قال الإمام النووي. قال الزهري رحمه
الله تعالى: القضاء في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه. ويكون القضاء إمضاء الحكم.
ومنه قوله تعالى: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل﴾. وسمى الحاكم قاضيا لأنه يمضي الأحكام
ويحكمها. ويكون قضى بمعنى أوجب. فيجوز أن يكون سمى قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب
عليه. وسمي حاكما لمنعه من الظالم من الظلم. يقال: حكمت الرجل وأحكمته إذا منعته.
وسميت حكمة الدابة لمنعها الدابة من ركوبها رأسها. وسميت الحكمة حكمة لمنعها النفس
من هواها.
١ - بَاب الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
١
- (١٧١١)
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ؛
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ (لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ
وَأَمْوَالَهُمْ. ولكن اليمين على المدعى عليه).
(لو يعطى الناس بدعواهم ...) هذا الحديث
قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع. ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد
دعواه. بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه. فإن طلب يمين المدعى عليه فله
ذلك. وقد بين ﷺ الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه لأنه لو كان أعطى بمجردها
لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح. ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه.
وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة.
٢ - (١٧١١)
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ نَافِعُ بْنُ
عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛
إن رسول الله ﷺ قَضَى بِالْيَمِينِ
عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
٢ - بَاب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ
٣
- (١٧١٢)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدٌ (وَهُوَ ابْنُ خباب). حدثني سيف بن
سليمان. أخبرني قيس ابن سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عباس؛
أن رسول الله ﷺ قَضَى بِيَمِينٍ
وَشَاهِدٍ.
٣ - بَاب الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّحْنِ
بِالْحُجَّةِ
٤
- (١٧١٣)
حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
عَنْ هشام بن عرو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ. قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ. وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ
مِنْ بَعْضٍ. فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ
قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ. فَإِنَّمَا أَقْطَعُ
لَهُ بِهِ قطعة من النار).
(ألحن) معناه أبلغ وأعلم بالحجة.
(فَإِنَّمَا
أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) معناه إن قضيت له بظاهر يخالف الباطن،
فهو حرام يؤول به إلى النار.
(١٧١٣) - وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. كِلَاهُمَا
عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
٥ - (١٧١٣)
وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ.
أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمِعَ
جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ (إِنَّمَا
أَنَا بَشَرٌ. وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ،
⦗١٣٣٨⦘
فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ
أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ. فَمَنْ
قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ،
فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يذرها).
(جلبة) في الرواية الأخرى لجبة. وهما صحيحان.
والجلبة واللجبة اختلاط الأصوات.
(خصم)
الخصم، هنا، الجماعة. وهو من الألفاظ التي تقع على الواحد وعلى الجمع.
(إنما
أنا بشر) معناه التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن
الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك. وأنه يجوز عليه في أمور
الأحكام ما يجوز عليهم. وأنه إنما يحكم بين الناس وبالظاهر والله يتولى السرائر.
فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر، مع إمكان كونه في الباطن خلاف
ذلك. ولكنه إنما كلف بحكم الظاهر.
(فمن
قضيت له بحق مسلم) هذا التقييد بالمسلم خرج على الغالب. وليس المراد به الاحتراز
من الكافر. فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد، في هذا، كمال المسلم.
(فليحملها
أو يذرها) ليس معناه التخيير. بل هو التهديد والوعيد. كقوله تعالى: ﴿فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾. وكقوله سبحانه: ﴿اعملوا ما شئتم﴾.
٦ - (١٧١٣)
وحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخبرنا معمر. كلاهما عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا
الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ.
وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: قَالَتْ:
سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ لَجَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ.
٤ - بَاب قَضِيَّةِ هِنْدٍ
٧
- (١٧١٤)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة. قالت:
دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ،
امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، على رسول الله ﷺ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ. لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا
يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ. إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ
عِلْمِهِ. فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
(خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يكفيك ويكفي بنيك).
(إن أبا سفيان رجل شحيح) في هذا الحديث
فوائد: منها وجوب نفقة الزوجة. ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار. ومنها أن
النفقة مقدرة بالكفاية.
(١٧١٤) - وحدثناه محمد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ
وَوَكِيعٍ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي. أخبرنا عبد العزيز ابن مُحَمَّدٍ.
ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ.
أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
٨ - (١٧١٤)
وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ.
فَقَالَتْ: يا رسول الله! وَاللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ
خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ.
وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
يُعِزَّهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (وَأَيْضًا.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ!). ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا
سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ. فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ
مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (لَا حرج عليك أن تنفقي
عليهم بالمعروف).
(أهل خباء) قال القاضي عياض: أرادت بقولها:
أهل خباء - نفسه ﷺ. فكنت عنه بأهل الخباء إجلالا له. قال: ويحتمل أن تريد بأهل
الخباء أهل بيته. والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره.
(وأيضا.
والذي نفسي بيده!) معناه: وستزيدين من ذلك، ويتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك لله
ولرسوله ﷺ، ويقوى رجوعك عن بغضه. وأصل هذه اللفظة: آض يئيض أيضا، إذا رجع.
٩ - (١٧١٤)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ
الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ.
وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (وَأَيْضًا.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ!). ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا
سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ. فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ مِنْ أَنْ أُطْعِمَ، مِنَ
الَّذِي لَهُ، عيالنا؟ فقال لها (لا. إلا بالمعروف).
(مسيك) أي شحيح وبخيل. واختلفوا في ضبطه على
وجهين حكاهما القاضي: أحدهما مسيك. والثاني مسيك وهذا الثاني هو الأشهر في روايات
المحدثين. والأولى أصح عند أهل العربية. وهما جميعا للمبالغة.
(لا.
إلا بالمعروف) هكذا هو في جميع النسخ. وهو صحيح. ومعناه لا حرج. ثم ابتدأ فقال:
إلا بالمعروف. أي لا تنفقي إلا بالمعروف. أو لا حرج إذا لم تنفقي إلا بالمعروف.
٥ - بَاب النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ
غَيْرِ حَاجَةٍ. وَالنَّهْيِ عَنْ مَنْعٍ وَهَاتِ، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ
أَدَاءِ حَقٍّ لَزِمَهُ أَوْ طَلَبِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ
١٠
- (١٧١٥)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ:
قال رسول الله ﷺ (إن الله يرضى لكم
وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا. فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا. وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.
وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وقال. وكثرة السؤال. وإضاعة المال).
(يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا) قال
العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى، المراد بها أمره ونهيه، أو ثوابه
وعقابه. أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم.
(وأن
تعتصموا بحبل الله جميعا) الاعتصام بحبل الله هو التمسك بعهده. وهو اتباع كتابه
العزيز وحدوده، والتأدب بأدبه. والحبل يطلق على العهد وعلى الأمان وعلى الوصلة
وعلى السبب. وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور، لاستمساكهم بالحبل
عند شدائد أمورهم، ويوصلون به المتفرق. فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور.
(ولا
تفرقوا) بحذف إحدى التاءين. أي لا تتفرقوا. وهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف
بعضهم ببعض. وهذه إحدى قواعد الإسلام.
(قيل
وقال) هو الخوض في إخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. واختلفوا
في حقيقة هذين اللفظين على قولين: أحدهما أنهما فعلان. فقيل مبني لما لم يسم
فاعله، وقال فعل ماض. والثاني أنهما اسمان مجروران منونان. لأن القيل والقال
والقول والقالة كله بمعنى. ومنه قوله تعالى: ﴿ومن أصدق من الله قيلا﴾. ومنه قولهم:
كثر القيل والقال.
(وكثرة
السؤال) قيل: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو
إليه حاجة. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: المراد به سؤال
الناس أموالهم وما في أيديهم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. قيل.
يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما
لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول. فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله.
فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة. وإن أهمل
جوابه ارتكب سوء الأدب.
(وإضاعة
المال) هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف. وسبب النهي أنه فسد والله لا
يحب المفسدين. ولأنه، إذا ضاع ماله ٠ تعرض لما في أيدي الناس.
١١ - (١٧١٥) وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَا تفرقوا.
١٢ - (٥٩٣) وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عن منصور، عن الشعبي، عن وارد
مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ،
عَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ (إِنَّ
اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ. وَوَأْدَ الْبَنَاتِ.
وَمَنْعًا وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ. وَكَثْرَةَ
السُّؤَالِ. وإضاعة المال).
(عقوق الأمهات) أما عقوق الأمهات فحرام، وهو
من الكبائر بإجماع العلماء. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر.
وكذلك عقوق الآباء من الكبائر. وإنما اقتصر، هنا، على الأمهات لأن حرمتهن آكد من
حرمة الآباء.
(ووأد
البنات) هو دفنهن في حياتهن، فيمتن تحت التراب. وهو من الكبائر الموبقات. لأنه قتل
نفس بغير حق. ويتضمن أيضا قطيقة الرحم. وإنما اقتصر على البنات، لأنه المعتاد الذي
كانت الجاهلية تفعله.
(ومنعا
وهات) هو بكسر التاء من هات ومعنى الحديث أنه نهى أن يمنع الرجل ما توجه عليه من
الحقوق، أو يطلب ما لا يستحقه.
(٥٩٣) - وحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَحَرَّمَ
عَلَيْكُمْ رسول الله ﷺ. ولم يَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
١٣ - (٥٩٣) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَشْوَعَ
عَنْ الشَّعْبِيِّ. حَدَّثَنِي كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: كَتَبَ
مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ
الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ).
١٤ - (٥٩٣) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ.
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سُوقَةَ. أَخْبَرَنَا محمد بن عبيد الله الثقفي عن وارد. قَالَ: كَتَبَ
الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ.
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا. وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: حَرَّمَ عُقُوقَ
الْوَالِدِ. وَوَأْدَ الْبَنَاتِ. وَلَا وَهَاتِ. وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: قيل وقال.
وكثرة السؤال. وإضاعة المال).
(ولا وهات) أي وحرم لا. يعني الامتناع عن
أداء ما توجبه عليه من الحقوق. يقول في الحقوق الواجبة: لا أعطي. ويقول فيما ليس
له حق فيه: أعط.
٦ - بَاب بَيَانِ أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ،
فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ
١٥
- (١٧١٦)
حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الهاد، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ
مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
قال (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ.
وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أجر).
(إذا حكم الحاكم فاجتهد) قال العلماء: أجمع
المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم. فإن أصاب فله أجران. أجر
باجتهاده وأجر بإصابته. وإن أخطأ فله أجر اجتهاده. وفي الحديث محذوف تقديره: إذا
أراد الحاكم فاجتهد. قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم. فإن حكم فلا
أجر له، بل هو إثم. ولا ينفذ حكمه. سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست
صادرة عن أصل شرعي. فهو عاص في جميع أحكامه. سواء وافق الصواب أم لا. وهي مردودة
كلها ولا يعذر في شيء من ذلك.
(١٧١٦) - وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي عَقِبِ الْحَدِيثِ:
قَالَ يَزِيدُ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
٢ م - (١٧١٦) وحَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِى
ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ). حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الله ابن أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ، بِهَذَا
الْحَدِيثِ، مِثْلَ رواية عبد العزيز بن محمد. بالإسنادين.
٧ - بَاب كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ
غَضْبَانُ
١٦
- (١٧١٧)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ. قَالَ:
كَتَبَ أَبِي (وَكَتَبْتُ لَهُ) إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ
وَهُوَ قَاضٍ
⦗١٣٤٣⦘
بِسِجِسْتَانَ: أَنْ لَا تَحْكُمَ
بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ.
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ (لَا يَحْكُمْ أحد بين اثنين وهو غضبان).
(لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ
وَهُوَ غَضْبَانُ) فيه النهي عن القضاء في حال الغضب. قال العلماء: ويلتحق بالغضب
كل حال يخرج الحاكم فيها عن سداد النظر واستقامة الحال. كالشبع المفرط والجوع
المقلق، والهم والفرح البالغ، ومدافعة الحدث، وتعلق القلب بأمر، ونحو ذلك. فكل هذه
الأحوال يكره فيها القضاء خوفا من الغلط، فإن قضى فيها صح قضاؤه. لأن النبي ﷺ قضى
في شراج الحرة في مثل هذا الحال. وقال في اللقطة: ما لك ولها؟ وكان في حال الغضب.
(١٧١٧) - وحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ أبي سَلَمَةَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو
كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ.
٨ - بَاب نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ
مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ
١٧
- (١٧١٨)
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَوْنٍ الْهِلَالِيُّ. جميعا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ
الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ. قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ
أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ).
(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا
لَيْسَ منه فهو رد) قال أهل العربية. الرد هنا، بمعنى المردود. ومعناه فهو باطل
غير معتد به. وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام. وهو من جوامع كلمه ﷺ.
فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات.
١٨ - (١٧١٨) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن
حميد. جميعا عَنْ أَبِي عَامِرٍ. قَالَ عَبْدُ: حَدَّثَنَا عبد الملك بن عمرو.
حدثنا عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ:
سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ
⦗١٣٤٤⦘
مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ
ثَلَاثَةُ مَسَاكِنَ. فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ مَسْكَنٍ مِنْهَا. قَالَ: يُجْمَعُ
ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال (من
عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).
(مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ
أَمْرُنَا فَهُوَ رد) قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها. فإذا احتج عليه
بالرواية الأولى يقول. أنا ما أحدثت شيئا. فيحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح
برد كل المحدثات سواء أحدثها الفاعل أو سبق بإحداثها. وهذا الحديث مما ينبغي حفظه
واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به.
٩ بَاب بَيَانِ خَيْرِ الشُّهُودِ
١٩
- (١٧١٩)
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ؛
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ (أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ! الَّذِي يأتي بشهادته قبل أن يسألها).
(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ
الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أن يسألها) الشهداء جمع شهيد، بمعنى شاهد. قال
الإمام النووي رضي الله عنه: في المراد بهذا الحديث تأويلان: أصحهما وأشهرهما
تأويل أصحاب الشافعي؛ أنه محمول على من عنده شهادة لأنسان بحق. ولا يعلم ذلك
الإنسان أنه شاهد، فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له. والثاني أنه محمول على شهادة
الحسبة وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم. وحكى تأويل ثالث؛ أنه محمول على
المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله. كما يقال: الجواد يعطي قبل
السؤال. أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف.
١٠ - بَاب بَيَانِ اخْتِلَافِ
الْمُجْتَهِدِينَ
٢٠
- (١٧٢٠)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ. قال (بينما امْرَأَتَانِ
مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا. جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ
هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الْأُخْرَى:
إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ. فَقَضَى بِهِ
لِلْكُبْرَى. فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام.
فَأَخْبَرَتَاهُ. فَقَالَ: ائْتُونِي
⦗١٣٤٥⦘
بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ
بَيْنَكُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا. يَرْحَمُكَ اللَّهُ! هُوَ ابْنُهَا.
فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
وَاللَّهِ! إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ. مَا كُنَّا
نَقُولُ إلا المدية.
(لا. يرحمك الله) معناه: لا تشقه. ثم استأنفت
فقالت: يرحمك الله! هو ابنها. قال العلماء: ويستحب أن يقال في مثل هذا بالواو.
فيقال: لا. ويرحمك الله.
(المدية)
بضم الميم وفتحها وكسرها، سميت به لأنها تقطع مدى حياة الحيوان.
(١٧٢٠) - وحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنِي حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيَّ) عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى
حَدِيثِ وَرْقَاءَ.
١١ - بَاب اسْتِحْبَابِ إِصْلَاحِ
الْحَاكِمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ
٢١
- (١٧٢١)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول
اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (اشْتَرَى
رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ. فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى
الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ. فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى
الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي. إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ. وَلَمْ
أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ
الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ. فَقَالَ الَّذِي
تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ.
وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ.
وأنفقوا على أنفسكما منه. وتصدقا).
(عقارا) العقار هو الأرض وما يتصل بها.
وحقيقة العقار الأصل. سمي بذلك من العقر، بضم العين وفتحها، وهو الأصل. ومنه: عقر
الدار، بالضم والفتح.
(جرة)
قال في المنجد: الجرة إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(شرى
الأرض) هكذا هو في أكثر النسخ: شرى. وفي بعضها: اشترى. قال العلماء: الأول أصح.
وشرى بمعنى باع، كما في قوله تعالى: ﴿وشروه بثمن بخس﴾. ولهذا قال: فقال الذي شرى
الأرض إنما بعتك.