بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ
١ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ: «أُقِرُّكُمْ فِيهَا، مَا
أَقَرَّكُمُ اللَّهُ عز وجل عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»،
قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ
فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ
شِئْتُمْ فَلِيَ، فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ "
٢ - وحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ،
قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا
لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ: ⦗٧٠٤⦘ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ،
فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ
السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ «قَالَ مَالِكٌ:»إِذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ،
وَفِيهَا الْبَيَاضُ، فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ
لَهُ، قَالَ: وَإِنِ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ
لِنَفْسِهِ، فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ،
يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنِ
اشْتَرَطَ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا كَانَتِ
الْمَئُونَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ: الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ
وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ، فَإِنِ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ
الْمَالِ، أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْكَ، كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ قَدِ
اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا
تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ: الْمَئُونَةَ
كُلَّهَا، وَالنَّفَقَةَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ،
فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ «قَالَ مَالِكٌ:»فِي الْعَيْنِ تَكُونُ
بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا، فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ
فِي الْعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ، إِنَّهُ يُقَالُ
لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ، وَيَكُونُ لَكَ
الْمَاءُ كُلُّهُ، تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُكَ بِنِصْفِ مَا
أَنْفَقْتَ، فَإِذَا⦗٧٠٥⦘ جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ
أَنْفَقَ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ، لَمْ يَعْلَقِ الْآخَرَ مِنَ
النَّفَقَةِ شَيْءٌ «قَالَ مَالِكٌ: «وَإِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ كُلُّهَا،
وَالْمَئُونَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي
الْمَالِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ، إِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ
بِبَعْضِ الثَّمَرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ
إِجَارَتُهُ؟ إِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا يَعْرِفُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ
لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ؟» قَالَ مَالِكٌ:»وَكُلُّ مُقَارِضٍ
أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ النَّخْلِ
شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِذَلِكَ،
يَقُولُ: أُسَاقِيكَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً
تَسْقِيهَا، وَتَأْبُرُهَا، وَأُقَارِضُكَ فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ، عَلَى
أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي، وَلَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
«قَالَ مَالِكٌ:»وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ
الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقَى: شَدُّ الْحِظَارِ، وَخَمُّ
الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ، وَإِبَّارُ النَّخْلِ، وَقَطْعُ الْجَرِيدِ،
وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ. عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقَى شَطْرَ
الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. أَوْ أَكْثَرَ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ،
غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءَ عَمَلٍ جَدِيدٍ،
يُحْدِثُهُ الْعَامِلُ فِيهَا. مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا، أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ
رَأْسَهَا،⦗٧٠٦⦘ أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا، يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ. أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا، تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ
بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّاسِ: ابْنِ لِي
هَاهُنَا بَيْتًا. أَوِ احْفِرْ لِي بِئْرًا. أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا، أَوِ
اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ
الْحَائِطِ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ. فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ
صَلَاحُهُ. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى
يَبْدُوَ صَلَاحُهَا «قَالَ مَالِكٌ:»فَأَمَّا إِذَا طَابَ الثَّمَرُ، وَبَدَا
صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ، ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِي بَعْضَ
هَذِهِ الْأَعْمَالِ، لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا.
فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. إِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ.
قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ. فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ
لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ، أَوْ قَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ. فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا
ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إِلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى. لَا
تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ.
إِنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَهُ
الْغَرَرُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ «قَالَ
مَالِكٌ: السُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا، أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ
كُلِّ نَخْلٍ، أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ. أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ. جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ. عَلَى أَنَّ لِرَبِّ
الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ» قَالَ مَالِكٌ: «وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا
تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إِذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ، فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ
سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ، فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ» ⦗٧٠٧⦘ قَالَ مَالِكٌ: «لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنَ الثِّمَارِ إِجَارَةٌ. لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاقَى صَاحِبَ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا
صَلَاحُهُ، عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إِيَّاهُ وَيَجُذَّهُ لَهُ. بِمَنْزِلَةِ
الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ
بِالْمُسَاقَاةِ، إِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَجُذَّ النَّخْلَ إِلَى
أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ وَيَحِلَّ بَيْعُهُ» قَالَ مَالِكٌ: «وَمَنْ سَاقَى
ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ، فَتِلْكَ
الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ» قَالَ مَالِكٌ: «وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
تُسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا
كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ
الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ» قَالَ: «فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي
أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.
فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً
وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا، فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ
تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ، وَأَخَذَ
أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا؟ فَهَذَا مَكْرُوهٌ. وَإِنَّمَا
ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِسَفَرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ. ثُمَّ
قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ عُشْرَ مَا
أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إِجَارَةً لَكَ؟ فَهَذَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي»
قَالَ مَالِكٌ: «وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ
وَلَا سَفِينَتَهُ إِلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إِلَى غَيْرِهِ» ⦗٧٠٨⦘ قَالَ مَالِكٌ: «وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا» قَالَ مَالِكٌ: «وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي
النَّخْلِ أَيْضًا إِنَّهَا تُسَاقِي السِّنِينَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ
وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ» قَالَ: «وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتُ. وَكُلُّ
شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ. يَجُوزُ فِيهِ
لِمَنْ سَاقَى مِنَ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ» قَالَ مَالِكٌ:
فِي الْمُسَاقِي إِنَّهُ: «لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَاقَاهُ شَيْئًا
مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ، وَلَا طَعَامٍ، وَلَا شَيْئًا مِنَ
الْأَشْيَاءِ. لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقَى
مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إِيَّاهُ، مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ
وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ. وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا
لَا تَصْلُحُ» قَالَ مَالِكٌ: «وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا
يَصْلُحُ. إِذَا دَخَلَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوِ الْمُقَارَضَةِ
صَارَتْ إِجَارَةً، وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا
يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ بِأَمْرٍ غَرَرٍ. لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ
لَا يَكُونُ. أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ» قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي
الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ
الْأُصُولِ فَيَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، قَالَ مَالِكٌ: «إِذَا كَانَ
الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ. أَوْ
أَكْثَرَهُ. فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ. وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ
الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ
ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ. وَإِذَا كَانَتِ
الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ⦗٧٠٩⦘ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ. وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. جَازَ فِي ذَلِكَ، الْكِرَاءُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ. وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ، وَفِيهِ الْبَيَاضُ وَتُكْرَى الْأَرْضُ وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَصْلِ. أَوْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ أَوِ السَّيْفُ وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنَ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ. أَوِ الْقِلَادَةُ أَوِ الْخَاتَمُ
وَفِيهِمَا الْفُصُوصُ وَالذَّهَبُ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ
الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ وَيَبْتَاعُونَهَا، وَلَمْ يَأْتِ
فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، إِذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ
حَرَامًا. أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا. وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا
الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ وَأَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ
الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوِ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ جَازَ
بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوِ الْمُصْحَفُ أَوِ الْفُصُوصُ
قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ، أَوْ أَكْثَرُ، وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ
أَقَلُّ»
بَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ فِي
الْمُسَاقَاةِ
٣ - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: «إِنَّ أَحْسَنَ
مَا سُمِعَ فِي عُمَّالِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ. يَشْتَرِطُهُمُ
الْمُسَاقَى عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. لِأَنَّهُمْ
عُمَّالُ الْمَالِ. فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ. لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ
لِلدَّاخِلِ إِلَّا أَنَّهُ تَخِفُّ عَنْهُ بِهِمُ الْمَئُونَةُ، وَإِنْ لَمْ
يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ مَئُونَتُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ
الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ وَالنَّضْحِ. وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقَى فِي
أَرْضَيْنِ سَوَاءٍ فِي الْأَصْلِ وَالْمَنْفَعَةِ. إِحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ
وَاثِنَةٍ غَزِيرَةٍ. وَالْأُخْرَى بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، لِخِفَّةِ ⦗٧١٠⦘ مُؤْنَةِ الْعَيْنِ. وَشِدَّةِ مُؤْنَةِ النَّضْحِ، قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ، الْأَمْرُ عِنْدَنَا». قَالَ: «وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ» قَالَ مَالِكٌ: «وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ» قَالَ مَالِكٌ: «وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا
يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ. لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إِيَّاهُ» قَالَ
مَالِكٌ: «وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ
فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا
يُخْرِجُهُ مِنَ الْمَالِ. وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي
هُوَ عَلَيْهِ» قَالَ: «فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ
رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا، فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ. أَوْ يُرِيدُ
أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا، فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ. ثُمَّ
لِيُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ» قَالَ: «وَمَنْ مَاتَ مِنَ الرَّقِيقِ أَوْ
غَابَ أَوْ مَرِضَ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْلِفَهُ»