١ - (٢٨٢٢)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حدثنا حماد بن سلمة عن
ثابت وحميد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ «حفت الجنة
بالمكاره. وحفت النار بالشهوات».
(حفت الجنة بالمكاره) هكذا رواه مسلم: حفت.
ووقع في البخاري: حفت. ووقع فيه أيضا: حجت. وكلاهما صحيح. قال العلماء: هذا من
بديع الكلام وفصبحه وجوامعه التي أوتيها ﷺ من التمثيل الحسن. ومعناه: لا يوصل إلى
الجنة إلا بارتكاب المكاره. والنار، إلا بالشهوات. وكذلك هما محجوبتان بهما. فمن
هتك الحجاب وصل إلى المحبوب. فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره. وهتك حجاب النار
بارتكاب الشهوات.
(٢٨٢٣) - وحدثني زهير بن حرب. حَدَّثَنَا
شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ. بمثله.
٢ - (٢٨٢٤)
حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب (قال زهير: حدثنا. وقال سعيد: أخبرنا)
سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ. قال «قال الله عز وجل:
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
مصداق ذلك في كتاب الله: ﴿فَلا
تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴿[٣٢
/السجدة /١٧].
٣ - (٢٨٢٤)
حدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا ابن وهب. حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة؛
أن النبي ﷺ قال «قال الله عز وجل:
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ذخرا. بله ما أطلعكم الله عليه».
(بله ما أطلعكم الله عليه) معناه دع عنك ما
أطلعكم عليه، فالذي لم يطلعكم عليه أعظم. وكأنه أضرب عنه استقلالا له في جنب ما لم
يطلع عليه. وقيل: معناه غير. وقيل: معناه كيف.
٤ - (٢٨٢٤)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ.
ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا
الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله ﷺ «يقول الله عز وجل:
أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ذخرا. بله ما أطلعكم الله عليه». ثم قرأ:
﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين﴾.
٥ - (٢٨٢٥)
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلي. قالا: حدثنا
ابن وهب. حدثني أبو صخر؛ أن أبا حازم حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول:
شهدت من رسول الله ﷺ مجلسا وصف فيه
الجنة. حتى انتهى. ثم قال ﷺ في آخر حديثه «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا
خطر على قلب بشر» ثم اقترأ هذه الآية: ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا
وطمعا ومما رزقناهم ينفقون* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة
أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ [٣٢ /السجدة /١٦ و-١٧].
١ - باب إن في الجنة شجرة، يسير الراكب في ظلها مائة
عام، لا يقطعها
٦
- (٢٨٢٦)
حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ،
عَنْ أَبِيهِ، عن أبي هريرة،
عن رسول الله ﷺ؛ أَنَّهُ قَالَ
«إِنَّ فِي الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة».
(في ظلها) قال العلماء: المراد بظلها كنفها
وذراها، وهو ما يستر أغصانها.
٧ - (٢٨٢٦)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي ابْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي
هريرة،
عن النبي ﷺ. بمثله. وزاد «لا يقطعها».
٨ - (٢٨٢٧)
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا المخزومي. حدثنا وهيب عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
عن رسول الله ﷺ قال «إن في الجنة
لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها».
(٢٨٢٨) - قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن
أبي عياش الزرقي. فقال: حدثني أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «إن في الجنة
شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع، مائة عام، ما يقطعها».
(المضمر) قال في النهاية: تضمير الخيل هو أن
يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف. وقيل: تشد عليها سروجها
وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رهلها ويشتد لحمها.
٢ - باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم
أبدا
٩
- (٢٨٢٩)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ. حدثنا عبد الله بن
المبارك. أخبرنا مالك بن أنس. ح وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ
(وَاللَّفْظُ لَهُ). حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ؛
أَنَّ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «إِنَّ
الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك. ربنا! وسعديك. والخير في
يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رب! وقد أعطيتنا ما لم تعط
أحدا من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من
ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني. فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
(أحل عليكم رضواني) قال القاضي في المشارق:
أي أنزله بكم.
٣ - باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف، كما يرى الكوكب
في السماء
١٠
- (٢٨٣٠)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال «إن أهل
الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء».
(٢٨٣١) - قال فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش
فقال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: «كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو
الغربي».
(الكوكب الدري) فيه ثلاث لغات. قرئ بهن في
السبع. الأكثرون: دري، بضم الدال وتشديد الياء، بلا همز. والثانية بضم الدال،
مهموز ممدود. والثالثة بكسر الدال مهموز ممدود. وهو الكوكب العظيم. قيل: سمي دريا
لبياضه كالدر. وقيل: لإضاءته. وقيل: لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم،
كالدر أرفع الجواهر. (في الأفق) بضم الفاء وسكونها. ناحية السماء.
١٠ - م - (٢٨٣٠) وحدثناه إِسْحَاقَ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حدثنا وهيب عن أبي حازم، بالإسنادين
جميعا، نحو حديث يعقوب.
١١ - (٢٨٣١) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَي بن خالد. حدثنا معن. حدثنا مالك. ح وحَدَّثَنِي هَارُونُ
بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بن أنس عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «إِنَّ
أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق
من المشرق أو المغرب. لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء.
لا يبلغها غيرهم. قال «بلى. والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».
(الغابر) الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب
وبعد عن العيون. (من الأفق) هكذا هو في عامة النسخ: من الأفق. قال القاضي: لفظة من
هذه لابتداء الغاية. ووقع في رواية البخاري: في الأفق. قال بعضهم: وهو الصواب. قال
وذكر بعضهم أن من في رواية مسلم لانتهاء الغاية. وقد جاءت كذلك كقولهم: رأيت
الهلال من خلل السحاب. قال القاضي: وهذا صحيح. ولكن حملهم لفظة من هنا، على انتهاء
الغاية غير مسلم. بل هي على بابها. أي كان ابتداء رؤيته إياه رؤيته من خلل السحاب،
ومن الأفق.
٤ - باب فيمن يود رؤية النبي ﷺ، بأهله وماله
١٢
- (٢٨٣٢)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
إن رسول الله ﷺ قال «من أشد أمتي لي
حبا، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني، بأهله وماله».
٥ - باب في سوق الجنة، وما ينالون فيها من النعيم
والجمال
١٣
- (٢٨٣٣)
حدثنا أبو عثمان، سعيد بن عبد الجبار البصري. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عن أنس بن مالك؛
أن رسول الله ﷺ قَالَ «إِنَّ فِي
الجنة لسوقا. يأتونها كل جمعة. فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم. فيزدادون
حسنا وجمالا. فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا. فيقول لهم أهلوهم:
والله! لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. فيقولون: وأنتم، والله! لقد ازددتم بعدنا
حسنا وجمالا».
(لسوقا) المراد بالسوق مجمع لهم، يجتمعون كما
يجتمع الناس في الدنيا في السوق. (يأتونها كل جمعة) أي في مقدار كل جمعة. أي
أسبوع. وليس هناك حقيقة أسبوع، لفقد الشمس والليل والنهار. والسوق يذكر ويؤنث، وهو
أفصح. (الشمال) هي التي تأتي من دبر القبلة. قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال
لأنها ريح المطر عند العرب. كانت تهب من جهة الشام وبها يأتي سحاب المطر. وكانوا
يرجون السحاب الشامية.
٦ - باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة
البدر، وصفاتهم وأزواجهم
١٤
- (٢٨٣٤)
حدثني عمرو الناقد ويعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقِيُّ. جميعا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ
(وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ). قالا: حدثنا إسماعيل بن علية. أخبرنا أيوب عن محمد قال:
إما تفاخروا وإما تذاكروا: الرجال في
الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أو لم يقل أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ «إِنَّ أول
زمرة
⦗٢١٧٩⦘
تدخل الجنة على صورة القمر ليلة
البدر. والتي تليها على أضوإ كوكب دري في السماء. لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان.
يرى مخ سوقهما من وراء اللحم. وما في الجنة أعزب؟»
(زمرة) الزمرة هي الجماعة. (زوجتان) هكذا هو
في الروايات: زوجتان. وهي لغة متكررة في الأحاديث وكلام العرب. والأشهر حذفها. وبه
جاء القرآن وأكثر الأحاديث. (أعزب) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: أعزب، بالألف. وهي
لغة. والمشهور في اللغة: عزب، بغير ألف. ونقل القاضي أن جميع رواتهم رووه: وما في
الجنة عزب، بغير ألف. والعزب من لا زوجة له. والعزوب البعد. وسمي عزبا لبعده عن
النساء.
١٤ - م - (٢٨٣٤) حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا
سفيان عن أيوب، عن ابن سيرين. قال:
اختصم الرجال والنساء: أيهم في الجنة
أكثر؟ فسألوا أبا هريرة فقال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ. بمثل حديث ابن علية.
١٥ - (٢٨٣٤) وحدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابن زياد) عن عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ.
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أول من
يدخل الجنة». ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
(واللفظ لقتيبة) قالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة
البدر. والذين يلونهم على أشد كوكب دري، في السماء، إضاءة. لا يبولون ولا يتغوطون
ولا يمتخطون ولا يتفلون. أمشاطهم الذهب. ورشحهم المسك. ومجامرهم الألوة. وأزواجهم
الحور العين. أخلاقهم على خلق رجل واحد. على صورة أبيهم آدم. ستون ذراعا، في
السماء».
(ورشحهم المسك) أي عرقهم. (الألوة) في
النهاية: الألوة هو العود الذي يتبخر به. العود الهندي.
١٦ - (٢٨٣٤) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب.
قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ:
قال رسول الله ﷺ «أول زمرة تدخل
الجنة من أمتي، على صورة القمر ليلة البدر. ثم الذين يلونهم على أشد نجم، في
السماء، إضاءة. ثم هم بعد ذلك منازل. لا يتغوطون
⦗٢١٨٠⦘
ولا يبولون ولا يتمخطون ولا يبزقون.
أمشاطهم الذهب. ومجامرهم الألوة. ورشحهم المسك. أخلاقهم على خلق رجل واحد. على طول
أبيهم آدم، ستون ذراعا».
قال ابن أبي شيبة: على خلق رجل. وقال
أبو كريب: على خلق رجل. وقال ابن أبي شيبة: على صورة أبيهم.
(على خلق رجل واحد) قد ذكر مسلم في الكتاب
اختلاف ابن أبي شيبة وأبي كريب في ضبطه. فإن ابن أبي شيبة يرويه بضم الخاء واللام.
وأبو كريب بفتح الخاء وإسكان اللام. وكلاهما صحيح. وقد اختلف فيه رواة مسلم ورواة
صحيح البخاري أيضا. ويرجح الضم بقوله في الحديث الآخر: لا اختلاف بينهم ولا تباغض.
قلوبهم قلب واحد. وقد يرجح الفتح بقوله ﷺ، في تمام الحديث: على صورة أبيهم آدم أو
على طوله.
٧ - باب في صفات الجنة وأهلها، وتسبيحهم فيها بكرة
وعشيا
١٧
- (٢٨٣٤)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حدثنا معمر عن
همام بم مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عن رسول الله ﷺ.
فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أول زمرة
تلج الجنة، صورهم على صورة القمر ليلة البدر. لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا
يتغوطون فيها. آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة. ومجامرهم من الألوة. ورشحهم
المسك. ولكل واحد منهم زوجتان. يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، من الحسن. لا اختلاف
بينهم ولا تباغض. قلوبهم قلب واحد. يسبحون الله بكرة وعشيا».
١٨ - (٢٨٣٥) حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن
إبراهيم - واللفظ لعثمان - (قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وقَالَ إِسْحَاقُ:
أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول «إن أهل
الجنة يأكلون فيها ويشربون.
⦗٢١٨١⦘
ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون
ولا يتمخطون». قالوا: فما بال الطعام؟ قال «جشاء ورشح كرشح المسك. يلهمون التسبيح
والتحميد، كما يلهمون النفس».
(إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون) مذهب أهل
السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون. يتنعمون بذلك وبغيره من
ملاذها وأنواع نعيمها. تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا. وأن تنعمهم بذلك
على هيئة تنعم أهل الدنيا. إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا
تشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة. وإلا في أنهم لا يبولون ولا
يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبصقون. وقد دلت دلائل القرآن والسنة، في هذه الأحاديث
التي ذكرها مسلم وغيره؛ أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا. (ولا يتفلون) بكسر
الفاء وضمها. حكاهما الجوهري وغيره. أي لا يبصقون.
١٨ - م - (٢٨٣٥) وحدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، بهذا الإسناد، إلى قوله «كرشح
المسك».
١٩ - (٢٨٣٥) وحدثني الحسن بن علي الحلواني وحجاج
بن الشاعر. كلاهما عن أبي عاصم. قال حسن: حدثنا أبو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ:
قَالَ رسول الله ﷺ «يأكل أهل الجنة
فيها ويشربون. ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون. ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح
المسك. يلهمون التسبيح والحمد، كما يلهمون النفس». قال وفي حديث حجاج «طعامهم ذاك».
(جشاء) هو تنفس المعدة من الامتلاء.
٢٠ - (٢٨٣٥) وحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى
الْأُمَوِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حدثنا ابن جريج. أخبرني أبو الزبير عن جابر، عن
النبي ﷺ. بمثله. غير أنه قال «ويلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس».
٨ - باب في دوام نعيم أهل الجنة، وقوله تعالى:
﴿ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾
٢١
- (٢٨٣٦)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ.
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ،
عن النبي ﷺ. قال «من يدخل الجنة ينعم
لا يبأس.
⦗٢١٨٢⦘
لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه».
(ينعم لا يبأس) وفي رواية: وإن لكم أن تنعموا
فلا تبأسوا أبدا. أي لا يصيبكم بأس، وهو شدة الحال. والبأس والبؤس والبأساء
والبؤسى بمعنى. وينعم وتنعموا، بفتح أوله والعين، أي يدوم لكم النعيم.
٢٢ - (٢٨٣٧) حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد
(واللفظ لإسحاق). قالا: أخبرنا عبد الرزاق. قال: قال الثوري: فحدثني أبو إسحاق؛ أن
الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة،
عن النبي ﷺ، قال «ينادي مناد: إن لكم
أن تصحوا فلا تسقموا أبدا. وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا. وإن لكم أن تشبوا
فلا تهرموا أبدا. وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» فذلك قوله عز وجل:
﴿ونودوا
أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾ [٧ /الأعراف /٤٣].
٩ - باب في صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من
الأهلين
٢٣
- (٢٨٣٨)
حدثنا سعيد بن منصور عن أبي قدامة (وهو الحارث بن عبيد)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «إن للمؤمن في
الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة. طولها ستون ميلا. للمؤمن فيها أهلون. يطوف
عليهم المؤمن. فلا يرى بعضهم بعضا».
(لخيمة) الخيمة بيت مربع من بيوت الأعراب.
٢٤ - (٢٨٣٨) وحدثني أبو غسان المسمعي. حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن قيس، عن أبيه؛
أن رسول الله ﷺ قال «في الجنة خيمة
من لؤلؤة مجوفة. عرضها ستون ميلا. في كل زاوية منها أهل. ما يرون الآخرين. يطوف
عليهم المؤمن».
(من لؤلؤة مجوفة) هكذا هو في عامة النسخ:
مجوفة. قال القاضي: وفي رواية السمرقندي رحمه الله: مجوبة بالباء، وهي المثقوبة، وهي
بمعنى المجوفة. (زاوية) الزاوية الجانب والناحية.
٢٥ - (٢٨٣٨) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
يزيد بن هارون. أخبرنا همام عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
⦗٢١٨٣⦘
الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بن
أبي موسى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «الخيمة درة.
طولها في السماء ستون ميلا. في كل زاوية منها أهل للمؤمن. لا يراهم الآخرون».
١٠ - باب ما في الدنيا من أنهار
الْجَنَّةِ
٢٦
- (٢٨٣٩)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير
وعلي بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ
عَاصِمٍ، عن أبي هريرة، قَالَ:
قَالَ رسول الله ﷺ «سيحان وجيحان،
والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة».
١١ - باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل
أفئدة الطير
٢٧
- (٢٨٤٠)
حدثنا حجاج بن الشاعر. حدثنا أبو النضر، هاشم بن القاسم الليثي. حدثنا إبراهيم
(يعني ابن سعد). حدثنا أبي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ «يَدْخُلُ
الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير».
(أفئدتهم مثل أفئدة الطير) قيل: مثلها في
رقتها وضعفها، كالحديث الآخر: أهل اليمن أرق قلوبا وأضعف أفئدة. وقيل: في الخوف
والهيبة. والطير أكثر الحيوان خوفا وفزعا. كما قال الله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من
عباده العلماء﴾. وكأن المراد قوم غلب عليهم الخوف.
٢٨ - (٢٨٤١) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ. قَالَ: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ
مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ «خلق الله عز
وجل آدم على صورته. طوله ستون ذراعا. فلما خلقه قال: اذهب فسلم على
⦗٢١٨٤⦘
أولئك النفر. وهم نفر من الملائكة
جلوس. فاستمع ما يجيبونك. فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال فذهب فقال: السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. قال فزادوه: ورحمة الله. قال فكل من يدخل الجنة
على صورة آدم. وطوله ستون ذراعا. فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن».
(على صورته) الضمير في صورته عائد إلى آدم.
والمراد أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض. وتوفي عليها.
وهي طوله ستون ذراعا. ولم ينتقل أطوارا كذريته. وكانت صورته في الجنة هي صورته في
الأرض لم تتغير.
١٢ - باب في شدة حر نار جهنم، وبعد قعرها،
وما تأخذ من المعذبين
٢٩
- (٢٨٤٢)
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أبي عن العلاء بن خالد
الكاهلي، عن شقيق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «يؤتى بجهنم
يومئذ لها سبعون ألف زمام. مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
(عن عبد الله) هذا الحديث مما استدركه
الدارقطني على مسلم. وقال: رفعه وهم. رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن
خالد موقوفا. قلت: وحفص ثقة، حافظ، إمام. فزيادته الرفع مقبولة، كما سبق نقله عن
الأكثرين والمحققين.
٣٠ - (٢٨٤٣) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ) عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال «ناركم هذه،
التي يوقد ابن آدم، جزء من سبعين جزءا من حر جهنم». قالوا: والله! إن كانت لكافية،
يا رسول الله! قال «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا. كلها مثل حرها».
٣٠ - م - (٢٨٤٣) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ. عَنْ هَمَّامِ
بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبي هريرة،
عن النبي ﷺ. بمثل حديث أبي الزناد.
غير أنه قال «كلهن مثل حرها».
٣١ - (٢٨٤٤) حدثنا يحيى بن أيوب. حدثنا خلف بن
خليفة. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عن أبي هريرة،
قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. إذ
سمع وجبة. فقال النبي ﷺ
⦗٢١٨٥⦘
«تدرون ما هذا؟» قال قلنا: الله
ورسوله أعلم. قال «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا. فهو يهوي في النار
الآن، حتى انتهى إلى قعرها».
(وجبة) أي سقطة.
٣١ - م - (٢٨٤٤) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ
عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالَا: حدثنا مروان عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عن أبي هريرة، بهذا الإسناد. وقال «هذا وقع في أسفلها، فسمعتم
وجبتها».
(هذا وقع في أسفلها) هكذا هو في النسخ. وهو
صحيح. فيه محذوف دل عليه الكلام. أي هذا حجر وقع، أو هذا حين وقع، ونحو ذلك.
٣٢ - (٢٨٤٥) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرحمن. قال: قال
قتادة: سمعت أبا نضرة يحدث عن سمرة؛
أنه سمع نبي اللَّهِ ﷺ يَقُولُ
«إِنَّ منهم من تأخذه النار إلى كعبيه. ومنهم من تأخذه إلى حجزته. ومنهم من تأخذه
إلى عنقه».
(ومنهم من تأخذه إلى حجزته) هي مقعد الإزار
والسراويل.
٣٣ - (٢٨٤٥) حدثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي ابن عطاء) عن سعيد، عن قتادة، قال: سمعت
أبا نضرة يحدث عن سمرة بن جندب؛
إن النبي ﷺ قال «منهم من تأخذه النار
إلى كعبيه. ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه. ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته.
ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته».
(إلى ترقوته) هي العظم الذي بين ثغرة النحر
والعاتق.
٣٣ - م - (٢٨٤٥) حدثناه محمد بن المثنى
ومحمد بن بشار. قالا: حدثنا روح. حدثنا سعيد، بهذا الإسناد. وجعل مكان حجزته -
حقويه.
(حقويه) بفتح الحاء وكسرها. وهما مقعد
الإزار. والمراد، هنا، ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه.
١٣ - باب النار يدخلها الجبارون، والجنة
يدخلها الضعفاء
٣٤
- (٢٨٤٦)
حدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال:
قال رسول الله ﷺ «احتجت النار
والجنة. فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون. وقالت هذه: يدخلني الضعفاء
والمساكين. فقال الله، عز وجل، لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء (وربما قال: أصيب
بك من أشاء). وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء. ولكل واحدة منكما ملؤها».
٣٥ - (٢٨٤٦) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي
هريرة،
عن النبي ﷺ قال «تحاجت النار والجنة.
فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا
ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم. فقال الله للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من
عبادي. وقال للنار: أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منكم ملؤها.
فأما النار فلا تمتلئ. فيضع قدمه عليها. فتقول: قط قط. فهنالك تمتلئ. ويزوي بعضها
إلى بعض».
(وسقطهم) أي ضعفاؤهم والمتحقرون منهم.
(وعجزهم) بفتح العين والجيم - جمع عاجز. أي العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها
والثروة والشوكة.
٣٥ - م - (٢٨٤٦) حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلَالِيُّ. حَدَّثَنَا أبو سفيان (يعني محمد بن حميد) عن
مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبي هريرة؛ أن النبي ﷺ قال
«احتجت الجنة والنار». واقتص الحديث بمعنى حديث أبي الزناد.
٣٦ - (٢٨٤٦) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ. قَالَ: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ
مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «تحاجت
⦗٢١٨٧⦘
الجنة والنار. فقالت النار: أوثرت
بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم
وغرتهم؟ قال الله للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار:
إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما النار فلا
تمتلئ حتى يضع الله، تبارك وتعالى، رجله. تقول: قط قط قط. فهنالك تمتلئ. ويزوي
بعضها إلى بعض. ولا يظلم الله من خلقه أحدا. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا».
(وغرتهم) روي على ثلاثة أوجه حكاها القاضي:
وهي موجودة في النسخ. أحدها غرثهم. قال القاضي: هذه رواية الأكثرين من شيوخنا.
ومعناها أهل الحاجة والفاقة والجوع والغرث الجوع. والثاني عجزتهم جمع عاجز.
والثالث غرتهم، وهذا هو الأشهر في نسخ بلادنا. أي البله الغافلون. الذين ليس لهم
فتك وحذق في أمور الدنيا. وهو نحو الحديث الآخر: أكثر أهل الجنة البله. قال
القاضي: معناه سواد الناس وعامتهم من أهل الإيمان الذين لا يفطنون للسنة فيدخل
عليهم الفتنة أو يدخلهم في البدعة أو غيرها. فهم ثابتوا الإيمان وصحيحو العقائد.
وهم أكثر المؤمنين، وهم أكثر أهل الجنة. وأما العارفون والعلماء العاملون
والصالحون والمتعبدون فهم قليلون. وهم أصحاب الدرجات العلى. (حتى يضع الله تبارك
وتعالى رجله) وفي الرواية التي بعدها: حتى يضع فيها .. قدمه. وفي الرواية الأولى:
فيضع قدمه عليها. هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات واختلاف العلماء فيها على
مذهبين: أحدهما، وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين؛ أنه لا يتكلم في
تأويلها. بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله. ولها معنى يليق بها. وظاهرها غير
مراد. والثاني، وهو قول جمهور المتكلمين؛ أنها تتأول بحسب ما يليق بها. (قط. قط)
معنى قط حسبي. أي يكفيني هذا. وفيه ثلاث لغات. قط وقط وقط. (يزوي) يضم بعضها إلى
بعض، فتجتمع وتلتقي على من فيها.
(٢٨٤٧) - وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «احتجت
الجنة والنار» فذكر نحو حديث أبي هريرة. إلى قوله «ولكليكما علي ملؤها» ولم يذكر
ما بعده من الزيادة.
٣٧ - (٢٨٤٨) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ.
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قال «لا
تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة، تبارك وتعالى.
قدمه. فتقول: قط قط، وعزتك. ويزوي
بعضها إلى بعض».
٣٧ - م - (٢٨٤٨) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بن عبد الوارث. حدثنا أبان بن يزيد
العطار. حدثنا قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بمعنى حديث شيبان.
٣٨ - (٢٨٤٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الرُّزِّيُّ. حَدَّثَنَا عبد الوهاب بن عطاء، في قوله عز وجل:
﴿يوم
نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد﴾ [٥٠ /ق /٣٠] فأخبرنا عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنه قال «لا تزال
جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه. فينزوي بعضها إلى
بعض وتقول: قط قط. بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا،
فيسكنهم فضل الجنة».
٣٩ - (٢٨٤٨) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حماد (يعني ابن سلمة). أخبرنا ثابت قال: سمعت
أنسا يَقُولُ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قال «يبقى من
الجنة ما شاء الله أن يبقى. ثم ينشئ الله تعالى لها خلقا مما يشاء».
٤٠ - (٢٨٤٩) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب
(وتقاربا في اللفظ). قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ:
قَالَ رسول الله ﷺ «يجاء بالموت يوم
القيامة كأنه كبش أملح (وزاد أبو كريب) فيوقف بين الجنة والنار (واتفقا في باقي
الحديث) فيقال: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم. هذا
الموت. قال ويقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون وينظرون ويقولون:
نعم. هذا الموت. قال فيؤمر به فيذبح. قال ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت.
ويا أهل النار! خلود فلا موت» قال ثم قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وأنذرهم يوم
الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون﴾ [١٩ /مريم /٣٩] وأشار بيده إلى
الدنيا.
(كبش أملح) الأملح، قيل: هو الأبيض الخالص.
قاله ابن الأعرابي. وقال الكسائي: هو الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر.
(فيشرئبون) أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي.
٤١ - (٢٨٤٩) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سَعِيدٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إذا أدخل
أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة!» ثم ذكر بمعنى حديث أبي
معاوية. غير أنه قال «فذلك قوله عز وجل» ولم يقل: ثم قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ولم يذكر
أيضا: وأشار بيده إلى الدنيا.
٤٢ - (٢٨٥٠) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدُ:
أَخْبَرَنِي. وقَالَ الآخران: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعْدٍ - حدثنا أبي عن صالح. حدثنا نافع؛ أن عبد الله قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ
«يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ. ويدخل أهل النار النار. ثم يقوم
مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة! لا موت. ويا أهل النار! لا موت. كل خالد فيما هو
فيه».
٤٣ - (٢٨٥٠) حدثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ
الأَيْلِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حدثني
عمر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ؛ أن أباه حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛
أَنّ رسول اللَّهِ ﷺ قَالَ «إِذَا
صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أتى بالموت حتى يجعل بين
الجنة والنار. ثم يذبح. ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة! لا موت. ويا أهل النار! لا
موت. فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم».
٤٤ - (٢٨٥١) حدثني سريج بن يونس. حدثنا حميد بن
عبد الرحمن عن الحسن بن صالح، عن هارون بن سعد، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قال رسول الله ﷺ «ضرس الكافر، أو ناب
الكافر، مثل أحد. وغلظ جلده مسيرة ثلاث».
٤٥ - (٢٨٥٢) حدثنا أبو كريب وأحمد بن عمر الوكيعي.
قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ،
⦗٢١٩٠⦘
عَنْ أَبِي حازم، عن أبي هريرة.
يرفعه قال «ما بين منكبي الكافر في النار، مسيرة ثلاثة أيام، للراكب المسرع».
ولم يذكر الوكيعي «في النار».
٤٦ - (٢٨٥٣) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبي. حدثنا شعبة. حدثني مَعْبَدِ بْنِ
خَالِدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وهب؛
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ قال
«ألا أخبركم بأهل الجنة؟» قالوا: بلى. قال ﷺ «كل ضعيف متضعف. لم أقسم على الله
لأبره». ثم قال «ألا أخبركم بأهل النار؟» قالوا بلى. قال «كل عتل جواظ مستكبر».
(كل ضعيف متضعف) ضبطوا قوله متضعف، بفتح
العين وكسرها، المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره. ومعناه يستضعفه الناس
ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا. يقال: تضعفه واستضعفه. وأما رواية
الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه. قال القاضي: وقد يكون الضعف، هنا،
رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان. والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء. كما أن
معظم أهل النار القسم الآخر. وليس المراد الاستيعاب في الطرفين. (لو أقسم على الله
لأبره) معناه لو حلف يمينا، طمعا في كرم الله تعالى بإبراره، لأبره. وقيل: لو دعاه
لأجابه. يقال أبررت قسمه وبررته. والأول هو المشهور. (كل عتل جواظ مستكبر) العتل
الجافي الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: الجافي الفظ الغليظ. وأما الجواظ فهو الجموع
المنوع. وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. وقيل: الفاخر.
وأما المستكبر فهو صاحب الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس.
٤٦ - م - (٢٨٥٣) وحدثنا محمد بن المثنى.
حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة، بهذا الإسناد، بمثله. غير أنه قال «ألا أدلكم».
٤٧ - (٢٨٥٣) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حدثنا وكيع. حدثنا سفيان عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ
قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بن وهب الخزاعي يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «ألا أخبركم
بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف. لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل
جواظ زنيم متكبر».
(زنيم) الزنيم هو الدعي في النسب، الملصق
بالقوم وليس منهم. شبه بزنمة الشاة.
٤٨ - (٢٨٥٤) حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ ميسرة عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيهِ، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله ﷺ قال «رب أشعث مدفوع
بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره».
(رب أشعث مدفوع بالأبواب) الأشعث متلبد
الشعر، مغبره، الذي لا يدهنه ولا يكثر غسله. ومعنى مدفوع بالأبواب أنه لا يؤذن له،
بل يحجب ويطرد، لحقارته عند الناس.
٤٩ - (٢٨٥٥) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو
كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بن عروة، عن أبيه، عن
عبد الله بن زمعة. قَالَ:
خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فذكر
الناقة وذكر الذي عقرها. فقال «إذ انبعث أشقاها: انبعث بها رجل عزيز عارم منيع في
رهطه، مثل أبي زمعة» ثم ذكر النساء فوعظ فيهن ثم قال «إلام يجلد أحدكم امرأته؟» في
رواية أبي بكر «جلد الأمة» وفي رواية أبي كريب «جلد العبد. ولعله يضاجعها من آخر
يومه» ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال «إلام يضحك أحدكم مما يفعل؟»
(عارم) العارم، قال أهل اللغة: هو الشرير
المفسد الخبيث. وقيل: القوي الشرس. وقد عرم، بفتح الراء وضمها وكسرها، عرامة،
وعراما فهو عارم وعرم.
٥٠ - (٢٨٥٦) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ:
قال رسول الله ﷺ «رأيت عمرو بن لحي
بن قمعة بن خندف، أبا بني كعب هؤلاء، يجر قصبه في النار».
(قمعة) ضبطوه على أربعة أوجه. أشهرها قمعة.
والثاني قمعة. والثالث قمعة. والرابع قمعة. قال القاضي: وهذه رواية الأكثرين.
(خندف) هي أم القبيلة، فلا تصرف. واسمها ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة. (أبا
بني كعب) كذا ضبطناه أبا، بالباء. وكذا هو في كثير من نسخ بلادنا. وفي بعضها: أخا.
(قصبه) قال الأكثرون: يعني أمعاءه. قال أبو عبيد: الأقصاب الأمعاء، واحدها قصب.
٥١ - (٢٨٥٦) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ
الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قال عبد: أخبرني. وقال الآخران:
حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا
أَبِي عن صالح، عن ابن شهاب. قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن البحيرة التي يمنع
درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس. وأما السائبة التي كانوا يسيبونها
لآلهتهم، فلا يحمل عليها شيء. وقال ابن المسيب: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «رأيت عمرو
بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار. وكان أول من سيب السيوب».
(البحيرة) قال ابن الأثير: كانوا إذا ولدت
إبلهم سقبا (في اللسان: السقب هو ولد الناقة) بحروا أذنه، أي شقوها. وقالوا:
اللهم! إن عاش ففتي، وإن مات فذكي. فإذا مات أكلوه وسموه البحيرة. وقيل: البحيرة
هي بنت السائبة. كانوا إذا تابعت الناقة بين عشر إناث لم يركب ظهرها ولم يجز وبرها
ولم يشرب لبنها إلا ولدها، أو ضيف. وتركوها مسيبة لسبيلها وسموها السائبة. فما
ولدت من ذلك من أنثى شقوا أذنها وخلوا سبيلها، وحرم ما حرم من أمها، وسموها
البحيرة.
٥٢ - (٢١٢٨) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ:
قال رسول الله ﷺ «صِنْفَانِ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ
يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات. رؤوسهن
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ. لَا يَدْخُلْنَ
⦗٢١٩٣⦘
الْجَنَّةَ وَلَا يجدن ريحها. وإن
ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا».
(صنفان من أهل النار لم أرهما) هذا الحديث من
معجزات النبوة. فقد وقع ما أخبر به ﷺ. فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة
ونحوه. وأما الكاسيات ففيه أوجه. أحدها معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من
شكرها. والثاني كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير والاهتمام لآخرتهن والاعتناء
بالطاعات. والثالث تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها. فهن كاسيات عاريات. والرابع
يلبسن رقاقا تصف ما تحتها. كاسيات عاريات في المعنى. وأما مائلات مميلات، فقيل:
زائغات عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها. ومميلات يعلمن غيرهن
مثل فعلهن. وقيل مائلات متبخترات في مشيتهن. مميلات أكتافهن وأعطافهن. (رؤوسهن
كأسنمة البخت) معناه يعظمن رأسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرؤوس حتى
تشبه أسنمة الإبل (في اللسان: البخت والبخيتة دخيل في العربية، أعجمي معرب. وهي
الإبل الخراسانية، تنتج من عربية وفالج. والفالج البعير ذو السنامين، وهو الذي بين
البختي والعربي) والمراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق
رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس
كما يميل السنام.
٥٣ - (٢٨٥٧) حدثنا ابن نمير. حدثنا زيد (يعني ابن
حباب). حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ «يوشك، إن طالت
بك مدة، أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر. يغدون في غضب الله، ويروحون في
سخط الله».
٥٤ - (٢٨٥٧) حدثنا عبيد الله بن سعيد وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قالوا: حدثنا أبو عامر العقدي. حدثنا
أفلح بن سعيد. حدثني عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ
«إِنَّ طالت بك مدة، أوشكت أن ترى قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته. في
أيديهم مثل أذناب البقر».
١٤ - باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
٥٥
- (٢٨٥٨)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة. حدثنا عبد الله بن إدريس. ح وحَدَّثَنَا
ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بشر. ح وحدثنا يحيى بن يحيى.
أخبرنا موسى بن أعين. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو
أسامة. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد. حدثنا إسماعيل. حدثنا
قيس. قال: سمعت مستوردا، أخا بني فهر، يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «والله! ما
الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار يحيى بالسبابة - في
اليم. فلينظر بم يرجع؟»
⦗٢١٩٤⦘
وفي حديثهم جميعا، غير يحيى: سمعت
رسول الله ﷺ يقول ذلك.
وفي حديث أبي أسامة: عن المستورد بن
شداد، أخي بني فهر.
وفي حديثه أيضا: قال وأشار إسماعيل
بالإبهام.
(اليم) اليم هو البحر. (بم يرجع) ضبطوا يرجع
بالتاء وبالياء. والأول أشهر. ومن رواه بالياء أعاد الضمير إلى أحدكم. وبالتاء
أعاده على الإصبع، وهو الأظهر. ومعناه لا يعلق بها كثير شيء من الماء. ومعنى
الحديث: ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها، ودوام الآخرة
ودوام لذتها ونعيمها، إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر.
٥٦ - (٢٨٥٩) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ سعيد عن حاتم بن أبي صغيرة. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ محمد، عن عائشة. قَالَت:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول
«يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» قلت: يا رسول الله! النساء والرجال
جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال ﷺ «يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض».
(غرلا) معناه غير مختونين. جمع أغرل، وهو
الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان.
والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا، لا شيء معهم، ولا يفقد منهم شئ، حتى الغرلة تكون
معهم.
٥٦ - م - (٢٨٥٩) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ
الأَحْمَرُ عَنْ حاتم بن أبي صغيرة، بهذا الإسناد، ولم يذكر في حديثه «غرلا».
٥٧ - (٢٨٦٠) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي
عُمَرَ (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بن جبير، عن ابن عباس.
سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ وهو
يقول «إنكم ملاقو الله مشاة حفاة عراة غرلا» ولم يذكر زهير في حديثه: يخطب.
٥٨ - (٢٨٦٠) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي.
كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ
بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة
عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
خطيبا بموعظة. فقال «يا أيها الناس! إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا. ﴿كما
⦗٢١٩٥⦘
بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينا،
إنا كنا فاعلين﴾ [٢١ /الأنبياء /١٠٤] ألا وإن أول الخلائق يكسى، يوم القيامة،
إبراهيم عليه السلام. ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات
الشمال. فأقول: يا رب! أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بعدك. فأقول، كما قال العبد الصالح: ﴿وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني
كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيدا* إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ [٥ /المائدة /١١٧
و-١١٨] قال فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم».
وفي حديث وكيع ومعاذ «فَيُقَالُ:
إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».
٥٩ - (٢٨٦١) حدثني زهير بن حرب. حدثنا أحمد بن
إسحاق. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قالا جميعا:
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قال «يحشر الناس
ثلاث طرائق راغبين راهبين. واثنان على بعير. وثلاثة على بعير. وأربعة على بعير.
وعشرة على بعير. وتحشر بقيتهم النار. تبيت معهم حيث باتوا. وتقيل معهم حيث قالوا:
وتصبح معهم حيث أصبحوا. وتمسي معهم حيث أمسوا».
(ثلاث طرائق) أي ثلاث فرق. ومنه قوله تعالى،
إخبارا عن الجن: كنا طرائق قددا. أي فرقا مختلفة الأهواء.
١٥ - باب في صفة يوم القيامة، أعاننا الله
على أهوالها
٦٠
- (٢٨٦٢)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (يعنون ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عن ابن عمر،
عن النبي ﷺ، ﴿يوم يقوم الناس لرب
العالمين﴾ [٨٣ /المطففين /٦] قال «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه». وفي رواية
ابن المثنى قال «يقوم الناس» لم يذكر يوم.
٦٠ - م - (٢٨٦٢) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاق الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابن عياض). ح
وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ. كلاهما عن
موسى بن عقبة. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس
عن ابن عون. ح وحدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. حَدَّثَنَا
مَالِكٌ. ح وحَدَّثَنِي أَبُو نصر التمار. حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب. ح
وحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبراهيم
بن سعد. حدثنا أبي عن صالح. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمَعْنَى حديث عبيد الله عن نافع. غير أن في حديث موسى بن
عقبة وصالح «حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه».
٦١ - (٢٨٦٣) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال «إن
العرق، يوم القيامة، ليذهب في الأرض سبعين باعا. وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو
إلى آذانهم» يشك ثور أيهما قال.
٦٢ - (٢٨٦٤) حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى،
أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جابر. حدثني سليم بن عامر. حدثني المقداد بن الأسود قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول
«تدني الشمس، يوم القيامة، من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل».
قال سليم بن عامر: فوالله! ما أدري
ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين.
قال «فيكون الناس على قدر أعمالهم في
العرق. فمنهم من يكون إلى كعبيه. ومنهم من يكون إلى ركبتيه. ومنهم من يكون إلى
حقويه. ومنهم من يلجمه العرق إلجاما». قال وأشار رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ إلى
فيه.
١٦ - باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا
أهل الجنة وأهل النار
٦٣
- (٢٨٦٥)
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ومحمد بن
بشار بن عثمان (واللفظ لأبي غسان وابن الْمُثَنَّى). قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ
بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بن الشخير، عن عياض بن جمار المجاشعي؛
إن رسول الله ﷺ قال، ذات يوم في
خطبته «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا. كل مال نحلته
عبدا، حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم عن
دينهم. وحرمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإن
الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال:
إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما
ويقظان. وإن الله أمرني أن أحرق قريشا. فقلت: رب! إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة.
قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك.
⦗٢١٩٨⦘
وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل
بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق. ورجل رحيم
رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفف ذو عيال. قال: وأهل النار خمسة:
الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الذي
لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك
ومالك». وذكر البخل أو الكذب «والشنظير الفحاش» ولم يذكر أبو غسان في حديثه «وأنفق
فسننفق عليك».
(كل مال نحلته عبدا حلال) في الكلام حذف. أي
قال الله تعالى: كل مال الخ. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي
فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة
والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال
حتى يتعلق به حق. (حنفاء كلهم) أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل:
مستقيمين منيبين لقبول الهداية. (فاجتالتهم) هكذا هو في نسخ بلادنا: فاجتالتهم.
وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا
عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم
ساقها وذهب بها. (فمقتهم) المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل
بعثة رسول الله ﷺ. (إلا بقايا من أهل الكتاب) المراد بهم الباقون على التمسك
بدينهم الحق، من غير تبديل. (إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) معناه لأمتحنك بما
يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق
جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر
إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق. (كتابا لا
يغسله الماء) معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر
الزمان. (إذا يثلغوا رأسي) أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر. (نغزك) أي
نعينك. (لا زبر له) أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال
له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. (لا يتبعون) مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون
ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون. (والخائن الذي لا يخفى له طمع) معنى لا
يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته
وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا. (وذكر البخل أو الكذب) هكذا
هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور في نسخ بلادنا.
(الشنظير) فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيئ الخلق.
٦٣ - م - (٢٨٦٥) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ،
عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإسناد، ولم يذكر في حديثه «كل مال نحلته عبدا، حلال».
٦٣ - م ٢ - (٢٨٦٥) حدثني عبد الرحمن بن
بشر العبدي. حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام، صاحب الدستوائي. حدثنا قتادة عن مطرف، عن
عياض بن حمار؛ إن رسول الله ﷺ خطب ذات يوم. وساق الحديث. وقال في آخره: قال يحيى:
قال شعبة عن قتادة. قال: سمعت مطرفا في هذا الحديث.
٦٤ - (٢٨٦٥) وحدثني أبو عمار، حسين بن حريث. حدثنا
الفضل بن موسى عن الحسين، عن مطر. حدثني قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الشخير، عن عياض بن حمار، أخي بني مجاشع، قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذات
يوم خطيبا. فقال «إن الله أمرني» وساق في الحديث بمثل حديث هشام عن قتادة.
⦗٢١٩٩⦘
وزاد فيه «وإن الله أوحى إلى أن
تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد». وقال في حديثه «وهم فيكم
تبعا لا يبغون أهلا ولا مالا». فقلت: فيكون ذلك؟ يا أبا عبد الله! قال: نعم.
والله! لقد أدركتهم في الجاهلية. وإن الرجل ليرعى على الحي، ما به إلا وليدتهم
يطؤها.
(فيكون ذلك؟ يا أبا عبد الله!) أبو عبد الله
هو مطرف بن عبد الله. والقائل له قتادة. وقوله لقد أدركتهم في الجاهلية، لعله يريد
أواخر أمرهم وآثار الجاهلية. وإلا فمطرف صغير عن إدراك زمن الجاهلية حقيقة، وهو
يعقل.
١٧ - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو
النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه
٦٥
- (٢٨٦٦)
حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر؛
أن رسول الله ﷺ قال «إن أحدكم إذا
مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة. وإن كان
من أهل النار، فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة».
٦٦ - (٢٨٦٦) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ ابن عمر. قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «إذا مات الرجل
عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فالجنة. وإن كان من أهل
النار، فالنار» قال «ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة».
٦٧ - (٢٨٦٧) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ ابْنُ
أَيُّوب: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ
الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، عن زيد بن ثابت.
قال أبو سعيد: ولم أشهده من النبي ﷺ. ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال:
بينما النبي ﷺ في حائط لبني النجار،
على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه.
⦗٢٢٠٠⦘
وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة
(قال: كذا كان يقول الجريري) فقال «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا. قال
«فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك. فقال «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها.
فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت لله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» ثم أقبل
علينا بوجهه، فقال «تعوذوا بالله من عذاب النار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار.
فقال «تعوذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال «تعوذوا
بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها
وما بطن. قال «تعوذوا بالله من فتنة الدجال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
(حادت به) أي مالت عن الطريق ونفرت. (فلولا
أن لا تدافنوا) أصله تتدافنوا. فحذفت إحدى التاءين. وفي الكلام حذف. يعني لولا
مخافة أن لا تدافنوا.
٦٨ - (٢٨٦٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قال «لولا أن لا
تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر».
٦٩ - (٢٨٦٩) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ.
حَدَّثَنَا أَبِي. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بشار. قالا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عن عون بن أبي
جحيفة. ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وابن
بشار. جميعا عن يحيى القطان (واللفظ لزهير). حدثنا يحيى بن سعيد. حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عن أبيه، عن البراء، عن أبي
أيوب قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بعدما غربت
الشمس. فسمع صوتا. فقال «يهود تعذب في قبورها».
٧٠ - (٢٨٧٠) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ قَتَادَةَ. حدثنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ «إن العبد
إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه،
⦗٢٢٠١⦘
إنه ليسمع قرع نعالهم» قال «يأتيه
ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟» قال «فأما المؤمن فيقول:
أشهد أنه عبد الله ورسوله» قال «فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار. قد أبدلك الله
به مقعدا من الجنة» قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ «فيراهما جميعا».
قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في
قبره سبعون ذراعا. ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون.
(ما كنت تقول في هذا الرجل) يعني بالرجل
النبي ﷺ. وإنما يقوله بهذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانا للمسئول، لئلا
يتلقى تعظيمه من عبارة السائل. ثم يثبت الله الذين آمنوا. (يفسح له في قبره سبعون
ذراعا، ويملأ عليه خضرا) الخضر ضبطوه بوجهين. أصحهما بفتح الخاء وكسر الضاد
والثاني بضم الخاء وفتح الضاد. والأول أشهر. ومعناه يملأ نعما غضة ناعمة. وأصله من
خضرة الشجرة. هكذا فسروه. قال القاضي: يحتمل أن يكون هذا الفسح له على ظاهره، وأنه
يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه، إذا
ردت إليه روحه. قال ويحتمل أن يكون على ضرب المثل والاستعارة للرحمة والنعيم. كما
يقال: سقى الله قبره. والاحتمال الأول أصح.
٧١ - (٢٨٧٠) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ
الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ «إن الميت إذا
وضع في قبره، إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا».
٧٢ - (٢٨٧٠) حدثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ) عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ
«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه» فذكر بمثل حديث شيبان عن
قتادة.
٧٣ - (٢٨٧١) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ
بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد،
عن سعد بن عبيدة، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «﴿يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت﴾ [١٤ /إبراهيم /٢٧]» قال «نزلت في عذاب القبر. فيقال
له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبيي محمد ﷺ فذلك قوله عز وجل: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في
الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾».
٧٤ - (٢٨٧١) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن
المثنى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمن (يعنون
ابن مهدي) عن سفيان، عن أبيه، عن خيثمة، عن البراء بن عازب:
﴿يثبت
الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾، قال: نزلت في عذاب
القبر.
٧٥ - (٢٨٧٢) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيد. حدثنا بُدَيْلٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أبي هريرة.
قال «إذا خرجت روح المؤمن تلقاها
ملكان يصعدانها».
قال حماد: فذكر من طيب ريحها، وذكر
المسك. قال «ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض. صلى الله عليك وعلى
جسد كنت تعمرينه. فينطلق به إلى ربه عز وجل. ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل».
قال «وإن الكافر إذا خرجت روحه - قال
حماد وذكر من نتنها، وذكر لعنا - ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض.
قال فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل».
قال أبو هريرة: فَرَدَّ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ ريطة، كانت عليه، على أنفه، هكذا.
(انطلقوا به إلى آخر الأجل) أي إلى سدرة
المنتهى. (انطلقوا به إلى آخر الأجل) إلى سجين. (ريطة) الريطة ثوب رقيق. وقيل: هي
الملاءة. وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ريح روح الكافر.
٧٦ - (٢٨٧٣) حدثني إِسْحَاق بْنُ عُمَرَ بْنِ
سَلِيطٍ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ.
قَالَ: قَالَ أنس: كنت مع عمر. ح وحدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (وَاللَّفْظُ
لَهُ). حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس بن مالك،
قال:
كنا مع عمر بين مكة والمدينة.
فتراءينا الهلال. وكنت رجلا حديد البصر. فرأيته. وليس أحد يزعم أنه رآه غيري. قال
فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على
فراشي. ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فَقَالَ:
⦗٢٢٠٣⦘
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يرينا
مصارع أهل بدر بالأمس. يقول «هذا مصرع فلان غدا، إن شاء الله» قال فقال عمر:
فوالذي بعثه بالحق! ما أخطؤا الحدود التي حد رسول الله ﷺ. قال فجعلوا في بئر بعضهم
على بعض فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى انتهى إليهم فقال «يا فلان بن فلان!
ويا فلان بن فلان! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله
حقا».
قال عمر: يا رسول الله! كيف تكلم
أجسادا لا أرواح فيها؟ قال «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. غير أنهم لا يستطيعون أن
يردوا علي شيئا».
(هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله) هذا من
معجزاته، ﷺ، الظاهرة. (ما أنتم أسمع لما أقول منهم) قال المازري: قال بعض الناس:
الميت يسمع، عملا بظاهر هذا الحديث. ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء.
ورد عليه القاضي عياض وقال: يحتمل سماعهم على ما يحتمل عليه سماع الموتى في أحاديث
عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به
ويسمعون في الوقت الذي يريد الله تعالى. هذا كلام القاضي، وهو الظاهر المختار الذي
تقتضيه أحاديث السلام على القبور.
٧٧ - (٢٨٧٤) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ.
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مالك؛
أن رسول الله ﷺ ترك قتلى بدر ثلاثا.
ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال «يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة
بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما
وعدني ربي حقا» فسمع عمر قول النبي ﷺ. فقال: يا رسول الله! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا
وقد جيفوا؟ قال «والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. ولكنهم لا يقدرون
أن يجيبوا» ثم أمر بهم فسحبوا. فألقوا في قليب بدر.
(كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا) هكذا هو
في عامة النسخ المعتمدة: كيف يسمعوا وأنى يجيبوا، من غير نون. وهي لغة صحيحة، وإن
كانت قليلة الاستعمال. وسبق بيانها مرات. وقوله: جيفوا أي أنتنوا وصاروا جيفا.
يقال: جيف الميت وجاف وأجاف وأروح وأنتن، بمعنى. (فسحبوا فألقوا في قليب بدر) وفي
الرواية الأخرى: في طوى من أطواء بدر. والقليب والطوى بمعنى. وهي البئر المطوية
بالحجارة. قال أصحابنا: وهذا السحب إلى الكليب ليس دفنا لهم ولا صيانة وحرمة، بل
لدفع رائحتهم المؤذية.
٧٨ - (٢٨٧٥) حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ
الْمَعْنِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ بن مالك؛ عن أبي طلحة. ح وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ.
قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة قال:
لما كان يوم بدر، وظهر عليهم نبي
الله ﷺ أمر ببضعة وعشرين رجلا. (وفي حديث روح، بأربعة وعشرين رجلا) من صناديد
قريش. فألقوا في طوى من أطواء بدر. وساق الحديث، بمعنى حديث ثابت عن أنس.
١٨ - باب إثبات الحساب
٧٩
- (٢٨٧٦)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حجر. جميعا عن
إسماعيل. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «من حوسب،
يوم القيامة، عذب» فقلت: أليس قد قال الله عز وجل: ﴿فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟﴾ [٨٤ /الانشقاق /٨]
فقال «ليس ذاك الحساب. إنما ذاك العرض. من نوقش الحساب يوم القيامة عذب».
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ
عَنْ عائشة) هذا مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم. وقال: اختلفت الرواية
فيه عن أبي مليكة. فروي عنه عن عائشة. وروي عنه عن القاسم عنها. وهذا استدراك
ضعيف، لأنه محمول على أنه سمعه من القاسم عن عائشة، وسمعه أيضا منها بلا واسطة.
فرواه بوجهين. وقد سبقت نظائر هذا. (من نوقش الحساب يوم القيامة عذب) معنى نوقش
استقصى عليه. قال القاضي: وقوله: عذب، له معنيان. أحدهما أن نفس المناقشة وعرض
الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب. لما فيه من التوبيخ. والثاني أنه مفض إلى
العذاب بالنار. ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: هلك، مكان عذب. هذا كلام القاضي.
وهذا الثاني هو الصحيح. ومعناه أن التقصير غالب في العباد. فمن استقصى عليه ولم
يسامح هلك ودخل النار. ولكن الله تعالى يعفو ويغفر، ما دون الشرك، لمن يشاء.
٧٩ - م - (٢٨٧٦) حدثني أَبُو الرَّبِيعِ
الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. حدثنا
أيوب، بهذا الإسناد، نحوه.
٨٠ - (٢٨٧٦) وحدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم
الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ). حدثنا أبو
يونس القشيري. حدثنا ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «ليس أحد
يحاسب إلا هلك» قلت: يا رسول الله! أليس الله يقول: حسابا يسيرا؟ قال «ذاك العرض.
ولكن من نوقش الحساب هلك».
٨٠ - م - (٢٨٧٦) وحدثني عبد الرحمن بن
بشر. حدثني يحيى (وهو القطان) عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عَنْ
عَائِشَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال «من نوقش
الحساب هلك» ثم ذكر بمثل حديث أبي يونس.
١٩ - باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى،
عند الموت
٨١
- (٢٨٧٧)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زكرياء عَنْ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، قبل وفاته
بثلاث، يقول «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن».
(لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله
الظن. وفي رواية: إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل قال العلماء: هذا تحذير من
القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة. وقد سبق في الحديث الآخر قوله سبحانه وتعالى:
أنا عند ظن عبدي بي. قال العلماء:
معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه. قالوا: وفي حالة الصحة
يكون خائفا راجيا، ويكونان سواء. وقيل يكون الخوف أرجح. فإذا دنت أمارات الموت غلب
الرجاء أو محضه. لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار
من الطاعات والأعمال. وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال. فاستحب إحسان الظن
المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له. ويؤيده الحديث المذكور بعده: يبعث
كل عبد على ما مات عليه. ولهذه عقبة مسلم للحديث الأول. قال العلماء: معناه يبعث
على الحالة التي مات عليها. ومثله الحديث الآخر بعده: ثم بعثوا على نياتهم.
٨١ - م - (٢٨٧٧) وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا عيسى بن يونس
وأبو معاوية. كلهم عن الأعمش، بهذا الإسناد، مثله.
٨٢ - (٢٨٧٧) وحدثني أبو داود، سليمان بن معبد.
حدثنا أبو النعمان، عارم. حدثنا مهدي بن ميمون. حدثنا واصل عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قبل موته
بثلاثة أيام، يقول «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».
٨٣ - (٢٨٧٨) وحدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول «يبعث كل
عبد على ما مات عليه».
٨٣ - م - (٢٨٧٨) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ
نَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وقال: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَلَمْ
يقل: سمعت.
٨٤ - (٢٨٧٩) وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى
التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أخبرني حمزة بن
عبد الله بن عمر؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول «إذا أراد
الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم».