحكام الآية أيضًا ذهب مكي بن أبي طالب في «الإيضاح» ص ١٤٩ -
١٥٠، فقال: وقد قيل: إنها منسوخة ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:١] وهذا قول بعيد، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين لا ينسخ أحدهما الآخر، فآية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطلاق، وآية الطلاق ذكر فيها بيان وقت الطلاق، فهما حكمان مختلفان معمول بهما، لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما.
(١) إسناده ضعيف. لعلتين: أولاهما: إبهام شيخ ابن جريج. وقد جاء مصرحًا باسمه في رواية محمد بن ثور الصنعاني، أنه محمد بن عبيد الله بن رافع. قال الذهبي في«تلخيص المستدرك» ٢/ ٤٩١ محمد واهٍ. قال: والخبر خطأ، عبد يزيد لم يدرك الإسلام. قلنا: فهذه علة ثانية.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٣٣٤٠) عن ابن جريج، ومن طريقه أخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٣٩. =

قال أبو داود: وحديثُ نافعِ بنِ عُجير وعبدِ الله بن علي بن يزيد ابن رُكانة، عن أبيه عن جده: أن رُكانة طلَّقَ امرأتَه البتة (١) فردَّها إليه النبيُّ ﷺ أصحُّ؛ لأن ولدَ الرجل وأهلَه أعلمُ به، أن ركانة إنما طلَّق امرأته البتَّةَ، فجعلها النبيُّ ﷺ واحدةً.
٢١٩٧ - حدَّثنا حميدُ بنُ مسعدة، حدَّثنا إسماعيلُ، أخبرنا أيوبُ، عن عبدِ الله ابنِ كثير
عن مُجاهِدِ، قال: كُنتُ عندَ ابنِ عباس، فجاءه رجلٌ فقال: إنه طلَّقَ امرأتَه ثلاثًا، قال: فَسَكَتَ حتى ظننتُ أنه رادُّها إليه، ثم قال: يَنطَلِقُ أحَدُكُم فيركبُ الحَمُوقَةَ ثم يقولُ: يا ابنَ عباس، يا ابنَ عباس، وإن الله قال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] وإنك لم تَتَّقِ الله فلا أجِد لك مخرجًا، عَصَيتَ ربَّكَ، وبانَتْ مِنكَ امرأتُكَ، وإنَّ


= وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٩١ من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، عن محمد ابن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ، عن عكرمة، عن ابن عباس. وصححه وتعقبه الذهبي بما نقلناه عنه آنفًا.
وقال الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال، لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني رافع ولم يسمه، والمجهول لا تقوم به حجة وقد نص ابن قدامة في «المغني» ١٠/ ٣٦٦ على أن أحمد ضعف إسناد حديث ركانة وتركه، وقال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٣٦٣: إن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما أخرجه هو من طريق آل بيت ركانة وهو تعليل قوي، لجواز أن يكون بعض رواته حمل البتة على الثلاث، فقال: طلقها ثلاثًا، فبهذه النكتة يقف الاستدلال بحديث ابن عباس.
وانظر تمام الكلام على هذا الحديث فيما علقناه في «المسند» رقم الحديث (٢٣٨٧).
وانظر ما سيأتى برقم (٢١٩٧) و(٢١٩٨).
(١) قوله: البتة، أثبتاه من (هـ).

الله قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ [الطلاق: ١] في قبل عدَّتهنَّ (١).


(١) إسناده صحيح كما قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٣٦٢. إسماعيل: هو ابن إبراهيم بن مِقْسَم المعروف بابن علية، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، ومجاهد: هو ابن جَبر المكي.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٣١ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٥٦) مختصرًا من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس.
قلنا: وهذا الأثر عن ابن عباس هكذا أورده المصنف، وقد اختصره بعضُ الرواة، فأفسده، ذلك أن ابن عباس إنما قال لمن طلق امرأته أكثر من ثلاث: عصيتَ ربك، ولم يقل ذلك لمن طلق ثلاثًا. روى ذلك ابن أبي نجيح وحميد الأعرج عن مجاهد، عنه. عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٥٨، والدارقطني (٣٩٢٦)، والبيهقي ٧/ ٣٣١ و٣٣٧، فقالا في روايتهما: إن الرجل طلق امرأته مئةً. وكذلك رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس عند الطحاوي ٣/ ٥٨، والدارقطني (٣٩٢٨)، والبيهقي ٧/ ٣٣٢ و٣٣٧ إلا أنه قال عند الدارقطنى والبيهقي: إنه طلق امرأته ألفًا. وأخرج البيهقي ٧/ ٣٣٧ من طريق عمرو بن دينار: أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، فقال: إنما يكفيك رأس الجوزاء، وكذلك رواه غير واحد عن ابن عباس، انظر «السنن الكبرى» للبيهقي ٧/ ٣٣١ و٣٣٧.
وأما إيقاع الطلاق بالثلاث فلا يُعَدُّ معصية، ولا يخفى ذلك عن مثل ابن عباس.
قال ابن الأثير: الحموقة بفتح الحاء: هي فعولة من الحمق، أي: ذات حمق، وحقيفة الحمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه.
وقوله: (في قبل عدتهن) قال النووي في شرح مسلم ١٠/ ٦٠: هذه قراءة ابن عباس وابن عمر، وهي شاذة لا تثبت قرآنًا بالإجماع، ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا، وعند محققي الأصوليين.

قال أبو داود: روى هذا الحديثَ حُميْدٌ الأعرجُ وغيرُه عن مجاهد عن ابنِ عباس (١).
ورواه شعبةُ، عن عمرِو بنِ مُرَّة، عن سعيد بنِ جُبير، عن ابن عباس (٢).
وأيوبُ وابنُ جريج جميعًا، عن عكرمة بنِ خالد، عن سعيد بن جُبير، عن ابنِ عباس (٣).
وابنُ جريج، عن عبدِ الحميد بن رافع، عن عطاء، عن ابنِ عباس (٤).


(١) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٣٥٢) من طريق ابن جريج، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٥٨ من طريق ابن أبي نجيح وحميد الأعرج، ثلاثتهم عن مجاهد، به.
وأخرجه الدارقطني في«سننه» (٣٩٢٦)، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٣١ - ٣٣٢ من طريق عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: أنه سئل عن رجلٍ طلق امرأته مئة تطليقة؟ قال: عصيت ربك، وباتت منك امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجًا، ثم قرأ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ في قبل عدتهن [الطلاق: ١].
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١١٣٥٠)، وابن أبي شيبة ٥/ ١٣، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٥٨، والبيهقي ٧/ ٣٣٢ من طريق سفيان الثوري، والدارقطني (٣٩٢٥) من طريق شعبة، كلاهما عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١١٣٥٠)، وعنه الدارقطني (٣٩٢٤) من طريق ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، عن سعيد بن جبير: أن رجلًا جاء إلى ابن عباس، فقال: طلقت امرأتي ألفًا، فقال: تأخذ ثلاثًا، وتدع تسع مئة وسبعة وتسعين.
(٤) أخرجه عبد الرزاق (١١٣٤٨)، والبيهقي ٧/ ٣٣٧، عن ابن جريج، عن عبدالحميد بن رافع، عن عطاء: أن رجلًا قال لابن عباس: رجلٌ طلق امرأته مئة، فقال ابن عباس: يأخذ من ذلك ثلاثًا، ويدع سبعًا وتسعين.

ورواه الأعمشُ، عن مالك بنِ الحارثِ عن ابنِ عباس (١).
وابنِ جُريج، عن عمرو بنِ دينارٍ عن ابنِ عباس، كلُّهُم قالوا في الطلاقِ الثلاثِ: إنه أجَازَهَا، قال: وبانتْ منك، نحو حديث إسماعيل، عن أيوب، عن عبد الله بنِ كثير.
قال أبو داود: وروى حمادُ بنُ زيدٍ، عن أيوبَ، عن عِكرمَة، عن ابن عباسٍ، إذا قال: «أنتِ طَالِقٌ ثلاثًا» بفم واحد، فهي واحدة، ورواه إسماعيل بنُ إبراهيم، عن أيوب، عن عكرمة، هذا قوله، لم يذكر ابنَ عباس، وجَعَلَه قولَ عكرمة.
٢١٩٨ - وصار قول ابن عباس فيما حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح ومحمدُ بنُ يحيي - وهذا حديث أحمد - قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن أبي سلمة بنِ عبد الرحمن ومحمد بنِ عبد الرحمن بنِ ثوبان، عن محمد بن إياس أن ابنَ عباس وأبا هريرة وعبدَ الله بن عمرو بن العاص سُئِلُوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا، فكلهم قال: لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره (٢).


(١) أخرجه الطحاوي في «شرح معانى الآثار» ٣/ ٥٧ من طريق الأعمش، عن مالك بن الحارث، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثًا، فقال: إن عمك عصي الله فأندمه الله، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجًا، فقلت: كيف ترى في رجل يحلها له؟ فقال: من يخادع الله يخادعه.
ورواه عبد الرزاق (١٠٧٧٩) وابن أبي شيبة ٥/ ١١، والبيهقي ٧/ ٣٣٧.
(٢) إسناده صحيح. محمد بن يحيي: هو الذهلي، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعانى، ومعمر: هو ابن راشد الأزدي، والزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب، ومحمد بن إياس: هو ابن البكير الليثي.
وأخرجه البيهقي ٧/ ٣٥٤ من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد. =

قال أبو داود: روى مالك عن يحيى بن سعيد، عن بُكير بنِ الأشج عن معاويةَ بنِ أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد ابن إياس بن البُكير إلى ابن الزبير وعاصم بن عمر، فسألهما عن ذلك، فقالا: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة رضي الله عنها، ثم ساق هذا الخبر (١).
[قال أبو داود: وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها، مدخولًا بها وغير مدخول بها، لا تحل له حتى تنكح زوجًا


= وأخرجه مالك ٢/ ٥٧٠، ومن طريقه الشافعي في «مسنده» ٢/ ٣٥ - ٣٦، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٥٧، والبيهقي ٧/ ٣٣٥.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٠٧١) عن ابن جريج، وأخرجه الطحاوي في«شرح معاني الآثار» ٥٧/ ٣ من طريق ابن أبي ذئب، ثلاثتهم (مالك وابن جريج وابن أبي ذئب) عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن وحده، به. ولم يذكر مالك في روايته عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٥/ ٢٣ من طريق نافع عن محمد بن إياس بن البُكير، به.
غير أنه ذكر عائشة بدل عبد الله بن عمرو.
وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (١٠٧٥)، والطحاوي ٣/ ٥٨ من طريق سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وابن عباس. وأبو سلمة معروف بالرواية عن أبي هريرة فلا يَبْعد أن يكون سمعه أولًا بواسطة محمد بن إياس، ثم لقي أبا هريرة فاستثبته منه.
وأخرجه مالك ٢/ ٥٧٠، وابن أبي شيبة ٥/ ٢٢، والبيهقي ٧/ ٣٣٥ من طريق عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(١) أخرجه مالك ٢/ ٥٧١، والشافعي في «مسنده» ٢/ ٣٦، وابن أبي شيبة ٥/ ٢٢، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٥٧ والبيهقي ٧/ ٣٣٥ و٣٥٤ عن يحيي بن سعيد بهذا الإسناد.

غيره، هذا مثلُ خبرِ الصرف، قال فيه، ثم إنه رجع عنه، يعني ابن عباس] (١) (٢).
٢١٩٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الملك بنِ مروان، حدَّثنا أبو النعمان، حدَّثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن أيوب، عن غيرِ واحدٍ
عن طاووس، أن رجلًا يقال له: أبو الصَّهباء كان كثيرَ السؤال لابنِ عباس، قال: أما عَلِمْتَ أن الرجلَ كان إذا طلق امرأتَه ثلاثًا قَبْلَ أن يدخُلَ بها جَعلُوها واحِدةً على عهدِ رسولِ الله ﷺ وأبي بكرٍ وصَدرًا مِن إمارَةِ عُمَرَ؟ قال ابنُ عباس: بلى، كان الرجلُ إذا طلَّق امرأته ثلاثًا
قبل أن يُدْخُلَ بها جعلُوها واحدةً على عهد رسولِ الله ﷺ وأبي بكرٍ وصَدرًا مِن إمارَةُ عُمَرَ، فلما رأى الناسَ - يعني: عمر - قد تتايَعُوا فيها قال: أجِيزُوهُنَّ عليهم (٣).


(١) ما بين معقوفين زيادة أثبتناها من (هـ).
(٢) قال صاحب «بذل المجهود» ١٠/ ٢٩٦: حاصل ذلك أن مسألة الطلاق كمسألة الصرف فإن ابن عباس رضي الله عنه يقول في بيع الصرف أولًا: إنه يحرم بيعها نسيئة، وأما التفاضل في الذهب أو الفضة فلا ربا فيها وهو جائز، ثم رجع ابن عباس في مسألة الصرف، فكذلك رجع في مسألة الطلاق كأنه يقول أولًا بأن الثلاث واحدة، ثم رجع عنه، وقال بوقوع الثلاث.
(٣) أبو النعمان - وهو محمد بن الفضل السدوسي -: ثقة إلا أنه اختلط بأخرة، وقال الحافظ المنذري: الرواة عن طاووس مجاهيل. وقوله: «قبل أن يدخل بها» لم ترد إلا في رواية أبي داود هذه تفرد بها أبو النعمان، ويغلب على الظن أنه حدث بهذا الحديث بعد اختلاطه، أيوب: هو ابن أبي تميمة السختيانى، وطاووس: هو ابن كيسان.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٣٨ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٥/ ٢٦ ومسلم (١٤٧٢) (١٧)، والدارقطني
في «سننه» (٤٠١٩)، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٣٦ من طرق عن حماد بن زيد، عن =

٢٢٠٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، أخبرنا عبدُ الرزاق، أخبرنا ابنُ جُرَيج، أخبرني ابنُ طاووس
عن أبيه، أنَّ أبا الصهباء قال لابنِ عباس: أتعلمُ أنما كانت الثلاثُ تُجْعَلُ واحِدةً على عهدِ النبيِّ ﷺ وأبي بكر وثلاثًا مِن إمارَةِ عُمَرَ؟ قال ابنُ عباس: نعم (١).


= أيوب السختياني، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك (أي من أمورك المستغربة) ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع (تتابع، والتتابع يستعمل في الشر) الناس في الطلاق فأجازه عليهم.
وانظر ما بعده.
(١) رجال ثقات رجال الشيخين. ابن جريج - وهو عبد الملك بن عبد العزيز - صرح في هذه الرواية بالإخبار فانتفت شبهة تدليسه. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، وابن طاووس: هو عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٣٣٧)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٤٧٢).
وأخرجه مسلم (١٤٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٩) من طريقين عن ابن جريج، به.
وأخرجه مسلم (١٤٧٢) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس.
وهو في «مسند أحمد» (٢٨٧٥).
وقد أعلّ حديث ابن عباس هذا الحافظ ابن رجب الحنلي في «مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة» ونقله عنه يوسف بن عبد الهادي في كتابه «سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث» فقال: فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان: أحدهما: مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، وهو يرجع إلى الكلام في إسناد الحديث ولشذوذه وانفراد طاووس به، فإنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث مخالفًا للأكثرين هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأنه يكون شاذًا أو منكرًا إذ لم يُرو معناه من وجه يصح، =

١١ - باب فيما عُني به الطلاق والنيات
٢٢٠١ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ، حدثني يحيي بنُ سعيد، عن محمد بنِ إبراهيمَ التيمي، عن علقمةَ بنِ وقَّاصٍ الليثيِّ
سمعتُ عُمَرَ بنَ الخطاب يقول: قال رسولُ الله ﷺ: «إنما الأعمالُ بالنيِّة، وإنما لامرىءٍ ما نَوَى، فَمَن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسوله، فهجرته إلى الله ورَسُوله، ومَن كانَت هِجرتُه لِدنيا يُصِيبُها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهِجرته إلى ما هَاجَرَ إليه (١).


= وهذه طريقة المتقدمين كالإمام أحمد ويحيى القطان، ويحيى بن معين، ومتى أجمع علماء الأمة على اطراح العمل بحديث، وجب اطراحه وترك العمل به.
ثم قال ابن رجب: وقد صح عن ابن عباس - وهو راوي الحديث - أنه أفتى بخلاف هذا الحديث ولزوم الثلاثة المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره الموفق ابن قدامة في»المغني«وهذه أيضًا علَّة في الحديث بانفرادها، فكيف وقد انضم إليها علة الشذوذ والإنكار.
وانظر في هذه المسألة»الاستذكار«١٧/ ٧ - ١٨.
وانظر ما قبله.
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري، ويحيى بن سعيد: هو
الأنصاري.
وأخرجه البخاري (١) و(٥٤) و(٢٥٢٩) و(٣٨٩٨) و(٥٠٧٠) و(٦٦٨٩) و(٦٩٥٣)، ومسلم (١٩٠٧)، وابن ماجه (٤٢٢٧)، والترمذي (١٧٤٢)، والنسائي في»الكبرى«(٧٨) و(٤٧١٧) و(٥٦٠١) من طرق عن يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(١٦٨)، - و»صحح ابن حبان«(٣٨٨) و(٣٨٩) و(٤٨٦٨).
قال الخطابي: قوله: إنما الأعمال بالنيات معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما يكون بالنية، فإن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها، ولم يرد به أعيان الأعمال، لأن أعيانها حاصلة بغير نية، ولو كان المراد به أعيانها، لكان خُلفًا من القول، وكلمة»إنما" مرصدة لإثبات الشيء ونفي ما عداه. =

٢٢٠٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرو بنِ السرح، وسليمانُ بنُ داود، قالا: أخبرنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، قال: فأخبرني عَبدُ الرحمن بن عبد الله ابن كعب بنِ مالك، أن عبدَ الله بنَ كعب - وكان قائِدَ كعب من بَنيه حِين عَمِيَ - قال:
سمعتُ كعبَ بنَ مالكٍ فساق قِصتَه في تبوكَ، قال: حتى إذا مضت أربعون مِن الخمسين إذا رسولُ رسولِ الله ﷺ يأتي، فقال: إنَّ رسولَ الله ﷺ يأمرُك أن تَعتَزِلَ امرأتَك، قال: فقُلتُ: أُطلِقُها أم ماذا أفعلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلها فلا تَقَربنها، فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهْلِكِ فكُوني عندهم حتى يقضيَ اللهُ تعالى سبحانَه في هذا الأمرِ (١).


= وقال عبد الرحمن بن مهدي: ينبغي لمن صنف كتابًا أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم.
وانظر شرح الحديث في«جامع العلوم والحكم» ١/ ٥٩ - ٩٢ لابن رجب الحنبلي.
(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله المصري، يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٨٦) و(٥٥٨٧) و(٥٥٨٨) من طرق عن الزهري، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (٢٧٦٩) من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم، و(٢٧٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٨٩) من طريق معقل بن عُبيد الله، كلاهما عن الزهري، عن عبدالرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عمه عُبيد الله بن كعب، عن كعب ابن مالك.
قلنا: وقد نقل النووي عن الدارقطني قوله: الصواب رواية من قال: عبد الله مكبَّرًا.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٨٥) من طريق عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك. =

١٢ - باب في الخيار
٢٢٠٣ - حدَّثنا مسدَّدٌ، حدَّثنا أبو عَوانَة، عن الأعمشِ، عن أبي الضُّحى، عن مسروقٍ
عن عائشة قالت: خيَّرنا رسولُ الله ﷺ فاخترناه، فلم يَعُدَّ ذلك شيئًا١).

١٣ - باب في أمرِكِ بيدك
٢٢٠٤ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ، عن حماد بنِ زيد، قال: قلتُ لأيوبَ: هل تعلم أحدًا قال بقول الحسنِ في أمرُك بيدِك؟ قال: لا، إلا شئٌ حدثناه قتادةُ، عن كثير مولى ابنِ سمرةَ، عن أبي سلمة


= وأخرجه النسائي (٥٥٩٠)، وابن حبان في «صحيحه» (٣٣٧٠) من طريق معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٨٩).
(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرْهَد الأسدي، وأبو عوانة: هو الوضَّاح ابن عبد الله اليشكُرى، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو الضُّحى: هو مُسلم بن صُبيح العطار، ومَسروق: هو ابن الأجدع الهَمداني.
وأخرجه البخاري (٥٢٦٢)، ومسلم (١٤٧٧)، وابن ماجه (٢٠٥٢)، والترمذي (١٢١٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٠٩) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٥٢٦٣)، ومسلم (١٤٧٧)، والترمذي (١٢١٣)، والنسائي (٥٢٩٢) و(٥٢٩٣) و(٥٦٠٥ - ٥٦٠٨) من طريق مسروق، به.
وأخرجه مسلم (١٤٧٧) (٢٨) من طريق إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٨١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٦٧).

عن أبي هُريرة، عن النبيَّ ﷺ، بنحوه، قال أيوبُ: فَقَدِمَ علينا كثيرٌ. فسألتُه فقال: ما حدَّثتُ بهذا قَط، فذكرتُه لِقتادة، فقال: بلى، ولكِنَّهُ نَسِيَ (١).
٢٢٠٥ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هشام، عن قتادَةَ عن الحسنِ في: أمْرُكِ بِيَدِكِ، قال: ثلاث (٢).

١٤ - باب في البتّة
٢٢٠٦ - حدَّثنا ابنُ السرح وإبراهيمُ بنُ خالد الكلبي في آخرين قالوا: حدَّثنا محمدُ بنُ إدريس الشافعيُّ، حدثني عمي محمدُ بنُ علي بن شافع، عن عُبيد الله ابنِ علي بنِ السائب، عن نافعِ بنِ عُجير بن عبد يزيد بن رُكانة
أن رُكانةَ بنَ عبدِ يزيد طلَّق امرأته سُهَيْمة البتة، فأخبر النبيَّ ﷺ بذلك، وقال: واللهِ ما أردتُ إلا واحدةً، فقال رسولُ الله ﷺ: «والله


(١) رجاله ثقات، غير كثير هو ابن أبي كثير البصري - فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في»الثقات«، ووثقه العجلي، لكن الحديث أُعِل بوجوه منها: الوقف كما ذكره الترمذي عن البخاري، ومنها: إنكار كثير للحديث كما في رواية المصنف، ومنها: النكارة فيما قاله النسائي. أيوب: هو ابن أبى تميمة السختياني، والحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، والحسن بن علي: هو الحُلواني الخلاّل.
وأخرجه الترمذي (١٢١٢)، والنسائى في»الكبرى«(٥٥٧٣) من طريق سليمان بن حرب، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد. وقال النسائي في»المجتبى" (٣٤١٠): هذا حديث منكر.
وانظر ما بعده.
(٢) أثر صحيح. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وقتادة: هو ابن دعامة السَّدوسي.
وانظر ما قبله.

ما أردتَ إلا واحدةً؟ «فقال رُكانة: والله ما أردتُ إلا واحدة، فردها إليه رسولُ الله ﷺ، فطلقها الثانيةَ في زمان عمر، والثالثة في زمانِ عثمان (١).
قال أبو داود: أوله لفظُ إبراهيم،، وآخِرُه لفظُ ابنِ السرْح.


(١) إسناده حسن. محمد بن علي بن شافع، وعُبيد الله بن علي بن السائب، وثقهما الإمام الشافعي في»الأم«٥/ ١٧٤، ونافع بن عجير روى عنه ثلاثة، وقيل: له صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين.
وأخرجه الدارقطني في»سننه«(٣٩٧٩) من طريق أبي داود، بهذا الإسناد، وقال في نهايته: قال أبو داود: هذا حديث صحيح.
وقال الحاكم: قد صح الحديث بهذه الرواية، فإن الإمام الشافعي قد أتقنه، وحفظه عن أهل بيتة، والسائب بن عبد يزيد أبو الشافع بن السائب، وهو أخو ركانة بن عبد يزيد، ومحمد بن علي بن شافع عم الشافعي شيخ قريش في عصره.
وقال ابن كثير في»إرشاد الفقيه«٢/ ١٩٧: حديث حسن إن شاء الله.
وقال ابن عبد البر في»الاستذكار«(٢٥١٠٥): رواية الشافعي لحديث ركانة عن عمه، أتمُّ فقد زاد زيادة لا تردها الأصول، فوجب قبولها لثقة ناقلها، الشافعي وعمه وجده أهل بيت ركانة من بني عبد المطلب بن مناف، وهم أعلم بالقصة التي عرض لها.
وهو عند الشافعي في»مسنده«٢/ ٣٧ و٣٨، ومن طريقه أخرجه العقيلي في
»الضعفاء«٢/ ٢٨٢، والدارقطني ٤/ ٣٣، وابن منده في»معرفة الصحابة«كما في
» الإصابة«٧/ ٧١٨، والحاكم ٢/ ١٩٩ - ٢٠٠، والبيهقى ٧/ ٣٤٢، والبغوي (٢٣٥٣)، وابن الأثير في»أسد الغابة" ٧/ ١٥٦. وسقط من إسناده في مطبوع الحاكم: عبد الله بن علي بن السائب.
وأخرجه الطيالسي (١١٨٨)، ومن طريقه البيهقي ٧/ ٣٤٢ قال: سمعت شيخًا بمكة، فقال: حدَّثنا عبد الله بن علي، عن نافع بن عُجَير، عن ركانة.
وانظر ما سيأتي برقم (٢٢٠٧) و(٢٢٠٨).

٢٢٠٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ يونس النسائى، أن عبدَ الله بنَ الزبير حدَّثهم، عن محمد بنِ إدريس، حدَّثني عمي محمد بن علي، عن ابنِ السائب، عن نافع ابن عُجير، عن رُكانة بن عبد يزيد، عن النبي ﷺ، بهذا الحديث (١).
٢٢٠٨ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود حدَّثنا جريرُ بنُ حازم، عن الزُّبيرِ بنِ سعيد، عن عبدِ الله بن علي بن يزيد بنِ رُكانة، عن أبيه
عن جَدِّه، أنه طلَّق امرأته البتةَ، فأتى رسولَ الله ﷺ، فقال: «ما أرَدْتَ»؟ قال: واحِدَة، قال: «آللهِ؟» قال: آللهِ، قال: «هو على ما أردتَ» (٢).
قال أبو داود: وهذا أصحُّ مِن حديث ابنِ جُريج: أن رُكانة طلق امرأتَه ثلاثًا، لأنهم أهلُ بيته وهم أعلمُ به، وحديثُ ابنِ جريج رواه عن بعضِ بني أبي رافع، عن عِكرمة، عن ابن عباس.


(١) إسناده حسن كسابقه.
(٢) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف الزبير بن سعيد الهاشمي، وعبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة تفرد بالرواية عنه الزبير بن سعيد الهاشمي، ولم يوثقه غير ابن حبان، فهو في عداد المجهولين، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، مضطرب الإسناد. وقال ابن حجر في «التقريب»: لَيِّنُ الحديث، وعلي بن يزيد بن ركانة مجهول الحال، وقال البخاري في«التاريخ الكبير» ٦/ ٣٠١: لم يصح حديثه. قلنا: لكن جاء الحديث من وجه آخر حسن بلفظ: «البتة» سلف في سابقيه.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٥١)، والترمذي (١٢١١) من طريق جرير بن حازم، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٠٩/ ٩١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٧٤).
وانظر سابقيه.
وحديث ابن جريج الذي أشار إليه المصنف بإثر الحديث هو الحديث السالف برقم (٢١٩٦).

١٥ - باب في الوسوسة بالطلاق
٢٢٠٩ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا هشامُ، عن قتادةَ، عن زرارةَ بنِ أوفى
عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ، قال: «إن الله تجاوزَ لأمَّتي عمّا لم تتكلَّم به أو تعمل به، وبما حدَّثت به أنفُسها» (¬١).

١٦ - باب في الرجل يقول لامرأته: يا أُختي
٢٢١٠ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا حماد (ح)
وحدَّثنا أبو كاملٍ، حدَّثنا عبدُ الواحد وخالد الطحانُ - المعنى - كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهُجَيمي، أنَّ رجُلًا قال لامرأتِهِ: يا أُخيَّة، فقال رسولُ الله ﷺ: «أُختُك هي؟» فكره ذلك ونهى عنه (٢).


(١) إسناده صحيح. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائى، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي.
وأخرجه الخاري (٢٥٢٨) و(٥٢٦٩) و(٦٦٦٤)، ومسلم (١٢٧)، وابن ماجه (٢٠٤٠) و(٢٠٤٤)، والترمذي (١٢١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٩٨) و(٥٥٩٩) من طرق عن قتادة، بهذا الإسناد. وزاد ابن ماجه في روايته الثانية: «وما استكرهوا عليه».
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٩٧) من طريق عطاء، عن أبي هريرة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٤٧٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٣٤) و(٤٣٣٥).
(٢) رجاله ثقات، لكنه مرسل كما قال المنذري، على اضطراب في إسناده كما أشار إليه المصنف بإثر الطريق الآتى بعده، وأقره المنذري. حمّاد: هو ابن سلمة، وأبو كامل: هو فضيل بن حسين الجحدري، وعبد الواحد: هو ابن زياد العبدي، وخالد: هو ابن مهران الملقب بالحذاء، وأبو تميمة الهجيمي: هو طريف بن مُجالِد.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٦٦ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٥٩٥) و(١٥٩٣٠) من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، به.
وانظر ما بعده.

٢٢١١ - حدَّثنا محمدُ بنُ إبراهيم البزاز، حدَّثنا أبو نُعيم، حدَّثنا عبدُ السلام - يعني ابنَ حرب - عن خالدٍ الحذَّاء، عن أبي تميمة
عن رجل من قومِه: أنه سَمعَ النبي ﷺ سَمعَ رجلًا يقولُ لامرأته: يا أُخيةُ، فنهاه (١).
قال أبو داود: ورواه عبدُ العزيز بنُ المختار، عن خالدٍ، عن أبي
عثمان، عن أبي تميمة، عن النبي ﷺ. ورواه شعبة، عن خالدٍ، عن رجلٍ، عن أبي تميمة، عن النبي ﷺ.
٢٢١٢ - حدَّثنا ابنُ المثنى، حدَّثنا عبدُ الوهَّاب، حدَّثنا هشام، عن محمدٍ
عن أبي هُريرة، عن النبيِّ ﷺ: أنَّ إبراهيمَ عليه السلام لم يكْذِبْ قَط إلا ثلاثًا: ثنتان في ذاتِ الله: قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]، وبينما هو يسيرُ في أرضِ جبَّار من الجبابرة إذ نزل منزلًا، فأتِيَ الجبارُ، فقيل له: إنه نزل ها هنا رجل معه امرأة هي أحسنُ الناسِ، قال: فأرسَلَ إليه فسأله عنها، فقال: إنها أُختي، فلما رَجَعَ إليها قال: إن هذا سألني عنك، فأنبأتُه أنكِ أُختي، وأنه ليس اليومَ مسلِم غيري وغيرُكِ، وإنك أُختي في كِتَابِ الله، فلا تكذبيني عندَه، وساق الحديثَ (٢).


(١١ رجاله ثقات، لكن الصحيح إرساله. فقد انفرد بوصله عبد السلام بن حرب، وخالفه عبد الواحد بن زياد وخالد الطحان وسفيان الثوري وحماد بن سلمة، وعبد السلام ابن حَرب وإن كان ثقةً له ما يُنكَر. أبو نعيم: هو الفضل بن دكين.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. ابن المثنى: هو محمد، وعبد الوهاب: هو ابن عبد المجيد الثقفي، وهشام: هو ابن حسان الأزدي، ومحمد: هو ابن سيرين. =

قال أبو داود: روى هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، نحوه (١).


= وأخرجه البخاري (٣٣٥٨) و(٥٠٨٤)، ومسلم (٢٣٧١) من طريق أيوب السختياني، والنسائي في «الكبرى» (٨٣١٦) من طريق أبي أسامة، عن هشام بن حسان، كلاهما عن محمد بن سيرين، به.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٨٣١٧) من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، به موقوفًا.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥٧٣٧) وقد أدرجه تحت قوله: ذكر الخبر الدال على إباحة قول المرء الكذب في المعاريض يريد به صيانة دينه ودنياه. قال أبو الوفاء ابن عقيل فيما نقله عنه الحافظ في «الفتح» ٦/ ٣٩٢: دلالة العقل تصرف ظاهر الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام يعني إطلاق الكذب على ذلك - إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وأما تسميتة إياها كذبات، فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن كان قبيحًا مخلاًّ، لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها.
(١) إسناده صحيح. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (٢٢١٧) و(٢٦٣٥) و(٦٩٥٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٣١٥) من طريق شعيب بن أبي حمزة، والترمذي (٣٤٣٧) من طريق محمد بن إسحاق، كلاهما عن أبي الزناد، بهذا الإسناد. ولم يذكر شعيب أول الحديث الكذباتِ الثلاثَ، وأما ابن إسحاق فاقتصر عليها، ولم يذكر قصة الجبار.
وهو بطوله في «مسند أحمد» (٩٢٤١). وانظر تتمه كلامنا عليه فيه.

١٧ - باب في الظهار
٢٢١٣ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ ومحمدُ بنُ العلاء - المعنى - قالا: حدَّثنا ابنُ إدريس، عن محمد بنِ إسحاق، عن محمد بنِ عمرو بنِ عطاء، قال ابن العلاء: ابن علقمة بنِ عياش، عن سُليمان بن يَسار
عن سلمةَ بنِ صخرٍ - قال ابن العلاء: البياضيّ - قال: كنتُ امرأً أُصِيبُ مِنَ النساءِ ما لا يُصيب غيري، فلما دخَلَ شهرُ رمضانِ، خفتُ أن أُصيب مِن امرأتي شيئًا يُتابع بي، حتى أُصبحَ، فظاهرتُ منها حتى ينسلخَ شهرُ رمضان، فبينا هي تخدِمُني ذاتَ ليلة إذ تكشَّف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوتُ عليها، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى قومي، فأخبرتهم الخبرَ، وقلت: امشوا معي إلى رسولِ الله ﷺ، قالوا: لا واللهِ، فانطلقتُ إلى النبي ﷺ فأخبرتُه، فقال: «أنتَ بذاكَ يا سلمة؟» قلت: أنا بِذَاكَ يا رسول الله، مرتين، وأنا صابرٌ لأمرِ الله عز وجل، فاحكم في ما أراك الله، قال: «حرِّر رقبةً»، قلت: والذي بَعَثَكَ بالحق ما أملِكُ رقبةً غيرها، وضربتُ صفحة رقبتي، قال: «فصُمْ شهرين متتابعين»، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا مِن الصيام؟ قال: «فأطعم وسقًا مِن تمر بين ستين مسكينًا» قلتُ: والذي بعثكَ بالحق، لقد بتنا وحشينِ، ما لنا طعامٌ، قال: «فانطلِقْ إلى صاحِب صَدَقةِ بني زُرَيقٍ، فليدفعها إليك، فأطعِم ستينَ مسكينًا وسقًا من تمر، وكل أنت وعيالُك بقيتها»، فرجعت إلى قومي، فقلت: وجَدتُ عندكم الضيقَ، وسوء الرأي، ووجدتُ عندَ النبي ﷺ السعَةَ، وحُسنَ الرأي، وقد أمرني، أو أمَرَ لي بِصَدَقتكم (١).


(١) حديث صحيح بطرقه وشاهده، وهذا إسناد ضعيف، محمد بن إسحاق =

زاد ابنُ العلاء: قال ابنُ إدريبس: وبياضَةُ: بطن من بني زُريق.
٢٢١٤ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا يحيى بنُ آدم، حدَّثنا ابنُ إدريس، عن محمد بنِ إسحاق، عن معمرِ بنِ عبدِ الله بن حنظلة، عن يوسفَ بنِ عبد الله ابن سَلَام


= مدلس وقد عَنعنَ، وسليمان بن يسار لم يسمع من سلمة بن صخر - وقيل: سلمان بن صخر الأنصاري - ابن إدريس: هو عبد الله الأودي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٦٢)، والترمذي (٣٥٨٤) من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه الترمذي (١٢٣٩) من طريق علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن سلمان بن صخر الأنصاري.
وهذا سند رجاله ثقات لكن قال أبو الفتح الأزدي في «المخزون»: لم يتبين سَمَاعُهما منه. وقد أورده من هذا الطريق البيهقي ٧/ ٣٩٠، وقال: مُرسَل. قلنا: قد رواه عن يحيى بن أبي كثير جماعة فأرسلوه، قالوا: إن سلمان - أو سلمة - بن صخر وهم أبان ابن يزيد وعلي بن المبارك وحرب بن شداد. ورواه معمر بن راشد وشيبان بن عبد الرحمن النحوي عن يحيى، فقالا: عن سلمة بن صَخر.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٢١).
وقال البغوي فيما نقله الحافظ في «الإصابة» ٣/ ١٥٠: روى عن سلمة حديثَ الظهار: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو سلمة وسماك بن عبدالرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
وله شاهد صحيح من حديث ابن عباس سيأتى برقم (٢٢٢٣).
وقوله: يُتايَع بي. بضم الياء وتشديد التاء، أي: يلازمني، فلا أستطيع الفكاك منه.
وقوله: «أنت بذاك يا سلمة». معناه: أنت المُلِم بذاك والمرتكب له.
وقوله: بتنا وحشينِ - معناه بتنا مُقفرين لا طعام لنا، قال في «النهاية»: يقال: رجلُ وحْشٌ: إذا كان جائعًا لا طعام له.
والوسق: ستُّون صاعًَا.

عن خُوَيلةَ بنتِ مالك بنِ ثعلبة، قالت: ظَاهَرَ مِني زوجي أوْس بنُ الصَامِت، فجئتُ رسولَ الله ﷺ أشكو إليه، ورسولُ الله ﷺ يجَادِلُني فيه، ويقول: «اتقي الله، فإنه ابنُ عَمكِ» فما بَرِحتُ حتى نزل القرآن ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] إلى الفرض، فقال: «يُعتِقُ رقَبةً» قالت: لا يَجِدُ، قال: «فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ متتابعين» قالت: يا رسولَ الله، إنه شيخ كبير ما بِهِ مِن صيامٍ، قال: «فَليُطْعِمْ سِتينَ مسكِينًا» قالت: ما عِندهُ مِن شيءٍ يتصدَّقُ به، قالت: فأُتِيَ ساعتئذٍ بعَرَقٍ مِنْ تمرٍ، قلتُ: يا رسولَ الله، فإني أُعينُه بعرَقٍ آخر، قال: «قد أحسنتِ، اذهبي فأطْعِمِي بها عنه ستينَ مسكينًا، وارجعي إلى ابنِ عمك» قال: والعَرَقُ سِتون صاعًا (١).


(١) صحيح لغيره دون قوله: والعَرَق ستون صاعًا، وهذا إسناد ضعيف لجهالة معمر بن عبد الله بن حَنظلة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وابن حبان، ومع ذلك فقد حسَّن إسنادَه الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤٣٣، وجَوَّده ابنُ التُّركماني في «الجوهر النقي» ٧/ ٣٩١! ابن إدريس: هو عبد الله الأودي.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٧٣١٩)، ومن طريقه ابن الأثير في ترجمة خولة بنت ثعلبة من «أُسد الغابة» ٧/ ٩١ - ٩٢، وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٤٢٧٩)، والطبرى في «تفسيره» ٢٨/ ٥، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٩١ - ٣٩٢، وابن عبد البر في «الاستيعاب» ٤/ ٢٩٢ من طرق عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. ولم يذكر أحد منهم في آخر الحديث قوله: والعرق ستون صاعًا.
وأخرجه الطبراني ٢٤/ (٦٣٤)، والبيهقي ٧/ ٣٩٢ من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن يزيد بن يزيد، عن خولة بنت الصامت ... فذكر نحوه. قال الطبراني: هكذا قال: خولة بنت الصامت، وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت. قلنا: ويزيد بن يزيد قال الذهبي في «الميزان» ٤/ ٤٢٦ و٤٤٢: قال البخاري: في صحته نظر. =

قال أبو داود في هذا: إنها كَفَّرت عنه من غير أن تستأمِرَه.
٢٢١٥ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا عبدُ العزيز بن يحيي، حدَّثنا محمد ابن سلمة
عن ابن إسحاقَ، بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: والعَرَق: مِكتَلٌ
يَسَعُ ثلاثين صاعًا (١).


= وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢١٥ - ٢٢١٨).
قلنا: وهذه المجادلة هي خولة بنت ثعلبة، كما نسبها أبو عبيدة المسعودي، وسمّى زوجَها أوسَ بنَ الصامت.
قال الحافظ في «الفتح» ١٣/ ٣٧٤: وهذا أصحُّ ما ورد في قصة المجادلة وتسميتها.
وفي الباب عن ابن عباس سيأتي برقم (٢٢٢٣).
وآخر من حديث عائشة مختصرًا سيأتي برقم (٢٢٢٠).
وثالث عن أبي العالية مرسلًا عند الطبري ٢٨/ ١ - ٢.
ورابع عن عطاء بن يسار مرسلًا عند اليهقي ٧/ ٣٨٩ - ٣٩٠.
والصحيح في العَرَق: أنه مكيال يُساوي خمسة عشر صاعًا كما يدل عليه حديث أبي هريرة الصحيح في الذي وقع على امرأته في نهار رمضان عند ابن حبان في «صحيحه» (٣٥٢٦)، والدارقطني في «سننه» (٢٣٠٣) - وصحح إسناده -، والبيهقي ٤/ ٢٢٤، حيث قال فيه: فَأُتي رسول الله ﷺ بعَرَقٍ فيه خمسة عشرَ صاعًا من تمرٍ، وكما في حديث سلمة بن صخر الأنصاري عند الترمذي (١٢٣٩)، وكما بيَّنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح في رواياتهم الآتية عند المصنف بالأرقام (٢٢١٦) و(٢٢١٧) و(٢٢١٨).
قال الأخفش: سمي المكتل عرقًا، لأنه يضفر عرقة عرقة، والعرقة: الصغيرة من الخوص.
(١) صحيح لغيره كسابقه دون قوله: والعَرَق: ثلاثون صاعًا. محمد بن سلمة: هو الباهلي الحراني. =

قال أبو داود: وهذا أصحُّ مِن حديث يحيى بنِ آدم.
٢٢١٦ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا أبانُ، حدَّثنا يحيي عن أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمن، قال: يعني بالعَرَق زَبيلًا يأخذُ خمسة عشرَ صاعًا (١).
٢٢١٧ - حدَثنا ابنُ السرح، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرني ابنُ لهِيعَةَ وعمرُو بنُ الحارثِ، عن بُكيرِ ابنِ الأشجِّ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، بهذا الخبر
قال: فأتيَ رسولُ الله ﷺ بِتَمْرٍ، فأعطاه إياه وهو قريبٌ مِن خمسة عشر صاعًا، قال: «تَصَدَّقْ بهذا» قال: فقال: يا رسولَ الله، على أفقرَ مني ومِن أهلي؟ فقال رسول الله ﷺ: «كُلْهُ أنتَ وأهْلُكَ» (٢).
٢٢١٨ - قرأتُ على محمد بنِ وزير المصري: حدَّثكم بِشْرُ بنُ بكر، حدَّثنا الأوزاعيُّ، حدَّثنا عطاءٌ


= وأخرجه ابن الجارود في «المنتقي» (٧٤٦)، والطبراني في «الكبير» (٦١٦) و٢٤/ (٦٣٣)، والبيهقي في «الكبرى» ٣٨٩/ ٧ و٣٩٢، والمزي في ترجمة معمر بن عبد الله من «تهذيب الكمال» ٢٨/ ٣١٢ من طرق عن محمد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(١) صحيح عن أبي سلمة. أبان: هو ابن يزيد العطار، ويحيى: هو ابن أبي كثير.
وانظر سابقيه، وتالييه.
(٢) رجاله ثقات لكنه مرسل. وانظر كلامنا على الحديث (٢٢١٣). ابن السرح: هو أحمد بن عمرو الأموي، وابن وهب: هو عبد الله القرشي، وابن لهيعة: هو عبد الله الحضرمي، وعمرو بن الحارث: هو الأنصاري، وبكير الأشَجّ: هو بُكَير بن عبد الله ابن الأشجّ.
وأخرجه البيهقي ٧/ ٣٩١ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (٧٤٥) من طريق ابن وهب. به.

عن أوسِ أخي عُبادة بنِ الصامِت: أن النبي ﷺ أعطاه خمسةَ عَشَرَ صاعًا مِن شعيرٍ إطعام ستينَ مِسكينًا (١).
قال أبو داود: وعطاءٌ لم يُدرك أوسًا، وهو مِن أهل بدرٍ قديمُ الموت، والحديثُ مرسل، وإنما رووهُ، عن الأوزاعيِّ، عن عطاء، أن أوسًا.
٢٢١٩ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ
عن هشام بنِ عُروة: أن جميلةَ كانت تحتَ أوسِ بنِ الصامِت، وكان رجلًا به لمَمٌ، فكانَ إذا اشتدَّ لمَمُه ظاهر مِن امرأته، فأنزلَ الله عز وجل فيه كفارةَ الظِّهار (٢).
٢٢٢٠ - حدَّثنا هارونُ بنُ عبد الله، حدَّثنا محمدُ بنُ الفضل، حدَّثنا حمادُ ابنُ سلمة، عن هشام بنِ عروة، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها مثله (٣).


(١) رجاله ثقات إلا أنه مرسل كما ذكره المصنف بإثره. الأوزاعي: هو عبد الرحمن ابن عمرو، وعطاء: هو ابن أبي رباح القرشي.
وأخرجه البيهقي ٧/ ٣٩٢ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف بالأرقام (٢٢١٣ - ٢٢١٧).
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات وهو وإن كان مرسلًا قد وصله المصنف في الرواية الآتية بعده. حمّاد: هو ابن سلمة البصري.
قال الخطابي: معنى «اللمم» هاهنا: الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتوقان إليهن يدل على ذلك قوله في هذا الحديث من الرواية الأولى: كنت امرأَ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، وليس معنى اللمم ها هنا هذا الخبل والجنون، ولو كان به ذلك، ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء من كفارة ولا غيرها. والله أعلم.
(٣) إسناده صحيح.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» ٢/ ٤٨١، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣٨٢ من طريق محمد بن الفضل، والطبري ٦/ ٢٨ من طريق أسد بن موسى، كلاهما عن حماد ابن سلمة بهذا الإسناد. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

٢٢٢١ - حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيلَ الطالقانيُّ، حدَّثنا سفيانُ، حدَّثنا الحكم ابنُ أبان
عن عِكرمةَ: أن رجلًا ظاهر مِن امرأته، ثم واقعها قبل أن يُكفِّرَ، فأتى النبيَّ ﷺ فأخبره، فقال: «ما حَمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟» قال: رأيتُ بياضَ سَاقِهَا في القَمَرِ، قال «فاعتزِلها حتى تُكفِّر عنك» (١).
٢٢٢٢ - حدَّثنا الزعفرانيُّ، حدَّثنا سفيانُ بن عُيينة، عن الحكم بنِ أبان عن عِكْرِمَةَ: أن رجلًا ظاهرَ مِن امرأته، فرأى بَرِيقَ ساقِها في القَمَرِ، فوقع عليها، فأتى النبيَّ ﷺ فأمره أن يُكَفِّرَ (٢).
٢٢٢٣ - حدَّثنا زيادُ بنُ أيوبَ، حدَّثنا إسماعيلُ، حدَّثنا الحَكَمُ بنُ أبان، عن عِكرِمَةَ
عن ابنِ عباس، عن النبي ﷺ، نحوه، لم يذكر السَّاقَ (٣).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه مرسل، وقد وصله المصنف برقم (٢٢٢٣) و(٢٢٢٥ م). سفيان: هو ابن عيينة.
وصوَّب النسائي في «المجتبى» بإثر الحديث (٣٤٥٩) المرسل، وكذا أبو حاتم في «العلل» لابنه ١/ ٤٣٠ ونقل الحافظ في «التلخيص» ٣/ ٢٢٢ عن ابن حزم قوله: ورواته ثقات، ولا يضره إرسال من أرسله. قلنا: وقد صحح الترمذي الحديث (١٢٣٨)، وأيده المنذري في «مختصره» فيحا نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٣/ ٢٤٦، فقال: رجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض.
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٢٢ - ٢٢٢٥).
(٢) حديث صحيح، وانظر ما قبله. الزعفراني: هو الحسن بن محمد بن الصبَّاح.
تنبيه: هذا الطريق ليس في الأصول الخطية التي بين أيدينا، وأثبتناه من «تحفة الاشراف» ٥/ ١٢٢، ومن النسخه التي شرح عليها العظيم آبادي، وذكر العظيم آبادي أنه موجود في بعض النسخ دون غيرها.
(٣) إسناده صحيح، وقد اختلف في وصله وإرساله كما سلف بيانه برقم (٢٢٢١)، وقد روي موصولًا أيضًا من طريق معمر، عند الحكم كما سيأتي عند المصنف (٢٢٢٥ م).=

٢٢٢٤ - حدَّثنا أبو كامل، أنَّ عبدَ العزيزِ بن المختارِ حدثهم، حدَّثنا خالدٌ، حدثني مُحدِّثٌ
عن عِكرمة، عن النبيِّ ﷺ، بنحو حديثِ سفيان (١).
٢٢٢٥ - قال أبو داود: وسمعتُ محمدَ بن عيسى يُحَدِّثُ به، حدَّثنا المُعتَمِرُ.
قال:
سمعتُ الحكم بنَ أبان بهذا الحديثِ، ولم يذكر ابن عباس (٢).
٢٢٢٥ م - كتَبَ اليَّ الحسينُ بن حُريثٍ، أخبرنا الفضلُ بنُ موسى، عن معمر، عن الحكمِ بنِ أبان، عن عِكرِمَةَ، عن ابنِ عباس، بمعناه، عن النبيَّ ﷺ (٣).


= تنبيه: هذا الحديث جاء في (أ) و(ب) و(هـ) عن عكرمة مرسلًا، ووضع في (أ) و(ب) علامة التضبيب بعد عكرمة، دلالة على استغرابه، وجاء على الصواب في (ج) و«تحفة الأشراف» ٥/ ١٢٢ - ١٢٣.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، والرجل المبهم فيه هو الحكم بن أبان كما جاء بيانه في سائر روايات الحديث. وانظر ما سلف برقم (٢٢٢١). أبو كامل: هو فُضيل بن حسين الجَحدري، وخالد: هو ابن مِهران الحذّاء.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد على ثقة رجاله مرسل. المعتمر: هو ابن سليمان التيمي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٢٤) من طريق المعتمر، بهذا الإسناد.
وقد رُوي مَوصولًا، كما سيأتي بعده، وكما سلف برقم (٢٢٢٣).
(٣) إسناده صحيح، وقد اختلف في وصله وإرساله عن الحكم بن أبان كما بيناه برقم (٢٢٢١)، وقد روي موصولًا أيضًا من طريق إسماعيل ابن عُلية كما سلف عند المصنف (٢٢٢٣).
واختلف في وصله وإرساله عن معمر - وهو ابن راشد الأزدي - أيضًا كما سيأتي بيانه. =

١٨ - باب في الخلع
٢٢٢٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب، حدَّثنا حماد، عن أيوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي أسماءَ
عن ثوبانَ قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ» (١).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٠٦٥) من طريق محمد بن جعفر، والترمذي (١٢٣٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٢٢) من طريق الفضل بن موسى، كلاهما عن معمر، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٥٢٥)، ومن طريقه أخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٢٣) عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، مرسلًا.
(١) إسناده صحيح. حمّاد: هو ابن زيد الأزدي، وأيوب: هو ابن أبي تميمة كيسان السَّختياني، وأبو قِلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي وأبو أسماء: هو عمرو بن مرثد الرَّحَبي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٥٥) من طريق محمد بن الفضل، عن حمّاد بن زيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٤٤٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٨٤).
وأخرجه الترمذي (١٢٢٤) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عمَّن حدثه، عن ثوبان. وقال: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٧٩) عن إسماعيل ابن علية، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان. قلنا: وهذا المبهم مبين في رواية المصنف وأحمد وابن ماجه، وهو أبو أسماء الرَّحَبي.
وقوله: «من غير ما بأس». قال المناوي في «فيض القدير»: البأس: الشدة، أي في غير حالة شدة تدعوها وتلجئها إلى المفارقة كأن تخاف ألا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة، وجميل العشرة، لكراهتها له، أو بأن يضارها لتختلع منه.
وقال ابن حجر: الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك كحديث ثوبان هذا.

٢٢٢٧ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالك، عن يحيى بنِ سعيد، عن عَمرَةَ بنتِ عبدِ الرحمن بنِ سعد بنِ زُرارة، أنها أخبرتْه
عن حَبيبةَ بنتِ سهلٍ الأنصارية: أنها كانت تحتَ ثابتِ بنِ قَيْسِ بنِ الشمَّاس، وأن رسولَ الله ﷺ خَرَجَ إلى الصبحِ، فَوَجَدَ حبيبةَ بنتَ سهل عندَ بابه في الغَلَسِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ هذه؟» فقالت: أنا حبيبةُ بنتُ سهلٍ، قال: «ما شأنُك؟» قالت: لا أنا ولا ثابتُ بنُ قيس - لزوجها - فلما جاء ثابتُ بنُ قيس قال له رسولُ الله ﷺ: «هذه حبيبةُ بنتُ سهل» وذكرت ما شاء الله أن تَذكُرَ، وقالت حبيبةُ: يا رسولَ اللهِ، كُلُّ ما أعطاني عندي، فقال رسولُ الله ﷺ لثابتِ بنِ قيس: «خُذْ مِنْها» فأخذ منها، وجَلَسَتْ في أَهْلِهَا (١).


(١) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبدُ الله بن مسلمة، ومالك: هو ابن أنس، ويحيي بن سعيد: هو الأنصاري.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٦٤ ومن طريقه أخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٢٧).
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٤٤٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٠).
قال السندي: قولها: لا أنا ولا ثابت بن قيس، أي: لا أجتمع أنا ولا ثابت.
وجلست في أهلها، قيل: فكان ذلك أول خلع في الإسلام.
وقد جاء في الرواية التالية ما يبين علة سؤالها الخُلعَ من زوجها من حديث عمرة، عن عائشة فقد جاء فيه: «أنه ضربها فكسر بعضها»، ويؤيده روايةُ الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذٍ عندَ النسائي في «الكبرى» (٥٦٦١)، وفيه: أنه ضرب امرأته فكسرَ يدها. وإسناده حسن.
قال في «المغني» ١٠/ ٢٧٤: اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع، ففي إحدى
الروايتين أنه فسخ، وهذا اختيار أبي بكر وقول ابن عباس وطاووس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي. والرواية الثانية: أنه طلقة بائنة روي عن ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وقبيصة وشريح ومجاهد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والزهري ومكحول وابن أبي نجيع ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي.

٢٢٢٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ مَعمر، حدَّثنا أبو عامر عبدُ الملك بنِ عمرو، حدَّثنا أبو عمرِو السَّدُوسيُّ المديني، عن عبدِ الله بنِ أبي بكر بنِ محمد بن عَمرو ابنِ حَزم، عن عَمرَةَ
عن عائشة: أن حبيبةَ بنتَ سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شمَّاس فضربها، فكسر بعضَها، فأتت رسولَ اللهِ ﷺ بعدَ الصُّبْحِ فاشتكته إليه، فدعا النبي ﷺ ثابتًا فقال: «خُذْ بَعْضَ مالِها وفارِقها» فقال: ويَصْلُح ذلك يا رسولَ الله؟ قال «نعم» قال: فإني أصدقتُها حديقَتْينِ وهما بيدها، فقال النبي ﷺ: «خُذْهما وفَارِقْها» ففعل (١).


(١) صحيح لغيره، وهذا اسناد حسن من أجل أبر عمرو السَّدُوسي المديني - وهو سعيد بن سلمة بن أبي الحُسام - أبو عامر عبد الملك: هو العَقَدي، وعمرة: هي بنت عبد الرحمن.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٤٨٠٨) من طريق أبي عامر العقدي، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٣١٥ من طريق عبد الله بن رجاء، عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، به.
وله شاهد من حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية، سلف قبله.
وآخر من حديث سهل بن أبي حثمة عند أحمد في «مسنده» (١٦٠٩٥). وهو حسن لغيره.
وثالث من حديث ابن عباس عند البخاري (٥٢٧٣) و(٥٢٧٥) و(٥٢٧٦).
وقوله: فكسر بعضها، كذا في الأصول الخطية التى عندنا، وفي الطبري: فكسر نغضها، وضبطه الشيخ محمود شاكر رحمه الله: بضم النون وسكون الغين المعجمة، وآخرها ضاد معجمة: العظم الرقيق على طرف الكتف، ثم قال: وهذا هو الصواب في هذا الحرف هنا. وثبت في المطبوعة (أي: مطبوعة الطبري): بعضها، وكذلك في النسخ المطبوعة من سنن أبي داود إلا في نسخة بهامش طبعة الهند ذكرت على الصواب، وهو الصحيح الثابت في مخطوطة الشيخ عابد السندي (التي وصفها أخوه الشيخ أحمد في مقدمة الترمذي ٣) واضحة مضبوطة لا تحتمل تصحيفًا. قلنا: وقد ذكر صاحب «بذل المجهود» ١٠/ ٣٦١ أنه في نسخة من نسخ أبي داود التي عنده: نغضها.

٢٢٢٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الرحيم البزازُ، حدَّثنا عليُّ بنُ بحرٍ القطان، حدَّثنا هشامُ بنُ يوسف، عن معمرٍ، عن عمرِو بنِ مسلم، عن عِكرمةَ
عن ابنِ عباسِ أن امرأةَ ثابتِ بنِ قيس اختلعت منه، فجعل النبي ﷺ عِدَّتها حيضةً (١).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف. عمرو بن مسلم - وهو الجَنَدي - ضعيف يُعتبر به. هشام بن يوسف: هو الصنعانى، ومعمر: هو ابن راشد الأزدي.
وأخرجه الترمذي (١٢٢٢) من طريق علي بن بحر، بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث حسن غريب.
وله شاهد من حديث الرُّبَيِّع بنت معوذ بن عفراء عند ابن ماجه (٢٠٥٨)، والترمذي (١٢٢١)، والنسائى في «الكبرى» (٥٦٦٢). وإسناده صحيح.
قال الخطابي: هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ، وليس بطلاق، وذلك أن الله تعالى يقول: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فلو كانت مطلقة لم يقتصرلها على قرء واحد.
وقال ابن القيم في «زاد المعاد» ٥/ ١٩٦ - ١٩٧: وفي أمرة ﷺ المختلعة أن تعتد بحيضة دليل على حُكمين أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض، بل تكفيها حيضة واحدة، وهذا كما أنه صريح السنة، فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والربيع بنت معوذ وعمُّها وهو من كبار الصحابة، لا يعرف لهم مخالف عنهم، ... كما رواه الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر، أنه سمع الرُّبيِّع بنت بن عفراء، وهي تخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان، فجاء عمها إلى عثمان بن عفان، فقال له: إن ابنة معوِّذٍ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما، ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حَبَل. فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا. وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في رواية عنه. اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشريعة، فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمان الرجعة، فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإن لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء.

قال أبو داود: وهذا الحديث رواه عبدُ الرزاق، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عِكرمَة، عن النبيَّ ﷺ، مرسلًا (١).
٢٢٣٠ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالك، عن نافع عن ابن عمر، قال: عِدَّةُ المختَلِعةِ حَيضَة (٢).


(١) رجاله ثقات.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١١٨٥٨)، ومن طريقه أخرجه الدارقطني في «سننه» (٣٦٣٢) و(٤٠٢٧)، والحاكم في «المستدرك» ٢/ ٢٠٦، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤٥٥، به مرسلًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٥/ ١١٤ و١٠/ ١٦٣ - ١٦٤، وأحمد في «العلل» (٥٦٤٣) من طريق أبي الطُّفيل سعيد بن حمد، عن عكرمة به، مرسلًا.
وقد سلف قبله موصولًا.
(٢) إسناده صحيح موقوف. لكن اختلفَتْ رواياتُ «سُنن أبي داود» في فتوى ابن عمر، ففى رواية أبي علي اللؤلؤي: عن ابن عمر، قال: عدةُ المُختلعة حَيضة، وفي رواية ابن داسه: عدةُ المختلعة عدةُ المُطَلَّقة.
وهذه الرواية الثانية هي المُوافقة لما في «المُوطأ» برواية أبي مصعب الزهري (١٦١٤)، ورواية يحيى الليثي ٢/ ٥٦٥.
وقد روى عَبدةُ بن سُليمان، عن عُبيد الله بن عُمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: عِدَّة المختلعة حيضة، يعني كرواية أبى علي اللؤلؤي. أخرجه ابن أبي شيبة ٥/ ١١٤.
فدلّ ذلك على صحة الروايتين عن ابن عمر.
وعليه فما قاله الإمام ابن عبد البر في «التمهد» ٢٣/ ٣٧٧، وشيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» ٣٢/ ٣٢٣ بأن الأصح عن ابن عمر فتواه بأن عِدةَ المختلعةِ عدةُ المُطلقة، ليس بمُسَلَّم لهما لأمرين:
أولهما: أن عُبيد الله بن عمر قد رواه عن نافع عند ابن أبي شيبة ٥/ ١١٤، فقال فيه: عن ابن عمر: عدة المُختلعة حيضة، وهذه متابعةٌ صحيحة لرواية اللؤلؤي، عن أبي داود، عن القعنبيُّ، عن مالك. =

١٩ - باب في المملوكةِ تعتق وهي تحتَ حُرٍّ أو عَبدٍ
٢٢٣١ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، عن خالدٍ الحذَّاء، عن عِكرمةَ
عن ابنِ عباس: أن مُغيثًا كان عبدًا، فقال: يا رسولَ الله، اشْفَعْ إليها، فقال رسولُ الله ﷺ: «يا بَريرَةُ اتقي اللهَ، فإنه زَوْجُكِ وأبو ولدكِ» فقالت: يا رسولَ الله، تأمرني بذلك؟ قال: «لا، إنما أنا شَافِعٌ» فكان دُمُوعُهُ تَسِيلُ على خَده، فقال رسولُ الله ﷺ للعباسِ: «ألا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغيثٍ برَيرَة وبُغْضِهَا إيَّاه» (١).
٢٢٣٢ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا عفانُ، حدَّثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن عِكرِمَة


= وثانيهما: أن آخر ما كان يفتي به ابن عمر هو أن عدتها حَيضَة، وعليه فلا تعارض بينهما أصلًا، وقد نصَّ على ذلك يحيى بن سعيد القطان في روايته عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع عند ابن أبي شيبة ٥/ ١١٤ حيث قال: عن ابن عمر: إن الرُّبيِّع اختلعت من زوجها، فأتى عمها عثمان، فقال: تعتد بحيضة، وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيض، حتى قال هذا عثمان، فكان يفتي به ويقول: خيرُنا وأعلمُنا.
وانظر ما قبله.
(١) إسناده صحيح. حمّاد: هو ابن سلمة البصري، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه البخاري (٥٢٨٣)، وابن ماجه (٢٠٧٥)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٣٧) من طريق خالد الحذاء، بهذا الإسناد.
وأخرجه مختصرًا البخاري (٥٢٨١) من طريق أيوب السختياني، عن عكر مة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٤٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٧٠) و(٤٢٧٣). وانظر ما بعده.

عن ابنِ عباسٍ: أن زَوْجَ بريرةَ كان عَبْدًا أسود يُسمى مُغيثًا، فخيَّرَهَا - يعني النبيَّ ﷺ وأمرها أن تَعتَدَّ (١).
٢٢٣٣ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا جرير، عن هشام بنِ عُروة، عن أبيه:
عن عائشة في قصَّة بريرة، قالت: كان زوجها عبدًا فخيرها رسولُ الله ﷺ، فاختارتْ نفسها، ولو كان حُرًّا لم يُخيَّرهَا (٢).


(١) إسناده صحيح. عفان: هو ابن مسلم الصَّفَّار، وهمّام: هو ابن يحيى العَوذي، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه البخاري (٥٢٨٠) و(٥٢٨٢)، والترمذي (١١٩٠) من طريقين عن
عكرمة، به. دون ذكر العدة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولم يذكر البخاري في روايته التخيير.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٤٢) و(٣٤٠٥) بذكر العدة والتخيير.
وانظر ما قبله.
وأخرج ابنُ ماجه (٢٠٧٧) من طريق الأسود، عن عائشة، قالت: أُمِرت بريرةُ أن تعتدَّ بثلاث حِيَض. وإسناده صحيح.
(٢) إسناده صحيح. جرير: هو ابن عبد الحميد الضبي.
وأخرجه مسلم (١٥٠٤) (٩)، والترمذي (١١٨٨)، والنسائي في «الكبرى» (٤٩٩٦) و(٥٦١٥) من طرق عن جرير، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه مسلم (١٥٠٤) (١٣)، والنسائي في «الكبرى» (٤٩٩٨) و(٥٦١٦) من طريق يزيد بن رومان، عن عروة، به. دون ذكر التخيير.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٣٦٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٧٢).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٣٤ - ٢٢٣٦).
وقوله: ولو كان حرًا لم يخيرها رسول الله ﷺ، هو من قول عروة، بيَّن ذلك روايةُ النسائي.

٢٢٣٤ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا حسينُ بنُ علي والوليدُ بن عقبة، عن زائدةَ، عن سِماكٍ، عن عبد الرحمن بنِ القاسم، عن أبيهِ
عن عائشة أن بريرة خيَّرهَا رسولُ الله ﷺ، وكان زوجُها عبدًا (١).

٢٠ - باب من قال: كان حرًا
٢٢٣٥ - حدَّثنا ابنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ
عن عائشة: أن زوجَ بريرةَ كان حُرًّا حين أُعْتِقَتْ، وأنها خُيِّرَتْ، فقالت: ما أُحبُّ أن أكونَ مَعَه وإنَّ لي كذا وكذا (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. سماك - وهو ابن حَرب الذُّهلي - صدوق. الحسين بن علي: هو الجُعفي، والوليد بن عقبة: هو ابن المغيرة الشيباني، وزائدة: هو ابن قدامة الثقفي.
وأخرجه مسلم (١٥٠٤)، والنسائي (٥٦١٨) من طريق حسين بن علي وحده، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٥٧٨) و(٥٠٩٧) و(٥٢٧٩)، ومسلم (١٥٠٤) (١٠ - ١٢) و(١٤)، وابن ماجه (٢٠٧٦)، والنسائى في «الكبرى» (٥٦١١) و(٥٦١٢) و(٥٦١٩) و(٦١٩٤) من طرق عن القاسم، به. لم يذكر أحد منهم أنه كان عبدًا سوى ابن ماجه فإنه قال: وكان زوجها مملوكًا. ورواية النسائى (٥٦١٩): وكان زوجها عبدًا، ثم قال بعد ذلك: ما أدري ما أدري، ورواية البخاري الأولى ومسلم (١٥٠٤) (١٢) أن شعبة قال: سألت عبد الرحمن عن زوجها، قال: لا أدري أحر أم عبد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٨٧) و(٢٤٨٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٦١) و(٥١١٥) و(٥١١٦). ورواية أحمد الأولى كرواية المصنف. ولم يذكر هو في الموضع الثاني ولا ابن حبان أن زوج بريرة كان عبدًا، بل جاء عند ابن حبان في الموضع الثاني أن عبد الرحمن بن القاسم قال: وكان زوجها حرًا.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح، دون قوله: «أن زوج بريرة كان حُرًّا» فإنه مُدرج من قول الأسود
- وهو ابن يزيد النخعي - كما جاء موضحًا في رواية البخاري (٦٧٥٤) وقال عَقِبَهُ: =

٢١ - باب حتى متى يكونُ لها الخيار
٢٢٣٦ - حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ يحيى الحراني، حدثني محمد - يعني ابنَ سلمةَ - عن محمد بن إسحاقَ، عن أبي جعفرٍ. وعن أبانَ بنِ صالح، عن مجاهد. وعن هشام بن عروة، عن أبيه
عن عائشة: أن بريرة أُعتِقَتْ وهي عندَ مغيثٍ - عبدٍ لآل أبي أحمد - فخيَّرها رسولُ اللهِ ﷺ وقال لها: «إن قَرِبَكِ فلا خيَارَ لك» (١).


= قول الأسود منقطِعٌ، وقول ابن عباس: رأيته عبدًا أصح، قلنا: يعني حديث ابن عباس الذي أخرجه برقم (٥٢٨٠). وهو عند المصنف برقم (٢٢٣١) و(٢٢٣٢)، لكنه صح من رواية هشام بن عروة وغيره، عن أبيه، عن عائشة عند المصنف برقم (٢٢٣٣).ابن كثير: هو محمد العبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، ومنصور: هو ابن المعتمر، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي.
وأخرجه البخاري (٢٥٣٦) وبإثر (٥٢٨٤) و(٦٧٥٤) و(٦٧٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦١٣) و(٦١٩٣) من طريقين عن منصور، بهذا الإسناد. وروايات البخاري خلا الرواية الثالثة دون ذكر صفة زوج بريرة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٧٤)، والتر مذي (١١٨٩)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٠٧) من طريقين عن إبراهيم، به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٥٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٧١).
قلنا: وقوله: إن زوج بريرة كان حرًا، قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤١١: مدرج من قول الأسود، أدرج في أول الخبر وهو نادر، فإن الأكثر أن يكون في آخره، ودونه أن يقع في وسطه، وعلى تقدير أن يكون موصولًا فترجح رواية من قال: كان عبدًا، بالكثرة.
قلنا: وقد بسط ذلك الحافظ ٩/ ٤١٠ - ٤١١ فانظره لزامًا.
وانظر سابقيه.
(١) صحيح لغيره، وهذا الحديث لمحمد بن إسحاق فيه ثلاثة أسانيد اثنان
مرسلان وهما طريق أبي جعفر - وهو محمد بن علي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب - وطريق مجاهد - وهو ابن جَبر المكي - وطريق ثالث موصول، وهو طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ومحمد بن إسحاق مُدلِّس ولم يصرح بالتحديث. وقد تابعه =

٢٢ - باب في المملوكين يُعتقان معًا، هل تخيَّر امرأته؟
٢٢٣٧ - حدَّثنا زهيرُ بنُ حرب ونصرُ بنُ علي، قال زهير: حدَّثنا عُبيد الله ابنُ عبد المجيد، حدَّثنا عُبيد الله بن عبدِ الرحمن بنِ موهب، عن القاسم


= شعيب بن إسحاق، لكن في الإسناد إليه رجل متروك. وقد روي عن عائشة من طريق آخر حسن كما سيأتي، وله ما يشهد له.
وأخرجه الدارقطني في «السنن» (٣٧٧٥)، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٢٢٥ من طريق محمد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الدارقطني (٣٧٧٥)، والبيهقي ٧/ ٢٢٥ من طريق أحمد بن علي الخزَّاز، عن محمد بن إبراهيم الشامي، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، به. ولفظه: «إن وطئك فلا خيار لك». ومحمد بن إبراهيم الشامي، قال ابن عدي في «الكامل»: منكر الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة، واتهمه الدارقطني بالكذب.
وأخرج الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٣٨٤) من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة: أن بريرة كانت تحت عبد مملوك، فلما عتقت، قال لها رسولُ الله ﷺ: «أنت أملَكُ بنفسك إن شئتِ أقمتِ مع زوجك، وإن شئت فارقتيه ما لم يَمَسَّك» وإسناده حسن.
ويشهد له حديث الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضَّمري، قال: سمعتُ رجالًا من أصحاب رسول الله ﷺ يتحدثون أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أعتقت الأمة وهي تحت العبد فأمرها بيدها، فإن هي أقرّت حتى يطأها، فهي امرأته لا تستطيع فراقه». أخرجه أحمد (١٦٦٢٠)، والطحاوي (٤٣٨٢). وإسناده حسن.
وأخرج مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٦٢، وابن أبي شيبة ٤/ ٢١٢ من طريق نافع عن ابن عمر: أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتُعتق: إن الأمة لها الخيار ما لم يمَسها، وإسناده صحيح موقوف.
وأخرج مالك أيضًا ٢/ ٥٦٣، وسعيد بن نصور (١٢٥٠) عن حفصة أنها قالت لأمة يقال لها: زبراء، كانت تحت عبد، فعتقت، فقالت لها: إني مخبرتك خبرًا، ولا أحب أن تصنعي شيئًا، إن أمرك بيدك ما لم يمسَّك زوجك، فإن مسَّكِ فليس لك من الأمر شيء ... وقد صحح إسناده الحافظ في «فتح الباري» ٩/ ٤١٣.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٢٥٧٣٠): لا أعلم مخالفًا لعبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب في أن الخيار لها ما لم يمسَّها زوجها.

عن عائشة: أنها أرادت أن تَعْتِقَ مملوكَيْن لها، زوج، قال: فسألت النبيَّ ﷺ، فأمرها أن تبدأ بالرجُلِ قبل المرأة. قال نصر: أخبرني ابو علي الحنفيُّ، عن عُبيدِ الله (١).

٢٣ - باب إذا أسلم أحدُ الزوجين
٢٢٣٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن سماكٍ، عن عِكرمةَ
عن ابنِ عباس: أن رجلًا جاء مُسلِمًا على عهدِ النبي ﷺ ثم جاءت امرأتُه مسلمةً بعدَه، فقال: يا رسول الله، إنها قد كانت أسلَمَتْ معي، فرَدَّها عليهِ (٢).


(١) إسناده ضعيف، لضعف عُبيد الله بن عَبد الرحمن بن عَبد الله بن مَوهب.
القاسم: هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٣٢)، والنسائي في «الكبرى» (٤٩١٥) و(٥٦١٠) من طريقين، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوهب، به.
وهو في«صحيح ابن حبان» (٤٣١١).
وقوله: زوج، أي: هما زوج، أي: رجل وامرأته.
(٢) صحيح لغيره، سماك في روايته عن عكرمة اضطراب، وباقي رجاله ثقات، وله شاهد من حديث ابن عباس وغيره. وكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي، وإسرائيل: هو ابن يونس السبيعي.
وأخرجه الترمذي (١١٧٦) من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وقال: حديث صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٥٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٥٩). وصححه أيضًا ابن الجارود (٧٥٧)، والحاكم ٢/ ٢٠٠، وسكت عنه الذهبى.
وانظر ما بعده.
وفي الباب عن ابن عباس عند المصنف برقم (٢٢٤٠) قال: ردَّ رسول الله ﷺ ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول، ولم يُحدِث شيئًا. وإسناده حسن. =

٢٢٣٩ - حدَّثنا نصرُ بنُ علي، أخبرني أبو أحمد، عن إسرائيلَ، عن سماكٍ، عن عِكرِمَةَ
عن ابنِ عباس، قال: أسلَمَتِ امرأةٌ على عَهدِ رسولِ الله ﷺ، فتزوَّجَتْ، فجاء زوجُها الى النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسولَ الله، إني قد كُنْتُ أسلَمتُ وعَلِمَت بإسلامي، فانتزعَها رسولُ الله ﷺ منْ زَوْجِهَا الآخرِ، ورَدَّها إلى زوجها الأول (١).

٢٤ - باب إلى متى تُردُّ عليه امرأته إذا أسلم بعدها؟
٢٢٤٠ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ سلمة (ح) وحدثنا محمدُ بنُ عَمرو الرازيُّ، حدَّثنا سلمةُ - يعني ابنَ الفَضلِ - (ح) وحَدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا يزيد -المعنى- كلهم عن ابنِ إسحاقَ، عن داود بنِ الحصين، عن عكرمةَ
عن ابن عباس، قال: ردَّ رسولُ الله ﷺ ابنته زينبَ على أبي العاصِ بالنكاحِ الأول، لم يُحدثْ شيئًا، قال محمدُ بنُ عمرو في حديثهِ: بعد ستِّ سنين، وقال الحسنُ بنُ علي: بعدَ سنتين (٢).


= ومراسيل صحيحة عن عامر الشعبي وقتادة وعكرمة بن خالد عند ابن سعد في «الطبقات» ٨/ ٣٢، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٦٤٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ١٤٩.
(١) صحيح لغيره كسابقه. أبو أحمد: هو محمد بن عبد الله الزبيري.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٠٨) من طريق حفص بن جُمَيع، عن سماك، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٩٧٢).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده حسن. ابن إسحاق -وهو محمد المطلبي- صرح بالتحديث عند
أحمد (٢٣٦٦)، والترمذى (١١٧٥) فانتفت شبهة تدليسه، وقال الترمذي في «جامعه» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بإثر إخراج حديث ابن عباس السالف برقم (٢٢٣٨) و(٢٢٣٩): سمعت يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث وحديث الحجاج عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي ﷺ ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد.
قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس (يعني هذا الحديث) أجودُ إسنادًا. قلنا: وصححه كذلك الإمام أحمد في «مسنده» عقب إخراجه حديث عمرو بن شعيب (٦٩٣٨). ونقل الترمذي في «العلل الكبير» ١/ ٤٥٢ عن البخاري قوله: حديث ابن عباس أصحُّ في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. يزيد: هو ابن هارون السلمي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٠٩)، والترمذي (١١٧٥) من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وقال الترمذى: هذا حديث ليس بإسناده بأس. ورواية ابن ماجه بذكر سنتين، أما الترمذي: بعد ست سنين.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٧٦) و(٢٣٦٦).
وله شاهد صحيح من مرسل قتادة بن دعامة عند ابن سعد ٨/ ٣٢. ولفظه: أن زينب بنت رسول الله ﷺ كانت تحت أبي العاص بن الربيع، فهاجرت مع رسول الله ﷺ، ثم أسلم زوجها فهاجر إلى رسول الله ﷺ فردها عليه.
قال قتادة: ثم أنزلت سورة براءة بعد ذلك، فإذا أسلمتِ المرأةُ قبل زوجها، فلا سبيل له عليها إلا بخطبة، وإسلامها تطليقة بائنة.
ونقل ابن عبد البر في «الاستذكار» ١٦/ ٣٢٧ عن قتادة قوله: كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بين المسلمين والمشركين.
وقال الزهرى: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض.
وشاهد آخر من مرسل الشعبي، وهو صحيح، عند عبد الرزاق (١٢٦٤٠)، وسعيد بن منصور (٢١٠٧)، وابن سعد ٨/ ٣٢، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٥٦ أن رسول الله ﷺ ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع حيث أسلم بعد إسلام زينب، فردها بالنكاح الأول.
وثالث من مرسل عمرو بن دينار، وهو صحيح أيضًا، عند عبد الرزاق (١٢٦٤٣)، وسعيد بن منصور (٢١٠٨) ولفظه: أن زينب بنت رسول الله ﷺ كانت تحت أبي العاص ابن الربيع فأسلمت قبله وأسر، فجيء به أسيرًا في قِدّ، فأسلم فكانا على نكاحهما.=

٢٥ - باب في من أسلَم وعنده نساء أكثر مِن أربع أو أُختان ٢٢٤١ - حدَّثنا مُسَدَدٌ، حدَثنا هُشيم (ح) وحدَثنا وهبُ بنُ بقية، أخبرنا هُشَيم، عن ابنِ أبي ليلى، عن حُميضَة بن الشَّمَرْدَل عن الحارث بنِ قيسٍ - قال مُسَدد: ابنِ عُميرة، وقال وهبٌ: الأسدي - قال: أسلمتُ وعندي ثمانُ نسوةٍ، فذكرتُ ذلك للنبي ﷺ، فقال النبيُّ ﷺ: «اختر منهنَّ أربعًا» (١).


= ورابع من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في «مسند أحمد» (٦٩٣٨) أن رسول الله ﷺ ردّ ابنته إلى أبي العاص بمهر جديد، ونكاح جديد.
وإسناده ضعيف.
وانظر حديث الزهري في قصة صفوان بن أمية مع امرأته بعدما أسلم عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٤٣.
وانظر حكم المسألة في «معالم السنن» ٣/ ٢٥٩ - ٢٦٠، و«المغني» ١٠/ ١٠ - ١١،
و«نصب الراية» ٣/ ٢٠٩ - ٢١٢.
(١) حديث حسن. ابن أبي ليلى -وهو محمد بن عبد الرحمن، وإن كان سيئ الحفظ - قد توبع، وكذا حُميضة بن الشمَردل - بالدال المهملة، وبعضهم ضبطها بالذال المعجمة، وقال الأكثرون: ابن الشَمَرْدل، لكن جاء في رواية ابن ماجه: بنت الشَمَرْدل، والصحيح أنه رجل لا امرأة - متابع. وقد حسّن الحافظ ابنُ كثير إسناد هذا الحديث في «تفسيره» ٢/ ١٨٤، وقد وقع في اسم صحابيه خلاف فبعضهم يسميه: قيس بن الحارث، وبعضهم يسميه: الحارث بن قيس. وصوب أحمد بن إبراهيم الأول نقله المصنف عنه.
مسدَّدٌ: هو ابن مُسَرهَد الأسَدِيُّ، هشيم: هو ابن بشير السُّلمي.
وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (١٨٦٣)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٥٥، والعقيلي في «الضعفاء» ١/ ٢٩٩، وابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ١٧٥، والطبرانى في «المعجم الكبير» ١٨/ (٩٢٢)، والدارقطني في «سننه» (٣٦٩٠)،=

٢٢٤١ م - وحدَّثنا بهِ أحمدُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا هُشَيم، بهذا الحديثِ، فقال: قيسُ بنُ الحارث، مكان الحارث بنِ قيس، قال أحمد بن إبراهيم: هذا الصواب، يعني قيسَ بن الحارث (١).


= والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ١٤٩ و١٨٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ٥٦/ ١٢ من طرق عن هُشَيم، بهذا الإسناد.
وانظر تالييه.
قال ابن عبد البر: الأحاديث المروية في هذا الباب كُلُّها معلولة، وليست أسانيدها بالقوية، ولكنها لم يُرو شيء يُخالفها عن النبي ﷺ، والأصول تعضدها، والقولُ بها، والمصير إليها أولى، وبالله التوفيق.
(١) حديث حسن كسابقه.
وأخرجه ابن ماجه (١٩٥٢)، وأبو يعلى في «مسنده» (٦٨٧٢)، والبيهقي ٧/ ١٨٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٢/ ٥٦ من طريق أحمد بن إبراهيم، بهذا الإسناد. وأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (١٨٦٥)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٧٣٧)، وأبو يعلى في «مسنده» (٦٨٧٤)، والطبراني في«الكبير» ١٨/ (٩٢٣)، والدارقطني في «سننه» (٣٦٩٠)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٢/ ٥٧ من طريق محمد بن السائب الكلبي، عن حميضة بن الشمردل، عن قيس بن الحارث -وعند بعضهم: الحارث بن قيس- والكلبي متروك.
وأخرجه عبد الرزاق (١٢٦٢٤) عن معمر، عن الكلبي، عن رجل، عن قيس بن الحارث.
وأخرجه ابن قانع ١/ ١٧٥ من طريق هشيم، عن الكلبي، عن أبي صالح باذام، عن ابن عباس، عن الحارث بن قيس.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» ٢/ ٢٦٢، وابن قانع ١/ ١٧٥ من طريق أبي عوانة، عن مغيرة بن مقسم الضبي، عن قيس بن عبد الله بن الحارث -وعند ابن قانع: الربيع بن الحارث بن قيس- قال: أسلم جدي ... فذكره بنحوه.
وأخرجه سعيد بن منصور (١٨٦٤)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٥٥، وابن قانع ١/ ١٧٥، والدارقطني (٣٦٩٢) و(٣٦٩٣) من طريق هُشَيم بن بشير،=

٢٢٤٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا بكْرُ بنُ عبدِ الرحمن قاضي الكُوفة، عن عيسى بنِ المختار، عن ابنِ أبي ليلى، عن حُمَيضَةَ بنِ الشَّمردلِ، عن قيس ابنِ الحارث، بمعناه (١).
٢٢٤٣ - حدَّثنا يحيي بنُ معين، حدَّثنا وهبُ بنُ جرير، عن أبيه، سمعتُ يحيي بنَ أيوب يحدث، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي وهب الجَيْشاني، عن الضحاك بنِ فيروز عن أبيه، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، إني أسلمتُ وتحتي أُختَانِ، قال: «طلِّق أيتَهما شِئثَ» (٢).


= أخبرنا مغيرة بن مقسم الضبي، عن بعض ولد الحارث بن قيس -وقال بعضهم: عن رجل من ولد الحارث، وسماه بعضهم: الربيع بن قيس-: أن الحارث أسلم ... فذكره بنحوه.
وأخرجه أبو يعلى (٦٨٧٣) من طريق عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، قال: قدم وفد بني تميم على رسول الله ﷺ فيهم قيس بن الحارث، ورجاله ثقات، لكنه معضل.
وانظر ما قبله وما بعده.
(١) حديث حسن كسابقيه.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٦/ ٦٠، وابن أبي شيبه في «مصنفه» ٤/ ٣١٨، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٠٥٤)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٢/ ٥٦ و٥٨، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ١٨٣ من طريق بكر بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤٠٥٩)، وأبو بكر الإسماعيلي في «معجمه» ١/ ٤٤٦ من طريق المختار بن فلفل، عن ابن أبي ليلى، به.
وانظر سابقيه.
(٢) إسناده حسن. الضحاك بن فيروز -وهو الديلمي- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وكذلك أبو وهْب الجَيشاني -وهو ديلم بن هوشع-. وأخرجه الترمذي (١١٦٠) من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن.=

٢٦ - باب إذا أسلم أحد الأبوين مع مَن يكون الولد
٢٢٤٤ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى، حدَّثنا عبدُ الحميدِ ابنُ جعفر، أخبرني أبي
عن جدِّي رافعِ بنِ سنان: أنه أسلَمَ، وأبَتِ امرأتُه أن تُسْلِمَ، فأتتِ النبيَّ ﷺ، فقالت: ابنتي، وهي فَطيمٌ أو شبهه، وقال رَافِعٌ: ابنتِي، فقال له النبيُّ ﷺ: «اقعُدْ ناحيةً» وقال لها: «اقعُدِي نَاحِيةً» قال: وأقعَدَ الصبيّةَ بينهما، ثم قال: «ادعُواها» فمالت الصبيةُ إلى أُمها، فقال النبيُّ ﷺ: «اللهُمَّ اهدِهَا» فمالتْ إلى أبيها، فأخَذَهَا (١).


وأخرجه ابن ماجه (١٩٥١)، والترمذي (١١٥٩) من طريق ابن لهيعة، عن أبي وهب، به.
وأخرجه ابن ماجه (١٩٥٠) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي وهب الجيشانى، عن أبي خِراش الرُّعيني، عن الديلمي، قال: قدمت على رسول الله، فذكر نحوه. وإسحاق بن عبد الله متروك الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٠٤٠)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٥٥)، وانظر تتمة كلامنا عليه في «المسند».
قلنا: وتحريم الجمع بين الأختين ثابت في القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٣].
(١) حديث صحيح، رجاله ثقات. عبد الحميد بن جعفر وأبوه ثقتان، لكن قيل: إن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان لم يسمع من جد أبيه رافع بن سنان، لكن جعفرًا ثقة، وما رواه كان قد حصل في أهل بيته فهو أدرى به. والله أعلم. عيسى: هو ابن يونس السبيعي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٥٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٥٩) و(٦٣٥٢) و(٦٣٥٣) و(٦٣٥٤) من طريقين عن عبد الحميد بن جعفر، بهذا الإسناد. وقد وقع وهمٌ في إسناد ابن ماجه حيث جاء فيه: عبد الحميد بن سلمة، وجاء عنده أيضًا أن جده كان الطفلَ الذي اختلف فيه أبواه.=

٢٧ - باب في اللعان
٢٢٤٥ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلَمةَ القعنبيُّ، عن مالك، عن ابنِ شهابٍ أن سهل بنَ سعدٍ الساعديَّ أخبره، أن عُوَيمِرَ بنَ أشقر العجلانيَّ جاء إلى عاصِم بنِ عديٍّ، فقال له: يا عاصِمُ، أرأيتَ رجلًا وجَدَ مع امرأتِه رجلًا أيقتُلُه، فتقْتُلُونَه أمْ كيفَ يَفعَلُ؟ سَلْ لي يا عاصِمُ رسولَ الله ﷺ عن ذلك، فسأل عاصِمٌ رسولَ الله ﷺ، فكره رسولُ اللهِ ﷺ المسائِلَ وعَابَها، حتى كَبُرَ على عاصمٍ ما سَمعَ مِن رسولِ الله ﷺ، فلما رَجَعَ عاصِمٌ إلى أهلِه جاءه عُويمرٌ، فقال له: يا عاصِمُ، ماذا قال لك رسولُ الله ﷺ؟ فقال عَاصِمٌ: لم تأتِني بخيرٍ، قد كَرِهَ رسول الله ﷺ المسألة التي سألتُه عنها، فقال عويمرٌ: والله لا أنتَهِي حتى أسأله عنها، فأقبل عُويمرٌ حتى أتى رَسُولَ الله ﷺ وهو وَسَطَ الناسِ، فقال: يا رسولَ الله، أرأيتَ رجلًا وجَدَ مع امرأته رجلًا أيقتلُه، فتقتلونَه، أم كيفَ يفعلُ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «قد أُنزِلَ فيك وفي صاحبتِك قرآنٌ، فاذهبْ فأتِ بها» قال سهل: فتلاعَنا وأنا مَع الناسِ عندَ رسولِ الله ﷺ، فلما فرغا قال عويمرٌ: كَذَبْتُ عليها يا رسولَ الله إن أمسكتُها، فطلَّقها عُويمرٌ ثلاثًا قَبْلَ أن يأمُرَهُ رسول الله ﷺ، قال ابنُ شهابٍ: فكانت تِلك سُنةَ المتلاعِنَيْنِ (١).


وهو في «مسند أحمد» (٢٣٧٥٦). وانظر تمام كلامنا عليه فيه.
قال الخطابي: في هذا بيان أن الولد الصغير إذا كان بين المسلم والكافر، فإن المسلم أحق به، وإلى هذا ذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي في الزوجين يفترقان بالطلاق والزوجة ذميه: إن الأم أحق بأولادها ما لم تتزوج، ولا فرق في ذلك بين الذمية والمسلمة.
(١) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٦٦ - ٥٦٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٢٥٩) و(٥٣٠٨)، ومسلم (١٤٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٥).
وأخرجه البخاري (٧١٦٦) و(٧٣٠٤)، ومسلم (١٤٩٢)، وابن ماجه (٢٠٦٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٣٢) من طرق عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٨٥١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٤).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٤٦ - ٢٢٥٢).
قال الخطابي: قوله: «كره رسول الله ﷺ المسائل وعابها» يريد به المسألة عما لا حاجة بالسائل إليها دون ما به إليه حاجة، وذلك أن عاصمًا إنما كان يسأل لغيره لا لنفسه، فأظهر رسول الله ﷺ الكراهة في ذلك إيثارًا لستر العورات وكراهةً لهتك الحرمات. وقد وجدنا المسألة في كتاب الله عز وجل على وجهين: أحدهما: ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين. والآخر: ما كان على طريق التكلف والتعنت، فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] وقال: ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] وقال في قصة موسى والخضر: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] وقال: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] فأوجب على من يُسأل عن علم أن يجيب عنه وأن يبين ولا يكتم، وقال رسول الله ﷺ: «من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار» وقال عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] وقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وقال في النوع الآخر: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥]: وقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)﴾ [النازعات:٤٢ - ٤٤] وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لما لا حاجة بهم إليه، وقد كانت الغُنية وقعت بالبيان المتقدم فيها، وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه، فإذا وقع السكوت عن جوابه فإنما هو زجر ورع للسائل، وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ.=

٢٢٤٦ - حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ يحيى، حدثني محمدٌ -يعني ابن سلمةَ- عن محمد بن إسحاق، حدَّثني عباسُ بنُ سهل
عن أبيه أن النبيَّ ﷺ قال لِعاصم بن عدي: «أمْسِكِ المرأةَ عندَك حتى تَلِدَ» (١).
٢٢٤٧ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يونُس، عن ابنِ شهابٍ، عن سهلِ بنِ سعد الساعديِّ، قال:


= وفي قوله: «هي طالق ثلاثًا» دليل على أن إيقاع التطليقات الثلاث مباح، ولو كان محرمًا لأشبه أن يرد عليه رسول الله ﷺ قوله في ذلك، وبين بطلانه لمن بحضرته لأنه لا يجوز عليه أن يجري بحضرته باطل فلا ينكره ولا يرده.
وقد يحتج به من يرى أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان حتى يفرق بينهما الحكام، وذلك أن الفرقة لو كانت واقعة بينهما لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
وقد يحتج بذلك أيضًا من يرى الفرقة بنفس اللعان على وجه آخر وذلك أن الفرقة لو لم تكن واقعة باللعان لكانت المرأة في حكم المطلقات ثلاثًا.
وقد أجمعوا على أنها ليست في حكم المطلقات ثلاثًا تحل له بعد زوج، فدل على أن الفرقة واقعة قبل، وشبه أن يكون إنما دعاه إلى هذا القول أنه قيل له لا سبيل لك عليها وجد من ذلك في نفسه فقال: كذبت عليها إن أمسكها هي طالق ثلاثًا، يريد بذلك تحقق ما مضى من الفرقة وتوكيده.
قوله: (فكانت سنة المتلاعنين) يريد التفريق بينهما.
وقد اختلف في الوقت الذي يزول فيه فراش المرأة وتقع فيه الفرقة، فقال مالك والأوزاعي: إذا التعن الرجل والمرأة جميعًا وقعت الفرقة، وروى ذلك عن ابن عباس.
وقال الشافعي: إذا التعن الرجل وقعت الفرقة وإن لم تكن المرأة التعنت بعد.
وقال أصحاب الرأي: الفرقة إنما تقع بتفريق الحاكم بينهما بعد أن يتلاعنا معًا.
(١) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٨٣٧).
وانظر ما قبله، وما سيأتي بالأرقام (٢٢٤٧ - ٢٢٥٢).

حضرت لِعَانَهما عندَ رسول الله ﷺ وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ سنةً، وساق الحديثَ، قال فيه: ثم خَرَجَتْ حاملًا، فكان الولدُ يُدعى إلى أُمه (١).
٢٢٤٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ جعفرٍ الوَرْكانيُّ، أخبرنا إبراهيمُ -يعني ابنَ سعد- عن الزهري عن سهل بنِ سعد، في خبر المتلاعِنَيْنِ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أبصروها، فإن جاءت به أدعَجَ العينينِ، عظيمَ الأليتَيْنِ فلا أراه إلا قد صَدَقَ، وإن جاءت به أُحَيْمِرَ كأنه وَحَرَةٌ فلا أُراه إلا كاذِبًا» قال: فجاءت به على النعتِ المكروه (٢).
٢٢٤٩ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد، حدَّثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن الزهري


(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله بن وهب المصري، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي.
وأخرجه مسلم (١٤٩٢) من طريق ابن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٧١٦٥) من طريق ابن شهاب، به. واقتصر على ذكر حضور سهل القصة وهو ابن خمس عشرة.
وانظر سابقيه، وما سيأتي بالأرقام (٢٢٤٨ - ٢٢٥٢).
(٢) إسناده صحيح. إبراهيم بن سعد: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٦٦) من طريق محمد بن عثمان العثماني، عن إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٥٣٠٩) و(٧٣٠٤) من طريقين عن ابن شهاب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٨٣٠).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٤٥).
الدَّعَج: شدة سوادِ الحدقَةِ.

عن سهل بنِ سعد الساعدي، بهذا الخبرِ، قال: فكان يُدعى -يعني الولد- لأمه (١).
٢٢٥٠ - حدَّثنا أحمدُ بن عمرو بنِ السرح، حدَّثنا ابنُ وهب، عن عياض بنِ عبد الله الفِهري وغيره، عن ابنِ شهاب، عن سهل بنِ سعد، في هذا الخبرِ، قال: فطلَّقها ثلاثَ تطليقاتٍ عندَ رسولِ الله ﷺ، فأنفذه رسولُ الله ﷺ،وكان ما صُنِعَ عندَ النبيَّ ﷺ سُنَّةً.
قال سهل: حضرتُ هذا عندَ رسولِ الله ﷺ، فمضتِ السنةُ بعدُ في
المتلاعِنَيْن أن يفرَّق بينهما، ثم لا يجتمعانِ أبدًا (٢).
٢٢٥١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ ووهبُ بنُ بيان وأحمدُ بنُ عمرو بن السرح وعمرو بنُ عثمان، قالوا: حدَّثنا سفيان، عن الزهري، عن سهل بن سعد، -قال مسدَّدٌ-: قال:


(١) إسناده صحيح. الفريابي: هو محمد بن يوسف، والأوزاعي: هو عبد الرحمن ابن عمرو.
وأخرجه البخاري (٤٧٤٥) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٢٨٥).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٤٥).
(٢) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله.
وانظر ما سلف برقم (٢٢٤٥).
قال الخطابي: وقوله: فأنفذه رسول الله ﷺ: يحتمل وجهين، أحدهما: إيقاع الطلاق وإنفاذه، وهذا على قول من زعم أن اللعان لا يوجب الفرقة، وأن فراق العجلاني امرأته إنما كان بالطلاق وهو قول عثمان البتي.
والوجه الآخر: أن يكون معناه إنفاذ الفرقة الدائمة المتأبدة وهذا على قول من لا يراها تصلح للزوج بحال وإن كذب نفسه فيما رماها، وإلى هذا ذهب الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري ويعقوب وأحمد وإسحاق وشهد لذلك قوله: «ولا يجتمعان أبدًا» ومذهب أبى حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إذا كذب نفسه، ثبت النسب ولحقه الولد.

شهدت المتلاعنين على عهد النبي ﷺ وأنا ابن خمس عشرة، ففرَّق بينهما رسول الله ﷺ حين تلاعَنَا -وتم حديث مسدَّدٌ- وقال الآخرون: إنه شَهِدَ النبيَّ ﷺ فرَّق بينَ المتلاعِنْينِ، فقال الرجلُ: كذبتُ عليها يا رسولَ الله إن أمسكتُها، بعضهم لم يقل: «عليها» (١).
قال أبو داود: لم يُتابِع ابنَ عيينة أحدٌ على أنه فرَّق بين المتلاعنَين (٢).
٢٢٥٢ - حدَّثنا سليمانُ بن داود العتكعيُّ، حدَّثنا فُلَيحٌ، عن الزهريِّ عن سهل بنِ سعد، في هذا الحديث: وكانت حاملًا، فأنكر حملَها، فكان ابنُها يُدْعَى إليها، ثم جَرَتِ السُّنة في الميراثِ أن يَرِثَها وتَرِثَ منه ما فرض الله عز وجل لها (٣).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدِي، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٦٨٥٤) و(٧١٦٥) من طريق علي بن عبد الله، عن سفيان، بهذا الإسناد، ورواية البخاري في الموضع الثاني مختصرة بذكر حضور سهل الحادثة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٨٠٣).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٤٥).
(٢) قال المنذري في «مختصر سنن أبي داود» ٣/ ١٦٣: قال البيهقي: ويعني بذلك في حديث الزهري عن سهل بن سعد، لا ما رويناه عن الزبيدي، عن الزهري.
يريد أن ابن عيينة لم ينفرد بها وقد تابعه عليها الزبيدي. وذكر البيهقي بعد هذا حديث ابن عمر: فرق رسول الله ﷺ بين أخوي بني عجلان. والمراد من هذا أن الفرقة لم تقع بالطلاق، ومعنى التفريق تبِيينه ﷺ الحكم لإيقاع الفرقة بدليل قوله: قبل أن يأمره ﷺ بذلك.
(٣) حديث صحيح. فُليح -وهو ابن سليمان الخُزاعي، وإن كان فيه كلام- قد توبع.
وأخرجه البخاري (٤٧٤٦) عن سليمان بن داود العتكي الزهراني، بهذا الإسناد.=

٢٢٥٣ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن علقمة عن عبدِ الله، قال: إنا لَلَيلةَ جُمُعَةٍ في المسجدِ إذ دخل رجل مِن الأنصارِ المسجد، فقال: لو أنَّ رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، فتكلم به جلدتموه أو قتَل قتلتُموه، فإن سَكَتَ سَكَتَ على غيظٍ، واللهِ لأسألنَّ عنه رسولَ الله ﷺ، فلما كان مِن الغدِ أتى رسولَ الله ﷺ فسأله، فقال: لو أن رجلًا وجد معَ امرأتِه رجلًا فتكلَّم به جَلدتُموهُ، أو قَتَل قتلْتُموه، أو سكتَ سكتَ على غيظ، فقال: «اللهم افتح» وجعل يدعو فنزلت آية اللعان: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النور: ٦]، فابتلي به ذلك الرجلُ من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله ﷺ، فتلاعنَا: فشهد الرجلُ أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين، ثم لَعَنَ الخامسةَ عليه إن كان من الكاذبين، قال: فذهبت لِتَلْتعِن، فقال لها النبي ﷺ «مَه» فأبت، ففعلت، فلما أدبرا، قال: «لعلها أن تجيء به أسودَ جَعْدًا» فجاءت به أسودَ جَعدًا (١).


وأخرجه البخاري (٥٣٠٩) من طريق ابن جريج، ومسلم (١٤٩٢) (٢) من طريق يونس بن يزيد، كلاهما عن ابن شهاب، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٢٨٣).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٤٥).
(١) إسناده صحيح. جرير: هو ابن عبد الحميد الضبي، والأعمش: هو سليمان ابن مهران، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي، وعبد الله: هو ابن مسعود.=

٢٢٥٤ - حدَّثنا محمد بن بشار، حدَّثنا ابن أبي عَدي، أنبأنا هشام بن حسان، حدَثني عكرمةُ
عن ابن عباس: أن هلالَ بن أميةَ قذف امرأته عند النبي ﷺ بشريك ابن سَحماء، فقال النبي ﷺ: «البينةَ أو حَدٌّ في ظهرِك» فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجُلًا على امرأته يلتمس البيِّنةَ؟ فجعل النبي ﷺ يقول: «البينةَ وإلا فحَدٌّ في ظهرك» فقال هلالٌ: والذي بعثك بالحق إني لصادق، وليُنزِلنَّ الله في أمري ما يبرِّئ ظهري من الحد، فنزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ قرأ حتى بلغ ﴿لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦] فانصرف النبي ﷺ، فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلالُ بن أُميةَ فشهد والنبيُّ ﷺ يقول: «الله يعلم أن أحدَكما كاذبٌ، فهلِ منكما مِن تائِب؟» ثم قامتْ فشهِدتْ، فلما كان عند الخامسة ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٩]، وقالوا لها: إنها مُوجِبَةٌ، قال ابن عباس: فتلكَّأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع، فقالت: لا أفْضَحُ قومي سائرَ اليومِ، فَمَضَتْ، فقال النبي ﷺ: «أبْصِرُوهَا فإن جاءَت بهِ أكحَلَ العينينِ، سابغَ الأليتَين، خَدلَّج الساقَين، فهو لشريكِ


= وأخرجه مسلم (١٤٩٥)، وابن ماجه (٢٠٦٨) من طرق عن الأعمش، به.
وهو في»مسند أحمد«(٤٠٠١) و»صحيح ابن حبان«(٤٢٨١).
قال الخطابي في»معالم السنن «٣/ ٢٦٥: قوله:»اللهم افتح«معناه: اللهم احكم أو بيِّن الحُكم فيه، والفتاح: الحاكم، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: ٢٦] وفي قوله:»لعلهما أن تجىء به أسودَ جَعدًا": دليل على أن المرأة كانت حاملًا وأن اللعان وقع على الحمل. وممن رأى اللعان على نفى الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح.

ابن سَحْماء» فجاءت به كذلك، فقال النبي ﷺ: «لولا ما مضى من كِتابِ اللهِ لكان لي ولها شأن» (١).
قال أبو داود: وهذا مما تفرد به أهل المدينة، حديث ابن بشار حديث هلال.


(١) إسناده صحيح. ابن أبي عدي: هو محمد بن ابراهيم.
وأخرجه البخارى (٢٦٧١) و(٤٧٤٧) و(٥٣٠٧) مختصرًا، وابن ماجه (٢٠٦٧)، والترمذى (٣٤٥٣) عن محمد بن بشار، بهذا الإسناد.
وانظر ما سيأتي برقم (٢٢٥٦).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن الزوج إذا قذف امرأته برجل بعينه، ثم تلاعنا، فإن اللعان يسقط عنه الحد، فيصير في التقدير ذكره المقذوف به تبعًا لا يعتبر حكمه، وذلك لأنه ﷺ قال لهلال بن أمية: «البينة أو حدٌ في ظهرك» فلما تلاعنا لم يعرض لهلال بالحد، ولا روي في شي من الأخبار أن شريكًا بن سحماء عفا عنه، فعلم أن الحد الذي كان يلزمه بالقذف سقط عنه باللعان، وذلك لأنه مضطر إلى ذكر من يقذفها به، لإزالة الضرر عن نفسه، فلم يجعل أمره على القصد له بالقذف وإدخال الضرر عليه.
وقال الشافعي: إنما يسقط الحد إذا ذكر الرجل، وسماه في اللعان، فإن لم يفعل ذلك حُدَّ له. وقال أبو حنيفة: الحد لازم له، وللرجل مطالبته به، وقال مالك: يحد للرجل ويلاعن للزوجة.
وفي قوله: «البينة وإلا حد في ظهرك» دليل على أنه إذ قذف زوجته، ثم لم يأت بالبينة، ولم يلاعن كان عليه الحد (أي: حد القذف) وقال أبو حنيفة: إذا لم يلتعن الزوج فلا شيء عليه.
وفي قوله عند الخامسة: «إنها موجبة» دليل على أن اللعان لا يتم إلا باستيفاء عدد الخمس، وإليه ذهب الشافعى وقال أبو حيفة: إذا جاء بأكثر الحدد أناب عن الجميع - وقوله: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل من تائب» فيه دليل على أن البينتين إذا تعارضتا تهاترتا وسقطتا.
وفيه دليل على أن الإمام إنما عليه أن يحكم بالظاهر، وإن كانت هناك شبهة تعترض وأمور تدل على خلافه، ألا تراه يقول: «لولا ما مضي من كتاب الله، لكان لي ولها شأن».

٢٢٥٥ - حدَّثنا مخلدُ بنُ خالدٍ الشعيريُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن عاصم بنِ كُليب، عن أبيه
عن ابنِ عباس: أن النبي ﷺ أمر رجلًا حين أمر المتلاعنَين أن
يتلاعنا أن يضعَ يده على فيهِ عندَ الخامسة يقول: إنها مُوجِبة (١).
٢٢٥٦ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا عبَّادُ بنُ منصور، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباسٍ قال: جاء هلالُ بنُ أُميةَ -وهو أحد الثلاثة الذين تابَ الله عليهم- فجاء مِن أرضهِ عِشاءً فَوَجَدَ عند أهلِه رجلًا، فرأى بعينه وسَمعَ بأُذنَيه، فلم يُهِجْهُ حتى أصبَح، ثم غدا على رسولِ الله ﷺ، فقال: يا رسولَ الله، إني جئتُ أهلي عِشاءً فوجدتُ عندَهم رجلًا، فرأيت بعينيَّ وسمعتُ بأذنيَّ، فكره رسولُ الله ﷺ ما جاء به، واشتدَّ عليه، فنزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ [النور: ٦] الآيتين كِلتيهما، فسُرِّيَ عن رسولِ اللهِ ﷺ، فقال: «أبْشِرْ يا هلالُ، قد جعل الله عز وجل لك فرجًا ومخرجًا» قال هلال: قد كُنْتُ أرجُو ذلك مِن ربي، فقال رسولُ الله ﷺ: «أرسلوا إليها» فجاءت، فتلا عليهما رسولُ الله ﷺ، وذكَّرهما وأخبرهما أن عذابَ الآخِرَة أشدُّ مِن عذابِ الدنيا، فقال هِلال: واللهِ لقد صدقتُ عليها، فقالت: كَذَبَ، فقال رسولُ الله ﷺ: «لاعِنوا بينهما» فقيل لهلالٍ: اشهَدْ، فشهد


(١) إسناده قوي. كليب -وهو ابن شهاب- صدوق لا بأس به. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٣٦) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.

أربَع شهاداتٍ بالله: إنه لمن الصَّادقينَ، فلما كانتِ الخامِسَة قيلَ: يا هلالُ، اتقِ الله، فإن عذابَ الدنيا أهونُ مِن عذابِ الآخِرَةِ، وإن هذه المُوجبةُ التي توجبُ عليكَ العذابَ، فقال: واللهِ لا يُعَذبُنِي الله عليها كما لم يَجْلِدني عليها، فَشَهِدَ الخامسَة أن لعة الله عليه إن كانَ مِن الكاذبينَ، ثم قيل لها: اشْهَدِي، فَشَهِدتْ أربعَ شهاداتِ بالله إنه لمِنَ الكاذبينَ، فلما كانت الخامسة، قيل لها: اتقي اللهَ فإن عذابَ الدنيا أهونُ مِن عذابِ الآخرة، وإن هذه الموجبةُ التي تُوجِبُ عليكِ العذابَ، فتلكأت ساعةً، ثم قالت: والله لا أفْضَحُ قومي، فشهدتِ الخامِسَةَ أن غَضبَ اللهِ عليها إن كانَ مِنَ الصَادِقينَ، ففرَّق رسولُ الله ﷺ بينهما وقَضَى أن لا يُدعى ولدها لأبٍ، ولا تُرمى ولا يُرمى ولدها، ومَنْ رماها أو رَمَى ولدها فعليه الحَدُّ، وقضى أن لا بَيْتَ لها عليه، ولا قُوتَ مِن أجْلِ أنهما يتفرقانِ مِن غير طَلاق، ولا مُتوفَّى عنها، وقال: «إن جاءت بهِ أُصيْهِبَ أُرَيصِحَ أثُيبجَ حَمْشَ الساقيْن فهو لِهلال، وإن جاءت به أورْقَ جَعْدًا جُماليًا خدلَّج السَّاقيْنِ سابغَ الأليَتَيْنِ، فهو للذي رُمِيَت به» فجاءت به أورقَ جعدًا جُماليًا خَدَلّجَ الساقَينِ سابغَ الأليتين، فقال رسولُ الله ﷺ: «لولا الأيمانُ لكان لي ولها شأنٌ» قال عِكرمة: فكان بعد ذلك أميرًا على مِصر وما يُدْعَى لأب (١).


(١) حديث صحيح، عبّاد بن منصور -وإن كان فيه ضعف من جهة حفظه- قد تابعه هشام بن حسان فيما سلف برقم (٢٢٥٤)، وقد صرح بالسماع عند الطيالسي والطبري والبيهقي، ولقضاء النبي ﷺ فيها بأن لا يُنسب ولدها لهلال، وإنما ينسب إليها شاهد من حديث سهل بن سعد السالف برقم (٢٢٤٧) و(٢٢٤٩)، وهو في «الصحيحين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه الطيالسي (٢٦٦٧)، وأبو يعلى (٢٧٤٠) و(٢٧٤١)، والطبري في «تفسيره» ١٨/ ٨٢ - ٨٣، والبيهقي ٧/ ٣٤٩ من طرق عن عباد بن منصور، بهذا الإسناد.
وأخرج عبد الرزاق (١٢٤٥١)، وأحمد (٣١٠٦) و(٣٣٦٠) من طريق القاسم بن محمد، عن ابن عباس: أن رجلًا أتى النبي ﷺ، فقال: ما لي عهد بأهلي مذ عفار النخل، قال: فوجدتُ رجلًا مع امرأتي، قال: وكان زوجها مصفرًا، حمشًا، سبط الشعر، والذي رميت به خدْلٌ إلى السواد جَعد قطط، فقال رسول الله ﷺ: «اللهم بيِّن» ثم لاعن بينهما، فجاءت برجل يشبه الذي رميت به. وإسناده صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٣١).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٥٤).
وفي الباب عن أنس بن مالك عند مسلم (١٤٩٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٣٣) و(٥٦٣٤).
قوله: «فَسُرِّيَ عن رسول الله» بالبناء للمجهول، أي: كُشِفَ الوحي أو ذهب عنه ما كان قد ألَمَّ به من الشدة والكراهية بما جاء به.
أُصَيْهب: تصغير الأصْهب، وهو من الرجال الأشقر، ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة. أُرَيصِح: تصغير الأرْصَح: وهو خفيف الأليتين، أبدلت السين منه صادًا، وقد يكون تصغير الأرْسَع أبدلت عينه حاءً.
أثيبِج: تصغير الأثبَج: وهو الناتىء الثَبَج وهو ما بين الكاهل ووسط الظهر، قاله السيوطي.
حَمش الساقين: دقيق الساقين.
الأورق: هو الأسمر.
جعدًا: الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه.
جُمَاليًّا: الضخم الأعضاء التام الأوصال كأنه الجَمَل.
خَدلَّج الساقين، أي: ممتلئ الساقين وعظيمهما.
سابغ الأليتين، أي: تامَّهما وعظيمهما.
وقوله: «لولا الأيمان» أي: الشهادات، واستدل به من قال: إن اللعان يمين، وإليه ذهب الشافعي والجمهور، وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول: أنه شهادة.

٢٢٥٧ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا سفيانُ بنُ عُيينةَ، قال: سَمعَ عمرٌو سعيدَ بنَ جبير يقول:
سمعت ابن عمر يقول: قال رسولُ الله ﷺ للمُتَلاعِنَيْنِ: «حِسَابُكما على الله، أحدُكما كاذِبٌ، لا سبيلَ لك عليها» قال: يا رسولَ الله مالي، قال: «لا مَالَ لك، إن كنتَ صدقتَ عليها، فهو بما استحللتَ مِنْ فرْجِها، وإن كُنْتَ كذبتَ عليها فذلك أبعدُ لك» (١).
٢٢٥٨ - حدَّثنا أحمدُ بن محمد بنِ حَنبلٍ، حدَّثنا إسماعيلُ، حدَّثنا أيوبُ، عن سعيد بنِ جُبير، قال:
قلت: لابنِ عُمَرَ: رجلٌ قذف امرأتَه، قال: فرَّق رسولُ الله ﷺ بين أخوَيْ بني العجلان، وقال: «اللهُ يَعْلَمُ أن أحدَكما كاذِبٌ، فهل منكما تائب؟» يُردِّدُها ثلاثَ مرات، فأبيا، ففرَّق بينهما (٢).


(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٥٣١٢) و(٥٣٥٠)، ومسلم (١٤٩٣)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٤٠) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٨٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٧). وانظر تالييه.
(٢) إسناده صحيح. إسماعيل: هو ابن إبراهيم، المعروف بابن علية، وأيوب: هو ابنُ أبي تَمِيمةَ السَّختِياني.
وأخرجه البخاري (٥٣١١) و(٥٣١٢) و(٥٣٤٩) ومسلم (١٤٩٣)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٣٩) من طريق أيوب السختياني، به.
وأخرجه مختصرًا مسلم (١٤٩٣)، والنسائي (٥٦٣٨) من طريق عَزْرة بن عبدالرحمن، عن سعيد بن جبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٧٧).
وانظر ما قبله وما بعده.

٢٢٥٩ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن نافعٍ
عن ابنِ عمر: أن رجلًا لاعن امرأته في زمانِ رسولِ الله ﷺ، وانتفى
من ولَدِهَا، ففرَّقَ رسولُ الله ﷺ بينهما، وألحق الولَدَ بالمرأة (١).
قال أبو داود: الذي تفرَّد بِهِ مالك قوله: وألحق الولدَ بالمرأةِ (٢).


(١) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٦٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣١٥) و(٦٧٤٨)، ومسلم (١٤٩٤)، وابن ماجه (٢٠٦٩)، والترمذي (١٢٤٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٤١). وفي مطبوع «الموطأ»: وانتقل بدل وانتفى، قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤٦٠: ذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك ذكره بلفظ: وانتقل، يعني: بقاف بدل الفاء، ولام آخره، وكأنه تصحيف، وإن كان محفوظًا، فمعناه قريب من الأول.
وأخرجه بنحوه البخاري (٤٧٤٨) و(٥٣٠٦) و(٥٣١٣) و(٥٣١٤)، ومسلم (١٤٩٤) من طريقين عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٢٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٨). وانظر سابقيه.
وقال الخطابي: يحتج به من لا يرى البينونة تقع بين المتلاعنين إلا بتفريق الحاكم، وذلك لإضافة التفريق بينهما إلى رسول الله ﷺ، وقد استشهدوا في ذلك أيضًا بالفسوخ التي يحتاج فيها إلى حضرة الحكام، فإنها لا تقع إلا بهم.
وذهب الشافعي إلى أن التفريق بينهما واقع بنفس اللعان أو بنفس اللعن إلا أنه لما جرى التلاعن بحضرة رسول الله ﷺ أضيف التفريق ونسب إلى فعله، كما تقوم البينة إما بالشهادة أو بإقرار المدعى عليه، فيثبت الحق بهما عليه، ثم يضاف الأمر في ذلك إلى قضاء القاضي.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وهي في النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي. وزاد بعدها في «عون المعبود» ٦/ ٣٤٩ ما نصه: وقال يونس، عن الزهري، عن سهل بن سعد، في حديث اللعان: وأنكر حملها، فكان ابنُها يدعى إليها.

٢٨ - باب إذا شكَّ في الولد
٢٢٦٠ - حدَّثنا ابنُ أبي خلفٍ، حدَّثنا سفيانُ، عن الزهري، عن سعيدٍ عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ من بني فزَارَةَ فقال: إن امرأتي جاءت بولدٍ أسودَ، فقال: «هل لك مِن إبل؟» قال: نعم، قال: «ما ألوانُها؟» قال: حُمْرٌ، قال: «فهل فيها من أوْرقَ؟» قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: «فأنى تُراه؟» قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ، قال: «وهذا عسى أن يكونَ نزعَه عِرْقٌ» (١).


(١) إسناده صحيح. ابن أبي خلف: هو محمد بن أحمد القطيعي، وسفيان: هو ابن عيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وسعيد: هو ابن المسيب.
وأخرجه البخاري (٥٣٠٥) و(٦٨٤٧)، ومسلم (١٥٠٠)، وابن ماجه (٢٠٠٢)، والترمذي (٢٢٦١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٤٢) و(٥٦٤٤) من طرق عن ابن شهاب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٦٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٠٦) و(٤١٠٧).
وانظر تالييه.
والأورق: الذي فيه سواد ليس بصافٍ، والوُرقَة: سوادٌ في غُبرة.
قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤٤٤: في هذا الحديث ضرب المثل، وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبًا لفهم السائل، واستدل به لصحة العمل بالقياس. قال الخطابي: هو أصل في قياس الشبه. وقال ابن العربي: فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير ... وأن التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حَدَّ فيه، وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة والمشاتمة.
قال السندي: وقوله: «عسى أن يكون نَزعَه عِرق» أي: عسى ذاك السواد نزعة عرقٍ، أي: أثرها، يقال: نزَع إليه في الشبه، إذا أشبهه، وقال النووي: المراد بالعرق: الأصل من النسب، تشبيهًا بعرق الثمرة، ومنه قولهم فلان مُعرِقٌ في النسبِ والحسب وفي اللؤم والكرم ومعنى «نزعه»: أشبهه واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه.

٢٢٦١ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزهري، بإسناده ومعناه، قال:
وهو حينئذ يُعرِّضُ بأن ينفيَه (١).
٢٢٦٢ - حدثتا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرة: أن أعرابيًا أتى النبيَّ ﷺ فقال: إن امرأتي وَلَدَتْ غلامًا أسودَ وإني أُنكره، فذكر معناه٢).

٢٩ - باب التغليظ في الانتفاء
٢٢٦٣ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا ابنُ وهبِ، أخبرنى عمرو -يعني ابنَ الحارث- عن ابنِ الهاد، عن عبدِ الله بن يونس، عن سعيدِ المَقبُرِي عن أبي هريرة: أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول حين نزلت آيةُ المُلاعنة: «أيما امرأة أدخلَتْ على قوم مَنْ ليس منهم، فليستْ مِن الله في شيء،


(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد وهو عند عبد الرزاق في»مصنفه«(١٢٣٧١)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٥٠٠).
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٥٦٤٣) من طريق يزيد بن زريع، عن معمر، به.
وهو في»مسند أحمد«(٧١٨٩) و(٧٧٦٠).
وانظر ما قبله وما بعده.
(٢) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، وأبوسلمة: هو عبد الله بن عبد الرحمن.
وأخرجه البخاري (٧٣١٤)، ومسلم (١٥٥٠) من طرق عن ابن وهب، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي في»الكبرى" (٥٦٤٣) من طريق معمر، عن الزهري، به. وانظر سابقيه.

ولن يُدْخلَها اللهُ جنتَه، وأيُّما رَجُلٍ جَحَدَ ولَدَه وهو ينظُرُ إليه احتجبَ
اللهُ تعالى منه، وفضَحَهُ على رُؤُوسِ الأولين والآخِرِين» (١).

٣٠ - باب في ادعاء ولد الزِّنَى
٢٢٦٤ - حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا مُعْتَمِرٌ، عن سَلم -يعني ابنَ أبي الذَّيَّال- حدثني بعضُ أصحابنا، عن سعيدِ بنِ جُبير
عن ابن عباس أنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا مُسَاعاة في الإسلام، مَن سَاعى في الجاهلية، فقد لحق بعصَبَته، ومن ادّعى ولدًا من غيرِ رِشْدَةٍ فلا يَرِثُ ولا يُوَرثُ» (٢).


(١) إسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الله بن يونس. ابن وهب: هو عبد الله، وابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله الليثي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٤٥) من طريق الليث بن سعد، عن ابن الهاد، بهذا الإسناد. وهو في «صحيح ابن حبان» (٤١٠٨).
وأخرجه ابن ماجه (٢٧٤٣) من طريق موسى بن عبيدة، عن يحيى بن حرب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عُبيدة، وجهالة يحيى بن حرب.
(٢) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام راويه عن سعيد بن جبير. معتمر: هو ابن سليمان التيمي.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٦/ ٢٥٩ - ٢٦٠ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٤١٦).
وللحديث شاهد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو عند المصنف بعد هذا الحديث.
قال الخطابي: المساعاة: الزنى، وكان الأصمعي يجعل المساعاة في الإماء دون الحرائر، وذلك لأنهن يسعين لمواليهن، فيكتسبن لهم بضرائب كانت عليهن، فأبطل ﷺ المساعاة في الإسلام، ولم يُلحق النسب لها، وعفا عما كان منها في الجاهلية، وألحق النسبَ به.

٢٢٦٥ - حدَّثنا شيبانُ بن فرّوخٍ، حدَّثنا محمدُ بنُ راشدٍ (ح) وحدثنا الحسنُ بنُ علي، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارون، أخبرنا محمد بنُ راشد -وهو أشبعُ- عن سليمان بنِ موسى، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه
عن جده، قال: إن النبي ﷺ قضَىَ أن كُلَّ مُستَلْحَقٍ استُلْحِقَ بعدَ أبيه الذي يُدعى له ادّعاه ورثتُه، فقضى أن كُلَّ مَنْ كان مِن أمَةٍ يملِكُها يومَ أصابَها، فقد لَحِقَ بمن استلحقَه، وليس له مما قسم قبلَه مِن الميراث [شيء] وما أدْرَكَ مِن ميراثٍ لم يُقْسَم، فله نصيبُه، ولا يُلْحَقُ إذا كان أبوه الذي يُدعى له أنكره، وإن كان مِنْ أمةٍ لم يَمْلِكْها أو مَن حُرَّةٍ عَاهَرَ بها، فإنه لا يلحقُ ولا يَرِثُ، وإن كان الذي يُدعى له هو ادعاه، فهو وَلَدُ زنْيَةٍ من حُرّة كان أو أمةٍ (١).


= وقال ابن الأثير في «النهاية» ١/ ٣٦٩ نحو ذلك، وزاد: يقال: ساعت الأمة: إذا فجرت، وساعاها فلان: إذا فجر بها، وهي مفاعلة من السعي، كأن كل واحد منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه.
وقوله: «من غير رِشدة»: قال الخطابي ٣/ ٢٧٣، وابن الأثير ١/ ٢٢٥: يقال هذا ولد رشْدة: إذا كان لنكاح صحيح، كما يقال في ضده ولد زِنية، بكسر الراء والزاي وفتحهما، لغتان.
(١) إسناده حسن. محمد بن راشد: وهو المكحولي الخزاعي، وسليمان بن موسى: هو الأشدق.
وأخرجه مختصرًا ابن ماجه (٢٧٤٥) من طريق المثنى بن الصباح، والترمذي (٢٢٤٦) من طريق ابن لهيعة، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به. وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن ولد الزنى لا يرث من أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٩٩) و(٧٠٤٢).
وانظر ما بعده.=

٢٢٦٦ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد، حدَّثنا أبي عن محمد بنِ راشد، بإسناده ومعناه، زاد: وهو وَلَدُ زِنى لأهل أُمِّه مَنْ كانوا حرّةً أو أمَةً، وذلك فيما استُلْحِقَ في أولِ الإسلامِ، فما اقتُسِمَ مِن مال قبل الإسلامِ فقد مَضَى (١).

٣١ - باب في القافَةِ
٢٢٦٧ - حدَّثنا مُسَدد وعثمانُ بنُ أبي شيبة -المعنى- وابنُ السرْح، قالوا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، عن عُروة


= وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب عند بحشل في «تاريخ واسط» ص ١٦٤، وابن حبان في «صحيحه» (٥٩٩٦)، والطبراني في «الكبير» ٢٥/ (٥٩)، وإسناده عند ابن حبان حسن.
وآخر ضعيف من حديث ابن عباس سلف قبله.
قوله: «مستلحَق»، قال السندي: بفتح الحاء: الذي طلب الورثةُ إلحاقه بهم. قوله: «استُلحق» على بناء المفعول، والجملة كالصفة الكاشفة، لمستَلحَق. قوله: «بعد أبيه»، أي: بعد موت أبيه، وإضافة الأب إليه باعتبار الادعاء والاستلحاق.
قوله: «فقد لَحِقَ بمَنِ اسْتَلْحَقَهُ»، أي: فقد لحق بالوارث الذي ادعاه.
قوله: «عاهر بها»، أي: زنى.
قوله: «لا يلحق به»: على بناء الفاعل من اللحوق، أو بناء المفعول من الإلحاق، والأول أظهر.
(١) إسناده حسن. خالد: هو ابن يزيد السُّلَمي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧٤٦) من طريق محمد بن بكَّار الدمشقي، عن محمد بن راشد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسولُ الله ﷺ قال: مُسدَّدٌ وابنُ السرح: - يومًا مسرورًا، وقال عثمان: تُعرَفُ أساريُر وجهه، فقال: «أي عائشة ألم تري أن مُجزِّرًا المُدْلِجيَّ رأى زيدًا وأُسَامَةَ قد غطَّيا رؤوسهما بقَطيفة، وبدت أقدامُهما، فقال: إن هذه لأقْدامٌ بعضُها مِن بَعْضٍ» (١).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وابن السرح: هو أحمد ابن عمرو الأموي، وسفيان: هو ابن عيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وعروة: هو ابن الزبير.
وأخرجه البخاري (٦٧٧١)، ومسلم (١٤٥٩)، وابن ماجه (٢٣٤٩)، والترمذي (٢٢٦٣)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٥٨) و(٥٩٩٢) من طرق عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مختصرًا البخاري (٣٧٣١)، ومسلم (١٤٥٩) من طريق إبراهيم بن سعد، والبخاري (٣٥٥٥) من طريق ابن جريج، كلاهما عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٩٩)، و«صحيح ابن حبان» (٧٠٥٧).
وانظر ما بعده.
قال في «النهاية»: القائف: الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شَبَه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة، يقال: فلان يقوف الأثر ويقتافه قِيافة، مثل: قفا الأثر واقتفاف.
والأسارير: هي الخطوط التي في الجبهة، واحدها: سر وسرر، وجمعه أسرار وجمع الجمع أسارير.
قال المازري فيما نقله عنه النووي في «شرح مسلم»: وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض، فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون، وكانت الجاهلية تعتمد قول القائف، فرح النبي ﷺ لكونه زاجرًا لهم عن الطعن في النسب.
قال النووي: واختلف العلماء في العمل بقول القائف، فنفاه أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإسحاق، وأثبته الشافعي وجماهير العلماء، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه عن الحرائر، وفي رواية عنه إثباته فيهما.

قال أبو داود: كان أُسامةُ أسودَ: وكان زيدٌ أبيضَ.
٢٢٦٨ - حدثثا قتيبةُ، حدَّثنا الليثُ، عن ابنِ شهابٍ، بإسناده ومعناه، قال: قالت: دَخَلَ علي مَسْرُورًا تَبْرُقُ أساريرُ وَجْهِهِ (١).
قال أبو داود: أساريرُ وجهه، لم يحفظه ابنُ عُيينة.
قال أبو داود: أساريرُ وجهه: هو تدليسٌ مِن ابنِ عيينة، لم يَسْمَعْهُ مِن الزهري، إنما سَمعَ الأسارير مِن غير الزهري، والأساريرُ في حديث الليث وغيرِه.
قال أبو داود: سمعتُ أحمد بنَ صالحٍ يقول: كان أُسامةُ أسودَ شديدَ السواد مِثْلَ القَارِ، وكان زيدٌ أبيضَ منَ القطن.

٣٢ - باب من قال بالقُرعَة إذا تنازعوا في الولد
٢٢٦٩ - حدَّثنا مُسَدد، حدَّثنا يحيي، عن الأجلحِ، عن الشعبيِّ، عن عبدِ الله ابنِ الخليل عن زيدِ بنِ أرقم، قال: كنت جالسًا عندَ النبي ﷺ، فجاءَ رجلٌ مِن اليمن، فقال: إن ثلاثةَ نَفَرٍ مِن أهل اليمن أتوا عليًا يختصِمُون إليه في ولدٍ، وقد وقعوا على امرأةٍ في طُهْرٍ واحِدٍ، فقال لاثنينِ منهما:


(١) إسناده صحيح. قتيبة: هو ابن سعيد الثقفي، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٦٧٧٠)، ومسلم (١٤٥٩)، والترمذي (٢٢٦٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٥٧) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٢٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٠٢). وانظر ما قبله.

طيبا بالولَدِ لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طِيبا بالولدِ لهذا، فَغَلَيا، ثم قال لاثنين: طِيَبا بالولدِ لهذا، فغليا، فقال: أنتم شُركاءُ متشاكِسُون، إني مُقْرعٌ بينكم فمن قَرَعَ فله الوَلَدُ، وعليه لِصاحبيه ثلثا الديةِ، فأقرع بينهم، فجعله لمن قَرَعَ، فَضَحِكَ رسولُ الله ﷺ حتى بدَت أَضْراسُه أو نَوَاجِذُه (١).


(١) إسناده ضعيف لاضطرابه، وقد بسطنا القول فيه في «مسند أحمد» (١٩٣٢٩) فارجع إليه. والأجلح -وهو ابن عبد الله الكندي- ضعيف. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، والشعبي: هو عامر بن شراحيل، وعبد الله ابن الخليل: هو الحضرمي- ويقال: عبد الله بن أبي الخليل، والأول أظهر كما رجحه ابن حجر في «التقريب»- وكنيتُه أبو الخَليل.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٥٤) من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد. وقال: هذه الأحاديث كلها مضطربة الأسانيد.
وأخرجه النسائي (٥٦٥٣) و(٥٩٩٥) من طريق علي بن مسُهِر، عن الأجلح، به.
وأخرجه النسائي (٥٦٥٥) و(٥٩٩٤) من طريق سليمان الشيباني، عن الشعبي، عن رجل من حضرموت، عن زيد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٤٢) و(١٩٣٤٤).
وسيأتي بعده من طريق صالح الهَمداني، عن الشعبي عن عبد خير، عن زيد، وبرقم (٢٢٧١) من طريق سلمة بن كُهيل، عن الشعبي عن الخليل أو ابن الخَليل، عن زيد.
قال النسائي في «الكبرى» بإثر الحديث (٥٦٥٦): وسلمة بنُ كُهَيل أثبتهم، وحديثه أولى بالصواب، والله أعلم. قلنا: وروايته مرسلة، فيكون النسائي قد صوب الرواية المرسلة.
وقال العقيلي: الحديث مضطرب الإسناد، متقارب في الضعف.
وقال أبو حاتم كما في «العلل» لابنه ١/ ٤٠٢: قد اختلفوا في هذا الحديث فاضطربوا، والصحيح حديث سلمة بن كهيل.=

٢٢٧٠ - حدَّثنا خُشيشُ بنُ أصرمَ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا الثوريُّ، عن صالح الهمدَانيِّ، عن الشعبيِّ، عن عبدِ خيرٍ
عن زيد بن أرقم، قال: أُتِيَ عَليٌّ بثلاثة وهو باليمن وقَعُوا على امرأةٍ في طُهرٍ واحدٍ، فسأل اثنين: أتُقِرَّان لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعًا، فَجَعَلَ كلما سأل اثنين، قالا: لا، فأقرع بينهم، فألحق الولد بالذي صارتْ عليه القرعةُ، وجَعَلَ عليه ثلثي الدية، قال: فذُكِرَ ذلك للنبى ﷺ، فَضَحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجِذُه (١).


قلنا: يعني أصح ما روي في هذا الباب، كما قال البيهقي. وروايته مرسلة كما ذكرنا.
وستأتي رواية سلمة بن كهيل برقم (٢٢٧١).
قال الخطابي: فيه دليل على أن الولد لا يلحق بأكثر من أب واحد، وفيه إثبات القرعة لأمر الولد وإحقاق القارع، وللقرعة مراضع غير هذا في العتق وتساوي البينتين في الشيء يتداعاه اثنان فصاعدًا، وفي الخروج بالنساء في الأسفار، وفي قسم المواريث وإفراز الحصص بها، وقد قال بجميع وجوهها نفر من العلماء، ومنهم من قال بها في بعض هذه المواضع ولم يقل بها في بعض.
وممن ذهب إلى ظاهره إسحاق بن راهويه، وقال: هو سنة في دعوى الولد، وقال به الشافعي قديمًا، وقيل لأحمد في حديث زيدٍ هذا فقال: حديث القافة أحب لدي، وقد تكلم بعضهم في إسناده.
وقوله: فغليا، أي: صاحا وتخاصما ورفضا.
وقوله: متشاكسون، أي: مختلفون متنازعون.
(١) رجاله ثقات، إلا أن فيه اضطرابًا كما بيناه في «مسند أحمد» (١٩٣٢٩).
عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعانى، والثوري: هو سفيان بن سعيد، وصالح الهمداني: هو صالح بن صالح بن حي، وعبد بن خير: هو ابن يزيد الحضرمي.
وهو عند عبد الرزاق في «الموطأ» (١٣٤٧٢)، ومن طريقه أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٥٢) و(٥٩٩٣).

٢٢٧١ - حدَّثنا عُبيد الله بنُ معاذٍ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا شُعبةُ، عن سَلَمَةَ، سمع الشعبيَّ، عن الخليلِ، أو ابنِ الخليل، قال: أُتيَ علي بنُ أبي طالبِ في امرأةٍ وَلَدَتْ مِن ثلاثةٍ، نحوَه، ولم يَذْكُرِ اليَمَنَ، ولا النبي ﷺ ولا قوله: طِيبا بالولد (١).

٣٣ - باب في وجوه النكاح التي كان يتناكَحُ بها أهلُ الجاهلية
٢٢٧٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا عنبسةُ بنُ خالدٍ، حدثني يونسُ بنُ يزيد، قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب: أخبرني عروةُ بن الزبير
أن عائشة رضي الله عنها زوجَ النبيَّ ﷺ أخبرته: أن النّكاحَ كان في الجاهليةِ على أربعةِ أنحاء: فَنِكَاحٌ منها نِكَاحُ النَّاسِ اليوم، يخطبُ الرجلُ إلى الرجل وليَّته، فَيُصْدِقُها ثم يَنْكِحُها، ونكاح آخر: كان الرَّجُلُ يقول لامرأتِه إذا طَهُرَت مِن طمثْها: أرسلي إلى فلانٍ فاستبضعي منه، ويعتزِلُها زوجُها، ولا يَمسُّها أبدًا حتى يتبينَ حَمْلُهَا


= وقال المنذري: فأما حديث عبد خير، فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسالُ.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٢٩).
وانظر ما قبله.
(١) رجاله ثقات، لكنه مرسل. الخليل أو ابن الخليل -وهو عبد الله الحضرمي- حسن الحديث، وقد أرسله كما ترى. شعبة: هو ابن الحجاج، وسلمة: هو ابن كُهَيل، والشعبي: هو عامر بن شَراحيل.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٥٦) من طريق غندر، عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال: لم يذكر زيد بن أرقم، ولم يرفعه، وسلمة بن كهيل أثبتهم، وحديثه أولى بالصواب. قلنا: هذا مصير من النسائي إلى ترجيح الرواية المرسلة على الرواية الموصولة لهذا الحديث.
وانظر سابقيه.

مِن ذلك الرجل الذي تستبضِعُ منه، فإذا تبين حَمْلُهَا أصابَها زوجها إن أحبَّ، وإنما يَفْعل ذلك رغبةً في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يُسمى نِكاحَ الاستبضَاع.
ونكاح آخر، يجتمعُ الرَّهط دونَ العشرةِ، فيدخلون على المرأةِ كلُّهم يُصيبها، فإذا حَمَلتْ ووضَعَتْ ومرَّ ليالٍ بعد أن تضعِ حملَها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجُل منهم أن يمتنِعَ، حتى يجتمعوا عندها، فتقولُ لهم: قد عرفتُم الذي كان مِن أمركم، وقد ولَدْتُ وهو ابنُك يا فلان، فتُسمي مَنْ أحبَّتْ منهم باسمه، فيَلْحَقُ به ولدها.
ونكاح رابع: يجتمعُ الناسُ الكثير، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءَها وهُنَّ البغايا، كنَّ يَنْصِبْنَ على أبوابهن راياتٍ تكونُ عَلَمًا لمن أرادهن دخلَ عليهن، فإذا حَمَلَت، فوضَعَتْ حَملَها جُمِعوا لها، ودعوا لهم القَافَةَ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يَروْن، فالتاطه، ودُعي ابنه، لا يمتنعُ من ذلك، فلما بعثَ الله محمدًا ﷺ هَدَمَ نكاحَ أهلِ الجاهلية كله، إلا نكاحَ أهلِ الإسلامِ اليومَ (١).


(١) صحيح. عَنبسة بن خالد -وإن كان فيه كلام- قد تابعه ابن وهب عند البخاري.
وأخرجه البخارى (٥١٢٧) من طريق أحمد بن صالح، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري أيضًا (٥١٢٧) -تعيقًا بصيغة الجزم- من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد، به.
الطمث: دم الحيض.
وقولها: التاطَهُ، معناه: استلحقهُ، وأصل اللوط الإلصاقُ، والرهط، بفتح الراء وسكون الهاء: الجماعة من ثلاثة إلى عشرة، وفي القرآن الكريم: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ [النمل: ٤٨].

٣٤ - باب «الولد لِلفراش»
٢٢٧٣ - حدَّثنا سعيدُ بنُ منصورٍ ومُسَدَد، قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، عن عُروة عن عائشةَ: اختصم سعدُ بنُ أبي وقاص وعبدُ بن زمعة إلى رسولِ الله ﷺ، في ابنِ أمة زَمْعَةَ، فقال سعدٌ: أوصاني أخي عُتبة إذا قَدِمْتُ مكَّة أن أنظُرَ إلى ابنِ أمَةِ زَمعَة فأقبضَه، فإنه ابنه، وقال عبد ابن زمعة: أخي، ابن أمَة أبي، وُلِدَ على فراش أبي، فرأى رسولُ الله ﷺ شبَهًا بيّناَ بُعتبةَ، فقال: «الولَدُ لِلفَراشِ واحتجبي منه يا سَوْدَةُ» (١).


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسَدي، وسفيان: هو ابن عيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وعروة: هو ابن الزبير.
وأخرجه البخاري (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧)، وابن ماجه (٢٠٠٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٤٨) و(٥٦٥١) من طرق عن الزهري، بهذا الإسناد. وبعضهم دون قوله: «وللعاهر الحجر».
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٨٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٠٥).
قال الإمام الخطابي: قد ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا يقتنون الولائد، ويضربون عليهم الضرائب، فيكتسبن بالفجور، وكان من سيرتهم إلحاق النسب بالزناة إذا ادعوا الولد كهو في النكاح، وكانت لزمعة أمة كان يُلمُّ بها، وكانت له عليها ضريبة، فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة بن أبي وقاص، وهلك عتبة كافرًا لم يسلم، فعهد إلى أخيه سعد أن يستلحق الحمل الذي بان في أمة زمعة، وكان لزمعة ابن يقال له: عبد، فخاصم سعد عبد ابن زمعة في الغلام الذي ولدته الأمة، فقال سعد: هو ابن أخي على ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وقال عبد ابن زمعة: بل هو أخي ولدَ على فراش أبي على ما استقر حكم الإسلام، فقضى به رسول الله ﷺ لعبد ابن زمعة، وأبطل دعوى الجاهلية.
قال ابن القيم: وأما أمره سودة وهي أخته بالاحتجاب منه، فهذا يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب، فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره، ولا يكون=

زاد مُسدَّد في حَديثِه وقال: «هو أخوكَ يا عبدُ».
٢٢٧٤ - حدَّثنا زهيرُ بنُ حرب، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا حسينٌ المعلمُ، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أَبيه
عن جدِّه، قال: قام رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إن فلانًا ابني عاهَرْتُ بأُمِّه في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: «لا دِعوةَ في الإسلامِ، ذهب أمرُ الجاهليةِ، الولدُ لِلفراش وللعاهِرِ الحجَرُ» (١).
٢٢٧٥ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا مهديُّ بنُ ميمون أبو يحيى، حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بنِ سعد مولى الحسن بنِ علي بن أبي طالب


= أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها، لمعارضة الشبه للفراش، فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة، وهذا باب دقيق من العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره، المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره، ومن نبا فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه، فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية، وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني، فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور، وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية.
(١) مرفوعه صحيح، وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في «فتح الباري» ١٢/ ٣٤.
وأخرجه تامًا ومطولًا أحمد (٦٦٨١) و(٦٩٣٣)، وابن عبد البر في «التمهيد» ٨/ ١٨٢ من طريق حسين المعلّم، بهذا الإسناد.
وأخرجه مختصرًا أحمد (٦٩٧١) من طريق عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، به وانظر تتمة شواهده في «المسند».
الدِّعوة، بكسر الدال: ادعاء الولد، وقوله: للفراش، أي: لصاحب الفراش، ومعنى الحجر هنا: الحِرمان والخيبة. قاله الخطابي.

عن رباح قال: زوَّجني أهلي أمةً لهم روميةً، فوقعتُ عليها، فولدت غلامًا أسود مثلي، فسميتُه عبدَ الله، ثم وقعتُ عليها فولَدَتْ غلامًا أسودَ مثلي، فسميته عُبيدَ الله، ثم طَبِنَ لها غلامٌ لأهلي روميٌّ، يقال له: يوحنّه، فراطَنَها بلسانه، فولدت غلامًا كأنه وزَغَة من الوزَغَات، فقلتُ لها: ما هذا؟ قالت: هذا ليوحنه، فَرُفِعْنا إلى عثمان، أحسبُه قال: -مَهْدِيٌّ قال- فسألهما، فاعتَرفَا، فقال لهما: أترضَيانِ أن أقضيَ بينكما بقضاءِ رسولِ الله ﷺ؟ إن رسولَ الله ﷺ قضى أن الولدَ لِلفراش، وأحسبه قال: فجلدها وجَلَدُه وكانا مملوكين (١).


(١) إسناده ضعيف لجهالة رباح.
وأخرجه تامًا ومختصرًا ابن أبي شيبة ٤/ ٤١٥ و١٠/ ١٦٠، وأحمد في «مسنده» (٤١٦) و(٤١٧) و(٥٠٢)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٠٤، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤٠٢ - ٤٠٣ من طرق، عن مهدي بن ميمون، بهذا الإسناد.
وأخرجه البزار في «مسنده» (٤٠٨) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله، به.
وأخرجه الطيالسي في «مسنده» (٨٦)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤٠٣، وأخرجه أحمد (٤٦٧) من طريقين عن محمد بن عبد الله، به. دون ذكر الحسن بن سعد في الإسناد.
ولقوله: «الولد للفراش» شواهد صحيحةٌ سلف ذكرها.
وقوله: طَبِنَ لها، كضرب: أفسدها، ومن باب فَرِحَ، أي: فطن لها،، قال ابن الأثير: أصل الطبن الفطنة، يقال: طَبِنَ هذا طبانة فهو طبن، أي: هجم على باطنها وخبر أمرها وأنها ممن تواتيه على المراودة، هذا إذا روي بكسر الباء، وإن روي بالفتح، كان معناه خبَّبَها وأفسدها.

٣٥ - باب من أحقُّ بالولدِ
٢٢٧٦ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد السلميُّ، حدَّثنا الوليدُ، عن أبي عمرو - يعني الأوزاعي - حدثني عمرو بنُ شعيب، عن أبيه
عن جده عبدِ الله بنِ عمرو: أن امرأةً قالت: يا رسولَ الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثدي له سِقاءً، وحجري له حِواءً، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله ﷺ: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي» (١).
٢٢٧٧ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق وأبو عاصم، عن ابنِ جريج، أخبرني زياد، عن هلال بنِ أُسامة
أن أبا ميمونة سُلْمى مولىً مِن أهلِ المدينةِ رجلَ صدقٍ، قال: بينما أنا جالسٌ مع أبي هريرة إذ جاءته امرأةٌ فارسية، معها ابنٌ لها،


(١) إسناده حسن. الوليد -وهو ابن مسلم- صرح بالتحديث عند الحاكم.
وأخرجه الحاكم فىِ «المستدرك» ٢/ ٢٠٧، والبيهقي في «الكبرى» ٨/ ٤ - ٥ من طريق محمود بن خالد السُّلمي، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٥٩٧)، وأحمد في «مسنده» (٦٧٠٧)، والدارقطني في «سننه» (٣٨١٠) من طريق ابن جريج، وعبد الرزاق (١٢٥٩٦)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» كما في «نصب الراية» ٣/ ٢٦٥، والدارقطني (٣٨٠٨) و(٣٨٠٩) من طريق المثنى بن الصباح، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به.
قال الخطابي: ولم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج، فإذا تزوجت، فلا حق لها في حضانته، فإن كانت لها أم، فأمها تقوم مقامها، ثم الجدات من قبل الأم أحق به ما بقيت منهن واحدة.
وقال ابنُ القيم في «زاد المعاد» ٥/ ٤٣٤: هو حديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب، ولم يجدوا بدًا من الاحتجاج هنا به، ومدارُ الحديث عليه، وليس عن النبي ﷺ حديثه في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم.

فادَّعَياه، وقد طلّقها زوجُها، فقالت: يا أبا هريرة ورطنت له بالفارسية، زوجي يُريد أن يذهبَ بابني، فقال أبو هريرة: استهما عليه، ورَطَنَ لها بذلك، فجاء زوجُها، فقال: من يُحاقُّني في ولدي؟ فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقولُ هذا، إلا أني سمعتُ امرأةً جاءت إلى رسولِ الله ﷺ وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسولَ الله، إن زوجي يريدُ أن يذهبَ بابني، وقد سقاني مِن بئر أبي عِنَبة، وقد نفعني، فقال رسولُ الله ﷺ: «استَهِما عليه» فقال زوجُها: من يُحاقُّني في ولدي؟ فقال النبي ﷺ: «هذا أبوك، وهذه أُمُّك، فَخُذْ بيدِ أيهما شئتَ» فأخَذَ بيدِ أُمه، فانطلقتْ به (١).


(١) إسناده صحيح. الحسنُ بن عليّ: هو الحُلواني الخلاَّل، وابن جُريج- وهو عبد الملك بن عبد العزيز- صَرّح بالإخبار فانتفت شبهة تدليسه. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعانى، وأبو عاصم: هو الضحاك بن مَخلَد النبيل، وزياد: هو ابن سعْد الخراساني وهلال بن أسامة: هو ابن أبي ميمونة؟ وأبو ميمونة: هو الفارسي المدني الأبار، من الموالي، قيل: اسمه سُلَيْم، وقيل: سَلْمان، وقيل: أسامة.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٦١١) و(١٢٦١٢).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٦٠) من طريق خالد بن الحارث، عن ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٧٧١).
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٥١)، والترمذي (١٤٠٧) من طريق سفيان بن عيينة، عن زياد، به. مختصرًا بلفظ: أن النبي ﷺ خَيَّر غلامًا بين أبيه وأُمه. وقال الترمذي:
حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٥٢).
قال الخطابي: وهذا في الغلام الذي عقل واستغنى عن الحضانة، فإذا كان كذلك خير بين أبويه.

٢٢٧٨ - حدَّثنا العباسُ بن عبدِ العظيم، حدَّثنا عبدُ الملك بنُ عمرو، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمد، عن يزيدَ ابنِ الهاد، عن محمد بنِ إبراهيمَ، عن نافع بنِ عجير، عن أبيه عن علي، قال: خرج زيدُ بن حارثة إلى مكة، فقدم بابنةِ حمزة، فقال جعفر: أنا آخُذُها، أنا أحق بها، ابنةُ عمي، وعندي خالتُها، وإنما الخالة أم، فقال عليٌّ: أنا أحق بها، ابنة عمي، وعندي ابنةُ رسولِ الله ﷺ، وهي أحقُّ بها، فقال زيدٌ: أنا أحقُّ بها، أنا خرجتُ إليها وسافرتُ، وقَدِمْتُ بها فخرج النبي ﷺ فذكر حديثًا، قال: «وأما الجاريهُ فأقضي بها لجعفر، تكون مع خالتها، وإنما الخالةُ أُم» (١).


واختلف فيه، فقال الشافعي: إذا صار ابن سبع أو ثماني سنين خُيِّرَ.
وقال أحمد: يخير إذا كبر.
وقال أهل الرأي والثوري: الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده، ويلبس وحده، والجارية حتى تحيض ثم الوالد أحق الوالدين. وقال مالك: الأم أحق بالجواري وإن حضن حتى ينكحن، والغلمان فهي أحق بهم حتى يحتلموا.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد العزيز بن محمد -وهو الدراوردي- وقد توبع كما في الطريق الآتي برقم (٢٢٨٠) يزيد ابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله الليثي، ومحمد بن إبراهيم: هو ابن الحارث التيمي، وعُجَيْر: هو ابن عبد يزيد المطلبي.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» ١/ ٢٤٩ - ٢٥٠، والبزار في «مسنده» (٨٩١)، والحاكم في «المستدرك» ٣/ ٢١١، والبيهقي في «الكبرى» ٨/ ٦ من طريق عبد العزيز بن محمد، بهذا الإسناد.
وانظر تالييه.
وفي الباب عن البراء بن عازب عند البخاري (٢٦٩٩)، والترمذي (٤٠٩٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٢٥)، وقال الترمذي: وفي الحديث قصة، وهذا حديث حسن صحيح.
قال المنذري: وبنت حمزة هذه هي عُمارة، وقيل: هي أمامة وتكنَى أمَّ الفضل.

٢٢٧٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى، حدَّثنا سُفيانُ، عن أبي فَروةَ، عن عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى، بهذا الخبرِ، وليس بتمامه، قال: وقضى بها لجعفر، لأن خالتَها عندَه (١).
٢٢٨٠ - حدَّثنا عبادُ بنُ موسى، أن إسماعيلَ بنَ جعفرٍ حدثهم، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن هانئ وهبَيرة
عن عليٌّ، قال: لما خرجنا مِنْ مكة تبعتنا بنتُ حمزة، تنادي: يا عمُّ يا عمُّ، فتناولها علي، فأخذ بيدها، وقال: دُونَكِ بنتَ عَمك، فحملتها، فقصَّ الخبرَ، قال: وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتُها تحتي، فقضى بها النبي ﷺ لخالتها، وقال: «الخالةُ بمنزلةِ الأمِّ» (٢).

٣٦ - باب في عِدة المطلقة
٢٢٨١ - حدَّثنا سليمانُ بنُ عبدِ الحميد البَهراني، حدَّثنا يحيي بنُ صالح، حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عياش، حدثني عمرو بنُ مهاجر، عن أبيه


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه مرسل، وقد صح بمجموع طرقه كما سلف قبله، وكما سيأتي بعده. سفيان: هو ابن عيينة، وأبو فروة: هو مسلم ابن سالم النهدي. وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد. حسن، هانئ - وهو ابن هانئ الهَنداني -، وهُبَيرة -وهو ابن يَريم الشِّبَامي- صدوقان حسنا الحديث. إسرائيل: هو ابن يونُس السبيعي، وأبو إسحاق: هو السبيعي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٤٠٢) و(٨٥٢٦) من طريقين عند إسرائيل، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٧٠). وانظر سابقيه.
وقوله: دونك بنت عمك. يعني أن عليًا رضي الله عنه أخذ بيدها فدفعها إلى فاطمة زوجته رضي الله عنها وقال لها: دونك بنت عمك، كما هو مبين في رواية «المسند» (٧٧٠) بتحقيقنا.

عن أسماء بنتِ يزيد بن السَّكَن الأنصاريةِ: أنها طُلِّقتْ على عهدِ رسولِ الله ﷺ، ولم يكن لِلمُطلَّقةِ عدَّةٌ، فأنزل الله عز وجل حين طُلِّقت أسماءُ بالعدَّه للطلاقِ، فكانت أولَ منْ أُنزِلَتْ فيها العِدَّةُ للمطلقاتِ (١).

٣٧ - باب في نسخ ما استُثني بهِ من عدة المطلقات
٢٢٨٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد بن ثابت المروزي، حدثني عليُّ بن حُسين، عن أبيه، عن يزيدَ النحوي، عن عِكرمة
عن ابنِ عباس، قال: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وقال: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ [الطلاق: ٤] فنسخ مِن ذلك، وقال: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب: ٤٩] (٢).


(١) إسناده حسن. إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا منها، ومهاجر -وهو ابن أبي مسلم الأنصاري- صدوق حسن الحديث أيضًا.
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤١٤ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] من طريق إسماعيل بن عياش، به. وقال ابن كثير في «تفسيره» ١/ ٣٩٦ بعد أن أورده من طريق ابن أبي حاتم: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية: هي من بني عبد الأشهل، وهي ابنة عمة معاذ بن جبل، وكانت من المبايعات، وكانت رسول النساء إلى رسول الله ﷺ، قتلت تسعة من الروم يوم اليرموك بعمود فُسطاطها.
(٢) إسناده حسن. علي بن الحسين -وهو ابن واقد المَروَزي- حسن الحديث.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٦٧٤) والبيهقي ٧/ ٤٢٤ من طريق علي بن الحسين، بهذا الإسناد.
وقد سلف الكلام على أنه ليس ثَمة نسخ عند الحديث (٢١٩٥).

٣٨ - باب في المراجعة
٢٢٨٣ - حدَّثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكريُّ، حدَّثنا يحيي بنُ زكريا ابنِ أبي زائدة، عن صالح بن صالح، عن سلمة بن كُهيل، عن سعيدِ بن جبير عن ابن عباس
عن عمر: أن رسول الله ﷺ طَلَّقَ حفصة، ثم راجعها (١).

٣٩ - باب في نفقة الْمَبْتوتة
٢٢٨٤ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن عبدِ الله بن يزيد -مولى الأسود ابنِ سفيان- عن أبي سلمةَ بن عبد الرحمن
عن فاطمةَ بنتِ قيس: أن أبا عمرو بنَ حفص طلَّقها البتةَ، وهو غائب، فأرسل إليها وكيلَه بشعير فتسخَّطته، فقال: - واللهِ ما لكِ علينا مِن شيءٍ، فجاءت رسولَ الله ﷺ فذكرت ذلك له، فقال لها: «ليسَ لكِ عليه نفقة» وأمرها أن تعتدَّ في بيت أُم شَريكٍ، ثم قال: «إنَّ تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدي في بيتِ ابنِ أُمِّ مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعينَ ثيابَكِ، وإذا حَلَلْتِ فآذنيني» قالت: فلما حللتُ، ذكرتُ له أن معاويةَ بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسولُ الله ﷺ: «أما أبو جَهْم، فلا يَضَعُ عصاه، عن عاتقه، وأما معاوية، فَصُعلُوكٌ، لا مالَ له، انكحي أُسامة بن زيد» قالت: فكرهْتُه، ثم قال: «انكِحي أُسامةَ بنَ


(١) إسناده صحيح. صالح بن صالح: هو ابن حَيٍّ.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠١٦)، والنسائي في»الكبرى«(٥٧٢٣) من طرق عن يحيي بن زكريا، بهذا الإسناد.
وهو في»صحيح ابن حبان" (٤٢٧٥) و(٤٢٧٦).

زيد» فنكحتُه، فجعل الله تعالى فيه خيرًا واغتبطتُ (١).


(١) إسناده صحيح. القعنبيّ: هو عبد الله بن مسلمة، ومالك: هو ابن أنس.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٨٠ - ٥٨١، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٤٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٨٩).
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٢٧) و(٢٧٣٢٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٠٤٩) و(٤٢٩٠).
وأخرجه تامًا ومختصرًا مسلم (١٤٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٣٣٢) من طريق أبي سلمة، ومسلم (١٤٨٠)، وابن ماجه (١٨٦٩) و(٢٠٣٥)، والترمذي (١١٦٦) و(١١٦٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٨١) و(٥٧١٤) و(٩٢٠٠) من طريق أبي بكر بن أبي الجهم صُخَير العدوي، ومسلم (١٤٨٠) من طريق عبد الله البهي ثلاثتهم عن فاطمة بنت قيس. وقال الترمذي: حديث صحيح.
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٨٥ - ٢٢٩٠).
قال الخطابي: معى «البتة» هنا الطلاق، وقد روي أنها كانت آخر تطليقةٍ بقيت لها من الثلاث.
وفيه دليل أن المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها واختلف فيها، فقالت طائفة: لا نفقة لها ولا سُكنى إلا أن تكون حاملًا، وروي ذلك عن ابن عباس وأحمد، وروي عن فاطمة أنها قالت: لم يجعل لي رسول الله ﷺ سكنى ولا نفقة.
وقالت طائفة: لها السكنى والنفقة حاملًا كانت أو غير حامل، وقاله عمر وسفيان وأهل الرأي (وزاد العيني في «عمدة القاري»: حمادًا وشريحًا والنخعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن مسعود). وقالت طائفة: لها السكنى ولا نفقة لها، قاله مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] فأوجب السكنى عامًا، وأما نقل النبي ﷺ إياها من بيت أحمائها إلى بيت ابن أم مكتوم، فلبس فيه إبطال السكنى، بل فيه إثباته وإنما هو اختيار لموضع السكنى.
وانظر لزامًا «عمدة القاري»، ٢٠/ ٣٠٧ - ٣١٢ للبدر العيني.

٢٢٨٥ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعبلَ، حدَّثنا أبانُ بن يزيدَ العطار، حدَّثنا يحيى بنُ أبي كثيرِ، حدثني أبو سلمة بنُ عبدِ الرحمن
أن فاطمة بنتَ قيسِ حدَّثته: أن أبا حفص بنَ المغيرة طلَّقها ثلاثًا، وساق الحديثَ فيه، وأن خالد بن الوليد ونفرًا من بني مخزوم أتوا النبي ﷺ، فقالوا: يا نبي الله، إن أبا حفص بنَ المغيرة طلَّق امرأته ثلاثًا، وإنه تَرَك لها نفقةَ يسيرةً، فقال: «لا نفقة لها» وساقَ الحديثَ، وحديثُ مالكٍ أتمُ (١).
٢٢٨٦ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد، حدَّثنا الوليد، حدَّثنا أبو عَمرو، عن يحيى، حدثني أبو سلمةَ
حدَّثتني فاطمةُ بنتُ قيس: أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثًا، وساق الحديثَ، وخبرَ خالدِ بنِ الوليد، قال: فقال النبيُّ ﷺ: «ليست لها نفقةٌ ولا مسكن» قال فيه: وأرسل إليها ﷺ أن: «لا تسبقيني بنفسِك» (٢).


(١) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) من طريق شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم- صرح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه. ثم إنه متابع. أبو عمرو: هو عبد الرحمن الأوزاعي، ويحيى: هو ابن أبي كثير.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٦٨) من طريق بقية بن الوليد، عن أبي عمرو، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٢٥٣).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٨٤).

٢٢٨٧ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد، أن محمدَ بن جعفر حدَّثهم، حدَّثنا محمدُ ابنُ عمرو، عن أبي سلمة
عن فاطمةَ بنتِ قيسِ، قالت: كنتُ عندَ رجلٍ من بني مخزوم، فَطلَّقني البتة، ثم ساق نحوَ حديثِ مالك، قال فيه: «ولا تُفوِّتيني بنفسِك» (١).
قال أبو داود: وكذلك رواه الشعبيُّ والبهيُّ وعطاءٌ عن عبدِ الرحمن ابن عاصم، وأبو بكر بنُ أبي الجهم، كُلُّهُمْ، عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ، أن زوجها طلَّقها ثلاثًا.
٢٢٨٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ، حدَّثنا سلمة بنُ كُهيلٍ، عن الشعبى عن فاطمة بنتِ قيس: أن زوجَها طَلَّقها ثلاثًا، فلم يجعل لها النبي ﷺ نفقةً ولا سُكنى (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي- صدوق حسن الحديث. لكنه متابع. محمد بن جعفر: هو ابن أبي كثير الأنصاري. كذا في جميع أصول «سنن أبي داود» الخطية ومسند أحمد (٢٧٣٣٣)، وجاء في تحفة الأشراف للمزي ١٢/ ٤٧٠: إسماعيل بن جعفر وهو أخو محمد بن جعفر، وكلاهما ثقة، لكن المذكور في شيوخ إسماعيل بن جعفر محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وأنه روى عنه قتيبة بن سعيد، ولم يذكروا ذلك في محمد بن جعفر، فيترجح أنه إسماعيل بن جعفر، والله أعلم.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) من طريق إسماعيل بن جعفر، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) من طريق محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، به.
وانظر ما سلف برقم (٢٢٨٤).
(٢) إسناده صحيح. محمد بن كثير: هو العبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، والشعبي: هو عامر بن شَراحيل.

٢٢٨٩ - حدَّثنا يزيدُ بنُ خالد الرمليُّ، حدَّثنا الليثُ، عن عُقَيلٍ، عن ابنِ شهاب، عن أبي سلمة
عن فاطمة بنتِ قيس أنها أخبرته: أنها كانَتْ عند أبي حفص بنِ المغيرة، وأن أبا حفص بنَ المغيرةِ طلَّقها آخرَ ثلاث تطليقاتٍ، فزَعَمَتْ أنها جاءت رسولَ الله ﷺ، فاستفْتَته في خروجها من بيتها، فأمرها أن تَنْتَقِلَ إلى ابنِ أمِّ مكتوم الأعمى، فأبَى مروان أن يصدِّق حديثَ فاطمةَ في خروج المطلقة مِن بيتها، قال عروةُ: أنكرت عائشةُ رضي الله عنها على فاطمةَ بنتِ قيسِ (١).


وأخرجه مسلم (١٤٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٧) من طريق عبد الرحمن ابن مهدي، عن سفيان، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠)، وابن ماجه (٢٠٣٦)، والترمذي (١٢١٥) و(١٢١٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٦٦) و(٥٧١١) من طرق عن الشعبي، به. وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) من طريق عبد الله البهي، وابن ماجه (٢٠٣٥) من طريق أبي بكر بن أبي الجهم، كلاهما عن فاطمة بنت قيس، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٢٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٥٠).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٨٤).
(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعد، وعُقَيل: هو ابن خالد الأيلي، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧٠٩) من طريق حُجَين بن المثنى، عن الليث، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) من طريق صالح بن كيسان، والنسائي (٥٣٣٢) من طريق ابن أبي ذئب، كلاهما عن ابن شهاب، به. وقرن النسائي بالزهري يزيد بن عبد الله ابن قُسَيط.

قال أبو داود: وكذلك رواه صالحُ بنُ كيسان وابنُ جُرَيجٍ وشعيب بن أبي حمزة كُلُّهم، عن الزهري.
قال أبو داود: شعيبُ بنُ أبي حمزة، واسم أبي حمزة: دينار، وهو مولى زياد.
٢٢٩٠ - حدَّثنا مَخْلَدُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن عُبيد الله، قال:
أرسل مروانُ إلى فاطمة، فسألها، فأخبرته: أنها كانت عندَ أبي حفص، وكان النبي ﷺ أمَّر علي بن أبي طالب -يعني على بعض اليمن- فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عيَّاش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا: والله مالها نفقةٌ الا أن تكون حاملًا، فأتتِ النبي ﷺ فقال: «لا نفقةَ لك إلا أن تكوني حاملًا» واستأذنَتْه في الانتقال، فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسولَ الله؟ قال: «عند ابنِ أُم مكتوم» وكان أعمى، تضع ثيابَها عنده ولا يُبْصِرُهَا، فلم تَزَلْ هناك حتى مضت عِدتُها، فأنكحها النبيُّ ﷺ أُسامةَ، فرجع قبيصةُ إلى مروانَ فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأةٍ، فسنأخذ بالعِصمَةِ التي وجدنا الناسَ عليها، فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بَيْني وبَينكم كتابُ الله،


= وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٣٥) و(٢٧٣٤١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٩).
وانظر ما سلف برقم (٢٢٨٤).
وقول عروة بن الزبير بأن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس سيأتي برقم (٢٢٩٢) و(٢٢٩٣).

قال الله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ حتى ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: ١] قالت: فأيَّ أمر يُحدث بعدَ الثلاث؟ (١).


(١) إسناده صحيح. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد، والزهري: هو محمد بن مسلم ابن شهاب، وعبيد الله: هو ابن عبد الله بن مسعود.
وهو عند عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٠٢٥)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٤٨٠).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٣١٣) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي، و(٥٧١٥) من طريق شعيب بن أبي حمزة، كلاهما عن الزهري، به.
وانظر ما سلف برقم (٢٢٨٤).
وقول فاطمة: فأي أمر يحدث بعد الثلاث، أي: أن الآية لم تتناول المطلقة البائن، وإنما هي لمن كانت له مراجعة، لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه، فأي أمر يحدث بعد الثلاث من الطلاق.
قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤٨٠: وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى: ﴿يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: ١] المراجعة قتادة والحسن والسُّدِّي والضحّاك. أخرجه الطبري في تفسيره ٢٨/ ١٣٥ - ١٣٦ ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه، وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك، فلم ينحصر ذلك في المراجعة.
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن» ٣/ ١٩٠ - ١٩١: اختلف الناس في المبتوته هل لها نفقه أو سكنى على ثلاثة مذاهب، وعلى ثلاث روايات عن أحمد.
أحدها: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو ظاهر مذهبه، وهذا قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وجابر وعطاء وطاووس، والحسن وعكرمة، وميمون بن مهران، وإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، وأكثر فقهاء الحديث، وهو مذهب صاحبة القصة فاطمة بنت قيس وكانت تناظر عليه.
والثاني: ويروى عن عمر وعبد الله بن مسعود أن لها السكنى والنفقة، وهو قول أكثر أهل العراق وقول ابن شبرمة وابن أبي ليلى وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وأبي حنيفة وأصحابه، وعثمان البَّتي والعنبري وحكاه أبو يعلى القاضي في مفرداته رواية عن أحمد.
والثالث: أن لها السكنى دون النفقة، وهذا قول مالك والشافعي وفقهاء المدينة السبعة، وهو مذهب عائشة أم المؤمنين.

قال أبو داود: وكذلك رواه يونسُ عن الزهري، وأمَّا الزُّبيديُّ، فروى الحديثين جميعًا: حديثَ عُبيدِ الله بمعنى معمرٍ، وحديثَ أبي سلمة بمعنى عُقيلٍ. ورواه محمدُ بن إسحاق، عن الزهري: أن قبيصةَ ابنَ ذؤيب حدثه بمعنًى دلَّ على خبرِ عُبيد الله بن عبد الله حين قال: فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك.

٤٠ - باب من أنكر ذلك على فاطمة
٢٢٩١ - حدَّثنا نصرُ بنُ علي، أخبرني أبو أحمد، حدَّثنا عمارُ بنُ رُزَيق
عن أبي إسحاق، قال: كنتُ في المسجدِ الجامعِ مع الأسود، فقال: أتت فاطمةُ بنتُ قيسٍ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ما كنا لِنَدَعَ كتاب رَبنا وسنةَ نبينا ﷺ لِقول امرأةٍ لا ندري أحفِظَتْ أم لا (١).
٢٢٩٢ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرنى عبدُ الرحمن ابن أبي الزنادِ، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه، قال:


(١) إسناده صحيح. نَصْر بن علي: هو الجَهضمي، وأبو أحمد: هو محمد بن عبد الله الزبَيري، وعمّار بن رُزَيق: هو الضَّبي، وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه مسلم (١٤٨٠) عن محمد بن عمرو بن جَبَلة، عن أبي أحمد الزبيري، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا من طريق سليمان بن معاذ، عن أبي إسحاق، به.
وأخرجه الترمذي (١٢١٥) من طريق مُغيرة، عن إبراهيم النخعي، قال: قال عمر ... فذكره وهو مرسل، لأن إبراهيم لم يدرك عمر بن الخطاب. اللهم إلا أن يكون سمعه من خاله الأسود بن يزيد.

لقد عابت ذلك عائشةُ رضي الله عنها أشدَّ العيب -يعني حديث فاطمة بنت قيس- وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وَحْشٍ، فخِيفَ على ناحيتِها، فلذلك أرخَصَ لها رسولُ الله ﷺ (١).
٢٢٩٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عروة بن الزبير
أنه قيل لعائشة: ألم تريْ إلى قولِ فاطمة؟ قالت: أما إنه لا خَيرَ لها في ذكر ذلك (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزّناد، لكن تابعه حفص بنُ غياث. ابن وهب: هو عبد الله القرشي.
وأخرجه البخاري تعليقًا (٥٣٢٦)، وابن ماجه (٢٠٣٢) من طريق عبد الرحمن ابن أبي الزناد، بهذا الإسناد.
وأخرج بنحوه مسلم (١٤٨١)، وابن ماجه (٢٠٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧١٠) من طريق حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، به. بلفظ: قلت: يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثًا، وأخاف أن يقتَحَم عليَّ، قال: فأمرها فتحولت.
قلنا: وقد جاء عن سليمان بن يسار بسند صحيح إليه عند المصنف (٢٢٩٤) أن سبب خروج فاطمة من بيتها في العدة من سوء الخُلُق. وكذا ثبت عن سعيد بن المسيب عنده أيضًا (٢٢٩٦) أنها كانت لَسِنةً فتنتِ الناسَ، فوُضعت على يدي ابن أم مكتوم، قلنا: واللسِنة سيئة الخلق، ولا يمنع أن يكون الأمران ثابتين، فقد كان بيتُها وَحشًا فخيفَ عليها.
وانظر ما سيأتي (٢٢٩٣ - ٢٢٩٥).
وقولها: في مكان وحش، هو بفتح الواو، وسكون الحاء، أي: خلاء لا ساكن به موحش قفْر.
(٢) إسناده صحيح. محمد بن كثير: هو العبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، والقاسم: هو ابن محمد التيمي.

٢٢٩٤ - حدَّثنا هارونُ بن زيد، حدَّثنا أبي، عن سفيانَ، عن يحيى بنِ سعيد عن سليمانَ بنِ يسارٍ، في خروجِ فاطمة، قال: إنما كانَ ذلك مِن سوءِ الخُلقِ (١).
٢٢٩٥ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بنِ محمد وسليمانَ بن يسار، أنه سمعهما يذكران


= وأخرجه البخاري (٥٣٢٥)، ومسلم (١٤٨١) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري بنحوه (٥٣٢٣)، ومسلم (١٤٨١) من طريق شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، به.
وأخرجه البخاري (٥٣٢٧) من طريق ابن شهاب بنحوه مختصرًا، ومسلم (١٤٨١) من طريق هشام بن عروة، كلاهما عن عروة بن الزبير، به.
وانظر ما قبله.
(١) رجاله ثقات، وهو قول سليمان بن يسار. زيد: هو ابن أبي الزرقاء التغلبي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، ويحيي بن سعيد: هو الأنصاري.
وأخرجه أبو عوانة (٤٦٣١)، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤٣٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٩/ ١٥٠ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وقد ردَّ صاحب «المفهم» ٤/ ٢٦٩ - ٢٧٠ هذا الكلام، وقال: إنما اذِنَ النبي ﷺ لفاطمةَ أن تخرج من البيت الذي طلقت فيه ... من أنها خافت على نفسها من عورة منزلها، وفيه دليل على أن المعتدَّة تنتقل لأجل الضرورة، وهذا أولى من قول من قال: إنهما كانت لَسِنةَ تؤذي زوجَها وأحماءها بلسانها، فإن هذه الصفة لا تليقُ بمن اختارها رسولُ الله ﷺ لحِبِّه ابنِ حبِّه، وتواردت رغباتُ الصحابة عليها حين انقضت عِدتها، ولو كانت على مثل تلك الحال، لكان ينبغي ألا يُرغبَ فيها، ولا يُحرَصَ عليها أيضًا، فلم يثبت بذلك نقل مسند صحيح ... وانظر تتمة كلامه، فإنه نفيس.
وانظر سابقيه، وما بعده.

أن يحيى بنَ سعيد بن العاص طلَّق بنتَ عبدِ الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبدُ الرحمن، فأرسلَتْ عائشةُ رضي الله عنها إلى مروانَ بنِ الحكم، وهو أميرُ المدينة، فقالت له: اتقِ الله وارددِ المرأة إلى بيتها، فقال مروانُ في حديث سليمان: إن عبدَ الرحمن غلبني، وقال مروانُ في حديث القاسم: أو ما بلغكِ شأنُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ، فقالت عائشةُ: لا يضرُّكَ أن لا تذكر حديثَ فاطمة، فقال مروان: إن كان بك الشَّرُّ، فحسبُك ما كان بين هذين من الشر (١).
٢٢٩٦ - حدَّثنا أحمدُ بن عبد الله. بن يونس، حدَّثنا زهير، حدَّثنا جعفر بن بُرقانَ حدَّثنا ميمون بنُ مهْرانَ، قال: قدمت المدينةَ فدُفِعْتُ إلى سعيدِ ابنِ المسيّب، فقلتُ: فاطمةُ بنتُ قيس طُلِّقت فخرجت مِن بيتها،


(١) إسناده صحيح. القعنبيّ: هو عبد الله بن مسلمة، ومالك: هو ابن أنس، ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٧٩، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣٢١) و(٥٣٢٢).
وأخرجه مختصرًا مسلم (١٤٨١) من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة.
وانظر ما سلف برقم (٢٢٩٢).
قوله: إن كان بك الشَّرُّ: أي: إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر، فهذا السبب موجود، ولذلك قال: فحسبك، أي: فيكفيك ما كان بين هذين، أي: عمرة وزوجها يحيى، وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة، فقد كان أنكر الخروج مطلقًا، كما مرَّ، ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق.

فقال سعيد: تلك امرأةٌ فتنتِ الناسَ؛ إنها كانت لَسِنَةً فوُضِعَتْ على يدَيْ ابنِ أُمِّ مكتوم الأعمى (١).

٤١ - باب في المبتوتةِ تخرُجُ بالنهارِ
٢٢٩٧ - حدَّثنا أحمد بنُ حنبل، حدَّثنا يحيى بنُ سعيد، عن ابنِ جُريج، أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: طُلقت خالتي ثلاثًا، فخرجَت تجُدُ نخلًا لها فلقيها رجُلٌ، فنهاها، فأتتِ النبيَّ ﷺ، فَذَكَرتْ ذلك له، فقال لها: «اخرجي فجُدِّي نخلك لعلَّكِ أن تَصدَّقِي منه أو تفعلي خيرًا» (٢).


(١) رجاله ثقات وهو قول سعيد بن المسيَّب. زهير: هو ابن معاوية الجعفي.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٢٠٣٧) و(١٢٠٣٨)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» ٥/ (٢٣٧٨ - ٢٣٨٠)، والبيهقي في «الكبرى» ٧/ ٤٧٤، وابن عبد البر في
«التمهيد» ١٩/ ١٥٠ - ١٥١ من طرق عن ميمون بن مهران، به.
(٢) إسناده صحيح. ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- صرح بالتحديث عند المصنف، وأبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- صرح بالتحديث عند مسلم، فانتفت شهبة تدليسهما. يحيى بن سعيد: هو القطان.
وأخرجه مسلم (١٤٨٣) من طريق محمد بن حاتم بن ميمون، عن يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٤٨٣)، وابن ماجه (٢٠٣٤) والنسائي في «الكبرى» (٥٧١٣) من طرق عن ابن جريج، به. وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٤٤).
قال الإمام النووي في «شرح مسلم» ١٠/ ٩١: هذا الحديث دليل لخروج البائن للحاجة، ومذهب مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وآخرين جواز خروجها في النهار للحاجة، وكذلك عند هؤلاء يجوز لها الخروج في عدة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة، وقال في البائن: لا تخرج ليلًا ولا نهارًا.

٤٢ - باب نَسخ متاع المتوفَّى عنها بما فُرضَ لها من الميراث
٢٢٩٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد المروزي، حدثني علي بنُ الحسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويٌ، عن عكرمةَ
عن ابن عباس ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فَنُسِخَ ذلك بآيةِ الميراث، بما فُرض لهن مِنَ الرُبُعِ والثمُنِ، ونسخ أجل الحول بأن جُعِلَ أجلُها أربعةَ أشهرٍ وعشرًا (١).


= وقال في «المغني» ١١/ ٢٩٧: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارًا، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها ...، واستدل بهذا الحديث وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلًا إلا لضرورة.
(١) إسناده حسن. علي بن الحسين بن واقد حسن الحديث. يزيد النحوي: هو يزيد بن أبي سعيد، وعكرمة: هو مولى ابن عباس.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٠٦) من طريق إسحاق بن راهويه، عن على ابن الحُسين، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٥٧٠٧) من طريق سماك، عن عكرمة، به. فجعله من قول عكرمة.
وقد ذهب بعض السلف إلى أن الآية محكمة، فقال: إنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها إن شاءت أقامت، وإن شاءت خرجت، والعدة كما هي واجب عليها وقد روى ذلك البخاري (٤٥٣١) عن مجاهد قال: دلت الآية الأولى وهي ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] على أن هذه عدتها المفروضة تعتدها عند أهل زوجها، ودلت هذه الآية بزيادة سبعة أشهر وعشرين ليلة على العدة السابقة تمام الحول، أن ذلك من باب الوصية بالزوجات أن يُمكَّنَّ من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا، ولا يمنعن من ذلك لقوله: (غير إخراج) فإذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر أو بوضع الحمل، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل، فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله: (فإن خرجن ...) قال الإمام ابن كثير في «تفسيره» ١/ ٤٢٩: وهذا القول له اتجاه، وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس ابن تيمية.

٤٣ - باب إحداد المتوفى عنها زوجُها
٢٢٩٩/ ١ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن حُميد ابنِ نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة (١):
قالت زينب: دخلتُ على أُم حبيبة حينَ تُوفي أبوها -أبو سفيان- فَدَعَتْ بطيبٍ فيه صُفرةٌ: خَلُوقِ أو غيرِه، فدَهَنَتْ منه جاريةٌ، ثم مسَّت بِعَارِضَيها، ثم قالت: واللهِ ما لي بالطيب من حاجةٍ، غيرَ أني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا يِحلُّ لامرأةٍ تُؤمن بالله واليومِ الآخر أن تُحدَّ على ميتٍ فَوْقَ ثلاثِ ليالٍ، إلا على زوج أربعةَ أشهر وعشرًا».
٢٢٩٩/ ٢ - قالت زينبُ: ودخلتُ على زينبَ بنتِ جحشٍ حين توفي أخوها، فدعت بطيبٍ فمسَّتْ منه، ثم قالت: والله ما لي بالطِّيب من حاجة غير أني سمعت رسولَ الله ﷺ يقول: وهو على المنبر: «لا يَحِل لامرأةٍ تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا» (٢).


(١) إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة، وعبد الله بن أبي بكر: هو ابن محمد الأنصاري.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٥٩٦/ ٢ - ٥٩٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣٣٤)، ومسلم (١٤٨٦)، والترمذي (١٢٣٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٧).
وأخرجه تامًا ومختصرًا البخاري (١٢٨٠) و(١٢٨١) و(٥٣٣٩) و(٥٣٤٥)، ومسلم (١٤٨٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٦٣) و(٥٦٩١) من طرق عن حميد بن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٧٦٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٤).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٩٩/ ٢ - ٤).
(٢) إسناده صحيح.=

٢٢٩٩/ ٣ - قالت زينبُ: وسمعتُ أُمي - أُمَّ سلمة - تقول: جاءت امرأة إلى رسولِ الله ﷺ، فقالت: يا رسولَ الله، إن ابنتي توفي عنها زوجُها، وقد اشتكت عينيها، أَفنكحُلُها، فقال رسولُ الله ﷺ: «لا» مرتين أو ثلاثًا، كلّ ذلك يقولُ: «لا» ثم قال رسولُ الله ﷺ: «إنما هي أربعةُ أشهرٍ وعشرًا، وقد كانت إحداكنَّ في الجاهلية ترمي بالبعرَةِ على رأسِ الحولِ» (١).
٢٢٩٩/ ٤ - قال حُميدٌ: فقلتُ لزينبَ: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينبُ: كانت المرأةُ إذا تُوفي عنها زوجها دخلت حِفشًا، ولبست شرَّ ثيابها، ولم تمسَّ طيبًا ولا شيئًا، حتى تمرَّ بها سنة، ثم تُؤتى بدابةٍ: حمارٍ أو شاةٍ أو طائرٍ، فتفتضُّ به، فقلَّما تَفتَضُّ بشيءٍ إلا ماتَ، ثم تخرجُ فتُعطَى بعْرَةً فترمي بها، ثم تُراجع بعدُ ما شاءت مِن طيبٍ أوغيره.


وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٩٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (١٢٨٢) و(٥٣٣٥)، ومسلم (١٤٨٧)، والترمذي (١٢٣٥)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٧).
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٧٥٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٤).
وانظر ما قبله، وتالييه.
(١) إسناده صحيح.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٩٧، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣٣٦)، ومسلم (١٤٨٨)، والترمذي (١٢٣٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٧).
وأخرجه البخاري (٥٣٣٨) و(٥٧٠٦)، ومسلم (١٤٨٨) و(١٤٨٦/ ١٤٨٨)، وابن ماجه (٢٠٨٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٦٤) و(٥٦٦٥) و(٥٧٠١ - ٥٧٠٤)
من طرق عن حُميد بن نافع، به. وقرن بعضهم مع أم سلمة أم حبيبة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٥٠١) و(٢٦٦٥٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٤).
وانظر سابقيه، وما بعده.

قال أبو داود: الحِفْشُ: بيتٌ صغير (١).

٤٤ - باب في المتوفَّى عنها تنتقل
٢٣٠٠ - حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلَمةَ القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن سعد بن إسحاق بنِ كعب بنِ عُجرة، عن عمته زينبَ بنت كعب بنِ عُجرة
أن الفُريْعةَ بنتَ مالك بن سنان -وهي أُختُ أبي سعيد الخدري- أخبرتها أنها جاءت إلى رسولِ الله ﷺ تسألُه أن تَرْجع إلى أهلها في بني خُدرةَ، فإن زوجها خَرَجَ في طلبِ أعبُدٍ له أبقُوا، حتى إذا كانوا بطرف القَدوم لحقهم فقتلُوه، فسألتُ رسولَ الله ﷺ أن أرجِعَ إلى أهلي، فإني لم يتركني في مَسكَنٍ يَملِكُه ولا نَفَقَةٍ، قالت: فقال رسولُ الله ﷺ: «نَعَمْ» قالت: فخرجتُ حتى إذا كنتُ في الحُجرة -أو في المسجدِ - دعاني -أو أمَرَ بي فَدُعِيتُ له- فقال: «كيف قلت؟» فردّدت عليه القِصَّةَ التي ذكرتُ مِن شأن زوجي، قالت: فقال: «امْكُثِي في بيتِكَ حتى يَبلُغَ الكِتابُ أجلَه» قالت: فاعتددتُ فيه أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، قالت: فلما كان عثمانُ بن عفان أرسلَ إليَّ فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتَّبعه وقَضَى به (٢).


(١) إسناده صحيح.
وهو عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٥٩٧ - ٥٩٨، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣٣٧)، ومسلم (١٤٨٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٧). وقال مالك في آخره: والحِفش: البيتُ الردئ، وتفتضُّ: تمسح به جلدها كالنُّشْرة.
وانظر ما سلف بالأرقام (٢٢٩٩/ ١ - ٣).
(٢) إسناده صحيح. زينب بنت كعب بن عجرة روى عنها ابنا أخويها سعد بن إسحاق وسليمان بن محمد، وهما ثقتان، وذكرها ابن حبان في «الثقات»، وصحح حديثها، واحتج بها مالك والشافعي، كما صحح حديثها الترمذي والذهلى وابن حبان والحاكم والذهبي وابن القطان الفاسي وغيرهم، وباقي رجاله ثقات.=

٤٥ - باب من رأى التحوُّل
٢٣٠١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد المروزي، حدَّثنا موسى بنُ مسعودٍ، حدَّثنا شِبلٌ، عن ابنِ أبي نجيح، قال: قالَ عطاءٌ:
قال ابنُ عباس: نَسخت هذه الآيةُ عِدَّتَها عندَ أهلِها فتعتدُّ حيثُ شاءتْ، وهو قولُ اللهِ عز وجل: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قال عطاء: إن شَاءت اعتدت عندَ أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت
خَرَجَت؛ لقول الله عز وجل: ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السُّكنى، تَعْتَدُّ حيثُ شاءت (١).


وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٥٩١، ومن طريقه أخرجه الترمذي (١٢٤٣)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٩٧٧) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٣١)، والترمذي (١٢٤٤)، والنسائي (٥٦٩٢ - ٥٦٩٤) و(٥٦٩٦) من طرق عن سعد بن إسحاق، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٠٨٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٩٢) و(٤٢٩٣). وقولها: بطرف القَدوم، القَدُوم بفتح القاف ودال مهملة مضمومة تشدد وتخفف: موضع على ستة أميال من المدينة.
وقوله: «امكثي في بيتك». قال الخطابي: فيه أن للمتوفى عنها زوجها السكنى، وأنها لا تعتد إلا في بيت زوجها وقال أبو حنيفة: لها السكنى ولا تبيت إلا في بيتها، وتخرج نهارًا إذا شاءت، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأحمد، وقال محمد بن الحسن: المتوفى عنها لا تخرج في العدة، وعن عطاء وجابر والحسن وعلي وابن عباس وعائشة تعتد حيث شاءت.
وفي قولها: «حتى يبلغ الكتاب أجله» بعد إذنه لها في الانتقال دليل على جواز وقوع نسخ النبي ﷺ قبل أن يفعل. والله أعلم.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن. موسى بن مسعود -وهو النَّهدي- صدوق=

٤٦ - باب فيما تجتنبُ المعتدةُ في عِدَّتها
٢٣٠٢ - حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيم الدورقيُّ، حدَّثنا يحيي بنُ أبي بُكير، حدَّثنا إبراهيمُ بنُ طهمان، حدثني هشامُ بنُ حسان (ح)
وحدثنا عبدُ الله بنُ الجراح القُهُستانيُّ، عن عبدِ الله -يعني ابنَ بكرِ السهميّ- عن هشام
-وهذا لفظ ابنُ الجراح- عن حفصةَ
عن أمِّ عطية أن النبيَّ ﷺ قال: «لا تُحِدُّ المرأةُ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ، فإنها تُحِدُّ عليه أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ولا تَلْبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصبٍ، ولا تكتحِلُ، ولا تَمَسُّ طيبًا إلا أدنى طُهرتها إذا طَهُرَتْ مِن مَحيضها بنُبذَة من قُسطٍ وأظفار» قال يعقوبُ، مكانَ عصب: إلا مغسولًا، وزاد يعقوبُ: ولا تختضِبُ (١).


= حسن الحديث، وقد توبع. شِبل: هو ابن عَبَّاد المكي القارئ، وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار، وعطاء: هو ابن أبي رباح.
وأخرجه البخاري (٤٥٣١) و(٥٣٤٤) من طريق رَوح بن عبادة، عن شِبل، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٥) من طريق وَرقَاء بن عمر اليَشْكري، كلاهما عن ابن أبي نجيح، به.
(١) إسناده صحيح. يحيي بن أبي بُكَير: هو الكرماني.
وأخرجه تامًا ومختصرًا البخارى (٣١٣) معلقًا و(٥٣٤٢) و(٥٣٤٣) معلقًا، ومسلم بإثر (١٤٩١)، وابن ماجه (٢٠٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٨) و(٥٧٠٥) من طرق عن هشام بن حسان، به. وزاد النسائي في الموضع الأول: «ولا تمتشط».
وأخرجه تامًا ومختصرًا أيضًا البخاري (٣١٣) و(٥٣٤١)، ومسلم بإثر (١٤٩١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٩٩) من طريقين عن حفصة، والبخاري (١٢٧٩) و(٥٣٤٠) من طريق محمد بن سيرين، كلاهما عن أم عطية، به. وزاد البخاري من طريق حفصة: وكنا نُنهى عن اتباعِ الجنائز.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٧٩٤)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٥).
وانظر ما بعده.=

٢٣٠٣ - حدَّثنا هارونُ بنُ عبدِ الله ومالكُ بنُ عبدِ الواحد المِسْمَعيُّ، قالا: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارون، عن هشامٍ، عن حفصةَ


= الإحداد: قال ابن بطال: بالمهملة: امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينةِ كُلِّها مِن لباسٍ وطيب، وكل ما كان من دواعي الجماع.
وأباح الشارع للمرأة أن تُحد على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن، ويهجم من ألم الوجد، وليس ذلك واجبًا لاتفاقهم على أن الزوج لو طلبها بالوقاع لم يحل لها منعه في تلك الحال.
قوله: «ثوب عَصْبٍ»، قال السندي: بفتح فسكون: هو برود يمنية يُعصَبُ بها غزلها، أي: يربط ثم يصبغ وينسج، فيبقى ما عُصِب أبيض لم يأخذه صبغ. وقيل: برود مخططة، قيل: على الأول يكون النهي للمعتدة عما صبغ بعد النسج. قلت (القائل السندي): والأقرب أن النهي عما صبغ كله، فإن الإضافة إلى العصب تقتضي ذلك، فإن عمله منع الكُلَّ عن الصبغ، فتأمل.
أدنى طهرتها: أول طهرتها.
نُبذَة: ضبطه العيني في «عمدته» ٣/ ٢٨٢، وتبعه القسطلانى في «إرشاد الساري» ١/ ٣٥٣ بضم النون وفتحها، وسكون الباء، أي: في قطعة يسيرة.
قُسْط: قال النووي: القُسط والأظفار معروفان من البخور، رخص فيهما لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب. والله أعلم.
قال الخطابي: واختلف فيما تجتنبه المُحِدُّ من الثياب، فقال الشافعي: كل صبغ كان زينة أو وشي كان لزينة في ثوب أو يلمع، كان من العصب أو الحبرة، فلا تلبسه الحاد غليظًا أو رقيقًا.
وقال مالك: لا تلبس مصبوغًا بعصفر أو بورس أو زعفران.
قال الخطابي: ويشُبه أن لا يكره على مذهبهم لبس العصب والحبر ونحوه، وهو أشبه بالحديث من قول من منع منه.
وقالوا: لا تلبس شيئًا من الحُلي، وقال مالك: لا خاتمًا ولا حُلة، والخصاب مكروه، في قول الأكثر.

عن أمِّ عطية عن النبي ﷺ، بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهما، قال الْمِسْمَعيُّ: قال يزيدُ: لا أعلمه إلا قال فيه: «ولا تختضِبُ» وزاد فيه هارون: «ولا تَلْبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ» (١).
٢٣٠٤ - حدَّثنا زُهيرُ بنُ حرب، حدَّثنا يحيى بنُ أبي بُكير، حدَّثنا إبراهيمُ ابنُ طَهمانَ، حَدَّثني بُدَيلٌ، عن الحسن بنِ مُسلم، عن صفيةَ بنتِ شيبةَ
عن أمِّ سلمة زوج النبي ﷺ، عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «المتوفَّى عنها زوجُها لا تَلبَسُ المُعَصفرَ مِن الثياب، ولا المُمَشَّقَةَ ولا الحُليَّ، ولا تختضِبُ، ولا تَكتحِلُ» (٢).
٢٣٠٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرنى مَخرَمَةُ، عن أبيه، سمعتُ المغيرةَ بن الضحاكِ يقولُ: أخبرتني أُمُّ حكيم بنتُ أَسِيد عن أُمها: أن زوجَها تُوفي وكانت تشتِكي عينَيها فتكتَحلُ بالجِلاء، -قال أحمدُ: الصوابُ بكُحل الجِلاء-، فأرسلت مولاةً لها


(١) إسناده صحيح. وأخرجه مسلم بإثر (١٤٩١) من طريقين عن يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. يحيى بن أبي بُكَير: هو الكرماني، وبُدَيل: هو ابن مَيسَرة.
وأخرجه النسائي في «المجتبى» (٣٥٣٤) من طريق يحيى بن أبي بكير، بهذا الإسناد. دون ذكر الحلي.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٥٨١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٦).
قوله: «المُمَشَّقَة»: المِشْق بالكسر: وهو الطين الأحمر الذي يسمّى مغرة، وهو لون ليس بناصع الحمرة، أو شقرة بكدرة، وثوب معشق: مصبوغ به.

إلى أُمِّ سلمة، فسألتْها عن كُحْلِ الجِلاء فقالت: لا تَكتحِلي به إلا مِن أمرٍ لا بُدَّ منه يشتدُّ عليكِ فتكتحلين بالليلِ وتمسحينَه بالنهارِ، ثم قالت عند ذلك أُمُّ سلمةَ: دخل عليَّ رسولُ الله ﷺ حين توفي أبو سلمةَ، وقد جعلتُ على عيني صَبِرًا، فقال: «ما هذا يا أُمَّ سلمة؟» فقلت: إنَّما هو صَبِرٌ يا رسولَ الله ليس فيه طيبٌ، قال: «إنه يَشُبُّ الوجهَ، فلا تَجْعلِيه إلا بالليل وتنزِعِيه بالنهارِ، ولا تمتشِطِي بالطِّيبِ ولا بالحِنّاء، فإنه خِضَاب» قالت: قلت: بأي شيء أمتَشِطُ يا رسول الله؟ قال: «بالسِّدْرِ تُغلِّفين به رأسَك» (١).

٤٧ - باب في عدة الحامل
٢٣٠٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، حدثني عُبَيدُ اللهِ بنُ عبد الله بنِ عتبة:


(١) إسناده ضعيف، لجهالة المغيرة بن الضَّحَّاك وأم حكيم بنتُ أَسِيد وأمها. ابن وهب: هو عبد الله القرشي، ومَخْرمة: هو ابن بكير المخزومي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٠٠) من طريق ابن وهب، بهذا الإسناد.
وقوله: «كحل الجلاء»، قال الخطابي: هو الإثمد لجلوه البصر، و«صَبِرًا»، بفتح فكسر أو سكون: عصارة شجر مُرّ.
وقوله: «إنه يشُبُّ الوجه»، قال السيوطي: أي: يلونُه ويُحسِّنه.
قال الخطابي: واختلف في الكحل، فقال الشافعي "كل كحل كان زينة لا خير فيه كالإثمد ونحوه مما يَحسُنُ موقعه في عينها، فأما الكحل الفارسى ونحوه إذا احتاجت إليه، فلا بأس إذ ليس فيه زينة، بل يزيد العين مرهًا وقبحًا.
ورخص في الكحل عند الضرورة أهل الرأي ومالك بالكحل الأسود ونحوه عن عطاء والنخعي.

أن أباه كتب إلى عُمَرَ بنِ عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يَدخُلَ على سُبيعة بنتِ الحارث الأسلمية فيسألها، عن حديثها وعما قال لها رسولُ الله ﷺ حين اسْتَفْتَتْهُ، فكتبَ عُمَرُ بنُ عبد الله إلى عبدِ الله ابن عُتبةَ يخبِرُه أن سُبيعةَ أخبرته: أنَّها كانت تحتَ سَعْدِ بنِ خولَةَ، وهو مِن بني عامر بن لؤي، وهو ممِن شَهِدَ بدرًا، فتُوفي عنها في حَجَّة الوداع وهي حامِلٌ، فلم تنْشَبْ أن وضعت حملَها بَعْدَ وفاته، فلما تعَلَّت من نِفاسها تجمّلتْ للخُطَّابِ، فَدَخَل عليها أبو السنابل بنِ بَعكَك -رجلٌ مِن بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراكِ مُتَجَمَّلَة، لَعَلَّكِ ترتجينَ النّكَاحَ؟ إنكِ واللهِ ما أنتِ بِنَاكِحٍ حتى تمر عليكِ أربعةُ أشهر وعشرٌ، قالت سُبيعةُ: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رَسُولَ الله ﷺ فسألتُه عن ذلك، فأفتاني بأني قد حَلَلتُ حِينَ وضعتُ حَملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي، قال ابنُ شهاب: ولا أرى بأسًا أن تتزوح حين وضعت وإن كانت في دمها، غيرَ أنه لا يقربُها زوجُها حتى تَطهُرَ (١).


(١) إسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.
وأخرجه البخاري (٣٩٩١) معلقًا و(٥٣١٩) مختصرًا، ومسلم (١٤٨٤)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٨٢) و(٥٦٨٤) من طرق عن ابن شهاب، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٢٨) من طريق الشعبي، عن مسروق وعمرو بن عتبة، والنسائى في «الكبرى» (٥٦٨٣) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن زُفَر بن أوس، ثلاثتهم (مسروق وعمرو بن عتبة وزفر بن أوس) عن سبيعة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٤٣٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٩٤).=

٢٣٠٧ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة ومحمدُ بنُ العلاء، قال عثمان: حدَّثنا، وقال ابنُ العلاء: أخبرنا أبو معاويةَ، حدَّثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروقٍ عن عبد الله قال: من شاء لاعَنتُه لأُنزِلَتْ سورةُ النساء القُصرى بَعْدَ الأربعة أشهر وعشرًا (١).


= قوله: «تعلَّت» قال ابن الأثير: ويُروى: تعالت، أي: ارتفعت وطهُرت.
ويجوز أن يكون من قولهم: تعلَّى الرجلُ من علَّتِه: إذا بَرَأ. أي: خرجت من نفاسها وسلمت.
قوله: فلما تَعَلَّتْ من نفاسها. قال الخطابي: أي: طهرت من دمها، واختلف العلماء فيه، فقال علي وابن عباس: ينتظر المتوفى عنها آخر الأجلين، ومعناه: أن تمكث حتى تضع حملها فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا، فقد حلّت، وإن وضعت قبل ذلك تربصت الى أن تستوفي المدة.
وقال عامة العلماء: انقضاء عدتها بوضع الحمل طالت المدة أو قصرت، وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة، ومالك والأوزاعي والثوري وأهل الرأي والشافعي.
(١) إسناده صحيح. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، ومُسلم: هو ابن صُبيح، ومسروق: هو ابن الأجدع، وعبد الله: هو ابن مسعود.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٣٠) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرج بنحوه البخاري (٤٥٣٢) و(٤٩١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٦٨٦) و(٥٦٨٧) و(١١٥٤٠) و(١١٥٤١) من طرق عن ابن مسعود.
قوله: «سورة النساء القصرى» قال الخطابي في «معالم السنن»: يريد سورةَ الطلاق إذ إن نزول هذه السورة كان بعدَ نزولِ البقرة فقال في الطلاق: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] وفي البقرة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]، فظاهر كلامه يدل على أنه حمله على النسخ فذهب إلى أن ما في سورة الطلاق ناسخ لما في سورة البقرة، وعامة العلماء لا يحملونه على النسخ، بل يرتبون إحدى الآيتين على الأخرى، فيجعلون التى في سورة البقرة في عُدد الحوائل، وهذه في الحوامل.

٤٨ - باب في عِدَّة أم الولد
٢٣٠٨ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد، أن محمد بن جعفر، حدَّثهم (ح) وحدَّثنا ابن المثنى، حدَّثنا عبدُ الأعلى، عن سعيدٍ، عن مَطَرٍ، عن رجاء ابنِ حَيوةَ، عن قَبيصَةَ بنِ ذؤيب
عن عمرِو بنِ العاصِ قال: لا تَلْبسُوا علينا السُّنةَ -قال ابن المثنى: سُنةَ نبينا ﷺ عِدةُ المتوفَّى عنها أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، يعني أمَّ الولد (١).

٤٩ - باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجُها حتى تنكِحَ زوجًا غيره
٢٣٠٩ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن إبراهيم، عن الأسودِ عن عائشة، قالت: سُئِلَ رسولُ الله ﷺ عن رَجُلٍ طلَّق امرأتَه، يعني ثلاثًا، فتزوَّجت زوجًا غيرَه، فدخل بها، ثم طَلَّقها قبل أن يُواقِعَها،


(١) إسناده حسن. مَطَر -وهو ابن طَهمَان الورَّاق- حديثه حسن في المتابعات والشواهد، وهذا منها، وباقي رجاله ثقات، وقول الدارقطني في «سننه»: قبيصةُ لم يسمع من عمرو بن العاص، فيه نظر، فإن سماعه منه محتمل، فإن قبيصة ولد عامَ الفتح، وتوفي عمرو بن العاص سنة اثنتين وستين، كان سن قبيصة سنة وفاة عمرو إحدى وخمسين سنة، ثم إن قبيصة قد سكن الشام، وكذلك عمرو قد أقام بالشام بعد الفتوحات كثيرًا، وعليه فسماعه منه محتمل إقامة ومعاصرة.
محمد بن جعفر: هو الهُذَلي المعروف بغُندر، وابن المثنى: هو محمد العَنَزي، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي، وسعيد: هو ابن أبي عروبة اليَشكُري.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٨٣) من طريق وكيع بن الجراح، عن سعيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٨٠٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٣٠٠).
وفي الباب موقوفًا عن علي عند ابن أبي شيبة ٥/ ١٦٣ - ١٦٤، والبيهقي ٧/ ٤٤٨، وفيه انقطاع.
وانظر الخلاف في هذه المسألة في «المغني» لابن قدامة المقدسي ١١/ ٢٦٢ - ٢٦٤.

أتحِلُّ لِزوجها الأولِ؟ قالت: قال النبيُّ ﷺ: «لا تحلُّ للأوَّل حتى تذُوقَ عُسيلة الآخرِ ويَذُوقَ عُسَيْلتَها» (١).

٥٠ - باب في تعظيم الزِّنى
٢٣١٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا سفيانُ، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ شُرحبيلَ


(١) إسناده صحيح. مسدَّدٌ: هو ابن مسرهد الأسدي، وأبو معاوية: هو محمد ابن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، والأسود: هو ابن يزيد النخعي.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٥٥٧٠) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٤٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٢٢).
وأخرجه البخاري (٢٦٣٩) و(٥٢٦٠) و(٥٢٦٥) و(٥٣١٧) و(٥٧٩٢) و(٦٠٨٤)، ومسلم (١٤٣٣) (١١١ - ١١٤)، وابن ماجه (١٩٣٢)، والترمذي (١١٤٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٠٩) و(٥٥٧١) و(٥٥٧٢) و(٥٥٧٤) من طريق عروة بن الزبير، والبخاري (٥٢٦١)، ومسلم (١٤٣٣) (١١٥)، والنسائي (٥٥٧٥) من طريق القاسم ابن محمد، والبخاري (٥٨٢٥) من طريق عكرمة مولى ابن عباس، ثلاثتهم، عن عائشة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٥٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤١١٩) و(٤١٢٠).
وقوله: عسيلتها. قال جمهور العلماء: ذوق العُسيلةَ كناية عن المجامعة، وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة. وزاد الحسن البصري: حصول الإنزال. قال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٤٦٦: وهذا الشرط انفرد به عن الجماعة، قاله ابن المنذر وآخرون.
وقال ابن بطال: شذ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا: يكفي من ذلك ما يوجب الحد، ويحصن الشخص، ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم.
وقال السندي: عسيلة: تصغير العسل، والتاء، لأن العسل يُذكر ويؤنث، وقيل:
على إرادة اللذة، والمراد لذة الجماع لا لذة إنزال الماء، لأن التصغير يقتضي الاكتفاء
بالتقليل، فيكتفى بلذة الجماع.

عن عبد الله، قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ الذنبِ أعظمُ؟ قال: «أن تجْعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ» قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تَقْتُلَ ولَدَك خشية أن يأكلَ معك» قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تُزَانَي حَليلةَ جَارِك» قال: وأنزلَ الله تعالى تصديقَ قولِ النبي ﷺ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] (١).


(١) إسناده صحيح. محمد بن كثير: هو العبدي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، ومنصور: هو ابن المعتمر السلمي، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسَدي، وعمرو بن شُرَحبيل: هو أبو ميسرة الهمداني الكوفي.
وأخرجه البخاري (٤٤٧٧) و(٤٧٦١) و(٦٠٠١) و(٦٨١١) و(٧٥٢٠)، ومسلم (٨٦)، والترمذي (٣٤٥٧)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٨٦) و(١٠٩٢٠) و(١١٣٠٥) من طريق منصور، بهذا الإسناد. ولم يَرِدْ عند بعضهم ذكر الآية.
وأخرجه البخاري (٦٨١١) و(٦٨٦١) و(٧٥٣٢)، ومسلم (٨٦)، والترمذي (٣٤٥٧)، والنسائي في «الكبرى» (١١٣٠٥) من طريق الأعمش سليمان بن مهران، والبخاري (٦٨١١)، والترمذي (٣٤٥٦)، والنسائي (٣٤٦٢) و(٣٤٦٣) من طريق واصل الأحدب، والنسائي (٣٤٦٤) من طريق عاصم بن بهدلة، ثلاثتهم عن أبي وائل، به. وبعضهم أيضًا دون ذكر الآية.
وهو في «مسند أحمد» (٤١٣١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤١٤) و(٤٤١٥) و(٤٤١٦). وانظر تمام كلامنا عليه في «المسند».
وأخرجه البخاري (٤٧٦١) و(٦٨١١)، والترمذي (٣٤٥٨) و(٣٤٥٩)، والنسائي (٧٠٨٧) من طريق واصل بن حيان الأحدب، والنسائي (٣٤٦٤) من طريق عاصم بن بهدلة، و(١١٣٠٤) من طريق الأعمش، ثلاثتهم عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود.
دون ذكر عمرو بن شرحبيل في الإسناد. وقد ذكر عمرو الفلاّس كما في رواية البخاري (٦٨١١) لعبد الرحمن بن مهدي رواية واصل هذه التى أسقط منها عمرو بن شرحبيل، فقال له: دَعْه دَعْه، قلنا: يعني لم تعجبه، وأنكرها. وخطأ النسائي رواية عاصم بن -

٢٣١١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ إبراهيم، عن حجَّاج، عن ابن جريج، قال: وأخبرني أبو الزبير
أنه سمع جابرَ بنَ عبدِ الله يقولُ: جاءت مُسيكةُ لِبعضِ الأنصارِ، فقالت: ان سيدي يكْرِهُني على البِغَاء فنزَلَ في ذلك ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] (١).


= بهدلة، قلنا: أما رواية الأعمش، فقد خالف فيها أبو معاوية جريرَ بنَ عبد الحميد وسفيانَ الثوريَّ حيث تابعا في روايتهما عن الأعمش منصورًا فذكرا عمرو بن شرحبيل، ولهذا قال الترمذي: حديث سفيان عن منصور والأعمش أصح من حديث واصل، لأنه زاد في الإسناد رجلًا.
(١) إسناده صحيح. ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- وأبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تَدرُس المكي- قد صرحا بالسماع، فانتفت شبهة تدليسهما.
أحمد بن إبراهيم: هو ابن كثير الدَّورَقي، وحجّاج: هو ابن محمد الأعور.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١١٣٠١) من طريق حجّاج، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (٣٠٢٩) من طريق أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر، أن جارية لعبد الله بن أبيّ ابن سلول، يقال لها: مُسَيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي ﷺ، فأنزل الله: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ .... إلي قوله: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ أي: إماءكم، فإنه يكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة. وفي الحديث الصحيح: «ليقل أحدكم: فتاي وفتاتيِ، ولا يقل: عبدي وأمتي».
وقوله تعالى: ﴿عَلَى الْبِغَاءِ﴾ أي: على الزنى، يقال: بَغتْ بَغِيًّا وبغاءً: إذا عهرت، وذلك لتجاوزها ما ليس لها.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنى، وإخراج ما عداها من حُكمه، بل للمحافظة على عادتهم المستمرة حيث كانوا يكرهونهن على البغاء، وهن يردن التعفف عنه مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور وقصورهن في معرفة الأمور الداعية الى المحاسن الزاجرة عن تعاطي القبائح. أفاده أبو السعود في «تفسيره». وحينئذ لا مفهوم للشرط.
وانظر ما بعده.

٢٣١٢ - حدَّثنا عُبيدُ اللهِ بنُ مُعاذ، حدَّثنا مُعتَمِرٌ
عن أبيه ﴿وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] قال: قال سعيد بن أبي الحسن: غفور لهن: المُكْرَهاتُ (١).
آخر كتاب الطلاق
تم الجزء الثالث من «سنن أبي داود»
ويليه الجزء الرابع وأوله: كتاب الصوم


(١) أثر صحيح. معتمر: هو ابن سليمان بن طرخان التيمي. وانظر ما قبله.
وقال المنذري في «مختصره»: وكان الحسن البصري يقول: لَهُنَّ واللهِ لهُنَّ، لا لمكرهِهِنَّ.

 


google-playkhamsatmostaqltradent