recent
آخر المقالات

أول كتاب الديات

 

١ - باب النفسِ بالنفسِ
٤٤٩٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، حدَّثنا عُبيدُ الله -يعني ابنَ موسى- عن علىِّ بنِ صالح، عن سِمَاكِ بنِ حربٍ، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباس، قال: كان قريظةُ والنضيرُ، وكان النضيرُ أشرفَ مِن قُريظَةَ، فكان إذا قَتلَ رَجُلٌ مِن قريظة رجلًا مِن النَّضيرِ، قُتِلَ به، وإذا قَتَل رجلٌ مِن النضيرِ رجلًا من قُريظةَ فُودِي بِمئة وسقٍ مِنْ تمرٍ، فلما بُعِثَ النبيُّ ﷺ قَتَلَ رَجُلٌ من النضير رجلًا من قُريظةَ، فقالوا: ادفعوه إلينَا نقتلْه، فقالوا: بَيْنَنا وبينكم النبي، فأتَوْهُ، فنزلت: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] والقِسْطُ: النفسُ بالنفسِ، ثم نزلت ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة:٥٠] (١).



(١) إسناده ضعيف، سماك بن حرب في روايته عن عكرمة اضطراب، وقد وهم في متن الحديث إذ جعل للنضير القصاص ولقريظة الدية، والمحفوظ أنه كان للنضير الدية كاملة ولقريظة نصف الدية، كما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس عند أحمد (٢٢١٢)، وكما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في الرواية السالفة برقم (٣٥٩١). ليس فيهما ذكر القتل قصاصًا والإسنادان حسنان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٠٨) من طريق عُبيد الله بن موسى، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٤٣٤)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٥٧).
وانظر ما سلف برقم (٣٥٧٦) و(٣٥٩١).
والوسق: ستون صاعًا، وهو من المكاييل، ويساوي بالحسابات المعاصرة (١٣٠.٥٠٠) كغم.

قال أبو داود: قريظةُ والنضيرُ جميعًا مِنْ ولَدِ هارون النبي عليه السلام (١).

٢ - باب لا يُؤخذُ أحدٌ بجَرِيرةِ أحَدٍ (٢)
٤٤٩٥ - حدَّثنا أحمدُ ابنُ يونُسَ، حدَّثنا عُبيدُ الله -يعني ابنَ إياد- حدَّثنا إيادٌ
عن أبي رِمْثةَ، قال: انطلقتُ مع أبي نحو النبي ﷺ، ثم إنَّ رسولَ الله ﷺ قال لأبي: «ابنُكَ هذا؟» قال: إي ورَبِّ الكعبةِ، قال: «حقًا؟» قال: أشهدُ بِهِ، قال: فتبسَّم رسولُ الله ﷺ ضاحِكًا مِنْ ثَبْت شبهي في أبي، ومن حَلِف أبي علىَّ، ثم قال: «أما إنَّه لا يَجني عليكَ ولا تَجنِي عليهِ» وقرأ رسولُ الله ﷺ ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤، والإسراء: ١٥]٣).

٣ - بابُ الأمامِ يأمرُ بالعفو في الدمِ
٤٤٩٦ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا محمَّد بن إسحاقَ، عن الحارثِ بنِ فُضَيلٍ، عن سفيانَ بنِ أبي العوجاء


(١) مقالة أبي داود هذه. أثبتناها من (ج) و(هـ).
(٢) هذا نص عنوانِ الباب كما جاء في (أ) و(هـ)، وهو كذلك في روايتي ابن داسه وابن العبد، وفي (ب) و(ج) وهامش (أ): باب لا يُؤخَذُ أحدٌ بجَريرة أخيه أو أبيه، وما أثبتناه أعم وأشمل.
(٣) إسناده صحيح. إياد: هو ابن لَقِيْط السدوسي.
وأخرجه مختصرًا النسائي في: «الكبرى» (٧٠٠٧) من طريق عبد الملك بن أبجر، عن إياد بن لقيط، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٠٦) و(٧١٠٩)، و«صحح ابن حبان» (٥٩٩٥).
وانظر ما سلف برقم (٤٢٠٨).

عن أبي شُرَيح الخُزاعيِّ، أن النبيَّ ﷺ قال: «من أُصيب بِقَتلٍ أو خَبْلِ، فإنّهُ يختارُ إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يقتصَّ، وإما أن يعفوَ، وإمَّا أن يأخُذَ الديةَ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يَدَيهِ، ومن اعتدى بَعْدَ ذلِكَ فله عذاب أليم» (١).
٤٤٩٧ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ بكرِ بن عبدِ الله المُزني، عن عطاء بنِ أبي ميمونة
عن أنس بنِ مالك، قال: ما رأيتُ النبي ﷺ رُفِعَ إليه شيءٌ فيهِ قِصَاصٌ إلا أمَرَ فيه بالعفوِ (٢).


(١) إسناده ضعيف لضعف سُفيان بن أبي العَوْجاء.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٢٣) من طريق محمَّد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٣٧٥).
وسيأتي عند المصنَّف بإسناد صحيح عن أبي شريح الخزاعي برقم (٤٥٠٤) بلفظ: «من قُتل له بعد مقالتي هذه قتيل، فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا العقل، أو يَقتُلوا».
وانظر فقه الحديث هناك.
والخبل، بفتح وسكون، ويُحرَّك: فساد الأعضاء.
وقوله: «فمن أراد الرابعة» أي بأن قتل بعد أخذ الدية، فقد قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة:١٧٨] يقول تعالى: فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد. وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسُّدِّي ومقاتل بن حيان: أنه الذي يقتُل بعد أخذ الدية. كما قال محمَّد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء ... ثم ذكر الحديث.
(٢) إسناده قوى من أجل عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني، فهو صدوق لا بأس به. =

٤٤٩٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا أبو معاويةَ، حدَّثنا الأعمشُ، عن أبي صَالحٍ
عن أبي هُريرة، قال: قُتِلَ رجلٌ على عهدِ النبيِّ ﷺ، فَرُفع ذلك إلى النبيِّ ﷺ، فدفعه إلى وليِّ المقتولِ، فقال القاتِلُ: يا رسولَ الله، والله ما أردتُ قتلَه، قال: فقال رسولُ الله ﷺ للوليِّ: «أَمَا إنه إنْ كان صادقًا ثُمَّ قتلتَهُ دخلتَ النَّارَ» قال: فخلَّى سبيلَه، قال: وكان مكتوفًا بِنِسْعةٍ، فخرج يجزُّ نِسْعَتَه، فَسُمِّي ذا النِّسْعَةِ (١).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٦٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٥٩) و(٦٩٦٠) من
طريق عبد الله بن بكر، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٢٢٠).
قال الشوكاني: والترغيب في العفو ثابت بالأحاديث «الصحيحة» ونصوص القرآن الكريم، ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة، وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم: هل العفو عن ظالمه أو ترك العفو.
(١) إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمّان، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمَّد بن خازم الضرير.
وأخرجه ابنُ ماجة (٢٦٩٠)، والترمذي (١٤٦٥)، والنسائي في «الكبرى» (٦٨٩٨) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
النِّسعة: قال في «النهاية»: بالكسر، سَير مَضفور، يُجعل زمامًا للبعير وغيره.
وقوله: «أما إنه إن كان صادقًا ثم قتلته دخلت النار» قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» بإثر الحديث (٩٤٤): معنى ذلك: أنه في الظاهر عندنا من أهل النار لثبوت الحجة عليه بقتله مَن قتل، وإن قتلتَه وهو فيما قال: إنه صادق، كنتَ أنت أيضًا من أهل النار، والله أعلم.
قلنا: وقال البغوي في «شرح السنة» بعد إيراد هذا الحديث ١٠/ ١٦٢: فيه دليل على أن مَن جرى عليه قتلٌ، هو غير قاصد فيه، لا قصاص عليه، ولو قتله ولي الدم، كان آثمًا وعليه القَوَد.

٤٤٩٩ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ عمر بنِ مَيسَرَةَ الجُشَميُّ، حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عَوفٍ، حدَّثنا حمزةُ أبو عُمَرَ العائِذيُّ، حدَّثني علقمةُ بن وائل
حدَّثني وائلُ بنُ حُجرٍ، قال: كنتُ عندَ النبي ﷺ إذ جِيء برجُلٍ قاتلٍ في عُنقه النِّسعةُ، قال: فَدَعَا وليَّ المقتولِ، فقال: «أتعفو؟» قال: لا، قال: «أفتأخُذُ الدية؟» قال: لا، قال: «أفتقتُلُ؟» قال: نعم، قال: «اذهب به» فلما ولَّى قال: «أتعفو؟» قال: لا، قال: «أفتأخذ الدية؟» قال: لا، قال: «أفتقتلُ؟»، قال: نعم، قال: «اذهب به»، فلما كانَ في الرابعة قال: «أما إنَّك إن عفوتَ عنه فإنَّه يبُوءُ بإثمه واثمِ صَاحِبِه»، قال: فَعَفا عنه، قال: فأنا رأيتُه يجرُّ النِّسعةَ (١).


(١) إسناده صحيح. حمزة أبو عُمر العائذي: هو ابن عَمرو البصري، وعوف:
هو ابن أبي جَميلة الأعرابي، ويحيى بن سعيد: هو القطان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٩٣٤) و(٦٩٠٠) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا (٦٨٩٩) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن علقمة بن وائل، عن أبيه. فلم يذكر في إسناده حمزة بن عَمرو العائذي! وانظر تالييه.
قال الخطابي: فيه من الفقه: أن الولي مخيَّر بين القصاص أو أخذ الدية.
وفيه دليل على أن دية العمد تجب حالّة في مال الجاني.
وفيه دليل على أن للإمام أن يتشفع إلى وليّ الدم في العفو بعد وجوب القصاص.
وفيه إباحة الاستيثاق بالشد والرباط ممن يجب عليه القصاص إذا خشي انفلاته وذهابه.
وفيه جواز قبول إقرار من جيئ به في حبل أو رباط.
وفيه دليل على أن القاتل إذا عفا عنه لم يلزمه التعزير.
وحكي عن مالك بن أنس أنه قال: يضرب بمد العفو مئة ويُحبس سنة. =

٤٥٠٠ - حدَّثنا عُبيدُ اللهِ بنُ عُمر بنِ مَيْسرَةَ، حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، حدَّثني جامعُ بن مَطَرٍ، حدَّثني علقمةُ بنُ وائِلٍ، بإسناده ومعناه (١).


= وقوله: «فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه»، معناه: إنه يتحمل إثمه في قتل صاحبه، فأضاف الإثم إلى صاحبه إذ صار بكونه محلًا للقتل سببًا لإثمه، وهذا كقوله سبحانه: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء:٢٧]، فأضاف الرسول إليهم، انما هو في الحقيقة رسول الله عز وجل أرسله إليهم.
وأما الاثم المذكور ثانيًا فهو إثمه فيما قارفه من الذنوب التي بينه وبين الله عز وجل، سوى الإثم الذي قارفه من القتل، فهو يبوء به إذا أعفي عن القتل، ولو قتل لكان القتل كفارة، والله أعلم.
قلنا: وقد روي بلفظ: «يبوء بإثمك وإثم صاحبك» عند مسلم (١٦٨٠) وغيره وعليه يكون المعنى على ما قاله النووي في «شرح مسلم»: قيل: معناه يتحمل إثم المقتول بإتلافه مُهجته، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه، ويكون قد أوحي إليه ﷺ بذلك في هذا الرجل خاصة. ويحتمل أن معناه: يكون عفوك عنه سببًا لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول، والمراد إثمهما السابق بمعاصٍ لهما متقدمة، لا تعلق لها بهذا القاتل، فيكون معنى «يبوء»: يسقط، وأطلق هذا اللفظ عليه مجازًا.
(١) إسناده صحيح. وقال يحيى بن سعيد القطان فيما نقله عنه النسائي في «الكبرى» (٥٩٣٥): وهذا أحسن من الذي قبله.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٩٣٥) و(٦٩٠١) من طريق يحيى بن سعيد القطان، و(٦٩٠٢) من طريق حفص بن عمر الحوضي، كلاهما عن جامع بن مطر، به. وقد ذكر حفص لفظه بتمامه، وفيه أنه ﷺ أمره بالعفو ثلاث مرات، ثم قال له: «اذهب، إن قتلته، كنت مثله».
وقوله في هذه الرواية: «إن قتلته كنت مثله» سيأتي في رواية سماك عن علقمة الآتية بعده. وانظر تأويلها هناك.
وأخرجه مسلم (١٦٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٠٥) من طريق إسماعيل ابن سالم، عن علقمة، عن أبيه قال: أتي رسول الله ﷺ برجل قتل رجلًا، فأقاد وليّ المقتول منه، فانطلق به وفي عنقه نسعة يجرها فلما أدبر، قال رسول الله ﷺ: «القاتل والمقتول في النار» فأتى رجلٌ الرجلَ فقال له مقالة رسول الله ﷺ، فخلّى عنه. =

٤٥٠١ - حدَّثنا محمدُ بنُ عَوفٍ الطَّائي، حدَّثنا عبدُ القدُّوسِ بنُ الحجَّاج، حدَّثنا يزيدُ بنُ عطاءٍ الواسِطى، عن سِماك، عن علقمةَ بنِ وائلٍ
عن أبيه، قال: جاء رجُلٌ إلى النبي ﷺ بِحبشيٍّ، فقال: إنَّ هذا قتلَ ابن أخي، قال: «كيفَ قتلتَه؟»، قال: ضربتُ رأسَه بالفأسِ ولم أُرِدْ قتلَه، قال: «هَلْ لكَ مال تُؤدي دِيَته؟»، قال: لا، قال: «أفرأيت إن أرسلتُك تسألُ الناسَ تجمَعُ دِيَتَه؟»، قال: لا، قال: «فمواليك يُعطُونَكَ دِيته؟» قال: لا، قال لِلرَّجُلِ: «خذه». فخرج به لِيقتله، فقال رسولُ الله ﷺ: «أما إنَّه إن قَتَلَه كانَ مثلَه»، فَبَلَغَ به الرجلُ حيثُ يَسمعُ قولَه، فقال: «هو ذا فمُر فيهِ ما شئتَ»، فقال رسولُ الله ﷺ: «أرسِلْه -وقال مرة: دَعْهُ- يَبُؤْ بإثمِ صاحِبِه وإثمه، فيكُونَ مِنْ أصحاب النار» قال: فأرسَلَهُ (١).


= قال النووي في «شرح مسلم»: ليس المراد به في هذين، فكيف تصح إرادتهما مع أنه إنما أخذه ليقتله بأمر النبي ﷺ، بل المراد غيرهما، وهو إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرمة كالقتال عصبية ونحو ذلك فالقاتل والمقتول في النار والمراد به التعريض كما ذكرناه، وسبب قوله ما قدمناه لكون الولي يُفهم منه دخوله في معناه ولهذا ترك قتله فحصل المقصود، والله أعلم.
قلنا: انظر تمام كلام النووي الذي أحال عليه عند الرواية التالية.
(١) إسناده حسن. سماك بن حرب حسن الحديث، ويزيد بن عطاء الواسطي حسن في المتابعات، وقد توبع.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٦٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٠٣) و(٦٩٠٤) من طريق أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، به.
قال الخطابي: قوله: «أما إنه إن قتله كان مثله» يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه لم ير لصاحب الدم أن يقتله، لأنه ادعى أن قتله كان خطأ، أو كان شبه عمد، فأورث ذلك شبهة في وجوب القتل. قلنا: وقد أورد البغوي في «شرح السنة» ١٠/ ١٦٢ هذا الوجه أيضًا، وكذلك ابن القيم في «زاد المعاد» ٥/ ٨ وقوَّياه =

٤٥٠٢ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حَربٍ، حدَّثنا حمادُ بنُ زيد، عن يحيى بنِ سعيدِ


= بحديث أبي هريرة السالف عند المصنف برقم (٤٤٩٨) لأن فيه ما يدل على أن القاتل لم يرد القتل، وحلف على ذلك بقوله: والله ما أردتُ قتله.
قال الخطابي: والوجه الآخر: أن يكون معناه أنه إذا قتله كان مثله في حكم البواء، فصارا متساويين، لا فضل للمقتص إذا استوفى حقه على المقتص منه. وكذلك أورد هذا الوجه الثاني احتمالًا البغوي والنووي وابن القيم.
وقال النووي في «شرح مسلم»: وقيل: فهو مثله في أنه قاتل، وإن اختلفا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعتهما الغضب ومتابعة الهوى، لا سيما وقد طلب النبي ﷺ منه العفو، وإنما قال النبي ﷺ ما قال بهذا اللفظ الذي هو صادق فيه
لإيهام لمقصود صحيح، وهو أن الولي ربما خاف فعفا والعفو مصلحة للولي والمقتول في ديتهما لقوله ﷺ: «يبوء بإثمك وإثم صاحبك» وفيه مصلحة للجاني وهو إنقاذه من القتل، فلما كان العفوُ مصلحة توصّل إليه بالتعريض.
وجاء عند مسلم والنسَائي في رواية إسماعيل بن سالم السالف تخريجها عند الرواية السابقة أن إسماعيل ذكر الحديث لحبيب بن أبي ثابت، فقال: حدثني ابن أشوع (وهو القاضي سعيد بن عمرو بن أشوع) أن النبي ﷺ إنما سأله أن يعفو عنه فأبى.
قلنا: وهذا يعني أنه خالف أمر النبي ﷺ، فبذلك استحق أن يكون مثله وأن يكون في النار. وهذا وجه آخر.
وانظر تفسير قوله ﷺ: «يَبُؤْ بإثم صاحبه وإثمه» عند الرواية السالفة برقم (٤٤٩٩).
وقوله: فمواليك: جمع مولى والمراد به ها هنا السيد. قال ابن الأثير «في النهاية»: المولى: اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتَق والمنعَم عليه، وأكثرها قد جاءت في الحديث، فيضاف كل واحدٍ إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل من ولي أمرًا أو قام به، فهو مولاه ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء، فالوَلاية بالفتح، في النسب والنصرة والمعتق، والوِلاية بالكسر في الإمارة، والوَلاء: المعتَقُ، والمُوالاةُ من والَى القوم.

عن أبي أُمامةَ بنِ سهلٍ، قال: كُنَّا معَ عثمانَ وهو محصورٌ في الدارِ، وكان في الدارِ مدخَلٌ مَن دَخَلَه سَمِعَ كلامَ مَنْ على البَلاطِ، فدخَلَه عثمانُ، فخَرَجَ إلينا وهو متغيِّرٌ لونُه، فقال: إنَّهم لَيتَواعدُونَنِي بالقتلِ آنِفًا، قال: قُلنا: يكفِيكَهُمُ اللهُ يا أميرَ المؤمنين، قال: ولِمَ يَقتُلُونني؟ سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدَى ثلاثٍ: رجل كَفَرَ بعدَ إسلامٍ، أو زنَى بعدَ إحصانٍ، أو قتَلَ نفسًا بغيرِ نفس» فواللهِ ما زنَيتُ في جاهليةٍ ولا في إسلامٍ قَطُّ، ولا أحببتُ أن لي بديني بدلًا منذ هَدَاني الله، ولا قتلتُ نفسًا، فبِمَ يَقتلونَني؟ (١).
قال أبو داود: عثمانُ وأبو بكر رضي الله عنهما تركا الخمرَ في الجاهليةِ (٢).


(١) إسناده صحيح. يحيى بن سعيد: هو ابن قيس الأنصاري.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٣٣)، والترمذي (٢٢٩٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٦٨) من طرق عن حماد بن زيد، بهذا الإسناد. وقرن النسائي بأبي أمامة عبد الله بن عامر بن ربيعة.
وهو في «مسند أحمد» (٤٣٧).
وأخرجه النسائي (٣٥٠٦) من طريق عبد الله بن عمر، و(٣٥٠٧) من طريق بسر ابن سعيد، كلاهما عن عثمان بالمرفوع منه دون قصة الدار.
والبَلاط: موضع بالمدينة بين مسجد رسول الله ﷺ وبين سوق المدينة كان مبلطًا بالحجارة.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (ب)، وهو في رواية أبي بكر ابن داسه وغيره فيما قاله الحافظ المزي في «التحفة» (٩٧٨٢). قلنا: كذا قال: إنه عند ابن داسه، مع أن نسخة (هـ) عندنا بروايته ولم يرد الحديثُ فيها، فالظاهر أنه في بعض روايات ابن داسه.
(٢) أخرج أبو نعيم في «الحلية» ٧/ ١٦٠ بسند حسن عن عائشة قالت: حرم أبو بكر الخمرة على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام. =

٤٥٠٣ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسحاق، فحدَّثني محمدُ بنُ جعفرِ بنِ الزبير، قال: سمعتُ زيادَ بنَ ضُميرَةَ الضمري.
وحدَّثنا وهبُ بنُ بيان وأحمدُ بنُ سعيد الهَمْدَاني، قالا: حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني عبدُ الرحمن بنُ أبي الزِّناد، عن عبدِ الرحمن بن الحارث، عن محمَّد ابنِ جعفر، أنه سَمِعَ زيادَ بنَ سعْد بن ضُميرَة السُّلَميَّ -وهذا حديثُ وهب وهو أتمُّ- يُحدِّث عروةَ بنَ الزبير
عن أبيه -قال موسى: وجدِّه- وكانا شهدا مع رسول الله ﷺ حُنينًا، ثم رجعنا إلى حديث وهب: أنَّ مُحلِّمَ بن جثَّامة الليثيَّ قتل رجلًا من أشجعَ في الإِسلامِ، وذلك أولُ غِيَرٍ قَضى به رسولُ الله ﷺ، فتكلّم عُيينةُ في قتلِ الأشجعىِّ؛ لأنه من غَطَفَانَ، وتكلّم الأقرعُ ابنُ حابس دونَ مُحلِّمٍ؛ لأنه من خِندِفَ، فارتفعتِ الأصواتُ وكَثُرَتِ الخصومةُ واللَّغَطُ، فقال رسولُ الله ﷺ: «يا عُيينةُ، ألا تقبلُ الغِيرَ؟» فقال عيينةُ: لا، واللهِ حتَّى أدخلَ على نِسائه مِن الحَرَبِ والحُزْنِ ما أدخل على نسائي، قال: ثم ارتفعتِ الأصواتُ، وكثُرَتِ الخصومةُ واللَّغَطُ، فقال رسولُ الله ﷺ: «يا عُيينةُ، ألا تقبل الغِيَرَ؟» فقال عُيينة مثل ذلك أيضًا، إلى أن قامَ رجلٌ من بني ليثٍ، يقال له: مُكَيْتِلٌ، عليه شِكَّةٌ، وفي يَدِه دَرَقةٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إني لم أجِدْ لِما فَعَل هذا في غُزَّةِ الإِسلامِ مَثَلًا إلا غَنَمًا وَرَدَت، فَرُمي أولُها فنَفَر آخرُها،


= وأخرج ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٣٠/ ٣٣٤ في ترجمة أبي بكر من حديث عائشة، وفيه: والله ما قال أبو بكر شعرًا في جاهلية ولا إسلام، لقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.

اسنُنِ اليومَ وغيِّر غدًا، فقال رسولُ الله ﷺ: «خمسون في فَورِنا هذا، وخمسون إذا رجَعنا إلى المدينةِ» وذلك في بعضِ أسفاره، ومُحلَّمٌ رجلٌ طويل آدَمُ وهو في طَرَفِ الناسِ، فلم يزالُوا حتى تخلَّص، فجلسَ بين يدي رسولِ الله ﷺ وعيناه تدمَعَانِ، فقال: يا رسولَ الله، إني قد فعلتُ الذي بلغكَ، وإني أتوب إلى الله عز وجل، فاستغفِر الله لي يا رسولَ الله، فقال رسول الله ﷺ: «أقتَلْتَه بسلاحِكَ في غُزَّة الإِسلامِ، اللهمَّ لا تَغْفِر لِمُحلِّمٍ» بصوتٍ عالٍ، زاد أبو سلمة: فقام، وإنه ليتلقَّى دموعَه بطرفِ ردائِه. قال ابنُ إسحاق: فَزَعَمَ قومُه أن رسولَ الله ﷺ استغفر له بعد ذلك (١).


(١) إسناده ضعيف لجهالة زياد بن سعد بن ضميرة -وقد اختُلف في اسمه-.
وأخرجه ابنُ ماجه (٢٦٢٥) من طريق محمَّد بن إسحاق، به. إلا أنه قال في روايته: عن أبيه وجده.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٠٨١) و(٢٣٨٧٩).
عُيينة المذكور في هذا الحديث: هو ابنُ حِصْن الفزاري، والأشجعي: سمي في رواية ابنُ ماجه: عامر بن الأضبط. وإنما أخذت عيينةَ الحميّةُ لأن كلًّا من أشجع وفزارة يعود إلى قبيلة غطفان.
وخِنْدِف، بكسر الخاء وسكون النون وكسر الدال - هي امرأة إلياس بن مضر بن نزار، فنسب ولد إلياس إليها.
والغيَرُ، بكسر الغين وفتح الياء - جمع الغِيْرَة، وهي الدية، وجمع الغِيَر أغيار.
والحَرَب: بالتحريكِ: نهب مال الإنسان، وتركه لا شيء له.
والشِّكة، بالكسر وتشديد الكاف: السلاح.
والدَّرَقة: ترس من جلود، ليس فيها خشب ولا عَقَب (أي: عَصَب)، والجمع دَرَقٌ وأدراق. =

قال أبو داود: قال النضْرُ بنُ شُمَيلٍ: الغِيَرُ: الديةُ (١).

٤ - باب وليّ العمدِ يَرْضَى بالدية
٤٥٠٤ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ بنُ مُسَرْهَدٍ، حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، حدَّثنا ابنُ أبي ذئبٍ، حدَّثني سعيدُ بنُ أبي سعيدٍ
سمعتُ أبا شريحٍ الكعِبيَّ يقول: قال رسولُ الله ﷺ: «ألا إنكم معشرَ خُزاعَةَ قتلتُم هذا القتيلَ من هُذَيلٍ، وإنِّي عاقِلُهُ، فمن قُتِل لهُ بعدَ مقالتي هذه قتيلٌ، فأهلُهُ بينَ خِيَرَتَينِ: بين أن يأخُذوا العَقْلَ، أو يَقتُلُوا» (٢).


= وقال الخطابي: اسنُنِ اليومَ وغيِّر غدًا: مَثَلٌ، يقول: إن لم تقتص منه اليوم لم تثبُت سُنَّتك غدًا، ولم ينفذ حُكمك بعدك، وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلًا إلى أن يقول مثل هذا القول -أعني قوله: اسنن اليوم وغيِّر غدًا- فتتغير لذلك سُنّتك وتتبدل أحكامها.
وفيه دليل على أن ولي الدم غير بين القصاص وأخذ الدية، وأن للإمام أن يطلب إلى ولي الدم العفو عن القود على أخذ الدية.
(١) نقل أبي داود هذا أثبتناه من هامش (هـ) وأشار إلى أنه في رواية الرملي.
(٢) إسناده صحيح. سعيد بن أبي سعيد: هو المَقبُري، وابن أبي ذئب: هو محمَّد بن عبد الرحمن بن المُغيرة، ويحيى بن سعيد: هو القطان.
وأخرجه الترمذي (١٤٦٤) من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٣٧٧) و(٢٧١٦٠).
قال الخطابي: وفيه بيان أن الخيار إلى وليّ الدم في القصاص وأخذ الدية، وأن القاتل إذا قال: لا أعطيكم المال فاستقيدوا مني واختار أولياء الدم المال كان لهم مطالبته به.
ولو قتله جماعة كان لولي الدم أن يقتل منهم من شاء، ويطالب بالدية من شاء، هالى هذا ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه. =

٤٥٠٥ - حدَّثنا عباسُ بنُ الوليدِ بنِ مَزْيَد،، أخبرني أبي، حدَّثنا الأوزاعيُّ، حدَّثني يحيى (ح)
وحدَّثنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثني أبو داود، حدَّثنا حربُ بنُ شدّادٍ، حدَّثنا يحيى بنُ أبي كثيرٍ، حدَّثني أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ
حدَّثنا أبو هريرةَ، قال: لما فُتِحَت مكَّةُ قامَ رسولُ الله ﷺ فقال: «مَنْ قُتِلَ لهُ قَتيل فهو بخيرِ النظَرينِ: إمَّا أن يُودَى وإما أن يُقادَ»، فقامَ


= وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنه. وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة.
وقال الحسن والنخعي: ليس لأولياء الدم إلا الدم إلا أن يشاء القاتل أن يعطي الدية.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس له إلا القود، فإن عفا فلا يثبت له المال إلا برضا القاتل وكذلك قال مالك بن أنس. (قلنا: وحكى البغوي في «شرح السنة»١٠/ ١٦١: أنه أصح تولي الشافعي).
وفي قوله: «فأهله بين خيرتين» دليل على أن الدية مستحقة لأهله كلهم، ويدخل في ذلك الرجال والنساء والزوجات؛ لأنهم جميعًا أهله.
وفيه دليل على أن بعضهم إذا كان غائبًا أو طفلًا لم يكن للباقين القصاص حتى يبلغ الطفل ويقدم الغائب، لأن من كان له خيار في أمر لم يجز أن يُفْتَات عليه قبل أن يختار، لأن في ذلك إبطال خياره، وإلى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال مالك وأبو حنيفة: للكبار أن يستوفوا حقوقهم في القود، ولا ينتظر بلوغ الصغار.
وفيه دليل على أن القاتل إذا مات فتعذَّر القود، فإن للأولياء أن يأخذوا الدية من ورثته، وذلك لأنهم خُيّروا بين أن يُعَلِّقوا حقوقهم في الرقبة أو الذمة، فمهما فات أحدُ الأمرين كان لهم استيفاء الحق من الآخر.
وقال أبو حنيفة: إذا مات فلا شيء لهم، لأن حقهم إنما كان في الرقبة، وقد فاتت، فلا سبيل لهم على ورثته فيما صار من ملكه إليهم.

رجلٌ مِن أهلِ اليمنِ، يقال له: أبو شَاهٍ، فقال: يا رسولَ الله ﷺ، اكتُبْ لي -قال العباسُ: اكتُبوا لي- فقالَ رسُولُ اللهِ: «اكتُبوا لأبي شَاهٍ»
وهذا لفظُ حديثِ أحمد (١).
قال أبو داود: اكتبوا لي: يعني خُطبةَ النبي ﷺ.
٤٥٠٦ - حدَّثنا مسلمٌ، حدَّثنا محمدُ بنُ راشِدٍ، حدَّثنا سليمانُ بنُ موسى، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه


(١) إسناده صحيح. أبو داود: هو سليمان بن داود الطيالسي، وأحمد بن إبراهيم: هو الدَّورقي، والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو.
وأخرجه البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥)، وابن ماجه (٢٦٢٤)، والترمذي (١٤٦٣)،والنسائي في «الكبرى» (٥٨٢٤) و(٦٩٦١) و(٦٩٦٢) من طريق يحيى بن أبي كثير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٤٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٧١٥).
وقد أخرج البخاري في «صحيحه» تحت باب كتابة العلم حديث أبي جحيفة (١١١) وحديث أبي هريرة هذا (١١٢) وحديث أبي هريرة (١١٣) ونصه: ما من أصحاب النبي ﷺ أحدٌ أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب قال الحافظ ١/ ٢٠٨: ويستفاد منه، ومن حديث علي المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي ﷺ أذن في كتابة الحديث عنه، وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «لا تكتبوا عني شيئًا غير القُرآن» رواه مسلم (٣٠٠٤) والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك.
أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، والإذن في تفريقهما.
أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها.
وقيل: النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ.

عن جده، عن النبيِّ ﷺ، قال: «لا يُقتَلُ مؤمِنٌ بِكافرٍ، ومَنْ قَتَلَ مؤمِنًا متعمِّدًا دُفِعَ إلى أولياءِ المقتولِ: فإن شاؤوا قَتَلُوه، وإن شاؤوا أخَذُوا الدِّية» (١).

٥ - باب مَن قَتل بعد أخذِ الديةِ (٢)
٤٥٠٧ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا مَطَرٌ الورَّاقُ، قال: وأحسبه، عن الحسنِ


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. سليمان بن موسى: هو الدمشقي، ومحمد بن راشد: هو المكحولي، ومسلم: هو ابن إبراهيم الفَراهيدي.
وأخرج شطره الأول ابن ماجه (٢٦٥٩) من طريق عبد الرحمن بن عياش، والترمذي (١٤٧١) من طريق أسامة بن زيد، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به.
وقد سلف عند المصنف ضمن الحديث (٢٧٥١). وهو في «مسند أحمد» (٧٠١٢).
وأخرج شطره الثاني ابن ماجه (٢٦٢٦)، والترمذي (١٤٤٤) من طريق محمَّد بن راشد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٠٣٣).
ولشطره الأول شاهد من حديث علي بن أبي طالب عند البخاري (١١١)، ومسلم (١٣٧٠) وسيأتي عند المصنف ضمن الحديث (٤٥٣٠).
ولشطره الثاني شاهد من حديث أبي هريرة وأبي شريح الخزاعي السالفين قبله عند المصنف. وإسنادهما صحيح.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار إلى أنه في رواية ابن الأعرابي. وقد ذكره المزي في «التحفة» (٨٧٠٨) ونسبهُ لرواية ابن داسه وابن الأعرابي.
(٢) جاء عنوان هذا الباب في (أ) و(ج): باب هل يقتُل بعد أخذ الدية. والمثبت من (ب) و(هـ).

عن جابر بنِ عبد الله، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا أعْفِيَ من قَتَلَ بَعْدَ أخذِ الدِّيةِ» (١).


(١) إسناده ضعيف لانقطاعه. الحسن -وهو البصري- لم يسمع من جابر، ومطر الورّاق -وهو ابنُ طهمان، فيه ضعف- حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه الطيالسي (١٧٦٣)، وأحمد في «مسنده» (١٤٩١١)، والبيهقي ٨/ ٥٤ من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. لكن الطيالسي لم يذكر في روايته: وأحسبه عن الحسن، وإنما قال: عن رجل، مبهمًا.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٥٤ من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن مطر الوراق، عن الحسن مرسلًا.
وقد جاء في التزيل: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة:١٧٨].
وعن قتادة مرسلًا عند عبد الرزاق (١٨٢٠٠) قال: كان يُروى عن النبي ﷺ أنه قال: «لا أُعافي أحدًا قتل بعد أخذ الدية». ورجاله ثقات.
وعن إسماعيل بن أمية عن الثبت عند عبد الرزاق (١٨٢٠٣) أن النبي ﷺ أوجب بقسم أو غيره أن لا يُعفى عن الرجل عفا عن الدم، ثم أخذ الدية ثم غدا فقتل. وهو عند الطبري في «تفسيره» ٢/ ١١٣ غير أنه قال: عن إسماعيل بن أمية، عن الليث -ولم ينسبه، وقال: ثقة- أن النبي ﷺ .... فذكره.
وقال الطبري: كان الجميع من أهل العلم مُجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله.
وقوله: «لا أُعفِيَ» قال في «النهاية»: هذا دعاء عليه، أي: لا كثُر مالُه، ولا استغنى. قال السندي: وهذا يدل على أن أعفي ماض مبني للمفعول، وهو كذلك في نسخ صحيحة، وفي بعض النسخ والأصول الصحيحة بضم الهمزة وكسر الفاء، أي: بصيغة المتكلم، من الإعفاء، لغة في العفو، أي: لا أدع ولا أتركه، بل أقتص منه، ويؤيده ما أخرجه أبو داود الطيالسيُّ بلفظ: «لا أعافي أحدًا قَتَل بعد أخذ الدية».

٦ - باب فيمن سَقَى رجلًا سمًَّا أو أطعمه فمات، أيُقاد منه؟
٤٥٠٨ - حدَّثنا يحيى بنُ حبيبِ بنِ عربيٍّ، حدَّثنا خالدُ بنُ الحارِثِ، حدَّثنا شُعبةُ، عن هشام بنِ زيد عن أنس بنِ مالكٍ: أن امرأةً يهوديةً أتت رسولَ الله ﷺ بشاةٍ مَسمُومةٍ، فأكَلَ منها، فجيء بها إلى رسولِ الله ﷺ، فسألها، عن ذلك، فقالت: أردتُ لأقْتُلَكَ، فقال: «ما كان اللهُ عز وجل ليُسَلِّطَكِ على ذلك -أو قال: عليٍّ-»قال: فقالوا: ألا نقتُلُها؟ قال: «لا»، قال: فما زِلْتُ أعْرِفُها في لَهَواتِ رسولِ الله ﷺ (١).


(١) إسناده صحيح. هشام بن زيد: هو ابن أنس بن مالك.
وأخرجه البخاري (٢٦١٧)، ومسلم (٢١٩٠) من طريق خالد بن الحارث، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٢٨٥).
قال النووي في «شرح مسلم»: وأما اللهوات، فبفتح اللام والهاء، جمع لهات بفتح اللام، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، قاله الأصمعي، وقيل: اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم.
وقوله: ما زلت أعرفها، أي: العلامة، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره.
وقولهم: ألا نقتلها، هي بالنون في أكثر النسخ، وفي بعضها بتاء الخطاب.
وقوله ﷺ: «ما كان الله ليسلطك على ذاك، أو قال: عليّ»: فيه بيان عصمته ﷺ من الناس كلهم كما قال الله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، وهي معجزة لرسول الله ﷺ في سلامته من السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة وكلام عضو ميت له، فقد جاء في غير مسلم أنه ﷺ قال: إن الذراع تخبرني أنها مسمومة.
وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي. =

٤٥٠٩ - حدَّثنا داودُ بن رُشَيدٍ، حدَّثنا عبادُ بنُ العوَّام (ح)
وحاثنا هارونُ بنُ عبدِ الله، حدَّثنا سعيدُ بنُ سُليمانَ، حدَّثنا عبادٌ، عن سفيانَ بنِ حُسين، عن الزهريِّ، عن سعيد وأبي سلمةَ -قال هارونُ:-
عن أبي هُريرة: أن امرأةً مِن اليهودِ أهدَتْ إلى النبيِّ ﷺ شاةً مَسمُومَةً، قال: فما عَرَضَ لها النبيُّ ﷺ (١).


= ثم قال: واختلفت الآثار والعلماء هل قتلها النبي ﷺ أم لا، فوقع في «صحيح مسلم» [وهي رواية المصنف هنا] أنهم قالوا: ألا نقتُلها؟ قال: لا، ومثله عن أبي هريرة وجابر، وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه قتلها، وفي رواية ابن عباس أنه ﷺ دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال ابن سحنون: أجمع أهلُ الحديث أن رسول الله ﷺ قتلها. قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولًا حين اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك، سلَّمها لأوليائه فقتلوها قصاصًا، فيصح قولهم: لم يقتُلها، أي: في الحال، ويصح قولهم: قتلها، أي: بعد ذلك، والله أعلم.
قلنا: نقل الحافظ في «الفتح» ٧/ ٤٩٧ هذا التوجيه في الجمع بين الروايات عن البيهقي [وهو في «الدلائل» ٤/ ٢٦٢] والسُّهيلي، ثم قال: ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت، وإنما أخّر قتلها حتّى مات بشر؛ لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه.
(١) إسناده ضعيف. سفيان بن حسين ضعيف في الزهري ثقة في غيره، وقد اختُلف في وصله وإرساله، وقد انفرد سفيان بن حسين في هذه الرواية بأن النبي ﷺ ترك المرأة اليهودية ولم يعرض لها، وخالفه حماد بن سلمة وعباد بن العوّام، فروياه عن محمَّد بن عمرو الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكر أنه قتل تلك المرأة اليهودية التي وضعت السم، وكذلك رواه خالد بن عبد الله الواسطي عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا. كذا في هذا الحديث، وإن كان ثبت في غير حديث أبي هريرة أنه تركها كحديث أنس السالف قبله، وهو في «الصحيحين». سعيد: هو ابن المسيب، وسعيد بن سليمان: هو الضبي الواسطي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه ابن حزم في «المحلى» ١١/ ٢٦، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٤٦ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» ٢/ ٢٠١، والبيهقي في «دلائل النبوة» ٤/ ٢٦٠، والخطيب في «تاريخ بغداد» ٧/ ٣٧٢ من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، بهذا الإسناد لكن لم يذكر الخطيبُ في إسناده أبا سلمة بن عبد الرحمن، ولم يذكر أن النبي ﷺ تركها ولم يعرض لها.
وأخرج الحاكم ٣/ ٢١٩ - ٢٢٠، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٤٦ من طريق حماد بن سلمة، وابن حزم في «المحلى» ١١/ ٢٧، والبيهقي ٨/ ٤٦ من طريق عباد بن العوام، والطبراني في «الكبير» (١٢٠٢) من طريق سعيد بن محمَّد الوراق، ثلاثتهم عن محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - ولفظ رواية حماد بن سلمة والوراق بنحو الرواية الآتية بعده عند المصنف، ولفظ عباد مختصر.
لكن جاء في رواياتهم: أن النبي ﷺ قتل تلك المرأة اليهودية. وإسناده حسن من طريق حماد وعباد.
وسيأتي هذا الحديث برقم (٤٥١١) و(٤٥١٢) من رواية خالد الطحان عن محمَّد ابن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا وفيه أنه ﷺ قتلها أيضًا.
قال الخطابي: قوله: «مصليّة»: هي المشوية بالصّلاء.
وقد اختلف الناس فيما يجب على مَن جعل في طعام رجل سمًّا، فأكله فمات: فقال مالك بن أنس: عليه القود، وأوجب الشافعي في أحد قوليه إذا جعل في طعامه سمًا وأطعمه إياه، أو في شرابه فسقاه ولم يُعلمه أن فيه سمًا، قال الشافعي: وإن خلطه بطعام فوضعه ولم يقل له فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه.
قلت [القائل الخطابي]: والأصل أن المباشرة والسبب إذا اجتمعا كان حكم المباشرة مقدمًا على السبب كحافر البئر والدافع فيها، فأما إذا استكرهه على شرب السم فعليه القود في مذهب الشافعي ومالك.
وعن أبي حنيفة: إن سقاه السم فمات لم يقتل به، وإن أوجره إيجارًا كان على عاقلته الدية. =

قال: أبو داود: هذه أختُ مَرحْبِ اليهوديةُ التي سَمَّتِ النبيَّ ﷺ.
٤٥١٠ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهْريُّ، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، قال:
كان جابرُ بنُ عبدِ الله يُحدِّثُ أن يهُوديةً مِن أهلِ خيبَرَ سمَّت شاةً مصليَّةً، ثم أَهدتْها لرسولِ الله ﷺ، فأخذَ رسولُ الله ﷺ الذِّرَاعَ، فأكَلَ منها، وأكل رهطٌ مِنْ أصحابِه مَعَهُ، ثم قال لهم رسولُ الله ﷺ: «ارفَعُوا أيدِيَكم»، وأرسل رسول الله ﷺ إلى اليهوديةِ فدعاها، فقال لها: «أسممتِ هذه الشَّاةَ؟» قالتِ اليهوديةُ: من أخبَرَكَ؟ قال: «أخبرتني هذه في يدي» للذراع، قالت: نعم، قال: «فما أردت إلى ذلك؟»، قالت: قلتُ: إن كان نبيًا فلن يَضُرَّهُ، وإن لم يكن نبيًا استَرَحْنا منه، فعفا عنها رسول الله ﷺ، ولم يعاقِبْها، وتوفِّي بعضُ أصحابِه الذين أكلوا من الشَّاة، واحتجم رسولُ الله ﷺ على كاهِلِهِ مِنْ أجلِ الذي


= قلت [القائل الخطابي]: أما حديث اليهودية، فقد اختلفت الرواية فيه، وأما حديث أبي سلمة فليس بمتصل، وحديث جابر أيضًا ليس بذاك المتصل؛ لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئًا. قلنا: يعني الخطابيُّ الحديثَ الآتي عند المصنف بعد هذا الحديث. ثم إنه ليس في هذا الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول الله ﷺ بأن بعثت بها إليه، فصارت ملكًا له، وصارت أصحابُه أضيافًا له، ولم تكن هي قدمتها إليهم وإليه، وما هذا سبيلُه فالقود ساقط لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب.
وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب، وجواز مبايعتهم ومعاملتهم مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الهدية توجب العوض، وذلك أنه يك لا يقبل الهدية من يهودية إلا من حيث يرى فيها التعويض، فيكون ذلك عنده بمنزلة المعاوضة بعقد البيع، والله أعلم.

أكلَ من الشاة، حَجَمَهُ أبو هِندٍ بالقَرنِ والشَّفْرةِ، وهو مولى لبني بياضَةَ من الأنصارِ (١).
٤٥١١ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيةَ، حدَّثنا خالد، عن محمَّد بنِ عَمرو
عن أبي سلمة: أن رسُولَ اللهِ - أهدت له يَهُودَيةٌ بخيبر شاةً مصليَّةً، نحو حديثِ جابرٍ، قال: فمات بشرُ بنُ البَراء بن مَعْرُورٍ الأنصاريُّ، فأرسلَ إلى اليهوديِة: «ما حَمَلَكِ على الذي صنعتِ؟» فذكر نحو حديث جابرِ، فأمر بها رسولُ الله ﷺ فقُتِلَت، ولم يذكُرْ أمرَ الحِجامة (٢).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ لأن ابن شهاب -وهو محمَّد ابن مسلم الزهري- لم يسمع من جابر بن عبد الله كما قال الخطابي والمنذري، ومن قبلهما سفيان بن عيينة، يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه الدارمي (٦٨) من طريق شعيب بن أبي حمزة، والبيهقي في «السنن» ٨/ ٤٦ من طريق يونس بن يزيد، كلاهما عن ابن شهاب الزهري، عن جابر.
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤ من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري مرسلًا. لكن روى فيه الزهري قصة الحجامة وحدها عن جابر بن عبد الله.
ويشهد له دون ذكر الحجامة حديث أنس بن مالك السالف عند المصنف برقم (٤٥٠٨).
ويشهد له مع ذكر الحجامة فيه حديث ابن عباس عند ابن سعد في «طبقاته» ١/ ٤٤٥ و٢/ ٢٠١، وأحمد في «مسنده» (٢٧٨٤)، وإسناده صحيح.
ويشهد لقول اليهودية: قلتُ: إن كان نيًا ... حديث أبى هريرة عند البخاري (٣١٦٩).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد اختُلف في وصله وإرساله، أرسله عن محمَّد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي-: خالدٌ -وهو ابن عبد الله الطحان- كما عند المصنف هنا، إلا في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي «للسنن» فإنه وصله بذكر أبي هريرة، وأرسله كذلك جعفر بن عون لكن وصله عنه حماد بن سلمة وعبّاد بن العوّام، فقالا: عن =

٤٥١٢/ ١ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيةَ، عن خالدٍ، عن محمدِ بنِ عَمرٍو، عن أبي سلمة
عن أبي هريرة، قال: كان رسولُ الله ﷺ يقبلُ الهديةَ ولا يأكُلُ الصَّدقَةَ (١).


= محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وهما ثقتان، ومحمد بن عمرو بن علقمة الليثي حسن الحديث، فالإسناد من طريق عباد وحماد حسن.
وأخرجه الدارمي (٦٧) عن جعفر بن عون وابن سعد في «الطبقات» ٢/ ٢٠٠ عن سعيد بن محمَّد الوراق الثقفي، كلاهما عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا.
وأخرجه الحاكم ٣/ ٢١٩ - ٢٢٠، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٤٦ من طريق حماد بن سلمة وابن حزم في «المحلى» ١١/ ٢٧، والبيهقي ٨/ ٤٦ من طريق عباد بن العوّام، والطبراني في «الكبير» (١٢٠٢) من طريق سعيد بن محمَّد الوراق، ثلاثتهم عن محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. فوصلوه. ولفظ عباد مختصر بذكر قتل النبي ﷺ للمرأة اليهودية التي وضعت السم.
وأخرجه القاضي عياض في «الشفا» ١/ ٣١٦ من طريق أبي سعيد ابن الأعرابي، عن أبي داود السجستاني، عن وهب بن بقية، عن خالد الطحان، عن محمَّد بن عمرو ابن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فوصله.
قال المزي في «تحفة الأشراف» ١١/ ٦: هكذا وقع هذا الحديث في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي عن أبي داود. وعند باقي الرواة: عن أبي سلمة أن رسول الله ﷺ ليس فيه أبو هريرة. وقد جوّده ابن الأعرابي عن أبي داود.
ويشهد له حديث جابر السالف قبله، وانظر تمام شواهده عنده.
وانظر ما سلف برقم (٤٥٠٩).
وانظر تالييه.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمَّد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- وقد توبع. والظاهر من كلام الحافظ المزي في «التحفة» (١٥٠٢٥) أن أبا سعيد ابن الأعرابي هو وحده من بين سائر الرواة عن أبي داود، قوإنفرد بوصل الحديث عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وأن الباقين رووه مرسلًا دون ذكر أبي هريرة. =

٤٥١٢/ ٢ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيةَ في موضِع آخَرَ، عن خالدٍ، عن محمَّد بنِ عَمرو عن أبي سَلَمَةَ، ولم يذكر أبا هريرة، قال: كان رسولُ الله ﷺ يأكُلُ الهدية، ولا يأكُلُ الصَّدَقَةَ، زاد: فأهدت له يهودية بخيبرَ شاةً مصليَّةً سمّتها، فأكل رسولُ الله ﷺ منها وأكلَ القومُ، فقال: «ارفعُوا أيديكم؛ فإنها أخبرتني أنها مسمومةٌ» فمات بشر بنُ البراءِ بن معرور الأنصاري، فأرسلَ إلى اليهودية: «ما حملك على الذي صَنَعْتِ؟» قالت: إن كنت نبيًا لم يضُرَّكَ الذي صنعتُ، لان كنتَ ملِكًا أرحتُ الناسَ منك، فأمر بها رسولُ الله ﷺ، فقُتِلَت، ثم قال: في وجَعِهِ


= وقد روي من طريق محمَّد بن عمرو مرة مرسلًا كما في الطريق الآتي بعده، ولكن الوصل صحيح، وقد صح من غير طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة كذلك.
وأخرجه أحمد (٨٧١٤)، وابن حبان (٦٣٨١) من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة، به.
وأخرج البخاري (٢٥٧٦)، ومسلم (١٠٧٧) من طريق محمَّد بن زياد، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله ﷺ إذا أتى بطعام سأل عنه: «أهدية أم صدقة؟» فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: «كلوا» ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده ﷺ فأكل معهم. هذا لفظ البخاري.
وقد جاء عند البيهقي ٧/ ٣٩ بلفظ رواية المُصنًف من طريق محمَّد بن زياد.
ويشهد له بلفظ المصنف حديث عبد الله بن بسر عند أحمد (١٧٦٨٨) وانظر تمام شواهده هناك.
وانظر ما بعده.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (ب) وهامش (هـ)، وأشار في هامش (هـ) إلى أنه وقع لأحمد -قلنا: وهو ابن سعيد بن حزم- عن أبي سعيد ابن الأعرابي. قلنا: ونسبه أيضًا المزيُّ في «التحفة» (١٥٠٢٥) إلى ابن الأعرابي.

الذي ماتَ فيه: ما زِلتُ أجِدُ مِنَ الأكلَةِ التي أكلتُ بخيبرَ، فهذا أوانُ قَطَعَتْ أبهَرِي» (١).
٤٥١٣ - حدَّثنا مخلدُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، حدَّثنا معمر، عن الزهريِّ، عن ابنِ كعبِ بنِ مالكٍ
عن أبيهِ: أن أم مُبشِّر قالت للنبى ﷺ في مرضه الذي ماتَ فيه: ما تتَّهم بكَ يا رسولَ الله؟ فإني لا أتَّهِمُ بابني شيئًا إلا الشاة المسمومةَ التي أكلَ معكَ بخيبَر، فقال النبيُّ ﷺ: «وأنا لا أتَّهِمُ بنفسي إلا ذلك، فهذا أوانُ قطعِ أبهرِي» (٢).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه مرسل، وقد وصله ثقتان، كما سلف بيانه عند المصنف برقم (٤٥١١) فصحَّ الوصل، وللحديث شواهد أيضًا يصح بها. وللقطعة الأولى منه طريق أخرى في «الصحيحين» ما ذكرنا في الرواية السابقة.
ولها شواهد.
ويشهد لقوله في هذه الرواية «ما زلت أجد من الأكلة ...» حديث عائشة عند البخاري معلقًا بصيغة الجزم (٤٤٢٨) وهو عند الحاكم ٥٨/ ٣، والبيهقي ١٠/ ١١
وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وحديث أم مبشر الآتي عند المصنف بعده.
وانظر سابقيه.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه أيضًا من (ب) وهامش (هـ). وأشار في هامش (هـ) إلى أنه وقع لأحمد -وهو ابن سعيد بن حزم- عن أبي سعيد ابن الأعرابي. وكذلك قال المزي في «التحفة» (١٥٠٢٥). وذكر أنه جوّده ابنُ الأعرابي فوصَلَه بذكر أبي هريرة.
(٢) إسناده صحيح. وابن كعب بن مالك: هو عبد الرحمن، كما أشار إليه المصف بإثر الحديث. وسيأتي في الرواية التالية رواية الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وقد سمع الزهريُّ من الرجين كليهما، فلا يبعد أن يكون =

قال أبو داود: ورُبَّما، حدَّث عبدُ الرزاق بهذا الحديثِ مُرسلًا، عن معمرٍ، عن الزُّهريِّ، عن النبيَّ ﷺ. وربما حدَّثَ به عن الزهريِّ، عن عبدِ الرحمن بنِ كعب بنِ مالكٍ. وذكر عبدُ الرزاق: أن معمرًا كانَ يُحدِّثهم بالحديثِ مرةً مرسلًا، فيكتبونه، ويحدَّثهم مرةً به فَيُسنِدُه، فيكتبونه، وكل صحيح عندنا. قال عبد الرزاق: فلما قَدِمَ ابنُ المبارك على معمرٍ أسندَ له معمرٌ أحاديثَ كان يوقفها.
٤٥١٤ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا إبراهيمُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا رَباحٌ، عن معمرٍ، عن الزهري، عن عبدِ الرحمن بنِ عبدِ اللهِ بنِ كعبِ بنِ مالكٍ
عن أُمِّه أمِّ مُبشِّر: دخلتُ على النبيَّ ﷺ، فذكَرَ معنى حَدِيثِ مخلد بنِ خالدٍ. قال أبو سعيد ابن الأعرابي: كذا قال: عن أمه، والصواب: عن أبيه، عن أم مُبشر (١).


= سمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن كعب ومن ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، إذ كان هذا الحديث معروفا في آل كعب بن مالك، وأم مبشر هي امرأة كعب.
وأخرجه ابن حزم في «المحلى، ١١/ ٢٥ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده.
تنبيه: هذا الحديث بطريقيه هذا والذي يليه أثبتناه من (ب) وهامش (هـ)، وهو في روايتي ابن الأعرابي وابن داسه. وقد ذكره المزي في»التحفة«(١١١٣٩).
(١) إسناده صحيح. وهذا الذي صوَّبه أبو سعيد ابن الأعرابي راوية»السنن«عن أبي داود يوافق ما جاء في»مستدرك الحاكم «٣/ ٢١٩ من رواية القطيعي عن عبد الله ابن أحمد بن حنبل، عن أبيه، وكذا أورده الحافظ في»إتحاف المهرة«١٨/ ٣١١ في مسند أم مبشِّر، وعزاه للحاكم، وأشار محقق ذلك الجزء من»الإتحاف «إلى أنه كذلك جاء في مخطوطتي»المستدرك" مخطوطة رواق المغاربة ومخطوطة عاطف أفندي.=

٧ - باب مَن قَتَلَ عبده أو مَثَّل به، أيُقاد منه؟
٤٥١٥ - حدَّثنا عليٍّ بنُ الجَعْدِ، حدَّثنا شعبةُ، وحدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ،
حدَّثنا حماد، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سَمُرَةَ، أن النبيَّ ﷺ قال: «من قتلَ عبدَهُ قتلنَاهُ، ومَنْ جَدَعَ عبدَهُ جَدَعناه» (١).


= وعليه فما جاء في «مسند أحمد» (٢٣٩٣٣) من قوله: عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك، عن أمه، أن أم مبشر دخلت على رسول الله ﷺ ... الحديث - وهم.
ويكون عندئذ للزهري فيه إسنادان: أحدهما إسناد الحديث السابق وهو عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه كعب يعني من مسند كعب بن مالك الصحابي المعروف.
وثانيهما: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه عبد الله، عن أم مبشر يعني من مسندها، وهي امرأة أبيه كعب.
والإسنادان صحيحان.
تنبيه: هذا الحديث أثببناه من (ب) وهامش (هـ)، وهو في روايتي ابن داسه وابن الأعرابي. وقد ذكره المزي في «التحفة» (١١١٣٩).
(١) إسناده ضعيف، فإن الحسن -وهو البصري- لم يسمعه من سمرة -وهو ابن جندب- ما جاء مُصرِّحًا به في «مسند أحمد» (٢٠١٠٤). حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه الترمذي (١٤٧٣)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩١٤) من طريق أبي عوانة
الوضاح بن عبد الله اليشكري، والنسائي (٦٩٢٩) من طريق شعبة، كلاهما عن قتادة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٠٤).
وانظر تالييه.
قال الترمذي: وقد ذهب بعض أهل العلم من التابعين منهم إبراهيم النخعي إلى هذا.
وقال بعض أهل العلم منهم الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح: ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس. وهو قول أحمد وإسحاق. وقال بعضهم: إذا قتل عبده لا يقتل به، وإذا قتل عبد غيره قتل به، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة. =

٤٥١٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ المثنَّى، حدَّثنا مُعاذُ بنُ هشام، حدَّثني أبي، عن قتادةَ، بإسنادِه مثلَه
قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ خَصى عبدَهُ خصيناهُ»، ثم ذكر مثلَ حديث شعبةَ وحمادٍ (١).
قال أبو داود: ورواه أبو داودَ الطيالسيُّ، عن هشامٍ، مثلَ حديث مُعاذٍ.
٤٥١٧ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا سعيدُ بنُ عامر، عن ابنِ أبي عَروبةَ عن قتادةَ، بإسنادِ شعبةَ مثلَه. زاد: ثم إن الحسنَ نسيَ هذا الحديثَ؛ فكان يقولُ: لا يُقتَلُ حُرٌّ بعبدٍ (٢).


= قلنا: وسألَ الترمذيُّ البخاريَ كما في «العلل الكبير»، ٢/ ٥٨٨ عن هذا الحديث فقال البخاري: كان علي ابن المديني يقول بهذا الحديث. وأنا أذهب إليه.
ونقل ابن عبد البر في «الاستذكار، (٣٨١٢٢) و(٣٨١٢٣): أن مالكًا والليث والشافعي وأبا ثور وأحمد وإسحاق قالوا: لا يقتل حر بعبد.
(١) إسناده ضعيف كسابقه. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدَّستوائي.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٦٩١٢) من طريق أبي داود الطيالسي، و(٦٩٣٠) من طريق معاذ بن هشام، كلاهما عن هشام الدستوائي، بهذا الإسناد. لكن لفظ معاذ عند النسائي:»من أخصَى عبده أخصيناه، ومن جدع عبده جدعناه«. ولم يذكر القتل.
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف كسابقيه.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٦٣)، والنسائي في»الكبرى" (٦٩١٣) من طريق سعيد ابن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وانظر سابقيه.
قال الخطابي: قد يحتمل أن يكون الحسن لم ينسَ الحديث، ولكنه كان يتأوله على غير معنى الإيجاب، ويراه نوعًا من الزجر.

٤٥١٨ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هِشامٌ، عن قتادةَ عن الحسنِ، قال: لا يُقادُ الحرُّ بالعبدِ (١).
٤٥١٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ الحسنِ بنِ تَسنيم بن حَواريّ بنِ زيادِ بنِ عَمرو العتكيُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، أخبرنا سوَّار أبو حمزةَ، حدَّثنا عمرُو بنُ شعيب، عن أبيه
عن جده، قال: جاءَ رجل مُستصرِخٌ إلى النبي ﷺ، فقال: جاريةٌ له يا رسولَ الله، فقال: «ويحَكَ مالك؟» قال: شرًّا أبصرَ لسيِّدِه جاريةً له، فغارَ، فَجَبَّ مذاكِيرَه، فقال رسولُ الله ﷺ: «علىَّ بالرَّجُلِ» فطُلِبَ فلم يُقدَرْ عليه، فقال رسولُ الله ﷺ: «اذهب فأنتَ حُرٌّ» فقال: يا رسول الله، على من نُصْرتي؟ قال: «على كُلِّ مُؤمِن» أو قال: «كلِّ مسلم» (٢).


(١) رجاله ثقات.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٣٥ من طريق أبي داود، به.
(٢) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف سوار أبي حمزة -وهو ابن داود الصيرفي- وقد توبع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٨٠) من طريق سوار بن داود أبي حمزة الصيرفي، بهذا الإسناد. وأخرجه عبد الرزاق (١٧٩٣٢)، ومن طريقه الطبراني في «الكبير» (٥٣٠١) عن معمر وابن جريج، كلاهما عن عمرو بن شعيب، به. وابن جريج مدلس وقد عنعن، على أن البخاري والبيهقي قد نفيا سماعه من عمرو أصلًا، ولكن الإسناد من طريق معمر بن راشد حسن إن صح؛ فقد أخرجه أحمد (٦٧١٠) عن عبد الرزاق، عن معمر، أن ابن جريج أخبره، عن عمرو بن شعيب ...
وأخرجه بنحوه أحمد (٧٠٩٦) من طريق حجاج بن أرطأة، وعبد الرزاق (١٧٩٣٢) عن محمَّد بن عبيد الله العرزمي، وابن سعد في «الطبقات» ٧/ ٥٠٥ عن محمَّد بن عمر =

قال أبو داود: الذي عَتَقَ كان اسمه روحَ بنَ دينار.
قال أبو داود: الذي جبَّه زنباعٌ (١).

٨ - باب القتل بالقَسَامةِ
٤٥٢٠ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ عُمر بنِ ميسَرَةَ ومحمد بنُ عُبيد -المعنى- قالا: حدَّثنا حمادُ بنُ زيدِ، عن يحيى بنِ سعيد، عن بَشيرِ بنِ يسار
عن سهلِ بنِ أبي حثْمةَ ورافع بنِ خديج: أن مُحَيِّصَة بنَ مسعودٍ وعبدَ الله بنَ سهل، انطلقا قِبَلَ خيبرَ، فتفرقا في النخل، فقُتِلَ عبدُ الله ابنُ سهل، فاتَّهموا اليهودَ، فجاء أخوه عبدُ الرحمن بن سهلٍ وابنا عمه حُويِّصَةُ ومُحيِّصَةُ، فأتوا النبيَّ ﷺ، فتكلم عبدُ الرحمن في أمرِ أخيه


= الواقدي، عن أسامة بن زيد الليثي، وابن سعد ٧/ ٥٠٦، وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» ص ١٣٧ من طريق ابن لهيعة، وابن منده فيما ذكره الحافظ في «الإصابة» في ترجمة زنباع، والبيهقي ٨/ ٣٦، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ١٩/ ٨١ من طريق المثنى بن الصباح، خمستهم عن عمرو بن شعيب، به وحجاج وابن لهيعة والمثنى ضعفاء، والعرزمي والواقدي متروكان.
وقد رويت هذه القصة من حديث زنباع عند ابن ماجه (٢٦٧٩) وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة متروك الحديث.
ورويتْ أيضًا من حديث سندر عند ابن سعد ٧/ ٥٠٧ وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٦٣٥)، والبزار (١٣٩٤ - كثف الأستار)، وابن قانع في «معجم الصحابة، ١/ ٣٢٢، والطبراني في»الكبير«(٦٧٢٦)، وابن عساكر في»تاريخ دمشق" ١٩/ ٨٢. وفي إسناده ابن لهيعة سعيء الحفظ.
وهذه المتابعات والطرق لهذا الحديث إذا ما انضم بعضها لبعض قوي الحديث بلا شك ولا ريب، والله أعلم.
(١) مقالتا أبي داود هاتان أثبتناهما من هامش (هـ).

وهو أصغرُهم، فقال رسولُ الله ﷺ: «الكُبْرَ الكُبْرَ» أو قال: «ليبدأ الاكبرُ» فتكلَّما في أمرِ صاحبِهما، فقال رسولُ الله ﷺ: «يُقسِم خمسونَ منكُم على رجُلٍ منهم، فيُدفَعُ بِرُمَّته»، قالوا: أمرٌ لم نشهده، كيف نحلِفُ؟ قال: «فتبرِّئُكُم يهودُ بأيمانِ خمسينَ منهم» قالوا: يا رسولَ الله، قومٌ كفَّارٌ، قال: فوداهُ رسولُ الله ﷺ مِن قِبَله. قال سهلٌ: دخلتُ مِربَدًا لهم يوماَ، فركضَتني ناقةٌ مِن تلك الإبِل ركضة بِرجلها، قال حماد هذا أو نحوه (١).


(١) إسناده صحيح. يحيى بن سعيد: هو ابن قيس الأنصاري.
وأخرجه البخاري (٦١٤٢)، ومسلم (١٦٦٩)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٤٥/ ٢)
و(٦٨٨٩) من طريق حماد بن زيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣١٧٣)، ومسلم (١٦٦٩)، والترمذي (١٤٨٢) و(١٤٨٣)، والنسائي في «الكبرى» (٦٨٨٨) و(٦٨٩١ - ٦٨٩٣) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، به. وبعضهم لا يذكر فيه رافع بن خديج.
وأخرجه مسلم (١٦٦٩) من طريق سيمان بن بلال، و(١٦٦٩) من طريق هشيم ابن بشير، والنسائي (٦٨٩٤) من طريق مالك بن أنس، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن بشير بن يسار أن عبد الله بن سهل ... الحديث مرسلًا إلا أن سليمان روى بعض الحديث عمن أدرك من أصحاب رسول الله ﷺ ولم يُسمهم.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠٩١)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠٠٩).
وسيأتي هذا الحديث برقم (٤٥٢٣) من طريق سعيد بن عبيد الطائي عن بُشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة. لكنه ذكر مطالبة النبي ﷺ لقوم عبد الله بن سهل بالبيِّنة بدل اليمين.
وانظر ما سيأتي برقم (٤٥٢٤).
قال الخطابي: قوله: «الكُبْر الكُبْر» إشارة إلى الأدب في تقديم ذوي السنن والكبر.
وفيه من الفقه جواز الوكالة في المطالبة بالحدود. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وفيه جواز وكالة الحاضر، وذلك أن ولي الدم إنما هو عبد الرحمن بن سهل أخو القتيل، وحويّصة ومُحيصة أبناء عمه.
وفيه من الفقه أن الدعوى في القسامة مخالفة لسائر الدعاوى، وأن اليمين يبدأ فيها بالمُدير قبل المُدّعَى عليه.
وفيه دلالة على وجوب رد اليمين على المدعي عند نكول المُدعى عليه.
وقد اختلف الناس فيمن يبدأ فيه بالقسامة، فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل: يبدأ بالمدعين قولًا بظاهر الحديث.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يبدأ بالمدعى عليه على قضية سائر الدعارى.
قلت [القائل الخطابي]: وهذا حكم خاص ّجاءت به السنة، لا يقاس على سائر الأحكام، وللشريعة أن تخص كما لها أن تعم، ولها أن تخالف بين سائر الأحكام المتشابهة في الصفة، كما لها أن توفق بينها، ولها نظائر كثيرة في الأصول.
وقال أبو حنيفة وأصحابُه: إن المدعى عليهم يحلفون ويغرمون الدية، وليس في شيء من الأصول اليمين مع الغرامة، وإنما جاءت اليمين في البراءة أو الاستحقاق على مذهب من قال باليمين مع الشاهد، وقد بُدئ في اللعان بالمدعي وهو الزوج وإنما هو أيمان. ألا ترى أن المتلاعنين يقولان: نشهد بالله، فلو كان معنى اللعان معنى الشهادة لجاز فيه حذف الاسم واقتصر على مجرد قولهما: نشهد، وقد قال ﷺ في حديث الملاعنة: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» فثبت أن اللعان أيمان ثم كان مبدوءًا فيه بالمدعي كما ترى.
قلت: وفي إلزامه اليهود بقوله: «فيدفع برُمَّته» دليل على أن الدية تجب على سكان المحلة دون أرباب الخطة؛ لأن خيبر كانت للمهاجرين والأنصار.
وفيه دليل على أن المدعى عليهم إذا حلفوا برئوا من الدم، وهو قوله: «فتبرِّئكم يهود بإيمان خمسين منهم».
وفيه أن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب بيمينه وإبرائه بها عن الحق المدعى قبله.
وفيه أن يمين المشرك مسموعة على المسلم كيمين المسلم عليه، وقال مالك: لا تسمع أيمانهم على المسلمين كشهاداتهم. =

قال أبو داود: رواه بشرُ بنُ المفضَّل ومالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، قال فيه: «أتحلِفُون خمسين يمينًا وتستحِقُّون دَمَ صاحِبِكم -أو قاتلِكم-؟» ولم يذكر بِشرٌ دمًا. وقال عِدَّةٌ، عن يحيى كما قال حمادٌ. ورواه ابن عُيينة، عن يحيى، فبدأ بقوله: «تُبرِّئكم يهودُ بخمسينَ يمينًا يحلِفُونَ» ولم يذكُرِ الاستحقاقَ.
وهذا وَهمٌ مِن ابنِ عُيينةَ.
٤٥٢١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرو بنِ السَّرح، أخبرنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني مالكٌ، عن أبي ليلى بنِ عبد الله بنِ عبد الرحمن بنِ سهْلٍ


= وظاهر لفظ هذا الحديث حجة لمن رأى وجوب القتل بالقسامة، وهو قوله: «وتستحقون دم صاحبكم». وقوله: «فيدفع برمته». وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبو ثور. وروي ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وإسحاق بن راهويه: لا يقاد بالقسامة إنما تجب الدية. وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن البصري وإبراهيم النخعي.
وقد روي أيضًا عن النخعي أنه قال: القسامة جور، شاهدان يشهدان؟! وكان الحَكَمُ لا يرى القسامة شيئًا.
قلت: وتأويل هؤلاء قوله: «وتستحقون دم صاحبكم» أي: دية صاحبكم؛ لأنهم يأخذونها بسبب الدم، فصلح أن يسمى ذلك دمًا.
وقد روي من غير هذا الطريق: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب»، فدل ذلك صحة هذه التأويل.
قلت: ويشبه أن يكون إنما وداه رسول الله ﷺ من قِبَلِه للعهد الذي كان جعله لليهود فلم يحب أن يبطله ولم يحب أن يهدر دم القتيل، فوداه من قبله وتحملها للإصلاح بينهم.

عن سهْل بنِ أبي حَثْمَة، أنه أخبره هو ورِجَالٌ من كُبَراء قومِه: أن عبدَ الله بنَ سهلٍ ومُحيِّصةَ خرجا إلى خيبَرَ من جُهْدٍ أصابهم، فأتى مُحيِّصةُ فأخبَرَ أن عبدَ الله بنَ سهل قد قُتِلَ وطُرِحَ في فقير أو عَينٍ، فأتى يهودَ، فقال: أنتُم واللهِ قتلتُمُوه، قالوا: واللهِ ما قتلناهُ، فأقبل حتَّى قَدِم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبلَ هو وأخوه حُويِّصةُ -وهو أكبرُ منه- وعبد الرحمن بن سهل، فذهب مُحيِّصةُ ليتكلَّم، وهو الذي كان بخيبرَ، فقال له رسول الله ﷺ:»كبِّر كبِّر«يريد السنَّ» فتكلم حُويِّصةُ، ثم تكلَّم مُحيِّصةُ، فقال رسول الله ﷺ: «إما أن يَدُوا صاحِبَكم، وإمَّا أن يُؤذَنُوا بحَربِ» فكتب إليهم رسولُ الله ﷺ بذلك، فكتُبوا: إنا واللهِ ما قتلنَاه، فقال رسولُ الله ﷺ لحُويِّصةَ ومُحيِّصةَ وعبدِ الرحمن: «أتحلِفُون وتستَحِقُّون دمَ صاحِبكم؟» قالوا: لا، قال: «فتحلِفُ لكم يهودُ» قالوا: ليسوا مسلمين، فوداه رسولُ الله ﷺ مِن عندِه، فبعثَ إليهم مئةَ ناقةٍ، حتَّى أُدخِلَت عليهم الدارَ، قال سهل: لقد ركضتني منها ناقةٌ حمراءُ (١).


(١) وإسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله.
وهو في «موطأ مالك»، برواية أبي مصعب الزهري (٢٣٥٢).
وأخرجه البخاري (٧١٩٢) من طريق عبد الله بن يوسف ومن طريق إسماعيل بن أبي أويس، والنسائي في «الكبرى» (٦٨٨٧) من طريق عبد الرحمن بن القاسم المصري، ثلاثتهم عن مالك، به.
وأخرجه النسائي (٥٩٤٥/ ١) عن أحمد بن عمرو بن السرح، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن أبي ليلى، أن سهل بن أبي حثمة أخبره: أن عبد الله بن سهل ومحيصة ... فجعله عن سهل وحده، ولم يقرن معه الرجال الذين هم من كُبراء قومه. =

٤٥٢٢ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد وكثيرُ بنُ عُبيدٍ، قالا: حدَّثنا. وحدَّثنا محمدُ بنُ الصبَّاح بن سفيان، أخبرنا الوليدُ، عن أبي عمرو
عن عمرو بنِ شُعيبٍ، عن رسولِ الله ﷺ: أنه قَتَلَ بالقَسَامة رجلًا مِن بني نصرِ بنِ مالكٍ ببَحْرَةِ الرُّغاءِ، على شطِّ لِيَّةِ البَحْرَةِ، فقال: القاتلُ والمقتولُ منهم، هذا لفظُ محمود: ببحرة أقامه محمود وحدَه على شط لِيَّة (١).


= وهو في«موطأ مالك» برواية يحيى الليثي ٢/ ٨٧٧، وبرواية محمَّد بن الحسن (٦٨١) عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن، عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه. فجعلاه من مسند رجال من كبراء قوم سهل، وأن سهلًا سمعه منهم.
وأخرجه مسلم (١٦٦٩)، وابن ماجه (٢٦٧٧) من طريق بشر بن عمر، عن مالك، عن أبي ليلى، عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من براء قومه.
وهذا يوافق رواية يحيى الليثي ومحمد بن الحسن الشيباني.
تنبيه: ذكر ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ١٥١ أن ابن وهب رواه عن مالك، فقال في روايته: عن سهل أنه أخبره رجال من كبراء قومه، وهذا يخالف ما جاء عند المصنف والنسائي من أن الحديث من مسند سهل بن أبي حثمة ورجال من براء قومه.
وانظر ما قبله وما سيأتي برقم (٤٥٢٣).
قال الخطابي: قوله: «إما أن تدُوا» فيه دليل على أن الواجب بالقسامة الدية، وقد كنى بالدم عنها إذ كانا يتعاقبان في الحكم فجاز أن يُعبّر عن أحدهما بالآخر.
وقد أنكر بعض الناس قوله: «وإما أن يُؤذنُوا بحرب» وقال: إن الأمة على خلاف هذا القول، فدل أن خبر القسامة غير معمول به.
قلت: ووجه الكلام بيّن، وتأويله صحيح، وذلك أنهم إذا امتنعوا من القسامة ولزمتهم الدية فأبوا أن يؤدوها إلى أولياء الدم أوذنوا بحرب كما يؤذنون بها إذا امتنعوا من أداء الجزية.
قلنا: والفقير: البئر الواسعة الفم، القريبة القعر.
(١) إسناده معضل كما قال الحافظ المنذري في «اختصار السنن».
وأخرجه البيهقي ٨/ ١٢٧ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد. =

٩ - باب في ترك القَوَد بالقَسَامة
٤٥٢٣ - حدَّثنا الحسنُ بنُ محمدِ بنِ الصَّبَّاح الزعفرانيُّ، حدَّثنا أبو نُعَيم، حدَّثنا سعيدُ بنُ عُبيدٍ الطائيُّ، عن بُشَير بن يَسَارٍ
زعمَ أن رجلًا من الأنصار يقال له: سَهْل بن أبي حَثْمَةَ، أخبره: أن نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرَّقوا فيها، فوجدُوا أحدَهم قتيلَا، فقالوا للذينَ وجَدُوه عندهم: قتلتُم صاحبَنَا، فقالوا: ما قتلنا ولا عَلِمَنا قاتلًا، فانطلقنا إلى نبيِّ الله ﷺ، قال: فقال لهم: «تأتوني بالبينةِ على من قتلَ هذا؟» قالوا: ما لنا بينةٌ، قال: «فيحلفونَ لكم؟» قالوا: لا نَرْضَى بأيمانِ اليهود، فكره نبيُّ الله ﷺ أن يُبطِلَ دَمَه، فوَدَاه مئةً من إبلِ الصَّدقةِ (١).


= بَحرة الرُّغاء: بضم الراء، موضع بالطائف، بني بها النبي ﷺ مسجدًا.
ولِيّة، قال العيني في «عمدة القاري» ١٨/ ١٥٦: قال البكري: بكسر أوله، وتشديد الياء آخر الحروف، وهي أرض من الطائف على أميال يسيرة، وهي على ليلة من قرن.
(١) إسناده صحيح. أبو نعيم: هو الفضل بن دُكين.
وأخرجه البخاري (٦٨٩٨)، والنسائي في «الكبرى» (٦٨٩٥) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، ومسلم (١٦٦٩) من طريق عبد الله بن نمير، كلاهما عن سعيد بن عبيد، به. ولم يسق مسلم متنه.
وانظر ما سلف برقم (٤٥٢٠) و(٤٥٢١).
وقال النسائي بإثر روايته: لا نعلم أحدًا تابع سعيد بن عبيد الطائي على لفظ هذا الحديث عن بُشَير بن يسار، وسعيد بن عبيد ثقة، وحديثه أولى بالصواب عندنا، والله أعلم.
ونقل البيهقى في «السنن الكبرى» ٨/ ١٢٠ عن مسلم بن الحجاج أنه قال في جملة
ما قال في هذه الرواية: وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد وأرفع منه شأنًا في طريق العلم وأسبابه، فهو أولى بالحفظ منه. =

٤٥٢٤ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي بنِ راشدٍ، أخبرنا هُشيمٌ، عن أبي حيانَ التيميِّ، حدَّثنا عبايةُ بنُ رِفاعةَ
عن رافع بنِ خَديج، قال: أصبح رَجُلٌ من الأنصارِ مقتولًا بخيبرَ، فانطلقَ أولياؤه إلى النبيِّ ﷺ، فذكروا ذلك له، فقال: «لكُم شاهدانِ يشهدانِ على قاتِلِ صاحبكم؟» قالوا: يا رسُولَ الله، لم يكُن ثُمَّ أحدٌ مِنَ المُسلِمِينَ، وإنما هم يهُودُ، وقد يجترئونَ على أعظَم من هذا، قال:


= لكن البيهقي بيّن أن لا تعارض بين هاتين الروايتين، فقال: إن صحت رواية سعيد فهي لا تخالف رواية يحيى بن سعيد عن يشعر بن يسار؛ لأنه قد يريد بالبينة الأيمان مع اللوث (قال في «النهاية»: اللوث أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانًا قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد منه له أو نحو ذلك، وهو من التلوّث: التلطُّخ) كما فسرهُ يحيى بن سعيد، وقد يطالبهم بالبينة كما في هذه الرواية، ثم يعرض عليهم الأيمان مع وجود اللوث كما في رواية يحيى بن سعيد، ثم يردها على المدعى عليهم عند نكول المدعين كما في الروايتين.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن»: يدل على ما ذكره البيهقي حديثُ النسائي عن عمرو بن شعيب.
قلنا: هو ما أخرجه في «السنن الكبرى» (٦٨٩٦) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلًا على أبواب خيبر، فقال رسول الله ﷺ: «أقم شاهدين على من قتله أدفعْه إليك برمته» قال: يا رسول الله، ومن أين أصيب شاهدين، وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم؟!، قال: «فتحلف خمسين قسامة؟» قال: يا رسول الله، وكيف نحلف على ما لا أعلم؟! فقال رسول الله ﷺ: فتستحلف منهم خمسين قسامة؟ " فقال: يا رسول الله، كيف نستحلفهم وهم اليهود؟! فقسم رسولُ الله ﷺ ديته عليهم وأعانهم بنصفها.
وإسناد هذه الرواية حسن، لكن قال النسائي: لا نعلم أحدًا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية. قلنا: ومما انفرد به عمرو بن شعيب في هذه الرواية تقسيم الدية، لأن المحفوظ أنه ﷺ وداه من عنده.

«فاختاروا مِنهُم خمسينَ فاستحلِفَهم» فأبوا، فوداهُ النبيَّ ﷺ مِن عندِه (١)


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات لكن هشيمًا -وهو ابن بشير- مدلس وقد عنعن. أبو حيان التيمي: هو يحيى بن سعيد بن حيان.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٤٤١٣)، والبيهقي ٨/ ١٣٤ و١٠/ ١٤٨، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٣/ ٢١٠، والمزي في ترجمة الحسن بن علي بن راشد من «تهذيب الكمال» ٦/ ٢١٧ - ٢١٨ من طريق الحسن بن علي بن راشد، بهذا الإسناد.
ويشهد له بهذا للفظ حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده السالف ذكره عند تخريج الحديث الذي قبله، وهو عند النسائي في «الكبرى» (٦٨٩٦). وإسناده حسن.
ويشهد له أيضًا حديث سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة الذي قبله. إذ إن البخاري لما ذكر حديث سعيد بن عبيد، قدم له بحديث الأشعث بن قيس أن النبي ﷺ قال: «شاهداك أو يمينة» وهو حديث صحيح أخرجه البخاري مسندًا برقم (٢٣٥٧)، ومسلم (١٣٨).
وقد صح من حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة بذكر البداءة باليمين للمدَّعي كما في الروايتين السالفتين برقم (٤٥٢٠) و(٤٥٢١).
وقد جمع البيهقي بين رواية البينة أو الاشهاد، وبين رواية اليمين فيما ذكرناه عند الحديث السالف قبله، وتؤيده رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما قال ابن القيم في «تهذيب السنن».
ويظهر من صنيع البخاري أنه يذهب إلى هذا الجمع؛ حيث احتج بحديث سعيد ابن عبيد عن بُشير بن يسار بذكر البينة التي أشار إلى أنه يدخل فيها الإشهاد، كما احتج أيضًا بحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار بذكر اليمين.
فكأن ما طُوي ذكره في رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وهو البينة أفصح عنه في رواية سعيد بن عبيد وعباية بن رافع وما طوي ذكره في رواية سعيد بن عبيد وعباية وهو اليمين، أفصح عنه في رواية يحيى بن سعيد. وبيَّن الكُلَّ روايةُ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والله تعالى أعلم.

٤٥٢٥ - حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ يحيى الحرَّانيُّ، حدَّثني محمَّد -يعني ابنَ سلمةَ- عن محمَّد بنِ إسحاق، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ بن الحارث
عن عبدِ الرحمن بن بُجيدٍ، قال: إن سهلًا، والله، أوهم الحديثَ، إن رسولَ الله ﷺ كتب إلى يهودَ أنه قد وُجِد بين أظهركم قتيلٌ فَدُوه، فكتبوا يحلِفُون بالله خمسين يمينًا: ما قتلنا، ولا علِمنا قاتلًا، قال: فوداه رسولُ الله ﷺ مِن عنده مئةَ ناقة (١).
٤٥٢٦ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، أخبرنا معمَرٌ، عن الزَّهري، عن أبي سلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمن وسليمانَ بنِ يَسار
عن رجَالِ مِن الأنصارِ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: لليهودِ وبدأ بهم: «أيحلِفُ مَنكم خمسون رجُلًا» فأبوا، فقال للأنصارِ: «استحِقُّوا»، قالوا: نحلِفَ على الغيب يا رسول الله؟! فجعلها رسولُ الله ﷺ ديةً على يهودِ؛ لأنه وُجِدَ بين أظهُرِهم (٢).


(١) منكر بهذا السياق، وعبد الرحمن بن بُجيد مختلف في صحبته، وقال ابن عبد البر: في صحبته نظر. وقد خالف في هذه القِصَّة سهلَ بنَ أبي حَثمة ورافعَ بنَ خَديج، ولهذا قال الخطابي: أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن اتصالًا وأوضح متونًا.
قلنا: يعني بذكر البداءة باليمين للمدَّعي قبل المُدَّعى عليه، وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٣/ ٢٠٨: ليس قول عبد الرحمن بن بجيد هذا مما يُرَدُّ به قول سهل بن أبي حثمة؛ لأن سهلًا أخبر عما رأى وعاين وشاهد، حتى ركضته منها ناقة واحدة، وعبد الرحمن بن بجيد لم يلق النبي ﷺ ولا رآه ولا شهد هذه القصة، وحديثه مرسل.
قلنا: وقد ذهب الشافعي من قبله إلى القول بإرسال هذا الحديث، وقال في «اختلاف الحديث»: لا أعلم ابنَ بجيد سمع النبي ﷺ.
وهو في «سيرة ابن هشام» ٣/ ٣٧٠ من طريق محمَّد بن إسحاق، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي ٨/ ١٢٠ - ١٢١، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٣/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
(٢) منكر بهذا السياق، وقد أعله البيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٢٢ ووافقه ابن =

١٠ - باب يُقَادُ مِن القاتل أو يُقتَل بحجرٍ بمثل ما قَتَل
٤٥٢٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا همَّامٌ، عن قتادةَ
عن أنس: أن جاريةً وُجِدَت قد رُضَّ رأسُها بين حجرين، فقيل لها: من فَعَلَ بكِ هذا؟ أفلانٌ؟ أفلانٌ؟ حتى سُمِّيَ اليهوديُّ، فأومَتْ برأسِها، فأُخِذَ اليهوديُّ، فاعترفَ، فأمَرَ رسولُ الله ﷺ أن يُرَضَّ رأسُه بالحِجَارَةِ (١).


= قيم الجوزية في «تهذيب السنن» بأن معمرًا انفرد به عن الزهري، وخالفه ابن جريج وغيره، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد بعينه، عن أبي سلمة وسليمان عن رجال من أصحاب النبي ﷺ: أن رسول الله ﷺ أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضي، بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود.
وهو في«مصنف عبد الرزاق» (١٨٢٥٢).
وأخرج عبد الرزاق (١٨٢٥٤)، ومن طريقه مسلم (١٦٧٠)، والبيهقي ٨/ ١٢٢
عن ابن جريج، ومسلم (١٦٧٠) وابن الجارود (٧٩٧) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، ومسلم (١٦٧٠) من طريق صالح بن كيسان، والبيهقي من طريق عُقيل بن خالد الأيلي، أربعتهم عن الزهري، به بلفظ: أن رسول الله ﷺ أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وبعضهم يزيد فيه: وقضى بها رسول الله ﷺ بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود.
(١) إسناده صحيح. قتادة: هو ابن دعامة السدوسي، وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي.
وأخرجه البخاري (٢٤١٣) و(٢٧٤٦) و(٦٨٧٦) و(٦٨٨٤)، وابن ماجه (٢٦٦٥)، والترمذي (١٤٥١)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩١٨) من طريق همام بن يحيى، والبخاري (٦٨٨٥) والنسائي (٦٩١٦) من طريق سعيد بن أبي عروبة، والنسائي (٦٩١٧) من طريق أبان بن يزيد، ثلاثتهم عن قتادة، به. ورواية ابن أبي عروبة مختصرة.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٧٤١)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٩٣).
وسيتكرر برقم (٤٥٣٥).
وانظر تالييه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وفيه دليل على وجوب قتل الرجل بالمرأة، وهو قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري وعطاء فإنهما زعما أن الرجل لا يُقتل بالمرأة.
وفيه دليل على جواز اعتبار القتل، فيقتص من القائل بمثل ما فعله، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وروي ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز (قلنا: ونسبه الترمذي لإسحاق بن راهويه).
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يقتص منه إلا بالسيف. وكذلك قال عطاء.
قال الشيخ [يعني الخطابي]: ما يوجد في هذا الحديث بهذه اللفظة، أعني قوله:
فاعترف فقتل، فيها الشفاء والبيان أن النبي ﷺ لم يقتل اليهودي بإيماء المدعي أو بقوله.
وقد شغب بعض الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خاليًا من هذه اللفظة، فقال: كيف يجوز أن يُقتل أحدٌ بقول المدعي وبكلامه فضلًا عن إيمائه برأسه، وأنكروا هذا الحديث وأبطلوا الحكم في اعتبار جهة المماثلة.
قال الشيخ: وهذه اللفظة لو لم تكن مروية في هذه القصة لم يكن ضائرًا؛ لأن من العلم الشائع المستفيض على لسان الأمة خاصهم وعامهم أنه لا يستحق مال ولا دم ألا ببينة، وقد يروى كثيرٌ من الأحاديث على الاختصار اعتمادًا على أفهام السامعين والمخاطبين به.
وقد احتج بعض من لا يرى اعتبار جهة المماثلة بنهي النبي ﷺ عن المثلة، وهذه معارضة لا تصح، لأن النهي عن المثلة إنما هو في ابتداء العقوبة بها، فأما القصاص فلا يتعلق بالمثلة، ألا ترى أن من جدع أذنًا أو فقأ عينًا من كفء له اقتُصَّ منه، ولم يكن ذلك مُثلة، وعارضوا أيضًا ينهي النبي ﷺ أن يعذب أحد بعذاب الله، فقالوا: إذا أحرق رجلًا بالنار، فإنه لا يحرق بها قصاصًا ويقتل بالسيف. وهذا مثل الأول، وباب القصاص من هذا بمعزل.
وانظر «فتح الباري» ١٢/ ٢٠٠ في الديات: باب إذا قتل بحجر أو بعصا.
وقد قال ﷺ لأسامة: «اغدُ على أُبنَى صباحًا وحرِّق» وأجاز عامة الفقهاء أن يُرمى الكفار بالنيران إذا خافوهم ولم يطيقوا دفعهم عن أنفسهم إلا بها. =

٤٥٢٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا معمرٌ، عن أيوبَ، عن أبي قِلابةَ
عن أنسٍ: أنَّ يهوديًا قَتَلَ جارِيةً من الأنصارِ على حُليِّ لها، ثم ألقاها في قَلِيبٍ، ورَضَخَ رأسَها بالحِجَارة، فأُخِذَ، فأُتي به النبي ﷺ، فأمر به أن يُرجَم حتى يموتَ، فرُجم حتى مات (١).


= فعلم أن طريق النهي عن استعمال النار خارج عن باب القصاص المباح وعن باب الجهاد المأمور به وأن من قتل رجلًا بالإحراق بالنار فإن للولي أن يقتل القاتل بالنار كذلك.
وقد تمثلوا أيضًا في هذا بأمور، كمن قتل رجلًا بالسِّحر، وكمن سقى رجلًا خمرًا، أو وإلى عليه بهما حتى مات، ومن ارتكب فاحشة من إنسان فكان فيها تلفُه.
وليس يلزم شيء من هذا، والأصل فيه الحديث.
ثم العقوبات على ضربين:
أحدهما: مأذون فيه أن يستعمل فيمن استحقه على وجه من الوجوه.
والآخر: محظور من جميع الوجوه.
وقد أمرنا بجهاد الكفار ومعاقبتهم على كفرهم: ضربًا بالسلاح ورميًا بالحجارة وإضرامًا عليهم بالنيران، ولم يُبَح لنا أن نقتلهم بسقي الخمر ورُكوب الفاحشة منهم.
فأما السِّحْر فهو أمر يَلطُف ويَدِقُ. والتوصل إلى علمه يصعُب ومباشرته محظورة على الوجوه كلها.
فإذا تعذَّرت علينا معرفة جهة الجناية وكيفيتها صِرْنا إلى استيفاء الحق منه بالسيف، إذ هو دائرة القتل، وكان سبيلُه سبيلَ من ثبت عند الحاكم أنه قتل فلانًا عمدًا، ولم يبين جهة القتل وكيفيته، فإنه يقتله بالسيف، وكذلك إذا تعذرت جهة المماثلة، قُتِل بالسيف، والله أعلم.
(١) إسناده صحيح. أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجَرْمي، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، ومعمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٠١٧١) و(١٨٥٢٥)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٦٧٢)، وأخرجه مسلم كذلك (١٦٧٢) من طريق ابن جريج، كلاهما (عبد الرزاق وابن جريج) عن معمر، به. =

قال أبو داود: رواه ابن جُريج عن أيوبَ نحوه.
٤٥٢٩ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا ابنُ إدريسَ، عن شعبةَ، عن هشام بنِ زيدٍ
عن جده أنس: أن جاريةً كان عليها أوضاحٌ لها، فرضَخَ رأسها يهوديٌّ بِحَجرٍ، فدخَلَ عليها رسولُ الله ﷺ وبها رمَقٌ، فقال لها: «مَنْ قتلكِ؟ فلانٌ قتلكِ؟» فقالت: لا، برأسها، قال: «مَن قتلكِ؟ فُلان قتلكِ؟» قالت: لا، برأسِها، قال: «فلانٌ قتلكِ؟» قالت: نعم، برأسها، فأمر به رسولُ الله ﷺ فقُتل بينَ حجرينِ١).

١١ - باب، أيقاد المسلمُ بالكافرِ؟
٤٥٣٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل ومُسدَّد، قالا: حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ، أخبرنا سعيدُ بنُ أبي عَروبةَ، عن قَتادَةَ، عن الحسنِ
عن قيس بن عُبادٍ، قال: انطلقتُ أنا والأشترُ إلى عليٍّ، فقلنا: هل عَهِدَ إليك رسولُ الله ﷺ شيئًا لم يعهدهُ إلى الناسِ عامةَ؟ قال: لا، إلا


= وهو في «مسند أحمد» (١٢٦٦٧).
وانظر ما قبله.
قال السندي في «حاشيته على المسند»: أن يُرجم، أي: يُرضَخ رأسه بالحجارة ما جاء، والتعبير هنا بالرجم لكونه مثلَه، والله تعالى أعلم.
(١) إسناده صحيح. ابن إدريس: هو عبد الله، وشعبة: هو ابن الحجاج.
وأخرجه البخاري (٥٢٩٥) و(٦٨٧٧) و(٦٨٧٩)، ومسلم (١٦٧٢)، وابن ماجه (٢٦٦٦)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٥٥) من طريق شعبة بن الحجاج، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٧٤٨)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٩٢).
وانظر سابقيه.
قال الخطابي: يريد بالأوضاح حليًا لها. =

ما في كتابي هذا -قال مُسَدَّدٌ: قال: فأخرجَ كتابًا، وقال أحمد: كتابًا من قِرابِ سيفه- فإذا فيه: «المؤمِنونَ تكافأُ دِماؤُهُم، وهم يدٌ على من
سِوَاهم، ويسعى بذمَّتِهم أدناهُمْ، ألا لا يُقتَلُ مُؤمِنٌ بكافرٍ، ولا ذُو
عَهدٍ في عهدِهِ، من أحدَثَ حدَثًا فعلى نفسِهِ، ومَنْ أحدَثَ حدَثًا أو
آوى مُحدِثًا، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ» (١).


(١) إسناده صحيح. الحسن: هو ابنُ أبي الحسن البصري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩١٠) و(٨٦٢٩) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٩٣).
وأخرجه النسائي (٦٩١١) و(٦٩٢١) من طريق قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن علي. دون قوله: «ومن أحدث حدثًا ...».
وهو في «مسند أحمد» (٩٥٩).
وأخرج منه قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» البخاري (١١١)، وابن ماجه (٢٦٥٨)، والترمذي (١٤٧٠)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٢٠) من طريق أبي جحيفة، عن علي. وانظر ما سلف برقم (٢٠٣٤).
قال الخطابي: قوله: «المؤمنون تكافأ دماؤهم» يريد أن دماء المسلمين متساوية في القصاص والقَوَد، يقادُ الشريف منهم بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، والرجل بالمرأة.
وفيه مستدلٌ لمن رأى أن يُقتل الحر بالعبد؛ لأن قضية العموم تعطي ذلك.
قوله: «وهم يد على مَن سِواهم» معناه: النصرة والمعونة من بعضهم لبعض.
قوله: «يسعى بذمتهم أدناهم»، معناه: أن الواحد منهم إذا أجار كافرًا وأمَّنَه على دمه حرم دمُه على المسلمين كافّة، وإن كان المجير أدناهم مثل أن يكون عبدًا أو امرأة أو عسيفًا تابعًا أو نحو ذلك، ليس لهم أن يُخفِروا ذمتَه.
قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» فيه البيان الواضح: أن المسلم لا يُقتل بأحد من الكفار، كان المقتول منهم ذميًا أو معاهَدًا أو مستأمنًا أو ما كان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وذلك أنه نفي في نكرة، فاشتمل على حسن الكفار عمومًا. وقد قال ﷺ: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» فكان الذمي والمستأمَن في ذلك سواء.
وقد اختلف الناس في هذا:
فقال بظاهر الحديث جماعة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. ثبت ذلك عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورضي عنهم أجمعين.
وهو قول عطاء وعكرمة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز. وبه قال سفيان الثوري وابن شبرمة. وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال الشعبي والنخعي: يُقتل المسلم بالذمي. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وتأوّلوا قوله: «لا يُقتل مؤمن بكافر» أي: بكافر حربي دون من له عهد وذمة من الكفار. وادعوا في نظم الكلام تقديمًا وتأخيرًا، كأنه قال: لا يُقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر.
وقالوا: لولا أن المراد به هذا لكان الكلام خاليًا عن الفائدة؛ لأن معلومًا بالاجماع أن المعاهد لا يُقتل في عهده، فلم يجز حمل الخبر الخاص على شيء قد استُفيد معرفته من جهة العلم العام المستفيض. واحتجوا أيضًا بخبر منقطع عن ابن البيلماني: أن النبي ﷺ أقاد مسلمًا بكافر.
قلت [القائل الخطابي]: «لا يقتل مؤمن بكافر» كلام قام مستقل بنفسه، فلا وجه لتضميه بما بعده وإبطال حكم ظاهره، وحمله على التقديم والتأخير، وإنما يُفعل ذلك عند الحاجة والضرورة في تكميل ناقص وكشف عن مبهم، ولا ضرورة با في هذا الموضع إلى شيء من ذلك.
فأما تحديده ذكر المعاهد وأنه لا يقتل ما دام مقيمًا على عهده، فإن للنبي ﷺ أن يكرر البيان، وأن يظاهر بذكر الشيء مرة بعد أخرى، إشباعًا في البيان وإفهامًا للمخاطبين بالكلام.
وقد يحتمل أن يكون النبي ﷺ لما أسفط القصاص عن المسلم إذا قتل كافرًا احتاج إلى أن يؤكد حق دم المعاهد، فيجدد القول فيه. لأن ظاهر ذلك يوجب توهين حرمة دم الكفار، ولا يؤمن أن يكون في ذلك الإغراء بهم، فخشي إقدام المتسرع من =

قال مُسَدَّدٌ: عن ابنِ أبي عَروبةَ.
٤٥٣١ - حدَّثنا عُبيدُ اللهِ بن عمر، حدَّثنا هُشيمٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن عمرو بنِ شُعيبِ، عن أبيه
عن جده، قال: قال رسولُ الله ﷺ، ذكر نحو حديثِ عليٍّ، زادَ فيه: «ويُجيرُ عليهم أقصَاهُم، ويردُّ مُشِدُّهم على مُضعِفِهم، ومُتَسرِّيهم على قاعدِهم» (¬١).

١٢ - باب من وجد مع أهله رجلًا فقتلَه
٤٥٣٢ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ وعبد الوهَّاب بن نَجْدة الحَوطيُّ -المعنى واحد- قالا: حدَّثنا عبدُ العزيز بن محمَّد، عن سهيل، عن أبيه


= المسلمين إلى دمائهم إذا أمن القود، فأعاد القول في حظر دمائهم رفعًا للشبهة، وقطعًا لتأويل متأول، والله أعلم.
وقد يحتمل ذلك وجهًا آخر: وهو أن يكون معناه: لا يقتل مؤمن بأحد من الكفار، ولا يقتل معاهد ببعض الكفار وهو الحربي.
ولا ينكر أن لفظة «واحد» يعطف عليها شيئان. فيكون أحدهما راجعًا على جميعها، والآخر راجعًا إلى بعضها.
وقوله: «من أحدث حدثًا فعلى نفسه» يريد: أن من جنى جناية كان مأخوذًا بها، لا يؤخذ بجُرمه غيرُه. وهذا في العمد الذي يلزمه في ماله، دون الخطأ الذي يلزم عاقلته.
وقوله: «من آوى محدثًا فعليه لعنة الله» يريد: من آوى جانيًا أو أجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. هشيم -وإن كان مدلسًا وعنعنه- متابع.
وهو مكرر الحديث السالف برقم (٢٧٥١).
ويشهد له حديث علي السالف قبله. وإسناده صحيح.
قال الخطابي: وقوله: «يردّ مشدُّهم على مُضعفهم، ومتُسرِّيهم على قاعدهم» مفسر في كتاب الجهاد من هذا الكتاب. قلنا: يعني عند الحديث (٢٧٥١).

عن أبي هريرة، أن سعد بن عُبَادةَ قال: يا رسول الله، الرجل يجد مع امرأته رجلًا، أيقتلُه؟ قال: «لا» قال سعد: بلى والذي أكرمك بالحقِّ، قال النبي ﷺ: «اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم». قال عبد الوهَّاب: «إلى ما يقول سعْدٌ» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد العزيز بن محمَّد -وهو الدراوردي- وقد توبع.
وأخرجه مسلم (١٤٩٨)، وابن ماجه (٢٦٠٥) من طريق عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٤٩٨) من طريق خالد بن مخلد القطواني، عن سليمان بن بلال، عن سهيل، به. وعنده زيادة قول النبي ﷺ: «إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغيرُ مني».
ورواه مالك عن سهيل بلفظ آخر يغاير لفظ رواية عبد العزيز الدراوردي، في الحديث الآتي بعده.
ويشهد له بلفظ المصنف حديث ابن عباس عند النسائي في «الكبرى» (٨١٦٩)، وإسناده صحيح.
وحديث المغيرة بن شعبة عند البخاري (٦٨٤٦)، ومسلمِ (١٤٩٩) قال: قال سعْد بن عبادة: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفَح، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فقال: «أتعجبون من غيره سعْد، لأنا أغير منه، والله أغير مني».
قال ابن عبد البر في «التمهيد» ٢١/ ٢٥٦: يريد -والله أعلم- أن المغيرة لا تُبيح للغيور ما حرم عليه، وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله، وأن لا يتعدى حدوده، فالله ورسوله أغير، ولا خلاف علمتُه بين العلماء فيمن قتل رجلًا، ثم ادعى أنه إنما قتله؛ لأنه وجده مع امرأته بين فخذيها ونحو ذلك من وجوه زناه بها، ولم يُعلم ما ذكره عنه إلا بدعواه، أنه لا يقُبل منه ما ادعاه، وأنه يُقتل به، إلا أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون أنهم رأوا وطأه لها لها وإيلاجه فيها، ويكون مع ذلك محصنًا مسلمًا بالغًا أو من يحل دمه بذلك، فإن جاء بشهداء يشهدون له بذلك نجا، وإلا قتل، وهذا أمر واضح، لو لم يحيء به الخبر لأوجبه النظر؛ لأن الله حرّم دماء المسلمين تحريمًا مطلقًا، فمن ثبت عليه أنه قتل مسلما، فادعى أن المسلم قد كان يجب قتله لم يقبل منه رفعه =

٤٥٣٣ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ، عن مالكٍ، عن سُهيلِ بنِ أبي صالح، عن أبيه
عن أبي هُريرة: أن سَعْدَ بنَ عُبادَةَ قال لرسول الله ﷺ: أرأيتَ لو وجدتُ مع امرأتي رجلًا أمهِلُهُ حتَّى آتيَ بأربعةِ شُهداءَ؟! قال: «نعم» (١).


= القصاص عن نفسه حتى يتبين ما ذكر، وهكذا كل من لزمه حق لآدمي لم يُقبل قولُه في المخرج منه إلا ببينة تشهد له بذلك.
وقال الخطابي: يشبه أن تكون مراجعة سعْد للنبي ﷺ طمعًا في الرخصة لا ردًّا لقوله ﷺ، فلما أبى ذلك رسولُ الله ﷺ، وأنكر عليه قوله، سكت سعد وانقاد. وقد اختلف الناس في هذه المسألة: فكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: إن لم يأت بأربعة شهداء أعطي برُمَّته أي: أقيد به (قلنا: ونقله الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٧٤ عن الجمهور).
وقال الشافعي: وبهذا نأخذ ولا نعلم لعلي مخالفًا في ذلك.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصًا. [قال ابن المنذر: جاءت الأخبار عن عمر في ذلك مختلفة، وعامة أسانيدها منقطعة].
قلت [القائل الخطابي]: ويُشبه أن يكون إنما رأى دمه مباحًا فيما بينه وبين الله عز وجل إذا تحقق الزنى منه فعلًا، وكان الزاني محصنًا.
وذكر الشافعي حديث علي رضي الله عنه، ثم قال: وبهذا نأخذ، غير أنه قال: ويسعُه فيما بينه وبين الله عز وجل قتل الرجل وامرأته -إذا كانا ثيّبين، وعلم أنه قد نال منها ما يوجب الغسل- ولا يسقط عنه القود في الحكم. وكذلك قال أبو ثور.
وقال أحمد بن حنبل: إن جاء ببينة أنه قد وجده مع امرأته في بيته، فقتله، يُهدر دمه، وكذلك قال إسحاق.
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٧٣٧ و٨٢٣، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٤٩٨)،
والنسائي في «الكبرى» (٧٢٩٣).
وهو في «مسند أحمد» (١٠٠٠٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٢٨٢) و(٤٤٠٩).
وانظر ما قبله.

١٣ - باب العامل يُصَاب على يدِه خطأً (١)
٤٥٣٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ داود بن سفيانَ، أخبرنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعمَرٌ، عن الزُّهريِّ، عن عُروة
عن عائشة: أن النبيَّ ﷺ بعثَ أبا جهمِ بن حذيفة مُصَدِّقًا فلاجَّهُ رجل في صدقته، فضربَهُ أبو جهم، فشجَّه، فأتوا النبي ﷺ فقالوا: القوَدَ، يا رسولَ الله، فقال النبيَّ ﷺ «لكم كذا وكذا» فلم يَرْضَوْا، فقال: «لكم كذا وكذا» فلم يَرْضَوْا، فقال: «لكم كذا وكذا» فَرَضُوا، فقال النبي ﷺ: «إنِّي خاطِبٌ العشيةَ على الناسِ، ومُخبِرُهم برضَاكُم» فقالوا: نعم، فخطبَ رسولُ الله ﷺ: فقال: «إن هؤلاء اللَّيثيِّين أتوني يُرِيدونَ القودَ، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضُوا، أرضيتُم؟» قالوا: لا، فهمَّ المهاجِرون بهم، فأمرهم رسولُ الله ﷺ أن يكفُّوا عنهم، فكفُّوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: «أرضيتُم؟» فقالوا: نعم، قال: «إني خاطبٌ على الناسِ، ومُخبِرُهُم برضاكم» قالوا: نعم، فخطب النبي ﷺ فقال: «أرضيتُم؟» قالوا: نعم (٢).


(١) أي: عامل الصدقة يصاب أحد على يده خطأ، فهل فيه قَوَدٌ.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٨٠٣٢)، ومن طريقه أخرجه ابن ماجه (٢٦٣٨)،
والنسائي في «الكبرى» (٦٩٥٤).
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٩٥٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٨٧).
قال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه وجوب الإقادة من الوالي والعامل إذا تناول دمًا بغير حقه، كوجوبها على مَن ليس بوالٍ.
وفيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجّة إذا طلب المشجوج القصاص.
=

١٤ - باب القَوَد بغير حديدٍ
٤٥٣٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرٍ، أخبرنا همَّامٌ، عن قتادةَ
عن أنس: أنَّ جاريةً وُجِدَت قد رُضَّ رأسُها بين حَجَرين، فقيل لها: من فعلَ بك هذا، أفلانٌ؟ أفلانٌ؟ حتى سُمِّيَ اليهوديُّ، فأومَتْ برأسِها، فأُخِذَ اليهوديُّ، فاعترفَ، فأمرَ النبيُّ ﷺ أن يُرَضَّ رأسُه بالحجارةِ١).

١٥ - باب القود من الضربة، وقصِّ الأمير من نفسه (٢)
٤٥٣٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، عن عمرو بنِ الحارث، عن بُكير بنِ الأشَجِّ، عن عَبيدةَ بنِ مُسافعٍ


= وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول رب المال، وأنه ليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله.
وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه. لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي ﷺ، ثم رجعوا عنه، لم يلزمهم برضاهم الأول، حتى كان ما رضُوا به ظاهرًا.
وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما أقادوا من العُمّال.
وممن رأى عليهم القود: الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه.
قلنا: قوله: «فلاجَّه» بجيم مشددة مفتوحة، من اللَّجاج، يعني خاصمه ونازعه.
وجاءت في نسخة الخطابي: «فلاحاه»، يريد نازعه وخاصمه، كما فسره الخطابي.
(١) إسناده صحيح. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٥٢٧).
تنبيه: هذا الحديث لم يرد في أصولنا الخطية، لكنه موجود في نسختي العظيم آبادي والسهارنفوري، وقال العظيم آبادي: قد وجد هذا الباب مع حديثه في نسخة واحدة.
(٢) هذا العنوان أثبتناه من (هـ). وجاء في (أ) و(ب) و(ج) له عنوان آخر، وهو باب عفو النساء، والصحيح الأليق ما أثبتناه.

عن أبي سعيدِ الخدريِّ، قال: بينما رسولُ الله ﷺ يَقْسِمُ قَسْماَ أقبلَ رجلٌ فأكبَّ عليه، فطعنَهُ رسولُ الله ﷺ بعرجُونٍ كان معه، فجُرِحَ بوجهه، فقال له رسولُ الله ﷺ: «تعال، فاستقِد» فقال: بل عفوتُ يا رسولَ الله (١).
٤٥٣٧ - حدَّثنا أبو صالحٍ، أخبرنا أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ، عن الجُريريِّ، عن أبي نضرَةَ، عن أبي فراسٍ، قال:
خطَبَنَا عمرُ بنُ الخطابِ، فقال: إني لم أبعَث عُمَّالي ليضرِبُوا أبشارَكم ولا ليأخُذُوا أموالكم، فمن فُعِلَ به غيرُ ذلك فليرفَعْهُ إليَّ أُقِصُّه منه، قال عمرو بنُ العاص: لو أنَّ رجلًا أدَّب بعض رعيَّته أتُقِصُّه منه؟ قال: إي، والذي نفسِي بيدِه ألا أقِصُّه، وقد رأيتُ رسولَ الله ﷺ أقصَّ من نفسِهِ (٢).


(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبيدة بن مُسافع. ابن وهب: هو عبد الله، وبكير ابن الأشج: هو ابن عبد الله، معروف بالنسبة لجده.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٤٩) و(٦٩٥٠) من طريق بكير بن الأشج، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٢٢٩)، و«صحيح ابن حبان» (٦٤٣٤).
وفي الباب عن عمر بن الخطاب سيأتي عند المصنف بعده.
وعن أسيد بن حُضير، سيأتي عند المصنف برقم (٥٢٢٤) ولفظه: أنه بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مُزاح، بينا يُضحكهم، فطعنه النبي ﷺ في خاصرته بعُودٍ، فقال: أَصبِرني، قال: «اصْطَبِر»، قال: إن عليك قميصًا، وليس علي قميص، فرفع النبي ﷺ عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبّل كَشْحه، قال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله. وإسناده صحيح.
(٢) إسناده حسن. أبو فراس -وهو النَّهْدي- مخضرم وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. الجُريري: هو سعيد بن إياس، وأبو =

١٦ - باب عَفْو النساء (١)
٤٥٣٨ - حدَّثنا داودُ بنُ رُشَيد، حدَّثنا الوليدُ بن مُسلِمٍ، عن الأوزاعيِّ، سَمعَ حِصنًا، أنه سَمِعَ أبا سلمةَ يُخبِر


= نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة، وأبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمَّد بن الحارث، وأبو صالح: هو محبوب بن موسى.
وأخرجه الطيالسي (٥٤)، ومسدد في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة» (٥٨٠٨)، وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨، وأحمد (٢٨٦)، وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» ص ١٦٧، وأبو يعلى (١٩٦)، وابن الجارود (٨٤٤)، والحاكم ٤/ ٤٣٩، والبيهقي ٨/ ٤٨ و٩/ ٢٩ و٤٢، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة أبي فراس ٣٤/ ١٨٤ من طرق عن سعيد الجُريري، بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه إسحاق بن راهويه كما في إتحاف الخيرة (٥٨٠٩) عن جرير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن الخطاب ورجاله ثقات إلا أن عطاء لم يدرك عمر. وانظر الحديث السالف قبله.
قوله: أبشاركم: جمع بَشَرة، وهو ظاهر الجلد.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن». وقد اختلف الناس في هذه المسألة -وهي القصاص في اللطمة والضربة ونحوها- مما لا يمكن المقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه: هل يسوغ القصاص في ذلك أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر وهو التعزير؟ على قولين: أصحهما أنه شرع فيه القصاص، وهو مذهب الخلفاء الراشدين ثبت ذلك عنهم، حكاه عنهم أحمد وأبو إسحاق الجوزجاني، ونص عليه أحمد في رواية الشالنجي وغيره، قال شيخنا رحمه الله: وهو قول جمهور السلف. والقول الثاني: أنه لا يشرع فيه القصاص، وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وقول المتأخرين من أصحاب أحمد ...
(١) هذا التبويب أثبتناه من (هـ)، ونسخة على هامش (ج). وجاء هذا عنوانًا للباب الذي قبله في (أ) و(ب) و(ج).

عن عائشة، عن رسولِ الله ﷺ قال: «على المُقْتتلينَ أن ينحَجزوا الأوَّل فالأول، لإن كانتِ امرأةً» (١).
قال أبو داود: يعني أن عفوَ النساءِ في القتلِ جائِزٌ إذا كانت إحدى الأولياءِ وبلغني عن أبي عُبيدٍ في قوله: «ينحجِزُوا»: يكفُّوا عن القَوَدِ (٢).

١٧ - باب من قُتِلَ في عِمِّيَّا بين قَومٍ (٣)
٤٥٣٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيد، حدَّثنا حماد. وحدَّثنا ابنُ السَّرْح، حدَّثنا سفيانُ -وهذا حديثُه- عن عمرو


(١) إسناده ضعيف. حِصْن: هو ابن عبد الرحمن -أو ابن مِحصَن- التَّراغِمي أبو حذيفة الدمشقي، لم يرو عنه غير الأوزاعي، وقال الدارقطني: يعتبر به. قلنا: يعني في المتابعات والشواهد، ولم يتابع في هذا الحديث. والوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- وإن صرح في جميع طبقات الإسناد عند النسائي، يبقى الشأن في حِصْن.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٦٤) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد. قال الخطابي: قوله: «ينحجزوا» معناه: يكفّوا عن القتل، وتفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء، فأيهم عفا وإن كانت امرأة سقط القود وصار دية.
وقوله: «الأول» يريد الأقرب فالأقرب.
قلت: [القائل الخطابي] يشبه أن يكون معنى المقتتلين ها هنا: أن يطلب أولياء القتيل القود، فيمتنع القتلة، فينشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك، فجعلهم مقتَتَلين بنصب التاءين - يقال: اقتتل فهو مقتتل، غير أن هذا إنما يُستعمل أكثره فيمن قتله الحب.
وقد اختلف الناسُ في عفو النساء، فقال أكثر أهل العلم: عفو النساء عن الدم جائز كعفو الرجال.
وقال الأوزاعي وابن شبرمة: ليس للنساء عفو، وعن الحسن وإبراهيم النخعي، ليس للزوج وللمرأة عفو في الدم.
(٢) مقالة أبي داود هذه بتمامها أثبتناها من (هـ).
(٣) هذا التبويب أثبتناه من (هـ).

عن طاووس، قال: مَنْ قُتِل، وقال ابنُ عُبيدٍ: قال رسولُ الله ﷺ: «من قُتِلَ في عِمِّيَّا، في رِمِّيَّا (١) يكون بينهم بحجارَةٍ أو بالسِّياط أو ضربٍ بعصًا فهو خطأ، وعقلُه عقلُ الخطأ، ومن قَتَلَ عمدًا فهو قَوَد -قال ابنُ عُبيد: قودُ يَدٍ، ثم اتفقا- ومن حال دُونَه، فعليه لعنَةُ اللهِ وغضبُه، لا يقبَلُ منه صرْفٌ ولا عدْلٌ» (٢). وحديث سفيانَ أتمُّ.


(١) في (أ) و(ب) و(ج): في رمْىٍ، والرِّمِّيا، قال ابن الأثير: بوزن الهِجِّيرا والخِصِّيصا، من الرمي، وهو مصدر يُراد به المبالغة. وجاءت كذلك في (هـ) وفي «مختصر المنذري»: في رِمِّيَّا.
(٢) حديث صحيح، وقد اختلف في وصل هذا الحديث وإرساله، فقد أرسله حماد -وهو ابن زيد- في هذه الرواية، وسفيان -وهو ابن عيينة- كما في هذه الرواية أيضًا، وابن جريج ما سيأتي، ووصله سليمان بن كثير -وهو العبدي- كما في الرواية التالية، وقد تابعه عليه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، وحماد بن زيد في رواية عمرو بن عون عنه عند الدارقطني (٣١٣٢) وسندها إليه قوي. وقال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» ١٢/ ٤١٦: كان سفيان [يعني ابن عيينة] يحدث به هكذا بأخرة، وقد كان يحدث به قبل ذلك ما حدث به سليمان بن كثير. وجوَّد إسناد الموصول الحافظ ابن عبد اللهادي في «التنقيح» كما نقله عنه العظيم آبادي في «تعليقه» على «سنن الدارقطني»، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر في «بلوغ المرام».
وأخرجه الشافعي في «مسنده» ٢/ ١٠٠، ومن طريقه البيهقي ٨/ ٤٥ عن سفيان ابن عيينة، والدارقطني (٣١٤١) من طريق ابن جريج، و(٣١٣١) من طريق خالد بن يوسف، عن حماد بن زيد، ثلاثتهم (ابن عيينة وابن جريج وحماد) عن عمرو بن دينار، عن طاووس مرسلًا.
وأخرجه بنحوه الدارقطني (٣١٤٢) من طريق ابن جريج، أخبرني ابن طاووس، عن أبيه مرسلًا.
وسيأتي في الإسناد التالي موصولًا، وانظر تخريجه هناك. =

٤٥٤٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ أبي غالبٍ، حدَّثنا سعيدُ بنُ سُليمان، عن سليمان ابنِ كثير، حدَّثنا عَمرو بنُ دينارٍ، عن طاووس
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ ِ، فذكر معنى حديثِ سفيانَ (١).


= قال الخطابي: قوله: «عميّا» وزنه فِعِّيلا، من العمى، كما يقال: بينهم رِمِّيَّا، أي: رمي ومعناه: أن يترامى القومُ، فيوجد بينهم قتيل لا يُدرى مَن قاتله، ويُعمَّى أمرُه فلا يتبين، ففيه الدية.
واختلف العلماء فيمن تلزمه دية هذا القتيل: فقال مالك بن أنس: ديته على الذين نازعوهم.
وقال أحمد بن حنبل: ديته على عواقل الآخرين، إلا أن يدعوا على رجل بعينه، فيكون قسامة وكذلك قال إسحاق.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: ديته على عاقلة الفريقين اللذين اقتتلوا معًا.
وقال الأوزاعي: عقله على الفريقين جميعًا، إلا أن تقوم بينة من غير الفريقين أن فلانًا قتله، فعليه القود والقصاص.
وقال الشافعي: هو قسامة إن ادّعوه على رجل بعينه، أو طائفة بعينها، وإلا فلا عقل ولا قود.
وقال أبو حنيفة: هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيهم إذا لم يدّع أولياء القتيل على غيرهم.
وقوله: «لا يُقبل منه صرف ولا عدل» فسَّروا العدل: الفريضة، والصرف: التطوُّع.
وقوله: ومن قتل عمدًا، قال القاري: بصيغة الفاعل، وعمدًا مفعول مطلق أو حال، أي: قتل عمدًا، أو متعمدًا.
(١) حديث صحيح كما سلف بيانه في الطريق السالف قبله.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٣٥)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٦٥) و(٦٩٦٦) من طريق سليمان بن كثير، بهذا الإسناد.
وهو في «شرح مشكل الآثار» (٤٩٠٠).
وقد تابع سليمان بن كثير، حمادُ بن زيد في رواية عمرو بن ميمون عنه عند الدارقطني (٣١٣٢) وإسناده قوي. =

١٨ - باب الديةِ، كم هي؟
٤٥٤١ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ (١)، حدَّثنا محمدُ بنُ راشِدٍ. وحدَّثنا هارونُ ابنُ زيد بنِ أبي الزرقاء، حدَّثنا أبي، حدَّثنا محمدُ بنُ راشدِ، عن سليمانَ بنِ موسى، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه
عن جدِّه: أن رسولَ الله ﷺ قضى أن من قُتِلَ خطأً، فديته مئةٌ من الإبلِ: ثلاثون بنتَ مخاضٍ، وثلاثون بنتَ لَبُونٍ، وثلاثونَ حِقَّةً، وعشرٌ بني لَبُون ذكرٍ (٢).


= وتابعه أيضًا إسماعيل بن مسلم المكي، عند الطبراني في «الكبير» (١٠٨٥٠)، والدارقطني (٣١٣٦). وإسماعيل ضعيف الحديث.
وتابعه كذلك الحسن بن عمارة عند عبد الرزاق (١٧٢٠٣) والحسن بن عمارة ضعيف.
وسيتكرر هذا الحديث برقم (٤٥٩١).
(١) طريق مسلم بن إبراهيم أثبتناه من (هـ)، وأشار إلى أنه في رواية ابن الأعرابي. وذكره المزي في «التحفة» (٨٧٠٩) ونسبه لابن داسه وابن الأعرابي أيضًا.
(٢) ضيف. سليمان بن موسى -وهو القرشي الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق- قال البخاري: عنده مناكير، وقال أبو أحمد بن عدي: روى أحاديث ينفرد بها، لا يرويها غيره. وقال النسائي عن هذا الحديث: حديث منكر، وسليمان بن موسى ليس بالقوي في الحديث، ولا محمَّد بن راشد. وقال الخطابي: لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار«(١٦٠٤٤): لم يُضَم إليه ما يؤكِّده.
قلنا: وقد تابعه محمَّد بن إسحاق عند أحمد (٧٠٣٣) لكنه مدلس وقال فيه: وذكر عمرو بن شعيب، وقد قال الإِمام أحمد فيما نقله عنه العلائي في»جامع التحصيل": إذا قال ابن إسحاق: وذكر، فلم يسمعه. قلنا: ولا يبعد أن يكون ابن إسحاق إنما أخذه عن سليمان بن موسى من طريق رجل عنه، فإن لابن إسحاق رواية عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش المخزومي، عن سليمان بن موسى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقد أعله النسائي أيضًا بمحمد بن راشد وكذلك أعله به الدارقطني في «السنن» (٣٣٦٩) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (١٦٠٤٥). ومحمد بن راشد هذا هو المكحولي، والصحيح أنه ثقة، وإنما تكلموا فيه لموضع القدر لا غير كما قال الساجي.
فتبقى العلة فيه تفرد سليمان بن موسى به.
وهذا الحديث جزء من حديث مطوَّل سيأتي بتمامه عند المصنف برقم (٤٥٦٤).
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٣٠)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٧٦) من طريق محمَّد ابن راشد، بهذا الإسناد. وعندهما زيادة في بيان الدية من غير الإبل. وستأتي منفصلة برقم (٤٥٦٤).
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٦٣). وكلنا قد حسّنا الحديث فيه، فيستدرك من هنا.
قال الخطابي: هذا الحديث لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء، وإنما قال أكثر العلماء: إن دية الخطأ أخماس، كذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري، وكذلك قال مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل: خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض، وخمس بنات لبون، وخمس حقاق، وخمس جذاع. وروي هذا القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وقال مالك والشافعي: خمس جذاع، وخمس حقاق، وخمس بنات لبون وخمس بنات مخاض وخمس بنو لبون. وحكلي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسلِمان بن يسار والزهري وربيعة بن عبد الرحمن والليث بن سعد.
ولأبي حنيفة وأصحابه فيه أثر، إلا أن راويَه عن عبد الله خشفُ بن مالك، وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه، ولأن فيه: بني مخاض، ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات.
وقد روي عن النبي ﷺ في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمئة من إبل الصدقة. وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض.
وقد روي عن نفر من العلماء أنهم قالوا: دية الخطأ أرباع، وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري، وإليه ذهب إسحاق بن راهريه إلا أنهم قالوا: خمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

٤٥٤٢ - حدَّثنا يحيى بنُ حَكِيم، حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ عثمان، حدَّثنا حُسين المعلِّم، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيهِ
عن جدِّه، قال: كانت قيمةُ الدِّيةِ على عهدِ رسولِ الله ﷺ ثمان مئة دينارٍ أو ثمانية آلافِ دِرهم، وديةُ أهلِ الكِتاب يومئذٍ النصفُ مِن دِية المسلمين، قال: فكانَ ذلك كذلك حتَّى استُخْلِفَ عمرُ فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمرُ على أهل الذهبِ ألفَ دينار، وعلى أهلِ الوَرِقِ اثني عشر ألف درهم، وعلى أهلِ البقر مئتي بقرةٍ، وعلى أهل الشاء ألفَي شاةٍ، وعلى أهل الحُلَلِ مئتَي حُلَّةٍ، قال: وتركَ دِيَة أهلِ الذمةِ لم يرفعْها فيما رفعَ مِنَ الديةِ (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن عثمان -وهو أبو بحر البكراوي-، وقد تابعه على بعض الحديث قتادة بن دعامة عند الدارقطني (٣٢٤٢) لكن في الإسناد إليه العباس بن الفضل ضعيف الحديث جدًا، وعمر بن عامر السُّلمي البصري ضعيف أيضًا. فلا يعتد بهذه المتابعة.
وقد روي هذا الحديث باختلاف في تقويم الدية على عهد رسول الله ﷺ من طريق سليمان بن موسى الدمشقي كما سيأتي عند المصنف برقم (٤٥٦٤)، إلا أنه جعله له مرفوعًا إلى النبي ﷺ. وسليمان هذا تكلمنا عنه في الحديث الذي قبله، وأن النسائي قال عن حديثه هذا: حديث منكر. وقد تابعه محمَّد بن إسحاق عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا كما في الحديث التالي. ولا يعتد بهذه التابعة، للاختلاف في وصل الحديث وإرساله، ثم لتدليس ابن إسحاق.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٧٧ و١٠١ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه الدارقطني (٣٢٤٢) دون ذكر اجتهاد عمر في دية أهل الذهب والبقر والشاء والحلل، من طريق العباس بن الفضل، عن عمر بن عامر السلمي، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، به.
وأخرجه عبد الرزاق (١٧٢٧٠) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن شعيب مرسلًا، فساق أوله في تقويم الدية على عهد رسول الله ﷺ بنحو رواية سليمان بن موسى الآتية =

٤٥٤٣ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا محمدُ بنُ إسحاقَ


= عند المصنف برقم (٤٥٦٤) لكنه جعل الدية على أهل الورق والبقر والشاء من اجتهاد عمر كما رواه أبو بحر البكراوي هنا عند المصنف.
وأخرج منه اجتهاد عمر دون ذكر دية أهل الذمة عبد الرزاق (١٧٨٥٩) عن الثوري، عن أيوب بن موسى، عن مكحول. وعن محمَّد بن راشد، أنه سمع مكحولًا يحدث به عن عمر: أن عمر قال: ... فذكره مرسلًا. وهو عند ابن أبي شيبة ٩/ ١٢٦ - ١٢٧ من طريق سفيان الثوري بذكر الورق والذهب فقط.
وأخرج منه اجتهاد عمر أيضًا عبد الرزاق (١٧٢٦٣)، وابن أبي شيبة ٩/ ١٢٧ من طريق الشعبي، عن عَبِيدَةَ السلماني إلا أنه جعل الدية على أهل الورق عشرة آلاف.
وفي إسناده محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ. ولم يجاوز به عبد الرزاق الشعبي.
وستأتي قطعة فرض الدية اثني عشر ألف درهم مرفوعة من حديث ابن عباس عند المصنف برقم (٤٥٤٦) وفي إسناده اختلاف ما سيأتي بيانه.
وسيأتي ذكر دية أهل الكتاب عند المصنف برقم (٤٥٨٣). وانظر الكلام عليه وشواهده هناك.
قال الخطابي: قوله: كانت قيمة الدية، يريد: قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية، وإنما قوَّمها رسول الله ﷺ على أهل القرى لعزة الإبل عندهم، فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثمان مئة دينار، ومن الورق ثمانية آلاف درهم، فجرى الأمر كذلك إلى أن كان عمر رضي الله عنه وعزّت الإبل في زمانه فبلغ بقيمتها من الذهب ألف دينار، أو من الورق اثني عشر ألفًا.
وعلى هذا بني الشافعي أصل قوله في دية العمد، فأوجب فيها الإبل، وأن لا يصار إلى النقود إلا عند إعواز الإبل، فإذا أعوزت كان فيها قيمتها بالغة ما بلغت.
ولم يعتبر قيمة عمر رضي الله عنه التي قومها في زمانه؛ لأنها كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت، والقيم تختلف، فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة، وعلى هذا قوله الجديد. وقال في القديم بقيمة عمر، وهي اثنا عشر ألفا أو ألف دينار. وقد روي مثل ذلك عن النبي ﷺ في الورق.

عن عطاء بنِ أبي رباح: أنَّ رسولَ الله ﷺ قضَى في الدِّيةِ على أهلِ الإبلِ مئةً مِن الإبلِ، وعلى أهلِ البقرِ مئتي بقرة، وعلى أهلِ الشاءِ، ألفي شَاةٍ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مئتي حُلَّةٍ، وعلى أهلِ القَمحِ شيئًا لم يحفظه محمدٌ (١).
٤٥٤٤ - قال أبو داود: قرأتُ على سعيدِ بنِ يعقوبَ الطَّالقانيِّ، حدَّثنا أبو تُميلَةَ، حدَّثنا محمدُ بن إسحاقَ، قال: ذكر عطاءٌ
عن جابر بنِ عبدِ الله، قال: فرَضَ رسولُ الله ﷺ، فذكر مثلَ حديثِ موسى قال: وعلى أهلِ الطَّعامِ شيئًا لا أحفظُه (٢).
٤٥٤٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الواحدِ، حدَّثنا الحجاجُ، عن زيدِ بنِ جُبير، عن خشفِ بنِ مَالكِ الطَّائيِّ
عن عبدِ الله بن مسعودٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «في دِيةِ الخطأ


(١) إسناده ضعيف. محمَّد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، ثم إنه اختلف عنه في وصله وإرساله، فقد أرسله عنه حماد -وهو ابن سلمة- كما في رواية المصنف هذه وعبد الرحيم بن سليمان، ووصله عنه أبو تميلة -وهو يحيى بن واضح- كما في الرواية التالية، فجعله من مسند جابر.
واختلف عن محمَّد بن إسحاق أيضًا في إسناده، فرواه حماد بن سلمة وعبد الرحيم ابن سليمان وأبو تميلة، عنه، عن عطاء بن أبي رباح كما عند المصنف هنا. ورواه إبراهيم بن سعد، عنه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند أحمد (٧٠٣٣).
وأخرجه ابن أبي شيبة في»مصنفه" ٩/ ١٢٧ - ١٢٨ عن عبد الرحيم بن سليمان، والبيهقي ٨/ ٧٨ من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن محمَّد بن إسحاق، به.
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده ضعيف. محمَّد بن إسحاق مدلس وقد عنعن. وقد اختُلف عنه في إسناد هذا الحديث كما بيناه عند الحديث السالف قبله.

عشرون حِقَّةً، وعشرون جَذَعَةَ، وعِشرونَ بنتَ مَخاضٍ، وعشرون بنتَ لبُونٍ، وعشرون بني مخاضٍ ذكرٍ» (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف حجاج بن أرطأة. وخشف بن مالك وثقه النسائي وابن حبان، وجهَّله الدارقطني والبيهقي والبغوي وابن عبد البر وضعفه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ٥٦٣، وقال: وقد تولى الدارقطني تضعيف هذا الحديث ببيان شافٍ. وقد اختلف في رفع الحديث ووقفه كما بيّناه في «مسند أحمد» (٣٦٣٥).
وقد أعله الدارقطني في «سننه» (٣٣٦٤) أيضًا بمخالفته لرواية أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود وعلقمة وإبراهيم النخعي، كلهم عن ابن مسعود. حيث ذكروا بني اللبون مكان بني المخاض. قال وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه ... وإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد الله وبرأيه وفتياه، قد أخذ ذلك عن أخواله علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم، من كبراء أصحاب عبد الله. وهو القائل: إذا قلت لكم: قال عبد الله بن مسعود، فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سمعته من رجل واحد سميتُه لكم.
وأعله أيضًا بأن يحيى بن سعيد الأموي قد رواه عن حجاج بن أرطأة فذكر فيه بني اللبون مكان الحقاق، وأن إسماعيل بن عياش قد رواه عن الحجاج فذكر فيه بني اللبون مكان بني المخاض كرواية أبي عبيدة وأصحابه. وأن جماعة رووه عن حجاج فلم يفسروا الأخماس.
وأخرجه الترمذي (١٤٤٢) و(١٤٤٣)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٧٧) من طريق حجاج بن أرطأة، بهذا الإسناد. وقال النسائي: حجاج بن أرطأة ضعيف لا يحتج به.
وهو في «مسند أحمد» (٣٦٣٥) و(٤٣٠٣).
وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (١٧٢٣٨)، وابن أبي شيبة ٩/ ١٣٤، والطبراني في «الكبير» (٩٧٣٠)، والدارقطني (٣٣٦٥) من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود. وذكر بني اللبون مكان بني المخاض. وإسناده صحيح. لأن إبراهيم وإن لم يدرك عبد الله بن مسعود قد صرح هو نفسه بأنه إذا قال: عن عبد الله بن مسعود، يكون قد سمعه من جماعة عنه، كما قال الدارقطني وغيره، ولهذا عدّ بعضُ أهل العلم مرسلاته عن ابن مسعود أقوى من موصولاته. =

وهو قول عبد الله (١).
٤٥٤٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ سليمان الأنباريُّ، حدَّثنا زيدُ بنُ الحُباب، عن محمدِ بنِ مسلمٍ، عن عمرو بنِ دينار، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباس: أن رجلًا مِن بني عديِّ قُتل، فجعلَ النبيُّ ﷺ دِيتَهُ اثني عشَرَ ألفًا (٢).


= وأخرجه موقوفًا كذلك ابن أبي شيبة ٩/ ١٣٣، والدارقطني (٣٣٦٣)، والبيهقي ٨/ ٧٤ و٧٤ - ٧٥ من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود.
وذكر بني اللبون مكان بني المخاض. وأبو إسحاق رأى علقمة لكنه لم يسمع منه إلا أن روايته تؤيد رواية إبراهيم النخعي.
وأخرجه موقوفًا أيضًا الدارقطني (٣٣٦١) و(٣٣٦٢)، وابن العربي في «عارضة الأحوذي» ٦/ ١٥٧ من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه. وذكر بني اللبون مكان بني المخاض. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن روايته تؤيد رواية إبراهيم النخعي. لكن الطبري أخرجه في «تفسيره» ٥/ ٢١١ من طريق أبي عبيدة عن أبيه أيضًا بما يوافق رواية خشف بن مالك. إلا أنه موقوف على عبد الله بن مسعود.
(١) قول أبي داود: وهو قول عبد الله. أثبتناه من (هـ).
(٢) صحيح مرسلًا، وهذا إسناد فيه محمَّد بن مسلم -وهو الطائفي- وهو صدوق حسن الحديث، إلا أنه يخطى أحيانًا، وقد انفرد بوصله، وخالفه من هو أوثق منه فرواه مرسلًا كما سيأتي. وقال أبو حاتم كما في «علل الحديث» لابنه ١/ ٤٦٣: المرسل أصح.
وكذلك قال النسائي في «السنن الكبرى» بإثر الحديث (٦٩٧٩): والصواب مرسل.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٢٩) و(٢٦٣٢)، والترمذي (١٤٤٥)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٧٨) من طريق محمَّد بن مسلم الطائفي، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٤٤٦) عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة مرسلًا.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٧٩) عن محمَّد بن ميمون المكي الخياط، عن سفيان بن عيينه عن عكرمة -سمعناه مرة يقول: عن ابن عباس. ومحمد بن سيمون =

قال أبو داود: رواه ابنُ عيينةَ عن عمرو، عن عِكرمة، عن النبي ﷺ. لم يذكرِ ابنَ عباسٍ.
٤٥٤٧ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب ومُسَدَّدٌ -المعنى- قالا: حدَّثنا حمادٌ، عن خالدٍ، عن القاسم بنِ ربيعةَ، عن عُقبةَ بنِ أوسٍ
عن عبدِ الله بنِ عمرو: أن رسولَ الله ﷺ -قال مُسدَّدٌ:- خطَبَ يومَ الفتح بمكَّة، فكبر ثلاثًا، ثم قال: «لا إله إلا اللهُ وحدَه، صدق


= يُضعَّف في الحديث. وقال المنذري في»اختصار السنن": ما أُبْعِد أن يكون وضع للشيخ، فإنه كان أُمِّيًا. قلنا: يعني وضع له ابن عباس في إسناد الحديث.
قال الخطابي: وقد اختلف الناس فيما يجب في دية العمد:
فقال الشافعي: يجب فيها مئة من الإبل، ثلاثون حقة، وثلاثون جَذَعة، وأربعون خَلِفة في بطونها أولادها.
وروى ذلك عن زيد بن ثابت.
وقال مالك وأحمد بن حنبل: تجب الدية أرباعًا، خمس وعشرون ابنة مخاض، وخس وعشرون ابنة لبون، وخم وعشرون حِقّة، وخمس وعشرون جَذَعة. وهو قول سليمان بن يسار والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن. وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جعل في شبه العمد مئة من الإبل أرباعًا. وعدد هذه الأصناف. قلت [القائل الخطابي]: ودية شبه العمد مغلَّظة كدية العمد. فيشبه أن يكون أحمد إنما ذهب إليه؛ لأنه لم يجد فيها سنة. فصار إلى أثر في نظيرها، وقاسها عليه.
وعند أبي حنيفة: دية العمد من الذهب ألف دينار، ومن الدراهم عشرة آلاف، ولم يذكر فيها الإبل. وكذلك قال سفيان الثوري، وحكي ذلك عن ابن شبرمة.
وقال مالك وأحمد وإسحاق في الدية إذا كانت نقدًا: هي من الذهب ألف دينار، ومن الورِق اثنا عشر ألفًا. وروي ذلك عن الحسن البصري وعروة والزبير.
وقال مالك: لا أعرف البقر والغنم والحُلل.
وقال أبو يوسف يعقوب ومحمد بن الحسن: على أهل البقر مئتا بقرة، وعلى أهل الغم ألفا شاة، وعلى أهل الحلل مئتا حُلة. وكذلك قال أحمد وإسحاق في البقر والغنم.

وعدَه، ونصرَ عبده، وهزَمَ الأحزاب وحدَه -إلى هاهُنا حفظتُه، عن مُسَدَّدٍ، ثم اتفقا-، ألا إنَّ كلَّ مأثُرةٍ كانت في الجاهليةِ تُذكر وتُدعى مِن دمٍ أو مالٍ تحت قدميَّ، إلا ما كان من سقاية الحاج، وسِدَانة البيتِ» ثم قال: «ألا إنَّ دِية الخطأ شبهِ العَمْدِ ما كانَ بالسوطِ والعَصَا مئةٌ من الإبلِ: منها أربعون في بُطونِها أولادُها» وحديثُ مُسَدَّدٍ أتَمُّ (١).


(١) إسناده صحيح. خالد: هو ابن مهران الحذاء، وحماد: هو ابن زيد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٢٧/ م)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٦٩) من طريق حماد ابن زيد، بهذا الإسناد.
وهو في صحح ابن حبان، (٦٠١١).
وأخرجه النسائي (٦٩٧٠) من طريق هُشيم بن بَشير، و(٦٩٧٢) من طريق بشر بن المُفضَّل، و(٦٩٧٣) من طريق يزيد بن زُريع، ثلاثتهم عن خالد الحذاء، عن القاسم ابن ربيعة، عن عقبة بن أوس (وقال بشر: ابن أوس، لم يُسَمَّه، وقال يزيد: يعقوب ابن أوس، وهو وجه قيل في اسمه، وهذا اختلاف لا يضر) عن رجل من أصحاب النبي ﷺ. فلم يُسمِّه.
وأخرجه أحمد (٦٥٣٣)، وابن ماجه (٢٦٢٧) من طريق أيوب السختياني، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بن عمرو. فلم يذكر في إسناده عقبة بن أوس. قال عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه الوسطى» ٤/ ٥٤: لا يصح للقاسم سماع من عبد الله بن عمرو.
وقال ابنُ القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ٤١٠: الحديث صحيح من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يضره الاختلاف.
وسيتكرر عند المصنف برقم (٤٥٨٨).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: «المأثرة» كل ما يُؤثر ويُذكر من مكارم أهل الجاهلية ومَفَاخرهم.
وقوله: «تحت قدمي» معناه: إبطالها وإسقاطها.
وأما «سَدانة البيت»: فهي خدمته والقيام بأمره. وكانت الحجابةُ في الجاهلية في بني عبد الدار، والسقاية في بني هاشم. فأقرَّهما رسول الله ﷺ. فصار بنو شيبة يحجبون البيت، وبنو العباس يسقون الحجيج. =

٤٥٤٨ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وهَيبٌ، عن خالدٍ، بهذا الإسنادِ، نحو معناه (١).


= وفي الحديث من الفقه: إثبات قتل شبه العمد. وقد زعم بعض أهل العلم: أن ليس القتل إلا العمد المحضُ أو الخطأ المحض.
وفيه بيان أن دية شبه العمد مغلّظة على العاقلة.
وقد يُستدلّ بهذا الحديث على جواز السَّلَم في الحيوان إلى مدة معلومة، وذلك لأن الإبل على العاقلة مضمونة في ثلاث سنين.
وفيه دلالة على أن الحمل في الحيوان صفة تُضبط وتُحصر.
وقد اختلف الناس في دية شبه العمد:
فقال بظاهر الحديث عطاء والشافعي. وإليه ذهب محمَّد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: هي أرباع.
وقال أبو ثور: دية شبه العمد أخماس.
وقال مالك بن أنس: ليس في كتاب الله عز وجل إلا الخطأ المحض والعمد.
فأما شبه العمد فلا نعرفه.
قلت [القائل الخطابي]: يشبه أن يكون الشافعي إنما جعل الدية في العمد أثلاثًا بهذا الحديث. وذلك أنه ليس في العمد حديث مفسّر، والدية في العمد مغلّظة، وهي في شبه العمد كذلك، فحمل إحداهما على الأخرى.
وهذه الدية تلزم العاقلة عند الشافعي لما فيه من شبه الخطأ كدية الجنين.
(١) إسناده صحيح كسابقه. وُهَيب: هو ابن خالد بن عَجلان الباهلي مولاهم البصري.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٦٠١١).
وسيتكرر برقم (٤٥٨٩). وانظر ما قبله.
تنبيه: هذا الطريق لم يرد في أصولنا الخطية. وهو في النسخة التي شرح عليها أبو الطيب العظيم آبادي، وكلام المزي في «تحفة الأشراف» (٨٨٨٩) مُشعِرٌ بأنه ثابت هنا في «سنن أبي داود»، إذ أشار إلى قول أبي داود أثناء الخبر: إلى هنا حفظتُه عن مسدّد، وقال المزي بإثر طريق موسى هذا: ثم أخرجه (يعني الحديث) عَقِبه من حديث عبد الوارث عن علي بن زيد ... فذكر الطريق الآتي بعده.

٤٥٤٩ - حدَّثنا مُسَدد، حدَّثنا عبدُ الوارثِ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن القاسمِ ابنِ ربيعة
عن ابنِ عُمر، عن النبيِّ ﷺ، بمعناه، قال: خطبَ رسولُ الله ﷺ يوم الفتح -أو فتح مكَّة- على درجةِ البيتِ -أو الكعبةِ- (١).
قال أبو داود: وكذا رواه ابنُ عُيينَة أيضًا، عن علي بنِ زيدٍ، عن القاسم بنِ ربيعةَ، عن ابنِ عُمر، عن النبي ﷺ.
رواه أيوب السَّختياني، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بنِ عَمرو مثلَ حديث خالدٍ.
ورواه حمادُ بنُ سلمةَ، عن علي بنِ زيد، عن يعقوبَ السَّدوسىِّ، عن عبدِ الله بنِ عمرو، عن النبيَّ ﷺ.
وقول زيد وأبي موسى مثل حديثِ النبي ﷺ، وحديث عمر (٢).
٤٥٥٠ - حدَّثنا النُّفيليُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:


(١) صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما في الروايتين السالفتين قبله. وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد -وهو ابن جُدعان- كما قال البيهقي في «السنن» ٨/ ٦٨، وابن القطان في «بيان الوهم والأيهام» ٥/ ٤١٠.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٧٥) من طريق علي بن زيد بن جدعان، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٨٣).
(٢) قال المنذري في «مختصر السنن»: أراد أن مذهب زيد بن ثابت وأبي موسى
الأشعري ما جاء في حديث النبي ﷺ وفي حديث عمر رضي الله عنه. وحديث عمر الذي أشار إليه أبو داود هو الذي ذكره بعد هذا.

قضى عمرُ في شبهِ العمدِ ثلاثين حِقَّةً، وثلاثين جذعةً، وأربعين خَلِفَةً، ما بين ثنيَّةٍ إلى بازِلِ عامِها (١).


(١) حسن. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن مجاهدًا -وهو ابن جَبْر المكي- لم يسمع من عمر، لكن جاء نحوه من وجه آخر مرسل يعضده إن شاء الله. ابن أبي نَجيح: هو عبد الله، وسفيان: هو ابن عيينة، والنُّفَيلي: هو عبد الله بن محمَّد بن علي بن نُفَيل الحراني.
وأخرجه عبد الرزاق (١٧٢١٧)، وابن أبي شيبة ٩/ ١٣٦ من طريق سفيان الثوري، والبيهقي ٨/ ٦٩ من طريق سفيان بن عيينة، وعبد الرزاق (١٧٢١٧) عن معمر، ثلاثتهم عن ابن أبي نجيح، به.
وأخرجه مالك في «الموطأ» ٢/ ٨٦٧ ومن طريقه الشافعي في «مسنده» «٢/ ١٠٨ - ١٠٩، وعبد الرزاق (١٧٧٨٢)، والبيهقي ٨/ ٣٨ و٧٢ عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب: أن رجلًا من بني مُدلِج يُقال له: قتادة، حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه، فنُزي في جُرحه فمات، فقدم سراقة بن جُعشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد على ماء قديد عشرين ومئة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ...
ورجاله ثقات. وروي مرفوعًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند البيهقي ٨/ ٧٢ لكن في إسناده حجاج بن أرطأة وهو ضعيف.
وقال ابن عبدٍ البر في»التمهيد" ٢٣/ ٤٣٧ بعد أن ساق هذا الحديث المرسل: هذا حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم، يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتى يكاد أن يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفًا.
الخلفة: بفتح الخاء وكسر اللام: هي الناقة الحامل إلى نصف أجل الحمل، ثم هي بعد ذلك عُشرَاءُ وجمعها عِشار.
وبزل البعير بزولًا من باب قعد: فطر نابه بدخوله في السنة التاسعة، فهو بازل يستوي فيه المذكر والمؤنث.
والثنية: هي الناقة التي دخلت في السنة السادسة.

٤٥٥١ - حدَّثنا هنّادٌ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عاصِم ابنِ ضَمرة
عن علي، أنه قال: في شِبْهِ العَمْدِ أثلاثًا (١): ثلاثٌ وثلاثون حِقَّةً، وثلاثٌ وثلاثون جَذَعةً، وأربعٌ وثلاثون ثَنِيَّةُ إلى بازِلِ عامِها، كلُّها خَلِفَةٌ (٢).
٤٥٥٢ - حدَّثنا هنّادٌ، حدَّثنا أبو الأحْوصِ، عن أبي إسحاقَ، عن علقمةَ والأسودِ
قال: عبدُ اللهِ: في شبهِ العمدِ خمسٌ وعشرون حِقَّةً، وخمسٌ وعشرونَ جَذَعَةً، وخمسٌ وعشرون بناتِ لَبُون، وخمسٌ وعشرون بناتِ مخاضٍ (٣).


(١) قوله: أثلاثًا، منصوب على التمييز أو الحال.
(٢) إسناده حسن. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السَّبيعي، وأبو الأحوص: هو سلام بن سُليم الحنفي مولاهم، وهنّاد: هو ابن السَّريّ.
وأخرجه ابن أبي سنة ٩/ ١٣٦، والطبري في «تفسيره» ٥/ ٢١١، والبيهقي ٨/ ٦٩ من طريق إسحاق السبيعي، به.
وأخرجه عبد الرزاق (١٧٢٢٢)، والطبري في: تفسيره، ٥/ ٢١١ من طريق إبراهيم النخعي، عن علي. وإبراهيم النخعي لم يدرك علي بن أبي طالب.
وأخرجه الطبري ٥/ ٢١١ من طريق الشعبي، عن علي بن أبي طالب. وفي سماع الشعبي من علي اختلاف. والصحيح أنه لم يسمع منه إلا حديث شُراحة الهَمدانية.
(٣) صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات. لكن أبا إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله السبيعي- لم يسمع من علقمة -وهو ابن قيس- واختلف في سماعه أيضًا من الأسود -وهو ابن يزيد- فقال قوم: سمع منه؟ وهو عنه صحيح، وربما حدَّث عن عبد الرحمن ابن يزيد عن أخيه الأسود. وقد روي من طريق عامر الشعبي عن ابن مسعود ولم يسمع منه أيضًا. =

٤٥٥٣ - حدَّثنا هنَّادٌ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، عن سفيانَ، عن أبي اسحاقَ، عن عاصم بنِ ضمرةَ، قال:
قال عليٌّ: في الخطأ أرباعًا: خمسٌ وعشرون حِقَّةَ، وخمس وعشرونَ جَذَعَةً، وخمس وعشرونَ بناتِ لَبُونٍ، وخمسٌ وعشرون بناتِ مَخاضٍ (١).
٤٥٥٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ المُثنَّى، حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله، حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عبدِ ربِّه، عن أبي عياضٍ
عن عثمانَ بنِ عفان وزيدِ بنِ ثابت: في المُغلَّظةِ أربعونَ جَذَعةً خَلِفَةً، وثلاثون حِقَّةً، وثلاثون بناتِ لَبُونٍ، وفي الخطأ ثلاثون حِقةً،


= وروي من طريق إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، وهذا إسناد صحيح، لما ذكره إبراهيم النخعي نفسه أنه إذا قال: قال ابن مسعود. فإنه يكون قد سمعه من جماعة عنه. ولهذا عدّ بعض أهل العلم مرسلاته عن ابن مسعود أقوى من مَوصُولاته.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ١٣٥، والبيهقي ٨/ ٦٩ من طريق أبي الأحوص، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (١٧٢٢٣)، ومن طريقه الطبراني في «الكبير» (٩٧٢٩) من طريق إبراهيم النخعي، وابن أبي شيبة ٩/ ١٣٥ - ١٣٦ من طريق عامر الشعبي، كلاهما عن ابن مسعود.
(١) إسناده حسن. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السَّبيعي، وسفيان: هو الثوري.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ١٣٤، والطبري في «تفسيره» ٥/ ٢١١، والدارقطني (٣٣٧٤)، والبيهقي ٨/ ٧٤ من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (١٧٢٣٦)، وابن أبي شيبة ٩/ ١٣٤، والطبري ٥/ ٢١٠ من طريق إبراهيم النخعي، والطبري ٥/ ٢١٠ من طريق عامر الشعبي، كلاهما عن علي بن أبي طالب. وإبراهيم النخعي لم يدرك عليًا، والشعبي لم يسمع من علي إلا قصة شُراحة الهمْدانية.

وثلاثون بناتِ لَبُونٍ، وعشرون بني لَبُونٍ ذكورٍ، وعشرون بناتِ مَخاضٍ (١).
٤٥٥٥ - حدَّثنا ابنُ المثنى، حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله، حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادَة، عن سعيد بنِ المُسَيَّب، عن زيدِ بنِ ثابتٍ في الديةِ المُغلَّظة، فذكر مثله سواءً (٢).


(١) صحيح. وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد ربه -وهو ابن أبي يزيد- فقد انفرد بالرواية عنه قتادة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال علي ابن المديني: مجهول.
وقد تابعه سعيد بن المسيب كما في الطريق الآتى بعده. أبو عياض: هو عمرو بن الأسود العَنْسي، ويقال: في بن ثعلبة، وكنيته أبو عبد الرحمن عنسي حمصي أدرك الجاهلية، وسمع غير واحد من الصحابة، وهو ثقة احتج به البخاري في «صحيحه» سكن داريا من قرى دمشق. وقتادة: هو ابن دعامة، وسعيد: هو ابن أبي عروبة، ومحمد بن عبد الله: هو ابن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ١٣٥ أو ١٣٧، والطبري في «تفسيره» ٥/ ٢١١ و٢١٢، والدارقطني (٣٣٧٠)، والبيهقي ٨/ ٦٩ و٧٤ من طريق قتادة، به. لكن جاء عند الطبري في الدية المغلظة: وثلاثون بنت مخاض، بدل ثلاثون بنات لبون. ويغلب على الظن أنه خطأ من النساخ واقتصر الدارقطني على ذكر دية الخطأ. ورواية الطبري الثانية بذكر عثمان وحده.
وأخرجه الدارقطني (٣٣٧١) من طريق حجاج بن أرطأة عن الشعبي، عن زيد بن ثابت وحده. لكن حجاجًا وهم هنا حيث رواه كلفظ رواية أبي عياض، وإنما رواه الشعبي عن زيد بن ثابت بلفظ: المغلظة ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون ثنية خلفة إلى بازل عامها. كذا رواه عنه إسماعيل بن أبي خالد الثقة عند البيهقي ٨/ ٦٩ وإسناده صحيح إلى الشعبي. وعليه يكون لزيد في ذلك روايتان إن صح سماع الشعبي من زيد بن ثابت.
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد سمع سعيد بن المسيب من زيد بن ثابت، وأخذ عنه العلم. أفاده الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ٤/ ٢١٨. =

قال أبو داود: قال أبو عُبيدٍ عن غير واحدٍ: إذا دخلتِ الناقةُ في السَّنَة الرابعة، فهو حِقٌ، والأُنثى حِقَّةٌ؛ لأنه يستحق أن يُحمل عليه ويُركبَ، فإذا دخل في الخامسةِ فهو جَذَعٌ وجَذَعَةٌ، فإذا دخلَ في السادِسَةِ وألقى ثنيَّةٌ فهو ثَنِيٌّ وثَنِيَّةٌ، فإذا دخل في السابعةِ فهو رَبَاعٍ (١) ورباعِيةٌ، فإذا دخل في الثَّامنَةِ وألقى السِّنَّ الذي بعدَ الرَّباعية فهو سَدِيسٌ وسَدِسٌ، فإذا دخلَ في التاسعةِ وفطرَ نابُه وطلعَ فهو بَازِلٌ، فإذا دخل في العاشرة فهو مُخلِفٌ، ثم ليس له اسمٌ، ولكن يقال: بازلُ عامٍ، وبازلُ عامَين، ومُخلِفُ عامٍ، ومُخلِفُ عامَين، إلى ما زاد. وقال النضرُ بنُ شُميل: بنتُ مخاضٍ لسنةٍ، وبنتُ لبُونٍ لسنتَين، وحقَّةٌ لثلاث سنين، وجَذَعةٌ: لأربع، والثنيّ لخمسٍ، ورَبَاعٍ لستٍّ، وسديسٌ لسبع، وبازِلٌ لثمانٍ.
قال أبو داود: قال أبو حاتم والأصمعيُّ: والجَذُوعةَ وقتٌ وليس بسِنٍّ.
قال أبو حاتِمٍ: وقال بعضهم: فإذا ألقى رباعيَتَهُ فهو ربَاعٍ، وإذا ألقى ثنيَّته فهو ثنيٌّ.


= وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ١٣٥ أو ١٣٧، والطبري ٥/ ٢١١ - ٢١٢ و٢١٢، والدارقطني (٣٣٧٠)، والبيهقي ٨/ ٦٩ و٧٤ من طريق قتادة بن دعامة، به. وقرن ابن أبي شيبة والبيهقي يزيد بن ثابت عثمانَ بنَ عفان. ورواية الطبري والبيهقي الثانية بذكر دية الخطًادون الدية المُغلظة.
(١) قال في «الصحاح» يقال للذي يلقي رَبَاعِيَه: رَبَاعٍ، مثال: ثَمَانٍ، فإذا نصبت أتممتَ، فقلتَ: ركبتُ بِرذوْنًا رَبَاعِيًَا.

وقال أبو عُبيد: إذا لَقِحَت فهي خَلِفَةٌ، فلا تزالُ خَلِفةَ إلى عشرةِ أشهرٍ، فإذا بلغت عشرةَ أشهُرٍ فهي عُشَراءُ.
وقال أبو حاتم -لا أدري أسمعْتُه منه أم لا-: إذا ألقى ثنيّتَه، فهو ثنيٌ، وإذا ألقى رباعيتَه فهو ربَاعِ.

١٩ - باب ديات الأعضاء
٤٥٥٦ - حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا عبدَةُ -يعني ابنَ سليمان- حدَّثنا سعيدُ بنُ أبي عروبة، عن غالبٍ التّمارِ، عن حُميد بنِ هلال، عن مسروقِ بنِ أوس عن أبي موسى، عن النبيِّ ﷺ قال: «الأصابعُ سواءٌ، عشرٌ عشرٌ مِن الإبلِ» (١).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مسروق بن أوس، وقد اختلف في إسناده على غالب التمار فمرة يرويه كما هو عند المصنف هنا، ومرة يرويه لا يذكر في إسناده حميد بن هلال كما سيأتي عند المصنف في الطريق التالية. وصوّب الدارقطني في «العلل» ٧/ ٢٤٩ رواية غالب عن مسروق دون ذكر حميد في الإسناد، وأما علي ابن المديني فرجّح ذكر حميد بن هلال فيما نقله عنه البيهقي ٨/ ٩٢.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٥٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٢٠) و(٧٠٢١) من طريق سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد. واقتصر ابن ماجه على قوله: «الأصابع سواء».
وأخرجه النسائي (٧٠١٨) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مسروق، عن أبي موسى.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٦١٠) و(١٩٧٠٧).
وانظر ما بعده.
وله شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي (١٤٤٨) بإسناده قوي. وهو جزء من الحديث الآتي عند المصنف بالارقام (٤٥٥٨ - ٤٥٦١).
وآخر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد (٦٦٨١)، وابن ماجه (٢٦٥٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٢٦) بإسناده حسن. وسيأتي عند المصنف برقم (٤٥٦٢). =

٤٥٥٧ - حدَّثنا أبو الوليدِ، حدَّثنا شُعبةُ، عن غالبٍ التمارِ، عن مسروق بنِ أوسٍ


= قال الخطابي: سوّى رسول الله ﷺ بين الأصابع في دياتها، فجعل في كل إصبع عشرًا من الإبل، وسوّى بين الأسنان وجعل في كل سنٍّ خمسًا من الإبل، وهي مختلفة الجمال والمنفعة. ولولا أن السنة جاءت بالتسوية لكان القياس أن يُفاوت بين دياتها كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه الحديث. فإن سعيد بن المسيب روى عنه أنه كان يجعل في الابهام خمس عشرة، وفي السبابة عشرًا، وفي الوسطى عشرًا، وفي البنصر تسعًا، وفي الخنصر ستًا، حتى وجد كتابًا عند آل عمرو بن حزم عن رسول الله ﷺ أن الأصابع كلها سواء، فأخذ به.
وكذلك الأمر في الأسنان كان يجعل فيما أقبل من الأسنان خمسة أبعرة، وفي الأضراس بعيرًا بعيرًا. قال ابن المسيب: فلما كان معاوية وقعت أضراسه، فقال: أنا أعلم بالأضراس من عمر فجعلهن سواء.
قال ابن المسيب: فلو أصيب الفَمُ كلها في قضاه عمر رضي الله عنه لنقصت الدية، ولو أصيبت في قضاء معاوية لزادت الدية، ولو كنت أنا لجعلتها في الأضراس بعيرين بعيرين.
واتفق عامة أهل العلم على ترك التفضيل وأن كل سِنّ خمسة أبعرة، وفي كل إصبع عشرًا من الإبل خناصرها وإبهامها سواء، وأصابع اليد والرجل في ذلك سواء، كما جعل في الجسد دية كاملة: الصغير الطفل والكلبير المسن، والقري العَبْل، والضعيف النِّضو في ذلك سواء.
ولو أُخذ على الناس أن يعتبروها بالجمال والمنفعة لاختلف الأمر في ذلك اختلافًا لا يُضبط ولا يُحصر، فحمل على الأسامي، وتُرك ما وراه ذلك من الزيادة والنقصان في المعاني.
ولا أعلم خلافًا بين الفقهاء أن من قطع يد رجل من الكوع فإنه عليه نصف الدية، إلا أن أبا عبيد بن حرب زعم أن نصف الدية إنما تستحق في قطعها من المنكب؛ لأن اسم اليد على الشمول، والاستيفاء إنما يقع على ما بين المناكب إلى أطراف الأنامل.

عن الأشعري، عن النبيَّ ﷺ قال: «الأصابعُ سواءٌ» قلت: عشرٌ عشرٌ؟ قال: «نعم» (١).
قال أبو داود: رواه محمدُ بنُ جعفرٍ، عن شُعبةَ، عن غالبٍ، قال: سمعتُ مسروقَ بن أوس.
ورواه إسماعيلُ، حدَّثنا غالبٌ التمارُ، بإسنادِ أبي الوليد.
ورواه حنظلة بنُ أبى صفيةَ، عن غالبٍ، بإسنادِ إسماعيلَ.
٤٥٥٨ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى. وحدَّثنا ابنُ مُعاذٍ، حدَّثنا أبي. وحدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ، أخبرنا يزيدُ بنُ زُرَيع، كلهم عن شُعبةَ، عن قتادةَ، عن عِكرمةَ
عن ابنِ عباسِ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «هذِهِ وهذِهِ سواءٌ» يعني الإبهامَ والخِنصِرَ (٢).


(١) صحيح لغيره كسابقه.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠١٩) من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن غالب التمار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٥٥٧) و(١٩٥٦١) و(١٩٦٢٠).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده صحيح. عكرمة: هو أبو عبد الله البَربري مولى ابن عباس، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي، وشعبة: هو ابن الحجاج، وابن معاذ: هو عُبيد الله بن معاذ ابن معاذ العنبري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (٦٨٩٥)، وابن ماجه (٢٦٥٢)، والترمذي (١٤٤٩)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٢٣) و(٧٠٢٤) من طريق شعبة، بهذا الإسناد. زاد ابن ماجه ذكر البنصر.
وأخرج النسائي في «الكبرى» (٧٠٢٥) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الأصابع عشر عشر هكذا رواه موقوفًا. ورواه الترمذي مرفوعًا (١٤٤٨) بإسناد قوي بلفظ: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء، عشر من الإبل لكل إصبع».
وانظر الأحاديث الثلاثة الآتية بعده.

٤٥٥٩ - حدَّثنا عباس العنبريُّ، حدَّثنا عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارِث، حدَّثني شُعبةُ، عن قتادةَ، عن عكرمة
عن ابنِ عباس أن رسولَ الله ﷺ قال: «الأصابعُ سواءٌ، والأسنان سواءٌ، الثَّنتَّة والضِّرسُ سواءٌ هذه وهذه سواءٌ» (١).
قال أبو داود: ورواه النضرُ بنُ شُميلٍ، عن شعبة، بمعنى عبدِ الصمَدِ.
٤٥٦٠/ ١ - حدَّثناه الدارميُّ أبو جعفر، حدَّثنا النضر (٢).
٤٥٦٠/ ٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ حاتم بنِ بَزِيعٍ، حدَّثنا عليُّ بنُ الحَسَنِ،
أخبرنا أبو حمزَةَ، عن يزيدَ النحويِّ، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباسِ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «الأسنانُ سواءٌ» والأصابع سواءٌ«(٣).


(١) إسناده صحيح. عباس العنبري: هو ابن عبد العظيم.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٥٠) عن عباس العنبري، بهذا الإسناد. دون ذكر الأصابع.
وانظر تالييه، وما قبله.
(٢) إسناده صحيح. الدارمي: هو أحمد بن سعيد.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٩٠، وابن عبد البر في»التمهيد" ١٧/ ٣٧٩ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٣) إسناده صحيح. يزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد، وأبو حمزة: هو محمَّد ابن ميمون الشُكَّري، وعلي بن الحَسَن: هو ابن شقيق المروزي.
وانظر سابقيه، وما بعده.
وانظر ما سلف برقم (٤٥٥٨).

٤٥٦١ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ عُمَرَ بنِ محمدِ بنِ أبانَ مُشكَدانة، حدَّثنا أبو تُميلَةَ، عن حُسينِ المُعلِّم، عن يزيدَ النحويِّ، عن عِكرِمَة
عن ابن عباسٍ، قال: جعلَ رسولُ الله ﷺ أصابعَ اليدَينِ والرِّجلينِ سواءً (١).
٤٥٦٢ - حدَّثنا هُدبة بنُ خالدٍ، حدَّثنا همَّامٌ، حدَّثنا حسينٌ المعلمُ، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه
عن جدِّه أن النبيَّ ﷺ قال في خطبته وهو مُسْنِدٌ ظهرَه إلى الكعبةِ: «في الأصابع عشْرٌ عشْرٌ» (٢).
٤٥٦٣ - حدَّثنا زُهيرُ بنُ حَربِ أبو خيثمةَ، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا حُسينٌ المعلمُ، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه
عن جده، عن النبيِّ ﷺ قال: «في الأسنَانِ خمسٌ خمسٌ» (٣).


(١) إسناده صحيح. حسين المُعلِّم: هو ابن ذكوان، وأبو تُميلة: هو يحيى بن واضح.
وأخرجه الترمذي (١٤٤٨) من طريق الحسين بن واقد، عن يزيد بن أبي سعيد النحوي، به. ولفظه: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء، عثمرة من الإبل لكل أصبع».
وانظر ما سلف برقم (٤٥٥٨).
(٢) إسناده حسن. حسين المعلم: هو ابن ذكوان، وهمام: هو ابن يحيى العوذي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٥٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٢٦) من طريق عمرو ابن شعيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٨١).
(٣) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠١٦) و(٧٠١٧) من طريق عمرو بن شعيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧١١). =

٤٥٦٤ - قال أبو داود: وجدتُ في كتابي عن شيبانَ -ولم أسمعه منه- فحدَّثناه أبو بكر صاحِبٌ لنا، ثقةٌ، قال: حدَّثنا شيبانُ، حدَّثنا محمدٌ -يعني ابنَ راشدٍ- عن سُليمانَ -يعني ابن موسى- عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه
عن جده، قال: كان رسولُ الله ﷺ يُقوِّم ديةَ الخطأِ على أهلِ القُرى أربع مئةِ دينارٍ وعِدلها مِن الوَرِق، ويُقوِّمها على أثمانِ الإبلِ، فإذا غلَت رفعَ في قيمتِها، وإذا هاجت رُخصًا نقصَ من قيمتِها، وبلغت على عهدِ رسولِ الله ﷺ ما بينَ أربع مئةِ دينارٍ إلى ثمانِ مئةِ دينارِ، وعِدلها مِن الوَرِق ثمانيةَ آلافِ درهم، قال: وقضى رسولُ الله ﷺ على أهل البقرِ مئتي بقرةٍ، ومن كان ديةُ عقلِه في الشاء فألفي شاةٍ، قال: وقال رسولُ الله ﷺ: «إن العقلَ ميراثٌ بينَ ورثةِ القتيل على قرابتِهم، فما فضلَ، فلِلْعَصَبَةِ» قال: وقضى رسولُ الله ﷺ في الأنفِ إذا جُدِعَ الدِّيةَ كاملةً، وإن جُدِعَت ثُندُوَتُه فنصفُ العقلِ خمسون مِن الإبل، أو عَدْلُها مِنَ الذهبِ أو الوَرِقِ أو مئةُ بقرةٍ أو ألفُ شاةٍ، وفي


= وانظر ما بعده.
وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه (٢٦٥١) وإسناده حسن. وصحح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة».
وهو في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه رسولُ الله ﷺ له، عند النسائي في «الكبرى» (٧٠٣٢) و(٧٠٣٣). وكان هذا الكتاب عند حفيده أبي بكر، ورآه الزهري والإسناد إلى أبي بكر فيه صحيح. وقال ابن معين فيما رواه عنه عباس الدوري في «تاريخ الرجال» (٦٤٧): حديث عمرو بن حزم أن النبي ﷺ كتب لهم كتابًا، صالحٌ. وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم في جميع الكتب كتابًا أصح من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحاب النبي ﷺ والتابعون يرجعرن إليه ويَدَعون آراءهم.
وانظر فقه الحديث عند الحديث السالف برقم (٤٥٥٦).

اليدِ إذا قُطِعت نِصفُ العقلِ، وفي الرِّجلِ نصفُ العقلِ، وفي المأمومَةِ ثلثُ العقْل: ثلاثٌ وثلاثون مِن الإبل وثُلثٌ، أو قيمتُها مِن الذَّهب أو الوَرِقِ أو البقرِ أو الشاءِ والجائفةُ مثلُ ذلك، وفي الأصابع في كلِّ إصبَعٍ عَشْرٌ مِن الإبلِ، وفي الأسنانِ خمسٌ مِن الإبل في كل سِنٍّ، وقضى رسولُ الله ﷺ أن عقلَ المرأة بين عَصَبَتِها من كانوا، لا يرِثُون منها شيئًا إلا ما فَضَلَ عن ورثَتِها، وإن قُتِلت، فعقلُها بينَ ورثتِها، وهم يقتُلون قاتلَهم، وقال رسولُ الله ﷺ: «ليس لِلقاتل شيء» وإن لم يكن له وارِثٌ، فوارثُه أقربُ الناسِ إليه، ولا يَرِثُ القاتل شيئًا«(١).


(١) إسناده ضعيف. سليمان بن موسى -وهو القرشي الأموي مولاهم الأشدق- قال البخاري: عنده مناكير، وقال أبو أحمد بن عدي: روى أحاديث ينفرد بها، لا يرويها غيره.
وقال النسائي عن حديثه هذا: حديث منكر، وسليمان بن موسى ليس بالقوي في الحديث، ولا محمَّد بن راشد. وانظر تمام الكلام عليه عند الحديث السالف برقم (٤٥٤١).
وتفرد سليمان أيضًا برفع الحديث كله إلى النبي ﷺ، وخالف غيره كما بيناه عند
الحديث السالف برقم (٤٥٤٢). وقد تابعه على رفعه كله محمَّد بن إسحاق عند أحمد (٧٠٣٣)، لكنه مدلس، وقال فيه: وذكر عمرو بن شعيب. وقد قال الإِمام أحمد فيما نقله عنه العلائي في»جامع التحصيل«: إذا قال ابن إسحاق: وذكر، فلم يسمعه. قلنا: ولا يبعد أن يكون ابنُ إسحاق أخذه عن سليمان بن موسى من طريق رجل عنه، فإن لابن إسحاق رواية عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش المخزومي، عن سليمان بن موسى. وكنا قد حسنا هذا الحديث في»المسند«فيستدرك من هنا. وقوله: حدَّثنا أبو بكر صاحب لنا ثقة، قال ابن داسه: هو أبو بكر أحمد بن محمَّد بن إبراهيم العطار الأبُلِّي.
وأخرجه مختصرًا النسائي في»الكبرى" (٦٩٧٦) من طريق محمَّد بن راشد، بهذا الإسناد. وقال: هذا حديث منكر، وسليمان بن موس ليس بالقوي في الحديث، ولا محمَّد بن راشد. قلنا: محمَّد بن راشد ثقة، وإنما علة الحديث تفرد سليمان بن موسى به كما بيناه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهو في «مسند أحمد» (٣٣) من طريق ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب.
وقد سلف في الحديث الذي قبله ذكر دية الأسنان وحسب من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب. وإسناده حسن.
وانظر ما سلف برقم (٤٥٤٢).
ويشهد لذكر دية الأنف واليد والرجل والمأمومة والجائفة والأصابع والأسنان ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله ﷺ عند النسائي في «الكبرى» (٧٠٣٢) و(٧٠٣٣).
ويشهد لذكر دية الأصابع حديث أبي موسى السالف برقم (٤٥٥٦)، وحديث ابن عباس السالف أيضًا برقم (٤٥٥٨ - ٤٥٦٢) وإسناد حديث ابن عباس صحيح.
ويشهد لذكر دية الأسنان حديث ابن عباس عند ابن ماجه (٢٦٥١) وإسناده حسن. وصحح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة».
قال الخطابي: لم يختلف العلماء في أن الأنف إذا استُوعب جدعًا نفيه الدية كاملة.
فأما الثندوة المذكورة في هذا الحديث، فإن كان يُراد بها رَوثة الأنف -وهو طرفه- فقد قال أكثر العلماء: إن فيها ثلث الدية، وروي ذلك عن زيد بن ثابت، وكذلك قال مجاهد ومكحول، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال بعضهم: في الرَّوثة النصف على ما جاء في الحديث، وحكاه ابن المنذر في «الاختلاف» ولم يسمّ قائله.
ولم يختلفوا في أن في اليدين الدية، وأن في كل يد نصف الدية، وفي الرجل الواحدة كذلك.
واختلفوا في اليد الشلاء، فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: فيها ثلث ديتها، وكذلك قال مجاهد: وهو قول أحمد وإسحاق.
وقال الشافعي: فيها حكومة، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ولم يختلفوا في أن في المأمومة ثلث الدية.
والمأمومة: ما كان من الجراح في الرأس، وهي ما بلغت أُمِّ الدماغ. =

قال محمدٌ: هذا كلُّه حدَّثني به سليمانُ بن موسى، عن عمرو بنِ شُعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ.
قال أبو داود: محمدُ بنُ راشدٍ من أهلِ دمشقَ هَرَبَ إلى البصرةِ مِن القَتْل (١).
٤٥٦٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن فارس النَّيسابُوري، حدَّثنا محمدُ بنُ بكار ابن بلالٍ العامِليُّ، أخبرنا محمَّد -يعني ابنَ راشد- عن سليمانَ بنِ موسى، عن عمرو بنِ شعيب، عن أبيه


= وكذلك الجائفة فيها ثلث الدية في قول عامّة أهل العلم. (قلنا: والجائفة: هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف) فإذا نفذت الجائفة حتى خرجت من الجانب الآخر فإن فيها ثلثي الدية، لأنهما حينئذ جائفتان.
وأما قوله: «إن عقل المرأة بين عصبتها مَن كانوا، لا يرثرن منها شيئًا إلا ما فضل عن ورثتها» فإنه يريد: العقل الذي يجب بسبب جنايتها على عاقلتها، يقول: إن العصبة يتحملون عقلها كما يتحملونه عن الرجل، وأنها ليست كلالعبد الذي لا تحتمل العاقلة جنايته، وإنما هي في رقبته.
وفيه دليل على أن الأب والجد لا يدخلان في العاقلة؛ لأنه قد يُسهَم لهما السُّدس، وإنما العاقلة للأعمام وأبناء العمومة، ومن كان في معناهم من العصبة.
وأما قوله: «فإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، فإنه يريد: أن بعض الورثة إذا قتل الموروث حُرم ميراثه، وورثه من لم يقتل من سائر الورثة. فإن لم يكن له وارث إلا القاتل حُرم الميراث، وتدفع تركته إلى أقرب الناس منه بعد القاتل.
وهذا كالرجل يقتله ابنه، وليس له وارث غير ابنه القاتل، وللقاتل ابن، فإن ميراث المقتول يُدفع إلى ابن القاتل، ويُحرمه القاتل.
وقوله:»فإن قتلت، فعقلها بين ورثتها" يريد: أن الدية موروثة كسائر الأموال التي تملكها أيام حياتها يرثها زوجها. وقد ورّث النبي ﷺ امرأة أشْيَم الضبابي من دية زوجهما.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ)، وهامش (هـ)، وهي في رواية ابن العبد وابن داسه.

عن جده، أن النبيَّ ﷺ قال: «عَقْلُ شبه العمدِ مُغلَّظٌ مثلُ عقلِ العمدِ، ولا يُقتل صاحبُه».
قال: وزادنا خليلٌ، عن ابنِ راشد «وذلك أن يَنْزُوَ الشيطانُ بين الناس، فتكونَ دماءٌ في عِمِّيَّا، في غيرِ ضَغِينَةٍ ولا حملِ سلاحٍ»، محمَّد بن بكَّار يقولُ (١).
٤٥٦٦ - حدَّثنا أبو كاملٍ فُضَيلُ بنُ حُسينٍ، أن خالدَ بنَ الحارِث حدَّثهم، حدَّثنا حسينٌ -يعني المعلّم- عن عمرو بنِ شُعيب، أن أباه أخبره
عن عبد الله بن عمرو، أن رسولَ الله ﷺ قال: «في المَواضِح خَمْسٌ» (٢).


(١) حديث صحيح. وهذا إسناد حسن. سليمان بن موسى صدوق له أفراد، ولم ينفرد بهذا الحديث، كما سيأتي. وخليل: هو ابن زياد المُحاربي.
وأخرجه أحمد (٦٧١٨) و(٦٧٤٢)، والدارقطي (٣١٤٤)، والبيهقي ٨/ ٧٠ من طريق محمَّد بن راشد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٧٠٣٣) من طريق محمَّد بن إسحاق قال: وذكر عمر بن شعيب، به. وابن إسحاق مدلِّس وقد سلف الكلام على هذه الطريق عند الحديث الذي قبله.
وأخرجه ابن حبان (٦٠١١)، والدارقطي (٣١٧٠) من طريق وهيب بن خالد، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رفعه: «ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا، دية مغلَّظة، منها أربعون في بطونها أولادها». وإسناده صحيح. وقد سلف عند المصنف رقم (٤٥٤٨) لكنه لم يَسُق متنه.
وفي الباب عن عبد الله بن عباس عند البيهقي ٨/ ٤٥.
(٢) إسناده حسن. حسين المعلم: هو ابن ذكوان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٥٥)، والترمذي (١٤٤٧) من طريقين عن عمرو بن شعيب، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق: أن في الموضحة خمسًا من الإبل. =

٤٥٦٧ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالد السُّلمي، حدَّثنا مروانُ -يعني ابنَ محمَّد- حدَّثنا الهيثم بنُ حُميد، حدَّثني العلاء بنُ الحارث، حدَّثني عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جدِّه، قال: قضَىَ رسولُ الله ﷺ في العينِ القائمةِ السَّادَّة لمكانِها بثلُثِ الدِّية (١).

٢٠ - باب دية الجَنيِنِ
٤٥٦٨ - حدَّثنا حفصُ بنُ عمر النَّمَري، حدَّثنا شعبةُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن عُبيد بن نُضيلةَ
عن المُغيرة بن شُعبة: أن امرأتين كانتا تحت رجلٍ من هُذيل، فضربت إحداهُما الأخرى بعمودٍ فقتلتها، فاختصموا إلى النبي ﷺ،


قال الخطابي: الموضحة: ما كان في الرأس والوجه، وقد جعل النبي ﷺ فيها خمسًا من الإبل، وعلّق الحكم بالاسم، فإذا شجَّه موضحة صغرت أم كبرت ففيها خمس من الإبل، فإن شجَّه موضحتين ففيها عشر من الإبل، وعلى هذا القياس.
وأنكر مالك موضحة الأنف، وأثبتها الشافعي وغيره، فأما الموضحة في غير الوجه والرأس ففيها حكومة.
(١) إسناده حسن.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠١٥) من طريق الهيثم بن حميد، بهذا الإسناد.
ويوافق هذا قضاء عمر بن الخطّاب فيما أخرجه عبد الرزاق (١٧٤٤٢)، وابن حزم في «المحلى» ١٠/ ٤٢١، والبيهقي ٨/ ٩٨ وإسناده صحح.
قال الخطابي: يشبه أن يكون -والله أعلم- إنما أوجب فيها الثلث على معنى الحكومة، ما جعل في اليد الشلاء الحكومة.
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العين القائمة واليد الشلاء ثلث الدية. وذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على معنى الحكومة.
وقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن فيها ثلث الدية بمعى العقل.

فقال أحدُ الرجلين: كيفَ نَدِي من لا صاحَ ولا أكلَ، ولا شرِبَ ولا استهل، فقال: أسَجْعٌ كسَجْع الأعرَاب»، وقضى فيه بغرَّةٍ، وجعَلَهُ على عاقلةِ المرأةِ (١).
٤٥٦٩ - حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدَّثنا جريرٌ
عن منصورٍ، بإسنادِه ومعناه، زادَ: فجعلَ النبيُّ ﷺ ديةَ المقتولةِ على عصَبةِ القَاتلةِ، وغُرَّةً لما في بَطنِهَا (٢).


(١) إسناده صحيح. إبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومنصور: هو ابن المعتمر.
وأخرجه مسلم (١٦٨٢)، وابن ماجه (٢٦٣٣)، والترمذي (١٤٦٨)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٩٦) و(٦٩٩٨ - ٧٠٠١) من طرق عن منصور بن المعتمر، بهذا الإسناد. ولفظ ابن ماجه مختصر بلفظ: قضى رسول الله ﷺ بالدية على العاقلة.
وهو في «مسند أحمد» (١٨١٣٨)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠١٦).
وانظر ما بعده.
وما سيأتي برقم (٤٥٧٠) و(٤٥٧١).
قال النووي في «شرح مسلم» ١١/ ١٤٦: المراد بالغرة: عبد أو أمة: وهو اسم لكل واحد منهما، قال الجوهري: كأنه عبّر بالغرة عن الجسم كله، كما قالوا: أعتق رقبة، وأصل الغُرة: بياض في الوجه، واتفق الفقهاء أنه تجزئ فيها السوداء ولا تتعين البيضاء، وإنما المعتبر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم أو نصف عشر دية الأب، قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء، وأطلقت هنا على الإنسان؛ لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم.
وقوله: ولا استهل، يقال: استهل المولود: إذا بكى حين يُولد، والاستهلال: رفع الصوت.
وقال البغوي في شرح السنة" ١٠/ ٢٠٨: إذا جُني على امرأةٍ حامل، فألقت جنينا ميتًا يجب على عاقلة الضارب غرة، عبد أو أمة من أي نوع كان من الأرقاء، سواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى، وإن سقط حيًا، ثم مات، ففيه الدية كاملة.
(٢) إسناده صحيح كسابقه. جرير: هو ابن عبد الحميد. =

قال أبو داود: وكذلك رواه الحَكَمُ، عن مجاهدٍ، عن المغيرةِ.
٤٥٧٠ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة وهارونُ بنُ عبادٍ الأزديُّ -المعنى- قالا: حدَّثنا وكيعٌ، عن هشامٍ، عن عُروةَ
عن المِسور بنِ مَخْرَمَةَ: أن عُمَرَ استشار الناسَ في إملَاصِ
المرأةِ، فقال المغيرة بنُ شعبة: شهدتُ رسولَ الله ﷺ قضَى فيها بغُرَّةٍ: عبدٍ أو أمةٍ، فقال: ائتِني بمن يشهدُ معكَ، فأتاه بمحمدِ بنِ مسلمة -زاد هارون:- فشهِدَ له. يعني ضرْبَ الرجلِ بطنَ امرأتِه- (١).


= وأخرجه مسلم (١٦٨٢)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٩٧) من طريق جرير بن عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(١) حديث صحيح، وقد وهم وكيع -وهو ابن الجراح- في ذكر المسور بن مخرمة في إسناده. قال ابن المديني كما في «النكت الظراف» لابن حجر (١١٥١١): لا أرى وكيعًا إلا واهمًا في قوله: المسور بن مخرمة. وقال الدارقطني في «التتبع»، ص ٢١٩: هذا وهم.
وأخرجه مسلم (١٦٨٣)، وابن ماجه (٢٦٤٠) من طريق وكيع بن الجراح، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٦٩٠٧) عن عُبيد الله بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عمر نشد الناس ... وعروة بن الزبير -وإن لم يدرك عمر بن الخطاب- سمع هذا الخبر من المغيرة بن شعبة كما توضحه رواية وهيب بن خالد الآتية عند المصنف بعده، ووافقه على ذلك جماعة.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٢١٣).
وانظر الطريقين السالفين قبله.
وانظر ما بعده.
إملاص المرأة: إسقاطها الولد، ويقال: أملصت المرأة: إذا وضعت طفلها قبل أوانه، وكل ما ينزلق من اليد، فقد مَلِصَ مَلَصًا، فأملص أيضًا لغتان. =

قال أبو داود: بلغني عن أبي عُبيد: إنما سُمِيَ إملاصًا؛ لأنَّ المرأةَ تُزلقُهُ قبل وقتِ الولادة، وكذلك كل ما زَلِقَ مِن اليد وغيرِه، فقد مَلِصَ.
٤٥٧١ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وُهَيبٌ، عن هشام بن عُروةَ، عن أبيه، عن المُغيرة، عن عُمَرَ، بمعناه (١).
قال أبو داود: رواه حمادُ بنُ زيدٍ وحمادُ بنُ سلمة، عن هِشَامِ بنِ عُروة، عن أبيه: أن عمر قال.
٤٥٧٢ - حدَّثنا محمدُ بنُ مسعود المِصِّيصُّي، حدَّثنا أبو عاصمٍ، عن ابنِ جُرَيج، أخبرني عمرو بنُ دينارٍ، سَمِعَ طاووسًا


= وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الغرة: عبد أبيض أو أمة بيضاء، وإنما سمي غرة لبياضه، لا يقبل في الدية عبد أسود أو جارية سوداء ...
قال الخطابي: ويُروى أن عمر إنما استشهد مع المغيرة بغيره استثباتًا في القضية واستبراءً للشبهة، وذلك أن الديات إنما جاء فيها الإبل والذهب والورق.
وقد ذكر أيضًا في بعض الروايات البقر والغم والحلل، ولم يأت في شيء منها الرقيق، فاستنكر عمر رضي الله عنه ذلك في بدأة الرأي، فاستزاده في البيان حتى جاء المثبت، والله أعلم.
(١) إسناده صحح. هشام: هو ابن عروة بن الزبير بن العوّام، ووُهَيب: هو ابن خالد.
وأخرجه البخاري (٦٩٠٨) من طريق وهيب بن خالد، و(٦٩٠٨) من طريق زائدة ابن قدامة، و(٧٣١٧) و(٧٣١٨) من طريق أبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، ثلاثتهم عن هشام بن عروة، به. وقال البخاري بإثر (٧٣١٨): تابعه ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن المغيرة. قلنا: أخرجه من هذا الطريق الطبراني ٢٠/ (٨٨٣).
وهو في «مسند أحمد» (١٨١٣٦).
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٤٥٦٨) و(٤٥٦٩).

عن ابنِ عباسٍ، عن عمر أنه سأل، عن قضيَّةِ النبيِّ ﷺ في ذلك، فقام حَمَلُ بنُ مالكِ بنِ النابِغة، فقال: كنتُ بينَ امرأتينِ، فضربت إحداهما الأُخرى بمِسطَحِ فقتلتها وجنينَها، فقضى رسولُ الله ﷺ في جَنينها بغُرَّةٍ، وأن تُقتَلَ (١).


(١) إسناده صحيح دون ذكر قتل المرأة القاتلة، فلم يرد في شيء من طرق هذا الحديث إلا في هذا الطريق، كما نص عليه الأئمة الخطابي في «معالم السنن»، والمنذري في «اختصار السنن»، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٤٣ وغيرهم؛ لأن المحفوظ أن النبي ﷺ إنما قضى في جنينها بغرة، وبالدية على عاقلتها، كما جاء في حديث المغيرة بن شعبة السالف عند المصنف برقم (٤٥٦٨)، وحديث أبي هريرة الآتي برقم (٤٥٧٦)، وإسناداهما صحيحان، وكما في حديث جابر بن عبد الله الآتي برقم (٤٥٧٥).
وكذلك رواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عند عبد الرزاق (١٨٣٤٣) وغيره، فلم يذكر هذا الحرف.
ورواه ابن عيينة في الطريق الآتي بعده عند المصنف، وحماد بن زيد عند النسائي في «الكبرى» (٦٩٩١) كلاهما عن عمرو بن دينار، عن طاووس، أن عمر بن الخطاب ...
مرسلًا. ولم يذكر فيه قتل المرأة القاتلة أيضًا. وخالفا ابن جريج فأرسلا الحديث وقد صحح البخاريُّ وصل الحديث فيما نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير»، ٢/ ٥٨٧، وكذا صححه البيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٤٣، وابن حزم في «المحلى» ١٠/ ٣٨٣.
وكذلك رواه ابن جريج عند عبد الرزاق (١٨٣٤٢)، ومعمر عنده أيضًا (١٨٣٣٩) وابن عيينة عند الشافعي في «مسنده» «٢/ ١٠٣ - ١٠٤ ثلاثتهم عن ابن طاووس عن أبيه
مرسلًا. ليس فيه قتل المرأة القاتلة.
فثبت بذلك أن ذكر قتل المرأة القاتلة في هذا الحديث شذوذ، والله تعالى أعلم.
وأخرجه من طريق المصنف ابن ماجه (٢٦٤١)، والنسائي في»الكبرى«(٦٩١٥) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(٣٤٣٩)، و»صحيح ابن حبان" (٦٠٢١). وانظر تالييه. =

قال أبو داود: قال النضرُ بنُ شُميلٍ: المِسطَحُ: عودٌ يُرَقِّقُون به الخُبزَ، يعني هو الصَّوْبَجُ (١).
قال أبو داود: وقال أبو عُبيدٍ: المِسطحُ: عودٌ من أعواد الخِبَاء.
٤٥٧٣ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمَّد الزهريُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن عمرو، عن طاووس، قال: قام عُمَرُ على المِنبَرِ، فذكرَ معناه، ولم يذكر «وأن تُقْتَلَ» زاد: بغرةٍ: عبدٍ أو أمةٍ، قال: فقالَ عُمَرُ: اللهُ أكبر، لو لم نَسمع بهذا لَقَضَيْنا بغير هذا (٢).


= قال الخطابي: «المسطح» عود من عيدان الخباء. وفيه دليل على أن القتل إذا وقع بما يقتل مثله غالبا من خشب أو حجر أو نحوهما، ففيه القصاص كالحديد، إلا أن قوله: وأن تقتل، لم يُذكر في غير هذه الرواية.
(١) الصَّوبَج، بفتح الصاد، ويُضَمُّ، وهو مُعرَّب عن جُوبَه، بالضم، وهو الخشبة، قال في «شرح القاموس،: والضم موافق لأعجميَّته جَرْيًا على القاعدة المشهورة بين أئمة الصرْف واللغة، وهي أنه لا تجتمع صادٌ وجيم في كلمة عربية، فلا يثبت به أصلٌ في الكلام. ولذلك حكموا على نحو الجِص والإجاص والصولجان وأضرابها بأنها أعجمية.
واستثنى بعضهم (صَمَج)، وهو القنديل، فقالوا: لا نظير له في الكلام العربي.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه مرسل، وقد وصله ابن جريج كما في الطريق السالف قبله، وصحح الإِمام البخاري وصل الحديث فيما نقله عنه الترمذي في»العلل الكبير«٢/ ٥٨٧ معللًا ذلك بأن ابن جريج حافظ، وكذلك صححه البيهقي في»السنن الكبرى«٨/ ٤٣، وقال ابن حزم في»المحلى«١٠/ ٣٨٣ عن الموصول: إسناد في غاية الصحة.
وأخرجه الشافعي في»مسنده«٢/ ١٠٣ عن سفيان بن عيينة، والنسائي في»الكبرى" (٦٩٩١) من طريق حماد بن زيد، كلاهما عن عمرو بن دينار، به. ولفظ النسائي مختصر.
وانظر ما قبله.

٤٥٧٤ - حدَّثنا سليمانُ بنُ عبدِ الرحمن التّمارُ، أن عَمَرو بن طلحةَ حدَّثهم، حدَّثنا أسباطٌ، عن سماكٍ، عن عِكرِمَة
عن ابن عباس، في قصة حَمَلِ بن مالك، قال: فأسقطت غلامًا وقد نبتَ شعرُه ميتًا، وماتتِ المرأةُ، فقضى على العاقلةِ الدِّيةَ، قال: فقال عمُّها: إنها قد أسقطت يا نبىَّ الله غلامًا قد نَبَتَ شعرُه، فقال أبو القاتلةِ: إنه كاذبٌ، إنه والله ما استهلَّ، ولا شَرِبَ ولا أكلَ، فمثلُه
يُطَلُّ، فقال النبيُّ ﷺ: «أسَجْعَ الجاهلية وكهانَتَها، أدِّ في الصبىِّ غُرَّةً».
قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مُليكَةَ والأخرى أم غُطَيفٍ (١).
٤٥٧٥ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا يونُس بنُ محمَّد، حدَّثنا عبدُ الواحدِ ابنُ زيادٍ، حدَّثنا مُجالِدٌ، حدَّثني الشعبيُّ
ُعن جابرِ بنِ عبدِ الله: أن امرأتين من هُذيل قَتَلَت إحداهما الأُخرى، ولِكلِّ واحدةٍ منهما زوجٌ وولَد، قال: فجعلَ رسولُ الله ﷺ دِيةَ المقتولةِ على عاقِلَةِ القاتِلَةِ، وبرَّأ زوجها وولدَها، قال: فقال عاقلةُ المقتولَةِ: ميراثُها لنا؟ فقال رسولُ الله ﷺ: «لا، ميرَاثُها لزوجِها وولدها» (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف. سماك -وهو ابن حرب- في روايته عن عكرمة اضطراب، وأسباط -وهو ابن نصر الهَمداني- كثير الخطأ والإغراب. لكن روي الحديث بإسناد صحيح سلف عند المصنف برقم (٤٥٧٢)، ويشهد له حديث المغيرة السالف برقم (٤٥٦٨)، وحديث أبي هريرة الآتي برقم (٤٥٧٦). عمرو بن طلحة: هو ابن حماد بن طلحة القَنَّاد. نسب هنا لجده.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠٠٣) من طريق عمرو بن حماد بن طلحة، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٦٠١٩).
(٢) صحح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف مجالد -وهو ابن سعيد-. =

٤٥٧٦ - حدَّثنا وهبُ بنُ بيانٍ وابنُ السَّرحِ، قالا: حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يونُس، عن ابنِ شهابٍ، عن سعيد بنِ المُسيَّب وأبي سلمة
عن أبي هريرة قال: اقتتلتِ امرأتانِ مِن هُذيلِ، فرمت إحداهُما الأخرى بحجر فقتلتهَا، فاختصَموا إلى رسولِ الله ﷺ، فقضى رسولُ الله ﷺ ديَةَ جنينها: غُرَّة عبدٍ أو وليدةٍ، وقَضَى بديةِ المرأةِ على عاقلتِها، وورَّثَها ولدَهَا ومن معهم، فقال حملُ ابنُ النابغةِ الهُذَليُّ: يا رسول الله، كيف أغرم ديةَ من لا شَرِبَ ولا أكلَ، ولا نَطَقَ ولا استهلَّ، فمِثلُ ذلك يُطَلُّ! فقال رسولُ الله ﷺ: «إنَّما هذا مِن إخوان الكُهَّان» مِن أجل سجْعه الذي سَجَعَ (١).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٦٤٨) من طريق عبد الواحد. بن زياد، بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي بعده. وإسناده صحيح. وجاء ذكر توريث الزوج مع الولد في إحدى رواياته عند البخاري (٦٧٤٠)، ومسلم (١٦٨١).
ويشهد لتوريث الزوج أيضًا من دية زوجته المقتولة حديث أبي المليح الهذلي، عن أبيه عند ابن أبي عاصم في «الديات» ص ٧٥، وفي «الآحاد والمثاني» (١٠٦٧)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥٢٧)، والطبراني (٥١٣) وإسناده صحيح.
(١) إسناده صحح. أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وابن شهاب: هو محمَّد بن مسلم الزهري، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله، وابن السرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله المصري.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (٦٩١٠)، ومسلم (١٦٨١)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٩٣) من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٥٧٥٨) من طريق عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وحده، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢١٧) و(١٠٩١٦)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠٢٠).
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (٤٥٧٩). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال الخطابي: قوله: وورَّثها ولدها ومن معهم، يريد: الدية.
وفيه بيان أن الدية مرروثة كسائر مالها الذي كانت تملكه أيام حياتها. وفيه دليل على أن الجنين يورث وتكون ديته على سهام الميراث، وذلك أن كل نفس تضمن بالدية، فإنه يورث، كما لو خرج حيًا، ثم مات.
وقوله: ولا استهل: الاستهلال: رفع الصوت، يريد: أنه لم تُعلَم حياته بصوت نطقٍ أو بكاء، أو نحو ذلك.
وقوله: ذلك يُطَلّ: يروى هذا الحرف على وجهين: أحدهما: «بطل» على معنى الفعل الماضي من البطلان. والآخر: «يُطَلّ» على مذهب الفعل الغائب، من قولهم: طُلّ دمه إذا: أهدر، يُطَلُّ.
وقوله ﷺ: «هذا من إخوان الكهان» من أجل سجعه الذي سجع، فإنه لم يَعبْه بمجرد السجع، دون ما تضمنه سجعه من الباطل. وإنما ضرب المثل بالكهان؛ لأنهم كانوا يروّجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين، فيستميلون بها القلوب، ويشصغُون الأسماع إليها.
فأما إذا وضع السجع في موضع حق، فإنه ليس بمكروه. وقد تكلم رسول الله ﷺ بالسجع في مواضع من كلامه، كقول للانصار: «أما إنكم تقِلُّون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع».
وروي عنه أنه قال: «خير المال سِكّة مأبورة، أو مُهرة مأمورة».
وقال: «يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَير».
وقال في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقول لا يُسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع».
ومثل ذلك في الكلام كثير.
وفي الخبر دليل على أن الدية في شبه الخطأ على العاقلة.
قلت [القائل الخطابي]: الغرة إنما تجب في الجنين إذا سقط ميتًا، فإن سقط حيًا ثم مات ففيه الدية كاملة.
وفيه بيان أن الأجنة وإن كثرت، ففي كل واحدٍ منها غرة.
واختلفوا في سن الغُرّة التي يجب قبولها ومبلغ قيمتها: =

٤٥٧٧ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن ابنِ شهاب، عن ابنِ المُسيَّب
عن أبي هُريرة، في هذه القصة، قال: ثم إنَّ المرأة التي قضى عليها بالغُرّةِ تُوفَّيت، فقضى رسولُ الله ﷺ بأن ميراثها لبنيها، وأن العقل على عصبَتِها (١).


= فقال أبو حنيفة وأصحابه: عبد أو أمة: تعدل خمس مئة درهم.
وقال مالك: ست مئة درهم.
وقصد كل واحد من الفريقين نصف عشر الدية؛ لأن الدية عند العراقي: عشرة آلاف درهم، وعند المدني: اثنا عشر ألفًا.
وقيل: خمسون دينارًا، وهي أيضًا نصف العشر من دية الحر. لأنهم لم يخلفوا أن الدية من الذهب ألف دينار.
وقد استدل بعض الفقهاء من قوله: «قضى رسولُ الله ﷺ في جنينها بغرّة على أن دية الأجنة سواء: ذكرانًا أو إناثًا» لأنه أرسل الكلام ولم يقَيّده بصفة. قال: ولو كانت يختلف الأمر في ذلك بالأنوثة والذكورة لبيّنه كما بين الدية في الذكر والأنثى من الأحرار البالغين.
قلت [القائل الخطابي]: وهذه القضية صادقة في الحكم. إلا أن الاستدلال بهذا اللفظ من هذا الحديث لا يصح؛ لأنه حكاية فعل، ولا عُموم لحكاية الفعل.
وإنما يصح هذا الاستدلال من رواية من روى: أن النبي ﷺ قضى في الجنين بغرة. من غير تفصيل. والله أعلم.
ومذهب الشافعي في دية الجنين قريب من مذهب من تقدّم ذكرهم إلا أنه قوّمها من الإبل فقال: خمس من الإبل، خمساها وهو بعيران، قيمة خَلِفَتين، وثلاثة أخماسها قيمة ثلاث جذاع وحقاق.
وذلك: لأن دية شبه العمد عنده مغلّظة، منها أربعون خَلِفَةً وثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، فإن أعطى الغرة دون القيمة لم يقبل حتى يكون ابن سبع سنين، أو ثمان.
ويقبل عند أبي حنيفة الطفل، وما دون السبع، كالرقبة المستحقة في الكفارات.
(١) إسناده صحيح. ابن المسيّب: هو سيد، وابن شهاب: هو محمَّد بن مسلم الزهري، والليث: هو ابن سعد. =

٤٥٧٨ - حدَّثنا عباسُ بنُ عبد العظيمِ، حدَّثنا عُبيدُ اللهِ بنُ موسى، حدَّثنا يوسفُ بن صُهَيبِ، عن عبدِ الله بنِ بُريدة
عن أبيهِ: أن امرأةَ حذَفَتِ امرأةَ، فأسقطتْ، فرُفِع ذلك إلى رسولِ الله ﷺ، فجعَلَ في ولدِها خمسَ مئة شاةِ، ونهى يومئذٍ عن الحذفِ (١).


= وأخرجه البخاري (٦٧٤٠) و(٦٩٠٩)، ومسلم (١٦٨١)، والترمذي (٢٢٤٤)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٩٢) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٩٥٣)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠١٨).
وانظر ما قبله. وما سيأتي برقم (٤٥٧٩).
(١) رجاله ثقات، لكنه اختُلف في وصله وإرساله، كما سيأتي بيانه، ووقع في متنه وهم في ذكر الخَمس مئة شاة، والصحيح: مئة شاة، كما قال أبو داود والنسائي.
وقد نسب أبو داود في رواية ابن العبد الوهم فيه إلى عباس بن عبد العظيم، لكن رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وإبراهيم بن يونس البغدادي عن عبيد الله بن موسى كما رواه عباس، فبرئ عُبيد من عهدته. وكذلك رواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن يوسف بن صهيب، فبرئ عُبيد الله من عهدته. فيفي أن يكون الوهم فيه من يوسف بن صهيب، والله تعالى أعلم.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٨٨) عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وإبراهيم بن يونس البغدادي، كلاهما عن عُبيد الله بن موسى، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي أيضًا (٦٩٨٩) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن يوسف ابن صهيب، عن عبد الله بن بريدة، عن النبي ﷺ مرسلًا.
وقال النسائي: هذا وهم، وينبغي أن يكون أراد مئة من الغنم.
قال: وقد روي النهي عن الخذف عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل.
ثم أسنده (٦٩٩٠).
قلنا: وفي هذا تعليل من النسائي أيضًا لهذا الخبر بعلة أخرى، وهي دخول حديث في حديث، ويكون الوهم فيه إما من عبد الله بن بريدة أو من يوسف بن صهيب، والله أعلم. =

قال أبو داود: هكذا قال عباسٌ، وهو وهمٌ، والصوابُ: مئة شاة.
٤٥٧٩ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى، عن محمدِ بن عمرو، عن أبي سلمة
عن أبي هُريرةَ، قال: قضى رسولُ الله ﷺ في الجَنين بغرةٍ: عبدٍ أو أمة، أو فرسٍ أو بَغْلٍ (١).


= ومما يقوّي ما ذهب إليه أبو داود والنسائي من أن الصواب مئة شاة ما أخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥٢٦)، والطبراني في «الكبير» (٣٤٨٥) من حديث حمل بن مالك وفيه: قضى رسول الله ﷺ في الجنين غرة عبد أو أمة، أو مئة من الشاء، ... وإسناد الطبراني صحيح.
وقوله: حذَفَتها، بالحاء المهملة، أي: رمتها.
(١) صحيح دون ذكر الفرس والبغل، فلم ترد في شيء من روايات هذا الحديث إلا في رواية عيسى -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي- عن محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي كما أشار إليه الدارقطني في «العلل»، ٩/ ٢٩٤، فقد روى هذا الحديث جماعة عن محمَّد بن عمرو منهم حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله الواسطي كما أشار إليه المصنف فلم يذكروا فيه الفرس والبغل، ورواه الزهري عن أبي سلمة كذلك فحصل أن ذكر الفرس والبغل وهم من عيسى بن يونس كما أشار إليه الخطابي، وجزم به الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٥٠.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٣٩) من طريق محمَّد بن بشر، والترمذي (١٤٦٩) من طريق ابن أبي زائدة، كلاهما عن محمَّد بن عمرو، به ولم يذكرا الفرس والبغل.
وهو في «مسند أحمد» (٩٦٥٥) عن يحيى بن سعيد القطان، و(١٠٤٦٧) عن يزيد بن هارون كلاهما عن محمَّد بن عمرو. وليس في روايتهما ذكر الفرس والبغل.
وأخرجه البخاري (٥٧٥٨) و(٥٧٥٩) و(٦٩٠٤)، ومسلم (١٦٨١)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٩٤) من طريق ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة عن عبد الرحمن، به ولم يذكر الفرس والبغل. =

قال أبو داود: روى هذا الحديثَ حمادُ بنُ سلمةَ وخالدُ بنُ عبد الله، عن محمَّد بنِ عَمرو، لم يَذكُرا: أو فرسٍ أو بغْل.
٤٥٨٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ سِنان العَوَقيُّ، حدَّثنا شريكٌ، عن مُغيرة، عن إبراهيمَ وجابرٍ
عن الشعبي، قال: الغُرَّةُ خمسُ مئةٍ، يعني درهم (١).


= وقد سلف من طريق ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة برقم (٤٥٧٦)، ومن طريق ابن شهاب عن ابن المسيب برقم (٤٥٧٧) وليس فيه ذكر الفرس والبغل.
قال الخطابي: يقال: إن عيسى بن يونس قد وهم فيه، وهو يغلظ أحيانًا فيما يرويه، إلا أنه قد روي عن طاووس ومجاهد وعروة بن الزبير أنهم قالوا: الغرة عبد أو أمة أو فرس.
ويشبه أن يكون الأصل عندهم فيما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم.
وأما البغل فأمره أعجب، ويحتمل أن تكون هذه الزيادة إنما جاءت من قبل بعض الرواة على سبيل القيمة، إذا عدمت الغرة من الرقاب، والله أعلم.
قلنا: أثر طاووس أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٩١). وأثر مجاهد أخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٢٥٢، وأثر عروة عنده أيضًا ٩/ ٢٥١.
وجاء ذكر البغل في أثر عن عطاء بن أبي رباح عند ابن أبي شيبة ٩/ ٢٥١.
(١) أثر حسن، شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- متابع. الشعبي: هو عامر بن شَراحيل، وجابر: هو ابن يزيد الجُعفي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومغيرة: هو ابن مِقسَم.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٢٥٣، وإبراهيم الحربي في «الغريب» كما في «نصب الراية» ٤/ ٤٣٩ من طريق وكيع، عن سفيان الثوري، عن طارق بن عبد الرحمن البجلي، عن الشعبي قال: الغرة خمس مئة.
وأثر ربيعة -وهو ابن أبي عبد الرحمن- الذي أشار إليه المصنف أخرجه مالك في «موطئه» ٢/ ٨٥٥، ومن طريقه البيهقي ٨/ ١٠٩ و١١٦. وزاد: أو ستَّ مئة درهم.

قال أبو داود: قال ربيعةُ: الغرةُ خَمسون دينارًا.

٢١ - باب في دية المكاتَبْ
٤٥٨١ - حدَّثنا مُسدَّدٌ (١)، عن يحيى بنِ سعيدٍ. وإسماعيلُ، عن هشامٍ. وحدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا يعلى بنُ عُبيدِ، حدَّثنا حجاجٌ الصَّوَّافُ، جميعًا عن يحيى بنِ أبي كثير، عن عِكرمة
عن ابنِ عباس، قال: قَضَى رسولُ الله ﷺ في المكاتَب يقُتَلُ: يُودَى ما أدَّى مِن مكاتبتهِ دِيةَ الحُرِّ، وما بقي دِيَةَ المملوكِ (٢).


(١) طريق مُسدَّدٌ وإسماعيل أثبتناهما من (هـ). وقد ذكرهما الحافظ رحمه الله في نسخته التي رمزنا لها بالرمز (أ) لكنه قدَّمهما، فجعلهما بعد حديث أبي هريرة الذي قبله، فأوهم أنهما طريقان آخران لحديث أبي هريرة، فأخطأ.
(٢) رجاله ثقات، وهذا إسناد اختُلف فيه عن عكرمة في وصله وإرساله، وفي رفعه ووقفه، وهو والحديث الذي يليه جزءان لحديث واحد، مؤداهما: أن المكاتب يُعتق منه بقدر ما أدى، وقد رواهما جميعًا الترمذي (١٣٠٥)، وقال: حديث حسن. وصححه الحاكم وابن القطان في «أحكام النظر» كما نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» ٩/ ٧٤٦، وابن حزم في «المحلى»، وابن التركماني في «الجوهر النقي» ١٠/ ٣٢٦، وسكت عنه عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه الوسطى» ٤/ ٢١ مصححًا له.
وضعفه النسائي في «الكبرى» بإثر (٧٢٢٦)، والبيهقي في «الكبرى» ١٠/ ٣٢٦، وقال ابن العربي في «العارضة» ٦/ ١٨: ليس في هذه المسألة حديث صحيح مع نباهة هؤلاء الرواة، وقال ابن عبد الهادي في «التنقيح» ٣/ ١٣٧: في إسناد هذا الحديث تعليلات. وقد أشارالبخاريُّ فيما نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» ١/ ٥٠٢ إلى علة هذا الحديث حين سأله فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عكرمة عن علي.
وذكر البيهقي لهذا الحديث علة أخرى تقضي بنكارة في متنة كذلك، سيأتي ذكرها عند الحديث الآتي بعده.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٠٠٠) و(٥٠٠١) و(٦٩٨٣ - ٦٩٨٥) و(٦٩٨٧) من وطرق عن يحيى بن أبي كثير، به. =

٤٥٨٢ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن أيوبَ، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباس، أن رسولَ الله ﷺ قال: «إذا أصابَ المكاتَبُ حدًَّا، أو وَرِثَ ميراثًا يَرِثُ على قَدْر ما عَتَقَ منه» (١).


= وأخرجه عبد الرزاق (١٥٧١٨) عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، به موقوفًا.
وأخرجه الترمذي (١٣٠٥) من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، به.
مرفوعًا.
واختُلف عن أيوب في هذا الحديث:
فرواه وهيب بن خالد عند البيهقي ١٠/ ٣٢٥ - ٣٢٦ عن أيوب، عن عكرمة، عن علي بن أبي طالب. وقال البيهقي: رواية عكرمة عن علي مرسلة.
ورواه حماد بن زيد عند النسائي (٦٩٨٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١١٠ عن أيوب، عن عكرمة مرسلًا دون ذكر ابن عباس.
ورواه معمر عند عبد الرزاق (١٥٧٤٠) عن أيوب، عن عكرمة عن علي قوله.
فذكر عليًا مكان ابن عباس، وجعله من قوله. ولفظه: المكاتب يَعتق منه بقدر ما أدى. وقال البيهقي: رواية عكرمة عن علي مرسلة.
قال الخطابي: أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته، والجناية عليه. ولم يذهب إلى هذا الحديث من العلماء فيما بلغنا إلا إبراهيم النخعي.
وقد روي في ذلك شيء عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخًا، أو معارضًا بما هو أولى منه، والله أعلم.
(١) رجاله ثقات، وهو والحديث الذي قبله جزءان لحديث واحد. لكنه اختلف في وصله وإرساله كما قال الحافظ في «الفتح» ٥/ ١٩٥، وقد أشار إلى ذلك أبو داود والبيهقي ١٠/ ٣٢٦، وقال النسائي في «الكبرى» بعد إيراده برقم (٧٢٢٦): هذا لايصح، وهو مختلف فيه. وقال ابن العربي في «عارضة الأحوذي» ٦/ ١٨: ليس في هذه المسألة حديث صحيح مع نباهة هؤلاء الرواة، وقال ابن عبد اللهادي في «التنقيح» ٣/ ١٣٧: في إسناد هذا الحديث تعليلات. =

قال أبو داود: رواه وهَيبٌ، عن أيوبَ، عن عِكرِمة، عن عليِّ (١) عن النبيِّ ﷺ. وأرسله حمادُ بنُ زيدٍ وإسماعيلُ، عن أيوبَ، عن عِكرمة، عن النبيَّ ﷺ (٢)، وجعله إسماعيل ابن عُليَّة قولَ عِكرمة.


= قلنا: وفيه أيضًا علة أخرى في متنه، وهي أنه روى يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: يقام على المكاتب حد المملوك، وهذا يخالف رواية ابن عباس المرفوعة، ولهذا قال البيهقي ١٠/ ٣٢٦ عن الرواية الموقوفة على ابن عباس: هذا يخالف الحديث المرفوع في القياس، ويخالف ما رواه حماد بن سلمة في النص.
قلنا: هاذا خالف الصحابي بفتواه روايته كان في ذلك إعلالٌ لروايته، وما كان ابنُ عباس ليُخالف قضاء رسول الله ﷺ.
قلنا: ومع ذلك صححه الحاكم، وابن حزم في «المحلى»، وابن القطان في «أحكام النظر» كما نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» ٩/ ٧٤٦، وصححه كذلك ابن التركماني في «الجوهر النقي» ١٠/ ٣٢٦، وسكت عنه عبد الحق في «أحكامه الوسطى» ٤/ ٢١، وحسنه الترمذي!!
وأخرجه الترمذي (١٣٠٥)، والنسائي في «الكبرى» (٥٠٠٢) و(٦٣٥٧) و(٦٩٨٦) و(٧٢٢٦) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرج ابن أبي عاصم في «الديات» ص ٩٩، وابن الجارود (٩٨٢)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١١١، والبيهقي ١٠/ ٣٢٦ من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: يقام عليه حد المملوك. قلنا: يعني المكاتب.
(١) سقط اسم علي -وهو ابن أبي طالب- من (أ) و(ب) و(ج)، فصار الطريق مرسلًا، وأثبتناه من (هـ)، وهو الصواب، فقد أخرج النسائي في «الكبرى» (٥٠٠٣)، والبيهقي ١٠/ ٣٢٥ - ٣٢٦ بعض هذا الحديث من طريق وهيب، عن أيوب، عن عكرمة، عن علي عن النبي ﷺ قال: «يُودَى المكاتبُ بقدر ما أدَّى».
(٢) ذكر مرسل حماد وإسماعيل أثبتناهُ من (أ) و(هـ). وهو في رواية ابن العبد وابن داسه.

٢٢ - باب في دية الذمي
٤٥٨٣ - حدَّثنا يزيدُ بنُ خالد ابنِ موهب الرمليُّ، حدَّثنا عيسى بنُ يونس، عن محمَّد بنِ إسحاقَ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيهِ
عن جده، عن النبي ﷺ، قال: «دِيةُ المعاهَدِ نِصْفُ دية الحُرِّ» (١).


(١) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف. محمَّد بن إسحاق -وإن كان مدلسًا، وقد عنعن- متابع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٤٤) من طريق عبد الرحمن بن عياش، والترمذي (١٤٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٨٢) من طريق أسامة بن زيد الليثي، والنسائي (٦٩٨١) من طريق سليمان بن موسى، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٩٢) و(٦٧١٦).
وقد سلف ضمن الحديث (٤٥٤٢) من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب.
قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، وهو قول مالك وابن شبرمة وأحمد بن حنبل.
غير أن أحمد قال: إذا كان القتل خطأ، فإن كان عمدًا لم يُقَد به، ويضاعف عليه باثني عشر ألفًا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري: ديته دية المسلم، وهو قول الشعبي والنخعي ومجاهد، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما.
وقال الشافعي وإسحاق بن راهويه: ديته الثلث من دية المسلم، وهو قول ابن المسيب والحسن وعكرمة.
وروي ذلك أيضًا عن عمر رضي الله عنه خلاف الرواية الأولى، وكذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قلت [القائل الخطابي]: وقول رسول الله ﷺ أولى، ولا بأس بإسناده، وقد قال به أحمد.
ويعضده حديث آخر، وقد رويناه فيما تقدم من طريق حسين المعلّم عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه عن جده. قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمان مئة دينار وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذٍ النصف.

قال أبو داود: رواه أسامة بنُ زيدٍ الليثي وعبدُ الرحمن بن الحارث، عن عمرو بنِ شعيب، مثلَه.

٢٣ - باب في الرجل يُقَاتِلُ الرجلَ فيدفَعُه عن نفسه
٤٥٨٤ - حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا يحيى، عن ابنِ جُريج، أخبرني عطاء عن صَفوانَ بنِ يَعلى
عن أبيه، قال: قاتل أجيرٌ لي رجُلًا فَعَضَّ يدَه، فانتزعَهَا، فندَرَتْ (١) ثَنِيّتُه، فأتى النبيَّ ﷺ، فأهدَرَهَا، وقال: «أتريدُ أن يضَعَ يدَهُ في فيكَ تقضَمُها كالفحْلِ؟» (٢).


(١) في (أ) فابتدرت، وفي (هـ): فانتدرت. والمثبت من (ب) و(ج)، وعليها شرح ابن الأثير في «النهاية» وفسَّر كلمة نَدَرَ، فقال: أي: سقط ووقع. وكذلك في النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي.
(٢) إسناده صحيح. عطاء: هو ابن أبي رباح، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (١٨٤٨) و(٢٢٦٥)، ومسلم (١٦٧٤)، وابن ماجه (٢٦٥٦)، والنسائي في «الكبرى» (٦٩٤١ - ٦٩٤٦) من طريق عطاء بن أبي رباح، به. وقرن ابن ماجه والنسائي في الموضع الأول بيعلى أخاه سلمة.
وأخرجه النسائي (٦٩٤٧) من طريق بُديل بن ميسرة، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى: أن أجيرًا ليعلى بن مُنية عض آخرُ ذراعه ... رواه هكذا مرسلًا.
وأخرجه أيضًا (٦٩٤٨) من طريق محمَّد بن مسلم الزهري، عن صفوان بن يعلى: أن أباه غزا مع رسول الله ... مرسلًا أيضًا.
وأخرجه النسائي (٦٩٣٩) و(٦٩٤٠) من طريق مجاهد عن يعلي بن مُنية. قال أحمد بن حنبل: لم يسمع منه.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٩٤٩)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٩٧).
قال الخطابي: فيه بيان أن دفع الرجل عن نفسه مباح، وأن ذلك إذا أتى على نفس العادي عليه كان دمه هدرًا إذا لم يكن له سبيل إلى الخلاص منه إلا بقتله. =

قال: وأخبرني ابن أبي مُليكةَ، عن جده، أن أبا بكر أهدَرَهَا، وقال: بَعِدَت سِنُّه (١).
٤٥٨٥ - حدَّثنا زيادُ بنُ أيوبَ، أخبرنا هُشَيْمٌ، حدَّثنا حجَّاجٌ وعبدُ الملِكِ،
عن عطاء
عن يعلى بنِ أُمية، بهذا، زاد: ثم قال: -يعني النبيَّ ﷺ- للعاضِّ: «إن شئتَ أن تُمكِّنهُ مِن يَدِكَ فيعضَّها، ثم تنزعَها من فيه»، وأبطل ديةَ أسنانه٢).

٢٤ - باب فيمن تَطَبَّبَ بغير علم فأعْنَتَ
٤٥٨٦ - حدَّثنا نصرُ بنُ عاصِم الأنطاكيُّ ومحمدُ بنُ الصَّبَّاح بن سفيانَ، أن الوليدَ بنَ مسلم أخبرهم، عن ابنِ جُريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، أن رسولَ الله ﷺ قال: «مَن تَطَبَّبَ ولم يُعلَم مِنهُ طِبٌّ فهُو ضامِنٌ» قال نَصْرٌ: قال الوليد: حدَّثني ابنُ جُريجِ (٣).


= واستدل به الشافعي في صَوْل الفحل، قال: إذا دفعه فأتى عليه لم تلزمه قيمتُه.
وانظر ما بعده.
(١) في (أ) نَفَذَت سُنَّةً. بمعنى أنه جرى بها الحكم من بعده.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن قال المزي: الصحيح أن بين عطاء -وهو ابن أبي رباح- وبين يعلي بن أمية: صفوان بن يعلي بن أمية، قلنا: يعني كالرواية السالفة.
(٣) حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- لم يسمع من عمرو بن شعيب فيما قاله البخاري والبيهقي، ثم إن الدارقطني ذكر له علة أخرى، فقال: لم يُسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم، وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلًا، عن النبي ﷺ. ومع ذلك فقد جود هذا الإسنادَ الحافظ ابن كثير في «تخريج أحاديث التنبيه» ٢/ ٢٦٦!! =

قال أبو داود: هذا لم يروِه إلا الوليدُ، لا يُدرَى صحيح هو أم لا.
٤٥٨٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاء، حدَّثنا حفصٌ، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ عمر ابنِ عبد العزيزِ
حدَّثني بعضُ الوفد الذين قدِمُوا على أبي، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «أيُّما طبيبٍ تطبَّبَ على قومٍ لا يُعرَفُ له تَطبُّبٌ قبلَ ذلك فأعنَتَ، فهو ضَامِنٌ».
قال عبدُ العزيز: أما إنه ليسَ بالنَّعتِ إنما هو قطعُ العُروق، والبَطُّ، والكيُّ (١).


= وأخرجه ابن ماجه (٣٤٦٦)، والنسائي في «الكبرى» (٧٠٠٥) و(٧٠٣٩) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٧٠٠٦) من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عمرو ابن شعيب عن جده. فلم يذكُر شعيبًا والد عمرو.
ويشهد له ما بعده. وهو وإن كان مرسَلًا، يحصُل بانضمامه إلى هذا الحديث قوة إن شاء الله، مع حكاية إجماع الأئمة على مضمونه، كما ذكره الخطابي وابن عبد البر في «الاستذكار» (٣٦٨٥٨)، وابن رشد في «بداية المجتهد» وغيرهم.
قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في المعالج إذا تعدّى فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه مُتَعَدِّي، فإذا تولد من فعله التلفُ ضمن الدية، وسقط عنه القودُ، لأنه لا يستبدُّ بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته.
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه مرسل. قال المنذري في «اختصار السنن»: بعض الوفد مجهول، ولا يُعلم له صحبة أم لا؟ قلنا: لكنه بانضمامه إلى الحديث الذي قبله، مع ما حكاه غير واحد من الإجماع على مضمونه كما سلف بيانه، يتقوى أمره إن شاء الله. حفص: هو ابن غياث.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٣٢١ عن حفص بن غياث، به. =

٢٥ - باب في دية الخطأ شبه العمد
٤٥٨٨ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حَربٍ ومُسَدَّدٌ -المعنى- قالا: حدَّثنا حمادٌ، عن خالدٍ، عن القاسم بنِ ربيعةَ، عن عُقبة بنِ أوسِ
عن عبدِ الله بن عمرو: أن رسولَ الله ﷺ -قال مسدَّدٌ:- خَطَبَ يومَ الفتح، فقال: «ألا إن كل مأثُرَةٍ كانت في الجاهِليَّة من دمٍ أو مالٍ تذكر وتُدعى تحتَ قدميَّ، إلاَّ ما كانَ مِن سِقاية الحاجِّ، وسِدانةِ البيت» ثم قال: ألا إنَّ دية الخطإ شبهِ العَمْدِ ما كان بالسَّوط والعَصَا مئةٌ من الإبلِ: منها أربعون في بُطونها أولادُها«(١).
٤٥٨٩ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وُهَيبٌ، عن خالدٍ، بهذا الإسناد، نحو معناه٢).

٢٦ - باب في جِناية العبد يكونُ للفقراء
٤٥٩٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا معاذُ بنُ هشامٍ، حدَّثني أبي، عن قتادةَ، عن أبي نضرَةَ


= وأخرجه عبد الرزاق (١٨٠٤٤) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر عن كتاب لعمر بن عبد العزيز فيه: بلغنا أن رسول الله ﷺ قال: ... فذكر الحديث بنحوه.
قوله:»أعنت" قال ابن الأثير: أي: أضر المريض وأفسده.
والبَطُّ: قال ابن الأثير أيضًا: شقٌ الدُّمَّل والخُراج ونحوهما.
قال أبو الطيب العظيم آبادي: ومراد عبد العزيز -والله أعلم بمراده- أن لفظ الطبيب الواقع في الحديث ليس المقصود منه معناه الوصفي العام الشامل لكل من يعالج، بل المقصود منه قاطع العروق والباطُّ والكاوي، ولكن أنت تعلم أن لفظ الطبيب في اللغة عام لكل من يعالج الجسم، فلا بد للتخصيص ببعض الأنواع من دليل.
(١) إسناده صحيح، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٥٤٧).
(٢) إسناده صحيح، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٥٤٨).

عن عمرانَ بنِ حُصين: أن غلامًا لأُناسٍ فُقراء قَطَعَ أُذنَ غُلامٍ لأُناسٍ أغنياءَ، فأتى أهلُهُ النبيَّ ﷺ، فقالوا: يا رسُولَ الله، إنا أناسٌ فقراء فلم يجعل عليهِ شيئًا (١).

٢٧ - باب فيمن قُتِل في عِمِّيَّا بين قوم
٤٥٩١ - قال أبو داود: حُدِّثت عن سعيد بن سُليمان، عن سليمان بن كثير، حدَّثنا عمرو بن دينار، عن طاووس
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ قُتِلَ في عِمِّيَّا أو رِمِّيَّا يكون بينهم بحجر أو بسوط فعقله عَقْلُ خَطأٍ، ومن قُتِلَ عَمْدًا فقَوَدُ يديه، فمن حالَ بينَه وبينَه، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين» (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قِطعة العَبْدي، وقتادة: هو ابن دِعامة السدوسي، وهشام: هو ابن أبي عبد الله سَنْبَر الدَّستُوائي.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٩٣١).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٩٢٧) من طريق معاذ بن هشام، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: معنى هذا أن الغلام الجاني كان حرًا، وكانت جنايته خطأ، وكانت عاقلته فقراء، وإنما تُواسي العاقلة عن وُجْدٍ وَسَعة، ولا شيء على الفقير منهم.
ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه أيضًا حرًا؛ لأنه لو كان عبدًا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى. لأن العاقلة لا تحمل عبدًا، كما لا تحتمل عمدًا ولا اعترافًا. وذلك في قول أكثر أهل العلم.
قلنا: كذا قال الخطابي. والذي ذهب إليه النسائي أن الغلامين كانا مملوكين، فقد ترجم للحديث بقوله: سقوط القَوَد بين المماليك فيما دون النفس.
تنبيه: هذا الباب مع حديثه جاء في (أ) و(هـ) متأخِّرًا بعد حديث (٤٥٩٤).
(٢) حديث صحيح، وقد سلف عند المصنف برقم (٤٥٤٠). وهناك وصله.
وانظر ما سلف برقم (٤٥٣٩).

٢٨ - باب في الدابة تَنْفَحُ برِجْلِها
٤٥٩٢ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا محمدُ بنُ يزيد، حدَّثنا سفيانُ ابن حسين، عن الزهريِّ، عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: «الرَّجْلُ جُبَارٌ (١)» (٢).
قال أبو داود: الدابة تضرِبُ برجلها وهو راكب (٣).

٢٩ - باب العَجماء والمعدن والبئر جُبَارٌ
٤٥٩٣ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة


(١) زاد في (أ): «والمعدن جبار» والمثبت من سائر أصولنا الخطية، وهو القدْر الذي اقتصر عليه النسائي في «السنن الكبرى» من طريق سفيان بن حسين.
(٢) إسناده ضعيف. سفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد انفرد عنه بأشياء وهذا منها، قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٥٦: وقد اتفق الحفاظ على تغليط سفيان ابن حسين حيث روى عن الزهري: «الرجل جبار» بكسر الراء وسكون الجيم، وما ذاك إلا أن الزهري مكثر من الحديث والأصحاب، فتفرد سفيان عنه بهذا اللفظ فعُدَّ منكرًا، وقال الشافعي: لا يصح هذا. قلنا: وممن أعل هذا الحديث الدارقطني في «السنن» (٣٣٠٦)، والبيهقي ٨/ ٣٤٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ٧/ ٢٤.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٥٦) من طريق سفيان بن حسين، بهذا الإسناد.
قال ابن الأثير: «الرّجل جُبار»، أي: ما أصابت الدابة برجلها فلا قود على صاحبها.
وقال الخطابي: «الجُبار»: الهَدْر.
تنبيه: هذا الباب جاء في (أ) متقدمًا بعد الحديث (٤٥٨٩)، وفي (ب) متأخرًا إلى ما بعد الحديث (٤٥٩٥).
(٣) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (ب) و(هـ).

سمعا أبا هريرة يُحدِّث عن رسول الله ﷺ قال: «العَجْماءُ جَرْحَها جُبَارٌ، والمَعْدِنُ جُبَار، والبِئْرُ جُبَار، وفي الرِّكازِ الخُمْسُ» (١).


(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (١٤٩٩) و(٦٩١٢)، وسلم (١٧١٠)، وابن ماجه (٢٦٧٣)، والترمذي (٦٤٧) و(١٤٣١) و(١٤٣٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٢٨٦) و(٢٢٨٧) و(٢٢٨٨) و(٥٨٠٣) من طريق ابن شهاب الزهري، به وقد جاء عند بعضهم عن سعيد ابن المسيب وحده.
وأخرجه مسلم (١٧١٠) من طريق الأسود بن العلاء عن أبي سلمة وحده، به.
وأخرجه البخاري (٢٣٥٥) من طريق أبي صالح السمان، والبخاري (٦٩١٣)، ومسلم (١٧١٠) من طريق محمَّد بن زياد، ومسلم (١٧١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٢٢٨٧) من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والنسائي (٢٢٨٩) و(٥٨٠٤) من طريق محمَّد بن سيرين، و(٥٨٠٥) من طريق الأعرج، خمستهم عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٢٠)، و«صحيح ابن حبان» (٦٠٠٥).
وقد سلف ذكر الركاز وحده عند المصنف برقم (٣٠٨٥).
قال الخطابي: «العجماء جرحها جبار» العجماء: البهيمة، وسميت عجماء لعُجمتها، وكل من لم يقدر على الكلام فهو أعجم.
ومعنى الجبار: الهدر، وإنما يكون جرحها هدرًا إذا كانت منفلتة ذاهبة على وجهها، ليس لها قائد ولا سائق.
وأما البئر فهو أن يحفر بئرًا في ملك نفسه فيتردى فيها إنسان، فإنه هدر، لا ضمان عليه فيه.
وقد يتأول أيضًا على البئر أن تكون بالبوادي يحفرها الإنسان فيحييها بالحفر والإنباط، فيتردى فيها إنسان فيكون هدرًا.
والمعدن: ما يستخرجه الإنسان من معادن الذهب والفضة ونحوها، فيستأجر قوما يعملون فيها فربما انهارت على بعضهم يقول: فدماؤهم هدر، لأنهم أعانوا على أنفسهم، فزال العتب عمن استأجرهم.
قلنا: الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملهما اللغة. قاله في «النهاية».

قال أبو داود: العجماء: المنفلتةُ التي لا يكونُ معها أحد، وتكونُ بالنهار لا تكونُ بالليل.

٣٠ - باب في النار تَعَدَّى (١)
٤٥٩٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ المتوكل العسقلانيُّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق.
وحدَّثنا جعفرُ بنُ مسافر التِّنِّيسيُّ، حدَّثنا زيدُ بن المبارك، حدَّثنا عبدُ الملك الصنعانيُّ، كلاهما عن معمر، عن همَّام بن مُنبِّه
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «النارُ جُبَارٌ» (٢).

٣١ - باب القصاص من السن
٤٥٩٥ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا المعتمِرُ، عن حُميد الطَّويل


(١) هذا التبويب أثبتناه من (ب).
(٢) رجاله ثقات، ومتنه شاذ. قال الإِمام أحمد فيما نقله عنه الدارقطني في «سننه» (٣٣٠٨): حديث أبي هريرة «النار جبار» ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل، ليس هو بصحيح. وبين ابن معين فيما نقله عنه ابن عبد البر في «التمهيد» ٧/ ٢٦ أنها تصحيف من «البير»، وقد نقل ابنُ العربي وجه التصحيف فيما حكاه عنه الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٥٥ فقال: قال بعضهم: صحَّفها بعضهم؛ لأن أهل اليمن يكتبون النار بالياء لا بالألف، فظن بعضهم «البئر» بالموحدة «النار»، فرواها كذلك قلنا: ونحو ذلك ما قاله الخطابي في «معالم السنن»، ثم قال الحافظ: ويؤيد ما قال ابن معين اتفاق الحفاظ من أصحاب أبي هريرة على ذكر البئر دون النار.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٧٦)،والنسائي في «الكبرى» (٥٧٥٧) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: إن صح الحديث على ما روي فإنه متأول على النار التي يوقدها الرجل في ملكه، لأرب له فيها، فتطير بها الريح، فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردّها، فيكون هدرًا غير مضمون عليه، والله أعلم.

عن أنس بن مالكٍ، قال: كَسَرَتِ الرُّبَيّعُ أختُ أنسِ بن النضر ثنيَّة امرأةٍ، فأتوا النبيَّ ﷺ، فقَضَى بكتابِ الله القِصاصَ، فقال أنسُ ابن النضر: والذي بَعثَكَ بالحق لا تُكسَرُ ثنيَّتُها اليومَ، قال: «يا أنس كتابُ الله القِصاصُ» فَرضُوا بأرْشٍ أخذوه، فعَجِبَ نبيُّ الله ﷺ، وقال: «إن من عبادِ الله من لو أقسَمَ على الله عز وجل لأبرَّه» (١).
قال أبو داود: سمعتُ أحمدَ بن حنبل، قيل له: كيف يُقتصُّ من السن؟ قال: تُبْرَدُ.
آخر كتاب الديات
تمَّ الجزء السادس من «سنن أبي داود» ويليه الجزء السابع وأوله: كتاب السنة


(١) إسناده صحح. حميد الطويل: هو ابن أبي حميد، والمعتمر: هو ابن سليمان التيمي.
وأخرجه البخاري (٢٧٠٣)، وابن ماجه (٢٦٤٩)،والنسائي في «الكبرى» (٦٩٣٢) و(٦٩٣٣) و(٨٢٣٢) و(١١٠٨٠) من طريق حميد الطويل، عن أنس.
وأخرجه مسلم (١٦٧٥)،والنسائي (٦٩٣١) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس. وجعل الذي أقسم اليمين أم الرُّبَيّع لا أنس بن النضر.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٣٠٢)، و«صحيح ابن حبان» (٦٤٩٠).
قال الخطابي: قوله: «كتاب الله القصاص» معناه: فرض الله الذي فرضه على لسان نبيه ﷺ وأنزله من وحيه.
وقال بعضهم: أراد به قول الله عز وجل: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ [المائدة:٤٥]، وهذا على قول من يقول: إن شرائع الأنبياء لازمة لنا، وأن الرسول ﷺ كان يحكم بما في التوراة. وقيل: هذا إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢٦] وإشارة إلى قوله: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة:٤٥]، والله أعلم.

 


google-playkhamsatmostaqltradent