recent
آخر المقالات

أول كتاب الحدود

 

١ - باب الحكم فيمن ارتد
٤٣٥١ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بن حنبلِ، حدَّثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيم، أخبرنا أيوبُ، عن عِكرِمَةَ
أن عليًا أحرقَ ناسًا ارتدُّوا عن الإِسلام، فبَلغَ ذلك ابنَ عباس، فقال: لم أكن لأُحْرِقَهُم بالنَّار، إنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «لا تُعذِّبوا بعذاب الله» وكنت قاتِلَهم بقول رسول الله ﷺ، فإن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ بدَّل دينَه فاقتلوه»، فبلغَ ذلك عليًّا، فقال: وَيْحَ ابنِ عباسِ (١) (٢).



(١) كذا في النسخة التي شرح عليها الخطابي: ويح ابن عباس، وهي كذلك في نسخة أبي الطيب العظيم آبادي ونسخة السهارنفوري، وكذلك جاء في «جامع الأصول» لابن الأثير الجزري (١٨٠١).
وجاء في (أ) و(هـ): ويح أم ابن عباس وهي كذلك في «مختصر المنذري»، وفي (ب) و(ج): ابن أم عباس.
قال أبو الطيب: بزيادة لفظ «أم» بين لفظ «ابن» و«عباس»، والظاهر أنه سهوٌ من الكاتب.
(٢) إسناده صحيح. أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، وإسماعيل بن إبراهيم: هو المعروف بابن عُلَيَّهَ.
وأخرجه البخاري (٣٠١٧) و(٦٩٢٢)، وابن ماجه (٢٥٣٥)، والترمذي (١٥٢٥)، والنسائي في «الكبرى» (٣٥٠٩) و(٣٥١٠) من طرق عن أيوب السختياني، والنسائي (٣٥١١) من طريق قتادة، كلاهما عن عكرمة، به. ورواية ابن ماجه والنسائي الثانية والثالثة مختصرة بلفظ: «من بدل دينه فاقتلوه».
وهو في «مسند أحمد» (١٨٧١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٧٦) و(٥٦٠٦). =

٤٣٥٢ - حدَّثنا عمرو بن عون، أخبرنا أبو معاويةَ، عن الأعمش، عن عبدِ الله ابن مُرة، عن مسروق
عن عبدِ الله، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «الا يحِلُّ دمُ رجلُ مُسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسُولُ الله، إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزَّاني، والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَارِكُ لدينه المفَارِقُ للِجَماعَةِ» (١).
٤٣٥٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ سِنانٍ الباهليُّ، حدَّثنا إبراهيمُ بنُ طهمانَ، عن عبدِ العزيزِ بنِ رُفيعٍ، عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ


= قال الخطابي: ويح ابن عباس: لفظه لفظ الدعاء عليه، ومعناه المدح له والإعجاب بقوله، وهذا كقول النبي ﷺ في أبي بصير: «ويلُ أمِّه مِسْعَرَ حرب» وكقول عمر رضي الله عنه حين أعجبه قول الوادعي في تفضيل سُهمان الخيل على المقاريف: هَبَلت الوادعيَّ أمُّه، لقد أذكرت به، يريد ما أعلمه أو ما أصوب رأيه، وما أشبه ذلك من الكلام، وكقول الشاعر:
هوت أمُّه ما يبعث الصبح غاديًا ... وماذا يردُّ الليل حين يؤوب
ويقال: ويح وويس: بمعنى واحد، وقيل: ويح كلمة رحمة، وروي ذلك عن الحسن.
وقال الخطابي: واختلف أهل العلم فيمن قتل رجلًا بالنار فأحرقه بها، هل يفعل به مثل ذلك أم لا؟ فقال غير واحد من أهل العلم: يحرق القاتل بالنار، وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وروي معنى ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يقتل بالسيف، وروي ذلك عن عطاء.
(١) إسناده صحيح. عبد الله: هو ابن مسعود، ومسروق: هو ابن الأجدع،
والأعمش: هو سليمان بن مِهران، وأبو معاوية: هو محمود بن خازم الضرير.
وأخرجه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦)، وابن ماجه (٢٥٣٤)، والترمذي (١٤٦٠)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٦٥) و(٦٨٩٨) من طريق سليمان الأعمش، بهذا الأسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٦٢١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٠٧) و(٥٩٧٦).

عن عائشة، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: «لا يَحِلُّ دم امرئٍ مُسلِم يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ الله، إلا بإحدى ثلاثٍ (١): رجُلٌ زَنى بعدَ إحصانٍ فإنه يُرجَمُ، ورجلٌ خرَجَ محاربًا لله ورسوله فإنَّه يُقتل أو يُصلَبُ أو يُنفَى من الأرضِ، أو يقتل نفسًا فيُقتَلُ بِها» (٢).


(١) المثبت من (ج)، وهو الموافق لرواية النسائي في «الكبرى» من طريق إبراهيم ابن طهمان وفي (أ): إلا في ثلاث، وفي (ب) و(هـ): إلا في إحدى ثلاث.
(٢) صحيح بلفظ الحديث الذي قبله، وهذا إسناد رجاله ثقات لكن إبراهيم بن طهمان يغرب، وقد أغرب في متن الحديث إذ قال: ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يقتل أو يُصلب أو ينفى من الأرض.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٤٩٧) من طريق إبراهيم بن طهمان، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٦٧٦)، والنسائي (٣٤٦٥) من طريق الأسود بن يزيد النخعي، والنسائي (٣٤٦٦) من طريق عمرو بن غالب، كلاهما عن عائشة. ولفظهما كلفظ الحديث الذي قبله.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٣٠٤)، و«صحح ابن حبان» (٤٤٠٧).
قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٧٢: وقد استدل جمهور أهل العلم بهذا الحديث على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية بالذَّكرِ، وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء، وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال ولا القتل، لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى المرأة مقتولة: «ما كانت هذه لتقاتل» ثم نهى عن قتل النساء، وقد وقع في حديث معاذ أن النبي ﷺ لما أرسله إلى اليمن قال له: «أيما رجل ارتد عن الإسلام، فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها» وسنده حسن، وهو نص في موضع النزاع، فيجب المصير إليه. قلنا: وتحسين الحافظ الحديث معاذ ليس بحسن، ويأتي بيانه في الحديث الآتي.
ثم قال الحافظ: ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها: الزنى والسرقة وشرب الخمر.

٤٣٥٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل ومُسَدَّدٌ، قالا: حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ - قال مُسَدَّدٌ: حدَّثنا، وقال أحمد: عن (١) قُرَّةِ بنِ خالدٍ، حدَّثنا حُميدُ بنُ هلالٍ، حدَّثنا أبو بُردة، قال: قال أبو موسى: أقبلتُ إلى النبي ﷺ ومعي رجلان من الأشعريين أحدُهما عن يميني، والآخرُ عن يساري، فكلاهما سأل العملَ، والنبيُّ ﷺ ساكت، فقال: «ما تقول يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس-؟» قلتُ: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسِهما، وما شعرتُ أنهما يطلبان العملَ، قال: وكأني أنظرُ إلى سواكه تحتَ شفتِه قَلَصَتْ، قال: «لن نستعمْلَ -أو لا نستعمِلُ- على عملنا من أرادَه، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبدَ الله بن قيس-» فبعثه على اليمنِ، ثم أتبعه مُعاذَ بنَ جبلٍ، قال: فلما قدِمَ عليه معاذٌ، قال: أنزل، وألقى له وسادَةً، وإذا رجلٌ عندَه مُوثَقٌ، قال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديًا فأسلم، ثم راجع دينَه دينَ السَّوءِ قال: لا أجلسُ حتى يقتل، قضاءُ اللهِ ورسوله، قال: اجلِس، نعم، قال: لا أجلِسُ حتى يُقتلَ، قضاءُ الله ورسوله، ثلاثَ مرارِ، فأمر به فقُتِلَ، ثم تذاكرا قِيامَ الليلِ، فقال أحدُهما معاذُ بن جَبَلِ: أما أنا فأنامُ وأقومُ -أو أقومُ وأنامُ- وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (٢).


(١) المثبت من (هـ) وفي (١): قال مسدَّدٌ: قال: أخبرنا قرة بن خالد، حدَّثنا حميد بن هلال. وفي (ب) و(ع): قال مسدَّدٌ: قال: حدَّثنا قرة بن خالد، قال: حدَّثنا حميد بن هلال. كذا جاء في أصولنا الخطية مع أن الذي في «مسند أحمد»: حدَّثنا يحيى بن سعيد، حدَّثنا قرة بن خالد!!
(٢) إسناده صحيح. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه البخاري (٦٩٢٣) عن مُسدَد بن مُسرهَد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٤٣٤٤) و(٤٣٤٥) من طريق شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: بعث النبي ﷺ جدهُ أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن ... الحديث.
وقد سلف مختصرًا برقم (٣٥٧٩). وانظر تمام تخريجه هناك.
وانظر ما سلف برقم (٢٩٣٠).
وانظر الروايات الثلاث الآتية بعده.
قال الخطابي: الظاهر من هذا الخبر أنه رأى قتله من غير استتابة، وذهب إلى هذا الرأي عبيد بن عمير وطاووس. [قلنا: وهذا مذهب أهل الظاهر فيما نقله الصنعاني في «سبل السلام» ١/ ١٨٤].
وقد روي ذلك أيضًا عن الحسن البصري، وروي عن عطاء أنه قال: إن كان أصله مسلما فارتد، فإنه لا يُستتاب، وإن كان مشركًا فأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب.
وقال أكثر أهل العلم: لا يُقتل حتى يستتاب إلا أنهم اختلفوا في مدة الاستتابة، فقال بعضهم يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل. روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق، وقال مالك بن أنس: أرى الثلاثة حسنًا وإنه ليعجبني.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يستتاب ثلاث مرات في ثلاثة أيام. وقال الشافعي في أحد قوليه: يستتاب فإن تاب وإلا قتل مكانه، قال: وهذا أقيس في النظر.
وعن الزهري: يستتاب ثلاث مرات، فإن تاب وإلا ضربت عنقُه.
قلت [القائل الخطابي]: وروى أبو داود هذه القصة من طريق الحماني، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي موسى، فقال فيها: وكان قد استتيب قبل ذلك، فرواها من طريق المسعودي، عن القاسم قال: فلم يترك حتى ضربت عنقه، وما استتابه.
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٣٢١٦١): ولا أعلم بين الصحابة خلافًا في استتابة المرتد، فكأنهم فهموا من قول النبي ﷺ: «من بدل دينه فاقتلوه» أي: بعد أن
يستتاب، والله أعلم، إلا حديث معاذ مع أبي موسى، فإن ظاهره القتل دون استتابة، وقد قيل: إن ذلك المرتد قد كان استتيب. قلنا: وقد حكى إجماع الصحابة أيضًا ابن تيمية في «الصارم المسلول» ص ٣٣٠ - ٣٣٢. =

٤٣٥٥ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا الحِمَّانيُّ -يعني عبدَ الحميد بنَ عبدِ الرحمن- عن طلحةَ بن يحيى وبُرَيد بنِ عبدِ الله بنِ أبي بردة، عن أبي بردة
عن أبي موسى، قال: قَدِم عليَّ معاذٌ وأنا باليمن، ورجلٌ كان يهوديًا فأسلم فارتدَّ عن الإِسلام، فلما قدِمَ معاذٌ، قال: لا أنزلُ عن دابتي حتى يُقتل، فقُتِلَ، قال أحدهما: وكان قد استُتيب قبلَ ذلك (١).
٤٣٥٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاء، حدَّثنا حفصٌ، حدَّثنا الشَّيبَاني، عن أبي بُردة، بهذه القصة، قال:


= وقال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٧٥ بعد أن ذكر رواية المسعودي عن القاسم الآتية برقم (٤٣٥٧) والتي فيها أن معاذ بن جبل لم ينزل عن دابته حتى ضُرب عنقُ المرتد وأنه لم يستتبه، فقال الحافظ: هذا يعارضه الرواية المُثبِتة؛ لأن معاذًا استتابه [قلنا: يعني الرواية الآتية بعده] وهي أقوى من هذه، والروايات الساكتة عنها لا تعارضها، وعلى تقدير ترجيح رواية المسعودي فلا حجة فيه لمن قال: يقتل المرتد بلا استتابة؛ لأن معاذًا يكون اكتفى بما تقدم من استتابة أبي موسى، وقد ذكرت قريبًا أن معاذًا روى الأمر باستتابة المرتد والمرتدة [قلنا: رواه الطبراني في«الكبير» ٢٠/ (٩٣)، وفي «مسند الشاميين» (٣٥٨٦) وقد حَسَّنه الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٧٢ مع أن في إسناده الفزارى -وهو محمَّد بن عُبيد الله العرزمي- وهو متروك الحديث!!].
قلنا: لكن يبقى إجماع الصحابة، فقد قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في «الصارم المسلول» ص ٣٣٠: والعمدة فيه إجماع الصحابة ... ثم ساق الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك.
(١) إسناده حسن من أجل عبد الحميد بن عبد الرحمن الحِمّاني وطلحة بن يحيى -وهو ابن طلحة بن عُبيد الله التيمي-، فهما صدوقان حسنًا الحديث. وقال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٧٥: هذه الرواية أقوى من رواية المسعودي عن القاسم. قلنا: يعني الرواية الآتية برقم (٤٣٥٧).
وأخرجه البيهقي ٨/ ٢٠٦ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وتالييه.

فأتي أبو موسى برجُلٍ قد ارتدَّ عن الإِسلام، فدعاه عشرين ليلةً أو قريبًا منها، فجاء معاذٌ، فدعاه، فأبى، فضربَ عُنقَه (١).
قال أبو داود: ورواه عبدُ الملك بنُ عُمَيرٍ، عن أبي بُردةَ، لم يذكر الاستتابةَ. ورواه ابنُ فضيل عن الشَّيباني، عن سعيدِ بن أبي بردةَ، عن أبيه، عن أبي موسى، لم يذكر فيه الاستِتابة.
٤٣٥٧ - حدَّثنا ابنُ معاذٍ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا المسعوديُّ، عن القاسم، بهذه القصة، قال: فلم ينزِل حتى ضُرِبَ عُنُقُه، وما استتابَه (٢).
٤٣٥٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد المروزيُّ، حدَّثنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ واقِدٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويِّ، عن عكرمة


(١) إسناده صحيح. الشيباني: هو أبو إسحاق سُليمان بن أبي سُليمان، وحفص: هو ابن غياث.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٢٠٦ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر سابقيه، وما بعده.
وانظر الكلام على فقه الحديث عند الرواية السالفة برقم (٤٣٥٤).
(٢) رجاله ثقات، لكن المسعودي -وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عُتبة- اختلط، والراوي عنه معاذ بن معاذ العنبري قد ذكر أنه لما قدم على المسعودي وهو ببغداد في القدمة الثانية وجده قد اختلط، فلعله حمل عنه هذا الخبر في حال اختلاطه؛ لأنه نص فيه على عدم الاستتابة، والروايات الأخرى جاءت إما ناصَّةَ على الاستتابة هاما ساكتة عنها، وعلى فرض ثبوتها تُقدَّم الروايةُ المثبِتةُ كما قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٢٧٥ لأن رواية الاثبات أقوى. ثم لأن إجماع الصحابة على الاستتابة فيما حكاهُ ابنُ عبد البر وابنُ تيمية كما سلف بيانه برقم (٤٣٥٤).
وانظر الروايات الثلاث السالفة قبله.

عن ابنِ عباس، قال: كان عبدُ اللهِ بنُ سعْد بن أبي السَّرحِ يكتبُ لرسولِ الله ﷺ، فأزلَّهُ الشيطانُ، فلَحِقَ بالكُفَّار، فأمرَ به رسولُ الله ﷺ أن يقتل يومَ الفتحِ، فاستجارَ له عثمانُ بن عفان، فأجاره رسولُ الله ﷺ (١).
٤٣٥٩ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شَيبةَ، حدَّثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّل، حدَّثنا أسباطُ بنُ نصرٍ، قال: زعم السُّدِّيُّ، عن مصعب بنِ سعدٍ
عن سعد، قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبدُ اللهِ بن سعْدِ بنِ أبي سَرحٍ عندَ عثمانَ بنِ عفّان، فجاء به حتى أوقفه على النبي ﷺ، فقال: يا رسولَ الله ﷺ بايع عبد الله، فرفَع رأسَه، فنظر إليه، ثلاثًا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاثٍ، ثم أقبل على أصحابِه فقال: «أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعتِه فيقتلَه؟» فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك؟ ألَّا أومأتَ إلينا بعينك؟ قال: «إنَّه لا ينبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خَائِنةُ الأعينِ» (٢).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل علي بن الحُسين بن واقد، فهو صدوق حسن الحديث، وهو متابع.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٥١٨) من طريق علي بن الحسين بن واقد، بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» ٣/ ٤٥، ومن طريقه البيهقي ٨/ ١٩٦ من طريق إبراهيم بن هلال عن علي بن الحَسَن بن شقيق، عن الحسين بن واقد، به. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي. وهذه متابعة لعلي بن الحسين بن واقد قوية.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ١٤/ ١٨٤ - ١٨٥ عن محمَّد بن حميد الرازي، عن يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري مرسلًا. ومحمد بن حميد متروك.
ويشهد له حديث سعد بن أبي وقاص الآتي بعده.
(٢) إسناده حسن، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٢٦٨٣).

٤٣٦٠ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا حُميد بن عبدِ الرحمن، عن أبيه، عن أبي إسحاقَ، عن الشعبيٌ
عن جرير، قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: «إذا أَبقَ العبد إلى الشِّركِ، فقد حلِّ دَمُه» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد اختُلف في وقفه ورفعه على أبي إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله السَّبيعي- لكن لا يضر وقف من وقفه، لأنه ثبت مرفوعًا من غير طريق أبي إسحاق السبيعي، ولأنه في حكم المرفوع.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٥٠١) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٣٥٠٢) من طريق القاسم بن يزيد، عن إسرائيل بن يونس السبيعي، عن جده، به.
وخالف القاسمَ خالدُ بنُ عبد الرحمن وأحمد بن خالد الوهبي عند النسائي (٣٥٠٣) و(٣٥٠٤) فروياه عن إسرائيل، عن جده. موقوفًا.
وأخرجه مرفوعًا مسلم (٦٩) من طريق داود بن أبي هند والنسائي (٣٤٩٨) من طريق منصور بن المعتمر، ومسلم (٧٠)، والنسائي (٣٤٩٩) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن مِقسَم، ثلاثتهم (داود ومنصور بن المعتمر ومغيرة)، عن الشعبي، به. ولفظ داود: «أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة» ولفظ منصور: «إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه» وكذلك لفظ مغيرة غير أنه قال: «وإن مات مات كافرًا» بدل: «حتى يرجع ...».
وخالف جريرَ بنَ عبد الحميد إسرائيلُ عند النسائي (٣٥٠٠) فرواه عن مغيرة بن مقسم، عن الشعبي، به موقوفًا.
وأخرجه مسلم (٦٨) من طريق منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبي، عن جرير أنه سمعه يقول: «أيما عبد أبق من مواليه، فقد كفر، حتى يرجع إليهم» قال منصور: قد واللهِ روي عن النبي ﷺ ولكني أكره أن يروى عني ها هنا بالبصرة. قلنا: وهذا يعني أن رواية منصور مرفوعة.
وهو في «مسند أحمد» (١٩١٥٥) و(١٩٢٤٠) و(١٩٢٤٢) و(١٩٢٤٣). وانظر تمام الكلام عليه وتفصيل تخريجه هناك.

٢ - باب الحكم فيمن سبَّ النبيَّ ﷺ
٤٣٦١ - حدَّثنا عبادُ بنُ موسى الخُتَّليُّ، حدَّنا إسماعيلُ بن جعفر المدنيُّ، عن إسرائيل، عن عثمانَ الشَّحَّام، عن عِكرِمة
حدَّثنا ابنُ عباس: أن أعمى كانت له أُمُّ ولدٍ تَشتُمُ النبيَّ ﷺ وتقعُ فيه فينهاها، فلا تنتهي، ويزجُرُها فلا تنزجِرُ، قال: فلما كانت ذاتَ ليلةٍ جعلت تقع في النبيَّ ﷺ وتَشتِمُه، فأخذ المِغوَلَ فوضعه في بطنها، واتَكأ عليها فقتَلها، فوقع بينَ رجلَيها طفلٌ، فلطخت ما هُناك بالدَّم، فلما أصبح ذُكِرَ ذلك لرسولِ الله ﷺ، فجمع الناس، فقال: «أَنشُدُ الله رجلًا فعلَ ما فعل لي عليه حقٌ إلا قام» فقام الأعمى يتخطَّى الناسَ وهو يتزلزلُ حتى قعدَ بين يدَي النبيَّ ﷺ فقال: يا رسول الله، أنا صاحبُها، كانت تشتُمُكَ وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجُرُها، فلا تنزجِرُ، ولي منها ابنانِ مثلُ اللؤلؤتَين، وكانت بي رفيقةً، فلما كان البارحةَ جعلت تشتُمُكَ وتقعُ فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فوضعتُه في بطنها، واتكأتُ عليها حتى قتلتُها، فقال النبيَّ ﷺ: «ألا اشهدوا أن دمَها هَدَرٌ» (١).


(١) إسناده قوي من أجل عثمان الشحام، فهو صدوق لا بأس به وباقي رجاله ثقات. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق الشيعي.
وأخرجه بنحوه النسائي في «الكبرى» (٣٥١٩) من طريق عباد بن موسى الخُتلي، بهذا الإسناد.
المِغوَل: شبه سيف قصير، يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حد ماضٍ وقَفَا، وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس. قال الخطابي: وفيه بيان أن ساب النبي ﷺ مهدر الدم، وذلك أن السبّ منها لرسول الله ﷺ ارتداد عن الدين، ولا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله، ولكن إذا كان السابّ ذميًا فقد اختلفوا فيه:
=

٤٣٦٢ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ وعبدُ الله بن الجرَّاح، عن جريرِ، عن مُغيرةَ، عن الشعبيِّ
عن عليٍّ: أن يهوديةً كانت تشتُمُ النبيَّ ﷺ وتقعُ فيه، فخنقَها رجلٌ حتى ماتت، فأبطل رسولُ الله ﷺ دَمَها (١).


= فقال مالك بن أنس: من شتم النبي ﷺ من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم، وكذلك قال أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: يقتل الذِّمِّي إذا سبَّ النبي ﷺ وتبرأ منه الذمة، واحتج في ذلك بخبر كعب بن الأشرف.
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: لا يقُتل الذمي بشتم النبي ﷺ، ما هم عليه من الشرك أعظم.
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن قال المنذري في «اختصار السنن» ٦/ ٢٠٠: ذكر بعضهم أن الشعبي سمع من علي بن أبي طالب، وقال غيره: إنه رآه.
والشعبي: هو عامر بن شَرَاحيل، ومُغيرة: هو ابن مِقْسَم، وجرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه البيهقي ٧/ ٦٠ و٩/ ٢٠٠، والضياء المقدسي في المختارة«(٥٤٧) من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبى شيبة ١٤/ ٢١٣ عن جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن مقِسم، عن الشعبي قال: كان رجل من المسلمين أعمى، فكان يأوي إلى امرأة يهودية ... فذكر القصة مرسلة، ولم يذكر علي بن أبي طالب.
وقد أخرج هذه القصة نفسَها ابنُ سعد في»الطبقات الكبرى«٤/ ٢١٠ عن قبيصة ابن عُقبة، عن يونس بن أبي إسحاق السبعي، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مَعقِل مرسلًا قال: نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة ... فذكرها إلا أنه قال: تؤذيه في الله ورسوله. وسمى الرجل ابنَ أم مكتوم. وهذه الرواية -وإن كانت مرسلة- رجالها ثقات، وتؤيد رواية المصنف، فباجتماع الروايتين يتقوى الحديث. على أن مراسيل الشعبي وحدها حجة عند عدد من أهل العلم كابن المديني والعجلي انظر»شرح العلل«لابن رجب ١/ ٢٩٦، و»الصارم المسلول" لابن تيمية ص ٦٥ - ٦٦.

٤٣٦٣ - حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن يونس، عن حُميد بنِ هلال، عن النبي ﷺ وحدَّثنا هارون بنِ عبد الله ونصيرُ بن الفرَجِ، قالا: حدَّثنا أبو أُسامةَ، عن يزيدَ بنِ زُريع، عن يونس بِن عُبيد، عن حُميد بنِ هِلالٍ، عن عبدِ الله بنِ مُطرِّف
عن أبي برزة، قال: كنتُ عندَ أبي بكرٍ، فتغيَّظ على رجلٍ فاشتدَّ عليه، فقلت: تأذنُ لي يا خليفةَ رسولِ الله ﷺ أضرِبْ عُنُقَه؟ قال: فأَذهَبَتْ كلمتي غَضَبَه، فقام فدخل، فأرسل إليَّ فقال: ما الذي قلت آنفًا؟ قلت: ائذن لي أَضرِبْ عُنُقَه، قال: أكنتَ فاعلًا لو أمرتُك؟ قلت: نعم، قال: لا واللهِ، ما كانت لبشرٍ بعدَ محمدٍ ﷺ (١).


(١) إسناد الموصول قوي. عبدُ الله بن مُطرِّف -وهو ابن عبد الله بن الشِّخِّير- روى عنه حميد بن هلال وعطية السراج وقتادة بن دعامة وغيرهم، وذكره ابن حبان وابن خلفون في «الثقات» وقال: كان رجلًا صالحًا، وقد صحح إسناده شيخ الإِسلام ابن تيمية في «الصارم المسلول» ص٩٩. وهو متابع كما سيأتي. يونس: هو ابن عُبيد، وحماد: هو ابن سلمة، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٥٢٦) من طريق يزيد بن زريع، بهذا الإسناد.
وقال بعد أن ساقه من وجوه هذا آخرها: هذا أحسن هذه الأحاديث وأجودها.
وهو في «مسند أحمد» (٦١).
وأخرجه النسائي (٣٥٢٠) من طريق شعبة، عن توبة العنبري، عن أبي سوار عبد الله بن قدامة العنبري، عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، فقلت: أقتُله؟ فانتهرني، وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول الله ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (٥٤).
وقد فَسَّر الإمامُ أحمد كلام أبي بكر الصديق هذا كما ذكر المصنف بإثره.
وقال ابن حزم في المحلى" ١١/ ٤١٠: وأراد أيضًا معنى آخر كما رويناه مبينًا بلا إشكال ثم ساق بسنده إلى أبي السوار القاضي عن أبي برزة قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قلت: ألا أقتله؟ فقال أبو بكر: ليس هذا إلا لمن شتم النبي ﷺ، فبين أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا يُقتل من شتمه، لكن يقتل من شتم النبي ﷺ.

قال: أبو داود: هذا لفظُ يزيد.
قال أحمدُ بنُ حنبل: أي: لم يكُن لأبي بكرٍ أن يقتُلَ رجلًا إلا بإحدى الثلاثِ التي قالها رسولُ الله ﷺ: «كُفْرٌ بعد إيمانٍ، أو زنىً بعد إحصانٍ، أو قتلُ نفسٍ بغير نفسٍ» وكان للنبيِّ ﷺ أن يَقتُل (١).

٣ - باب ما جاء في المحاربة
٤٣٦٤ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ، حدَّثنا حماد، عن أيوبَ، عن أبي قلابة
عن أنس بنِ مالكٍ: أن قومًا من عُكْلٍ -أو قال من عُرَيْنَةَ- قدموا على رسُولِ الله - صلَّى الله عليه - فاجْتَوَوا المدينة، فأمر لهم رسولُ الله ﷺ بلقاح، وأمرهم أن يشربُوا من أبوالها وألبانِها، فانطلقُوا، فلما صَحُوا قتلوا راعي رسولِ الله ﷺ، واستاقوا النَّعَمَ، فبلغ النبيَّ ﷺ خبرُهم من أول النهارِ، فأرسل النبيَّ ﷺ في آثارهم، فما ارتفع النهارُ حتى جِيءَ بهم، فأمر بهم، فقُطِّعت أيديهِم وأرجُلُهم، وسُمِّرت (٢) أعينُهم، وأُلقوا في الحرَّة يَستسقُون فلا يُسقَوْن، قال أبو قِلابة: فهؤلاء قومٌ سرقُوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسولَه (٣).


(١) ما نقله أبو داود هنا عن أحمد، أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٢) المثبت من (أ)، وهو الموافق لرواية البخاري عن سليمان بن حرب نفسه، وفي (ب) و(ج) و(هـ): سَمَرَ أعينهم وعليها شرح الخطابي.
(٣) إسناده صحيح. أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي، وأيوب: هو ابن أبي تيمية السختياني، وحماد: هو ابن زيد.
وأخرجه البخاري (٢٣٣) و(٦٨٠٥) من طريق حماد بن زيد، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٧٦) من طريق سفيان الثوري، كلاهما عن أيوب السختياني، به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه البخاري (٤٦١٠) و(٦٨٩٩)، ومسلم (١٦٧١)، والنسائي (٣٤٧٣) من طريق سلمان أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، به.
وأخرجه مسلم (١٦٧١)، والنسائي (٧٥٢٦) من طريق عبد العزيز بن صهيب، ومسلم (١٦٧١) من طريق معاوية بن قرة، والنسائي (٢٩١) و(٣٤٨٤) من طريق يحيى بن سيد، ثلاثتهم عن أنس. لكن قال النسائي عن رواية يحيى بن سيد: لا نعلم أحدًا قال: عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك في هذا الحديث غير طلحة بن مُصرَّف، والصواب عندنا -والله أعلم-: عن يحيى بن سعيد عن سيد بن المسيب.
مرسل. قلنا: وقد أخرج هذه الطريق المرسلة برقم (٣٤٨٥).
وأخرج مسلم (١٦٧١)، والترمذي (٧٣)، والنسائي (٣٤٩٢) من طريق سليمان التيمي، عن أنس قال: إنما سمل رسولُ الله ﷺ أعيُن أولئك؛ لأنهم سملُوا أعيُن الرعاء.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٤٢) و(١٢٦٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (١٣٨٦) و(٤٤٦٧) و(٤٤٧٤).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٤٣٦٥ - ٤٣٦٨).
قال الخطابي: قوله: فاجتووا: معناه: عافُوا المقام بالمدينة وأصابهم بها الجوى في بطونهم، يقال: اجتويتُ المكان: إذا كرهتَ الإقامة به لضرر يلحقك فيه. واللقاح: ذوات الدَّرِّ من الإبل، واحدتُها لِقحة. قوله: سَمَر أعينهم، يريد: أنه كحلهم بمسامير محماة، والمشهور من هذا في أكثر الروايات: سمل -باللام- أي: فقأ أعينهم، قال أبو ذؤيب:
فالعين بعدهم كأن حِداقها ... سمِلت بشوك فهي عُور تدمع
قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أن إبل الصدقة قد يجوز لأبناء السبيل شرب ألبانها، وذلك أن هذه اللقاح كانت من إبل الصدقة، روي ذلك في هذا الحديث من غير هذا الطريق.
قال: وفيه إباحة التداوي بالمحرم عند الضرورة؛ لأن الأبوالَ كلها نجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله.
وقال الخطابي أيضًا: وقد اختلف الناس في تأويل هذا الصنيع من رسول الله ﷺ، وقد روي عن ابن سيرين أن هذا إنما كان منه قبل أن تنزل الحدود، فوعظه ونهاه عن المُثلة فلم يَعُد. =

٤٣٦٥ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وُهَيبٌ، عن أيوبَ، بإسنادِه، بهذا الحديثِ، قال فيه:
فأمر بمساميرَ فأحميت، فكحلَهُم، وقطَّع أيديَهم وأرجلَهم، وما حسمهم (١).
٤٣٦٦ - حدَّثنا محمدُ بنُ الصباح بنِ سفيانَ، أخبرنا. وحدَّثنا عمرو بن عثمان، حدَّثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة
عن أنس بن مالكِ، بهذا الحديثِ، قال فيه: فبعث رسولُ الله ﷺ في طلبهم قافةً، فأتي بهم، قال: فأنزلَ الله عز وجل في ذلك ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ الآية [المائدة: ٣٣] (٢).


= قال: وروى سليمان التيمي عن أنس: أن النبي ﷺ إنما سَمَل أولئك لأنهم سَمَلوا أعيُن الرعاة. يريد أنه إنما اقتص منهم على أمثال فعلهم.
قلنا: وقد ذكر الحافظ في «الفتح» ١/ ٢٤١ أن النسخ هو الأصح على وفق ما قال ابن سيرين لما رواه أبو هريرة عند البخاري من النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وأن قصة العرنيين كانت قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي. وذكر أنه مال إلى هذا القول البخاري. وحكاه إمام الحرمين في «النهاية» عن الشافعي.
وانظر لزامًا تمام الكلام على فقهه عند الحديث الآتي برقم (٤٣٦٦).
(١) إسناده صحيح. وُهَيب: هو ابن خالد.
وأخرجه البخاري (٣٠١٨) و(٦٨٠٤) من طريق وهيب بن خالد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
والحسم: كيُّ العرق بالنار ليقطع الدم.
(٢) إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- قد صرح بالتحديث في جميع طبقات الإسناد عند البخاري فانتفت شبهة تدليسه للتسوية. ثم هو متابع. =

٤٣٦٧ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، أخبرنا ثابث وقتادةُ وحميدٌ، عن أنس بن مالك، ذكر هذا الحديثَ، قال أنس:


= وأخرجه البخاري (٦٨٠٢) و(٦٨٠٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٧٤) و(١١٠٧٨) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٦٧١)، والنسائي (٣٤٧٥) من طريق محمَّد بن يوسف الفريابي، ومسلم (١٦٧١) من طريق مسكين بن بكير الحراني، كلاهما عن الأوزاعي، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٠٤٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٦٧).
وانظر سابقيه.
قال الخطابي: القافة: جمع قائف، وهو الذي يتبع الأثر، ويطلب الضالَة والهارب. قلت [القائل الخطابي]: وقد اختلف الناسُ فيمن نزلت فيه هذه الآية، فروي مُدرجًا في هذا الخبر أنها نزلت في هؤلاء، وقد ذكر أبو قِلابة أن هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
وذهب الحسن البصري أيضًا إلى أن هذه الآية إنما نزلت في الكفار دون المسلمين، وذلك أن المسلم لا يُحارب الله ورسولَه [قلنا: ونقل الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٠٩ عن ابن بطال أن البخاري ذهب إلى ذلك، وأنه ذهب إلى ذلك أيضًا عطاء والضحَّاك والزهري] قلنا: وسيأتي بسند حسن عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المشركين برقم (٤٣٧٢)، قال الخطابي: وقال أكثر العلماء: نزلت الآية في أهل الإِسلام، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤] والإسلام يحقِن الدم قبل القدرة وبعدها، فعُلِمَ أن المراد به المسلمون.
فأما قوله: ﴿يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فمعناه: يحاربون المسلمين الذين هم حزبُ الله وحزبُ رسوله، فأضيف ذلك إلى اللهِ وإلى الرسولِ إذ كان هذا الفعلُ في الخلاف لأمرهما راجعًا إلى مخالفتهما، وهذا كقوله ﷺ: «من آذى لي وليًا فقد بادرني بالمحاربة».
وانظر «المغني» ١٢/ ٤٧٣ لابن قدامة المقدسي.

فلقد رأيتُ أحدهم يكدُمُ الأرض بفيِه عطشًا حتى ماتوا (١).
٤٣٦٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، حدَّثنا ابنُ أبي عَديٍّ، عن هشام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، بهذا الحديثِ، نحوه، زاد: ثم نهى عن المُثلَةِ (٢). قال:


(١) إسناده صحيح. حميد: هو ابن أبي حميد الطويل، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدُوسِيُّ، وثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مختصرًا الترمذي (٧٢) و(١٩٥١) و(٢١٦٤) من طريق حماد بن سلمة، به
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٤٨٣) من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت، به.
وأخرجه البخارىٍ (٥٦٨٥) من طريق سلام بن مسكين، عن ثابت وحده، به.
وأخرجه البخاري (٤١٩٢) و(٥٧٢٧)، ومسلم (١٦٧١)، والنسائي (٢٩٠) و(٣٤٨١) و(٣٤٨٢) من طريق سعيد بن أبي عروبة، والبخاري (٥٦٨٦)، ومسلم (١٦٧١) من طريق همام بن يحيى، والبخاري (١٥٠١) من طريق شعبة بن الحجاج، ثلاثتهم عن قتادة وحده، به.
وأخرجه مسلم (١٦٧١)، والنسائي (٧٥٢٧) من طريق هُشَيم بن بشير، وابن ماجه (٢٥٧٨) و(٣٥٠٣) من طريق عبد الوهَّاب الثقنى، والنسائي (٣٤٧٧) من طريق عَبد الله بن عُمر وغيره، و(٣٤٧٨) و(٧٥٢٤) من طريق إسماعيل بن جعفر المدني، و(٣٤٧٩) و(٧٥٢٥) من طريق خالد بن الحارث و(٣٤٨٠) من طريق ابن أبي عدي، كلهم عن حميد الطويل وحده، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٠٦١). وانظر ما سلف برقم (٤٣٦٤).
قال الخطابي: قوله: يكدم الأرض، أي: يتناولها بفمه وبَعَضُّ عليها بأسنانه، وأصل الكدم: العَضُّ، والعرب تقول في قلة المرعى: ما بقيت عندنا إلا كُدامة ترعاها الإبل، أي: مقدار ما تتناوله بمقاديم أسنانها.
(٢) إسناده صحيح. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي، وابن أبي عدي: هو محمَّد بن إبراهيم.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٤٣٦٤).

ولم يذكر: من خلافٍ. ورواه شعبةُ عن قتادة، وسلّامُ بن مِسكين عن ثابتٍ، جميعًا، عن أنسٍ، لم يذكرا: من خلافٍ. ولم أجِد في حديثِ أحدٍ: قطَعَ أيديَهم وأرجلَهم من خلافٍ، إلا في حديث حمَّادِ ابن سلمة (١).
٤٣٦٩ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ، أخبرني عمرو، عن سعيدِ بنِ أبي هلالٍ، عن أبي الزنادِ، عن عبدِ الله بن عُبيد الله -قال أحمد: هو عُبيدِ الله بنِ عمر بنِ الخطاب-
عن ابنِ عُمَر: أن ناسًا أغاروا على إبلِ النبيَّ ﷺ فاستاقوها، وارتدُّوا عن الإِسلام، وقتلوا راعيَ رسولِ الله ﷺ مُؤمِنًا، فبعثَ في آثارِهم، فأُخِذُوا، فقطع أيدَيَهُم وأرجُلَهم، وسَمَل أعيُنَهم، قال: ونزلت فيهم آيةُ المحارَبةِ، وهم الذين أخبرَ عنهم أنسُ بن مالك الحجَّاجَ حين سأله (٢).
٤٣٧٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرو بنِ السَّرح، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني الليثُ ابنُ سعْدٍ، عن محمدِ بنِ عَجْلان


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن الأعرابي وصحح عليها.
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عَبد الله بن عُبيد الله بن عمر بن الخطاب، وقد اختُلف عن أبي الزناد -وهو عبد الله بن ذكوان- في وصله وإرساله، وصله عنه سعيد بن أبي هلال، وأرسله محمَّد بن عجلان كما في الطريق الآتية بعده.
عمرو: هو ابن الحارث.
وأخرجه مختصرًا النسائي في «الكبرى» (٣٤٩٠) من طريق ابن وهب، بهذا الإسناد.
وانظر ما بعده.

عن أبي الزِّنادِ: أن رسولَ الله ﷺ لما قَطَعَ الذين سرقُوا لِقَاحَهُ وسَمَلَ أعينَهم بالنار عاتبهُ الله عز وجل في ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ الآية [المائدة: ٣٣] (١).
٤٣٧١ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا. وحدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا همَّامٌ، عن قتادَة عن محمَّد بنِ سيرين، قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدودُ، يعني حديثَ أنسٍ (٢).
٤٣٧٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بنِ ثابت، حدَّثنا علي بنُ حُسينٍ، عن أبيه، عن يزيدَ النحويِّ، عن عِكرمة
عن ابنِ عباس قال: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٣ - ٣٤] نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تابَ منهم قبل أن يُقدَرَ عليه لم يمنعه ذلك أن يُقامَ فيه الحدُّ الذي أصابه (٣).


(١) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٤٩١) عن أحمد بن عمر وبن السرح، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢) أثر صحيح الإسناد. قتادة: هو ابن دعامة السدوسي، وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي.
وأخرجه البخاري بإثر الحديث (٥٦٨٦) عن موسى بن إسماعيل، بهذا الإسناد.
(٣) إسناده حسن من أجل علي بن حُسين -وهو ابن واقد المروزي- فهو صدوق حسن الحديث. وقد حسَّن إسناد. الحافظ في «التلخيص» ٤/ ٧٢. =

٤ - باب في الحدِّ يُشفعُ فيه
٤٣٧٣ - حدَّثنا يزيدُ بنُ خالد بن عبد الله بن مَوهَبٍ الهَمْدَانيُّ، حدَّثني. وحدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ الثقفيُّ، حدَّثنا الليثُ، عن ابنِ شهابٍ، عن عُروة
عن عائشة: أن قُرَيشًا أهمَّهم شأنُ المرأةِ المخزوميةِ التي سَرَقت، فقالوا: من يُكلِّمُ فيها؟ يعني رسولَ الله ﷺ، قالوا: ومن يجترئُ إلا أُسامةُ بن زيدِ حِبُّ رسولِ الله ﷺ؟! فكلَّمَهُ أُسامةُ، فقال رسولُ الله ﷺ: «يا أُسامةُ، أتشفعُ في حدٍّ من حُدود الله؟!» ثم قام فاختطب، فقال: «إنما هلكَ الذين من قبلِكم أنَّهم كانوا إذا سرقَ فيهمُ الشَّرِيفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وايمُ الله، لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت، لقطعتُ يَدَها» (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٤٩٥) من طريق علي بن الحسين بن واقد، بهذا الإسناد.
وقد سلف ذكر اختلاف أهل العلم فيمن نزلت فيه هذه الآيات برقم (٤٣٦٦).
(١) إسناده صحيح. عُروة: هو ابن الزبير بن العوَّام، وابن شهاب: هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب الزهري، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه البخاري (٣٤٧٥) و(٣٧٣٢) و(٣٧٣٣) و(٤٣٠٤) و(٦٧٨٧) و(٦٧٨٨)،
ومسلم (١٦٨٨)، وابن ماجه (٢٥٤٧)، والترمذي (١٤٩٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٤١ - ٧٣٤٩) من طرق عن الزهري، به. إلا أن النسائي في الموضع الثاني قال: أتي النبيُّ ﷺ بسَارق، وهو مخالف لرواية الجماعة عن الزهري.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٣٨) و(٢٥٢٩٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٠٢).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: إنما أنكر عليه الشفاعة في الحد، لأنه إنما تشفع إليه بعد أن بلغ ذلك رسولَ الله ﷺ، وارتفعوا إليه فيه، فأما قبل أن يبلغ الإِمام فإن الشفاعة جائزة والستر على المذنبين مندوب إليه. =

٤٣٧٤ - حدَّثنا عباسُ بنُ عبدِ العظيم ومحمدُ بن يحيى، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن عُروة
عن عائشة قالت: كانت امرأةٌ مخزوميةٌ تستعيرُ المتاعَ وتجحَدُهُ، فأمرَ النبيُّ ﷺ بقطعِ يَدِها، وقصَّ نحو حديثِ الليث، قال: فقطع النبيُّ ﷺ يدها (١).


= وقد روي ذلك عن الزبير بن العوام وابن عباس، وهو مذهب الأوزاعي. وقال أحمد بن حنبل: تشفع في الحد ما لم يبلغ السلطان، وقال مالك بن أنس: من لم يُعرف بأذى الناس وإنما كانت تلك منه زلة، فلا بأس أن يُشفع له ما لم يبلغ الإِمام.
وفيه دليل على أن القطع لا يزول عن السارق بأن يُوهب له المتاع، ولو كان ذلك مسقطًا عنه الحد لأشبه أن يطلب أسامة إلى المسروق منه أن يهبه منها، فيكون ذلك أعود عليها من الشفاعة.
(١) إسناده صحيح.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٨٨٣٠)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٦٨٨).
وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا النسائي في «الكبرى» (٧٣٤٠) من طريق سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٢٩٧).
وسيتكرر برقم (٤٣٩٧).
وانظر ما قبله وما سيأتي برقم (٤٣٩٦).
قال النووي في «شرح مسلم» ١١/ ١٥٦ تعليقًا على قوله: كانت تستعير المتاع وتجحده: وقد ذكر مسلم هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت، وقطعت بسبب السرقة، فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعًا بين الروايات، فإنها قضية واحدة مع أن جماعة من الأئمة قالوا: هذه الرواية شاذة، فإنها مخالفة لجماهير الرواة، والشاذة لا يعمل بها، قال العلماء: وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية، لأن المقصود عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا للإخبار عن السرقة، قال جماهير العلماء وفقهاء الأمصار: لا قطع على من جحد العارية، وتأولوا هذا الحديث بنحو ما ذكرته، وقال أحمد وإسحاق: يجب القطع في ذلك. =

قال أبو داود: روى ابن وهبٍ هذا الحديث، عن يونسَ، عن الزُّهري، وقال فيه كما قال الليثُ: إن امرأةً سرقت في عهدِ النبي ﷺ في غزوَةِ الفتح.
ورواه الليثُ عن يونسَ، عن ابنِ شهابٍ، بإسناده، قال: استعارتِ امرأة.
وروى مسعودُ بن الأسودِ، عن النبيِّ ﷺ نحو هذا الخبرِ، قال: سُرِقَت قطيفةٌ من بيتِ رسُولِ الله ﷺ.
ورواه أبو الزبير، عن جابرٍ: أن امرأةً سرقت فعاذت بزينبَ بنتِ رسول الله ﷺ، وساق نحوه.
٤٣٧٥ - حدَّثنا جعفرُ بنُ مسافر ومحمدُ بنُ سليمان الأنباريُّ، قالا: أخبرنا ابنُ أبي فُديكٍ، عن عبدِ الملك بنِ زيد -نسبه جعفر بنُ مسافِرٍ إلى سعيد بنِ زيد بنِ عمرو بن نفيل-، عن محمَّد بنِ أبي بكر، عن عمرة
عن عائشة، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: «أقِيلُوا ذَوِي الهيئاتِ عَثَراتِهم إلا الحُدُودَ» (١).


= وجاء في «المغني» ١٢/ ٤١٦ لابن قدامة: واختلفت الرواية عن أحمد في جحد العارية، فعنه عليه القطع وهو قول إسحاق لما روي عن عائشة أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ... وعنه: لا قطع عليه، وهو قول الخرقي وأبي إسحاق بن شاقلا وأبي الخطاب وسائر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لقول رسول الله ﷺ: «لا قطع على خائن».
(١) حديث جيد بطرقه وشواهده كما أوضحناه في «مسند أحمد» (٢٥٤٧٤).
وهذا إسناد اختلف فيه على ابن أبي فُديك كما بيناه هنا. وعبد الملك بن زيد -وهو ابن سعيد العدوي- مختلف فيه، لكنه لم ينفرد به. =

٥ - باب العفو عن الحدودِ ما لم تبلغ السُّلطانَ
٤٣٧٦ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المهريُّ،»أخبرنا ابنُ وهبٍ، سمعتُ ابنَ جُريج يُحدِّثُ، عن عَمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه
عن عبدِ الله بنِ عمرو بنِ العاص، أن رسولَ الله ﷺ قال: «تعافَوُا الحُدُودَ فيما بينكم، فما بلغني مِن حدٍّ، فقد وَجَبَ» (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٥٤) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الملك بن زيد المدني، عن محمَّد بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة، فزاد في إسناده أبا بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم. قال ابن حزم وقد أورد طرقه في «المحلى» ١١/ ٤٠٥: أحسنها كلها حديث عبد الرحمن بن مهدي، فهو جيد، والحجة به قائمة.
وأخرجه النسائي أيضًا (٧٢٥٣) من طريق عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن محمَّد بن أبي بكر بن محمَّد، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة. لم يذكر أبا بكر ابن حزم.
وقد بسطنا بيان شواهد هذا الحديث في «مسند أحمد» (٢٥٤٧٤). وأصحها حديث ابن عمر عند السهمي في «تاريخ جرجان» ص ١٦٤ بلفظ: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم» وإسناده حسن.
قال الخطابي: قال الشافعي في تفسير ذي الهيئة: من لم يظهر منه ريبة.
وفيه دليل على أن الإِمام مُخيَّر في التعزير، إن شاء عزّر وإن شاه ترك، ولو كان التعزير واجبًا كالحد، لكان ذو الهيئة وغيره في ذلك سواء.
وقال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٨٨: ويستفاد منه جواز الشفاعة فيما يقتضي التعزير، وقد نقل ابن عبد البر وغيره فيه الاتفاق.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف. ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز المكي- مدلس وقد عنعن.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٣١) و(٧٣٣٢) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد. =

٦ - باب في الستر على أهل الحدود
٤٣٧٧ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن سفيانَ، عن زيد بن أسلم، عن يزيدَ بنِ نُعَيم
عن أبيه: أن ماعزًا أتى النبي ﷺ فأقرَّ عندَه أربَعَ مراتٍ، فأمَرَ برجمه، وقال لهزَّالٍ: «لو سَتَرتَهُ بثوبك كان خيرًا لك» (١).


= وله شاهد من حديث هزال الآتي بعده وهو حديث صحيح لغيره.
وآخر من حديث صفوان بن أمية، سيأتي عند المصنف برقم (٤٣٩٤) وهو حديث صحيح بطرقه.
وثالث من حديث علي بن أبي طالب عند أبي يعلى (٣٢٨). وفيه راوٍ لا يُعرف.
وروي موقوفًا عليه عند ابن أبي شيبة ٩/ ٤٦٥ وفي إسناده انقطاع، وحسنه الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٨٨ ولم يصب.
ورابع موقوف عند ابن أبي شيبة ٩/ ٤٦٨ عن عكرمة عن ابن عباس وعمار والزبير أنهم أخذوا سارقًا فخلَّوا سبيله، فقلت لابن عباس: بئسما صنعتم حين خليتم سبيله، فقال: لا أم لك، أما لو كنت أنت لسرّك أن يُخلَّى سبيلُك. وإسناده صحيح.
وخامس عن الزبير وحده موقوفًا عليه أيضًا عند ابن أبي شيبة ٩/ ٤٦٤ - ٤٦٥ وإسناده حسن كما قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٨٧.
وسادس موقوف كذلك عن أبي بكر الصديق عند ابن سعد في «الطبقات» ٥/ ١٣، وابن أبي شيبة ٩/ ٤٦٧ قال: لو أخذت سارقًا لأحببت أن يستره الله. وإسناده
صحيح كما قال الحافظ في «الإصابة» ٢/ ٦٢٩.
كما يشهد له عموم قوله ﷺ: «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» وسيأتي عند المصنف برقم (٤٨٩٣) وهو في «الصحيحين».
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. نعيم بن هزال بن يزيد مختلف في صحته، وقد روى عنه ابنه يزيد ومحمد بن المنكدر، وذكره ابن حبان في «الثقات». وابنه يزيد صدوق حسن الحديث. سفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٣٤) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد. =

٤٣٧٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، حدَّثنا حمادُ بنُ زيدٍ، حدَّثنا يحيى
عن ابنِ المنكدر: أن هزَّالًا أمر ماعز بن مالك أن يأتيَ النبيَّ ﷺ فيخبرَه (١).

٧ - باب في صاحِبِ الحَدِّ يجيء فيُقِرُّ
٤٣٧٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارس، حدَّثنا الفِريابيُّ، حدَّثنا إسرائيلُ، حدَّثنا سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عن عَلقَمةَ بنِ وائل


= وأخرجه أيضًا (٧٢٣٥) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمَّد بن المنكدر، عن ابن هزال -وهو نُعيم- عن أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٨٩٠ - ٢١٨٩٥) وانظر تمام تخريجه وتفصيل طرقه هناك.
وانظر ما سيأتي برقم (٤٤١٨).
ويشهد له مرسل سعيد بن المسيب عند مالك في «الموطأ» ٢/ ٨٢١، ومن طريقه النسائي «الكبرى» (٧٢٣٧). ومراسيل ابن المسيب حجة عند أكثر أهل العلم.
وفي باب ستر المسلم عدة أحاديث، منها: حديث عبد الله بن عمر الآتي عند المصنف برقم (٤٨٩٣). وحديث أبي هريرة عند مسلم (٢٦٩٩) وأحاديث غيرها انظرها في «مسند أحمد» (٢١٨٩٠).
وانظر ما بعده.
وهزَّال: أسلمي له صحبة، سكن المدينة، وكان مالك أبو ماعز قد أوصى هزالًا بابنه ماعز، وكان في حجره يكفله.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد سمعه محمَّد بن المنكدر من نعيم بن هزال. يحيى: هو ابن سعيد الأنصاري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٣٦) من طريق عبد الله بن المبارك، عن يحيى ابن سعيد الأنصاري، به.
وأخرجه أيضًا (٧٢٣٥) من طريق شعبة بن الحجاج، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمَّد بن المنكدر، عن نعيم بن هزال، عن أبيه.
وانظر ما قبله.

عن أبيه: أن امرأةً خرجت على عهدِ النبي ﷺ تُرِيدُ الصَّلاةَ، فتلقَّاها رجُلٌ، فَتَجلَّلها، فقضَى حاجتَه منها، فصاحت، وانطلقَ، فمرَّ عليها رجُلٌ، فقالت: إنَّ ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرَّت عِصَابَةٌ من المهاجرين، فقالت: إن ذلك الرجلَ فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجلَ الذي ظنَّت أنه وقَعَ عليها، فأتوهَا به، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النبيَّ ﷺ، فلما أمر به قام صاحبُها الذي وقع عليها، فقال: يا رسولَ الله ﷺ، أنا صاحبُها، فقال لها: «اذهبي، فقد غَفَرَ اللهُ لكِ» وقال للرجلِ قولًا حسنًا -قال أبو داود: يعني الرجلَ المأخُوذَ- فقالوا للرجلِ الذي وقَعَ عليها: ارجُمْه، فقال: «لقد تابَ توبةً لو تابها أهلُ المدينة لقُبِلَ منهم» (١).


(١) رجاله ثقات لكن سماك بن حرب تفرد به، ولا يُحتمل تفرّد مثله، ثم إنه قد اضطرب في متنه. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، والفريابي: هو محمَّد بن يوسف.
وأخرجه الترمذي (١٥٢٠) عن محمَّد بن يحيى النيسابوري، بهذا الإسناد.
وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح!
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٧٠) من طريق أسباط بن نصر، عن سماك، به. غير أنه قال في روايته: فقال عمر: أرجُم الذي اعترف بالزنى؟ فأبى رسولُ الله ﷺ قال: «لا، إنه قد تاب إلى الله». وجاء عند غيره من رواية أسباط: فقالوا: أنرجمه؟ فقال: «لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة قبل منهم».
وقد أورده البيهقي من هذا الوجه الثاني الذي فيه أنه ﷺ لم يرجمه ثم قال: وقد وُجد مثل اعترافه من ماعز والجهنية والغامدية، ولم يسقط حدودهم، وأحاديثهم أكثر وأشهر، والله أعلم.
وكذا أورده الذهبي من هذا الوجه الثاني في «تذكرة الحفاظ» ٣/ ٩١٧: وقال: وهذا حديث منكر جدًا على نظافة إسناده. =

قال أبو داود: رواه أسباطُ بنُ نصرِ أيضًا عن سماك.

٨ - باب في التلقِينِ في الحَدِّ
٤٣٨٠ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن إسحاقَ بنِ عبدِ الله ابنِ أبي طلحةَ، عن أبي المنذرِ مولى أبي ذرٍّ
عن أبي أُميةَ المخزومي: أن النبي ﷺ أُتي بِلصٍّ قد اعترفَ اعترافًا، ولم يُوجد معه متاعٌ، فقال رسولُ الله ﷺ: «ما إخَالُكَ سرقتَ» قال: بلى، فأعادَ عليه مرَّتَينِ أو ثلاثًا، فأمر به فقُطِعَ وجيء به، فقال: «استغفِرِ الله وتُب إليه» فقال: أستغفرُ الله وأتوبُ إليه، فقال: «اللهُمَّ تُب عليهِ» ثلاثًا (١).


= وهو في «مسند أحمد» (٢٧٢٤٠) عن محمَّد بن عبد الله بن الزبير، عن إسرائيل.
ولفظه كلفظ رواية أسباط.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي المنذر مولى أبي ذر فلم يرو عنه غير إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه ابنُ ماجه (٢٥٩٧)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٢٢) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥٠٨).
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٦٨، والدارقطني (٣١٦٣)، والحاكم ٤/ ٣٨١، والبيهقي ٨/ ٢٧١، وقد اختلف في وصله وإرساله كما بينه أبو الطيب العظيم آبادي في تعليقه على «سنن الدارقطني» ونقل عن ابن القطان أنه صحح الحديث، قلنا: لكن قال الدارقطني في «العلل» ١٠/ ٦٥ - ٦٧: والمرسل أصح. ويشهد للتلقين في الحد أيضًا حديث ابن عباس عند البخاري (٦٨٢٤) قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي ﷺ قال له: "لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت، وسيأتي عند المصنف برقم (٤٤٢٧). =

قال أبو داود: رواه عمرُو بن عاصمٍ، عن همَّامٍ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ الله، قال: عن أبي أميةَ رجُل من الأنصار، عن النبي ﷺ.

٩ - باب في الرجل يعترفُ بِحدٍّ ولا يُسمِّيه
٤٣٨١ - حدَّثنا محمودُ بنُ خالدٍ، حدَّثنا عمرُ بنُ عبد الواحد، عن الأوزاعىِّ، حدَّثني أبو عمار:
حدَّثني أبو أُمامة: أن رجلًا أتى النبيَّ ﷺ فقال: يا رسولَ الله، إني أصبتُ حدًَّا فأقِمهُ علىَّ، قال: «توضأتَ حينَ أقبلتَ؟» قال:


= وحديث جابر بن سمرة الآتي عند المصنف أيضًا برقم (٤٤٢٢) بنحو لفظ رواية ابن عباس.
وحديث بريدة الأسلمي عند مسلم (١٦٩٥) في قصة ماعز، وفيه: فقال: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب» أعادها عليه ثلاثًا.
قال الخطابي: وجه هذا الحديث عندي -والله أعلم- أنه ظن بالمعترف بالسرقة غفلة، أو يكون قد ظن أنه لا يعرف معنى السرقة، ولعله قد كان مالًا له أو اختلسه، أو نحو ذلك مما يخرج من هذا الباب عن معاني السرقة، والمعترف به قد يحسب أن حكم ذلك حكم السرقة، فوافقه رسولُ الله ﷺ، واسثبت الحكم فيه، إذ كان من سنته أن الحدود تُدرأ بالشبهات، وروي عنه أنه قال: «ادرؤوا الحدود ما استطعتم» وأمرنا بالستر على المسلمين، فكره أن يهتكه وهو يجد السبيل إلى ستره، فلما تين وجود السرقة منه يقينًا أقام الحد عليه وأمر بقطعه.
وقال الخطابي أيضًا: وقد روي تلقين السارق عن جماعة من الصحابة، وأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل فسأله أسرقت؟ قل: لا، قال: فقال: لا، فتركه ولم يقطعه.
وروي مثل ذلك عن أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وكان أحمد وإسحاق لا يريان بأسًا بتلقين السارق إذا أتي به، وكذلك قال أبو ثور: إذا كان السارق امرأة أو مصعوقًا.

نعم، قال: «هل صلَّيت معنا حين صلَّينا؟» قال: نعم، قال: «اذهب، فإنَّ الله تعالى قد عَفَا عنكَ» (¬١).

١٠ - باب في الامتحانِ بالضرْب
٤٣٨٢ - حدَّثنا عبدُ الوهَّاب بنُ نجدَةَ، حدَّثنا بقيةُ، حدَّثنا صفوانُ
حدَّثنا أزهرُ بنُ عبدِ الله الحَرَازيُّ: أن قومًا مِن الكَلاعِيينَ سُرِقَ لهم مَتَاعٌ، فاتَّهمُوا ناسًا من الحَاكَةِ، فأتوا النعمانَ بنَ بشيرٍ صاحبَ النبيِّ ﷺ، فحبَسهم أيامًا، ثم خلَّى سبيلَهم، فأتوا النعمانَ، فقالوا: خلَّيتَ سبيلَهم بغيرِ ضربٍ ولا امتحانٍ، فقال النعمانُ: ما شئتُم؟ إن شئتم أن أضرِبَهم، فإن خرجَ متاعُكم فذاك، وإلا أخذتُ من ظُهوركم مثلَ ما أخذتُ مِن ظُهورهم، فقالوا: هذا حُكمُك؟ فقال: هذا حُكمُ الله عز وجل وحكمُ رسوله ﷺ (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو عمار: هو شدّاد بن عبد الله القرشي الدمشقي، والأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو الفقيه المشهور.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٧٢ - ٧٢٧٤) من طرق عن الأوزاعي، و(٧٢٧٥) من طريق عكرمة بن عمار، كلاهما عن أبي أمامة.
وأخرجه النسائي (٧٢٧١) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن أبي عمار شداد، عن واثلة بن الأسقع. قال النسائي: لا نعلم أن أحدًا تابع الوليد على قوله: عن واثلة، والصواب: أبو عمار عن أبي أمامة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٦٣) من حديث أبي أمامة.
(٢) إسناده ضعيف لضعف بقية -وهو ابن الوليد الكَلَاعي- صفوان: هو ابن عمرو بن هَرِم السَّكسَكي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٢٠) من طريق بقية بن الوليد، بهذا الإسناد.
قال النسائي: هذا حديث منكر، لا يحتج بمثله، وإنما أخرجته ليُعرَف.

قال: أبو داود: إنما أرهبهم بهذا القول، أي: لا يجبُ الضربُ إلا بعد الاعتراف١).

١١ - باب ما يُقطَعُ فيه السارقُ
٤٣٨٣ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بنِ حنبلٍ، حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، -قال: سمعتُه منه- عن عمرَةَ
عن عائشة: أن النبيَّ ﷺ كان يقطَعُ في رُبع دينارٍ فَصَاعِدًا (٢).


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٢) إسناده صحيح. عمرة: هي بنت عبد الرحمن بن سعْد بن زُرارة، والزهري: هو محمَّد بن مسلم بن شهاب، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٦٧٨٩)، ومسلم (١٦٨٤)، وابن ماجه (٢٥٨٥)، والترمذي (١٥١١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٦١) و(٧٣٦٥) و(٧٣٦٦) و(٧٣٦٨) من طرق عن ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه البخاري (٦٧٩١)، ومسلم (١٦٨٤)، والنسائي (٧٣٦٩) و(٧٣٧٠) و(٧٣٧٤) و(٧٣٧٥) و(٧٣٧٦) و(٧٣٧٩) و(٧٣٨٠) و(٧٣٨٣) من طرق عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة.
وأخرجه موقوفًا على عائشة النسائي (٧٣٦٧) و(٧٣٧١ - ٧٣٧٣) و(٧٣٧٧) من طرق عن عمرة. قال النسائي بإثر الحديث (٧٣٧٣): وفي رواية مالك عن يحيى بن سعيد دليل على أن الحديث مرفوع، والله أعلم. ثم أسنده عن مالك (٧٣٧٤) عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: ما طال علىّ ولا نسيتُ، القطع في ربع دينار فصاعدًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٧٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٥٩) و(٤٤٦٢) و(٤٤٦٤) وانظر ما بعده. =

٤٣٨٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ ووهبُ بنُ بَيَان، قالا: حدَّثنا. وحدَّثنا ابنُ السَّرْح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، عن عُروة وعمرةَ


= قال الخطابي: هذا الحديثُ هو الأصل فيما يجب فيه قطع الأيدي، وبه تعتبر السرقات، وإليه تردُّ قيمتها ما كانت من دراهم أو متاع أو غيرها.
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وهو مذهب الأوزاعي والشافعي.
وفيه إبطال مذهب أهل الظاهر فيما ذهبوا إليه من إيجاب القطع في الكثير والقليل، وهو مذهب الخوارج.
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض فقهاء التابعين، وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق. رأوا القطع في ربع دينار فصاعدًا.
وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، والقاسم لم يسمع من ابن مسعود، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وروي عن علي أنه قال: لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وليس إسناده بمتصل.
وأخرج ابن أبي شيبة ٩/ ٤٧٥ حدَّثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله: لا تقطع اليد إلا في ترس أو حَجَفَة. قال: قلت وإبراهيم: كم قيمته؟ قال: دينار. وقال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٠٦: وقد خالف من المالكية في ذلك من القدماء ابن عبد الحكم وممن بعدهم ابن العربي فقال: ذهب سفيان الثوري مع جلالته في الحديث إلى أن القطع لا يكون إلا في عشرة دراهم، وحجته أن اليد محترمة بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أجمع عليه، والعشرة متفق على القطع فيها عند الجميع، فيتمسك به ما لم يقع الاتفاق على ما دون ذلك؟ وتعقب بأن الآية دلت على القطع في كل قليل وكثير، وإذا اختلفت الروايات في النصاب أخذ بأصح ما ورد في الأقل، ولم يصح أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم.

عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: «تُقطَعُ يدُ السَّارقِ في رُبعِ دينار، فصاعدًا».
قال أحمدُ بنُ صالح: القطعُ في ربع دينار فصاعِدًا (١).
٤٣٨٥ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ، حدَّثنا مالك، عن نافعٍ
عن ابنِ عمر: أن رسولَ الله ﷺ قطعَ في مِجَنٍّ، ثمنُهُ ثلاثةُ دراهم (٢).
٤٣٨٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بن حنبل، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا ابنُ جريج، أخبرني إسماعيلُ بن أميةَ، أن نافعا مولى عبدِ الله بنِ عُمَرَ حدَّثه


(١) إسناده صحيح. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله، وابن السرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو.
وأخرجه البخاري (٦٧٩٠)، ومسلم (١٦٨٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٦٤) من طريق عبد الله بن وهب، والنسائي (٧٣٦٣) من طريق عبد الله بن المبارك، كلاهما عن يونس بن يزيد، بهذا الإسناد. لكن جعله ابن المبارك عن عمرة وحدها.
وأخرجه النسائي (٧٣٦٢) من طريق القاسم بن مبرور، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقطع اليد إلا في -يعني ثمن المجن- ثلث دينار، أو نصف دينارٍ فصاعدًا».
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٧٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٥٥) و(٤٤٦٠).
وانظر ما قبه.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٨٣١.
وأخرجه البخاري (٦٧٩٥ - ٦٧٩٨)، ومسلم (١٦٨٦)، وابن ماجه (٢٥٨٤)، والترمذي (١٥١٢)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٥٣ - ٧٣٥٧) من طرق عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٠٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٦١) و(٤٤٦٣).
وانظر ما بعده.

أن عبدَ الله بنَ عمر، حدَّثهم: أن النبيَّ ﷺ قَطَعَ يدَ رجُلٍ سرقَ تُرسًا من صُفَّةِ النساء، ثمنُهُ ثلاثُة دراهِم (١).
٤٣٨٧ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ ومحمدُ بنُ أبي السَّريِّ العسقلانيُّ -وهذا لفظه، وهو أتمُّ- قالا: حدَّثنا ابنُ نُميرٍ، عن محمدِ بنِ إسحاق، عن أيوبَ بنِ موسى، عن عطاء
عن ابنِ عبَّاس، قال: قطع رسولُ الله ﷺ يَدَ رَجُلٍ في مِجَنّ، قيمتُهُ دينار، أو عشرةُ دَرَاهِم (٢).


(١) إسناده صحيح. وقد صرح ابن جريج بسماعه فانتفت شبهة تدليسه. ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وأخرجه مسلم (١٦٨٦)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٥٥) و(٧٣٥٦) من طريق إسماعيل بن أمية، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٥١٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٦١).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف لاضطراب محمَّد بن إسحاق في إسناده كما بينه الحافظ في «فتح الباري» ١٢/ ١٠٣، وقد أشار البخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ٢٥ إلى وجوه الاختلاف في إسناده عن عطاء ثم الاختلاف فيه على محمَّد بن إسحاق ثم أورد حديث ابن عمر في تقدير ثمن المجن بثلاثة دراهم، وقال: وهذا أصح. وكذلك بين النسائي في «السنن الكبرى» ٧/ ٢٩ - ٣٢ الاختلاف في إسناده، وكذا البيهقي في السنن «الكبرى» ٨/ ٢٥٦ - ٢٥٧، وفي «السنن الصغرى» (٣٢٦٨) و(٣٢٦٩)، وفي «معرفة السنن والآثار» (١٧٠٨٩ - ١٧٠٩٢) بيَّن الاختلاف فيه، وأعلَّه أيضًا بمخالفة محمَّد بن إسحاق، وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٨١: وليس في شيء من هذه الأسانيد التي وردت بذكر المجن أصح من إسناد حديث ابن عمر عند أهل العلم بالنقل.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٩٧)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٦٣، والدارقطني (٣٤٢٥) و(٣٤٢٦)، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١٧٠٩٧) من طريق محمَّد بن إسحاق، بهذا الإسناد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٤٧٤، والبخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ٢٥ من طريق محمَّد بن إسحاق قال: حدثني أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس: لا يُقطع السارق في دون ثمن المجن، وثمن المجن عشرة دراهم. وهذا إسناد متصل، رجاله من فوق محمَّد بن إسحاق ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وهو من قول ابن عباس.
وأخرجه البخاري في «تاريخه» ٢/ ٢٥، والنسائي (٧٣٩٦) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمَّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن ابن عباس كان يقول: ثمنه يومئذ عشرة دراهم، فجعله ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب، عن عطاء.
وأخرجه الدارقطني (٣٤٢٤)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٨٠ من طريق عبد الله بن إدريس، عن محمَّد بن إسحاق، عن عطاء، عن ابن عباس. فلم يذكر في إسناده أيوب بن موسى ولا عمرو بن شعيب.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٩/ ٤٧٤، والبخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ٢٥، والنسائي (٧٤٠٢)، والطحا وي ٣/ ١٦٣، والد ار قطني (٣٤٢١) و(٣٤٣٠) و(٣٤٣١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٢٥٩ من طرق عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وقد تابعه على هذا الوجه الوليد بن كثير عند الدارقطني (٣٤٢٢) لكن اختلف عليه في إسناده، فقد ذكره البخاري في «تاريخه» ٢/ ٢٥، وأخرجه الدارقطني (٣٤٢٧) عن الوليد بن كثير قال: حدثني من سمع عطاء عن ابن عباس، وأخرج الدارقطني (٣٤٢٣) عنه أنه قال: حدثني من سمع عطاء يقول فجعله من قول عطاء. فلا يُعتد بهذه التابعة. وتابعه كذلك على هذا الوجه حجاج بن أرطأة عند الدارقطني (٣٤٢٨) و(٣٤٢٩) وحجاج ضعيف ومدلس وقد عنعن. وتابعه على هذا الوجه أيضًا ابنُ جريج عند عبد الرزاق (١٨٩٤٩) وصرح بسماعه من عمرو بن شعيب، لكن البخاري والبيهقي ذكروا أنه لم يسمع منه فالتصريح بسماعه وهم من عبد الرزاق، والله أعلم.
وأخرجه النسائي (٧٣٩٨) من طريق محمَّد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، مرسلًا. =

قال أبو داود: رواه محمدُ بنُ سلمةَ وسعدانُ بنُ يحيى، عن ابنِ إسحاقَ بإسناده.

١٢ - باب ما لا قَطْعَ فيه
٤٣٨٨ - حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ مَسلَمةَ، عن مالكِ بنِ أنس، عن يحيى بنِ سعيد
عن محمدِ بنِ يحيى بنِ حَبَّان، أن عبدًا سَرقَ ودِيًَّا من حائطِ رجُلٍ فغرسَه في حائط سيِّدهِ، فخرج صاحبُ الوديِّ يلتمِسُ وديَّهُ فوجده فاستعدى على العبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذٍ، فسجن مروانُ العبدَ، وأراد قطعَ يده، فانطلق سيدُ العبد إلى رافع بنِ خَديج، فسأله عن ذلك، فأخبره أنه سَمِعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا قَطعَ في ثَمرٍ ولا كَثَرٍ» فقال الرجلُ: إن مروان أخذَ غُلامِي وهو يريدُ قطعَ يدِه، وأنا أحبُّ أن تمشيَ معي إليه فتُخبِرَه بالذي سمعتَ مِن رسول الله ﷺ، فمشى معَه رافعُ بنُ خديجٍ حتى أتى مروان بن الحكم، فقال له رافعٌ: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا قطعَ في ثَمَرَ ولا كثَر» فأمر مروان بالعبدِ فأرسِل (١).


= وخالفَ ابنَ إسحاق الحكمُ بنُ عُتيبة، عند البخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ٢٥، والنسائي (٧٣٩٢) و(٧٣٩٣)، وابن شاهين في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (٦١١) و(٦١٥) والبيهقي ٨/ ٢٥٧ فرواه عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح، عن أيمن الحبشي مرسلًا. قال البخاري: هذا أصح بإرساله، وكذا قال البيهقي: إن رواية أيمن عن النبي ﷺ منقطعة.
وانظر لزامًا كلام ابن التركماني على هذا الحديث في «الجوهر النقي» ٨/ ٢٥٦ - ٢٥٧.
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد رجاله ثقات. لكن محمَّد بن يحيى بن حبان لم يسمع رافع بن خديج، وقد سمع هذا الخبر من عمه واسع بن حبّان كما جاء في بعض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= روايات الحديث، وتؤيده رواية البيهقي ٨/ ٢٦٢ - ٢٦٣ أن الغلام الذي سرق كان لعمه واسع بن حبان، فهو السيد الذي أُبهم اسمه في هذه الرواية. يحيى بن سعيد: هو ابن قيس الأنصاري.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٨٣٩.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٤٠٧) من طريق يحيى بن سعيد القطان،
و(٧٤٠٨) من طريق حماد بن زيد، و(٧٤٠٩) من طريق زهير بن معاوية، و(٧٤١٠) من طريق شعبة بن الحجاج، و(٧٤١١) من طريق أبي معاوية، و(٧٤١٢) و(٧٤١٣) من طريق سفيان الثوري، ستتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري.
وأخرجه الترمذي (١٥١٥)، والنسائي (٧٤١٥) من طريق الليث بن سعد، والنسائي (٧٤١٤) من طريق سفيان الثوري، كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمَّد بن يحيى بن حَبان، عن عمه واسع بن حَبَّان، عن رافع بن خديج. فذكر الواسطة بين محمَّد بن يحيى وبين رافع بن خديج، وهو واسع بن حَبَّان وهو إما صحابي أو تابعي ثقة. وعليه يتصل الإسناد.
وتابع الليثَ والثوريَّ في هذه الرواية زهيرُ بن محمَّد عند الطيالسي (٩٥٨).
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٠٤).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: الوديّ: صغار النخل، واحدتها: وديّة، والكَثَر: جُمَّار النخل (يعني قلب النخل).
ثم قال الخطابي: ومعنى الثمر في هذا الحديث: ما كان معلقًا بالنخل قبل أن يُجَذَّ ويُحرز، وتأوله الشافعي قال: حوائط المدينة ليست بحرز، وأكثرها يُدخَل من جوانبها، ومن سرق من حائط شيئًا من ثمر معلق لم يقطع، فإذا آواه الجَرين قطع (الجرين هو البَيدر) ولم يفرق بين الفاكهة والطعام الرطب، وبين الدراهم والدنانير وسائر الأمتعة في السارق إذا سرق منها شيئًا من حرز أو غير حرز فبلغت قيمته ما يقطع فيه اليد فإنه مقطوع.
وقال مالك في الثمر مثل قول الشافعي. وقال أبو حنيفة بظاهر حديث رافع بن خديج فأسقط القطع عمن سرق ثمرًا أو كثرا من حرز أو من غير حرز، وقاس عليهما سائر الفواه الرطبة واللحوم والجُبُون والألبان والأشربة وسائر ما كان في معناها. =

قال أبو داود: الكَثَرُ: الجُمَّارُ.
٤٣٨٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، حدَّثنا حمادٌ، حدَّثنا يحيى، عن محمَّد بنِ يحيى بن حَبَّان، بهذا الحديثِ، قال:
فجلَده مروانُ جلداتٍ وخلَّى سبيلَه (١).
٤٣٩٠ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن ابنِ عجلانَ، عن عمرو ابنِ شُعيب، عن أبيه
عن جده عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاص، عن رسولِ الله ﷺ: أنه سُئِلَ عن الثَّمر المُعلَّق فقال: «من أصابَ بفيه من ذي حاجةٍ غيرَ مُتَّخذٍ خُبْنَةً فلا شيءَ عليه، ومن خرجَ بشيءٍ منهُ فعليه غرامةُ مِثلَيهِ والعقُوبَةُ، ومن سرقَ منه شيئًا بعد أن يُؤوِيَهُ الجَرين فبلغ ثمنَ المجِنِّ، فعليه


= وقال ابن عبد البر في»التمهيد«٢٣/ ٣١٠: لأهل العلم في تأويل حديث هذا الباب قولان:
أحدهما: أن المعنى المقصود إليه بهذا الحديث جنس الثمر والكثر من غير مراعاة حرز، فمن ذهب إلى هذا المذهب لم ير القطع على سارق سرق من الثمر كله وأجناس الفواكه والطعام الذي لا يبقى ولا يؤمن فساده كثيرًا كانت السرقة من ذلك كله أو قليلًا من حرز كانت أو من غير حرز، قالوا: وهذا معنى حديث هذا الباب؛ لأنه لو أراد ما لم يكن محروزًا ما كان لذكر الثمر وتخصيصه فائدة. هذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه.
والقول الآخر: أن المعنى المقصود بهذا الحديث الحرز، وفيه بيان أن الحوائط ليست بحرز للثمار حتى يؤويها الجرين وما لم تكن في الجرين فليست محروزة.
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد رجاله ثقات كسابقه. حماد: هو ابن زيد، ومحمد بن عُبيد: هو ابن حساب الغُبَري.
وأخرجه النسائي في»الكبرى" (٧٤٠٨) من طريق حماد بن زيد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

القطعُ، ومن سرق دون ذلك، فعليه غرامةُ مِثلَيه والعقوبةُ». وسُئل عن اللقطة، فقال: «ما كان منها في طريق المِيتَاء، والقرية الجامعة ...»
وساق الحديث (١) (٢).
قال أبو داود: الجَرِين: الجَوْخانُ (٣).

١٣ - باب القطْع في الخِلْسةِ والخِيانَةِ
٤٣٩١ - حدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ، أخبرنا محمدُ بنُ بكرٍ، حدَّثنا ابنُ جُريج، قال: قال أبو الزبير:


(١) من قوله: «ومن سرق دون ذلك» إلى هنا، أثبتناه من (أ)، وأشار إلى أنه في رواية ابن العبد وابن داسه. كذا قال مع أن (هـ) عندنا برواية ابن داسه، وليس فيها هذه الزيادة. وقد سلف هذا الحديث بطوله برقم (١٧١٠) مشتملًا على هذه الزيادة.
(٢) إسناده حسن. وهو مكرر الحديث السالف برقم (١٧١٠).
قال الخطابي: هذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في معنى الحديث الأول، ويليق أن الحال لا تختلف في الأموال من جهة أعيانها، لكن تفترق من جهة مواضعها التي تؤويها وتُحرزُها، وأما الخُبنة فهو ما يحمله الرجل في ثوبه، ويقال: أصل الخبنة ذَلاذل الثوب.
والجَرين: البَيْدر، وهو حرز الثمار وما كان في مثل معناها كما كان المراح حرز الغنم، انما تُحرز الأشياء على قدر الإمكان فيها وجريان العادة في الناس مثلها، ويشبه أن يكون إنما أباح لذي الحاجة الأكل منه؛ لأن في المال حقَّ العشر، فإذا أدته الضرورة إليه أكل منه، وكان محسوبًا لصاحبه مما عليه من الصدقة، وصارت يده في التقدير كيد صاحبها لأجل الضرورة، فأما إذا حمل منه في ثوب أو نحوه فإن ذلك ليس من باب الضرورة، إنما هو من باب الاستحلال فيغرم ويعاقب، إلا أنه لا قطع لعدم الحرز، ومضاعفة الغرامة نوع من الردع والتنكيل، وقد قال به غير واحد من الفقهاء.
(٣) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.

قال جابرُ بنُ عبدِ الله: قال رسولُ الله ﷺ: «ليس على المُنتَهِبِ قطعٌ، ومن انتهبَ نُهبةً مشهورةً فليس منَّا» (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، وابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز المكي- قد صرح بالسماع في رواية ابن المبارك عند النسائي في «الكبرى» (٧٤٢١)، وأبي عاصم الضحاك عند الدارمي (٢٣١٠)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٨٨٤٤) ثلاثتهم عن ابن جريج. وعليه فما أُعِلّ به الحديث من عدم سماع ابن جريج هذا الخبر من أبي الزبير ليس مُسلَّمًا، على أنه تابعه سفيان الثوري وهو إمام.
وأبو الزبير -وهو محمَّد بن مسلم بن تدرُس المكي- تابعه عمرو بن دينار عند ابن حبان (٤٤٥٦) و(٤٤٥٧)، قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٩٢: فقوي الحديثُ.
وأخرجه ابن ماجة (٢٥٩١)، والترمذي (١٥١٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٢٢ - ٧٤٢٤) من طرق عن ابن جريج، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. قلنا: واللفظ عندهم على نفي القطع عن الخائن والمنتهب والمختلس مجموعة، ولم يذكر أحد منهم قوله: «ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا».
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٤٢٦) من طريق المغيرة بن مسلم الخراساني، عن أبي الزبير به، بلفظ «ليس على مختلس ولا نتهب ولا خائن قطع». والمغيرة صدوق، لكن قال النسائي: ليس بالقوي في أبي الزبير، وعنده غير حديث منكر.
وكذا استنكر أحاديثه عن أبي الزبير ابنُ معين في رواية عنه. قلنا: محل ذلك عند عدم المتابعة، وأما عند المتابعة فالحجة به قائمة.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٠٧٠) من طريق ابن جريج بتمامه.
وقوله: «من انتهب نهبة مشهورة فليس منا» أخرجه ابن ماجه (٣٩٣٥) من طريق ابن جريج، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٥١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٥٦) وقرن ابن حبان في روايته بأبي الزبير عمرو بن دينار في متابعة قوية.
ويشهد لهذه القطعة في النهي عن النهبة عدة أحاديث ذكرناها في «المسند» عند حديث أبي هريرة (٨٣١٧)، وعند حديث جابر (١٤٣٥١). وانظر تالييه. =

٤٣٩٢ - وبهذا الإسنادِ قال: قال رسولُ الله ﷺ: «ليس على الخائِنِ قطعٌ» (١).
٤٣٩٣ - حدَّثنا نصرُ بنُ عليٍّ، أخبرنا عيسى بنُ يونُسَ، عن ابن جُرَيجٍ، عن أبي الزبير عن جابرٍ، عن النبيِّ ﷺ، بمثله؛ زاد «ولا على المُختلِسِ قطعٌ» (٢).


= النهب: هو أخذ المال على وجه العلانية قهرًا، والخيانة: الأخذ مما في يده على وجه الأمانة، والاختلاس: هو أخذ الشيء من ظاهر بسرعة ليلًا كان أو نهارًا، وفي «النهاية»: ما يؤخذ سلبًا ومكابرة.
قال أبو الطيب في «عون المعبود» ١٢/ ٣٩: والحديث دليل على أنه لا يقطع المنتهب والخائن والمختلس، قال ابن الهمام من الحنفية في «شرح الهداية»: وهو مذهبنا وعليه باقي الأئمة الثلاثة، وهو مذهب عمر وابن مسعود وعائشة، ومن العلماء من حكى الإجماع على هذه الجملة، لكن بمذهب إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد في جاحد العارية: أنه يقطع.
(١) حديث صحيح كسابقه.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٤١٩) من طريق مخلد بن يزيد الحراني، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر رفعه: «ليس على خائن ولا مختلس قطع» وقال النسائي بإثره: لم يسمعه سفيان من أبي الزبير. قلنا: حجه أنه رواه بعده برقم (٧٤٢٠) من طريق أبي داود الحفري، عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر فذكر بين سفيان وبين أبي الزبير ابن جريج. لكن مخلد بن يزيد ثقة، ومع ذلك لم ينفرد به، فقد تابعه عليه مؤمل بن إسماعيل عند ابن حبان (٤٤٥٨) وهو يعتبر به في المتابعات.
وانظر تمام تخريجه فيما قبله.
وانظر فقه الحديث فيما بعده.
(٢) حديث صحيح كسابقيه.
وأخرجه الترمذي (١٥١٤) من طريق عيسى بن يونس، بهذا الإسناد. وقال: هذا حديث حسن صحح. =

قال أبو داود: وهذان الحديثانِ لم يسمعهما ابنُ جُريجٍ من أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بنِ حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابنُ جريج من ياسينَ الزياتِ.
قال أبو داود: وقد رواهُما المغيرةُ بنُ مُسلم، عن أبي الزبيرِ، عن جابر، عن النبي ﷺ.

١٤ - باب مَن سرق من حِرْزٍ
٤٣٩٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارس، حدَّثنا عمرو بنُ حماد بن طلحةَ، حدَّثنا أسباط، عن سماكِ بنِ حَرْبٍ، عن حُميد بنِ أختِ صَفوان، عن صفوانَ ابنِ أُمية، قال: كنت نائمًا في المسجِدِ علي خميصةٍ لي ثمن ثلاثين درهمًا، فجاء رجلٌ فاختلسَها مني، فأُخذ الرجلُ، فأتي به النبيُّ ﷺ، فأمر بهِ


= ويشهد له حديث عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه (٢٥٩٢)، وإسناده صحيح.
وانظر سالفيه.
قال الخطابي: أجمع عامة أهل العلم على أن المختلس والخائن لا يقطعان، وذلك أن الله سبحانه إنما أوجب القطع على السارق، والسرقة إنما هي أخذ المال المحفوظ سرًا عن صاحبه، والاختلاس غير محترز منه فيه.
وقد قيل: إن القطع إنما سقط عن الخائن؛ لأن صاحب المال قد أعان على نفسه في ذلك بائتمانه إياه، وكذلك المختلس.
وقد يحتمل أن يكون إنما سقط القطع عنه؛ لأن صاحبه قد يمكنه رفعه عن نفسه بمجاهدته وبالاستغاثة بالناس، فإذا قصر في ذلك ولم يفعل صار كأنه أتي من قِبَلِ نفسه.
وحكي عن إياس بن معاوية أنه قال: يقطع المختلس، ويحكى عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالًا لغيره، سواء أخذه من حرز أو من غير حرز، وهذا الحديث حجة عليه.
تنبيه: ما قاله أحمد فيما بلغ أبا داود يوافق ما نُقل عن غير واحد من عدم سماع ابن جريج من أبي الزبير، وقد أجبنا عنه عند الرواية السالفة برقم (٤٣٩١).

ليُقطَعَ، قال: فأتيتُه، فقلتُ: أتقطعُه مِن أجلِ ثلاثينَ درهمًا، أنا أبيعُه وأُنسِئُه ثمنَها؟ قال: «فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به» (١).
قال أبو داود: ورواه زائدةُ، عن سماكٍ، عن جُعيدِ بنِ حُجَير، قال: نامَ صفوانُ.
ورواه مجاهدٌ وطاوسٌ، أنه كان نائمًا فجاء سارِقٌ فسرقَ خميصةً من تحتِ رأسِه.


(١) صحيح بطرقه وشاهده، كما بيناه في «مسند أحمد» (١٥٣٠٣) و(١٥٣٠٦) و(١٥٣١٠). وقد صححه ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» ٣/ ٣٢٤، ونقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٣/ ٣٦٩، فقال: حديث صفوان حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في «مسنده» من غير وجه عنه. أسباط: هو ابنُ نصْر الهَمْداني.
وأخرجه بنحوه ابنُ ماجه (٢٥٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٢٣) و(٧٣٢٤) و(٧٣٢٦ - ٧٣٣٠) من طرق عن صفوان بن أمية.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٣٠٣).
ويشهد له حديث عبد الله بن عباس عند الطبراني (٧٣٢٦) من طريق إبراهيم بن ميسرة، والدارقطني (٣٤٦٩)، والحاكم ٤/ ٣٨٠ من طريق زكريا بن إسحاق، كلاهما عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس: أن صفوان بن أمية أتى النبي ﷺ ... الحديث وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
ويشهد لقوله: «هلا كان هذا قبل أن تأتيني به» حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السالف برقم (٤٣٧٦) وانظر تمام شواهده هناك.
قال ابن قدامة في «المغني» ١٢/ ٤٥١ - ٤٥٢: إن السارق إذا ملك العين المسروقة بهبةٍ أو بيع أو غيرها من أسباب الملك لم يخلُ من أن يملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده أو بعد ذلك، فإن ملكها قبله، لم يجب القطع لأن من شرطه المطالبة بالمسروق، وبعد ملكه له لا تصح المطالبة، وإن ملكها بعده لم يسقط القطع، وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق.

ورواه أبو سلمةَ بن عبدِ الرحمن، قال: فاستلَّه من تحتِ رأسِه، فاستيقظَ، فصاحَ به فأُخذَ. ورواه الزُّهريُّ، عن صفوانَ بنِ عبد الله، قال: فنام في المسجدِ، وتوسَّد رداءَه فجاء سارِقٌ فأخَذَ رداءه، فأخِذَ السارقُ، فجاء به إلى النبي ﷺ.

١٥ - باب في القطع في العَاريّة إذا جُحِدَتْ
٤٣٩٥ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ ومخلد بنُ خالدٍ -المعنى- قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا معمرٌ -قال مخلدٌ: عن معمر- عن أيوبَ، عن نافعِ
عن ابنِ عمر: أن امرأةً مخزوميةً كانت تستعيرُ المَتَاعَ فتجحَدُهُ، فأمرَ النبيَّ ﷺ بها، فقُطِعت يدُها (١).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، والأشبه إرساله فيما ذكر الدارقطني في «العلل» ٤/ ورقة ١١٣ حيث قال: ورواه يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع أن امرأة كانت ... مرسلًا، وكذلك رواه الثقفي عن أيوب
مرسلًا، والمرسل أشبه. قلنا: وهذا يعني أن حديث معمر المتصل الصحيح هو عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، الذي سيأتي برقم (٤٣٩٧)، وسلف برقم (٤٣٧٤).
وأخرجه النَّسائي في «الكبرى» (٧٣٣٣) و(٧٣٣٤) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا (٧٣٣٥) من طريق عمرو بن هاشم الجنبي أبي مالك، عن عُبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. وعمرو بن هاشم الجنبي ضعيف.
وقد خالف أبا مالك الجنبي شعيبُ بنُ إسحاق عند النسائي (٧٣٣٦) فرواه عن عُبيد الله بن عمر، عن نافع أن امرأة ... مرسلًا. وإسناده جيد إلى نافع. وهو يوافق الطريق التي ساقها الدارقطني.
وهو في «مسند أحمد» (٦٣٨٣). =

قال أبو داود: ورواه جُويريةُ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمر، أو عن صفية بنتِ أبي عُبيد، زاد فيه: وأن النبيَّ ﷺ قام خطيبًا، فقال: «هل من امرأةٍ تائبةٍ إلى الله عز وجل ورسوله»، ثلاثَ مراتٍ، وتلكَ شاهدةٌ، فلم تقُم ولم تتكلَّم.
ورواه محمَّد بنُ عبد الرحمن بنِ عَنْجٍ (١) عن نافع، عن صفيةَ بنتِ أبي عُبيدٍ، قال فيه: فشهِدَ عليها.


= قال الخطابي: مذهب عامة أهل العلم أن المستعير إذا جحد العارية لم يقطع، لأن الله سبحانه إنما أوجب القطع على السارق، وهذا خائن ليس بسارق.
وفي قوله: «لا قطع على الخائن» دليل على سقوط القطع عنه، وذهب إسحاق ابن راهويه إلى إيجاب القطع عليه قولًا بظاهر الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم شيئًا يدفعه، يعي حديث المخزومية.
قلت [القائل الخطابي]: وهذا الحديث مختصر، وليس مستقصىً لفظُه وسياقُه، وإنما قُطعت المخزومية لأنها سرقت، وذلك بيِّن في حديث عائشة رحمها الله الذي رواه أبو داود في باب قبل هذا.
قلنا: يعني الحديث رقم (٤٣٧٣).
وقال صاحب «المغني» ١٢/ ٤١٦: واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية، فعنه: عليه القطع وهو قول إسحاق، لما روي عن عائشة أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ... وعنه: لا قطع، وهو قول الخرقي، وأبي إسحاق بن شاقلا وأبي الخطاب وسائر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لقول رسول الله ﷺ: «لا قطع على الخائن» ولأن الواجب قطع السارق، والجاحد غير سارق، وإنما هو خائن فأشبه جاحد الوديعة، والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت لسرقتها لا لجحدها.
(١) كذا جاء ضبطها في (هـ) بعين مهملة ونون مفتوحتين، وجاءت كذلك في (ب) و(ج) غير أنه سكن النون. وضبطها الحافظ في نسخته التي رمزنا لها بالرمز (أ): بغين معجمة ونون مفتوحتين وكذلك ضبطها في «التقريب»، وهو خطأ، لا اعتبار به، =

٤٣٩٦ - حدَّثنا محمَّد بن يحيى بنِ فارسٍ، حدَّثنا أبو صالح، عن الليثِ، حدَّثني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، قال: كان عُروة يحدَّثُ
أن عائشةَ قالت: استعارتِ امرأةٌ، تعني حُليًّا على ألسنَةِ أناس يُعرَفُون ولا تُعرفُ هي، فباعته، فأُخذَت، فأُتي بها النبيُّ ﷺ، فأمر بقطع يَدِها، وهي التي شفعَ فيها أسامةُ بنُ زيد، وقال فيها رسولُ الله ﷺ ما قال (١).
٤٣٩٧ - حدَّثنا عباسُ بنُ عبدِ العظيم ومحمد بن يحيى، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهريِّ، عن عُروة
عن عائشةَ، قالت: كانت امرأةٌ مخزوميةٌ تستعيرُ المَتَاعَ وتجحَدُه، فأمر النبيَّ ﷺ بقطع يدِها. وقصَ نحوَ حديثِ قتيبةَ بن سعيد، عن الليث، عن ابنِ شهاب، زاد: فقطعَ النبي ﷺ يدَها (٢).

١٦ - باب في المجنون يَسرقُ أو يُصيبُ حدًَّا
٤٣٩٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارون، أخبرنا حمادُ ابنُ سلمةَ، عن حمادٍ، عن إبراهيمَ، عن الأسودِ


= لأن ابن المهندس قد ضبطه في نسخته منا «تهذيب الكمال» بالعين المهملة، وكذلك ضبطها الفيروزآبادي في «القاموس» بالعين المهملة وبسكون النون أو فتحها. على الوجهين.
(١) حديث صحيح. أبو صالح -وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث- متابع.
الليث: هو ابن سعد، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٤٠) من طريق أيوب بن موسى، عن الزهري، به وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٤٣٧٤).
وانظر ما قبله كذلك.
(٢) إسناده صحيح، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٣٧٤) وانظر سابقيه.

عن عائشة: أن رسولَ الله ﷺ قال: «رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن المُبتَلَى حتى يبرأ، وعن الصَّبىِّ حتى يَكْبَرَ» (١).
٤٣٩٩ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن أبي ظَبْيَان
عن ابنِ عباس، قال: أُتي عُمَرُ بمجنونةٍ قد زنت، فاستشارَ فيها أناسًا، فأمر بها عُمَرُ أن تُرجَمَ، فمُرَّ بها على على بنِ أبي طالب، فقال: ما شأنُ هذه؟ قالوا: مجنونةُ بني فلانٍ زنت، فأمر بها عُمَر أن تُرجَم، قال: فقال: ارجِعُوا بها، ثم أتاه، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ، أما علمتَ أن القلم قد رُفِعَ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ حتى يبرأ، وعن النَّائِم حتى يستيقِظ، وعن الصبىِّ حتى يَعقِلَ؟ قال: بلى، قال: فما بالُ هذه تُرجمُ؟ قال: لا شيء، قال: فأَرسِلْها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يُكبِّرُ (٢).


(١) إسناده صحيح. حماد: هو ابن أبي سليمان النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، والأسود: هو ابن يزيد النخعي خال إبراهيم.
وأخرجه ابن ماجه (٢٠٤١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٩٦) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٦٩٤)، و«صحيح ابن حبان» (١٤٢).
(٢) حديث صحيح، وقد اختلف في رفعه ووقفه، ومهما يكن، فهو مرفوع حُكمًا، كما قال الحافظ في «فتح الباري» ١٢/ ١٢١. على أن له طرقًا أخرى عن علي مرفوعة وشاهدًا من حديث عائشة السالف قبله مرفوعًا كذلك. قلنا: رواية جرير -وهو ابنُ عبد الحيد- عن الأعمش هنا غير صريحة بالرفع، وكذا رواية وكيع عن الأعمش الآتية بعده كما قال المزي في «تحفة الأشراف» ٧/ ٤١٣. أبو ظبيان: هو حُصين بن جندب الجنبي. =

٤٤٠٠ - حدَّثنا يوسفُ بنُ موسى، حدَّثنا وكيعٌ
عن الأعمشِ نحوَه، وقال أيضًا: حتى يعقِلَ، وقال: وعن المجنونِ حتى يُفِيقَ، قال: فجعَلَ عُمَرُ يُكبِّر (١).
٤٤٠١ - حدَّثنا ابنُ السرحِ، أخبرنا ابنُ وهبٍ، أخبرني جريرُ بنُ حازمٍ، عن سليمانَ بنِ مِهرانَ، عن أبي ظَبيانَ


= وأخرجه مرفوعًا ابن ماجه (٢٠٤٢) من طريق القاسم بن يزيد، والترمذي (١٤٨٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٠٦) من طريق قتادة، عن الحسن البصري، كلاهما عن علي بن أبي طالب. أما القاسم فمجهول ولم يدرك عليًا فيما قاله المنذري في «اختصار السنن» وتبعه ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٤/ ٢٠٩، وأما الحسن البصري فلم يسمع من علي بن أبي طالب وإن كان أدركه.
وسيأتي مرفوعًا أيضًا عند المصنف برقم (٤٤٠١) من طريق جرير بن حازم عن الأعمش، و(٤٤٠٢) من طريق عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، عن علي، دون ذكر ابن عباس، وبرقم (٤٤٠٣) من طريق أبي الضحى مسلم بن صبيح عن علي. وكل من هذه الطرق فيه ما فيه كما هو مبين في موضعه، لكن بمجموعها يتقوى الحديث مرفوعًا، والله تعالى أعلم.
وأخرجه موقوفًا على علي بن أبي طالب: النسائي في «الكبرى» (٧٣٠٥) من طريق أبي حَصين عثمان بن عاصم الأسدي، عن أبي ظبيان، عن علي بن أبي طالب، و(٧٣٠٧) من طريق يونس بن عُبيد، عن الحسن البصري، عن علي بن أبي طالب.
وهو في «مسند أحمد» (٩٤٠) و(٨٥٦) و(١١٨٣) و(١٣٢٨).
وقد صحح المرفوع ابن خزيمة (١٠٠٣)، وابن حبان (١٤٣)، والحاكم ١/ ٢٥٨ و٢/ ٥٩ وسكت عنه الذهبي، ورجح الوقفَ النسائي بإثر الحديث (٧٣٠٧)، والدارقطني في «العلل» ٣/ ١٩٢.
ويشهد له حديث عائشة السالف قبله بإسناد صحيح.
وله شواهد أخرى ذكرها الإِمام الزيلعي في «نصب الراية» فراجعها هناك.
(١) حديث صحيح كسابقه.

عن ابنِ عباس، قال: مُرَّ على عليِّ بن أبي طابٍ -بمعنى عثمانَ- قال: أوَمَا تذكُرُ أن رسولَ الله ﷺ قال: «رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ المَغلُوبِ على عَقلِه (١)، وعن النَّائم حتى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتى يَحتَلِمَ»؟ قال: صدقتَ، قال: فخلَّى عنها (٢).
٤٤٠٢ - حدَّثنا هنَّادُ بن السَّريِّ، عن أبي الأحوص. وحدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جريرٌ -المعنى- عن عطاء بن السائبِ
عن أبي ظَبْيانَ -قال هنَّادٌ: الجَنْبيِّ- قال: أُتي عُمَرُ بامرأةٍ قد فَجَرَت، فأمَرَ برجمِها، فَمَرَّ عليٌّ، فأخذَها فخلَّى سبيلَها، فأُخبِرَ عُمر، فقال: ادعوا لي عليًّا، فجاء عليٌّ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لقد علِمتَ أن رسولَ الله ﷺ قال: «رُفعَ القلمُ عن ثلاثةِ: عن الصَّبيِّ حتى يبلُغَ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتُوه حتى يبرأ»، لان هذه معتوهةُ


(١) زاد في (هـ): عن المجنون المغلوب على عقله حتى يُفيق، بزيادة: حتى يفيق، ولم ترد في سائر أصولنا الخطية، ولا في «سنن النسائي الكبرى» مع أنه رواه عن ابن السرح أيضًا.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكن قال النسائي في «الكبرى» بإثر الحديث (٧٣٠٥): ما حدَّث جريرُ بن حازم بمصر فليس بذاك، وسبقه أحمد بن حنبل فقال في رواية الأثرم عنه فيما نقله عنه الحافظ في «تهذيب التهذيب»: حدَّث بالوهم بمصر، ولم يكن يحفظ، ونقَل عن الأزدي نحوًا من ذلك. وابن وهب -وهو عبد الله- مصري. وخالفه جرير بن عبد الحميد ووكيع في الروايتين السالفتين فلم يُصرِّحا برفع الحديث كما ذكر المزي. وعلى أية حال يصح رفع الحديث عن علي بمجموع طرقه وشاهده السالف برقم (٤٣٩٨) عن عائشة. ابن السَّرْح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله ابن السرح.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٠٣) عن ابن السرح، بهذا الإسناد.
وانظر سابقه.

بني فلانٍ، لعلَّ الذي أتاها أتاها وهي في بلائِها، قال: فقال عُمر: لا أدري، فقال عليٌّ: وأنا لا أدري (١).
٤٤٠٣ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا وُهيبٌ، عن خالدٍ، عن أبي الضُّحى عن علي، عن النبيِّ ﷺ قال: «رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ: عن النَّائم حتى يستيقظَ، وعن الصَّبىِّ حتى يَحتَلِمَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ» (٢).


(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع؛ لأن أبا ظبيان -وهو حُصين بن جندب- إنما سمعه من ابن عباس عن علي، ولم يسمعه من علي مباشرة، مع أن الدارقطني سئل -كما في «العلل» ٣/ ٧٤ -: لقي أبو ظبيان عليًا وعمر؟ فقال: نعم. قلنا: إنما قال الدارقطني ذلك بعد أن رجَّح إثبات ابنِ عباس في إسناده. وقال ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٤/ ٢٠٩: وعلى تقدير الاتصال -يعني بين أبي ظبيان وبين علي وعمر- فعطاء بن السائب اختلط بأَخرة، قال الإِمام أحمد وابن معين: من سمع منه حديثًا فليس بشيء، ومن سمع منه قديمًا قُبل، فلينظر في هؤلاء المذكورين وحال سماعهم، وأيضًا فهو معلول بالوقف كما رواه النسائي - يعني برقم (٧٣٠٥) من حديث أبي حصين -بفتح الحاء وكسر الصاد- عن أبي ظبيان عن علي قوله.
قال النسائي: وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب. قلنا: أما تعليل ابن دقيق العيد بأن عطاء اختلط بأخرة فقد زالَ برواية حماد بن سلمة عنه عند أحمد (١٣٢٨) وغيره، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه، لكن تبقى العلة الأخرى وهي إعلاله بالوقف كما أشار إليه النسائي. لكن الحديث صحيح بطرقه وشاهده السالف برقم (٤٣٩٨).
وأخرجه النسائي (٧٣٠٤) من طريق أبي عبد الصمد، عن عطاء بن السائب، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٢٨).
وانظر الأحاديث الثلاثة السالفة قبله.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع، فإن أبا الضحى
-وهو مسلم بن صبيح- لم يدرك عليًا فيما قاله الترمذي في «اختصار السنن»، وتبعه =

قال أبو داود: رواه ابنُ جُريجٍ، عن القاسم بن يزيد، -عن عليٍّ، عن النبي ﷺ، زادَ فيه: والخَرِفِ١).

١٧ - باب في الغُلام يُصيبُ الحَدَّ
٤٤٠٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ كثيرِ، أخبرنا سفيانُ، أخبرنا عبدُ الملك بنُ عُمير حدَّثني عطيةُ القُرَظي، قال: كنتُ من سبي قُريظةَ، فكانوا ينظرون: فمن أنبتَ الشَّعرَ قُتِلَ، ومن لم يُنبِت لم يُقتل، فكنتُ فيمن لم يُنبِت (٢).


= ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٤/ ٢٠٩. وسبقهما أبو زرعة الرازي إذ قال: حديثه عن علي مرسلٌ. خالد: هو ابن مِهران الحذّاء، ووهيب: هو ابن خالد.
وأخرجه البيهقي ٣/ ٨٣ و٦/ ٥٧ و٧/ ٣٥٩ من طرق عن خالد الحذاء، به.
وانظر الأحاديث الأربعة السالفة قبله.
(١) هذا التعليق فيه انقطاع، القاسم بن يزيد لم يدرك عليًا بن أبي طالب وهذه الزيادة «والخرف» لم نقف عليها إلا عند أبي داود بعد البحث الشديد. وقول المنذري في «تهذيبه»: هذا الذي ذكره أبو داود معلقًا أخرجه ابن ماجه مسندًا وأعله بالانقطاع، فيه نظر، فإن الحديث عند ابن ماجه (٢٠٤٣) من طريق ابن جريج أخبرني القاسم بن يزيد، عن علي بن أبي طالب بلفظ «رفع القلم عن الصغير وعن المجنون وعن النائم» وليست فيه هذه الزيادة.
(٢) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري، ومحمد بن كثير: هو العَبدي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٤١)، والترمذي (١٦٧٥)،والنسائي في «الكبرى» (٨٥٦٧) من طريق سفيان الثوري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٧٧٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٧٨٠).
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم: أنهم يرون الإنبات بلوغًا إن لم يُعرف احتلامه ولا سنُّه، وهو قول أحمد وإسحاق. =

٤٤٠٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو عَوانَة
عن عبدِ الملكِ بنِ عُمير، بهذا الحديثِ، قال: فكشفُوا عانَتي فوجدُوها لم تُنبِت، فجهعلوني في السَّبي (١).


= وقال الخطابي: اختلف أهل العلم في حد البلوغ الذي إذا بلغه الصبي أقيم عليه الحد، فقال الشافعي: إذا احتلم الغلام أو بلغ خمس عشرة سنة فإن حكمه حكم البالغين في إقامة الحد عليه، وكذلك الجارية إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت.
وأما الإنبات، فإنه لا يكون حدًا للبلوغ، وإنما يفصل به بين أهل الشرك فيقتل مقاتليهم، ويترك غير مقاتليهم بالإنبات.
وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل في بلوغ الغلام: خمس عشرة سنة مثل قول الشافعي.
وقال أحمد وإسحاق: الانبات بلوغ، يقام به الحد على من أنبت وحكي مثل ذلك عن مالك في الإنبات.
فأما السن فإنه قال: إذا احتلم الغلام أو بلغ من السنن ما لا يتجاوزه غلام إلا احتلم فحكمه حكم الرجال ولم يجعل الخمس عشرة سنة حدًا في ذلك، وقال سفيان: سمعنا أن الحلم أدناه أربع عشرة وأقصاه ثمان عشرة سنة، فإذا جاءت الحدود أخذنا بأقصاها. وذهب أبو حنيفة إلى أن حد البلوغ في استكمال ثماني عشرة سنة إلا أن يحتلم قبل ذلك، وفي الجارية استكمال سبع عشرة سنة إلا أن تحيض قبل ذلك.
قلت [القائل الخطابي]: يشبه أن يكون المعنى عند من فرّق بين أهل الإِسلام وبين أهل الكفر حين جعل الإنبات في الكافر بلوغًا ولم يعتبره في المسلمين هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم؛ لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم.
فأما المسلمون وأولادهم فيمكن الوقوف على مقادير أسنانهم؛ لأن أسنانهم محفوظة وأوقات المواليد فيهم مؤرخة.
(١) إسناده صحيح. أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٥٦٦) من طريق أبي عوانة الوضاح اليشكري، به.
وانظر ما قبله.

٤٤٠٦ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا يحيى، عن عُبيدِ الله، أخبرني نافعٌ
عن ابن عمرَ: أن النبيَّ ﷺ عُرِضَهُ يومَ أحد ابنَ أربعَ عشرةَ فلم يُجزه، وعُرِضَه يومَ الخندَقِ وهو ابنُ خمسَ عشرَةَ فأجازَه (١).
٤٤٠٧ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا ابنُ إدريسَ، عن عُبيدِ الله بنِ عُمر، قال:
قال نافعٌ: حَدَّثتُ بهذا الحديثِ عُمرَ بنَ عبدِ العزيز، فقال: إنَّ هذا الحَدُّ بينَ الصغيرِ والكبِيرِ (٢).

١٨ - باب الرجل يَسرِقُ في الغزو، أيُقطَعُ؟
٤٤٠٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ وهبٍ، أخبرني حيوةُ، عن عياش بن عباس القِتبانىِّ، عن شِيَيم بنِ بَيتانَ ويزيدَ بنِ صُبحٍ الأصبحىِّ
عن جُنادَة بن أبي أُمية، قال: كنا مع بُسْرِ بنِ أبي أرطاةَ في البحرِ، فأتي بسارقٍ يقال له: مِصْدَرٌ، قد سرقَ بُخْتِيَّةً، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا تُقطَعُ الأيدي في السَّفر» ولولا ذلك لقطعتُه (٣).


(١) إسناده صحيح. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٢٩٥٧).
وانظر ما بعده.
(٢) إسناده صحيح. ابن إدريس: هو عبد الله.
وانظر ما قبله.
وقد سلف برقم (٢٩٥٧) وخرج هناك.
(٣) إسناده صحيح، فقد قال ابن عدي في «الكامل» في ترجمة بسر بن أبي أرطاة -ويقال في اسمه: ابن أرطاة-: لا أرى بإسناده بأسًا. قلنا: ونقل المناوي عن الذهبي أنه قال تعقيبًا على قول ابن معين عن بسر بأنه كان رجل سوء: الحديثُ جيِّد لا يُرَدُّ بمثل هذا، وقال ابن حجر في «الإصابة» ١/ ٢٨٩ عن إسناد هذا الحديث: إسناد مصري قوي. حيوة: هو ابن شُريح. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه الترمذي (١٥١٦) عن قتيبة بن سعيد، عن عبد الله بن لهيعة -ورواية قتيبة عنه قبل سوء حفظه- عن عياش بن عباس، عن شِيَيم بن بيتان وحده، به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٤٣٠) من طريق بقية بن الوليد، قال: حدثني نافع بن يزيد. قال: حدثني حيوة بن شُريح، عن عياش بن عباس، عن جنادة بن أبي أمية، قال: سمعت بسر بن أبي أرطأة قال: سمعت رسول الله ﷺ ... الحديث. ثم قال: ليس هذا الحديث مما يحتج به. قلنا: في إسناده عنده بقية بن الوليد، وهو ضعيف ومدلس تدليس التسوية، وقد أسقط من إسناده الواسطة بين عياش بن عباس وجنادة ابن أبي أمية.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٦٢٦) و(١٧٦٢٧).
البختية: قال في «القاموس» البُخت بالضم: الإبل الخراسانية كالبُختِيَّةِ، والجمع البَخَاتِيُّ، وهي الأنثى من الجمال طوال الأعناق، قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا إنما سرق البختية في البر، ورفعوه إليه في البحر، فقال عند ذلك هذا القول.
قال ابن قدامة في «المغني» ١٣/ ١٧٢: من أتى حدًا من الغزاة أو ما يوجب قصاصًا في أرض الحرب لم يقم عليه حتى يقفل، فيقام عليه حدُّه، وبهذا قال الأوزاعي وإسحاق. وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر: يقام الحد في كل موضع؛ لأن أمر الله تعالى بإقامته مطلق في كل مكان وزمان، إلا أن الشافعي قال: إذا لم يكن أمير الجيش الإِمام أو أمير إقليم، فليس له إقامة الحد، ويؤخر حتى يأتي الإِمام؛ لأن إقامة الحدود إليه. وكذلك إن كان بالمسلمين حاجة إلى المحدود، أو قوة به، أو شغل عنه، أخِّر، وقال أبو حنيفة: لا حد ولا قصاص في دار الحرب، ولا إذا رجع، ولنا على وجوب أمر الله تعالى ورسوله به، وعلى تأخيره ما روى بسر بن أرطأة أنه أُتي برجل في الغزاة قد سرق بُختية ...، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وروى سعيد في «سننه» [(٢٥٠٠)] بإسناده عن الأحوص بن حكيم، عن أبيه، أن عمر كتب إلى الناس أن لا يجلدنّ أمير جش ولا سرية رجلًا من المسلمين حدًا وهو غازٍ حتى يقطع الدرب قافلًا لئلا تحمله حمية الشيطان فيلحق بالكفار. وعن أبي الدرداء مثل ذلك [سعيد بن منصور (٢٤٩٩)] وعن علقمة (٢٥٠١) قال: كنا في جش في أرض =

١٩ - باب في قَطْع النبَّاش
٤٤٠٩ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا حمادُ بنُ زيد، عن أبي عِمرانَ، عن المُشَعَّث ابنِ طَريفٍ، عن عبد الله بنِ الصَّامتِ


= الروم ومعنا حذيفة بن اليمان وعلينا الوليد بن عقبة فشرب الخمر، فأردنا أن نحُدَّه فقال حذيفة: أتحدُّون أميركم وقد دنوتم من عدوكم، فيطمعوا فيكم.
وأتي سعْد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر فأمر به إلى القيد فلما التقى الناس قال أبو محجن:
كفى حزنًا أن تُطرد الجلُ بالقنا ... وأترك مشدودًا عَلَىَّ وثاقيا
فقال لابنة خصفة امرأة سعد: أطلقيني، ولك الله عليّ إن سلَّمني اللهُ أن أرجع حتى أضع رجليَّ في القيد، فإن قتلتُ استرحتم مني، قال: فحلَّتْه حين التقى الناس وكانت بسعد جراحة، فلم يخرج يومئذ إلى الناس، قال: وصَعِدُوا به فوق العذَيب ينظر إلى الناس واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ رمحًا، ثم خرج، فجعل لا يحمل على ناحية من العدوّ إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون: هذا ملك، لما يرونه يصنع، وجعل سعد يقول: الضَّبْر ضَبْر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هُزم العَدُوّ رجع أبو محجن حتى وضع رجليه في القيد، فأخبرت ابنة خصفة سعدًا بما كان من أمره، فقال سعد: لا والله لا أضرب اليوم رجلًا أبلى اللهُ المسلمين به ما أبلاهم، فخلّى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام عليَّ الحد وأُطَهَّر منها، فأما إذ بهرجتني (أي: أهدرتني بإسقاط الحدّ عني) فوالله لا أشربها أبدًا، أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٢٥٠٢) عن أبي معاوية الضرير، حدَّثنا عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم ابن محمَّد بن سعد، عن أبيه ورواه عبد الرزاق في «المصنف» (١٧٠٧٧) بمعناه عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، وهذا سند رجاله ثقات. وهذا اتفاق لم يظهر خلافه. فأما إذا رجع فإنه يقام الحد عليه لعموم الآيات والأخبار، وإنما أُخِّرَ لعارض، كما يؤخَّر لمرض أو شغل، فإذا زال العارض، أقيم الحدُّ، لوجود مقتضيه، وانتفاء معارضه، ولهذا قال عمر: حتى يقطع الدرب قافلًا.

عن أبي ذرِّ، قال: قال لي رسولُ الله ﷺ: «يا أبا ذرٍّ» قلت: لبيك يا رسُولَ اللهِ وسعديكَ، فقال: «كيف أنتَ إذا أصابَ الناسَ موتٌ، يكون البيتُ فيه بالوصيفِ» يعني القبرَ، قلت: اللهُ ورسولُه أعلمُ، أو ما خارَ الله ورسولُه، قال: «عليك بالصَّبر» أو قال: «تصبِر» (١).
قال أبو داود: قال حمادُ بنُ أبي سليمان: يُقطعُ النبّاشُ؛ لأنه دخل على الميتِ بيتَه.

٢٠ - باب في السارق يَسرقُ مرارًا
٤٤١٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عُبيد بن عَقِيل الهلاليُّ، حدَّثنا جدِّي، عن مُصْعَب بنِ ثابت بنِ عبدِ الله بنِ الزبير، عن محمَّد بنِ المنكدرِ
عن جابرِ بنِ عبد الله، قال: جِيءَ بسارِقٍ إلى النبيِّ ﷺ فقال: «اقتُلوه»، فقالوا: يا رسولَ الله ﷺ، إنما سَرَقَ، فقال: «اقطعُوه» قال: فَقُطِعَ، ثم جيء به الثانيةَ، فقال: «اقتلُوه» فقالوا: يا رسولَ الله ﷺ، إنما


(١) حديث صحيح، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٢٦١).
قال الخطابي: موضع استدلال أبي داود من الحديث أنه سمى القبر بيتًا، والبيت حرز، والسارق من الحرز مقطوع إذا بلغت سرقته مبلغ ما تقطع فيه اليد.
والوصيف: العبد، يريد: أن الفضاء من الأرض يضيق عن القبور ويشتغل الناس بأنفسهم عن الحفر لموتاهم، حتى تبلغ قيمة القبر قيمة العبد.
وقد اختلف الناسُ في قطع النبَّاش:
فذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق إلى أنه يقطع إذا أخذ من القبر ما يكون فيه القطع. وبه قال أبو يوسف، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: لا قطع عليه.

سَرَقَ، فقال: «اقطعُوه»، قال: فقُطِعَ، ثم جِيء به الثالثة، فقال: «اقتلُوه»، فقالوا: يا رسول الله ﷺ، إنما سَرَقَ، فقال: «اقطعُوه»، ثم أُتي به الرابعةَ، فقال: «اقتُلوه» فقالوا: يا رسول الله ﷺ، إنما سَرَقَ، قال: «اقطعوه»، فأتي به الخامسَةَ فقال: «اقتلُوه» قال جابرٌ: فانطلقنَا بِهِ فقتلناه ثم اجتررْناه فالقيناهُ في بِئرٍ، ورمينَا عليه الحِجَارة (١).


(١) إسناده ضعيف لضعف مصعب بن ثابت، وقال النسائي: مصعب بن ثابت ليس بالقوي، ويحيى القطان لم يتركه، وهذا الحديث ليس بصحيح، ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا عن النبي ﷺ.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٤٢٩) عن محمَّد بن عبد الله بن عُبيد بن عَقيل، بهذا الإسناد.
وقال الخطابي: هذا في بعض إسناده مقال، وقد عارض الحديث الصحيح الذي بإسناده وهو أن النبي ﷺ قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنىً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» والسارق ليس بواحد من الثلاثة، فالوقوف عن دمه واجب.
لا أعلم أحدًا من الفقهاء يبيح دم السارق وإن تكررت منه السرقة مرة بعد مرة أخرى، إلا أنه قد يخرَّج على مذاهب بعض الفقهاء أن يباح دمه، وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض في أن للإمام أن يجتهد في تعزير المفسدين، ويبلغ به ما رأى من العقوبة. وإن زاد على مقدار الحد وجاوزه، وإن رأى القتل قتل. ويُعزى هذا الرأي إلى مالك بن أنس.
وهذا الحديث إن كان له أصل فهو يؤيد هذا الرأي.
وقد اختلف الناس في السارق إذا سرق مرة فقطعت يده اليُمنى، ثم سرق مرة فقطعت رجله اليُسرى.
فقال مالك والشافعي وإسحاق بن راهويه: إن سرق الثالثة قطعت يده اليسرى، وإن سرق الرابعة قطعت رجله اليُمنى، وإن سرق بعد ذلك عُزِّر وحبس. وقد حُكي مثل ذلك عن قتادة. =

٢١ - بابٌ في تعليق يد السارق في عُنُقِهِ
٤٤١١ - حدَّثنا قُتيبة بنُ سعيدٍ، حدَّثنا عُمر بنُ عليٍّ، حدَّثنا الحجاجُ، عن مَكحولٍ، عن عبدِ الرحمن بن مُحيرِيز، قال:
سألنا فَضَالةَ بنَ عُبيدٍ عن تعليقِ اليدِ في العُنق للسارق، أمن السُّنَّة هو؟ قال: أُتيَ رسولُ الله ﷺ بسارقٍ فقُطِعَت يَدُه، ثم أمر بها، فعُلِّقت في عُنُقه (١).

٢٢ - باب بيع المملوكِ إذا سَرَقَ (٢)
٤٤١٢ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا أبو عَوَانَةَ، عن عُمر بنِ أبي سلمة، عن أبيه
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا سَرَقَ المملُوكُ فبِعهُ ولو بِنَشٍّ» (٣).


= وقال الشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وأحمد بن حنبل: إذا سرق قطعت يده اليمنى، فإن سرق الثانية قطعت رجله اليسرى، فإن سرق الثالثة لم يقطع واستودع السجن. وقد روي مثل ذلك عن علي رضي الله عنه.
قلنا: وهذا الأخير هو رأي الحنفية رأوه استحسانًا. انظر «البناية» للعيني ٧/ ٥٠.
(١) إسناده ضعيف لضعف الحجاج -وهو ابن أرطأة- ثم هو مدلس وقد عنعن. وبه أعلّ الحديثَ النسائيُّ في «المجتبى» (٤٩٨٣)، والزيلعي في «نصب الراية» ٣/ ٣٧٠،
وقال أبو بكر بن العربي في «عارضة الأحوذي» ٦/ ٢٢٧: لم يثبت.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٨٧)، والترمذي (١٥١٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٣٣) و(٧٤٣٤) من طريق حجاج بن أرطأة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٤٦).
(٢) هذا التبويب أثبتناه من (هـ)، وأشار هناك إلى أنه في رواية ابن الأعرابي.
(٣) إسناده ضعيف لضعف عمر بن أبي سلمة -وهو ابنُ عبد الرحمن بن عوف-، وبه أعله النسائي في «المجتبى» (٤٩٨٠) ٠ أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري. =

قال أبو داود: النَّشُّ نصف أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، النصفُ أوقية من ذلك عشرون درهمًا (١).

٢٣ - باب في الرَّجْم
٤٤١٣ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بنِ ثابت المروزيُّ، حدثني عليُّ بنُ الحُسين، عن أبيه، عن يزيد النحويِّ، عن عِكرِمَة
عن ابنِ عباسٍ قال: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] وذكر الرجُلَ بعد المرأةِ ثم جمعهُما فقال: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ [النساء: ١٦] فنُسخَ ذلك بآيةِ الجلدِ فقال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] (٢).


= وأخرجه ابن ماجه (٢٥٨٩)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٣١) من طريق أبي عوانة اليشكري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٨٤٣٩).
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن العبد.
(٢) صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل علي بن الحسين -وهو ابن واقد المروزي- فإنه صدوق حسن الحديث وهو متابع. يزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد المروزي.
وأخرجه البيهقي ٨/ ٢١٠ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه أبو عبيد القاسم في «الناسخ والمنسوخ» (٢٣٩)، والطبري في «تفسيره» ٤/ ٢٩٢، وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ١١٩، والبيهقي ٨/ ٢١١، وابن الجوزى في «نواسخ القرآن» ص ٢٦٣ من طريق علي بن أبي طلحة، وأبو عبيد (٢٣٨) من طريق عطاء بن أبي مسلم الخراساني، والطبري ٤/ ٢٩٢ من طريق عطية العوفي، وأبو جعفر النحاس ص ١١٨، والطبراني في «الكبير» (١١١٣٤) =

٤٤١٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّد بنِ ثابت، حدَّثنا موسى -يعني ابن مسعودٍ- عن شِبْلٍ، عن ابنِ أبي نَجيح
عن مُجاهدٍ، قال: السبيلُ: الحدُّ (١).


= من طريق مجاهد بن جبر، كلهم عن ابن عباس. وهذه الطرق وإن كانت لا تخلو من مقال يصح بها الأثر إن شاء الله تعالى.
قال ابن كثير في «تفسيره» ٢/ ٢٠٤: قال ابن عباس: كان الحكم كذلك، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم. وكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك: أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه.
وقال ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٢٦٣: لا يختلف العلماء في نسخ هذين الحكمن عن الزانيين، أعني الحبسَ والأذى، وإنما اختلفوا بماذا نُسخا؟ فقال قوم نُسخا بقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .... وقال قوم: نُسخ هذان الحُكمان بحديث عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال: «خذوا عني،
خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيب بالثيب جلد مئة ورجم بالحجارة، والبكر
بالبكر جلد مئة ونفي سنة» [قلنا: هو الحديث الآتي عند المصنف برقم (٤٤١٥)]
قالوا: فنسخت الآيةُ بهذا الحديث، وهؤلاء يُجيزون نسخ القرآن بالسنة، وهذا قول مطرح، لأنه لو جاز نسخ القرآن بالسنة لكان ينبغي أن يُشترط التواتر في ذلك الحديث، فأما أن يُنسخَ القرآنُ بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك، وهذا من أخبار الآحاد.
قال: وقد اختلف العلماء بماذا ثبت الرجم على قولين:
أحدهما: أنه نزل به قرآن ثم نسخ لفظُه، وانعقد الإجماع على بقاء حكمه.
والثاني: أنه ثبت بالسنة.
(١) رجاله ثقات. مجاهد: هو ابن جَبْر المكي، وابن أبي نجيح: هو عبد الله، وشبل: هو ابن عبّاد المكي.
وأخرجه الطبري ٤/ ٢٩٢، والبيهقي ٨/ ٢١٠ من طرق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. =

قال سفيان: فآذوهما: البِكْران، فامسكوهن في البيوت: الثيبات (١).
٤٤١٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن سعيدِ بنِ أبي عروبة، عن قتادَة، عن الحسن، عن حِطّان بنِ عبد الله الرَّقاشي
عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «خُذُوا عنِّي، خُذُوا عنِّي، قد جعل اللهُ لهنَّ سبيلًا: الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جلدُ مئةٍ ورميٌ بالحجارة، والبِكر بالبِكرِ جلدُ مئةٍ ونفيُ سنةٍ» (٢).


= وأخرجه الطبري ٤/ ٢٩٣، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٢٦٣ من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: السبيل: الجَلْد. لكنه قال عند ابن الجوزي: فآذوهما، أي: سبًّا، ثم نسخها ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾.
(١) مقالة سفيان هذه، أثبتناها من (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٢) إسناده صحيح. الحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه مسلم (١٦٩٠)، وابن ماجه (٢٥٥٠)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٠٥) من طريق قتادة بن دعامة، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٧١٠٤) من طريق يونس بن عُبيد، عن الحسن البصري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٦٦٦) و(٢٢٧٠٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٢٧) و(٤٤٤٣).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا» إشارة إلى قوله سبحانه: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥] ثم فسَّر السبيل فقال: «الثيب بالثيب» يريد إذا زنى الثيب بالثيب، وكذلك قوله: «البكر بالبكر» يريد إذا زنى البكر بالبكر ... =

٤٤١٦ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقية ومحمدُ بنُ الصَّبَّاح بنِ سفيانَ، قالا: حدَّثنا هُشَيْمٌ، عن منصورٍ


= واختلف العلماء في تنزيل هذا الكلام ووجه ترتيبه على الآية: وهل هو ناسخ للآية: أو مبيِّن لها، فذهب بعضهم إلى النسخ، وهذا على قول من يرى نسخ الكتاب بالسنة. وقال آخرون: بل هو مبين للحكم الموعود بيانه في الآية فكأنه قال: عقوبتهن الحبس إلى أن يجعل الله لهن سبيلًا، فوقع الأمر بحبسهن إلى غاية، فلما انتهت مدة الحبس، وحان وقت مجيء السبيل، قال رسول الله ﷺ: خذوا عني تفسير السبيل وبيانه ولم يكن ذلك ابتداء حكم منه، وإنما هو بيان أمر كان ذكر السبيل منطويًا عليه، فأبان المبهم منه، وفصل المجمل من لفظه، فكان نسخ الكتاب بالكتاب لا بالسنة، وهذا أصوب القولين.
وفي قولة: «جلد مئة ورمي بالحجارة» حجة لقول من رأى الجمع بين الحد والرجم على الثيب المحصن إذا زنى.
وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله أنه قد استعمل ذلك في بعض الزناة، وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله ﷺ.
وإلى هذا ذهب الحسن البصري، وبه قال إسحاق بن راهويه وهو قول داود وأهل الظاهر.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجم ولم يجلد. وإليه ذهب عامة الفقهاء، ورأوا أن الجلد منسوخ بالرجم، وقد رجم رسول الله ﷺ ماعزًا ولم يجلده. ورجم اليهوديين ولم يجلدهما.
واحتج الشافعي في ذلك بحديث أبي هريرة في الرجل الذي استفتى رسول الله ﷺ عن ابنه الذي زنى بامرأة الرجل، فقال له: على ابنك جلد مئة وتغريب عام، وعلى المرأة الرجم. واغدُ يا أنيس على المرأة، فإن اعترفت فارجمها. فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
قال: فهذا الحديث آخر الأمرين؛ لأن أبا هريرة قد رواه، وهو متأخر الإِسلام.
ولم يعرض للجلد بذكر. وإنما هو الرجم فقط. وكان فعله ناسخًا لقوله الأول.
قلنا: ونسب الترمذي في «سننه» بإثر الحديث (١٤٩٩) القول بالجمع بين الجلد والرجم إلى أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعُود أيضًا.

عن الحسنِ، بإسناد يحيى ومعناهُ، قال: جلدُ مئةِ والرجْمُ (١).
٤٤١٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ عوفٍ الطائيُّ، حدَّثنا الربيعُ بنُ روح بنِ خُلَيدٍ، حدَّثنا محمدُ بنُ خالد -يعني الوهبيَّ- حدَّثنا الفضلُ بنُ دَلهَمٍ، عن الحسنِ، عن سلمةَ بنِ المُحبِّق عن عُبادة بن الصَّامت، عن النبي ﷺ، بهذا الحديث، فقال ناسٌ لِسعَد بنِ عُبادةَ: يا أبا ثابتٍ، قد نزلتِ الحدودُ، لو أنَّكَ وجدت مع امرأتك رجلًا كيف كنت صانعًا؟ قال: كُنتُ ضاربَهُما بالسَّيف حتى يسكُتا، أفأنا أذهبُ فأجمعُ أربعةَ شهداءَ؟ فإلى ذلك قد قضى الحاجةَ، فانطلقُوا فاجتمعُوا عند رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسُولَ الله، ألم تر إلى أبي ثابتٍ قال كذا وكذا؟ فقال رسولُ الله ﷺ: «كفى بالسَّيفِ شاهِدًا» ثم قال: «لا، لا، أخافُ أن يتتايعَ فيها السَّكرانُ والغيرانُ» (٢).


(١) إسناده صحيح. الحسن: هو البصري، ومنصور: هو ابن زاذان، وهشيم: هو ابن بشير الواسطي.
وأخرجه مسلم (١٦٩٠)، والترمذي (١٤٩٩)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٠٦)
من طريق هشيم بن بشير، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٦٦٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٢٥) و(٤٤٢٦).
وانظر ما قبله.
(٢) إسناده ضعيف. الفضل بن دلهم لين الحديث. والحسن -وهو البصري- الظاهر أنه لم يسمعه من سلمة بن المحبق، فقد أخرج ابنُ ماجه الحديث (٢٦٠٦) من طريق وكيع، عن الفضل بن دلهم، عن الحسن، عن قبيصة بن حُريث، عن سلمة بن المحبق قال: قيل لأبي ثابت سعد بن عبادة. فزاد في الإسناد قبيصة بن حريث وجعله من مسند سلمة بن المُحبّق. وقبيصة بن حريث هذا قال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: لا يصح حديثه، وجهله ابن القطان. =

قال أبو داود: روى وكيعٌ أوَّلَ هذا الحديث عن الفضل بنِ دَلهم عن الحَسَنِ، عن قبيصةَ بنِ حُريث عن سلمةَ بنِ المُحبِّق عن النبي ﷺ، وإنما هذا إسنادُ حديثِ ابنِ المحبِّق: أن رجلًا وقَع على جاريةِ امرأته.
قال أبو داود: الفضلُ بنُ دلهم ليس بالحافظ، كان قصَّابًا بواسِطَ.
٤٤١٨ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمَّد النُفيليُّ، حدَّثنا هُشيمٌ أخبرنا الزهريُّ، عن عُبيدِ الله بن عبدِ الله بنِ عُتبةَ
عن عبدِ الله بن عباس: أن عُمر بن الخطاب خَطَبَ، فقال: إن الله عز وجل بعثَ محمدًا ﷺ بالحقِّ، وأنزل عليه الكتابَ، فكان فيما أَنزَلَ عليه آيةَ الرجمِ، فقرأناها ووعَيناها، ورَجَمَ رسولُ الله ﷺ ورجَمْنَا من بعده، وإني خشيتُ إن طالَ بالناسِ الزمان أن يقولَ قائلٌ: ما نجدُ آيةَ الرجمِ في كتابِ الله، فيَضِلُّوا بتركِ فريضة أنزلها اللهُ، فالرَّجمُ حقٌّ على من زنى من الرجالِ والنساءِ إذا كان مُحصَنًا إذا قامتِ البينةُ أو كان حَملٌ أو اعترافٌ، وايمُ الله لولا أن يقول الناسُ: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتُها (١).


= وأخرجه بنحوه مختصرًا عبد الرزاق (١٧٩١٨) عن معمر، عن كثير بن زياد البصري، عن الحسن مرسلًا.
قوله: «يتتايع» قال في «النهاية»: التتايُع: الوقوع في الشر من غير فكرة ولا رويَّة.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (ب) وهامش (هـ)، وأشار في هامش (هـ) إلى أنه في رواية ابن الأعرابي. ثم قال بإثره: وقد رواه أبو بكر ابن داسه في كتاب «التفرد» [وهذا كتاب لأبي داود معروف]. وقد ذكر المزي في «التحفة» (٥٠٨٨) أنه في رواية ابن داسه أيضًا، يعني في «السنن». مع أنه ليس في أصل (هـ) عندنا وهي برواية ابن داسه، فالله تعالى أعلم. وإنما هو في روايته لكتاب «التفرد» كما ذكره في هامش (هـ).
(١) إسناده صحيح. هشيم: هو ابن بَشير الواسطي. =

٢٤ - باب رجم ماعز بن مالك (١)
٤٤١٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ سليمانَ الأنباريُّ، حدَّثنا وكيعٌ، عن هشامِ بنِ سعدٍ، أخبرني يزيدُ بنُ نعيمِ بنِ هزَّال
عن أبيه، قال: كان ماعزُ بنُ مالكِ يتيمًا في حجر أبي، فأصابَ جاريةً من الحيِّ، فقال له أبي: ائت رسولَ الله ﷺ فأخبره بما صنعت، لعله يستغفِرُ لك، وإنما يريدُ بذلك رجاء أن يكون له مخرَجًا، قال: فأتاه فقال: يا رسولَ الله، إني زنيتُ فأقِم عليَّ كتابَ الله، فأعرضَ عنه، فعاد فقالَ: يا رسولَ الله: إني زنيتُ فأقم علىَّ كتابَ الله، فأعرضَ عنه، فعادَ فقالَ: يا رسولَ الله، إني زنيتُ فأقِم علىَّ كتابَ الله (٢) حتى قالها


= وأخرجه البخاري (٦٨٢٩) و(٦٨٣٠) و(٧٣٢٣)، ومسلم (١٦٩١)، وابن ماجه (٢٥٥٣)، والترمذي (١٤٩٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧١١٨) و(٧١١٩ - ٧١٢٢) من طرق عن ابن شهاب الزهري، به. وجاء في رواية سفيان بن عيينة وهي رواية ابن ماجه والنسائي في الموضع الأول ذكر نص ما كان يقرأ وهو: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» قال النسائي: لا أعلم أحدًا ذكرها في هذا الحديث غير سفيان، وينبغي أن يكون وهم، والله أعلم.
وأخرجه بنحوه النسائي في «الكبرى» (٧١١٣) و(٧١١٤) و(٧١١٦) و(٧١١٧) من طريق سعد بن إبراهيم، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف قال: خطبنا عمر ... الحديث. فجعله سعدُ بن إبراهيم من مسند عبد الرحمن بن عوف، ولا يضر مثل هذا الاختلاف؛ لأنه قد يكون ابن عباس سمعه من عبد الرحمن بن عوف، ثم أرسله ومراسيل الصحابة حجة.
وهو في «مسند أحمد» (٣٥٢) و(٣٩١)، و«صحيح ابن حبان» (٤١٣) و(٤١٤) و(٦٢٣٩).
(١) هذا التبويب أثبتناه من (هـ)، وهامش (ب).
(٢) مقالة ماعز هذه في المرة الثالثة، أثبتناها من (ب)، وفي سائر أصولنا الخطية ذُكرت مرتين وحسب.

أربعَ مرارٍ، قال ﷺ: «إنكَ قد قُلتَها أربع مرَّاتِ، فبِمن؟» قال: بفلانه، فقال: «هل ضاجعتها؟» قال: نعم، قال: «هل باشرتها؟» قال: نعم، قال: «هل جامعتَها؟» قال: نعم، قال: فأمَر بهِ أن يُرجَمَ، فأخرجَ به إلى الحَرَّة، فلما رُجِمَ، فوجد مسَّ الحجارة فجزِع فخرج يشتدُّ، فلقيه عبدُ الله بن أُنَيس، وقد عَجَزَ أصحابُه، فنزَعَ له بوظيفِ بعير فرماه به، فقتَله، ثم أتى النبيَّ ﷺ، فذكر ذلك له، فقال: «هلا تركتموه، لعله أن يتُوب فيتوبَ اللهُ عز وجل عليه» (١).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. نعيم بن هزال مختلف في صحبته، وقد روى عنه ابنه يزيد ومحمد بن المنكدر وذكره ابن حبان في «الثقات»، وابنه يزيد وهشام بن سعد صدوقان حسنًا الحديث. وكيع: هو ابن الجراح الرؤاسي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٦٧) و(٧٢٣٤) من طريق زيد بن أسلم، عن يزيد بن نعيم، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٨٩٠ - ٢١٨٩٥).
وانظر تمام تخريجه وتفصيل طرقه في «مسند أحمد».
وانظر ما سلف برقم (٤٣٧٧).
وقصة رجم ماعز بن مالك قد رواها جمع من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم ستأتي أحاديثهم عند المصف في هذا الباب.
قال الخطابي: اختلف أهل العلم في هذه الأقارير المكررة، هل كانت شرطًا في صحة الأقارير بالزنى حتى لا يجب الحكم إلا بها، أم كانت زيادة في التبيُّن والاستثبات لشُبهة عرضت في أمره:
فقال قوم: هي شرط في صحة الإقرار لا يجب الحكُم عليه إلا بتكريره أربع مرات، وإليه ذهب الحكم بن عُتيبة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتج من احتج منهم بقوله: «إنك قد قلتها أربع مرات» إلا أنهم اختلفوا فيه إذا كان كله في مجلس واحد، فقال أبو حنيفة وأصحابه: إقراره أربع مرات في مجلس واحد بمنزلة إقراره مرة واحدة. وقال ابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل: إذا أقر أربع مرات في مجلس واحد رُجِم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقال مالك والشافعي وأبو ثور: إذا أقر مرة واحدة رجم كما إذا أقر مرة واحدة بالقتل قُتِل، وبالسرقة قُطِعَ. وروي ذلك عن الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان.
وذهب هؤلاء إلى أن النبي ﷺ إنما ردّه مرة بعد أخرى للشبهة التي داخلته في أمره،
ولذلك سأل هل به جِنَّةٌ أو خَبَل؟ وقال لهم: «استنكهوه» أي: لعله شرب ما أذهب عقله وجعل يستفسره الزنى، فقال: «لعلك قبَّلت؟» «لعلك لمستَ؟» إلى أن أقر بصريح الزنى، فزالت عند ذلك الشبهة فأمر برجمه، وإنما لزم الحكم عنده بقراره في الرابعة؛ لأن الكشف إنما وقع به، ولم يتعلق بما قبله.
واستدلوا في ذلك بقول الجُهنية: لعلك تريد أن تردّدني كما رددت ماعزًا؟ فعُلم أن الترديد لم يكن شرطًا في الحكم، وإنما كان من أجل الشبهة.
قالوا: وأما قوله: «قد قلتها أربع مرات» فقد يحتمل أن يكون معناه: أنك قلتها أربع مرات، فتبيَّنتُ عند إقرارك في الرابعة أنك صحيح العقل، ليست بك آفةٌ تمنع من قبول قولك، فيكون معنى التكرار راجعًا إلى هذا.
وفي قوله: «هلا تركتموه» دليل على أن الرجل إذا أقر بالزنى، ثم رجع عنه دُفع عنه الحدُّ سواء وقع به الحد أو لم يقع. إلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح والزهري وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأصحابه، وكذلك قال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى وأبو ثور: لا يُقبل رجوعه ولا يُدفع عنه الحد، وكذلك قال أهل الظاهر. وروي ذلك عن الحسن البصري وسعيد بن جبير. وروي معنى ذلك عن جابر بن عبد الله.
وتأولوا قوله: «هلا تركتموه» أي: لينظر في أمره ويستثبت المعنى الذي هرب من أجله. قالوا: ولو كان القتل عنه ساقطًا لصار مقتولًا خطأ، وكانت الدية على عواقلهم، فلما لم تلزمهم ديته دل على أن قتله كان واجبا.
قلت [القائل الخطابي]: وفي قوله: «هلا تركتموه» على معنى المذهب الأول دليل على أنه لا شيء على من رمى كافرًا، فأسلم قبل أن يقع السهم، وكذلك المأذون له في قتل رجل قصاصًا فلما تنحى عنه عفا وليُّ الدم عنه. وكذلك قال هؤلاء في شارب الخمر إذا قال: كذبتُ، فإنه يُكَفُّ عنه. وكذلك السارق إذا قال: كذبتُ، لم تُقطع يده. ولكن لا تسقط الغرامة عنه لأنها حق الآدمي.
وقال في «النهاية»: وظيف البعير: خفُّه، وهو له كالحافر للفرس.

٤٤٢٠ - حدَّثنا عُبيدُ اللهِ بنُ عمر بنِ ميسرةَ، حدَّثنا يزيدُ بنُ زريع، عن محمَّد بن إسحاق، قال: ذكرتُ لعاصم بن عُمر بنِ قتادةَ قصةَ ماعز بنِ مالكٍ، فقال لي: حدَّثني حَسنُ بنُ محمَّد بنِ علي بن أبي طالبٍ، قال:
حدَّثني ذلك مِن قولِ رسولِ الله ﷺ: «فهلا تركتموه» مَن شئتُ (١) مِن رجالِ أسلَم مِمَّن لا أتَّهم، قال: ولم أعرِف الحديث، قال: فجئتُ جابِرَ بنَ عبدِ الله، فقلتُ: إن رجالًا من أسلم يُحدَّثون أن رسولَ الله ﷺ قال لهم حين ذكروا له جَزَعَ ماعزٍ من الحجارةِ حينَ أصابته: «ألَّا تركتموه» وما أعرِفُ الحديثَ، قال: يا ابنَ أخي، أنا أعلمُ الناسِ بهذا الحديث، كنتُ فيمن رجم الرجلَ، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجَدَ مسَّ الحجارةِ صرخَ بنا: يا قومُ رُدُّوني إلى رسولِ الله ﷺ، فإنَّ قومي قتلُوني وغزُّوني مِن نفسي، وأخبروني أنَ رسولَ الله غيرُ قاتلي، فلم ننزِع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسولِ الله ﷺ وأخبرناه، قال: «فهلَّا تركتمُوه وجئتموني به» ليستثبت رسولُ الله ﷺ منه، فأما لتركِ حدٍّ فلا، قال: فعرفتُ وجهَ الحديث (٢).


(١) المثبت من (أ)، وهو رواية أبي عيسى الرملي كما أشير إليه في هامش (هـ)، وهو الموافق لرواية النسَائي من طريق يزيد بن زريع أيضًا، وفي بقية أصولنا الخطية: من شئتم. بضمير الجماعة المخاطبين.
(٢) إسناده حسن. وقد صرح محمَّد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي مولاهم- بسماعه عند المصنف وغيره فانتفت شبهة تدليسه.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٦٨) و(٧١٦٩) من طريق محمَّد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٠٨٩).

٤٤٢١ - حدَّثنا أبو كامل، حدَّثنا يزيدُ بنُ زُرَيع، حدَّثنا خالد -يعني الحذاء- عن عِكرمة
عن ابنِ عباس: أن ماعزَ بنَ مالكٍ أتى النبي ﷺ فقال: إنه زنى، فأعرض عنه، فأعادَ عليه مِرارًا، فأعرض عنه، فسألَ قومه: «أمجنونٌ هو؟» قالوا: ليس به بأسٌ، قال:، أفعلتَ بها؟ «قال: نعم، فأمر به أن يُرجَم، فانْطُلِقَ به فرُجِمَ، ولم يُصَلِّ عليه (١).
٤٤٢٢ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو عوانةَ، عن سماك
عن جابرِ بنِ سمرة، قال: رأيتُ ماعِزَ بنَ مالك حين جِيءَ به إلى النبي ﷺ رجلًا قصيرًا أعضَلَ ليسَ عليه رداء، فشهد على نفسه أربعَ مرات أنه قد زنى، فقال رسول الله ﷺ:»فلعلَّك قبَّلتَها (٢)؟ «قال: لا واللهِ إنَّه قد زَنَى الأَخِرُ؟ قال: فرجمه ثم خطب، فقال:،» ألا كُلَّما نفرنا في سبيلِ اللهِ خَلَفَ أحدُهم لهُ نَبِيبٌ كنبيبِ التَّيس يمنحُ إحداهنَّ الكُثبَة، أما إن الله عز وجل إن يُمكِّنِّي من أحدٍ منهم إلا نكَّلتُه عنهنَّ (٣).


(١) إسناده صحيح. خالد الحذاء: هو ابن مِهران، وأبو كامل: هو فُضَيل بن حُسين الجَحْدري.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٩٤٥)، وفي «الأوسط» (٤٥٥٦) من طريق أبي كامل الجَحْدري، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٣٢) من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة مرسلًا.
وانظر ما سيأتي برقم (٤٤٢٥ - ٤٤٢٧).
وقد سلف الكلام في الصلاة على المرجوم عند الحديث السالف برقم (٣١٨٦).
(٢) قوله: «قبَّلتَها» من (ب) و(ج)، واقتصر في (أ) و(هـ) على قوله: «فلعلّك؟».
(٣) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك -وهو ابن حرب- أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكُري، ومُسدَّد: هو ابن مُسرهَد. =

٤٤٢٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ المُثنَّى، عن محمد بنِ جعفرٍ، عن شُعبةَ، عن سماكٍ، قال:
سمعتُ جابرَ بنَ سَمُرة، بهذا الحديث، والأولُ أتمُّ، قال: فردَّه مرَّتين، قال سماكٌ: فحدَّثتُ به سعيدَ بن جُبير فقال: إنه ردَّه أربعَ مرات (١).
٤٤٢٤ - حدَّثنا عبدُ الغنيِّ بنُ أبي عَقيل المصريُّ، حدَّثنا خالدٌ -يعني ابن عبدِ الرحمن- قال:


= وأخرجه مسلم (١٦٩٢) من طريق أبي عوانة اليشكري، به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٤٥) من طريق زهير بن معاوية، عن سماك ابن حرب، عن جابر بن سمرة قال: أتى ماعز بن مالك الأسلمي رجل قصير في إزار ما عليه رداء وأنا انظر إليه، قال: ورسول الله ﷺ على وسادة عن يساره، قال: وبيني وبينه القوم، فكلَّمه وما أدري ما يُكلِّمه وأنا انظر، ثم قال: «اذهبوا به» فانطلق به، ثم قال: «ردُّوه» فرُدَّ فكلَّمهُ، ثم قال: «اذهبوا به فارجموه».
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨٠٣)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٣٦).
ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم (١٦٩٤) وغيره.
وقوله: له نبيب. النبيب: صوت التيس عند السفاد، والكثبة: القليل من اللبن، وقوله: نكلته معناه: ردعته بالعقوبة، ومنه النكول في اليمين، وهو أن يرتدع فلا يحلف، يقال: نكل ينكُل، ونكل يَنكِلُ لغتان.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن كسابقه. شعبة: هو ابن الحجّاج.
وأخرجه مسلم (١٦٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٤٤) من طريق محمَّد بن جعفر، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٩٨٣).
وانظر ما قبله.

قال شعبةُ: فسألتُ سِماكًا، عن الكُثْبةِ، فقال: اللبنُ القَليلُ (١).
٤٤٢٥ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو عَوَانة، عن سماكِ بنِ حربٍ، عن سعيدِ ابنِ جُبير عن ابنِ عباسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ لماعِزِ بنِ مالك: «أحقٌّ ما بلغني عنك؟» قال: وما بلغكَ عنِّي؟ قال: «بلغني عنكَ أنَّك وقعت على جارِية بني فلان؟» قال: نعم، فشَهِدَ أربعَ شهاداتٍ، فأمرَ به فَرُجم (٢).
٤٤٢٦ - حدَّثنا نصرُ بنُ علي، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا إسرائيل، عن سماكِ بنِ حرب، عن سعيد بنِ جُبير
عن ابنِ عباسٍ قال: جاء ماعزُ بن مالكٍ إلى النبي ﷺ، فاعترفَ بالزنى مرتَين، فطرده، ثم جاء فاعترفَ بالزِّنى مرتين، فقال: «شهِدتَ على نفسِك أربع مرَّاتٍ، اذهبوا به، فارجُمُوه» (٣).


(١) رجاله ثقات. خالد بن عبد الرحمن: هو الخُراساني، وعبد الغني بن أبي عَقيل: هو ابن رِفَاعة بن عبد الملك.
وهو في «مَسند أحمد» (٢٠٩٨٤).
وانظر سالفيه.
(٢) إسناده حسن من أجل سماك بن حرب. أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكُري.
وأخرجه مسلم (١٦٩٣)، والترمذي (١٤٩٠)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٣٣) من طريق أبي عوانة اليشكُري، والنسائي (٧١٣٤) من طريق زهير بن معاوية، كلاهما عن سماك، به. إلا أنه قال في رواية زهير: فاعترف أربع مرات: مرتين مرتين.
وانظر تالييه وما سلف برقم (٤٤٢١).
(٣) إسناده حسن من أجل سماك بن حرب. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو أحمد: هو محمَّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الزُّبيري.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٣٥) من طريق إسرائيل، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

٤٤٢٧ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا جرير، حدَّثني يعلى، عن عِكرمة أن النبي ﷺ. وحدَّثنا زهيرُ بنُ حربٍ وعُقبة بنُ مُكرَمٍ، قالا: حدَّثنا وهبُ بنُ جرير، حدَّثنا أبي، قال: سمعتُ يعلى بنَ حكيم يُحدِّث، عن عِكرِمة
عن ابنِ عباس: أن النبيَّ ﷺ قال لِماعزِ بنِ مالك: «لعلكَ قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت» قال: لا، قال: «أفنكتَها؟» قال: نعم، قال: فعندَ ذلك أمر برجمه، ولم يذكر مُوسى: عن ابنِ عباسٍ، وهذا لفظ حديث وهبٍ (١).
٤٤٢٨ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، عن ابنِ جُرَيجٍ، أخبرني أبو الزُّبير، أن عبدَ الرحمن بنَ الصامتِ ابنَ عم أبي هريرة أخبره
أنه سَمِعَ أبا هريرة يقول: جاء الأسلميُّ نبيَّ الله ﷺ فشَهِدَ على نفسِه أنه أصَابَ امرأةً حرامًا أربعَ مرَّاتٍ، كلُّ ذلك يُعرِضُ عنه فأقبل في الخامسة، فقال: «أنكتها؟» قال: نعم، قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟» قال: نعم: قال: «كما يغيب المرودُ في المُكْحُلَةِ والرِّشاءُ في البئر؟» قال: نعم، قال: «فهل تدري ما الزِّنى؟» قال: نعم، أتيتُ منها حرامًا ما يأتي الرجلُ من امرأته حلالًا، قال: «فما


(١) إسناده الموصُول صحيح. جرير: هو ابن حازم.
وأخرجه البخاري (٦٨٢٤)، والنسائي في»الكبرى«(٧١٣١) من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٧١٣٠) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الأسلمي أتى رسولَ الله ﷺ فاعترف بالزنى، فقال:»لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت؟«.
وهو في»مسند أحمد" (٢١٢٩).
وانظر سابقيه.

تُرِيدُ بهذا القولِ؟، قال: أريدُ أن تُطهِّرني، فأمر به فَرُجِمَ، فسمع النبيُّ ﷺ رجُلين من أصحابه يقول أحدُهما لصاحبه: انظُر إلى هذا الذي ستر اللهُ عليه فلم تَدَعْه نفسُه حتى رُجِمَ رَجمَ الكلبِ، فسكتَ عنهما، ثم سارَ ساعةً حتى مرَّ بجيفةِ حِمَارٍ شائِلٍ برجله، فقال: «أينَ فلانٌ وفلانٌ؟» فقالا: نحنُ ذانِ يا رسول الله ﷺ، قال: «انزِلا فكُلا من جِيفةِ هذا الحمارِ» فقالا: يا نبي الله، من يأكُلُ من هذا؟ قال: «فما نلتما مِن عِرض أخيكما آنفًا أشدُّ من أكلٍ منه، والذي نفسي بيدِه إنه الآن لفي أنهارِ الجنة، يَنقمِسُ (١) فيها، (٢).


(١) المثبت من (أ)، وعليها شرح الخطابي، وأشار في (أ) إلى أنها كذلك في رواية ابن داسه وابن العبد. وفي رواية اللؤلؤي: ينغمس، كذلك جاء في (ب) و(ج) وصححه في (أ).
(٢) إسناده ضعيف. عبد الرحمن بن الصامت -ويقال: عبد الرحمن بن الهضاض، وقيل: ابن هضهاض، وقيل: ابن الهضاب- لم يوثقه غير ابن حبان. وقال البخاري: لا يُعرف إلا بهذا الحديث، وقال النسائي في»الكبرى«: عبد الرحمن بن هضاض ليس بمشهور. ومع ذلك فقد صححه ابن الجارود (٨١٤)، وابن حبان (٤٣٩٩)! أبو الزبير: هو محمَّد بن مسلم بن تدرُس، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز.
وهو في»مصنف عبد الرزاق«(١٣٣٤٠)، ومن طريقه النسائي في»الكبرى«(٧١٦٥).
وأخرجه أيضًا (٧١٢٨) من طريق حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن عبدالرحمن ابن هضاض، عن أبي هريرة.
وأخرجه النسائي (٧١٦٢) من طريق الحسين بن واقد، عن أبي الزبير، عن عبد الرحمن بن الهضاب ابن أخي أبي هريرة، عن أبي هريرة.
وهو في»صحيح ابن حبان«(٤٣٩٩) و(٤٤٠٠).
وانظر ما بعده.
وأخرج البخاري (٥٢٧١)، ومسلم بإثر (١٦٩١)، والنسائي في»الكبرى" (٧١٣٩)
و(٧١٤٠) من طريق ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن =

٤٤٢٩ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليّ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، حدَّثنا ابنُ جُريج، قال: أخبرني أبو الزبيرِ، عن ابنِ عمِّ أبي هريرةَ
عن أبي هريرة، بنحوه، زاد: واختلفوا علىَّ، فقال بعضُهم: رُبِطَ إلى شجرةٍ، وقال بعضُهم: وُقِفَ (١).
٤٤٣٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ المتوكِّل العسقلانيُّ والحسنُ بنُ علي، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سَلَمة


= المسيب أن أبا هريرة قال: أتى رجل من أسلم رسولَ الله ﷺ وهو في المسجد فناداه، فقال: يا رسول الله، إن الآخر قد زنى، يعني نفسه، فأعرض عنه، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قِبله، فقال: يا رسولَ الله، إن الآخر قد زنى، فأعرض عنه، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قِبله، فقال له ذلك فأعرض عنه، فتنحى له الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه فقال: «هل بك جنون؟» قال: لا، فقال النبي ﷺ: «اذهبوا به فارجموه». وكان قد أحصن. هذا لفظ البخاري. وأخرج ابنُ ماجه (٢٥٥٤)، والترمذي (١٤٩١) من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحو رواية الزهري وزاد: فلما أصابته الحجارة أدبر يشتدُّ، فلقيه رجل بيده لحي جمل، فضربه فصرعه، فذكر للنبي ﷺ فراره حين مسَّتْه الحجارة، قال: «فهلا تركتموه».
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٤٣٩).
قوله: «ينقمسُ» قال الخطابي: معناه: ينغمس ويغوص فيها، والقاموس معظم الماء، ومنه: قاموس البحر.
(١) إسناده ضعيف كسابقه. أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد، والحسن بن علي: هو الخلّال.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٢٦) من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
تنبيه: هذا الطريق أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنه في رواية ابن الأعرابي، وذكره المزي في «التحفة» (١٣٥٩٩)، وذكر أنه في رواية ابن داسه.

عن جابرِ بنِ عبد الله: أن رجلًا من أسلم جاءَ إلى رسولِ الله ﷺ فاعترف بالزِّنى، فأعرضَ عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شَهِد على نفسه أربعَ شهاداتٍ، فقال له النبيُّ ﷺ: «أبِكَ جنونٌ؟» قال: لا، قال: «أحصنتَ؟» قال: نعم، قال: فأمرَ به النبيُّ ﷺ فَرُجِمَ في المُصلَّى، فلما أذلقتهُ الحِجَارةُ فرَّ، فأُدرك فرُجِمَ حتى مات، فقال له النبي ﷺ خيرًا، ولم يُصلِّ عليهِ (١).
٤٤٣١ - حدَّثنا أبو كاملٍ، حدَّثنا يزيدُ -يعني ابن زريع. وحدَّثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، عن يحيى بن زكريا -وهذا لفظه- عن داود، عن أبي نضرة


(١) إسناده صحيح.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٣٣٣٧)، ومن طريقه أخرجه البخاري (٦٨٢٠)، ومسلم بإثر (١٦٩١)، والترمذي (١٤٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (٢٠٩٤) و(٧١٣٨).
لكن انفرد محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عند البخاري بقوله: وصلى عليه. قال البيهقي ٨/ ٢١٨: وهو خطأ، وانظر تمام الكلام على هذا الاختلاف فيما سلف برقم (٣١٨٦).
وأخرجه البخاري (٥٢٧٠) و(٦٨١٤)، ومسلم بإثر (١٦٩١)، والنسائي (٧١٣٦) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، ومسلم بإثر (١٦٩١)، والنسائي (٧١٣٧) من طريق ابن جريج، كلاهما عن الزهري، به. وسكتا في روايتيهما عن الصلاة عليه.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٦٢)، و«صحيح ابن حبان»، (٣٠٩٤) و(٤٤٤٠).
وانظر الكلام على فقه الحديث فيما سلف برقم (٣١٨٦).
وقوله: أذلقته الحجارة. قال الخطابي: معناه أصابته بحدها فعقرته، وذلقُ كل شيء حَدُّه، يقال: أذلقت السنان إذا أرهفته، والذلاقة في اللسان: خفته وسرعة مروره على الكلام.
وفي قوله: أبك جنون؟ دليل على أنه قد ارتاب في أمره، ولذلك كان ترديده إياه وترك الاقتصار به على إقراره الأول.
وفيه دليل على أن المحصن يرجم ولا يجلد.

عن أبي سعيدٍ قال: لما أمر النبيُّ ﷺ برجمِ ماعزِ بنِ مالك خرجنا
به إلى البقيعِ، فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له، ولكنه قام لنا، -قال أبو كاملٍ: قال:- فرميناهُ بالعِظامِ والمَدَرِ والخزَفِ، فاشتدَّ، واشتددنا خلفَه، حتى أتى عُرْضَ الحرَّةِ، فانتصب لنا، فرميناه بجلاميدِ الحرةِ حتى سكت، قال: فما استغفرَ لهُ ولا سبَّهُ (١).
٤٤٣٢ - حدَّثنا مؤمَّلُ بنُ هشامٍ، حدَّثنا إسماعيلُ، عن الجُريري
عن أبي نضرة، قال: جاء رجلٌ إلى النبي ﷺ، نحوه، وليس بتمامه، قال: ذهبُوا يسبُّونه، فنهاهم، قال: ذهبُوا يستغفرونَ له، فنهاهم، قال: «هو رجلٌ أصاب ذنبًا، حسِيبُهُ الله» (٢).


(١) إسناده صحيح. أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قِطْعَة العَبْدي، وداود: هو ابن أبي هند، وأبو كامل: هو فُضيل بن حسين الجَحْدري.
وأخرجه مسلم (١٦٩٤)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٦١) من طريق داود بن أبي داود، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٥٨٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٣٨).
قوله: المدر: قال صاحب «النهاية»: هو الطين المتماسِك.
والخزف: قال في «اللسان»: هو ما عُمل من الطين وشوي بالنار فصار فخَّارًا.
وعُرض الحرة: قال النووي في «شرح مسلم»: هو بضم العين، أي: جانبها.
قال: وجلاميد الحرة، أي: الحجارة الكبار، واحدها جلمد بفتح الجيم والميم، وجُلمود بضم الجيم.
وقال الخطابي: سكت، يريد: مات، قال الشاعر عدي بن زيد:
ولقد شفى نفسي وأبرأ داءَها ... أخذُ الرجالِ بحَلْقِه حَتَّى سكت
(٢) رجاله ثقات لكنه مرسل. أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قِطْعة العَبْدي، والجُريري: هو سعيد بن إياس، وسماع إسماعيل -وهو ابن عُلية، منه وإن كان قبل تغيُّره- تبقى في الحديث علةُ الإرسال.

٤٤٣٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ أبي بكر بنِ أبي شيبةَ (١)، حدَّثنا يحيى بنُ يعلى ابنِ الحارِث، حدَّثنا أبي، عن غيلانَ، عن علقمةَ بنِ مرثدٍ، عن ابن بريدة
عن أبيه: أن النبيَّ ﷺ استنكَهَ ماعزًا (٢).
٤٤٣٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ الأهوازيُّ، حدَّثنا أبو أحمدَ، حدَّثنا بَشيرُ ابنُ المُهاجِر، حدَّثني عبدُ الله بنُ بُريدة
عن أبيه، قال: كنا أصحابَ رسولِ الله نتحدَّثُ أن الغامِديَّة وماعِزَ ابنَ مالك لو رجعَا بعدَ اعترافِهما -أو قال: لو لم يرجِعَا بعدَ اعترافهما- لم يطلُبْهُمَا، وإنما رجَمَهُما عندَ الرابعة (٣).


(١) كذا في (ب) و(ج): محمَّد بن أبي بكر بن أبي شيبة، وكذلك هو في رواية ابن الأعرابي كما أشار إليه في هامش (هـ) وصوَّبه، وهو الصحيح الذي ذكره المزي في «التحفة» (١٩٣٤)، و«تهذيب الكمال».
ووقع في (أ) و(هـ): حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة.
(٢) حديث صحيح، محمَّد بن أبي بكر بن أبي شيبة متابع. ابن بريدة. هو سليمان، وغيلان: هو ابن جامع المُحاربي.
وأخرجه مطولًا مسلم (١٦٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٢٥) من طريق يحيى بن يعلى بن الحارث، بهذا الإسناد. لكنه قال فيه: فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر. وقال النسائي: هذا صالح الإسناد. وسقط من بعض نسخ مسلم من إسناده: يعلى بن الحارث. قال القاضي عياض: والصواب ما وقع في نسخة الدمشقي: عن يحيى بن يعلى، عن أبيه، عن غيلان. فزاد في الإسناد: عن أبيه.
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (٤٤٤٢).
قال الخطابي: فيه دلالة على أنه قد ارتاب بأمره، وفيه حجة لمن لم ير طلاق السكران طلاقًا وهو قول مالك بن أنس والمزني.
(٣) إسناده ضعيف لضعف بشير بن المهاجر.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٦٤) و(٧٢٣١) من طريق بشير بن المهاجر، به. =

٤٤٣٥ - حدَّثنا عبدُة بنُ عبدِ الله ومحمدُ بنَ داود بن صَبِيح -قال عبدةُ:- أخبرنا حَرَمي بنُ حفص، حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الله بن عُلاثَةَ، حدَّثنا عبدُ العزيز ابنُ عُمَرَ بنِ عبد العزيز، أن خالدَ بنَ اللَّجلاجِ حدَّثه
أن اللَّجلاجَ أباه أخبره: أنه كان قاعدًا يعتمِلُ في السوق، فمرَّتِ امرأةٌ تحملُ صبيًَّا، فثارَ الناسُ معها، وثُرتُ فيمن ثار، فانتهيتُ إلى النبي ﷺ وهو يقولُ: «من أبو هذا معكِ؟» فسَكَتت، فقالَ شابٌّ حَذوَها: أنا أبوهُ يا رسولَ الله ﷺ، فأقبلَ عليها، فقال: «من أبو هذا معَكِ؟» فقال الفتى: أنا أبوه يا رسولَ الله، فنظر رسولُ الله ﷺ إلى بعضِ مَنْ حولَه يسألهم عنه، فقالوا: ما عَلِمنا إلا خيرًا، فقال له النبي ﷺ: «أحصنتَ؟» قال: نعَم، فأمَرَ به فَرُجِمَ، قال: فخرجنا به، فحفرنا له حتى أمكننا، ثم رميناه بالحجارةِ حتى هدأ، فجاء رجل يسألُ عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي ﷺ، فقلنا: هذا جاءَ يسألُ عن الخبيثِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «لهو أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِ المِسكِ» فإذا هو أبوه، فأعنَّاهُ على غسلِه وتكفينه ودفنِه، وما أدري قال: والصلاةِ عليه، أم لا. وهذا حديث عبدة، وهو أتم (١).


= وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٤٢).
قلنا: وفي قوله ﷺ «هلا تركموه» من حديث جابر بن عبد الله السالف برقم (٤٤٢٠) وحديث نعيم بن هزال السالف أيضًا (٤٤١٩) وغيرهما، دليل على أن الحَدَّ يُدرأ عن المعترف إذا رجَع، كما بوَّب له الترمذي في «جامعه» للحديث (١٤٩١). وانظر كلام الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٢٧.
(١) حديث حسن إن شاء الله، وهذا إسناد فيه محمَّد بن عبد الله بن عُلاثة مختلف فيه، وأعدل الأقوال فيه أنه لا يحتج بما انفرد به وإنما يكتب حديثه للمتابعة والشواهد، وقد توبع في بعض هذا الحديث، ويشهد له قصة ماعز عند مسلم (١٦٥٥) وهو عند =

٤٤٣٦ - حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا صدقةُ بنُ خالدِ (ح)
وحدَّثنا نصرُ بنُ عاصم الأنطاكي، حدَّثنا الوليد -جميعًا- قالا: حدَّثنا محمَّد، قال هشام: محمَّد -بن عبد الله الشُّعيثي- عن مسلمةَ بنِ عبدِ الله الجهني، عن خالد بنِ اللجلاج، عن أبيه، عن النبيَّ ﷺ، ببعض هذا الحديث (١).
٤٤٣٧ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا طَلْقُ بنُ غنَّامٍ، حدَّثنا عبدُ السَّلام بنُ حفصٍ، حدَّثنا أبو حازم
عن سهلِ بنِ سعد، عن النبيَّ ﷺ: أن رجلًا أتاه، فأقرَّ عندَه أنه زنى بامرأةٍ سمَّاها له، فبعثَ النبيَّ ﷺ إلى المرأةِ، فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنَت، فجلدَه الحدَّ وتَرَكها (٢).


= أبي داود (٤٤٣٣) مختصرًا، وحديث المرأة الجهنية وسيأتي خبرها برقم (٤٤٤٠)
و(٤٤٤٢).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٤٦) و(٧١٦٥) من طريق حرمي بن حفص،
بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٩٣٤).
وانظر ما بعده.
(١) إسناده حسن. مسلمة بن عبد الله الجهني روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة الثالثة وذكر أنه كان صاحب تابوت الزكاة، وذكره ابن سُميع في الطبقة الخامسة، وقال: كان على بيت المال زمن هشام.
قلتا: فمثله يكون حسن الحديث في أقل أحواله، ومحمد بن عبد الله الشعيثي -وهو ابن المهاجر- صدوق حسن الحديث. فهذه متابعة جيدة للإسناد السابق.
وأخرجه النسائي في: «الكبرى» (٧١٤٧) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد. ببعض الحديث السالف قبله.
(٢) إسناده صحيح. أبو حازم: هو سلمة بن دينار المدني القاصّ.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٥٩٢٤)، والبيهقي ٨/ ٢٢٨ من طريق عثمان بن أبي شيبة، بهذا الإسناد. =

٤٤٣٨ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا.
وحدَّثنا ابنُ السرح -المعنى- أخبرنا عبدُ الله بنُ وهب، عن ابن جُرَيج، عن أبي الزبير


= وأخرجه أحمد (٢٢٨٧٥) عن حسين بن محمَّد، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٩٤٢) والطبراني في «الكبير» (٥٧٦٧)، والدارقطني (٣١٥٥)، والبيهقي ٨/ ٢٥١ من طريق هشام بن عمار، والدارقطفي (٣١٥٥) من طريق يونس بن محمَّد، و(٣١٥٥) من طريق أبي علي أحمد بن الحكم، أربعتهم عن مسلم بن خالد الزنجي، عن عباد بن إسحاق، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. لكن قال حسين في روايته: فحده وتركها، وقال الآخرون: فرجمه النبي ﷺ وتركها. والصحيح رواية حسين لموافقتها لرواية عبد السلام بن حفص على أن مسلم بن خالد الزنجي ضعيف.
وأخرجه الطحاوي (٤٩٤١)، والحاكم ٤/ ٣٧٠ من طريق أسد بن موسى، عن مسلم بن خالد، عن أبي حازم، عن سهل. فأسقط من إسناده عبادًا، والصحيح ذكره كما رواه من سبق ذكرهم عن مسلم.
وأخرجه الدارقطني (٣١٥٦) من طريق فليح بن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل: أن وليدة في عهد رسول الله ﷺ حملت من الزنى، فسئلت: من أحبلك؟ قالت: أحبلني المقعد، فسئل عن ذلك، فاعترف، فقال النبي ﷺ: إنه لضعيف عن الجلد، فأمر بمئة عثكول، فضربه بها ضربة واحدة. ثم قال الدارقطني: كذا قال، والصواب عن أبي حازم، عن أبي أمامة بن سهل. قلنا: يعني أن فليحًا وهم في ذكر قصة المُقعد بهذا الإسناد، وإنما هذه القصة من رواية أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل، ثم ساقها من طريق أبي الزناد ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي أمامة.
وسيتكرر برقم (٤٤٦٦).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامش (هـ)، وقال صاحب «عون المعبود»: هذا الحديث في بعض النسخ في هذا المحل، وفي أكثر النسخ في باب إذا أقر الرجل بالزنى، ولم تقر المرأة، وسيأتي، وهو الصحيح، والله أعلم. قلنا: قد يكون أبو داود كرره في الموضعين عمدًا تفقهًا وثبت ذلك في بعض الروايات عنه، فلا مجال لتصحيح وجودِه في مكان دون آخر.

عن جابر: أن رجلًا زنى بامرأة، فأمرَ بهِ النبيُّ ﷺ فجُلِدَ الحدَّ، ثم أُخبِرَ أنه مُحصَنٌ، فأمَرَ به فَرُجِم (١).
قال أبو داود: روى هذا الحديثَ محمدُ بنُ بكرٍ البُرسانيُّ، عن ابنِ جريج، موقوفًا على جابرِ.
ورواه أبو عاصم، عن ابنِ جُريجِ بنحو ابنِ وهْبٍ، لم يذكر النبي ﷺ، قال: إن رجلًا زَنَى، فَلَمْ يعلمْ بإحصانِه فجُلِدَ، ثم علِمَ بإحصانه فَرُجِمَ (٢).
٤٤٣٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ عبد الرحيم أبو يحيى البزَّاز، أخبرنا أبو عاصِمٍ، عن ابن جُرَيجٍ، عن أبي الزُّبير
عن جابر: أن رجلًا زنى بامرأةٍ فلم يُعلَم بإحصَانِه فجُلِد، ثم عُلِمَ بإحصانه فَرُجِمَ (٣).


(١) إسناده ضعيف مرفوعًا، فقد انفردَ عبدُ الله بن وهب برفعه، وخالفه أبو عاصم الضحاك بن مخلد كما في الطريق الآتي بعده عند المصنف، ومحمد بن بكر البُرساني كما أشار المصنف، فروياه عن ابن جريج موقوفًا. قلنا: وقد ثبت تصريح ابن جريج وأبي الزبير بسماعهما في الطريق الموقوف عند النسائي في «الكبرى»، فلهذا صوَّب الموقوفَ، وخطَّأ المرفوعَ.
وأخرجه النَّسائي في «الكبرى» (٧١٧٣) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد. وقال بإثره: لا أعلم أن أحدًا رفع هذا الحديث غير ابن وهب.
وانظر ما بعده.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ). وأشار هناك أنه صحيح لأحمد وحده وقصد بقوله: أحمد: أحمد بن سعيد بن حزم، والله تعالى أعلم، وهو أحد رواه «السنن» عن ابن الأعرابي، وعن أبي عيسى الرملي.
(٣) إسناده صحيح مرقوفًا، وقد جاء عند النسائي تصريح ابن جريج -وهو =

٢٥ - باب المرأة التي أمر النبيَّ ﷺ برجمْها من جُهينةَ
٤٤٤٠ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، أن هشامًا الدَّستُوائيَّ وأبانَ بنَ يزيد، حدَّثاهم -المعنى- عن يحيى، عن أبي قِلابة، عن أبي المُهلَّب
عن عِمرانَ بنِ حُصَين: أن امرأةً، قال في حديثِ أبانَ: مِن جُهينة أتَتِ النبيَّ ﷺ، فقالت: إنها زَنَت وهي حُبْلى، فدعا النبيُّ ﷺ وليًا لها: فقال له رسُولُ الله: «أحسن إليها، فإذا وضَعَتْ فَجِئْ بها»، فلما أن وضَعَتْ جاء بها، فأمر بها النبيُّ ﷺ فشُكَّت عليها ثيابُها، ثم أمر بِها فرُجِمَت، ثُمَّ أمرهم فصلَّوْا عليها، فقال عُمَرُ: يا رسول الله ﷺ تُصلي عليها وقد زنت؟ قال: «والذي نفسي بيدِه، لقد تابت توبةً لو قُسِّمت بين سبعِينَ من أهلِ المدينةِ لوسعتهم، وهل وجدَت أفضلَ من أن جادَت بنفسها؟».
لم يَقُل عن أبانَ: فشُكَّت عليها ثيابَها (١).


= عبد الملك بن عبد العزيز- وأبي الزبير -وهو محمَّد بن مسلم بن تدرُس- بالسماع، فانتفت شبهة تدليسهما. أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٧٤) عن محمَّد بن بشار، عن أبي عاصم، بهذا الإسناد. وقال: هذا الصواب، والذي قبله خطأ.
(١) إسناده صحيح. أبو المهلب: هو الجَرمي، عم أبي قلابة، مختلف في اسمه، وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجَرمي، ويحيى: هو ابن أبي كثير، وهام الدَّستُوائي: هو ابن أبي عبد الله.
وأخرجه مسلم (١٦٩٦)، وابن ماجه (٢٥٥٥)، والترمذي (١٥٠٠)،والنسائي في «الكبرى» (٢٠٩٥) و(٧١٥٠) و(٧١٥١) و(٧١٥٦) و(٧١٥٧) من طريق يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد. وقد وقع خطأ في رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عند ابن ماجه والنسائي في الموضعين الثاني والخامس حيث سمى أبا المهلب: أبا المهاجر.
وقد نبه عليه النسائي بإثر (٧١٥١). =

٤٤٤١ - حدَّثنا محمدُ بنُ الوزيرِ الدمشقي، حدَّثنا الوليدُ عن الأوزاعى، قال: فشُكَّت عليها ثيابُها، يعني: فشُدَّت (١).
٤٤٤٢ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ، أخبرنا عيسى بنُ يونس، عن بشير بن المُهاجِرِ، حدَّثنا عبدُ الله بن بُريدة
عن أبيه، أن امرأةً -يعني مِن غامدٍ- أتتِ النبيَّ ﷺ، فقالت: إني قد فجرتُ، فقال: «ارجِعي»، فرجعت، فلما كانَ الغَدُ، أتته، فقالت: لعلكَ أن تُرَدِّدَني كما رَدَّدْتَ ماعِزَ بنَ مالكٍ، فوالله إني لحُبلى، فقال لها: «ارجِعي»، فرجعت، فلما كان الغد، أتته، فقال لها: «ارجِعي حتَّى تَلِدي»، فرجعت، فلما ولدت، أتته بالصبى، فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: «ارجعي فأرضِعيه حتى تفطِميهِ»، فجاءت به وقد فَطَمَتْهُ، وفي يده شيءٌ يأكلُه، فأمر بالصبىِّ، فدُفِعَ إلى رجُلٍ من المسلمينَ، وأَمَرَ بها فَحُفِر لها، وأَمَرَ بها فرُجِمَت، وكان خالدٌ فيمن يرجُمُها، فرجمها بحجر، فوقعت قَطرةٌ من دمِها على وجنَتهِ، فسبَّها، فقال له النبيُّ ﷺ: «مهلًا يا خالدُ، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً لو تابها صاحِبُ مَكسٍ لغُفِرَ له» وأمرَ بها فصُلِّي عليها، ودُفِنَت (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (١٩٨٦١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٠٣) و(٤٤٤١).
قال الخطابي: شُكَّت عليها ثيابها، أي: شُدَّت عليها لئلا تتجرد فتبدو عورتها.
(١) رجاله ثقات. الوليد: هو ابن مسلم الدمشقي، والأوزاعي: هو عبد الرحمن ابن عمرو الإِمام المشهور.
(٢) حديث صحيح، وقصة سب خالد بن الوليد للغامدية وقصة انتظار الفطام للرجم تفرد بهما بَشير -وهو ابن المُهاجر الغنوي- في حديث بريدة، وهو مختلف فيه، فقوَّى أمره قومٌ وضعَّفه آخرون، ونقل الأثرم عن الإِمام أحمد أنه قال: منكر الحديث، وقد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه مسلم (١٦٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٥٩) و(٧٢٣١) من طريق بشير بن المهاجر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٤٩).
وأخرجه مسلم (١٦٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٤٨) من طريق علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. وليس فيه قصة الفطام ولا قصة سب خالد بن الوليد للمرأة الغامدية. وبيان عظم توبتها. ورجال هذه الطريق كلهم ثقات.
وقد جاء ذكر الرجم بعد الفطام في غير حديث بريدة الأسلمي، فقد رواه محمود ابن لبيد الأنصاري فيما نقله ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ١٢٨، قال: قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عنه، عن رسول الله ﷺ. ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة صالحة.
وكذلك رواه أنس بن مالك عند البزار (١٥٤١ - كشف الأستار)، ورجاله ثقات لكنه منقطع فإنه من رواية الأعمش عن أنس، ولم يسمع منه.
ورواه جابر بن عبد الله عند النسائي في «الكبرى» (٧١٤٩) وغيره. ورجاله ثقات لكن فيه عنعنة أبي الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرُس.
ورواه مالك في «موطئه» ٢/ ٨٢١ - ٨٢٢ عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي مليكة. هكذا رواه يحيى بن يحيى الليثي، عن مالك من حديث عبد الله بن أبي مليكة، والصواب -كما ذكر ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ١٢٧ -: أنه لزيد بن طلحة مرسلًا، كذا رواه القعنبيُّ وابن القاسم وابن بكير وابن وهب، عن مالك. قلنا: فهو مرسل لا بأس برجاله.
وقد جاء ذكر الفطام أيضًا في حديث عمران بن حصين في قصة رجم الجُهنيّة،
رواه الدارقطني (٣٢٣٨) عن عبد الله بن الهيثم بن خالد الطيبي، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن عبد الرزاق بإسناده. لكن ذكر الفطام فيه شادٌّ، لم يروه عن عبد الرزاق غير أحمد بن منصور الرمادي، وقد رواه غير واحد عن عبد الرزاق لم يذكروا فيه انتظار الفطام.
وكذلك لم يأت ذكره في سائر روايات الحديث، ولعل الوهم من الرمادي أو من عبد الله بن الهيثم، والله تعالى أعلم. =

٤٤٤٣ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شبة، حدَّثنا وكيعٌ بنُ الجراح، عن زكريا أبي عِمرانَ، قال: سمعتُ شيخًا يُحدِّث، عن ابن أبي بكرةَ
عن أبيه: أن النبيَّ ﷺ رَجَمَ امرأةً، فَحُفِر لها إلى الثَّندُوَةِ (١).


= قال الخطابي: أما حديث عمران بن حصين ففيه أنه لم يستأنِ بها إلى أن ترضع ولدها، ولكنه أمر برجمها حين وضعت.
وكذلك روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فعل بشُراحة، رجمها لما وضعت حملها، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: تُترك حتى تضع ما في بطنها، ثم تترك حولين حتى تفطمه ويشبه أن يكونا قد ذهبا إلى هذا الحديث، إلا أن الحديث الأول أجود. وبشير بن المهاجر ليس بذاك، وقال أحمد بن حنبل: هو منكر الحديث، وقال في أحاديث ماعز كلها: إن ترديده إنما كان في مجلس واحد، إلا ذلك الشيخ بشير بن المهاجر، وذلك عندي منكر الحديث.
قلنا: قد علمتَ أن ذكر الرجم بعد الفطام قد ورد في عدة أحاديث إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض حصل منها قوة، فليس عُمدة أحمد وإسحاق حديث يشعر بن المهاجر وحده كما ذكر الخطابي، ولكن مجموعُ تلك الروايات. ونقل المنذري عن بعضهم: يحتمل أن تكونا امرأتين وُجِدَ لولد إحداهما كفيل وقَبِلَها، والأخرى لم يُوجَد لولدها كفيل ولم يُقْبَل، فوجب إمهالها حتى يستغني عنها، لئلا يهلك بهلاكها، ويكون الحديث محمولًا على حالتين، ويرتفع الخلاف.
ثم قال الخطابي: قد ذكر في هذا الحديث أنه حفر لها، وقد اختلفوا في ذلك: فقال بعضهم: لا يُحفر للرجل ويحفر للمرأة، وهو قول أبي يوسف وأبي ثور.
وقال قتادة: يُحفر للرجل والمرأة جميعًا. وقال أحمد: أكثر الأحاديث أن لا يُحفر له، وقد قيل: يحفر له.
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الشيخ الراوي عن ابن أبي بكرة.
زكريا أبو عمران: هو زكريا بن سُليم.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٧٢) من طريق عثمان بن عمر، عن زكريا أبي عمران، بهذا الإسناد. =

قال أبو داود: إني لم أفهمه عن عثمان، يعني قوله: ابن أبي بكرة، أفهمنيه رجُلٌ عن عثمان.
قال أبو داود: قال الغسَّاني: جهينةُ، وغَامِدُ، وبارقُ: واحدٌ (١).
٤٤٤٤ - قال أبو داود: حُدِّثتُ، عن عبدِ الصمد بنِ عبدِ الوارثِ، حدَّثنا زكريا بن سليم، بإسناده نحوه
زاد: ثم رماها بحصاةٍ مثلِ الحِمَّصة، ثم قال: «ارمُوا واتَّقوا الوجه»، فلما طَفِئَت، أخرجها فصلَّى عليها، وقال في التوبة نحو حديث برُيدةَ (٢).


= وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٧٨).
وانظر ما بعده.
وللحديث شاهد من حديث بريدة الأسلمي عند مسلم (١٦٩٥)، وهو الحديث
السالف قبله. ولفظه عند مسلم: فحفر لها إلى صدرها.
وآخر موقوفًا على علي بن أبي طالب في قصته شراحة التي رجمها عند أحمد (٩٧٨) و(١٢١٠) ولفظه: فحفر لها إلى السُّرَّة. وفي إسناده مجالد بن سعيد وحديثه حسن في الشواهد.
(١) الغساني: هو كما في «التقريب» أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد يُنسب إلى جده قيل: اسمه بكير، وقيل: عبد السلام، ضعيف، وكان قد سُرِقَ بيته فاختلط.
وبارق قال في «القاموس»: لقب سعد بن عدي أبي قبيلة من اليمن، قال شمس الحق العظيم آبادي: ومقصود أبي داود أن المرأة التي قصتها مذكورة في هذه الأحاديث قد نسبت إلى جهينة، وقد نسبت إلى غامد فهما ليستا امرأتين وكذا بارق ليست قبائل متباينة؛ لأن غامد لقب رجل هو أبو قبيلة من اليمن وهم بطن من جهينة. قلنا: ومقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ)، وهامش (أ).
(٢) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين أبي داود وبين عبد الصمد، ولإبهام الراوي عن ابن أبي بكرة. =

٤٤٤٥ - حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ مسلَمةَ القعنبيُّ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عُبيد اللهِ بنِ عبدِ الله بنِ عُتبة بنِ مسعودٍ
عن أبي هريرة وزيدِ بنِ خالدٍ الجُهنىِّ، أنهما أخبراه: أن رَجُلين اختصما إلى رسُولِ الله ﷺ فقال أحدُهُما: يا رسولَ الله، اقضِ بيننا بكِتَابِ الله، وقال الآخرُ -وكان أفقههما-: أجل يا رسولَ الله، فاقضِ بيننا بكتابِ الله، وائذَن لي أن أتكلَّم، قال: «تكلَّم» قال: إنَّ ابني كان عَسِيفًا على هذا -والعسيفُ الأجير- فزنى بامرأتِه، فأخبرُوني أن على ابني الرجمَ، فافتديتُ منه بمئةِ شاةٍ وبجاريةٍ لي، ثم إني سألتُ أهلَ العلمِ، فأخبرُوني أنما على ابني جَلْدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ، وإنما الرجمُ على امرأتِه، فقال رسولُ الله ﷺ: «أما والذي نفسي بيدهِ، لأقضِينَّ بينكُما بِكتابِ اللهِ عز وجل، أما غَنَمُكَ وجَارِيتُك فردٌّ إليكَ» وجَلَدَ ابنَه مئةً وغرَّبَه عامًا، وأمر أُنيسًا الأسلميَّ أن يأتيَ امرأةَ الآخَرِ، فإن اعترفَتْ رجَمَهَا، فاعترفت، فَرَجَمها (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٧١) عن محمَّد بن المثنى، عن عبد الصمد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٤٣٦).
وانظر ما قبله.
(١) إسناده صحيح. ابنُ شهاب: هو محمَّد بن مسلم الزهري الإِمام، ومالك: هو ابن أنس الإِمام.
وهو في «الموطأ» ٢/ ٨٢٢.
وأخرجه البخاري (٢٣١٤) و(٦٦٣٣)، ومسلم (١٦٩٧) و(١٦٩٨)، وابن ماجه (٢٥٤٩)، والترمذي (١٤٩٦ - ١٤٩٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٩٣١) و(٥٩٣٢) و(٧١٥٢ - ٧١٥٥) و(١١٢٩٢) من طرق عن ابن شهاب الزهري، به. وزاد سفيان بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عيينة في روايته عند ابن ماجه والترمذي في الموضع الأول والنسائي في الموضعين (٥٩٣١) و(٧١٥٢): شبل بن خالد -أو خليد- مع أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، وهو وهم من سفيان فيما قاله الترمذي والنسائي. لأن شبلًا لم يدرك النبي ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٣٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٣٧).
قال الخطابي: قوله: «والله لأقضين بينكما بكتاب الله» يُتأول على وجوه: أحدها: أن يكون معنى الكتاب الفرض والإيجاب، يقول: لأقضين بينكما بما فرضه الله وأوجبه، إذ ليس في كتاب الله ذكر الرجم منصوصًا متلُوًَّا كذكر الجلد والقطع والقتل في الحدود والقصاص. وقد جاء في الكتاب بمعنى الفرض، كقوله عز وجل: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾: وكقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ [البقرة:١٧٨]، أي: فرض، وقال عز وجل: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة:٤٥]، أي: فرضنا وأوجبنا.
ووجه آخر: وهو أن ذكر الرجم وإن لم يكن منصوصًا عليه باسمه الخاص، فإنه مذكور في الكتاب على سبيل الإجمال والإبهام، ولفظ التلاوة منطوٍ عليه، وهو قوله: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ [النساء:١٦]، والأذى يتسع في معناه للرجم ولغيره من العقوبة.
وقد قيل: إن هذه الآية لما نسخت سقط الاستدلال بها وبمعناها.
وفيه وجه آخر: وهو أن الأصل في ذلك قوله: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء:١٥] فضمن الكتاب أن يكون لهن سبيلًا فيما بعد، ثم جاء بيانه في السنة، وهو قوله ﷺ: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم».
ووجه رابع: وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قرأناها فيما أنزل الله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. وهو ما رفعت تلاوته وبقي حكمه، والله أعلم.
وفي الحديث من الفقه: أن الرجم إنما يجب على المحصَن دون من لم يُحصن.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يبدأ باستماع كلام أي الخصمين شاء.
وفيه أن البيع الفاسد والصلح الفاسد وما جرى مجراهما من العقود منتقض وأن ما أُخذ عليها مردود إلى صاحبه. =

٢٦ - باب في رجم اليهوديَّين
٤٤٤٦ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ، قال: قرأت على مالكِ بنِ أنس، عن نافع
عن ابنِ عمر، أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى النبي ﷺ، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زَنَيا، فقال لهم رسولُ الله ﷺ: «ما تَجِدونَ في التَّوراةِ في شأنِ الزِّنى؟» فقالوا: نَفضَحُهم ويُجلَدُون، فقال عبد الله ابن سَلَام: كذبتُم إن فيها الرجمَ، فأَتَوا بالتوراةِ فنشَرُوها، فجعل أحدُهم يدَه على آيةِ الرجْم، ثم جعلَ يقرأ ما قبلَها وما بعدَها، فقال له عبدُ الله بن سَلَام: ارفعْ يدَكَ، فرفَعها، فإذا فيها آيةُ الرجمِ، فقالوا:


= وفيه أنه لم ينكر عليه قوله: فسألتُ أهلَ العلم، ولم يعِبِ الفتوى عليهم في زمانه وهو مقيم بين ظهرانيهم.
وفيه إثبات النفي على الزاني والتغريب له سنة، وهو قول عامة العلماء من السلف، وأكثر الخلف، وإنما لم ير التغريب منهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن.
وفيه أنه لم يجمع على المحصن الرجم والجلد.
وفيه أنه لما جاء رسولَ الله ﷺ مُستفتيًا عن ابنه مخبرًا عنه أنه زنى بامرأته لم يجعله قاذفًا لها.
وفيه أنه لم يوقع الفرقة بالزنى بينها وبين زوجها.
وفيه أنه لم يشترط عليها في الاعتراف بالزنى التكرار، وإنما علَّق الحكمَ بوجود الاعتراف حسب.
وفيه دليل على جواز الوكالة في إقامة الحدود، وقد اختلف العلماء فيها.
وفيه دليل على أنه لا يجب على الإِمام حضور المرجوم بنفسه.
وفيه إثبات الإجارة والحديث فيها قليل. وقد أبطلها قوم لأنها -زعموا- ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة.
وفي الحديث دليل على قبرل خبر الواحد.
وقوله في الحديث: والعسيف: الأجير. قال الحافظ: وهذا التفسير مدرج، وكأنه من قول الزهري، لما عرف من عادته أنه كان يدخل كثيرًا من التفسير في أثناء الحديث.

صَدَق يا محمَّد، فيها آيةُ الرجمِ، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرُجِما، قال عبدُ اللهِ بنُ عُمر: فرأيتُ الرجلَ يحْنِي (١) على المرأة يَقيها الحِجَارة (٢).


(١) كذا جاء في (ب): يحني، بالحاء المهملة وكسر النون وهو الموافق لـ«موطأ مالك» برواية: أبى مصعب الزهري (١٧٥٥) ورواية الليثي ٢/ ٨١٩، وكذلك جاء في رواية البخاري (٣٦٣٥) من طريق أبي ذر، عن الحموي والمستملي كما أشار إليه القسطلاني ٦/ ٧٤، وذكر الخطابي أنه المحفوظ في رواية السنن. وفي (أ) و(هـ) رُسِمَتْ: يجنى، وكذلك هي عند الخطابي في رواية ابن داسه، وفي (ج): يَجنأ، وهو الموافق لرواية البخاري (٣٦٣٥) من غير طريق أبي ذر عن الحمُّويِّ والمستملي، كما في «إرشاد الساري» ٦/ ٧٤.
(٢) إسناده صحيح.
وهو في «الموطأ» ٢/ ٨١٩.
وأخرجه البخاري (١٣٢٩) و(٣٦٣٥)، ومسلم (١٦٩٩)، وابن ماجه (٢٥٥٦)، والترمذي (١٥٠١)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٧٥ - ٧١٧٨) و(٧٢٩٤) و(١١٠٠٢) من طرق عن نافع، به. وروايات بعضهم مخصرة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٧٩) من طريق يحيى بن وثاب، عن ابن عمر: أن النبي ﷺ رجم يهوديًا ويهودية.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٩٨)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٣١) و(٤٤٣٢)
و(٤٤٣٤) و(٤٤٣٥).
وانظر ما سيأتي برقم (٤٤٤٩).
قال الخطابي: فيه من الفقه ثبوت أنكحة أهل الكتاب، وإن ثبتت أنكحتهم ثبت طلاقهم وظهارهم وإيلاؤهم.
وفيه دليل على أن نكاح أهل الكتاب يوجب التحصين، إذ لا رجم إلا على المحصن. ولو أن مسلمًا تزوج يهودية أو نصرانية ودخل بها ثم زنى كان عليه الرجم، وهو قول الزهري، وإليه ذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الكتابيه لا تُحصن المسلم، وتأول بعضهم معنى الحديث على أنه إنما رجمهما بحكم التوراة، ولم يحملهما على أحكام الإسلام وشرائطه. =

٤٤٤٧ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ الواحد بن زيادِ، عن الأعمشِ، عن عبد الله ابن مُرةَ
عن البراء بن عازب، قال: مَرُّوا على رسولِ الله ﷺ بيهودي قد حُمِّمَ وجهُهُ، وهو يُطافُ به، فناشَدَهُم ما حدُّ الزاني في كتابهم؟ قال: فأحالُوه على رجلٍ منهم، فنَشَدَهُ النبيُّ ﷺ ما حَدُّ الزاني في كتابكم؟ فقال: الرجْمُ، ولكن ظَهَر الزنى في أشرافنا، فكرهنا أن يُتْركَ الشريفُ، ويقامَ على مَنْ دونَه، فوضَعْنا هذا عنا، فأمر به رسولُ الله ﷺ فرُجِمَ، ثم قال: «اللَّهُم إنِّي أوَّلُ من أحيا ما أماتُوا مِنْ كِتابِكَ» (١).


= قلت [القائل الخطابي]: وهذا تأويل غير صحيح؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:٤٩]، وإنما جاءه القوم مستفتين طمعًا في أن يرخص لهم في ترك الرجم، ليعطلوا به حكم التوراة، فأشار عليهم رسول الله ﷺ بما كتموه من حكم التوراة، ثم حكم عليهم بحكم الإِسلام على شرائطه الواجبة فيه.
وليس يخلو الأمر فيما صنعه رسول الله ﷺ من ذلك أن يكون موافقًا لحكم الإسلام أو مخالفًا له، فإن كان مخالفًا فلا يجوز أن يحكم بالمنسوخ ويترك الناسخ.
وإن كان موافقا له فهو شريعته، والحكم الموافق لشريعته لا يجوز أن يكون مضافًا إلى غيره ولا أن يكون فيه تابعًا لمن سواه.
وفيه دليل على أن المرجوم لا يُشَدُّ ولا يُربط، ولو كان مربوطًا لم يمكنه أن يحنى عليها ويقيها الحجارة.
(١) إسناده صحيح. الأعمش: هو سليمان بن مِهران.
وأخرجه مسلم (١٧٠٠) من طريق وكيع بن الجراح، عن الأعمش، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٢٥) و(١٨٦٦٣).
وانظر ما بعده.
قوله: حُمِّم وجهه، قال في «النهاية»: أي: مسوَّد الوجه من الحُممة: الفحمة، وجمعها حُمَم. =

٤٤٤٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن عبدِ الله بن مُرَّة
عن البراء بنِ عازب، قال: مُرَّ على رسولِ الله ﷺ بيهودي مُحمَّمٍ مجلُودٍ، فدعاهم، فقال: «هكذا تجدون حدَّ الزاني؟» فقالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال: «نَشَدتُكَ بالله الذي أنزل التوراةَ على موسى، أهكذا تجِدُون حدَّ الزاني في كِتابِكُم؟» فقال: اللهُمَّ لا، ولولا أنَّك نَشَدتني بهذا لم أُخبِرْكَ، نجدُ حدَّ الزاني في كتابنا الرجمَ، ولكنَّه كَثُرَ في أشرافِنا، فكُنَّا إذا أخذنا الرجلَ الشريفَ تركناه، وإذا أخذنا الرجلَ الضعيفَ أقمنا عليه الحَدَّ، فقلنا: تعالوا فلنجتمِعْ على شيء نقيمُه على الشريف والوَضيعِ، فاجتمعنا على التَّحميم والجلْدِ، وتركنا الرجمَ، فقال رسول الله ﷺ: «اللهمَّ إني أوَّلُ من أحيا أمرَكَ إذ أماتوه» فأمَرَ به فَرُجِمَ، فأنزلَ اللهُ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ في اليهود، إلى قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ في اليهود، إلى قوله: ﴿لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة:٤٢ - ٤٧]، قال: هي في الكفارِ كلها، يعني هذه الآية (١).


= تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامشي (ب) و(هـ)، وأشار في هامش (هـ) إلى أنه في رواية ابن الأعرابي. وقد ذكر المزي هذا الحديث أيضًا في «التحفة» (١٧٧١) ونسبه إلى روايتي ابن الأعرابي وابن داسه.
(١) إسناده صحيح سابقه. =

٤٤٤٩ - حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيدِ الهَمْدانيُّ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، حدَّثني هشامُ ابنُ سعْد، أن زيدَ بنَ أسلم حدَّثه
عن ابنِ عُمَرَ قال: أتى نَفَرٌ من اليهود، فدعوا رسولَ الله ﷺ إلى القُفِّ، فأتاهم في بيت المِدْرَاسِ، فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلًا منَّا زنى بامرأة، فاحكم بينهم، فوضَعُوا لرسول الله ﷺ وسادةً فجلس عليها، ثم قال: «ائتُوني بالتَّوراةِ» فأتي بها، فنزع الوسادة مِن تحته وضع التوراةَ عليها، ثم قال: «آمنتُ بِكِ وبِمَنْ أنزَلَكِ» ثم قال: «ائتُوني بأعلمِكم» فأتي بفتًى شابٍّ، ثم ذكر قصةَ الرجمِ نحو حديث مالك، عن نافع (١).
٤٤٥٠ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، حدَّثنا رجلٌ من مُزَينة. وحدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا عنبسةُ، حدَّثنا يونسُ، قال: قال محمدُ بنُ مُسلمِ: سمعتُ رجلًا من مُزينةَ -ممن يَتَّبعُ العلم ويَعِيه، ثم اتفقا:- ونحن عند سعيد بن المسيّب، فحدّثنا


= وأخرجه مسلم (١٧٠٠)، وابن ماجه (٢٣٢٧) و(٢٥٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (٧١٨٠) و(١١٠٧٩) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. ورواية ابن ماجه الأولى مختصرة بتحليف النبي ﷺ لأحد علماء اليهود.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٢٥).
وانظر ما قبله.
(١) ضعيف بهذه السياقة، فقد تفرد بها هشام بن سعد، ولا يعتد بما انفرد به، كيف وقد خالفه ابن شهاب الزهري في الصحيحين وغيرهما، فرواه بسياقة أخرى عن نافع عن ابن عمر، وقد سلفت روايته برقم (٤٤٤٦).
وأخرجه ابن عبد البر في «المهيد» ١٤/ ٣٩٧ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
والقُفّ: اسم واد بالمدينة، والمدراس: قال في «النهاية»: هو البيت الذي يدرسون فيه، ومفعال غريب في المكان.
وانظر ما سلف برقم (٤٤٤٦).

عن أبي هريرة -وهذا حديث معمر وهو أتمُّ- قال: زنى رجُلٌ من
اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبيِّ، فإنه نبيٌّ
بُعِثَ بالتخفيف، فإن أفتانا بِفُتيا دُونَ الرجمِ قبلناها واحتججنا بها عندَ الله، قلنا: فُتيا نبيٍّ مِن أنبيائِك، قال: فأتوا النبيَّ ﷺ وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا؟ فلم يُكلِّمهم كلمةً حتى أتى بيت مِدْرَاسِهم، فقام على البابِ، فقال: «أنْشُدُكم باللهِ الذي أنْزَلَ التوراةَ على موسى ما تجدونَ في التوراةِ على من زنَى إذا أحصن؟» قالوا: يُحمَّمُ ويُجبَّهُ ويُجلَدُ، والتجبيهُ: أن يُحملَ الزانيانِ على حِمارٍ، وتُقابلَ أقفيتُهما، ويُطاف بهما، قال: وسكَتَ شابٌّ منهم، فلما رآه النبيَّ ﷺ سكت ألظَّ به النِّشدَة، فقال: اللهم إذ نشدْتَنَا فإنا نجِدُ في التَّوراةِ الرجمَ، فقال النبيُّ ﷺ: «فما أوَّلُ ما ارتخصتم أمرَ الله؟» قال: زَنَى ذو قرابةٍ من ملك مِن مُلوكنا، فأُخِّر عنه الرجمُ، ثم زَنَى رجلٌ في أسرةٍ مِن النَّاسِ، فأراد رجمه، فحالَ قومُه دونه، وقالوا: لا يُرجَمُ صاحبُنا حتى تجيءَ بصاحبِك فترجمَه، فاصطلحوا على هذه العقوبةِ بينَهم، فقال النبيُّ ﷺ: «فإني أحكُمُ بما في التوراة» فأمَرَ بهما فَرُجِما (١).


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد محتمل للتحسين، والرجل المُزَنِي -وإن كان مبهمًا- وصفه محمَّد بن مسلم الزهري بأنه ممن يتبع العلم ويَعِيه، وجاء في رواية ابن المبارك عن معمر عن الزهري -وستأتي في التخريج- أن سعيد بن المسيب كان يُوقِّره، وأن أباه كان صحابيًا ممن شهد صلح الحديبية. فمثله يُحتمل حديثه إن شاء الله تعالى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٣٣٣٠)، وفي «تفسيره» ١/ ١٨٩ - ١٩٠، ومن طريقه أخرجه الطبري في «تفسيره» ٦/ ٢٤٩، والبيهقي ٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥. ورواية هذا الأخير مختصرة.
وأخرجه الطبري ٦/ ٢٣٣، والبيهقي في «دلائل النبوة» ٦/ ٢٦٩ - ٢٧٠ من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، قال: كنت جالسًا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل يُوقره، فإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة قال ... ثم ذكر الحديث.
وأخرجه الطبري ٦/ ٢٣٣، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٣٩٨ من طريق عُقيل ابن خالد عن ابن شهاب الزهري، به.
وسيأتي بعده من طريق محمَّد بن إسحاق عن الزهري.
وقد سلف مختصرًا برقم (٤٨٨) و(٣٦٢٤).
ويشهد له حديث ابن عمر السالف برقم (٤٤٤٦)، وحديث البراء السالف أيضًا برقم (٤٤٤٧)، وحديث جابر الآتي برقم (٤٤٥٢).
والتجبيه ورد ذكره في حديث البراء، وفي حديث ابن عمر عند البخاري (٦٨١٩) قال الخطابي: التحميم: تسويد الوجه بالحميم، والتجبيه مفسَّر في الحديث، ويشبه أن يكون أصله الهمز، وهو يجبأ من التجبئة: وهو الردع والزجر، يقال: جبأته فجبأ، أي: ارتدع، فقلبت الهمزة هاء، والتجبية أيضًا: أن تنكسَ رأسَه، فيحتمل أن يكون المحمول على الحمار إذا فُعل ذلك به نكس رأسُه فسُمي ذلك الفعل تجبية. وقد يحتمل أيضًا أن يكون ذلك من الجَبْه، وهو الاستقبال بالمكروه، وأصل الجَبه إصابة الجبهة، يقال: جبهتُ الرجل إذا أصبتَ جبهته، كما تقول رأستُه أصبتُ رأسه.
وقوله: ألَظّ به النشدة، معناه: القسم، وألح عليه في ذلك. ومنه قوله: «ألِظوا بياذا الجلال والإكرام» أي: سلُوا الله بهذه الكلمة وواظبوا على المسألة بها.
والأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته.
وفي قوله: «فإني أحكم بما في التوراة» حجة لمن قال بقول أبي حنيفة. إلا أن الحديث عن رجل لا يُعرف، وقد يحتمل أن يكون معناه أحكم بما في التوراة احتجاجًا به عليهم، وإنما حكم بما كان في دينه وشريعة فذكره التوراة لا يكون علة للحكم.

قال الزُّهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤]، كان النبيَّ ﷺ منهم.
٤٤٥١ - حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ يحيى أبو الأصبغ الحرَّانىُّ حدَّثني محمَّد -يعني ابنَ سَلَمة- عن محمَّد بنِ إسحاقَ، عن الزُّهريِّ، قال: سمعتُ رجلًا من مزينة يُحدث سعيدَ بنَ المسيِّب
عن أبي هُريرة، قال: زنَى رجل وامرأةٌ مِن اليهود وقد أَحصَنا حين قَدِمَ رسولُ الله ﷺ المدينةَ، وقد كان الرجمُ مكتوبًا عليهم في التوراةِ، فتركوه وأخذوا بالتجبِيْهِ، يُضرب مئةً بحبلٍ مَطليٍّ بقارٍ، ويُحمل على حمار وجهُهُ مِمَّا يلي دُبُرَ الحمارِ، فاجتمع أحبارٌ مِن أحبارهم، فبعثوا قومًا آخرِينَ إلى رسولِ الله ﷺ، فقالوا: سلوهُ عن حَدِّ الزاني، وساقَ الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا مِنْ أهلِ دينهِ، فيحكمَ بينهم، فخُيِّر في ذلك، قال: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ ٌ [المائدة:٤٢] (١).
٤٤٥٢ - حدَّثنا يحيى بنُ موسى البَلخيُّ، حدَّثنا أبو أسامةَ، قال: مجالدٌ أخبرنا، عن عامرٍ الشَّعبىِّ


(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد محتمل لتحسين كسابقه. وقد صرح محمَّد بن إسحاق بسماعه في «سيرة ابن هشام» ٢/ ٢١٣.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٦/ ٢٣٢، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٢١٥ و٢٤٦ - ٢٤٧ و٢٤٧، وفي «الدلائل» ٦/ ٢٧١، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٤٠٠، وابن بشكوال في «غوامض الأسماء المبهمة» ٢/ ٧٢٨ - ٧٢٩ من طريق محمَّد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وقد سلف مختصرًا برقم (٣٦٢٥)، وانظر ما قبله.

عن جابر بنِ عبدِ الله، قال: جاءتِ اليهودُ برجل وامرأةِ منهم زَنَيا، فقال: «ائْتُوني بأعلمِ رَجُلَينِ منكم»، فأتوهُ بابني صُورِيا، قال: فنَشَدَهما كيف تجدانِ أمرَ هذين في التوراةِ؟ قالا: نَجِدُ في التوراة إذا شهد أربعةٌ أنهم رأوا ذكَرَهُ في فرجها مِثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ رُجِمَا، قال: «فما يمنعُكُما أن ترجمُوهما؟» قالا: ذهبَ سلطانُنا، فكَرهنا القَتْلَ، فدعا رسولُ الله ﷺ بالشُهودِ، فجاؤوا أربعةٌ فَشَهِدُوا أنهم رأوا ذكرهُ في فَرجِها مثلَ المِيلِ في المُكْحُلَةِ، فأمر رسولُ الله ﷺ برجْمِهما (١).


(١) ضعيف بهذه السياقة، فقد تفرد بها مجالد -وهو ابن سعيد- وتفرد أيضًا بوصله، وخالفه غيره كما في الطريقين الآتيين فارسلوه، وهو أشبه، ثم إن الصحيح في قصة اليهوديين اللذين رجمهما رسولُ الله ﷺ ما رواه ابن عمر فيما سلف برقم (٤٤٤٦) وما رواه البراء السالف حديثه برقم (٤٤٤٧) و(٤٤٤٨). وقد قال الدارقطني بإثر الحديث (٤٣٥٠): تفرد به مجالد عن الشعبي، وليس بالقوي. وكذلك قال ابن عبد اللهادي في القيح ٣/ ٥٥١.
وأخرجه ابن المبارك في «مسنده» (١٥٤)، والحميدي (١٢٩٤)، وابن ماجه (٢٣٢٨)، والبزار (١٥٥٨ - كشف الأستار)، وأبو يعلى (٢١٣٦)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٥٣٩)، و(٤٥٤٥)، والدارقطني (٤٣٥٠)، والبيهقي ٨/ ٢٣١، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٤/ ٤٠١، وفي «الاستذكار» (٣٥١٦٧)، وابن الجوزي في «التحقيق (٢٠٥٥) من طريق مجالد بن سعيد، به. ورواية ابن ماجه مختصرة بتحليف النبي ﷺ لليهود.
وأخرج ابن ماجه (٢٣٧٤)، والبيهقي ١٠/ ١٦٥، وابن الجوزي في»التحقيق" (٢٠٥٤) من طريق أبي خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر أن النبي ﷺ أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض. لكن قال البيهقي: هكذا رواه أبو خالد الأحمر عن مجالد، وهو مما أخطأ فيه، وإنما رواه غيره عن مجالد عن الشعبي عن شريح من قوله وحكمه، غير مرفوع. =

٤٤٥٣ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيةَ، عن هُشيمٍ، عن مُغيرةَ
عن إبراهيمَ والشعبىِّ، عن النبي ﷺ، نحوه، لم يذكُر: فدعا بالشهودِ فَشَهِدُوا (١).
٤٤٥٤ - حدَّثنا وهبُ بنُ بقيَّة، عن هشيمٍ، عن ابنِ شُبرمةَ، عن الشعبي، بنحو منه (٢).
٤٤٥٥ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ الحَسن المِصَّيصيُّ، حدَّثنا حجاجُ بن محمَّد، قال ابنُ جُريج: إنه سمع أبا الزبير
سمع جابرَ بنَ عبدِ الله يقولُ: رَجَمَ النبيُّ ﷺ رجلًا من أسلم ورجلًا مِن اليهودِ وامرأةً (٣).


= وقد صحَّ عن جابر مختصرًا: أن النبي ﷺ رجم رجلًا من اليهود وامرأة زنيا.
وسيأتي عند المُصنف برقم (٤٤٥٥).
وانظر تالييه.
(١) إسناده ضعيف لإرساله وعنعنة هشيم، ثم إن الصحيح في قصة اليهوديين اللذين رجمهما رسولُ الله ﷺ ما رواه ابن عمر والبراء، وقد سلفت روايتاهما عند المصنف بالأرقام (٤٤٤٦) و(٤٤٤٧) و(٤٤٤٨). إبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومغيرة: هو ابن مِقسَم الضبّي، وهُشيم: هو ابن بشير الواسطي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ٩٣ - ٩٤ عن هشيم بن بشير، عن مغيرة، عن الشعبي وحده أن اليهود قالوا للنبي ﷺ: ما حدُّ ذلك؟ - يعنُون الرجم -، قال: «إذا شهدوا أربعة أنهم رأوه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة، فقد وجب الرجم».
وانظر ما بعده، وما قبله.
(٢) إسناده ضعيف لإرساله وعنعنة هشيم -وهو ابن بشير الواسطي-. ابن شُبرمة: هو عبد الله.
وانظر سابقيه.
(٣) إسناده صحيح. وقد صرح كل من ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- وأبي الزبير -وهو محمَّد بن مسلم بن تدرُس- بالسماع فانتفت شبهة تدليسهما. =

٢٧ - باب في الرجل يزني بحَريمِه
٤٤٥٦ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا خالد بنُ عبد الله، حدَّثنا مُطرِّفٌ، عن أبي الجَهْمِ عن البراء بن عازب، قال: بينما أنا أطوف على إبل لي ضلَّت إذ أقبل ركبٌ، أو فَوارسُ، معهم لِواءٌ، فجعل الأعرابُ يُطِيفُون بي لمنزلتي من النبي ﷺ، إذ أتوا قُبّةً، فاستخرجُوا منها رجلًا فضربُوا عنقَه، فسألتُ عنه، فذكروا أنه أعرَسَ بامرأة أبيهِ (١).
٤٤٥٧ - حدَّثنا عمرو بن قُسَيْطٍ الرَّقِّيُّ، حدَّثنا عُبيد الله بن عَمرو، عن زيد ابن أبي أنيسةَ، عن عَديِّ بن ثابتٍ، عن يزيدَ بن البراءِ


= وأخرجه مسلم (١٧٠١) من طريقين عن ابن جريج، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٤٧).
وانظر ما سلف برقم (٤٤٥٢).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار إلى أنه من رواية ابن الأعرابي.
وذكره المزي في «التحفة» (٢٨١٣) و(٢٨١٤)، ونَسبَه إلى روايتي ابن الأعرابي وابن داسه.
(١) إسناده ضعيف لاضطرابه كما بيناه في «مسند أحمد» (١٨٥٥٧). أبو الجهم: هو سليمان بن الجهم، ومطرِّف: هو ابن طريف الحارثي، وخالد بن عبد الله: هو الواسطي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٤٦٦) من طريق جرير بن عبد الحميد، و(٧١٨٢)
من طريق أبي زبيد، كلاهما، عن مطرِّف، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٦٠٨) و(١٨٦٢٠).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: أعرس: كناية عن النكاح والبناء على الأهل، وحقيقته الإلمام بالعرس، وفيه بيان أن نكاح ذوات المحارم بمنزلة الزنى، وأن اسم العقد فيه لا يسقط الحد.

عن أبيه، قال: لقيتُ عَمِّي ومعه رايةٌ، فقلت: أين تريدُ؟ قال: بعثني رسولُ الله ﷺ إلى رجل نكَحَ امرأةَ أبيهِ، فأمرني أن أضْرِبَ عنقَه، وآخُذَ مالَه (١).

٢٨ - باب في الرجل يزني بجاريةِ امرأتِه
٤٤٥٨ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا أبانُ، حدَّثنا قتادةُ، عن خالدِ ابنِ عُرفُطَةَ


(١) إسناده ضعيف لاضطرابه كسابقه. عُبيد الله بن عمرو: هو الرَّقِّيُّ.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٤٦٥) من طريق عُبيد الله بن عَمرو الرَّقِّي، بهذا الإسناد.
وأخرجه أيضًا (٧١٨٥) من طريق أشعث بن سوّار، عن عدي بن ثابت، به.
وأخرجه ابن ماجه (٢٦٠٧)، والترمذي (١٤١٣) من طريق أشعث بن سوار والنسائي (٧١٨٤) من طريق السدي، كلاهما، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: مر بي خالي وقد عقد له النبي ﷺ لواءً ... فأسقطا يزيد بن البراء من إسناده، وجعلا المبعوث خالَ البراء لا عمَّه.
وأخرجه النسائي (٧١٨٣) من طريق الرُّكين بن الربيع، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: مر بنا ناسٌ ينطلقون، فقنا لهم: أين تريدون؟ قالوا: بعثنا النبي ﷺ إلى رجل يأتي امرأة أبيه، أن نقتله. فأسقط من إسناده يزيد بن البراء، ولم يذكر خال البراء ولا عمه.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٥٧) و(١٨٦٢٦).
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: وقد اختلف العلماء فيمن نكح ذات محرم، فقال الحسن البصري: عليه الحد، وهو قول مالك بن أنس والشافعي.
وقال أحمد بن حنبل: يقتل ويؤخذ مالُه، وكذلك قال إسحاق على ظاهر الحديث.
وقال سفيان: يُدرأ عنه الحد إذا كان التزويج بشهود.
وقال أبو حنيفة: يعَزَّر ولا يُحدُّ. وقال صاحباه: أما نحن فنرى عليه الحد إذا فعل ذلك متعمدًا.

عن حبيبِ بنِ سالمٍ: أن رجلًا يقال له: عبدُ الرحمن بن حُنَين وقع على جاريةِ امرأتِه، فرُفِعَ إلى النعمان بنِ بَشير وهو أميرٌ على الكوفة، فقال: لأقضيَنَّ فيك بقَضِيَّةِ رسولِ الله ﷺ: إنْ كانت أحلَّتها لَكَ جلدتُكَ مئةً، وإن لم تكن أحلَّتْها لك رجمتُك بالحِجارةِ، فوجدُوه قد أحلَّتْها له، فجَلَدَهُ مئةً. قال قتادةُ: كتبتُ إلى حبيبِ بنِ سالمٍ، فكتب إليَّ بهذا (١).


(١) إسناده ضعيف لاضطرابه، كما قال الترمذي بإثر الحديث (١٥١٨)، والنسائي فيما نقله عنه المنذري في «اختصار السنن» ٦/ ٢٧١، وابن عدي في «الكامل» في ترجمة حبيب بن سالم ٢/ ٨١٣. وقال البخاري فيما نقل عنه الترمذي في «العلل الكبير» ٢/ ٦١٥: أنا أتقي هذا الحديث. وقال الخطابي: هذا الحديث غير متصل، وليس العمل عليه. قلنا: لكن قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في «العلل» ٢/ ٦١٦: سمعت إسحاق بن منصور يذكر عن أحمد وإسحاق أنهما قالا بحديث حبيب بن سالم عن النعمان. وقال النسائي في «الكبرى» بإثر الحديث (٧١٩٥): ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به.
أبان: هو ابن يزيد العطار.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٢٩) و(٧١٩٠) من طريق أبان بن يزيد العطار، بهذا الإسناد. وقال في آخره: قال قتادة: فكتبت إلى حبيب بن سالم، فكتب إليَّ بهذا.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٥١)، والترمذي (١٥١٧)، والنسائي (٥٥٣٠) و(٧١٨٩) من طريق سعيد بن أبي عروبة، والترمذي (١٥١٧) من طريق أيوب بن مسكين، كلاهما عن قتادة، عن حبيب بن سالم - قال الترمذي في روايته: رُفع إلى النعمان بن بشير، وفي رواية الباقين: عن النعمان بن بشير. فأسقطا من الإسناد خالد بن عُرفَطة، وإنما سمعه قتادة من خالد بن عرفطة، ثم كتب إلى حبيب بن سالم، فكتب إليه بهذا كما أخبر هو عن نفسه. فرواية قتادة عن حبيب كتابة لا سماعًا. ولهذا قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي بإثر الحديث: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث.
ثم إنه عند الترمذي مرسل كما ترى. =

٤٤٥٩ - حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، حدَّثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، عن شُعبةَ، عن أبي بشرٍ، عن خالد بن عُرفُطَةَ، عن حبيب بنِ سالم
عن النعمانِ بن بشيرٍ، عن النبيِّ ﷺ في الرجُل يأتي جاريةَ امرأتِه، قال: «إنْ كانت أحلَّتها له جُلِد مئةً، وإن لم تكُن أحلَّتها له رجمتُهُ» (١).


= وأخرجه النسائي (٥٥٢٨) و(٧١٩١) من طريق همام، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، عن حبيب بن يساف: أنها رُفِعتْ إلى النعمان بن بشير ... يعني هذه المسألة.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٣٩٧).
وانظر ما بعده.
وفي الباب عن سلمة بن المُحبِّق، سيأتي عند المصنف برقم (٤٤٦٠) وهو ضعيف كذلك. قال الخطابي: وقد روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما إيجاب الرجم على من وطئ جارية امرأته، وبه قال عطاء بن أبي رباح وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال الزهري والأوزاعي: يُجلَد ولا يُرجم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أقر أنه زنى بجارية امرأته: يُحَدُّ وإن قال: ظننتُ أنها تحلُّ لي لم يُحَدّ.
وعن الثوري أنه قال: إذا كان يُعرف بالجهالة يعزَّر ولا يُحَدُّ.
وقال بعض أهل العلم في تخريج هذا الحديث: إن المرأة إذا أحلَّتها له فقد أوقع ذلك شبهة في الوطء فدرئ عنه الرجم، وإذا درأنا عنه حدّ الرجم وجب عليه التعزير، لما أتاه من المحظور الذي لا يكاد يجهله أحد نشأ في الإِسلام، أو عرف شيئًا من أحكام الدين، فزيد في عدد التعزير حتى بلغ به حد الزنى للبكر، ردعًا له وتنكيلًا.
وكأنه نحا في هذا التأويل نحو مذهب مالك، فإنه يرى للإمام أن يبلغ بالتعزير مبلغ الحد، وإن رأى أن يزيد عليه فَعَل.
قلنا: كذا نقل عن أحمد وإسحاق أنهما ذهبا إلى رجمه هكذا على الإطلاق، وإنما نقل البخاري كما مضى عن إسحاق بن منصور أنهما قالا بمقتضى هذا الحديث.
(١) إسناده ضعيف كسابقه. أبو بشر: هو جعفر بن إياس أبي وحشية. =

٤٤٦٠ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ، عن قَبِيصَةَ بنِ حُريثٍ
عن سلمة بن المُحبِّقِ أن رسولَ الله ﷺ قَضى في رَجُلٍ وقَعَ على جاريةِ امرأته: إن كانَ استكرهَها فهي حُرَّةٌ، وعليه لسيدتِها مثلُها، وإن كانت طاوعته فهيَ له، وعليه لِسيدتِها مثلُها (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٢٦) و(٧١٨٧) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٥١٨)، والنسائي (٥٥٢٧) و(٧١٨٨) من طريق هشيم بن بشير، أخبرنا أبو بشر، عن حبيب بن سالم قال: جاءت امرأة إلى النعمان بن بشير.
فأسقط من إسناده خالد بن عرفطة، ولهذا قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي بإثر الحديث: وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضًا، إنما رواه عن خالد بن عُرفطة. قلنا: ثم إنه مرسل كما ترى من هذا الطريق.
وانظر ما قبله.
(١) إسناده ضعيف لجهالة قبيصة بن حريث، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: لا يصح حديثه، وقال العقيلي: في هذا الحديث اضطراب (قلنا: يعني في متنه)، وقال الخطابي: حديث منكر، وقبيصة بن حريث غير معروف، والحجة لا تقوم بمثله. وقد روي هذا الحديث من طريقين آخرين ضعيفين عن قتادة فجاء فيهما ذكر جون بن قتادة، بدل قبيصة كما بيناه في «المسند» (٢٠٠٦٣). وجون مجهول.
وهو في «مصنف عبد الرّزاق» (١٣٤١٧)، ومن طريقه أخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٣١) و(٧١٩٥).
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠٦٠) و(٢٠٠٦٩).
وانظر ما بعده.
وفي الباب عن ابن مسعود موقوفًا عليه عند عبد الرزاق (١٣٤١٩)، والطحاوي ٣/ ١٤٥. وإسناده حسن.
قال الخطابي: وقد روي عن الأشعث صاحب الحسن أنه قال: بلغني أن هذا كان قبل الحدود.
قلت [القائل الخطابي]: لا أعلم أحدًا من الفقهاء يقول به، وفيه أمور تخالف الأصول: منها: إيجاب المثل في الحيوان، ومنها: استجلاب الملك بالزنى. =

قال أبو داود: روى يونسُ بنُ عُبيد وعمرو بنِ دينار ومنصور بن زاذانَ وسلامٌ، عن الحسن هذا الحديثَ بمعناه، لم يذكر يونسُ ومنصورٌ: قَبيصَةَ.
٤٤٦١ - حدَّثنا عليٌّ بنُ الحُسين الدِّرهميُّ، حدَّثنا عبدُ الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سَلَمَةَ بنِ المُحَبِّق، عن النبي ﷺ، نحوه، إلا أنه قال: «وإن كانت طاوعَتْه، فهي ومثلُها (١) مِن مالِه لِسيدتها (٢).


= ومنها: إسقاط الحد عن البدن، وايجاب العقوبة في المال.
وهذه كلها أمور منكرة، لا تُخرَّج على مذهب أحد منه الفقهاء، وخليق أن يكون الحديث منسوخًا إن كان له أصل في الرواية» والله أعلم.
ونقل الترمذي في «علله الكبير» ٢/ ٦١٧ عن البخاري قوله: ولا يقول بهذا الحديث أحدٌ من أصحابنا.
(١) في (أ) وحدها: فهي له ومثلها من ماله لسيدتها، وهو خطأ في إثباتها في رواية سعيد -وهو ابن أبي عروبة-، والصواب ما أثبتناه من بقية أصولنا الخطية، بحذف «له»، وهو الموافق لرواية النسائي (٧١٩٤) من طريق سعيد بن أبي عروبة أيضًا.
(٢) إسناده ضعيف لانقطاعه؛ لأن الحسن -وهو البصري- لم يسمع من سلمة ابن المُحبِّق فيما قاله أبو حاتم والبزار، وبينهما فيه قبيصة بن حُريث كما في إسناد الطريق الذي قبله، وقد ذكرنا هناك تضعيف أهل العلم لهذا الحديث. سعيد: هو ابن أبي عروبة، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٥٣٢) و(٧١٩٤) من طريق سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي أيضًا (٧١٩٣) من طريق يونس بن عُبيد، عن الحسن، عن سلمة بن المُحبِّق.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٥٢)، والنسائي (٧١٩٢) من طريق هشام بن حسان، عن الحسن، عن سلمة بن المحبّق: أن رسول الله ﷺ رفع إليه رجل وطئ جارية امرأته، فلم يَحُدَّه. وانظر ما قبله.

٢٩ - باب فيمن عمل عمل قوم لوط
٤٤٦٢ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمَّد بنِ علي النُّفيليُّ، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمَّد، عن عَمرِو بنِ أبي عَمرو، عن عِكرِمة
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن وجَدتمُوهُ يعملُ عملَ قومِ لوطٍ، فاقتُلُوا الفَاعِلَ والمفعولَ بهِ» (١).


(١) ضعيف، عمرو بن أبي عمرو -وهو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب- وإن كان صدوقًا، قد استُنكِر عليه هذا الحديث، فقد قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» ٢/ ٦٢٢ وسأله عن هذا الحديث: عمرو بن أبي عمرو صدوق، ولكن روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عن عكرمة. ونقل الحافظ في «التلخيص» ٤/ ٥٤ عن النسائي أنه استنكر هذا الحديث، وروى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين قال: عمرو بن أبي عمرو ثقة يُنكر عيه حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: «اقتلوا الفاعل والمفعول به». وقال المصنف بإثر حديث عاصم بن أبي النجود، عن أبي رَزين مسعود بن مالك عن ابن عباس أنه قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ: حديث عاصم يُضعِّف حديث عمرو بن أبي عمرو.
وسيأتي حديث عاصم برقم (٤٤٦٥). ونقل صاحب «المغني» ١٢/ ٣٥٢ أن الإِمام أحمد لا يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٦١)، والترمذي (١٥٢٣) من طريق عبد العزيز بن محمَّد، بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: وإنما يُعرف هذا الحديث عن ابن عباس، عن النبي ﷺ من هذا الوجه. وروى محمَّد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو، فقال: «ملعون من عَمِل عَمَل قوم لوط» ولم يذكر فيه القتل، وذكر فيه: ملعون من أتى بهيمة.
وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عُمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «اقلوا الفاعل والمفعول به». هذا حديث في إسناده مقال، ولا نعلم أحدًا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري، وعاصم بن عمر يُضعف في الحديث من قبل حفظه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٢). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وقد روي هذا الحديث -كما قال المصنف بإثر الحديث- من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، لكنه اختُلف في. رفعه ووقفه، على أن عبادًا ضعيف لسوء حفظه وتدليسه، وقال أبو حاتم: ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، يعني كان يدلسها بإسقاط رجلين.
وإبراهيم بن أبي يحيى متروك، وداود بن الحصين ثقة إلا في روايته عن عكرمة.
وانظر «مسند أحمد» (٢٧٣٣).
وروي أيضًا من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس. وإبراهيم هذا ضعيف الحديث، وداود ثقة إلا في عكرمة كما أسلفنا.
وانظر «مسند أحمد» (٢٧٢٧).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: رتب الفقهاء القتل المأمور به (يعني في اللوطة) على معاني ما جاء فيه في أحكام الشريعة، فقالوا: يقتل بالحجارة رجمًا إن كان محصنًا، ويُجلد مئة إن كان بكرًا، ولا يُقتل. وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والنخعي والحسن وقتادة، وهو أظهر قولي الشافعي. وحكي ذلك أيضًا عن أبي يوسف ومحمد.
وقال الأوزاعي: حكمه حكم الزاني.
وقال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه: يرجم إن أحصن أو لم يحصن. روي ذلك عن الشعبي.
وقال أبو حنيفة: يُعزر ولا يحد، وذلك أن هذا الفعل ليس عندهم بزنى.
وقال بعض أهل الظاهر: لا شيء على مَن فعل هذا الصنيع.
قلت [القائل الخطابي]: وهذا أبعد الأقاويل من الصواب، وأدعاها إلى إغراء الفجار به، وتهوين ذلك بأعينهم وهو قول مَرغُوب عنه.
قلنا: هذا نقل عن بعض أهل الظاهر هذا الرأي، والذي قاله ابن حزم في «المحلى» ١١/ ٣٨٢: أن أبا سليمان وجميع الظاهرية يذهبون في ذلك مذهب أبي حنيفة يعني في تعزير من فَعَل هذا الفعل.
وانظر «المغني» لابن قدامة ١٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩.

قال أبو داود: رواه سليمانُ بنُ بِلال، عن عَمرو بنِ أبي عَمرو، مثلَه.
ورواه عبَّادُ بنُ منصور، عن عكرمة، عن ابنِ عباس رفَعه. ورواه ابنُ جُريج، عن إبراهيمَ، عن داود بنِ الحُصَينِ، عن عِكرِمَة، عن ابنِ عباس رفعه.
٤٤٦٣ - حدَّثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم بنِ راهويه، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا ابنُ جُريج، أخبرني ابنُ خُثَيْمٍ، قال: سمعتُ سعيدَ بن جُبيرٍ ومجاهدًا يحدثان عن ابنِ عباس: في البِكْرِ يُوجَدُ على اللوطِيَّةِ قال: يُرجَمُ (١).

٣٠ - باب فيمن أتى بهيمةً
٤٤٦٤ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمَّد النُّفيليُّ، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمدٍ، حدَّثني عَمرُو بنُ أبي عَمرو، عن عِكرمة
عن ابنِ عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن أتى بهيمةً، فاقتلوهُ واقتلوها مَعَهم» قال: قُلتُ له: ما شأنُ البهيمةِ؟ قال: ما أُراه قال ذلك إلا أنه كَرِهَ أن يُؤكَلَ لحمُها، وقد عُمِلَ بها ذلك العملُ (٢).


(١) أثر موقوف إسناده قوي من أجل ابن خثيم -وهو عبد الله بن عثمان- فهو صدوق لا بأس به. وابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- قد صرح بسماعه.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٣٤٩١).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٩٨) من طريق محمَّد بن ربيعة، عن ابن جريج، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس. فذكر عكرمة بدل مجاهد.
(٢) ضعيف كالحديث السالف برقم (٤٤٦٢). وقال العجلي في «تاريخ الثقات» في ترجمة عمرو بن أبي عمرو: ثقة، يُنكر عليه حديث البهيمة، وضعّف المصنف هذا الحديث بالأثر الآتي بعده عن ابن عباس أنه قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ.
وقال الخطابي معلقًا على تضعيف المصنف: يريد أن ابن عباس لو كان عنده في هذا الباب حديث عن النبي ﷺ لم يخالفه. قلنا: وكذلك قال الترمذي بإثر الحديث (١٥٢٢) =

قال أبو داود: ليس هذا بالقوي (١).


= بأن أثر ابن عباس أصح من الحديث المروي عنه، وأما النسائي فقد أعل هذا الحديث في «الكبرى» بإثر الحديث (٧٣٠١) بالرواية الأخرى عن ابن عباس بهذا الإسناد أن رسول الله ﷺ قال: «لعن الله من وقع على بهيمة» يعني بذكر اللعن، دون ذكر القتل أو عدمه. ونقل صاحب «المغني» ١٢/ ٣٥٢ عن الإِمام أحمد أنه لا يثبت هذا الحديثُ.
وأخرجه الترمذي (١٥٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٠٠) من طريق عبد العزيز ابن محمَّد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٦٤) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وإبراهيم هذا ضعيف الحديث. وداود ابن الحصين ثقة إلا في روايته عن عكرمة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٠) و(٢٧٢٧).
وقد روي هذا الحديث أيضًا من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، واختُلف في رفعه ووقفه. وقد تكلمنا على رواية عباد عن عكرمة عند الحديث السالف برقم (٤٤٦٢). وانظر «مسند أحمد» (٢٧٣٣).
قال الخطابي: وقد اختلف أهل العلم فيمن أتى هذا الفعل.
فقال إسحاق بن راهويه: يقتل إذا تعمد ذلك وهو يعلم ما جاء فيه عن رسول الله ﷺ، فإن درأ عنه إمام القتل، فلا ينبغي أن يدرأ عنه جلد عدّة تشبيهًا بالزنى.
وروي عن الحسن أنه قال: يرجم إن كان محصنًا، ويجلد إن كان بكرًا.
وقال الزهري: يجلد مئة أحصن أو لم يُحصن.
وقال أكثر الفقهاء: يُعزَّر، وكذلك قال عطاء والنخعي وبه قال مالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي.
وقوله الآخر: إن حكمه حكم الزاني.
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية أبي عيسى الرملي.

٤٤٦٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ يونسَ، أن شريكًا وأبا الأحوصِ وأبا بكر بنَ عياشٍ حدَّثوهم، عن عاصِمٍ، عن أبي رزينٍ
عن ابنِ عباس، قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ (١).
قال أبو داود: وكذا قال عطاءٌ، وقال الحكم: أرى أن يُجلَدَ ولا يُبْلَغَ به الحدّ، وقال الحسنُ: هو بمنزلةِ الزَّاني.
قال أبو داود: حديث عاصمٍ يُضعِّفُ حديثَ عَمرو بن أبي عَمرو (٢).

٣١ - باب إذا أقرَّ الرجلُ بالزِّنى ولم تُقِرَّ المرأه ُ
٤٤٦٦ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا طَلْقُ بنُ غنَّام، حدَّثنا عبدُ السَّلامِ ابنُ حفصٍ، حدَّثنا أبو حازِمٍ


(١) أثر موقوف إسناده حسن من أجل عاصم -وهو ابن أبي النَّجُود، ويقال له: ابن بهدلة أيضًا- أبو رَزين: هو مسعود بن مالك الأسدي مولاهم الكوفي.
وأخرجه الترمذي (١٥٢٢) من طريق الإِمام سفيان الثوري، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٠١) من طريق الإِمام أبي حنيفة النعمان، كلاهما عن عاصم بن أبي النجود، به. وقال الترمذي بإثره: هذا أصح من الحديث الأول - يعني حديث ابن عباس المرفوع الذي سلف عند المصنف قبله .. لكن النسائي قال عن أثر ابن عباس هذا وعن حديثه السالف عند المصنف قبله: هذا غير معروف، والأول هو المحفوظ قلنا: يعني رواية ابن عباس التي ساقها في «الكبرى» برقم (٧٢٩٩) أن رسول الله ﷺ قال: «لعن الله من وقع على بهيمة». فصحح النسائي ذكرَ اللعنِ، دون ذكر القتل أو عدمه.
(٢) مقالة أبي داود هذه جاءت في (ب) و(ج) بعد أثر ابن عباس السالف برقم (٤٤٦٣)، وجاءت في (أ) و(هـ) هنا، وكذلك جاءت في رواية ابن العبد، كما أشار إليه في (أ)، ومكانها هنا أليق وأحسن.

عن سهل بنِ سعدٍ، عن النبيَّ ﷺ: أن رجُلًا أتاه، فأقرَّ عندَه أنه زَنَى بامرأةِ سماها له، فبعثَ رسولُ الله ﷺ إلى المرأةِ فسألَها عن ذلك، فأنكرتْ أن تكونَ زنَت، فجلدَه الحدَّ وتركها (١).
٤٤٦٧ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارسِ، حدَّثنا موسى بنُ هارون البُردِي، حدَّثنا هِشَامُ بنُ يوسفَ، عن القاسم بنِ فيَّاض الأبناويّ، عن خلَّاد بنِ عبدِ الرحمن، عن ابن المُسيّب
عن ابن عباسٍ: أن رجلًا من بَكر بنِ ليثٍ أتى النبيَّ ﷺ، فأقرَّ أنه زنى بامرأةٍ، أربَعَ مراتٍ، فجلدَه مئةً، وكان بِكرًا، ثم سأله البينةَ على المرأة، فقالت: كذبَ والله يا رسولَ الله، فجَلَدَه حدَّ الفِريةِ ثمانينَ (٢).


(١) إسناده صحيح، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٤٤٣٧).
وانظر فقه الحديث عند الحديث التالي.
(٢) إسناده ضعيف. القاسم بن فياض الأبناوي ضعفه ابنُ معين والنسائي ووصف حديثه هذا بأنه منكر، وقال ابن حبان في «المجروحين» ٢/ ٢١٣: كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره. والأبناوي نسبة إلى الأبناء، وهم كل من وُلد باليمن من أبناء الفرس وليس بعربي كما قال السمعاني في «الإنساب» نقلًا عن ابن حبان وغيره.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٣٠٨) من طريق موسى بن هارون البُردِيّ، بهذا الإسناد.
قال ابن عبد البر في التمهيد، ٩/ ٩١: اختلفوا فيمن أقر بالزنى بامرأة بعينها وجحدت هي، فقال مالك: يقام عليه حد الزنى، ولو طلبت حد القذف لأُقيم عليه أيضًا. قال: وكذلك لو قالت: زنى بي فلان وأنكر، حُدَّت للقذف ثم للزنى، وبهذا قال الطبري.
وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه للزنى، وعليه حد القذف، وعليها مثل ذلك إن قالت له ذلك.

٣٢ - باب في الرجل يُصيبُ من المرأةِ دونَ الجِماع فيتوبُ قبل أن يأخذَه الإمامُ
٤٤٦٨ - حدَّثنا مسددُ بن مُسَرْهَدٍ، حدَّثنا أبو الأحوصِ، حدَّثنا سِمَاكٌ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ والأسودِ، قالا:
قال عبدُ الله: جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ ﷺ، فقالَ: إني عالجْتُ امرأةً من أقصى المدينَةِ، فأصبتُ منها ما دون أن أمسَّها، فأنا هذا، فأقِمْ عليَّ ما شِئْتَ، فقال عُمَرُ: قد سَتَر اللهُ عليكَ لو سترتَ على نفسِكَ، فلم يَرُدَّ عليهِ النبيُّ ﷺ شيئًا، فانطلقَ الرجلُ، فأتبعَهُ النبيُّ ﷺ رجُلًا، فدعاه، فتلا عليه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ إلى آخر الآية [هود: ١١٤]، فقال رجُلٌ مِنَ القَوم: يا رسولَ الله ﷺ، ألهُ خاصَّةً أم للناسِ عامّةً؟ فقال: «بل للناسِ كافةً» (١).


= وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: يُحَدُّ من أقر منهما للزنى فقط؛ لأنا قد أحطنا علمًا أنه لا يجب عليه الحدان جميعًا؛ لأنه إن كان زانيا فلا حد على قاذفه، فإذا أقيم عليه حد الزنى لم يقم عليه حد القذف.
وقال الأوزاعي: يحد للقذف، ولا يحد للزنى.
وقال ابن أبي ليلى: إذا أقر هو وجحدت هي جلد، وإن كان محصنا، ولم يرجم.
وانظر «مختصر اختلاف العلماء» للجصاص المسألة رقم (١٤١٥).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل سِماك -وهو ابن حرب- وقد توبع. الأسود: هو ابن يزيد النخعي، وعلقمة: هو ابن قيس النخعي، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وأبو الأحوص: هو سَلَّام بن سُليم.
وأخرجه مسلم (٢٧٦٣)، والترمذي (٣٣٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٧٢٨٣) من طريق أبي الأحوص، والنسائي (٧٢٨٢) من طريق أبي عوانة اليشكري، ومسلم (٢٧٦٣) من طريق شعبة بن الحجاج، والنسائي (٧٢٨١) من طريق أسباط بن نصر، أربعتهم عن سماك بن حرب، به. ولم يذكر شعبة وأسباط علقمة في إسنادهما. =

٣٣ - باب في الأمةِ تزني ولم تُحْصَنْ
٤٤٦٩ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهاب، عن عُبَيْدِ الله ابنِ عَبدِ الله بنِ عُتبةَ
عن أبي هُريرة وزيدِ بنِ خالدِ الجُهَني: أن رسولَ الله ﷺ سُئل عن الأمَةِ إذا زَنَتْ، ولم تُحصَنْ، قال: «إن زَنَتْ فاجْلِدُوهَا، ثم إن زنَتْ فاجْلِدُوها، ثم إن زَنَت فاجلِدُوها، ثم إن زَنَت فبِيعُوها ولو بِضَفِيرِ» (١).


= وأخرجه الترمذي (٣٣٧٣) و(٣٣٧٤) من طريق سفيان الثوري، عن سماك -وقرن به في الموضع الأول الأعمش- عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود. لكن صحح الترمذي رواية الجماعة عن سماك -يعني بذكر علقمة والأسود، دون ذكر عبد الرحمن بن يزيد.
وأخرجه بنحوه مسلم (٢٧٦٣)، وابن ماجه (١٣٩٨) و(٤٢٥٤)، والترمذي (٣٣٧٥)، والنسائي (٧٢٨٥) من طريق أبي عثمان النَّهْدي، عن عبد الله بن مسعود.
وقد صحَّح النسائيُّ رواية أبي عثمان النهدي وضَعَّف روايةَ سِماكٍ؛ لأن الأعمش خالفه فرواه عن إبراهيم النخعي مرسلًا. وقد أخرج رواية الأعمش في «السنن الكبرى» (٧٢٨٤) من طريق أبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، عنه. لكن سفيان الثوري رواه كما أسلفنا عن الأعمش موصولًا وخالف رواية أبي معاوية!
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٨٢٦.
وأخرجه البخاري (٢١٥٣) و(٢٢٣٢) و(٢٥٥٥) و(٦٨٣٧)، ومسلم (١٧٠٤)، وابن ماجه (٢٥٦٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧٢١٧ - ٧٢٢٠) من طرق عن ابن شهاب الزهري، به. زاد سفيان بن عيينة في رواية ابن ماجه والنسائي في الموضع الأخير: شبل بن خالد -أو خليد- مع أبي هريرة وزيد بن خالد. وقد ذكر الإِمام الترمذي والامام النسائي وغيرهما أن هذا وهم من ابن عيينة؛ لأن شبلًا لم يدرك النبي ﷺ وإنما أدخل سفيان حديثًا في حديث، وشبل إنما روى مثل هذا الحديث عن عبد الله بن مالك الأوسي عن النبي ﷺ وعن زيد بن خالد الجُهني عن النبي ﷺ كما أخرجه النسائي (٧٢٢١ - ٧٢٢٣). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه الترمذي (١٥٠٧)، والنسائي (٧٢٠٢ - ٧٢٠٥) من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة وحده.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٤٣) و(١٧٠٥٧)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٤٤). وانظر تالييه.
قال الخطابي: فيه من الفقه: وجوب إقامة الحد على المماليك إلا أن حدودهم على النصف من حدود الأحرار لقوله تعالى: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥].
ولا يُرجَم المماليك وإن كانوا ذوي أزواج؛ لأن الرجم لا يتنصف، فعلم أنهم لم يدخلوا في الخطاب ولم يُعنَوا بهذا الحكم.
وأما قوله: «إذا زنت ولم تحصن» فقد اختلف الناس في هذه اللفظة، فقال بعضهم: إنها غير محفوظة وقد روي هذا الحديث من طريق غير هذا ليس فيه ذكر الإحصان.
وقال بعضهم: إنما هو مسألة عن أمة زنت ولا زوج لها، فقال النبي ﷺ: «تجلد» أي: كما تُجلَد ذوات الأزواج، وإنما هو اتفاق حال في المسؤول عنه وليس بشرط يتعلق به في الحكم، فيختلف من أجل وجوده وعدمه.
وقد اختلف الناس في المملوكة إذا زنت ولا زوج لها، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا حد عليها حتى تحصن. وكذلك قال طاووس. وقرأ ابن عباس: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥]. وقرأها: ﴿أُحْصِنَّ﴾ بضم الألف.
وقال أكثر الفقهاء: تجلد وإن لم تتزوج، ومدى الإحصان فيهن: الإِسلام. وقرأها عاصم والأعمش وحمزة والكسائي: (أَحْصَنَّ)، مفتوحة الألف بمعني: أسلمن.
قلنا: كذا نسب الخطابي قراءة الفتح إلى عاصم مطلقًا، وإنما قرأها أبو بكر عن عاصم بالفتح، وأما حفص عن عاصم فقرأها بالضم. انظر «النشر» ٢/ ٢٤٩.
ثم قال الخطابي: وفيه دليل على أن الزنى عيب في الرقيق يُرد به، ولذلك حط من القيمة، وهضم من الثمن.
وفيه دليل على جواز بيع غير المحجور عليه مالَه بما لا يتغابن به الناس.

قال ابنُ شهاب: لا أدري في الثالثة أو الرابعة.
والضفير: الحبلُ.
٤٤٧٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن عُبيد الله، حدَّثني سعيدُ بنُ أبي سعيد المقبرِيُّ
عن أبي هُريرة، عن النبي ﷺ قال: «إذا زَنَت أمَةُ أحدِكم
فليَجِلدْها، ولا يُعيِّرها، ثلاث مِرَارٍ، فإنْ عَادَتْ في الرّابِعةِ، فَلْيَجْلدْها،
ولْيبِعها بضَفيرِ، أو بحبْلٍ مِنْ شَعَرِ» (١).
٤٤٧١ - حدَّثنا ابنُ نُفيلِ، حدَّثنا محمدُ بنُ سلمةَ، عن محمَّد بنِ إسحاقَ، عن سعيد بنِ أبي سعيدٍ المقبريِّ، عن أبيه
عن أبي هُريرة، عن النبي ﷺ، بهذا الحديث، قال في كُل مرةٍ: «فليضربْها كتابَ الله، ولا يُثرِّبْ عليها»، وقال في الرابعة: «فإن عَادَتْ فَليضرِبْها كتابَ الله، ثم ليبِعها، ولو بحبلٍ مِن شَعَرٍ» (٢).


(١) إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر العُمري، ويحيى: هو ابنُ سَعيد القطان. وسيأتي في الطريق الذي بعده عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وكل من سعيد المقبري وأبيه قد سمع من أبي هريرة، فلا يبعد أن يكون سعيد سمع الحديث من أبيه أولًا، ثم سمعه من أبي هريرة مباشرة.
وأخرجه مسلم (١٧٠٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٢٠٨ - ٧٢١٤) من طرق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٩٥) و(٨٨٨٦).
وانظر ما بعده.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمَّد بن إسحاق، وقد صرح بسماعه عند الدارقطني (٣٣٣٤) فانتفت شبهة تدليسه، وقد توبع. ابن نُفَيل: هو عبد الله ابن محمَّد بن علي النُّفيليُّ. =

٣٤ - باب في إقامة الحدِّ على المريض
٤٤٧٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيدٍ الهَمْدانيُّ، حدَّثنا ابنُ وهب، أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، أخبرني أبو أمامَةَ بنُ سهلِ بن حُنَيْفِ
أنه أخبره بعضُ أصحاب رسولِ الله ﷺ مِن الأنصارِ: أنَّه اشتكى رجُلٌ منهم حتى أُضنِيَ، فعَادَ جِلدَةً على عَظمٍ، فدخلت عليه جارِيةٌ لِبعضِهم، فَهشَّ لها، فَوَقَعَ عليها، فلما دَخَلَ عليهِ رجالُ قومه يَعُودونه أخبرَهم بذلك، وقال: استفتُوا لي رسولَ الله ﷺ، فإني قد وقَعْتُ على جَارِيَةٍ دخلتْ عليَّ، فذَكَرُوا ذلك لِرسولِ الله ﷺ، وقالوا: ما رأينا بأحدٍ مِن الناسِ مِن الضُرِّ مثلَ الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسَّخَتْ عظامُهُ، ما هو إلا جِلدٌ على عَظْم، فأمرَ رسولُ الله ﷺ أن يأخذوا له مِئةَ شِمراخٍ، فيضرِبُوه بها ضربةً واحِدَةً (١).


= وأخرجه مسلم (١٧٠٣) من طريق محمَّد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢١٥٢) و(٢٢٣٤) و(٦٨٣٩)، ومسلم (١٧٠٣)، والنسائي
في «الكبرى» (٧٢٠٧) من طريق الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٩٤٧٠) و(١٠٤٠٥).
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: معنى التثريب: التعبير والتبكيت، يقول: لا يقصر على أن يبكتها بفعلها أو يسبّها، ويعطل الحد الواجب عليها.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد اختُلف فيه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، فروي عنه موصولًا في رواية يونس -وهو ابن يزيد الأيلي- عن ابن شهاب -وهو محمَّد بن مسلم الزهري- كما عند المصنف هنا، ورواه أبو حازم سلمة بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو الزناد عن أبي أمامة مرسلًا وهذا لا يضر لأن أبا أمامة صحابي صغير، ومراسيل الصحابة حجة، وله طرق أخرى موصولة لكن بذكر صحابة آخرين غير هذا الأنصاري وقد بسطنا بيانها في «مسند أحمد» (٢١٩٣٥). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (٨١٧)، والبيهقي ١٠/ ٦٤ من طريق يونس ابن يزيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٦٧) من طريق إسحاق بن راشد، عن الزهري، به إلا أنه سمى الصحابي سهل بن حنيف. وإسحاق -وإن كان ثقة- في حديثه عن الزهري بعض الوهم وقد اختُلف عليه، فقد روي عنه هذا الحديث مرة أخرى -كما أخرجه النسائي (٧٢٦٦) - عن الزهري عن أبي أمامة مرسلًا.
وأخرجه النسائي أيضًا (٧٢٥٩) من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد. وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث من هذا الطريق في «سننه» (٣١٥٦)
ثم قال: الصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل، عن النبي ﷺ.
وأخرجه كذلك (٧٢٦٠) من طريق زيد بن أبي أُنيسة، عن أبي حازم، عن أبي أمامة مرسلًا.
وأخرجه أيضًا (٧٢٦١) و(٧٢٦٣) من طريق أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، و(٧٢٦٢ - ٧٢٦٥) طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، كلاهما عن أبي أمامة مرسلًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٩٣٥) من طريق يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن أبي أمامة، عن سعيد بن سعْد بن عبادة. وانظر تمام الكلام عليه وتفصيل طرقه هناك.
قال الخطابي: قوله: أُضني معناه: أصابه الضَّنى، وهو شدة المرض وسوء الحال حتى ينحل بدنه ويَهزُل، ويقال: إن الضَّنى انتكاس العلة.
قلنا: وقوله: هشَّ لها، من الهَشّ والهشيش، وهو كل شيء فيه رخاوة ولين وخِفّة.
والشمراخ: كل غصن من أغصان عذق النخل، وهو الذي عليه البُسْر.
ثم قال الخطابي: وفيه من الفقه أن المريض إذا كان ميؤوسًا منه ومن معاودة الصحة والقوة إياه وقد وجب عليه الحد، فإنه يُتناول بالضرب الخفيف الذي لا يَهُدُّه.
وممن قال من العلماء بظاهر هذا الحديث الشافعي، وقال: إذا ضربه ضربةً واحدة بما يجمع له من المشاريخ فعلم أن قد وصلت كلها إليه ووقعت به أجزأه ذلك.
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابُه: لا نعرف الحد إلا حدًا واحدًا، الصحيح والزَّمِنُ فيه سواء. =

٤٤٧٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ كَثِيرٍ، أخبرنا إسرائيلُ، حدَّثنا عبدُ الأعلى، عن أبي جَميلة عن علي، قال: فَجَرتْ جاريةٌ لآلِ رسولِ الله ﷺ، فقال: «يا عليُّ، انطلِق فأقِم عليها الحدَّ» فانطلقتُ فإذا بها دمٌ يسيلُ لم ينقطِعْ، فأتيتُه، فقال: «يا عليٍّ أفرَغتَ؟» قلت: أتيتُها ودمُها يَسيلُ، فقال: «دَعها، حتى ينقطعَ دمُها، ثم أقِمْ عليها الحدَّ، وأقيموا الحُدودَ على ما ملَكتْ أيمانُكم» (١).


= قالوا: ولو جاز هذا لجاز مثله في الحامل أن تُضرب بشماريخ النخل ونحوه، فلما أجمعوا أنه لا يجري ذلك في الحامل كان الزَّمِنُ مثل ذلك.
قلنا: ومذهب الحنابلة في ذلك كمذهب الشافعي كما ذكر ابن قدامة في «المغني» ١٢/ ٣٣٠.
وهذا الخِلافُ في المريض الذي لا يُرجى بُرؤه، والحديث الآتي بعده في المريض الذي يرجى بُرؤه.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الأعلى -وهو ابن عامر الثعلبي- ثم إنه اختُلف عنه في متن الحديث كما أشار إليه المصنف وقوله في هذا الحديث: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» من قول علي بن أبي طالب، وليس من قول النبي ﷺ كما سيأتي.
أبو جميلة: هو يسرة بن يعقوب الطُّهَوي، وإسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٢٢٨) من طريق سفيان الثوري، و(٧٢٢٩) من طريق أبي الأحوص سلام بن سُليم، كلاهما عن عبد الأعلى الثعلبي، به.
وأخرجه النسائي (٧٢٢٧) من طريق شعبة، عن عبد الأعلى، عن أبي جميلة، عن علي، قال: زنت جارية لي، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: لا تضربها حتى تضع قلنا: وهذا يعني أنها كانت حاملًا لا نفساء، لكن الصحيح أنها كانت نفساء كما أشار إليه المصنف. =

قال أبو داود: وكذلك رواه أبو الأحوصِ، عن عبدِ الأعلى، ورواه شعبةُ عن عبدِ الأعلى فقال فيه: قال: «لا تَضرِبْها حتَّى تَضَعَ» والأولُ أصحُّ.

٣٥ - باب في حدّ القذف
٤٤٧٤ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ الثقفيُّ ومالكُ بنُ عبدِ الواحد المِسمَعِيُّ -وهذا حديثه- أن ابنَ أبي عدي حدَّثهم، عن محمَّد بنِ إسحاق، عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ، عن عَمرةَ


= فقد أخرجه مسلم (١٧٠٥)، والترمذي (١٥٠٦) من طريق أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن علي بن أبي طالب: أنه خطب الناس فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائِكم الحد، من أُحصِن منهم ومن لم يُحصن، فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لنبي ﷺ فقال: «أحسنت»، وفي رواية أخرى عند مسلم زيادة: «اتركها حتى تَمَاثل».
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٦) و(١٣٤١).
قال ابن قدامة في «المغني» ١٢/ ٣٢٩ - ٣٣٠: المريض الذي يرجى برؤه يقام عليه الحدُّ ولا يؤخر كما قال أبو بكر في المساء [قلنا: أبو بكر: هو الخلال] وهذا قول إسحاق وأبي ثور، لأن عمر رضي الله عنه أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه، ولم يؤخره، وانتشر ذلك في الصحابة فلم ينكروه، فكان إجماعا، ولأن الحد واجب فلا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة. قال القاضي [يعني أبا يعلى الفراء]: وظاهر قول الخرقي تأخيره، لقوله فيمن يجب عليه الحد: وهو صحيح عاقل، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لحديث علي رضي الله عنه في التي هي حديثة عهد بنفاس وما ذكرناه من المعنى، وأما حديث عمر في جلد قدامة فإنه يحتمل أنه كان مرضا خفيفًا، لا يمنع من إقامة الحد على الكمال، ولهذا لم يقل عنه أنه خفف عنه في السوط، وإنما اختار له سوطًا وسطا كالذي يُضرب به الصحيح، ثم إن فعل النبي ﷺ يقدم على فعل عمر، مع أنه اختيار علي وفعلُه، وكذلك الحكم في تأخيره لأجل الحر والبرد المُفرط.

عن عائِشَة، قالت: لما نزلَ عُذري قامَ النبيَّ ﷺ على المِنبرِ فذَكَر ذلكَ، وتلا -تعني القرآنَ- فلما نزلَ مِن المِنْبرِ أمَرَ بالرَّجُلينِ والمرأةِ فضُرِبُوا حَدَّهم (١).
٤٤٧٥ - حدَّثنا النُّفيليُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ سَلَمَة، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، بهذا الحديثِ، لم يذكُر عائِشةَ، قال:
فأمَرَ برجلين وامرأةٍ ممن تكلمَ بالفاحِشَة: حسانَ بنِ ثابتٍ ومِسْطَح بنِ أُثاثَةَ. قال النُّفيلي: ويقولُونَ: المرأة: حمْنَةُ بنتُ جَحْشٍ (٢).


(١) إسناده حسن من أجل محمَّد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي مولاهم- وقد صرح بالتحديث عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٩٦٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٢٥٠، وفي «دلائل النبوة» ٤/ ٧٤، فانتفت شبهة تدليسه. عمرة: هي بنت عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي بكر: هو ابن محمَّد بن عمرو بن حزم، وابن أبي عدي: هو محمَّد بن إبراهيم. وقد تابع ابنَ أبي عدي على وصله عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند الطحاوي، ويونس بن بكير عند البيهقي، وخالفهم محمَّد بن سلمة الحراني كما في الطريق الآتي بعده، فأرسله، ولا يضر ذلك؛ لأن الذين وصلوه جماعة ثقات.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٦٧)، والترمذي (٣٤٥٥)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣١١) من طريق ابن أبي عدي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٠٦٦).
وانظر ما بعده.
(٢) حديث حسن، وهذا إسناد اختلف في وصله وإرساله عن محمَّد بن إسحاق، أرسله عنه محمد بن سلمة -وهو الحراني- ووصله جماعة ثقات كما في الطريق السالف قبله. فلا يضره إرسال من أرسله. النُّفَيلي: هو عبد الله بن محمَّد بن علي بن نُفَيل الحراني.

٣٦ - بابُ الحدِّ في الخَمْر
٤٤٧٦ - حدَّثنا الحسنُ بنُ علي ومحمدُ بنُ المُثنَّى -وهذا حديثُه- قالا: حدَّثنا أبو عاصم، عن ابنِ جُريج، عن محمَّد بنِ على ابن رُكانَةَ، عن عِكرِمَة عن ابنِ عباسِ: أن رسولَ الله ﷺ لم يَقِتْ في الخَمْرِ حدًّا.
وقال ابنُ عباسٍ: شَرِبَ رجلٌ فَسَكِرَ فلُقِيَ يَميلُ في الفَجِّ، فانطُلِقَ به إلى النبي ﷺ، فلما حاذَى دارَ العباسِ انفلتَ، فدَخَلَ على العباس فالتزمه فذَكَر ذلك للنبيِّ ﷺ، فَضَحِكَ، وقال: «أفعَلَها؟» ولم يأمُرْ فيه بشيءٍ (١).


(١) إسناده ضعيف لجهالة محمَّد بن علي ابن ركانة، ثم إن في متنه مخالفة للأحاديث الصحيحة التي فيها أن حد شارب الخمر كان على زمن النبي ﷺ أربعين، وكذلك كان في عهد أبي بكر، فلما كانت خلافة عمر جلد ثمانين. ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد، والحسن بن علي: هو الحُلْواني الخلّال.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٢٧١) و(٥٢٧٢) من طريق ابن جريج، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٩٦٣).
ويخالف هذا الحديث حديث أنس بن مالك الآتي عند المصنف برقم (٤٤٧٩) ولفظه عند مسلم (١٧٠٦): أن النبي ﷺ أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين
نحو أربعين. وفي رواية أخرى عند مسلم (١٧٠٦): أن النبي ﷺ كان يضرب بالنعال والجريد أربعين.
ويخالفه أيضًا حديث حضين بن المنذر، عن علي بن أبي طالب الآتي عند المصنف (٤٤٨٠). وهو في «صحيح مسلم» (١٧٠٧).
وانظر كلام الخطابي في حد شارب الخمر عند الحديث الآتي برقم (٤٤٨٠).
قال الخطابي: الفج: الطريق، وقوله: لم يَقِت، أي: لم يوقت، يقال: وقت يقت، ومنه قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء:١٠٣].

قال أبو داود: هذا الحديث مما تفرَّد به أهلُ المدينةِ حديث الحسن بنِ علي هذا (١).
٤٤٧٧ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا أبو ضَمرةَ، عن يزيدَ ابنِ الهادِ، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ، عن أبي سَلَمَة
عن أبي هُريرة: أن رسولَ الله ﷺ أُتيَ برجل قد شَرِبَ، فقال: «اضرِبُوهُ» فقال أبو هُريرة: فَمِنا الضَّارِبُ بيده، والضَّارب بنعله، والضاربُ بثوبه، فلما انصرفَ قال بعضُ القوم: أخزَاكَ اللهُ! فقال رسولُ الله ﷺ: «لا تَقُولُوا هكذا، لا تُعينوا عليه الشَّيْطَانَ» (٢).
٤٤٧٨ - حدَّثنا محمدُ بنُ داودَ بن أبي ناجيةَ الإسكندرانىُّ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يحيى بنُ أيوبَ وحيوةُ بن شريحٍ وابنُ لهيعةَ
عن ابن الهاد، بإسناده ومعناه، قال فيه بَعْدَ الضربِ: ثم قال رسولُ الله ﷺ لأصحابِه: «بكَّتُوه»، فأقبلُوا عليه يقولون: أما اتقيتَ اللهَ، ما خَشِيتَ اللهَ، وما استحييت مِن رسولِ الله ﷺ، ثم أرسَلُوه،


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ) و(هـ). وهي في رواية ابن العبد وابن داسه.
(٢) إسناده صحيح. أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن إبراهيم: هو ابن الحارث التيمي، ويزيد ابن الهاد: هو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد، معروف بالنسبة إلى جد أبيه، وأبو ضمرة: هو أنس بن عياض.
وأخرجه البخاري (٦٧٧٧) و(٦٧٨١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٢٦٨) من طريق أنس بن عياض، بهذا الإسناد. زاد النسائي في روايته: «ولكن قولوا: رحمك اللهُ».
وهو في «مسند أحمد» (٧٩٨٥)، و«صحيح ابن حبان» (٥٧٣٠).
وانظر ما بعده.
وانظر الكلام في حد شارب الخمر عند الحديث الآتي برقم (٤٤٨٠).

وقال في آخِرِه: «ولكن قولوا: اللَّهم اغفِر له، اللهم ارْحَمه» وبعضهم يزيدُ الكلمةَ ونحوَها (١).
٤٤٧٩ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا هِشامٌ، وحدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن هِشام -المعنى- عن قتادَةَ
عن أنسِ بنِ مالكِ: أن النبي ﷺ جَلدَ في الخَمْرِ بالجَريدِ والنِّعالِ، وجَلَدَ أبو بكر أربعينَ، فلما ولي عُمَرُ دعا الناسَ، فقال لهم: إنَّ الناسَ قد دنوا مِن الرِّيفِ -وقال مُسَدَّدٌ: من القُرى والريفِ- فما ترونَ في حد الخمر؟ فقال له عبدُ الرحمن بنُ عَوفٍ: نرى أن تَجْعَلَه كأخفِّ الحُدودِ، فَجَلَدَ فيه ثَمَانِينَ (٢).


(١) إسناده صحيح كسابقه. ابن وهب: هو عبد الله، وابن لهيعة: هو عبد الله.
(٢) إسناده صحيح. قتادة: هو ابن دِعامة السدوسي، وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (٦٧٧٣) و(٦٧٧٦)، ومسلم (١٧٠٦)، وابن ماجه (٢٥٧٠) والنسائي في «الكبرى» (٥٢٥٨) من طريق هشام الدستوائي، به. ورواية البخاري وابن ماجه والنسائي مختصرة بقوله: أن النبي ﷺ ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وزاد البخاري ذكر أبي بكر فقط، وفي رواية لهشام عند مسلم: أن النبي ﷺ كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين. فذكر عدد الجلدات، وتابعه عليه شعبة كما سيأتي.
وأخرجه البخاري (٦٧٧٣)، ومسلم (١٧٠٦)، والترمذي (١٥٠٩) والنسائي (٥٢٥٥ - ٥٢٥٧) من طريق شعبة بن الحجاج، وابن ماجه (٢٥٧٠) من طريق سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، به، ورواية البخاري مختصرة كما ذكرنا، ولم يذكر النسائي في الموضع الأول قصة عمر بن الخطاب. وجاء في رواية شعبة عندهم خلا البخاري: أن النبي ﷺ أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحوًا من أربعين.
فذكر عدد الجلدات بأنها كانت نحوًا من أربعين. =

قال أبو داود: رواه ابنُ أبي عَروبة، عن قتادةَ، عن النبي ﷺ: أنه جَلَدَ بالجريدِ والنعالِ أربعين. ورواه شعبةُ، عن قتادة
عن أنسٍ، عن النبي ﷺ، قال: ضرب بجريدَتَين نحو الأربعينَ. ٤٤٨٠ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ بنُ مُسَرهَدٍ وموسى بنُ إسماعيل -المعنى- قالا: حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ المختار، حدَّثنا عبدُ الله الدَّاناجُ، حدَّثني حُضَينُ بنُ المُنذر الرَّقاشِيُّ أبو ساسان، قال: شهدتُ عثمانَ بنَ عفان وأُتي بالوليدِ بن عُقبةَ فَشَهِدَ عليه حُمرانُ ورجل آخرُ، فشهد أحدُهما أنه رآه يَشْربُها -يعني الخمرَ-، وشَهِدَ الآخر أنه رآه يتقيَّؤُها، فقال عثمانُ: إنه لم يتقيأها حتى شَرِبَها، فقال لِعليٍّ: أقِم عليه الحدَّ، فقال علي للحسنِ: أقم عليه الحَدَّ، فقال الحسنُ: ولِّ حارَّها من تولَّى قارَّها، فقال عليٌّ لعبدِ الله بنِ جعفر: أقِمْ عليه الحدَّ، قال: فأخذ السَّوطَ فجلدَه وعليٌّ يعُدُّ، فلما بلغ أربعين، قال: حسبُكَ، جَلدَ النبي ﷺ أربعين، -أحسبه قال:- وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنّةٌ، وهذا أحبُّ إلىَّ (١).


= وهو في «مسند أحمد» (١٢١٣٩) و(١٢٨٠٥)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٤٨) و(٤٤٤٩) و(٤٤٥٠) وانظر كلام الخطابي في حد شارب الخمر عند الحديث التالي.
(١) إسناده صحيح. عبد الله الداناج: هو ابن فيروز، والداناج بالفارسية معناه: العالِم.
وأخرجه مسلم (١٧٠٧)، وابن ماجه (٢٥٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٢٥١) من طريق عبد العزيز بن المختار، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٢٤).
وانظر ما بعده. =

قال أبو داود: وقال الأصمعيُّ: ولِّ حارَّها مَنْ تولَّى قارَّها: ولِّ شديدَها من تولَّى هيِّنها.


= قال الخطابي: وَلِّ حارَّها من تولَّى قارَّها، مثلٌ، أي: وَلِّ العقوبة والضربَ من تُوليه العملَ والنفع. والقارّ: البارد. وقال الأصمعي: معناه: ولِّ شديدها مَن تولِّي هيِّنها، وكلاهما قريب.
وفي قول علي رضي الله عنه عند الأربعين: حسبُك، دليل على أن أصل الحد في الخمر إنما هو أربعون، وما وراءها تعزير. وللإمام أن يزيد في العقوبة إذا أداه اجتهاده إلى ذلك، ولو كانت الثمانون حدًا ما كان لأحد فيه الخيار، وإلى هذا ذهب الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه: الحد في الخمر ثمانون، ولا خيار للإمام فيه.
وقوله: وكلٌّ سنةٌ، يريد: أن الأربعين سنة قد عمل بها النبي ﷺ في زمانه، والثمانون سنة رآها عمر رضي الله عنه، ووافقه من الصحابة علىٌّ، فصارت سنة. وقد قال ﷺ: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» [قلنا: هذا الحديث أخرجه أحمد (٢٣٢٤٥)، وابن ماجه (٩٧)، والترمذي (٣٩٩١)، وابن حبان (٦٩٠٢) وهو حديث حسن].
وقال النووي في «شرح مسلم»: واختلف العلماء في قدر حد الخمر، فقال الشافعي وأبو ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون: حده أربعون. قال الشافعي رضي الله عنه: وللإمام أن يبلغ به ثمانين وتكون الزيادةُ على الأربعين تعزيراتٍ على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل وأنواع الايذاء وترك الصلاة وغير ذلك. قال: ونقل القاضي عن الجمهور من السلف والفقهاء منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى أنهم قالوا: حده ثمانون، واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة، وأن فعل النبي ﷺ لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الرواية الأولى: نحو أربعين، وحجة الشافعي وموافقيه: أن النبي ﷺ إنما جلد أربعين كما صرح به في الرواية الثانية، وأما زيادة عمر فهي تعزيرات، والتعزير إلى رأي الإِمام إن شاء فعله وإن شاء تركه بحسب المصلحة في فعله وتركه فرآه عمر ففعله، ولم يره النبي ﷺ ولا أبو بكر ولا علي فتركوه.

قال أبو داود: وهذا كان سيدَ قومِه: حضينُ بن المُنذر أبو ساسان (١).
٤٤٨١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن ابنِ أبي عَروبةَ، عن الدَّاناجِ، عن حُضَين بنِ المُنذر
عن علي، قال: جلَدَ رسولُ الله ﷺ في الخمرِ وأبو بكر أربعينَ، وكمَّلَها عُمَرُ ثمانينَ، وكلٌّ سُنّةٌ (٢).

٣٧ - باب إذا تتايَعَ في شرب الخمر (٣)
٤٤٨٢ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا أبانُ، عن عاصِمٍ، عن أبي صالحٍ ذكوان
عن معاويةَ بن أبي سُفيان، قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «إذا شَرِبُوا الخمر فاجلِدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاجلدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاجلِدُوهُم، ثُمَّ إنْ شَرِبُوا فاجلِدُوهُم، ثم إن شَرِبُوا فاقتُلُوهُم» (٤).


(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢) إسناده صحيح. الداناج: هو عبد الله بن فيروز، وابن أبي عَروبة: هو سعيد، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه مسلم (١٧٠٧)، وابن ماجه (٢٥٧١)، والنسائي في «الكبرى» (٥٢٥٠)
من طريق سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٢٤).
وانظر ما قبله.
(٣) هذا التبويب أثبتناه من (ب) و(هـ)، وهو في «مخصر المنذري» إلا أنه قال في (ب): إذا تتابع، يعني: توالى، والتتايُع: المتابعة والتوارد على الوقوع في الشر من غير فكرٍ ولا رويَّه، قال صاحب «عون المعبود»: وكلاهما صحيح.
(٤) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عاصم -وهو ابن أبي النَّجُود، ويقال له أيضًا: ابن بَهْدلة- وقد توبع. إلا أن المحفوظ في حديث معاوية أن القتل في الرابعة، لا في الخامسة. أبان: هو ابن يزيد العطار. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه ابن ماجه (٢٥٧٣)، والترمذي (١٥١٠)، والنسائي في «الكبرى» (٥٢٧٨) من طرق عن عاصم بن بهدلة، به. وجعلوا القتل في الرابعة، ولم يجعلوه في الخامسة كالمصنف.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٨٥٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٤٦).
وأخرجه النسائي (٥٢٧٩) و(٥٢٨٠) من طريق عبد الرحمن بن عبدٍ الجدَلي، عن معاوية وإسناده صحيح. وجعل القتل في الرابعة أيضًا.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٨٤٧).
وفي الباب عن غير واحد من الصحابة أشرنا إليها في «المسند» عند حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (٦٥٥٢) وعندهم جميعًا أن القتل في الرابعة. وقد أشار إلى بعضها المُصنِّف بإثر الحديث (٤٤٨٤).
وقد روي هذا الحديث من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة كما سيأتي عند المصنف (٤٤٨٤)، وقال البخاري فيما نقله عنه الترمذي بإثر (١٥١٠) حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي ﷺ في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ.
وقال الترمذي: وإنما كان هذا في أول الأمر، ثم نُسخ بعدُ، هكذا روى محمَّد ابن إسحاق، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ، قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه»، قال: ثم أُتي النبيَّ ﷺ بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله [قلنا: أخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٣٠٢) و(٥٣٠٣) سنده لين وفيه عنعنة ابن إسحاق].
ثم قال الترمذي: وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب، عن النبي ﷺ نحو هذا، فرفع القتل وكانت رُخصة. [قلنا: أخرجه المصنف برقم (٤٤٨٤)].
ثم قال: والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك في القديم والحديث، ومما يقوي هذا ما روي عن النبي ﷺ من أوجه كثيرة أنه قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني والتارك لدينه».
قلنا: وقد حكى الاتفاق قبله على ترك قتل من تكرر منه شرب الخمر أكثر من ثلاث مرار: الإمام الشافعي في «الأم» ٦/ ١٤٤ حيث قال: والقتل منسوخ بهذا الحديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= [يعني حديث قبيصة بن ذؤيب الآتي عند المصنف بعده] وغيره، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمتُه.
ونقل الحافظ في «الفتح» ١٢/ ٨٠ عن ابن المنذر قوله: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكّل به، ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعًا قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شَذَّ ممن لا يُعَدُّ خِلافُه خِلافًا.
وكذلك قال النووي في «شرح مسلم» ٥/ ٢٩٨ بأن الإجماع دَلَّ على نسخ هذا الحديث في قتل شارب الخمر، وكذلك قال ابن الصلاح في «علوم الحديث» في النوع الرابع والثلاثين: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه.
قلنا: لكن ذهب آخرون إلى عدم نسخ الحديث منهم ابن حبان في «صحيحه» بإثر الحديث (٤٤٤٧) حيث حمل هذا الحديث على ما إذا استحلّ شربه ولم يقبل تحريم النبي ﷺ. قلنا: لكن لو كان الأمر كذلك لم ينتظر بشارب الخمر المشحل أن يشرب ثلاث مرات؛ لأنه إن كان مستحلًا يكفر من أول مرة.
وذهب الخطابي إلى أن الأمر قد يرد بالوعيد، ولا يراد به وقوع الفعل، فإنما يقصد به الردع والتحذير، كقوله ﷺ: «من قتل عبّده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه» وهو لو قتل عبده لم يُقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جدعه لم يُجدَع له بالاتفاق. ثم قال الخطابي: وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبًا، ثم نسخ لحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يُقتل، وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب ما يدل على ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح» ١٢/ ٧٨ دليلًا آخر على النسخ يؤيد قول القائلين به وهو حديث عمر بن الخطاب عند البخاري (٦٧٨٠) وغيره، وفيه: أن النبي ﷺ جلد رجلًا يقال له عبد الله في الشراب فأتي به يومًا فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي ﷺ: «لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إنه يحب الله ورسوله» قال الحافظ: فيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتي به أكثر من خمسين مرة.
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن» ٦/ ٢٣٨: الذي يقتضيه الدليل أن الأمر بقتله ليس حتمًا، ولكنه تعزير بحسب المصلحة، فإذا أكثر الناس من الخمر، ولم ينزجروا بالحد، فرأى الإِمام أن يقتل فيه قتل.

٤٤٨٣ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا حماد، عن حُميدِ بنِ يزيدَ، عن نافعٍ
عن ابنِ عُمَرَ أن رسُولَ اللهِ ﷺ قال، بهذا المعنى، قال: وأحسِبُه قال في الخامِسَةِ: «إن شَرِبَها فاقتلُوه» (١).
قال أبو داود: وكذا في حديثِ أبي غُطَيفٍ: «في الخامِسَةِ».
٤٤٨٤ - حدَّثنا نصرُ بنُ عاصِمِ الأنطاكيُّ، حدَّثنا يزيدُ بنُ هارون الواسطيُّ، حدَّثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن الحارثِ بنِ عبدِ الرحمن، عن أبي سَلَمَة
عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «إذا سَكِرَ فاجلِدُوهُ، ثم إن سَكِرَ فاجلِدُوه، ثم إن سَكِرَ فاجلِدُوهُ، فإن عادَ الرابِعَةَ فاقتُلُوه» (٢).


(١) حديث صحيح لكن بذكر القتل في الرابعة، وهذا إسناد ضعيف لجهالة حميد بن يزيد، لكن روي من وجه آخر صحيح كما سيأتي. حماد: هو ابن سلمة.
وهو في «مسند أحمد» (٦١٩٧) من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٢٨١) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن مقْسَم، عن عبد الرحمن بن أبي نُعم (وتحرف في الأصل الخطي والتحفة قديما إلى: عبد الرحمن بن إبراهيم) عن ابن عمر ونفر من أصحاب محمد ﷺ، قالوا: قال رسول الله ﷺ ... فذكره وذكر القتل في الرابعة. وإسناده صحيح.
وانظر فقه هذا الحديث وأنه منسوخ عند الحديث السالف قبله.
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل نصر بن عاصم الأنطاكي فهو حسن الحديث، والحارث بن عبد الرحمن -وهو القرشي العامري خال ابن ذئب- قوي الحديث، وهما متابعان. ابن أبي ذئب: هو محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٧٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥١٥٢) من طريق شابة بن سوّار، عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. =

قال أبو داود: وكذا حديثُ عُمر بن أبي سلمةَ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: «إذا شَرِبَ الخمرَ فاجلِدُوه، فإن عاد الرابعةَ فاقتلُوُه».
وكذا حديثُ سهيلٍ، عن أبي صالح، عن أبي هُريرةَ عن النبي ﷺ: «إن شَرِبُوا الرَّابِعَة فاقتلُوهُم».
وكذا حديثُ ابنِ أبي نُعم، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ.
وكذا حديثُ عبدِ الله بنِ عمرو، عن النبي ﷺ.


= وهو في «مسند أحمد» (٧٩١١)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٤٧).
وأخرجه النسائي (٥٢٧٧) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. وإسناده صحح. مع أن البخاري صحح طريق أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان كما سلف برقم (٤٤٨٢) لكن مثل هذا الاختلاف لا يضر؛ لأنه اختلاف في تعيين الصحابي، ولا يؤثر كونه معاوية أو أبا هريرة لأن الصحابة كلهم عدول ثقات.
وهو في «مسند أحمد» (٧٧٦٢).
وطريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة التي أشار إليها المصنف أخرجها أحمد (١٠٧٢٩)، وإسنادها حسن.
وانظر فقه الحديث وأنه منسوخ عند الحديث السالف برقم (٤٤٨٢).
وحديث ابن أبي نُعْم عن ابن عمر سلف تخريجه عند الحديث السالف قبله.
وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد (٦٥٥٣) و(٦٧٩١)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٥٩، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٣٥)، والحاكم ٤/ ٣٧٢، بإسناده ضعيف.
وحديث الشريد أخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٢٨٢)، وفي إسناده رجل لم نقع له على ترجمة.
وأما رواية الجدلي -وهو عبد الرحمن بن عبدٍ- عن معاوية فسلفت عند الحديث (٤٤٨٢).

والشَّريدِ، عن النبيَّ ﷺ.
وفي حديثِ الجدلي، عن معاوية: أن النبيَّ ﷺ قال: «فإن عاد في الثالثةِ أو الرابعةِ، فاقتلُوه».
٤٤٨٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدَة الضَّبِّيُّ، حدَّثنا سفيانُ، قال: الزهريُّ أخبرنا عن قَبِيصَةَ بن ذؤيب، أن النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ شَرِبَ الخمر فاجلِدُوه، فإن عادَ فاجلِدُوه، فإن عاد فاجلِدوهُ، فإن عادَ في الثالثَةِ أو الرابِعَة فاقتُلُوه» فأتِيَ برجُلٍ قد شَرِبَ فجلَدَه، ثم أُتي به فَجَلَدَه، ثم أُتي به فجَلَدَهُ، ثم أُتي به فجَلَدَه، ورُفِعَ القتلُ، وكانت رخصةً (١).


(١) حديث صحيح، وقال الحافظ في «فتح الباري» ١٢/ ٨٠: وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة، وولد في عهد النبي ﷺ ولم يسمع منه، ورجال هذا الحديث ثقات مع إرساله، والظاهر أن الذي بلَّغ قبيصة ذلك صحابي، فيكون الحديث على شرط الصحيح؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر. ويؤيد كلام الحافظ هذا أن المنذري قال في «اختصار السنن»: ذكروا أن قبيصة سمع من الصحابة، وإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله ﷺ.
ويؤيد هذا الحديث ويقويه الاجماعُ على ترك القتل كما حكاه غير واحد من أهل العلم ممن سلفَ ذكرناهم عند الحديث (٤٤٨٢).
وأخرجه ابن طهمان في «مشيخته» ص ٦٧، والشافعي في «مسنده» ٢/ ٨٩، وفي «الأم» ٦/ ١٤٤، وعبد الرزاق في «مصنفه» (١٧٠٨٤)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ١٦١، وابن شاهين في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (٥٣٢)، وأبو القاسم بن بشران في «أماليه» (١٥٠)، وابن حزم في المحلى، ١١/ ٣٦٨، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٣١٤، وفي «معرفة السنن والآثار» (١٧٣٨١) والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» ١/ ١٢٥، وفي «الأسماء المبهمة» ص ٣٠٦ و٣٠٧، والبغوي في «شرح السنة» (٢٦٠٥) من طرق عن ابن شهاب الزهري، به. =
=

قال سفيانُ: حدَّث الزهريُّ بهذا الحديثِ وعندَه منصورُ بنُ المُعْتَمِرِ ومِخْولُ بنُ راشدٍ، فقال لهما: كونا وافِدي أهِل العراق بهذا الحديثِ.
٤٤٨٦ - حدَّثنا إسماعيلُ بنُ مُوسى الفَزارِيُّ، حدَّثنا شريكٌ، عن أبي حَصِين، عن عُمَيرِ بنِ سعيد
عن عليٍّ، قال: لا أدي -أو ما كُنْتُ لأدِيَ- مَنْ أقَمتُ عليه حدًا إلا شارِبَ الخَمْرِ، فإن رسولَ الله ﷺ لم يَسُنَّ فيه شيئًا، إنما هو شيٌ قلناه نحنُ (١).


= قال أبو الطيب العظيم آبادي في «عون المعبود» ١٢/ ١٢٤: والمقصود بقول الزهري: أن منصور بن المعتمر ومِخْوَل بن راشد لما كانا من أهل العراق، قال الزهري لهما بعد ما حدثهما هذا الحديث: اذهبا بهذا الحديث إلى أهل العراق، وأخبراهم به، ليعلموا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ، وأن الناسخ له هو هذا الحديث، والله تعالى أعلم.
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات من أجل شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- فهو سيء الحفظ، وهو متابع. أبو حَصِين: هو عثمان بن عاصم الأسدي.
وأخرجه البخاري (٦٧٧٨)، ومسلم (١٧٠٧)، وابن ماجه (٢٥٦٩) والنسائي
في «الكبرى» (٥٢٥٢) و(٥٢٥٣) من طرق عن عمير بن سعيد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٢٤).
قال البيهقي في «السنن الكبرى» ٨/ ٣٢٢: إنما أراد -والله أعلم- أن رسول الله ﷺ لم يَسُنَّه زيادة على الأربعين، أو لم يسنه بالسياط وقد سنه بالنعال وأطراف الثياب مقدار أربعين، والله أعلم.
أدي: مضارع وداه يديه: إذا أعطى ديته، وقوله: من أقمت عليه حدًا مفعول به.
قال الحافظ: والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي ﷺ جلد أربعين وأنه سنة وبين حديثه المذكرر هنا أن النبي ﷺ لم يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين، أي: لم يسن شيئًا زائدًا على الأربعين، ويؤيده قوله، وإنما هو شيء صنعناه نحن =

٤٤٨٧ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهْرِيُّ المِصريُّ ابن أخي رشدِينَ بن سعْد، أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني أسامةُ بنُ زيدٍ، أن ابنَ شهابٍ حدَّثه
عن عبدِ الرحمن بنِ أزهرَ، قال: كأني أنظرُ إلى رسولِ الله ﷺ الآن وهو في الرِّحالِ يلتمِسُ رحلَ خالد بنِ الوليد، فبينما هُوَ كذلكَ إذ أُتي برجلٍ قد شَرِبَ الخمرَ، فقال للناسِ: «اضرِبُوه» فمنهم من ضَرَبَهُ بالنِّعالِ، ومنهم مَنْ ضربه بالعَصَا، ومنهم مَنْ ضربَه بالمِيتَخَةِ -قال ابنُ وهبٍ: الجَريدةُ الرَّطْبةُ-، ثم أخَذَ رسولُ الله ﷺ ترابًا مِن الأرضِ، فَرَمَى بهِ في وجهِهِ (١).


= يشير إلى ما أشار به على عمر، وعلى هذا فقوله: «لو مات لوديته» أي: في الأربعين الزائدة، وبذلك جزم البيهقي وابن حزم، ويحتمل أن يكونَ قوله: «لم يسنه» أي الثمانين، لقوله في الرواية الأخرى: وإنما هو شيء صنعناه، فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقًا، واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك، واستدل له، ثم ظهر له أن الوقوف عندما كان الأمر عليه أولًا أولى، فرجع إلى ترجيحه، وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين، فمات المضروب وداه للعلة المذكورة.
واستدل بصنيع عمر في جلد شارب الخمر ثمانين على أن حد الخمر ثمانون، وهو قول الأئمة الثلاثة وأحد القولين للشافعي، واختاره ابن المنذر، والقول الآخر للشافعي وهو الصحيح أنه أربعون. قلت: قد جاء عن أحمد كالمذهبين، قال القاضي عياض: أجمعوا على وجوب الحد في الخمر، واختلفوا في تقديره فمذهب الجمهور إلى الثمانين، وقال الشافعي في المشهور عنه وأحمد في روايته وأبو ثور وداود:
أربعين، وتبعه على الإجماع ابن دقيق العيد والنووي ومن تبعهما.
(١) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه كما قال المنذري في «مختصر السنن» ٦/ ٢٩١، الزهري لم يسمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، بينهما عبد الله ابن عبد الرحمن بن أزهر، وهو مجهول الحال، وما جاء من تصريح الزهري بسماعه من عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد (١٦٨١٠)، فوهم من أسامة بن زيد الليثي. ومع ذلك فقد توبع عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر كما سيأتي. =

٤٤٨٨ - حدَّثنا ابنُ السَّرْحِ، قال: وجدْتُ في كتابِ خاليِ عبدِ الرحمن بنِ عبدِ الحميدِ، عن عُقيلٍ، أن ابنَ شهابٍ أخبره، أنَّ عبدَ الله بن عبدِ الرحمن بنِ الأزهرِ أخبره عن أبيه، قال: أُتِيَ النبيُّ ﷺ بشاربِ، وهو بحُنينٍ، فَحثَى في وجهِه الترابَ، ثم أمر أصحابه فَضَرَبُوه بنعالهم وما كان في أيديهم، حتَّى قال لهم: «ارفعوا» فَرَفَعُوا. فتُوفِّيَ رسولُ الله ﷺ، ثم جَلَدَ أبو بَكرٍ في الخمرِ أربعينَ، ثم جَلَدَ عُمَرُ أربعينَ، صَدْرًا مِن إمارتِه، ثمِ جَلَدَ ثمانينَ في آخِرِ خلافتهِ، ثم جَلَدَ عثمانُ الحَدَّين كليهما ثمانين وأربعينَ، ثم أثبتَ معاويةُ الحدَّ ثمانينَ (١).


= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٢٦٢) من طريق أسامة بن زيد، و(٥٢٦٣) من طريق صالح بن كيسان، كلاهما عن الزهري، به. ورواية صالح مختصرة بقصة حتى التراب في وجه السكران. وجاء في رواية أسامة بن زيد زيادة أن أبا بكر ضرب أربعين. وستأتي ضمن روايته الآتية برقم (٤٤٨٩).
وهو في «مسند أحمد» (١٦٨٠٩) و(١٦٨١٠).
وأخرجه النسائي أيضًا (٥٢٦٥) و(٥٢٦٧) من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة ابن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، و(٥٢٦٦) و(٥٢٦٧) من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة، عن محمَّد بن إبراهيم التيمي، كلاهما عن عبد الرحمن بن أزهر. وإسناده حسن من أجل محمَّد بن عمرو بن علقمة.
وانظر تالييه.
والميتخة: هي الدِّرَّة أو العصا أو الجريدة كما قال ابن الأثير، وقال: قد اختُلفَ في ضبطها، فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء وبفتح الميم مع التشديد، وبكسر الميم وسكون التاء قبل الياء، وبكسر الميم وتقديم الياء الساكنه على التاء.
(١) حديث حسن كسابقه، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد الله بن عبد الرحمن ابن أزهر وهو متابع كما سلف في الطريق السالف قبله. عُقَيل: هو ابن خالد الأيلي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٢٦٤) من طريق عُقيل بن خالد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.

٤٤٨٩ - حدَّثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا عثمانُ بنُ عُمر، حدَّثنا أسامةُ بنُ زَيدٍ، عن الزهريِّ
عن عبدِ الرحمن بنِ أزهرَ، قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ غَداةَ الفتحِ، وأنا غلامٌ شابٌّ يتخلَّلُ الناسَ، يسألُ عن منزلِ خالدِ بن الوليدِ، فأُتِيَ بشارِبٍ، فأمَرهم فضربُوه بما في أيديهم: فَمِنهم مَن ضربه بالسَّوْطِ، ومِنهم مَن ضربه بعصًا، ومِنهم مَن ضربَه بنعلِه، وحثَى رسولُ الله ﷺ الترابَ، فلما كان أبو بكرٍ أُتي بِشَاربٍ، فسألهم عن ضربِ النبيِّ ﷺ الذي ضَرَبَهُ، فَحرزُوْهُ أربعينَ، فضرب أبو بكر أربعينَ، فلما كان عُمَرُ، كتَبَ إليه خالدُ بنُ الوليد: إنَّ الناسَ قد انهمَكُوا في الشُّربِ، وتَحَاقَرُوا الحدَّ والعقوبةَ، قال: هُمْ عندَك فَسلْهم، وعنده المهاجرونَ الأوَّلون، فسألهم، فأجمعُوا على أن يُضْرَبَ ثمانينَ، قال: وقال عليٌّ: إن الرجلَ إذا شَرِب افْتَرَى، فأرَى أن تَجعَلَهُ كَحدِّ الفِرْيَةِ (١).


(١) حديث حسن كسابقيه. وهذا إسناد منقطع كالرواية السالفة برقم (٤٤٨٧).
وقوله في هذا الخبر: غداة الفتح، وهم من أسامة بن زيد؛ لأن هذه القصة كانت في حنين كما في الرواية السالفة قبله، وكما في رواية أبي سلمة عن ابن أزهر عند النسائي (٥٢٦٧).
وقوله: يتخللُ الناسَ، أي: يسيرُ في خَلَلِهم، أي: في وسطهم.
وقوله: فحرزوه، أي: حفظوه أربعين، يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا: إذا حفظتَه وضممتَه إليك وصُنْتَه عن الأخذ، وحدّ الفرية هو حد القذف وهو ثمانون سوطًا، وتحاقروا الحد، أي: رأوه حقيرًا.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من هامشي (ب) و(هـ)، وهو في رواية ابن داسه وابن الأعرابي وغيرهما.

قال أبو داود: أدخل عُقَيْلُ بنُ خالدٍ بينَ الزهري، وبينَ ابنِ الأزهر في هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر، عن أبيه.

٣٨ - باب في إقامة الحد في المسجد
٤٤٩٠ - حدَّثنا هِشَامُ بنُ عمَّار، حدَّثنا صدقةُ -يعني ابنَ خالد- حدَّثنا الشُّعَيْثيُّ، عن زُفَرَ بنِ وَثيمَةَ
عن حَكيم بن حِزامٍ، أنه قال: نهى رسولُ الله ﷺ أن يُسْتَقَادَ في المسجدِ، وأن تُنْشَدَ فيه الأشعارُ، وأن تُقَامَ فيه الحدودُ (١).


(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ لأن زُفر بن وَثيمة لم يلق حكيم ابن حزام وقد روي عنه موقوفًا كذلك. الشُّعيثي: هو محمَّد بن عبد الله بن المُهاجر.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٣١٣٠)، وفي «مسند الشاميين» (١٤٣٦)، والدارقطني (٣١٠١) و(٣١٠٢)، والبيهقي ٨/ ٣٢٨ و١٠/ ١٠٣، والحاكم ٤/ ٣٧٨ من طرق عن محمَّد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي، به.
وأخرجه أحمد (١٥٥٨٠) عن حجاج بن محمَّد، عن الشعيثي، عن زفر بن وثيمة، عن حكيم بن حزام موقوفًا عليه من قوله.
وأخرجه مرفوعًا ابن أبي شيبة ١٠/ ٤٢، وأحمد (١٥٥٧٩)، والطبراني في «الكبير» (٣١٣١)، والدارقطني (٣١٠٣)، وابن حزم في «المحلى» ١١/ ١٢٣ من طريق محمَّد بن عبد الله الشعيثي، عن العباس بن عبد الرحمن المدني، عن حكيم.
والعباس المدني مجهول.
وفي باب النهي عن إنشاد الأشعار عن عبد الله بن عمرو بن العاص، سلف عند المصنف برقم (١٠٧٩) وسنده حسن، وقد بين البيهقي في «سننه الكبرى» ٢/ ٤٤٨ المراد من النهي عن تناشد الأشعار في هذا الحديث فقال: ونحن لا نرى بإنشاد مثل ما كان يقول حسان في الذبّ عن الإسلام وأهله بأسًا، لا في المسجد ولا في غيره، والحديث الأول -يعني حديث عبد الله بن عمرو- ورد في تناشد أشعار الجاهلية وغيرها مما لا يليق بالمسجد، وبالله التوفيق. =

٣٩ - باب في التعزير
٤٤٩١ - حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ، حدَّثنا الليثُ، عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن بُكيرِ بنِ عبدِ الله بنِ الأشَجِّ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ جابرِ بنِ عبدِ الله
عن أبي بُردة أن رسُولَ الله يقولُ: «لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلا في حَدِّ مِن حُدودِ الله عز وجل» (١).


= وفي باب النهي عن إقامة الحدود في المسجد عن ابن عباس عند ابن ماجه (٢٥٩٩)، والترمذي (١٤٥٩)، والدارقطني (٣٢٧٩)، والحاكم ٤/ ٣٦٩، والبيهقي ٨/ ٦٩ من طرق عن عمرو بن دينار، عن طاووس عن ابن عباس. وهو حسن بطرقه وشواهده كما بيناه في «سنن ابن ماجه» وروي عن طاووس مرسلًا عند عبد الرزاق (١٧١٠) وسنده حسن.
وعن مكحول مرسلًا عند ابن أبي شيبة ١٠/ ٤٣ - ٤٤ ورجاله ثقات.
وعن عمر موقوفًا عليه أنه أتي برجل في شيء، فقال: أخرجاه من المسجد فاضرباه. أخرجه عبد الرزاق (١٧٠٦) و(١٨٢٣٨) وسنده صحيح.
وفي باب النهي عن القود في المسجد عن عكرمة مرسلًا عند عبد الرزاق (١٨٢٣٦) ورجاله ثقات.
وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال له إنسان: أكان يُنهى عن الجلد في المسجد، قال: نعم. أخرجه عبد الرزاق (١٧٠٣) وسنده ثقات.
(١) إسناده صحيح. أبو بُردة: هو ابنُ نِيَار البَلَوي، وهو خال البراء بن عازب، والليث: هو ابن سعْد. وسيأتي في الطريق التالي بزيادة جابر بن عبد الله بين عبد الرحمن وأبي بردة، قال الحافظ المنذري في اختصار «السنن»: هذا الاختلاف لم يؤثر عند البخاري ومسلم؛ لأنه يجوز أن يكون سمعه من أبيه عن أبي بردة، فحدث به مرة عن هذا، ومرة عن هذا.
وأخرجه البخاري (٦٨٤٨)، وابن ماجه (٢٦٠١)، والترمذي (١٥٣٠)، والنسائي في: «الكبرى» (٧٢٩٠) من طريق الليث بن سعد، والنسائي (٧٢٨٩) من طريق سعيد ابن أبي أيوب، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، بهذا الاسناد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأخرجه النسائي (٧٢٩١) من طريق زيد بن أبي أُنيسة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي بردة بن نيار. فزاد في إسناده جابر بن عبد الله كما في الرواية الآتية.
وأخرجه البخاري (٦٨٤٩) من طريق مسلم بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن جابر عمن سمع النبي ﷺ. قال المنذري في «اختصار السنن»: هذا لم يؤثر عند البخاري؛ لأن قوله: عمن سمع النبي ﷺ يريد به أبا بردة.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٣٢)، و«صحيح ابن حبان» (٤٤٥٢).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: اختلفت أقاويل العلماه في مقدار التعزير، ويشبه أن يكون السبب في اختلاف مقاديره عندهم ما رأوه من اختلاف مقادير الجنايات والإجرام، فزادوا في الأدب ونقصوا منه على حسب ذلك.
وكان أحمد بن حنبل يقول: للرجل أن يضرب عبده على ترك الصلاة وعلى المعصية، فلا يضرب فوق عشر جلدات، وكذلك قال إسحاق بن راهويه.
وكان الشعبي يقول: التعزير ما بين سوط إلى ثلاثين.
وقال الشافعي: لا يبلغ بعقوبته أربعين، وكذلك قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن.
وقال أبو يوسف: التعزير على قدر عظم الذنب وصغره، على قدر ما يرى الحاكم من احتمال المضروب فيما بينه وبين أقل من ثمانين. وعن ابن أبي ليلى: إلى خمسة وسبعين سوطًا.
وقال مالك بن أنس: التعزير على قدر الجرم، فإن كان جرمه أعظم من القذف ضُرب مئة أو أكثر.
وقال أبو ثور: التعزير على قدر الجناية، وتسرُّع الفاعل في الشر، وعلى ما يكون أنكى وأبلغ في الأدب، وإن جاوز التعزير الحد إذا كان الجرم عظيمًا مثل أن يقتل الرجل عبده أو يقطع منه شيئًا، أو يعاقبه عقوبة يُسرف فيها، فتكون العقوبة فيه على قدر ذلك، وما يراه الإِمام إذا كان مأمونًا عدلًا. =

٤٤٩٢ - حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، أخبرني عَمرو، أن بُكير ابن الأشجِّ حدثه، عن سُليمانَ بنِ يسارٍ، حدَّثني عبدُ الرحمن بنُ جابرٍ، أن أباه حدَّثه
أنه سَمِعَ أبا بُردة الأنصاريَّ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول، فذكَرَ معناه (١).
قال أبو داود: أبو بُردة اسمُه هانئ (٢).


= وقال بعضهم: لا يبلغ بالأدب عشرين؛ لأنها أقل الحدود، وذلك أن العبد يضرب في شرب الخمر عشرين.
وقد تأول بعض أصحاب الشافعي قوله في جواز الزيادة على الجلدات العشر إلى ما دون الأربعين: أنها لا تزاد بالأسواط، ولكن بالأيدي والنعال والثياب ونحوها على ما يراه الإِمام كما روي فيه حديث عبد الرحمن بن الأزهر.
قلت [القائل الخطابي]: التعزير على مذاهب أكثر الفقهاء إنما هو أدب يقصر عن مقدار أقل الحدود إذا كانت الجناية الموجبة للتعزير قاصرة عن مبلغ الجناية الموجبة للحد، كما أن أرش الجناية الواقعة في العضو أبدًا قاصر عن كمال ذلك العضو.
وذلك أن العضو إذا كان في كله شيء معلوم، فوقعت الجناية على بعضه كان معقولًا أنه لا يستحق فيه كل ما في العضو.
(١) إسناده صحيح. عمرو: هو ابن الحارث المصري، وابن وهب: هو عبد الله.
وقد جاء في الطريق الذي قبله دون ذكر جابر في إسناده، وذكرنا هناك قول الحافظ المنذري في ذلك، وأن هذا لا يؤثر في صحة الحديث لاحتمال أن يكون عبد الرحمن ابن جابر بن عبد الله سمعه على الوجهين.
وأخرجه البخاري (٦٨٥٠)، ومسلم (١٧٠٨) من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٤٨٧).
وانظر ما قبله.
(٢) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ).

٤٠ - باب ضربِ الوجهِ في الحدِّ (١)
٤٤٩٣ - حدَّثنا أبو كاملٍ، حدَّثنا أبو عَوَانَةَ، عن عُمَرَ -يعني ابن أبي سلمةَ- عن أبيه
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «إذا ضَربَ أحَدُكم، فليتَّقِ الوَجْهَ» (٢).
آخر كتاب الحدود


(١) هذا التبويب أثبتناه من (ب) و(هـ).
(٢) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات من أجل عمر بن أبي سلمة -وهو ابن عبد الرحمن بن عوف-. وهو متابع. أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وأبو كامل: هو فضيل بن حسين الجَحْدري.
وأخرجه البخاري (٢٥٥٩) من طريق همام بن منبه، و(٢٥٥٩) من طريق أبي سعيد المقبري، ومسلم (٢٦١٢) من طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، و(٢٦١٢) من طريق أبي صالح السمان، (٢٦١٢) من طريق أبي أيوب يحيى بن مالك المراغي، والنسائي في «الكبرى» (٧٣١٠) من طريق عجلان المدني مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة. ستتهم عن أبي هريرة. وجُلُّهم يرويه بلفظ: «إذا قاتل أحدكم أخاه ...» بدل: «إذا ضرب ...» زاد مسلم في بعض روايات أبي أيوب المراغي: «فإن الله خلق آدم على صورته».

وهو في «مسند أحمد» (٧٣٢٣)، و«صحيح ابن حبان» (٥٦٠٤) و(٥٦٠٥).

 


google-playkhamsatmostaqltradent