١ - بادٍ الأمراضِ المُكفِّرة للذنوب
٣٠٨٩
- حدَثنا عبد الله بن محمد
النُّفَيليُّ، حدَثنا محمدُ بن سَلَمةَ، عن محمد بن إسحاقَ، قال: حدَّثني رجلٌ من
أهل الشام يُقال له: أبو مَنظورٍ، عن عمِّه، قال: حدَّثني عمِّي
عن عامرٍ الرّام أخي الخُضْر -قال
النُّفيليُّ: هو الخُضْر ولكن كذا قال:- قال: إني لَبِبِلادنا إذ رُفِعَتْ لنا
راياتٌ وألويةٌ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لِواء رسولِ الله ﷺ، فأتيتُه وهو تحت
شجرةٍ قد بُسِطَ له كساءٌ وهو جالس عليه، وقد اجتمع إليه أصحابُه، فجلستُ إليهم،
فذكر رسولُ الله ﷺ: الأسْقَام، فقال: «إنَّ المؤمنَ إذا أصابه السَّقَمُ ثم أعفاه
الله منه كان كفارةً لما مضى من ذنوبه، وموعظةً له فيما يَستَقبِل، وإن المنافقَ
إذا مرض ثم أُعفي كان كالبعير عَقَلَهُ أهلُه ثم أرسلُوه فلم يدْرِ لِمَ عَقَلُوه
ولم يدْرِ لم أرسَلُوه» فقال رجلٌ ممن حولَه: يا رسولَ اللهِ، وما الأسقامُ؟
واللهِ ما مرضتُ قَطُّ، فقال: «قُمْ عَنّا فلَسْت مِنَّا» فبينا نحن عنده إذْ
أقبلَ رجلٌ عليه كساءٌ وفي يده شيء قد التفَّ عليه، فقال: يا رسولَ الله، إني لما
رأيتُك أقبلتُ فمررتُ بغَيضَةِ شجَرٍ، فسمعتُ فيها أصواتَ فراخِ طائرٍ، فاخذتُهن
فوضعتُهُن في كِسائي، فجاءتْ أُمُّهن فاستدارتْ على رأسي، فكشفتُ لها عنهن، فوقعت
عليهن معهن، فلففتُهن بكسائي، فهن أُوْلاء معي، قال: «ضَعْهُنَّ عَنكَ» فوضعتُهن،
وأبَتْ أُمُّهن إلا لُزومَهُنَّ، فقال
رسولُ الله ﷺ لأصحابه: «أتَعْجَبُونَ
لِرُحْمِ أمِّ الأفرَاخ فِراخَها؟» قالوا: نعم يا رسولَ الله، قال: «فوالذِي
بَعثَنِي بالحق للهُ أرْحَمُ بعباده من أمِّ الأفراخ بفِراخها، ارجِع بهن حتى
تضعَهن من حيثُ أخذتَهن وأمُّهُن مَعَهُن» فرجَع بهن (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة أبي منظور وعمه، وقد
روى هذا الحديث ابن الأثير في «أسد الغابة» من طريق المصنف، فقال: عن أبي منظور،
عن عمه، عن عامر الرامي، وكذلك رواه المزي في ترجمة عامر الرامي في «تهذيب الكمال»
من طريق عبد الله بن محمد النُّفيلي، قال الحافظ في «النكت الظراف» ٤/ ٢٣٦ - ٢٣٧:
ليس بين الروايتين اختلاف، إلا أن ظاهر الرواية أنه عن أبي منظور: عن عمه، عن عمه،
مرتين، وليس ذلك المراد، وإنما المراد أن الراوي بعد أن قال: عن عمه، بالعنعنة
بيّن أن عمه صرح له بالحديث، فقال: حدثني عمي، بعد أن قاله بلفظ: عن عمه.
وأخرجه تامًا ومختصرًا ابن أبي
الدنيا في «حسن الظن بالله» (٢٠)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ٢٣٦ - ٢٣٧،
وابنُ السكن كما في «الإصابة» للحافظ ٣/ ٦٠٦، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧١٣٠)،
وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٤/ ٥٨، والبغوي في شرح السنة«(١٤٤٠)، وابن الأثير
في»أسد الغابة«٣/ ١٢١، والمزي في ترجمة عامر الرامي من»تهذيب الكمال«٤/ ٨٦ - ٨٧ من
طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري معلقًا في»التاريخ
الكبير«٦/ ٤٤٦ عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، حدثني الحسن بن
عمارة، عن أبي منظور، عن عمه، عن عامر الخضر الرام. قال الحافظ في»الإصابة«٣/ ٦٠٦:
هذا يدل على وهم أبي أويس، أو يكون ابن إسحاق سمعه من الحسن، عن أبي منظور. وفي
باب أن الأمراض والبلاء فيهما تكفير للذنوب عن عدد من الصحابة، منها:
عن أنس بن مالك عند الترمذي (٢٥٥٩)،
وابن ماجه (٤٠٣١) رفعه، ولفظه:»إن عظم الجزاء مع عظم النبلاء، فإن الله إذا أحب
قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وحسنه الترمذي. ونحو هذا
اللفظ عن محمود بن لبيد عند أحمد (٢٣٦٢٣) وإسناده جيد. =
٣٠٩٠ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمدِ
النُّفيليُّ وإبراهيمُ بن مَهديٍّ المِصِّيصِيُّ -المعنى- قالا: حدَّثنا أبو
المليحِ، عن محمدِ بن خالدٍ قال إبراهيم: السُّلَمي -عن أبيه
= وعن عائشة عند البخاري (٥٦٤٠)، ومسلم
(٢٥٧٢) رفعته: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة
يُشاكها» وسيأتي عند المصنف نحوه برقم (٣٠٩٣).
وعن أبي هريرة عند البخاري (٥٦٤١)
و(٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣) رفعه: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا
أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه، وفي رواية لأبي
هريرة عند البخاري (٥٦٤٥) رفعه:»من يرد الله به خيرًا يُصب منه«. وفي رواية لأبي
هريرة عند ابن ماجه (٢٥٦٢) رفعه:»ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده
وماله، حتى يلقى الله، وما عليه خطيئة«. وإسناده حسن.
وعن عبد الله بن مسعود عند البخاري
(٥٦٦٠)، ومسلم (٢٥٧١) رفعه:»ما من مسلم يصيبه أذى، مرض فما سواه، إلا حط الله له
سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها«.
وعن سعد بن أبي وقاص عند ابن ماجه
(٤٠٢٣)، والترمذي (٢٥٦١)، والنسائي في»الكبرى«(٧٤٣٩) قال: قلت: يا رسول الله، أي
الناس أشد بلاء؟ قال:»الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلى الرجل على حسب دينه،
فإن كان دينه صُلبا، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على قدر دينه، فما
يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة«. وهو حديث صحيح.
وعن أم العلاء سيأتي عند المصنف برقم
(٣٠٩٢).
وفي باب أن الله سبحانه وتعالى أرحم
بعباده من الأم بولدها عن عمر بن الخطاب عند البخاري (٥٩٩٩)، ومسلم (٢٧٥٤)، قال:
قدم على النبي ﷺ سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلُبُ ثديَها تسقي، إذا وجدت صبيًا
في السبي أخذته، فالصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي ﷺ أترون هذه طارحة ولدها
في النار؟! قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال:»الله أرحم بعباده من هذه
بولدها".
عن جده- وكانت له صحبةٌ من رسول الله
ﷺ قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول:»إن العَبدَ إذا سَبَقَت له من الله عز وجل منزلَةٌ
لم يَبلُغْها بعملِه، ابتلاه اللهُ جل وعز في جَسَدِه، أو في مالِه، أو في وَلَدِه
-زاد ابنُ نُفَيلِ: «ثم صَبَّرَه على ذلك» ثم اتفقا- «حتَّى يُبلغَهُ المنزلةَ
التي سبقتْ له من الله جل وعز» (١).
٢
- باب إذا
كان الرجل يعمل عملًا صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر (٢)
٣٠٩١
- حدَّثنا محمدُ بن عيسى ومُسَدَّدٌ
-المعنى- قالا: حدَثنا هُشَيمٌ، عن العوَّام بن حَوْشَبٍ، عن إبراهيمَ بن عبد
الرحمن السَّكْسَكىِّ، عن أبي بُردةَ
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة محمد
بن خالد ومن فوقه. أبو المليح: هو الحسن بن عمر بن يحيى.
وأخرجه ابن سعد ٧/ ٤٧٧، وأحمد
(٢٢٣٣٨)، وابن أبي الدنيا في «المرض والكفارات» (٣٩)، وابن أبي عاصم في «الآحاد»
(١٤١٦)، وأبو يعلى (٩٢٣)، والدولابي في «الكنى» ١/ ٢٧، والطبراني في «الكبير» ٢٢/
(٨٠١) و(٨٠٢)، وفي «الأوسط» (١٠٨٥)، والبيهقي ٣/ ٣٧٤ من طرق عن أبي المليح الرقيّ،
بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث أبي هريرة عند أبي
يعلى (٦٠٩٥)، وابن حبان (٢٩٠٨)، والحاكم ١/ ٣٤٤، وسنده حسن، ولفظه «إن الرجل لتكون
له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه
إياها».
وفي رواية لأبي هريرة عند ابن ماجه
(٢٥٦٢) بلفظ آخر سلف ذكره في الطريق السابق.
تنبيه: هذا الحديث أثبتاه من (هـ)
وهي برواية أبي بكر بن داسة، وهو أيضًا في رواية أبي الحسن بن العبد كما في
«الأطراف» (١٥٥٦٢). وقد زيد في هامش (ج) وكتب عليه إشارة: صح.
(٢)
هذا التبويب أثبتناه من (هـ) وأشار هناك إلى أنه من رواية ابن الأعرابي.
عن أبي موسى، قال: سمعتُ النبيَّ
ﷺ-غيرَ مرةٍ ولا مرتين- يقولُ: «إذا كان العبدُ يعملُ عملًا صالحًا فشغلهُ عنه مرض
أو سفر، كُتِبَ له كصالحِ ماكان يعمَلُ وهو صحيحٌ مُقيمٌ» (١).
(١) حديث صحيح. إبراهيم بن عبد الرحمن
السَّكسكىُّ، وإن كان ضعيفًا، قد انتقى له البخاري هذا الحديث، فقد أخرجه في
«صحيحه» (٢٩٩٦) من طريق يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، بهذا الإسناد. وباقي
رجاله ثقات.
وهو في مسند أحمد، (١٩٦٧٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٩٢٩).
وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن
العاص عند ابن أبي شيبة ٣/ ٢٣٠، وأحمد (٦٤٨٢)، وهناد في «الزهد» (٤٣٨)، والدرامي
(٢٧٧٠)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٥٠٠)، وأبي نعيم في «الحلية» ٦/ ٨٣، والحاكم
١/ ٣٤٨ والبيهقي في «شعب الإيمان» (٩٩٢٩)، بلفظ: «ما أحد من الناس يُصاب ببلاء في
جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه، فقال: اكتبوا لعبدي في كل يوم
وليلة ما كان يعمل من خير، ما كان في وثاقي». وإسناده صحيح.
وآخر عن أنس بن مالك عند ابن أبي
شيبة ٣/ ٢٣٣، وأحمد (١٢٥٠٣)، والبخاري في الأدب المفرد، (٥٠١)، وأبي يعلى (٤٢٣٣)
و(٤٢٣٥)، والبغوي (١٤٣٠) وسنده حسن، قال رسول الله ﷺ: «إذا ابتلى الله العبد
المسلم ببلاء في جسده، قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله
وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه». وثالث عن عقبة بن عامر عند أحمد (١٧٣١٦) والروياني
في «مسنده» (١٧٧)، والطبراني في «الكبير» ١٧/ (٧٨٢)، والبغوي في شرح السنة«(١٤٢٨).
وإسناده حسن أن النبي ﷺ قال:»ليس من
عمل يوم إلا وهو يُختَمُ عليه، فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربنا عبدك فلان
قد حبسته، فيقول الربُّ عز وجل: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت«.
وقال ابن كثير في تفسيره» ٥/ ٤٩ عند
قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾
[الإسراء:١٣]: إسناد جيد قوي.
٣ - باب عيادة النساء (١)
٣٠٩٢
- حدَثنا سهْلُ بن بكَّار، عن أبي
عَوَانةَ، عن عبدِ الملكِ بن عُميرٍ
عن أمِّ العَلاءِ، قالت: عادَني
رسولُ اللهِ ﷺ وأنا مريضة، فقال: «أبشري يا أمَّ العلاء، فإنَّ مَرَضَ المسلمِ
يُذهِبُ اللهُ به خطاياهُ كما تُذهب النارُ خَبَثَ الذهَبِ والفِضَةِ» (٢).
٣٠٩٣
- حدَثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى
-وحدَّثنا محمد بن بشّار، حدَّثنا عثمانُ بن عمر- قال أبو داود: وهذا لفظ ابنِ
بشّار - عن أبي عامرٍ الخَزَّازِ، عن ابن أبي مُليكةَ
عن عائشةَ، قالت: قلت: يا رسول الله،
إني لأعلم أشدَّ آية في القرآن، قال: «أيّةُ آيةٍ يا عائشة؟» قالت: ﴿مَنْ يَعْمَلْ
سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء:١٢٣] قال: «أما علِمْتِ يا عائشةُ أنَّ المؤمنَ
تُصيبُهُ النَّكْبَةُ أو الشَّوكةُ فيكافأُ بأَسوإ عمله، ومَن حُوسِب عُذِّبَ»
قالت: أليس الله يقول: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)﴾ [الانشقاق: ٨]؟ قال: «ذاكمُ العَرْضُ يا عائشة، مَن
نُوقِشَ الحِسابَ عُذبَ» (٣).
(١) هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ) وأشار
هناك إلى أنه من رواية ابن الأعرابي.
(٢)
إسناده حسن من أجل عبد الملك بن عُمير، فهو صدوق حسن الحديث، وقد حسَّن هذا
الحديثَ الحافظُ المنذري في «مختصر السنن». أبو عوانة: هو الوضاح ابن عبد الله
اليَشْكُري.
وأخرجه عبد بن حميد (١٥٦٤)،
والطبراني في «الكبير» ٢٥/ (٣٤٠)، والمزي في ترجمة أم العلاء من «تهذيب الكمال،
(٣٤٠) من طريق أبي عوانة الوضاح، به. إلا أن الطبراني قال في روايته:»كما تذهب
النار خبث الحديد".
(٣)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد من أجل أبي عامر الخزاز -واسمه
صالح بن رستم- فهو ضعيف يُعتبر به، وباقي رجاله ثقات، =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وقد روي بنحوه من أوجه أخرى عن عائشة
كما سيأتي. ابن أبي مليكة: هو عبد الله ابن عُبيد الله، ويحيى: هو ابن سعيد
القطان، ومُسدَّد: هو ابن مسرهد.
وأخرجه إسحاق بن راهوية في «مسنده»
-قسم مسند عائشة- (١٢٤٩)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في تفسير ابن كثير«٢/ ٣٧١
- ٣٧٢، والطبري في»تفسيره«٥/ ٢٩٥، والبيهقي في»الشعب«(٩٨١٠)، وابن حجر في»تغليق
التعليق«٥/ ١٨٢ من طريق أبي عامر الخزاز صالح بن رستم، به ولم يذكر ابن أبي حاتم
في روايته مناقشة الحساب في الآخرة.
وأخرج الشطر الأول من الحديث، وهو
تكفير الذنوب بما يصيب المؤمن: أحمد (٢٥٦٧٦)، والبيهقي في»الشعب«(٩٨١١) من طريق
ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال:»ما أصاب المسلم شيء إلا
كان له كفارة«.
وأخرج هذا الشطر أيضًا بنحوه سعيد بن
منصور (٦٩٩) -قسم التفسير- من طريق عُبيد بن عمير، وأبو داود الطيالسي
في»مسنده«(١٥٨٤) والطبري في»تفسيره«٥/ ٢٩٥ من طريق أمية بنت عبد الله، وابن مردويه
في»تفسيره«كما في»تفسير ابن كثير«٢/ ٣٧٢ من طريق محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ،
ثلاثتهم عن عائشة وفي الأسانيد إلى عائشة مقالٌ.
وأخرجه أيضًا بنحوه الطبري
في»تفسيره«٥/ ٢٩٤ من طريق محمد بن زيد بن المهاجر، عن عائشة عن أبي بكر الصديق.
وإسناده قوي، ولا يضر كونه عن عائشة أو عن عائشة عن أبي بكر.
ولأحمد (٦٨) وابن حبان (٢٩١٠) من
طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبي بكر الصديق أنه
قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا
أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء:١٢٣]،
وكلّ شيء عَمِلْنَاه جُزينا به؟ فقال:»غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض، ألست
تحزن، ألست تصيبك اللأواء؟ قال: قلتُ: بلى، قال: هو ما تجزون به«.
وأخرج البخاري (٥٦٤٠)، ومسلم (٢٥٧٢)
من طريق عروة بن الزبير، ومسلم (٢٥٧٢) من طريق الأسود بن يزيد، و(٢٥٧٢) من طريق
عمرة بنت عبد الرحمن، ثلاثتهم عن عائشة قالت: -واللفظ لعروة عند البخاري- قال رسول
الله ﷺ:»ما من =
قال أبو داود: وهذا لفظ ابن بشار
قال، حدَثنا ابن أبي مليكة (١).
٤
- باب في
العيادة
٣٠٩٤
- حدَثنا عبدُ العزيز بن يحيى، حدَّثنا
محمدُ بن سَلَمةَ، عن محمد ابن إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن عُروةَ
عن أسامةَ بن زيد، قال: خرجَ رسولُ
الله ﷺ يعودُ عبدَ الله بن أُبيّ في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه عَرَفَ فيه
الموتَ، قال؟ «قد كُنتُ أنهاكَ عن حُبِّ يَهُود» قال: فقد أبغضهم أسعَد بن زُرارةَ
فَمَهْ؟ فلما مات أتاه ابنُه فقال: يا رسول الله، إن عبد الله بن أُبيٍّ قد ماتَ،
فأعطِني قميصَك أكفِّنْه فيه، فنزعَ رسولُ الله ﷺ قميصَه فأعطاه إياه (٢).
= مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله بها
عنه، حتى الشوكة يُشاكها«وأما الأسود وعمرة ففي روايتهما:»إلا رفعه الله بها درجة،
أو حط عنه بها خطيئة«.
ويشهد لهذا الشطر بتمامه كما رواه
المصنف حديثُ أبي هريرة عند مسلم (٢٥٧٤) ويشهد له بمعناه أحاديث أخرى ذكرناها عند
الحديث السالف برقم (٣٠٨٩).
وأما الشطر الثاني من الحديث وهو
قوله ﷺ:»ومن حُوسِب عُذِّب«... إلى آخر الحديث، فأخرجه البخاري (١٠٣) و(٤٩٣٩)
و(٦٥٣٦) و(٦٥٣٧)، ومسلم (٢٨٧٦)، والترمذي (٢٥٩٥) و(٣٦٢٧)،والنسائي
في»الكبرى«(١١٥٥٤) و(١١٥٥٥) و(١١٥٩٥) من طرق عن ابن أبي مليكة، عن عائشة.
وهو في»مسند أحمد«(٢٤٢٠٠)، و»صحيح
ابن حبان (٧٣٦٩) و(٧٣٧٠).
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢)
إسناده ضعيف. محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي مولاهم- مدلس وقد عنعن.
وأخرجه أحمد (٢١٧٥٨)، والبزار في
مسنده (٢٥٧١)، وأبو يعلى كما في «المختارة» للضياء المقدسي ٤/ ١١٨، والطبراني في
«الكبير» (٣٩٠)، والحاكم =
٥ - باب في عيادة الذمي
٣٠٩٥
- حدَثنا سليمانُ بن حرْبٍ، حدَّثنا
حمادٌ -يعني ابن زيد- عن ثابتٍ عن أنسٍ: أن غلامًا من اليهود كان مَرِضَ، فأتاه
النبي ﷺ يعودُه، فقَعَد عند رأسِه، فقال له: «أسْلِم» فنظر إلى أبيه وهو عند رأسِه
فقال:
= ١/ ٣٤١،
والخطب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (١٣٧٢)، والضياء
في «المختارة» (١٣٢٨) - (١٣٣٠) من
طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وقصة إلباس النبي ﷺ قميصه لعبد الله
بن أُبيّ ثابتة في حديث عبد الله بن عمر عند البخاري (١٢٦٩)، ومسلم (٢٤٠٠). وحديث
جابر بن عبد الله عند البخاري (١٢٧٠)، ومسلم (٢٧٧٣).
قال الخطابي: كان أبو سعيد بن
الأعرابي يتأول ما كان من تكفين النبي ﷺ عبد الله ابن أبيٍّ بقميصه على وجهين.
أحدهما: أن يكون أراد به تألُفَ ابنه
وإكرامَه فقد كان مسلمًا بريئا من النفاق. والوجه الآخر: أن عبد الله بن أبيّ كان
قد كسا العباسَ بنَ عبد المطلب قميصًا، فأراد النبيُّ ﷺ أن يكافئه على ذلك لئلا
يكون لمنافق عنده يد لم يجازه عليها. وحدثنا بهذه القصة ابنُ الأعرابي، حدَّثنا
سعدان بن نصر، حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ابن دينار، سمع جابر بن عبد الله
يقول: كان العباسُ بن عبد المطلب بالمدينة، فطلبت الأنصارُ له ثوبًا يكسونه، فلم
يجدوا قميصًا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أُبيّ، فكسوه إياه. وكان أيضًا
حدَّثنا بالحديث الأول الذي رواه أبو داود زادنا فيه شيئًا لم يذكره أبو داود.
قلت (القائل الخطابي): عبدُ الله بن
أبيّ منافق ظاهر النفاق، أنزل الله تعالى في كفره ونفاقه آيات من القرآن تتلى،
فاحتمل أن يكون ﷺ إنما فعل ذلك قبل أن ينزلَ قوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى
أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]، وأحتمل أن يكون معناه ما ذهب إليه ابن
الأعرابي من التأويل -والله أعلم-. وفي الحديث دليل على جواز التكفين بالقميص،
وفيه دليل على جواز إخراج الميت من القبر بعد الدفن لعلة أو سبب.
أطِع أبا القاسِم، فاسلَم، فقامَ
النبيُّ ﷺ وهو يقول: «الحَمْدُ لله الذي أنقذه بي من النار» (١).
٦
- باب
المشي في العيادة (٢)
٣٠٩٦
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا عبدُ
الرحمن بن مَهديٍّ، عن سفيانَ، عن محمدِ بن المُنكدر عن جابر، قال: كانَ النبيُّ ﷺ
يعودُني ليس براكبِ بغلٍ ولا بِرْذَونِ (٣).
(١) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني.
وأخرجه البخاري (١٣٥٦) و(٥٦٥٧)،
والنسائي في «الكبرى» (٨٥٣٤) من طريق سليمان بن حرب، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه النسائي في «الكبرى»
(٧٤٥٨) من طريق عبد الله بن جبْر، عن أنس.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٧٩٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٩٦٠) و(٤٨٨٣) و(٤٨٨٤).
وفي هذا الحديث جواز استخدام غير
المسلم، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد، واستخدام الصغير، وعرض الإسلام على
الصبي، ولولا صحته منه، لما عرضه عليه، وفي قوله: «أنقذه بي من النار» دلالة على
أنه صح إسلامه.
(٢)
هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ) ورمز لها بعلامة: صح.
(٣)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وأخرجه البخاري (٥٦٦٤)، ومسلم
(١٦١٦)، والترمذي (٤١٨٧)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٥٩) من طريق سفيان الثوري، به.
لكن لفظ الثوري عند مسلم: عادني رسول الله ﷺ وأنا مريض وأبو بكر، وهما ماشيين.
وأخرجه البخاري (٤٥٧٧)، ومسلم
(١٦١٦)، والنسائي في «الكبرى» (١١٠٢٥) من طريق ابن جريج، والبخاري (٥٦٥١)، و(٦٧٢٣)
و(٧٣٠٩)، ومسلم (١٦١٦)، وابن ماجه (١٤٣٦) و(٢٧٢٨) والنسائي في «الكبرى» (٧٤٥٦)
و(٦٢٨٨) و(١١٠٦٩) =
٧ - باب في فضل العبادة
٣٠٩٧
- حدَّثنا محمد بن عوف الطائي، حدَّثنا
الربيعُ بن رَوح بن خُلَيدٍ، حدَّثنا محمدُ بن خالدِ، حدَّثنا الفضل بن دَلْهَم
الواسطيُّ (١)، عن ثابتٍ البُنَاني
عن أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَن توضَّأ فأحسن الوضوءَ وعَادَ أخاهُ المُسلمَ مُحتسِبًا بُوعِدَ من جهنَّمَ
مسيرةَ سبعينَ خريفًا» قلت: يا أبا حمزةَ، وما الخَريفُ؟ قال: العامُ (٢).
= من طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن
محمد بن المنكدر، به كلفظ الثوري عند مسلم،
وقد سبق ذكره، وهو في «مسند أحمد»
(١٤٢٩٨) و(١٥٠١١).
البرذون من الخيل: ما كان من غير
نتاج العراب، قال صاحب «المصباح» نقلًا عن ابن الأنباري: يقع على الذكر والأنثى
سواه. قال ابن فارس: برذن الرجل برذنة، إذا ثقل، واشتقاق البرذون منه، وهو خلاف
العراب، وجعلوا النون أصلية، كأنهم لاحظوا التعريب، وقالوا في الحرذون: نونه
زائدة، لأنه عربي، فقياس البرذون عند من يحمل المعربة على العربية زيادة النون.
(١)
قال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد: واسطي ضعيف، فهو منكر، [يعني الحديث]،
وليس صاحبُه برضًا، كان قصابًا بواسط.
(٢)
إسناده ضعيف، الفضل بن دلْهم الواسطي، قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة:
حديثه صالح، وقال أحمد: لا يحفظ، وذكر أشياء مما أخطأ فيها، وقال مرة: ليس به بأس،
وقال أبو داود: ليس بالقوي ولا بالحافظ، وذكره ابن حبان في المجروحين، وقال: فهو
غير محتج به إذا انفرد. محمد بن خالد: هو الوهبي الحمصي.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٩٤٤١)
عن يعقوب بن إسحاق بن الزبير الحلبي،
عن أبي جعفر النُّفيليّ، عن أبي سفيان المعمري محمد بن حميد، عن معمر بن رائد، عن
ثابت، عن أنس. ويعقوب بن إسحاق شيخ الطبراني لم نقع له على ترجمة فيما بين أيدينا
من المصادر.
٣٠٩٨ - حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
شعبةُ، عن الحكَمِ، عن عبدِ الله بن نافعِ عن عليٍّ، قال: ما مِن رجلٍ يعودُ
مريضًا مُمسِيًا إلا خرجَ معهُ سبعون ألف ملكٍ يستغفِرون له حتى يُصْبِحَ، وكان له
خريفٌ في الجنة، ومن أتاهُ مُصبِحًا خرج معه سبعونَ ألفَ ملكٍ يستغفرون له حتى
يُمسيَ، وكان له خريفٌ في الجنة (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد
اختلف في رفع هذا الحديث ووقفه، فرجح الدارقطني وقفه في العلل«٣/ ٢٦٧، أما أبو
داود فقد صحح رفعه كما سيأتي بإثر الحديث (٣١٠٠) ٠ الحكم: هو ابنُ عُتيبة.
وأخرجه أحمد (٩٧٦) عن محمد بن جعفر،
عن شعبة، بهذا الإسناد موقوفًا.
وسيأتي عند المصنف برقم (٣١٠٠) من
طريق منصور بن المعمر، عن الحكم بن عيينة، به موقوفًا كذلك.
وأخرجه مرفوعًا أحمد (٩٧٥)، والبيهقي
٣/ ٣٨١ من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، والحاكم ١/ ٣٥٠ من طريق
محمد بن أبي عدي، كلاهما عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الله بن نافع، عن علي، عن
النبي ﷺ.
وأخرجه مرفوعًا كذلك أحمد (٧٠٢)،
والترمذي (٩٩١) من طريق ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، عن النبي
ﷺ. وقال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
وأخرجه مرفوعًا أيضًا أحمد (٧٥٤)
و(٩٥٥)، وأبو يعلى (٢٨٩)، وابن حبان (٢٩٥٨)، والضياء المقدسي في»المختارة«(٦٩٨)
و(٦٩٩) من طريق عمرو بن حريث، عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ. لكن دون ذكر الخريف.
وفي إسناده راو مجهول.
وأخرجه مرفوعًا كذلك الضياء المقدسي
في»المختارة«(٤١٤) من طريق الحسن ابن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن النبي ﷺ. وفي
إسناده مجهول.
وأخرجه مرفوعًا عبد الله بن أحمد بن
حنبل في زياداته على»المسند«(١١٦٦)، والبيهقي في»شعب الإيمان" (٩١٧٥) من طريق
رجل من الأنصار، عن علي بن أبي طالب، عن النبي ﷺ وفي إسناده رجل مبهم كما هو ظاهر.
=
٣٠٩٩ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا أبو مُعاويةَ، قال: حدَّثنا الأعمشُ، عن الحكَمِ، عن عبدِ الرحمن بن أبي
ليلى
عن علي، عن النبي ﷺ، بمعناه، لم
يذكرِ الخريفَ (١).
قال أبو داود: رواه منصور عن الحكم،
كما رواه شعبة.
٣١٠٠
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن مَنصورٍ، عن الحكَمِ، عن أبي جعفرٍ عبدِ الله بن نافع -قال:
وكان نافع غلام الحسن بن علي- قال:
= وسيأتي مرفوعًا من طريق أبي معاوية
الضرير، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي ﷺ كما
في الطريق الآتية عند المصنف بعده.
ولقوله: «كان له خريف في الجنة» شاهد
من حديث ثوبان عند مسلم في «الصحيح» (٢٥٦٨) بلفظ: «عائد المريض في مخرفة الجنة حتى
يرجع».
وقوله: «كان له خريف في الجنة» قال
الخطابي: أي: مخروف من ثمر الجنة، فعيل بمعنى مفعول، وهذا كحديثه الآخر: «عائد
المريض على مخارف الجنة» والمعنى -والله أعلم- أنه بسعيه إلى عيادة المريض يستوجب
الجنة ومخارفها.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد اختُلف في رفعه ووقفه كسابقه.
الحكم: هو ابن عتيبة، والأعمش: هو
سليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٤٢)، والنسائي في
«الكبرى» (٧٤٥٢) من طريق أبي معاوية الضرير، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦١٢).
وانظر ما قبله.
وقد ذكر الدارقطني في «العلل» ٣/ ٢٦٧
أن أبا بكر بن عياش قد رواه عن الأعمش مرفوعًا كذلك. لكنه قال: إن أبا شهاب الحناط
قد رواه عن الأعمش فوقفه.
تنبيه: جاء هذا الحديث في (هـ) بعد
الحديث الآتي بعده، ونحن تركناه على الترتيب الذي جاء في النسخة التي شرح عليها
العظيم آبادي.
جاء أبو موسى الحسنَ يعوده (١). وساق
معنى حديثِ شُعبةَ.
قال أبو داود: وأُسند هذا عن عليٍّ
من غيرِ وجهٍ صحيحٍ عن النبي ﷺ (٢).
٨
- باب في
العيادة مرارًا
٣١٠١
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا عبدُ الله بن نُميبر، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه عروة
عن عائشةَ، قالت: لما أُصيبَ سعْدُ
بن مُعاذٍ يوم الخندق رماه رجلٌ في الأكْحَلِ، فضربَ عليه رسولُ الله ﷺ خيمةً في
المسجد لِيعودَه من قريبٍ (٣).
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد
اختلف في رفعه ووقفه كالطريقين السابقين.
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (هـ)
وهي برواية أبي بكر ابن داسة، وذكر المزي في «الأطراف» (١٠٢١١) أنه في رواية أبي
الحسن بن العبد وغيره.
(٢)
هذه العبارة من قول أبي داود أثبتناها من «مختصر المنذري»، وهي في أصولنا الخطية
دون كلمة «صحيح».
(٣)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام.
وأخرجه البخاري (٤٦٣)، ومسلم (١٧٦٩)،
والنسائي (٧١٠) من طريق هشام ابن عروة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٩٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٠٢٧).
والأكحَلُ: عِرق وسط الذراع يكثر
فصدُه.
وسعد بن معاذ: هو ابن النعمان بن
امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي سيد الأوس. =
٩ - باب العيادةِ من الرَّمَدِ
٣١٠٢
- حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفَيليُّ، حدَّثنا حجّاجُ بن محمدٍ، عن يونسَ بن أبي إسحاقَ، عن أبيه
عن زيد بن أرقمَ، قال: عادَني رسولُ
الله ﷺ من وَجَعٍ كان بعيني (¬١).
١٠
- باب
الخروج من الطاعون
٣١٠٣
- حدَّثنا القَعنَبيُّ، عن مالكٍ، عن
ابنِ شهابٍ، عن عَبدِ الحُميد بن عَبد الرحمن بن زيدِ بن الخطاب، عن عَبدِ الله بن
عَبدِ الله بن الحارث بن نَوفَلٍ عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن الخطاب جاء إلى
الشام، حتى إذا كان بِسَرْغٍ لقيه أمراء الأجناد أبو عُبيدة بن الجراح وغيره،
فأخبروه أن
= أسلم على يد مصعب بن عمير لما أرسله
النبي ﷺ إلى المدينة ليعلم المسلمين، فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم
ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد بدرًا،
وشهد أحدًا، ورمي بسهم يوم الخندق، فعاش بعد ذلك شهرًا حتى حكم في بني قريظة،
وأجيبت دعوته ذلك، ثم انتقض جرحه فمات، أخرج ذلك البخاري (٤١٢٢) وذلك سنة خمس.
(١)
إسناده حسن من أجل يونس بن أبي إسحاق -وهو السَّبيعي- وقد حسنه الحافظ المنذري في
«مختصر السنن»، والحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء «٩/ ٣٣١.
وأخرجه أحمد (١٩٣٤٨)، والبخاري
في»الأدب المفرد«(٥٣٢)، والحارث بن أبي أسامة (٢٤٧ - زوائده)، والطبراني
في»الكبير«(٥٠٥٢)، وفي»الأوسط«(٥٩٥١) والحاكم ١/ ٣٤٢، والبيهقي في»السنن الكبرى«٣/
٣٨١، وفي»شعب الإيمان«(٩١٩١) والخطيب في»تاريخ بغداد«٨/ ٤١١، والذهبي في»سير أعلام
النبلاء«٩/ ٣٣١ من طريق يونس بن أبي إسحاق، به.
وانظر تمام تخريجه في»مسند أحمد".
الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا
عليه، فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا
علمًا، سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا سمعتمُ به بأرضٍ فلا تَقْدَموا عليه، وإذا
وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فِرارًا منه» (١).
(١) إسناده صحيح. وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٨٩٤
برواية يحيى الليثي، و(١٨٦٧) برواية أبي مصعب الزهري.
وأخرجه بأطول مما هاهنا البخاري
(٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٨٠) من طريق ابن شهاب الزهري، بهذا
الإسناد.
وأخرجه بنحو رواية المصنف مالك في
«موطئه» برواية يحيى الليثي ٢/ ٨٩٦ و(١٨٦٩) برواية أبي مصعب الزهري، ومن طريقه
البخاري (٥٧٣٠) و(٦٩٧٣)، ومسلم (٢٢١٩)، والنسائي في «الكبرى» (٧٤٧٩) عن ابن شهاب
الزهري، عن عبد الله ابن عامر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن عوف.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٦٦) و(١٦٧٩)،
و«صحيح ابن حبان» (٢٩١٢) و(٢٩٥٣).
تنبيه: هذا الحديث جاء في (ب) و(ج)
و(هـ) مختصرًا بالمرفوع منه فقط، ليس فيه قصة عمر بن الخطاب، وأشار الحافظ في
نسخته المرموز لها بالرمز (أ) -ومنه أثبتنا الحديث بتمامه- إلى أنه كذلك في رواية
ابن الأعرابي وابن داسة مختصر بالمرفوع منه وحَسْب. قلنا: نسخة (هـ) التي عندنا هي
برواية ابن داسة.
قال الخطابي: في قوله: «فلا تقدموا
عليه» إثبات الحذر والنهي عن التعرض للتلف.
وفي قوله: «فلا تخرجوا فرارًا منه»
إثبات التوكل والتسليم لأمر الله وقضائه؟ فأحد الأمرين: تأديب وتعليم، والآخر:
تفويض وتسليم. انتهى.
قلنا: في هذا الحديث دليل على
مشروعية الحجْر الصحي على المصابين بالأمراض المُعدية سواء ما تسبب منها عن
الفيروسات أو البكتيريا.
وسَرْغ: قرية بوادي تبوك، يجوز فيها
الصرف وعدمُه، وقيل: هي مدينة افتتحها أبو عبيدة وهي واليرموك والجابية متصلات.
١١ - باب الدعاء للمريض بالشفاء عند
العيادة
٣١٠٤
- حدَّثنا هارونُ بن عبدِ الله،
حدَّثنا مَكِّيُّ بن إبراهيمَ، حدَّثنا الجُعَيد، عن عائشةَ بنت سعدٍ
أن أباها قال: اشتكيتُ بمكةَ، فجاءني
النبيُّ ﷺ يعودُني، ووضع يَدَه على جبهتي، ثم مسح صدري وبطني، ثم قال: «اللهم اشفِ
سعدًا، وأَتمم له هِجْرتَهُ» (١).
٣١٠٥
- حدَّثنا ابنُ كثيرٍ، أخبرنا سفيانُ،
عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ عن أبي موسى الأشعريِّ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: في
أطعِمُوا الجائعَ، وعُودوا المريضَ، وفُكُّوا العانيَ«قال سفيانُ: العاني: الأسيرُ
(٢).
(١) إسناده صحيح. سعد: هو ابنْ أبي وقاص،
والجُعَيد -بالتصغير، ويكبَّر-: هو ابن عبد الرحمن بن أوس.
وأخرجه البخاري (٥٦٥٩)،والنسائي
في»الكبرى«(٦٢٨٤) و(٧٤٦٢) من طريق الجعيد -أو الجعد- بن أوس، به.
وأخرجه مسلم (١٦٢٨) من طريق حميد بن
عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، كلهم عن أبيهم.
وهو في»مسند أحمد«(١٤٤٠) و(١٤٧٤).
(٢)
إسناده صحيح. أبو وائل: هو شفيق بن سلمة الأسدي، ومنصور: هو ابن المعتمر، وسفيان:
هو الثوري، وابن كثير: هو محمد بن كثير العبْدي.
وأخرجه البخاري (٣٠٤٦)،والنسائي
في»الكبرى«(٧٤٥٠) و(٨٦١٣) من طريق منصور بن المعتمر، به.
وهو في»مسند أحمد (١٩٥١٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٣٢٤).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (هـ)
وهي برواية ابن داسة، وذكر المزي في «الأطراف» (٩٠٠١) أنه في رواية ابن العبد
أيضًا.
١٢ - باب الدعاء للمريض عند العيادة
٣١٥٦
- حدَّثنا الربيعُ بن يحيى، حدَّثنا
شعبةُ، حدَّثنا يزيدُ أبو خالدِ، عن المنهالِ بن عَمرو، عن سعيدِ بن جُبير
عن ابن عباس، عن النبي ﷺ، قال: «مَن
عادَ مرِيضاَ لم يحضُر أجلُه، فقال عنده سبعَ مِرار: أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ
العرشِ العظيمِ أن يشفيَك، إلا عافاه اللهُ من ذلك المرضِ» (١).
(١) حديث صحيح. يزبد أبو خالد -وهو يزيد بن
عبد الرحمن الدالاني- وإن كان فيه كلام متابع، والربيع بن يحيى -وهو ابن مقسم
الأُشناني- وان كانت روايته عن شعبة فيها كلام متابع كذلك. وقد زاد بعضهم في
الإسناد بين سعيد بن جبير وبين ابن عباس عبد الله بن الحارث الأنصاري نسيب ابن
سيرين، وهو ثقة، فلعل سعيدًا سمعه مرة بواسطة عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس،
ومرة سمعه من ابن عباس مباشرة، فمثل هذا الاختلاف لا يضر.
وأخرجه الترمذي (٢٢١٥)، والنسائي في
«الكبرى» (١٠٨٢٠) من طريق محمد ابن جعفر، عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي:
حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٣٧) عن محمد
بن جعفر، و(٢١٨٢) عن أبي النضر هاشم بن القاسم، كلاهما عن شعبة.
وكذلك أخرجه ابن حبان (٢٩٧٨) عن أبي
يعلى الموصلي، عن هارون بن معروف، والطبراني في «الدعاء» (١١٢٠) من طريق حرملة بن
يحيى التجيبي، والحاكم ١/ ٣٤٣ من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم، ثلاثتهم عن عبد
الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري، والنسائي في
«الكبرى» (١٠٨١٧) و(١٠٨١٩) من طريق ميسرة بن حبيب النهدي، كلاهما (عبد ربه وميسرة)
عن المنهال ابن عمرو، به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٨١٥)
عن وهب بن بيان، وأبو يعلى في «مسنده» (٢٤٣٠)، وعنه ابن عدي في «الكامل» في ترجمة
المنهال بن عمرو، عن هارون بن معروف، وابن حبان (٢٩٧٥)، والضياء في «المختارة» ١٠/
(٣٩٩) من =
٣١٠٧ - حدَّثنا يزيدُ بن خالدٍ الرمْليُّ،
حدَّثنا ابن وهْبِ، عن حُيَيِّ بن عبدِ الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليِّ
= طريق حرملة بن يحيى التجيبي، والحاكم
٤/ ٢١٣ من طريق بحر بن نصر، أربعتهم عن عبد الله بن وهب، وابن عدي في «الكامل» في
ترجمة رشدين بن سعد، من طريق رشدين، كلاهما (ابن وهب ورشدين) عن عمرو بن الحارث،
عن عبد ربه بن سعيد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن الحارث،
عن ابن عباس - فزادا في الإسناد: عبد الله بن الحارث. وقد جاء في رواية النسائي
وأبي يعلى وابن عدي والضياء: المنهال بن عمرو - مرة قال: - أخبرني سعيد بن جبير،
عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس. ومعنى ذلك: أن المنهال مرة قال: عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، - كما في إسناد المصنف ومن تابعه - ومرة قال: عن سعيد بن جببر،
عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس - بواسطة عبد الله بن الحارث - فالضمير في
«قال» يعود على المنهال، بمعنى أنه روي عنه على الوجهين، كذلك جاءت عبارة «مرة
قال» بعد المنهال بن عمرو في أصلى «سنن النسائي الكبرى» الخطيين: نسخة الرباط،
ونسخة ملا مراد، وهو الصواب، خلافا لما توهمناه في المطبوع منه من أن ذلك خطأ،
فيستدرك من هنا.
وبذلك يكون أصحاب ابن وهب من رواه
عنه بذكر عبد الله بن الحارث، ومن رواه عنه دون ذكره، كلهم مصيب، لان ابن وهب قد
رواه على الوجهين.
لكن خالف أصحاب عبد الله بن وهب:
أحمد بن عيسى بن حسان المصري، عند البخاري في «الأدب المفرد» (٥٣٦) حيث رواه عن
ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، عن المنهال، عن عبد الله بن
الحارث، عن ابن عباس -بإسقاط سعيد بن جبير من إسناده- وكذلك رواه الحجاج بن أرطأة
عند ابن أبي شيبة ٨/ ٤٦ - ٤٧ و١٠/ ٣١٤، وأحمد (٢١٣٨)، وعبد بن حميد (٧١٨)،
والنسائي في «الكبرى» (١٠٨١٦)، والطبراني في «الكبير» (١٢٧٢٢) و(١٢٧٢٣)، والحاكم
١/ ٣٤٣ و٤/ ٢١٣ عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس -بإسقاط سعيد بن
جبير من إسناده- فالذي يغلب على الظن أن ذلك وهمٌ، لان كل الذين رووه عن المنهال
قد ذكروا سعيدًا، فحذفه من الإسناد خطأ، والله تعالى أعلم.
عن عبد الله بن عَمرو، قال: قال
النبيُّ ﷺ: «إذا جاء الرَّجلُ يعودُ مريضًا فليقل: اللهم اشفِ عبدَكَ، ينكا لكَ
عَدُوًّا، أو يمشي لك إلى جنازةٍ» (١).
قال أبو داود: وقال ابن السرح: «إلى
صلاة» (٢).
١٣
- باب
كراهية تمني الموت
٣١٠٨
- حدَّثنا بشْرُ بن هلالٍ، حدَّثنا
عبدُ الوارث، عن عبد العزيز بن صُهَيبٍ عن أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«لا يَدْعُوَنَّ أحدُكم بالموتِ لِضُرٍّ نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت
الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي» (٣).
(١) إسناده ضعيف من أجل حيي بن عبد الله -وهو
المعافري- فهو ضعيف إذا انفرد. أبو عبد الرحمن الحُبُلي: هو عبد الله بن يزيد
المعافري.
وأخرجه أحمد (٦٦٠٠) من طريق عبد الله
بن لهيعة، والعقيلي في «الضعفاء» ١/ ٣٢٠، وابن حبان (٢٩٧٤)، وابن السني (٥٥٢)،
والحاكم ١/ ٣٤٤ و٥٤٩ من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن حي بن عبد الله، به.
وأخرجه عبد بن حميد (٣٤٤) من طريق
ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، عن حي بن عبد الله، به. ورشدين ضعيف.
(٢)
مقالة أبي داود هذه من هامش (هـ).
(٣)
إسناده صحيح. عبد الوارث: هو ابن سعيد العنبري. وأخرجه البخاري (٦٣٥١)، ومسلم
(٢٦٨٠)، وابن ماجه (٤٢٦٥)، والترمذي (٩٩٣)، والنسائي في «المجتبى» (١٨٢١) من طريق
عبد العزيز بن صهيب، به. وأخرجه البخاري (٦٣٥١)، ومسلم (٢٦٨٠)، وابن ماجه (٤٢٦٥)،
والترمذي (٩٩٣)، والنسائي في «المجتبى» (١٨٢١) من طريق عبد العزيز بن صهيب، به.
=
٣١٠٩ - حدَّثنا محمد بن بشّار، حدَّثنا أبو
داودَ الطيالسي، حدَّثنا شعبةُ، عن قتادةَ
عن أنس بن مالك، أن النبيَّ ﷺ قال:
«لا يَتَمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ»
فذكر مثله (¬١).
١٤
- باب في
موت الفَجْأة
٣١١٠
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
شعبةَ، عن منصورٍ، عن تميمِ بن سلمةَ أو سعْد بن عُبيدةَ
= وأخرجه البخاري (٥٦٧١) و(٧٢٣٣)،
ومسلم (٢٦٨٠)، والنسائي (١٨٢٠) و(١٨٢٢) من طرق عن أنس.
وهو في «مسند أحمد» (١١٩٧٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٩٦٨) و(٩٦٩).
وانظر ما بعده.
قوله: «لا يدعون أحدكم بالموت ...»
الخطاب فيه للصحابة، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عمومًا، وقوله: «لضر نزل
به». حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي، فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في
دينه لم يدخل في النهي، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة ففي الموطأ ٢/ ٨٢٤ عن عمر
أنه قال: اللهم كبرت سنين، وضعفت قوتي، وانتثرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مُضَيِّعٍ
ولا مُفَرِّط.
وأخرج أحمد (١٦٠٤٠) من طريق عبس أو
عابس الغفاري أنه قال: يا طاعون خذني، ثلاثًا يقولها، فقال له عليم الكندي: لم
تقول هذا؟ ألم يَقُل رسول الله ﷺ: «لا يتمنى أحدكم الموت»، فقال: إني سمعته يقول:
«بادروا بالموت ستًا إمرة السفهاء، وكثرة الشُّرَط، وبيع الحكم ...» وهو حديث
صحيح، وأخرج أحمد (٢٣٩٧٠) من حديث عوف بن مالك نحوه، وأنه قيل له: ألم يقل رسول
الله ﷺ: «ما عمر المسلم كان خيرًا له» وفيه الجواب نحوه، وأصرح منه حديث معاذ بن
جبل عند أحمد (٢٢١٠٩) وفيه: فإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون.
(١)
إسناده صحيح. أبو داود الطيالسي: هو سليمان بن داود.
وهو في «مسند الطيالسي» (٢٠٠٣)، ومن
طريقه النسائي في «الكبرى» (١٠٨٣٢).
عن عُبيد بن خالد السُّلَمي -رجلٍ من
أصحابِ النبي ﷺ- قال مرةً: عن النبيِّ ﷺ، ثم قال مرةً: عن عُبيدٍ، قال: «موت
الفَجْاة أخْذةُ أَسِفٍ» (١).
(١) إسناده صحيح. والشك فيه لا يضر، لأن تميم
بن سلمة وسعد بن عُبيدة كلاهما ثقة. منصور: هو ابن المعتمر، وشعبة: هو ابن الحجاج،
ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومُسَدَّد: هو ابن مُسَرْهَد. وقال الحافظ المنذري في
«اختصار السنن»: حديث عبيد هذا رجال إسناده ثقات، والوقف فيه لا يؤثر، فإن مثله لا
يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده الراوي مرة. وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر في «تخريج
أحاديث مختصر ابن الحاجب» ١/ ٣١٧.
وأخرجه أحمد (١٧٩٢٤) وابن قانع في
«معجم الصحابة» ٢/ ١٨٢، والبيهقي ٣/ ٣٧٨، والمزي في ترجمة عُبيد بن خالد السلمي في
«تهذيب الكمال»، من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة ٣/ ٣٧٠،
وأحمد (١٧٩٢٥) عن محمد بن جعفر، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ١٨٢ من طريق معاذ
بن معاذ العنبري، كلاهما عن شعبة، به.
قال الخطابي: «الأسِفُ»: الغضبان،
ومن هذا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف:٥٥]
ومعناه -والله أعلم- أنهم فعلوا ما أوجب الغضب عليهم، والانتقام منهم.
وقال المناوي في «فيض القدير» ٦/
٢٤٦: «أخذة أسَف» بفتح السين، أي: غضب، وبكسرها والمد، أي: أخذة غضبان، يعني هو من
آثار غضب الله تعالى، فإنه لم يتركه ليتوب ويستعد للآخرة، ولم يمرضه ليكون المرض
كفارة لذنوبه، كأخذة من مضى من العُصاة المردة كما قال الله تعالى:
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] وهذا وارد في حق الكفار والفجار، لا
في المؤمنين الأتقياء. قلنا: لأن المؤمن غالبًا مستعد لحلوله، فيريحه من نصب
الدنيا، وقد روى ابن أبي شيبة ٣/ ٣٧٠، والبيهقي ٣/ ٣٧٩ عن عبد الله بن مسعود
وعائشة قالا: موت الفجاءة رأفة بالمؤمن وأسف على الفاجر. وإسناده صحيح موقوفًا.
١٥ - باب ما جاء في فضل من مات في الطاعون
٣١١١
- حدَّثنا القَعْنَبيُّ: عن مالكٍ، عن
عَبدِ الله بن عَبد الله بن جابرِ بن عَتيكٍ، عن عَتيكِ بن الحارثِ بن عَتيكٍ -وهو
جدُّ عبد الله بن عبد الله أبو أُمه- أنه أخبره أن جابرَ بن عَتيكٍ أخبره: أن رسول
الله ﷺ جاء يعودُ عبدَ الله بن ثابتٍ، فوجدَه قد غُلِبَ، فصاح به رسولُ الله ﷺ فلم
يُجبْه، فاسترجَع رسولُ الله ﷺ وقال: «غُلِبنا عليك يا أبا الرَّبيع» فصاح
النِّسوة وبكَين، فجعل ابن عَتيكٍ يُسكتهن، فقال رسولُ الله ﷺ: «دَعْهُنَّ، فإذا
أوجَبَ فلا تبكِيَنَّ باكيةٌ»، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: «الموتُ».
قالتِ ابنتُه: والله إن كنت لأرجو أن
تكونَ شهيدًا فإنك قد كنتَ قضيتَ جَهازك، قال رسولُ الله ﷺ إن الله قد أوقع أجرَه
على قدرِ نيته، وما تعدُّون الشهادةَ؟ «قالوا: القتل في سبيل الله تعالى، قال
رسولُ الله ﷺ:»الشَّهَادَةُ سبعٌ سوى القتلِ في سبيل الله: المَطْعونُ شهيدٌ،
والغَرِقُ شهيدٌ، وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شهيدٌ، والمَبطُونُ شهيدٌ، وصاحِبُ الحريق
شهيدٌ، والذي يموت تحت الهَدْمِ شهيدٌ، والمرأةُ تموت بجُمْعٍ شهيدٌ«(١).
(١) حديث صحيح، عتيك بن الحارث بن عتيك ذكره
ابن حبان في»الثقات«وصحح حديثه هذا، ورواية مالك لحديثه في»الموطأ«تقوية له، وقد
صحح حديثه هذا الحاكم ١/ ٣٥١، وسكت عنه الذهبي، وأورده عبد الحق الإشبيلي
في»أحكامه الوسطى«٢/ ٣٦٠ - ٣٦١، وسكت عنه، وقد روي الحديث برمته من طريق آخر كما
سيأتي.
وهو في»موطأ مالك«١/ ٢٣٣ - ٢٣٤، ومن
طريقه أخرجه النسائي (١٨٤٦). وهو في»مسند أحمد«(٢٣٧٥٣)، و»صحيح ابن حبان"
(٣١٨٩). =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه ابن ماجه (٢٨٠٣) من طريق
وكيع، عن أبي العُميس عتبة بن عبد الله المسعودي، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر
بن عتيك، عن أبيه، عن جده. قال ابن عبد البر في «التمهيد» ١٩/ ٢٠٧: ولم يُقمه أبو
العميس، والصواب ما قاله فيه مالك.
وأخرجه النسائي (٣١٩٤) من طريق جعفر
بن عون، عن أبي العميس، عن عبد الله ابن عبد الله بن جبْر -وهو نفسه: ابن جابر بن
عتيك، كذا يقال في اسمه أيضًا- عن أبيه. فاسقط من إسناده جده جابر بن عتيك.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»
(٤٦٠٧) من طريقين عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن ربيع الأنصاري
أن رسول الله ﷺ عاد ابن أخي جبْر ... الحديث قال المنذري في «الترغيب والترهيب» ٢/
٣٣٣ - ٣٣٤: رواته محتج بهم في الصحيح، وقال الهيثمي في «المجمع» ٥/ ٣٥٠: رجاله
رجال الصحيح. قلنا: فهذه متابعة قوية لعتيك.
وأخرج قصة إذن ﷺ للنسوة بالبقاء من
هذا الحديث النسائي (٣١٩٥) من طريق داود يعني الطائي، عن عبد الملك بن عمير، عن
جبْر. بدل: ربيع الأنصاري وقد أورد الحافظ هاتين الروايتين في «الإصابة» في ترجمة
ربيع الأنصاري، وقال: فالله تعالى أعلم.
ويشهد لهذه القصة من الحديث من إذنه
ﷺ بالبكاء على الميت: حديث أنس بن مالك عند البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥) ولفظه
عند البخاري: «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» وحديث ابن
عمر عند البخاري (١٣٠٤)، ومسلم (٩٢٤) ولفظه عند البخاري: «إن الله لا يعذب بدمع
العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت يعذب
ببكاء أهله عليه». قلنا: وانما نهي عن النَّوح على الميت لا عن البكاء.
ويشهد لذكر أنواع الشهداء حديث أبي
هريرة عند البخاري (٦٥٣)، ومسلم (١٩١٤) أن رسول الله ﷺ قال: «الشهداء خمسة:
المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدْم، والشهيد في سبيل الله».
=
١٦ - باب المريض يؤخَذُ من أظفارهِ
وعانتِه
٣١١٢
- حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
إبراهيمُ بن سعْد، أخبرنا ابن شهابٍ، أخبرني عَمرو بنُ جاريةَ الثقفي حَليفُ بني
زُهرةَ -وكان من أصحاب أبي هريرة-
= وفي باب قوله: «صاحب ذات الجنب شهيد»
عن عقبة بن عامر عند أحمد (١٧٤٣٤). وسنده حسن في الشواهد.
وفي باب قوله: «والمرأة تموت بجُمع
شهيد» عن عبادة بن الصامت عند الطيالسي (٥٨٢)، وأحمد (٢٢٦٨٤)، والدارمي (٢٤١٤)،
والشاشي في «مسنده» (١٣٠٢ - ١٣٠٥) وإسناده صحيح. ولفظه عند أحمد: «قتل المسلم
شهادة» والطاعون شهادة، والبطن، والغرق، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء«.
وعن أبي هريرة عند أحمد (٨٠٩٢) وسنده
صحيح.
قال الخطابي: أصل الوجوب في اللغة:
السقوط. قال تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٣٦] وهو أن تميل فتسقط، وإنما يكون ذلك
إذا أزهقت نفسها، ويقال للشمس إذا غابت: قد وجبت الشمس، وقوله:»والمرأة تموت
بجُمع«فهو أن تموت وفي بطنها ولد.
قلنا: المطعون: هو المصاب بالطاعون.
والمبطون» قال ابن الأثير: هو الذي
يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه.
قلنا: ولا يبعد أن يدخل في قوله:
«المطعون والمبطون» كل من مات بداء عُضالٍ من الأدواء الميؤوس من شفائها.
وقوله: «صاحب ذات الجنب» هي كما يرى
بعض أطباء العرب قرحة تصيب الإنسان في داخل جنبه، وفي الطب الحديث: التهابٌ في
الغشاء المحيط بالرئة. انظر «قاموس الأطباء» لمدْيَن بن عبد الرحمن المصري ١/ ٢٣،
و«المعجم الوسيط» ١/ ١٣٨.
وقوله: «غُلبنا عليك يا أبا الربيع»
قال العظيم آبادي: يعني أنا نريد حياتك، لكن تقدير الله تعالى غالب.
وقولها: جَهازك: أي أسباب الجهاد.
عن أبي هريرةَ، قال: ابتاعَ بنو
الحارثِ بن عامر بن نَوفَلٍ خُبَيبًا، وكان خُبيبٌ هو قَتَلَ الحارثَ بن عامر يومَ
بدرٍ، فلبث خُبيبٌ عندهم أسيرًا، حتى أجمعوا لقتلِه، فاستعَار من ابنةِ الحارث
موسى يَسْتَحِدُّ بها، فاعارتْه، فدَرَجَ بُنَيٌّ لها وهي غافلةٌ، حتى أتته
فوجدتْه مُخْلِيًا، وهو على فخذِه والموسى بيده، ففزِعت فزْعةً عرَفَها فيها،
فقال: أتخْشَيْنَ أن أقتلَه؟ ما كنت لأفْعَلَ ذلك (١).
(١) إسناده صحيح. عَمرو بن جارية -ويقال:
عُمر-: هو ابن أبي سفيان بن أَسيد بن جارية، نسب هنا إلى جد أبيه.
وأخرجه مطولًا البخاري (٣٩٨٩) من
طريق إبراهيم بن سعد، و(٤٠٨٦) من طريق معمر بن راشد، كلاهما عن ابن شهاب الزهري،
به.
وأخرجه البخاري (٣٠٤٥) و(٧٤٠٢)،
والنسائي في «الكبرى» (٨٧٨٨) من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عُبيد الله
بن عياض، عن ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، به.
وقد سلفت قطعة الاستحداد منه برقم
(٢٦٦٠).
وهو في «مسند أحمد» (٧٩٢٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٠٣٩) و(٧٠٤٠).
وخُبيب: قال ابن الأثير في «جامع
الأصول» -قسم التراجم- ١/ ٣٤٤ - ٣٤٥: بضم الخاء وفتح الباء الموحدة الأُولى وبعدها
ياء ساكنة، هو خبيب بن عدي من بني عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، شهد بدرًا، وأُسر
في غزوة الرجيع سنة ثلاث، فانطُلق به إلى مكة فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل،
وكان خبيب قتل الحارث بن عامر يوم بدر كافرًا، فاشتراه بنوه ليقتلوه به، فأقام
عندهم أسيرًا، ثم صلبوه بالتنعيم، وكان الذي تولى صلبه عقبة بن الحارث وأبو هُبيرة
العبدري، فخبيب أول من صُلب في الإسلام، وأول من سنَّ صلاة ركعتين عند القتل.
وقوله: «يستحد به» من الاستحداد، وهو
حلق العانة بالحديد. قاله ابن الأثير في «النهاية». =
قال أبو داود: روى هذه القصة شعيبُ
بن أبي حمزةَ، عن الزهري، أخبرني عُبيد الله بنُ عياضٍ أن ابنةَ الحارث أخبرتْه
أنهم حين اجتمعُوا -تعني لقتلِه- استعار منها موسى يستحدُّ بها، فأعارتْه.
١٧
- باب ما
يُستحب من حُسنِ الظن بالله عند الموت
٣١١٣
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عيسى بن
يونسَ، حدَّثنا الاعمشُ، عن أبي سفيانَ عن جابر بن عبد الله: سمعتُ النبي ﷺ يقول
قبل موتِه بثلاث، قال: «لا يَمُوتُ أحدُكم إلا وهو يُحْسِنُ الظنَّ بالله» (١).
= وقوله: «دَرَج» أي: مشى.
و«بُنَيٌّ» تصغير ابن، والمراد ابن
صغير.
و«مُخلِيًا» قال ابن الأثير: يقال:
خلوتُ به ومعه وعليه، وأخليتُ به، إذا انفردتَ به.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل أبي سفيان -وهو طلحة بن نافع- الأعمش: هو
سُليمان بن مهران، ومسدَّد: هو ابن مُسَرْهَدٍ.
وأخرجه مسلم (٢٨٧٧)، وابن ماجه
(٤١٦٧) من طريق الأعمش، به.
وأخرجه مسلم (٢٨٧٧) من طريق أبي
الزبير، عن جابر.
قال الإِمام النووي في «شرح مسلم»:
قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، وفي الحديث
القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي» ومعنى حسن الظن باللهِ تعالى أن يظن أنه يرحمه
ويعفو عنه، وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف
أرجحَ، فإذا دنت أمارات الموت، غُلِّب الرجاء أو محضُه، لأن مقصود الخوف الانكفافُ
عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو
معظمه في هذه الحال، فاستُحِب إحسانُ الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى،
والإذعان له.
وقال في «شرح المهذب» ٥/ ١٠٨: ومعنى
تحسنه بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك، ويتدبر الآيات والأحاديث
الواردة في كرم الله سبحانه وتعالى =
١٨ - باب تطهيرِ ثيابِ الميت عند الموت
٣١١٤
- حدَّثنا الحَسنُ بن علي، حدَّثنا
ابنُ أبي مريمَ، أخبرنا يحيى بن أيوبَ، عن ابن الهادِ، عن محمد بن إبراهيمَ، عن
أبي سَلمَةَ
عن أبي سعيد الخدري: أنه لما حضرَه
الموتُ دعا بثيابٍ جُدُدٍ فلبسها، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إنَّ
الميِّتَ يُبْعَثُ في ثيابه التي يموت فيها» (١).
= وعفوه ورحمته، وما وعد به أهل
التوحيد وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث
الصحيح: «أنا عند ظن عبدي بي» هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور
العلماء، وشذ الخطابي، فذكر معه تاويلًا آخر: أن معناه: أحسنوا أعمالكم حتى يحسن
ظنكم بربكم، فمن حسن عمله حسن ظنه، ومن ساء عمله ساء ظنه، وهذا تأويل باطل نبهت
عليه لئلا يغتر به.
(١)
إسناده حسن من أجل يحيى بن أيوب -وهو الغافقي المصري- ابن أبي مريم: هو سعيد بن
الحكم بن محمد الجُمحي، وابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ومحمد
بن إبراهيم: هو التيمي، وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي: هو
الخلال.
وأخرجه ابن حبان (٧٣١٦)، والحاكم ١/
٣٤٠، والبيهقي ٣/ ٣٨٤ من طريق ابن أبي مريم، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: أما أبو سعيد، فقد
استعمل الحديثَ على ظاهره، وقد روي في تحسين الكفن أحاديث. وقد تأوله بعض العلماء
على خلاف ذلك، فقال: معنى الثياب: العمل، كنى بها عنه، يريد أنه يبعث على ما مات
عليه من عمل صالح أو سيىء.
قال: والعرب تقول: فلانٌ طاهرُ
الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب. ودنِس الثياب: إذا كان بخلافِ
ذلك، واستدل في ذلك بقول النبي ﷺ «يحشر الناسُ حفاة عراة» فدلَّ ذلك على أن معنى
الحديث ليس على الثياب التي هي الكفن، وقال بعضهم: البعث غير الحشر، فقد يجوز أن
يكرن البعث مع الثياب، والحشر مع العُري والحفا، والله أعلم. =
١٩ - باب ما يُستحب أن يُحضَرَ الميت من
الكلام
٣١١٥
- حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا
سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي وائل
عن أم سلمة، قالت: قال رسولُ الله ﷺ:
وإذا حَضرتم الميِّتَ فقولوا خيرًا، فإن الملائكةَ يؤمِّنونَ على ما تقولون» فلما
مات أبو سلَمةَ، قلت: يا رسولَ الله، ما أقولُ؟ قال: «قولي: اللهُمَّ اغفِرْ له،
وأعقِبنا عُقبى صالحةً» قالت: فأعقبني اللهُ تعالى به محمدًا ﷺ (١).
= قلنا: ولتفسيره بمعنى العمل أيضًا
ذهب ابنُ حبان عقب الحديث.
قال الحافظ في «الفتح» ١١/ ٣٩١: وحمل
بعضهم الحديث على الشهداء، لأنهم الذين أمروا أن يزمَّلوا في ثيابهم، ويدفنوا
فيها، فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد، فحمله على العموم. وممن حمله على
عمومه معاذ بن جبل، فأخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الأسود: دفنا أم
معاذ بن جبل، فأمر بها، فكفنت في ثياب جدد، وقال: أحسنو أكفان موتاكم، فإنهم
يحشرون فيها.
قال الحافظ: وحمله بعض أهل العلم على
العمل، وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى
ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف:٢٦] وقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:٤] على
أحد الأقوال، وهو قول قتادة، قال: ومعناه: وعملك فأخلصه، ويؤكد ذلك حديث جابر
رفعه: «يبعث كل عبدٍ على ما مات عليه» أخرجه مسلم، وحديث فضالة بن عُبيد: «من مات
على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة» أخرجه أحمد، قلنا: وممن خص حديث
أبي سعيد - بالشهيد القرطبي في «التذكرة» ١/ ٢١٠.
(١)
إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وسفيان: هو
الثورى، ومحمد بن كثير: هو العبدي.
وأخرجه مسلم (٩١٩)، وابن ماجه
(١٤٤٧)، والترمذي (٩٩٩)، والنسائي (١٨٢٥) من طريق سليمان بن مهران الأعمش، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٤٩٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٥٠٥) وأدرجه تحت باب ذكر الأمر لمن حضر الميت بسؤال الله جل وعلا
المغفرة لمن حضرته المنية.
٢٠ - باب في التلقين
٣١١٦
- حدَّثنا مالكُ بن عبد الواحد
المِسْمَعيُّ، حدَّثنا الضحَّاك بن مَخلَدٍ، حدَّثنا عبدُ الحميد بن جعفرٍ،
حدَّثني صالحُ بن أبي عَرِيبٍ، عن كثيرِ بن مُرَّةَ الحضرمي
عن معاذِ بن جبل، قال: قال رسول الله
ﷺ: «من كان آخرُ كلامهِ لا إله إلا اللهُ دخل الجنة» (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل صالح
بن أبي عَريب. لكن روي الحديث بنحوه من وجهين آخرين كما سيأتي.
وأخرجه أحمد (٢٢٥٣٤)، والبزار في
«مسنده» (٢٦٢٥) و(٢٦٢٦)، والهيثم بن كليب في «مسنده» (١٣٧٢) و(١٣٧٣)، والطبراني في
«الكبير» ٢٠/ (٢٢١)، وفي «الدعاء (١٤٧١)، والحاكم ١/ ٣٥١ و٥٠٠ - ٥٠١، والبيهقي
في»شعب الإيمان«(٩٤) و(٩٢٣٧)، والخطيب في»تاريخ بغداد«١٥/ ٣٣٥، والرافعي في»أخبار
قزوين«٢/ ٣٦، والمزي في ترجمة صالح بن أبي عريب في»تهذيب الكمال«من طريق عبد
الحميد بن جعفر، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه ابن ماجه (٣٧٩٦)،
والنسائي في»الكبرى«(١٠٩٠٩ - ١٠٩١١) من طريق هصَّان بن الكاهل -ويقال: ابن الكاهن-
عن عبد الرحمن بن سمرة، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله ﷺ أنه قال:»ما من نفس تموت
وهي تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر
الله لها«. وإسناده حسن.
وهو في»مسند أحمد«(٢١٩٩٨).
وأخرجه النسائي (١٠٩٠٧) من طريق
قتادة، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل. كلفظ عبد الرحمن بن سمرة السابق. وهو
في»مسند أحمد«(٢٢٠٠٣).
وأخرج البخاري (١٢٩)، والنسائي
(١٠٩٠٨) من طريق سليمان التميمي، والبخاري (١٢٨)، ومسلم (٣٢) من طريق قتادة،
والنسائي (١٠٩٠٥) و(١٠٩٠٦) من طريق أبي حمزة عبد الرحمن بن عبد الله المازني جار
شعبة ومسلم (٣٢) من طريق ثابت البناني، أربعهم عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال
لمعاذ بن جبل:»من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة" لفظ سليمان التيمي.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= ولفظ قتادة: «ما من أحد يشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار».
ولفظ أبي حمزة: «من مات يشهد أن لا
إله إلا الله دخل الجنة».
ولفظ ثابت: «لا يشهد أحد أن لا إله
إلا الله وأني رسولُ الله فيدخل النار، أو تطعمه» وأخرجه الحميدي (٣٦٩) وأحمد
(٢٢٠٦٠) والطبراني ٢٠/ (٦٣) وابن حبان (٢٠٠) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن
دينار، عن جابر بن عبد الله أن معاذًا لما حضرته الوفاة، قال: اكشفوا عني سجْفَ
القبة، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل
الجنة».
وفي الباب عن عثمان بن عفان عند مسلم
(٢٦)، وأحمد (٤٦٤) «وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» وصححه ابن حبان (٢٠١)
وعن أبي ذر، عن النبي ﷺ «ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل
الجنة» أخرجه البخاري (٥٨٢٨) ومسلم (٩٤) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن
سرق» قالها ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر» فخرج أبو ذر وهو
يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.
وعن عتبان بن مالك، عن النبي ﷺ: «إن
الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله» أخرجه البخاري
(٤٢٥)، ومسلم (٣٣).
وعن أبي هريرة مرفوعًا: «أشهد أن لا
إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ بهما إلا دخل الجنة».
وعن عبادة بن الصامت مرفرعا: «من شهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار» أخرجه مسلم (٢٩).
قال الحافظ ابن رجب في «تحقيق كلمة
الإخلاص» المدرجة في مجموع رسائله ٣/ ٤٥ - ٤٦: وأحاديث هذا الباب نوعان، أحدهما ما
فيه أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة أو لم يحجب عنها، وهذا ظاهر، فإن النار لا
يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طُهِّر من
ذنوبه بالنار، وحديث أبي ذر معناه: أن الزنى والسرقة لا يمنعان من دخول الجنة مع
التوحيد، وهذا حق لا مرية فيه، ليس فيه أن لا يعذب يوما ًعليهما مع التوحيد.
=
٣١١٧ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا بشرٌ،
حدَّثنا عُمارة بن غَزِيَّةَ، حدَّثنا يحيى بن عُمارة سمعت أبا سعيد الخدريَّ
يقول: قال رسولُ الله ﷺ: «لقِّنوا موتاكُم قَوْلَ: لا إله إلاَّ اللهُ» (١).
٢١
- باب
تغميض الميت
٣١١٨
- حدَّثنا عبدُ الملك بن حَبيبٍ أبو
مروانَ، حدَّثنا الفَزَاريُّ -يعني أبا إسحاق- عن خالدٍ الحذّاء، عن أبي قِلابةَ،
عن قَبيصةَ بن ذؤيب
= والثاني ما فيه أنه يحرم على النار،
وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها، أو على نار يخلد فيها أهلها، وهي ما عدا
الدرك الأعلى، فإن الدرك الأعلى يدخله كثير من عصاة الموحدين بذنوبهم، ثم يخرجون
بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين وفي «الصحيحين»: إن الله تعالى يقول: «وعزتي
وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله».
(١)
إسناده صحيح. بشر: هو ابن المُفضَّل، ومسدّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه مسلم (٩١٦)، وابن ماجه
(١٤٤٥)، والترمذي (٩٩٨)، والنسائي (١٨٢٦) من طريق عمارة بن غزية، به.
وهو في «مسند أحمد» (٣٠٩٩٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٠٣).
والمراد بقول: «لا إله إلا الله» في
هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة، قال ابن المنير: «قول لا إله إلا الله» لقب جرى
على النطق بالشهادتين شرعًا.
قال النووي في «شرح مسلم»: معناه: من
حضره الموت، والمراد: ذكِّروه «لا إله إلا الله» لتكون آخر كلامه، كما في الحديث:
"من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة، والأمر بهذا التلقين أمر
ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه والموالاة لئلا يضجر
بضيق حاله وشدة كربه، فيكره ذلك بقلبه، ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا قاله مرة
لا يُكرر عليه إلا أن يتكلم بكلام آخر فيعاد التعريض به، ليكون آخر كلامه. ويتضمن
الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينيه والقيام بحقوقه، وهذا
مجمع عليه.
عن أُم سلمة، قالت: دخلَ رسولُ الله
ﷺ على أبي سلمةَ وقد شقَّ بصرُه فأغمضَه، فصَيَّحَ ناسٌ من أهله، فقال: «لا
تَدْعُوا على أنفسِكم إلا بخيرٍ، فإنَّ الملائكةَ يُؤمِّنون على ما تقولون» ثم
قال: «اللهم اغفرْ لأبي سَلمةَ، وارفع درجته في المهديين، واخْلُفْه في عَقِبه في
الغابرين، واغفر لنا وله يا ربَّ العالمين، اللهم افْسَحْ له في قبرِه، ونَوِّرْ
له فيه» (١).
قال أبو داود: وتغميضُ الميِّت بعد
خُروج الروح، سمعت محمدَ بن محمد بن النعمانِ المُقرئ، قال: سمعت أبا ميسرةَ
-رجلًا عابدًا- يقول: غَمَّضْتُ جعفرًا المعلِّم، وكان رجلًا عابدًا، في حالة
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عبد
الملك بن حبيب -وهو المصيصي البزاز- فهو صدوق حسن الحديث، وهو متابع. أبو قلابة:
هو عبد الله بن زيد الجَرمي، وخالد الحذاء: هو ابن مِهران، وأبو إسحاق الفزاري: هو
إبراهيم بن محمد بن الحارث.
وأخرجه مسلم (٩٢٠)، وابن ماجه (١٤٥٤)
من طريق معاوية بن عمرو، والنسائي في «الكبرى» (٨٢٢٧) من طريق سليمان بن صالح أبي
صالح المروزي سلمويه، كلاهما عن أبي إسحاق الفزاري، ومسلم (٩٢٠) من طريق عُبيد
الله بن الحَسن، كلاهما (الفزاري وعُبيد الله بن الحسن) عن خالد الحذاء، بهذا
الإسناد. ورواية ابن ماجه مختصرة بقصة الإغماض، وفيها زيادة: «إن الروح إذا قُبض
تبعه البصر»، وهذه الزيادة عند مسلم.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٥٤٣)، و«صحيح
ابن حبان (٧٠٤١).
وقوله: شق بصره، قال النووي: هو بفتح
الشين ورفع»بصره«وهو فاعل»شق"، أي: بقي بصره مفتوحًا، هكذا ضبطناه وهو
المشهور، وضبطه بعضهم: بصرَه بالنصب وهو صحيح أيضًا.
واخلفه: من خلف يخلف: إذا قام غيره
بعده في رعاية أمره وحفظ مصالحه، أي: كن خلفًا أو خليفة في من يعقبه ويتأخر عنه من
ولد وغيره.
الموت، فرأيته في منامي ليلة مات
يقول: أعظم ما كان عليَّ تغميضُك لي قبل أن أموتَ (١).
٢٢
- باب في
الاسترجاع
٣١١٩
- حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
حمادٌ، أخبرنا ثابتٌ، عن ابن عُمر بن أبي سَلَمةَ، عن أبيه
عن أُم سلمةَ، قالت: قال رسولُ الله
ﷺ «إذا أصابَتْ أحَدَكُم مُصيبةٌ فَليَقُلْ: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك
احتسَبْتُ مُصيبتي، فأْجُرني فيها، وأبدِلني بها خيرًا منها» (٢).
(١) مقالة أبي داود هذه مع الحكاية، أثبتناها
من هامش (هـ).
(٢)
حديث صحيح. وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابن عمر بن أبي سلمة، وقد روي الحديث من طريق
آخر صحيح كما سيأتي. ثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن سلمة، وقد اختُلف
في هذا الإسناد على حماد بن سلمة:
فأخرجه أحمد (٢٦٦٩٧)، والنسائي في
«الكبرى» (١٠٨٤٣) من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٦٣٤٣) عن روح بن
عُبادة، و(٢٦٦٦٩) عن عفان بن مسلم، والنسائي (١٠٨٤٤) من طريق محمد بن كثير،
ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أم سلمة،
عن أبي سلمة. فجعلوه من مسند أبي سلمة، وأن أم سلمة سمعته منه. قال الحافظ فيما
نقله ابن علان في «الفتوحات الربانية» ٤/ ١٢٢: يمكن الجمع بأن تكون أم سلمة سمعته
من أبي سلمة عن النبي ﷺ، ثم لما مات أبو سلمة وأمرها النبي ﷺ أن تقوله لما سألته،
تذكرت ما كان أبو سلمة حدثها به، فكانت تحدث به على الوجهين.
وأخرجه الترمذي (٣٨٢٠) من طريق عمرو
بن عاصم، والنسائي (١٠٨٤٢) من طريق آدم بن أبي إياس، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن
ثابت، عن عُمر بن أبي سلمة، عن أم سلمة، عن أبي سلمة. فاسقط من إسناده ابن عمر بن
أبي سلمة، وجعله من مسند أبي سلمة أيضًا. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
=
٢٣ - باب في الميت يُسَجَّى
٣١٢٠
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلِ، حدَّثنا
عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهري، عن أبي سلمةَ
عن عائشة: أن النبي ﷺ سُجِّي في ثوب
حِبَرَةٍ (١).
٢٤
- باب
القراءة عند الميت
٣١٢١
- حدَّثنا محمدُ بن العلاءِ ومحمد بن
مكيٍّ المروزيُّ -المعنى- قالا: حدَّثنا ابنُ المبارَك، عن سليمانَ التيمىِّ، عن
أبي عثمانَ -وليس بالنَّهْديِّ- عن أبيهِ عن مَعْقِلِ بن يَسارٍ، قال: قال رسول ﷺ:
«اقرؤوا ﴿يس﴾ على موتاكُم» وهذا لفظ ابن العلاء (٢).
=وقد تابع آدم وعمرو بن عاصم على
روايته كذلك عبد الملك بن قدامة الجمحي عند ابن ماجه (١٥٩٨)، فرواه عن أبيه، عن
عمر بن أبي سلمة، عن أم سلمة، عن أبي سلمة.
وأخرجه من حديث أم سلمة أحمد
(٢٦٦٣٥)، ومسلم (٩١٨) من طريق ابن سفينة مولى أم سلمة، عن أم سلمة.
(١)
إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني.
وأخرجه البخاري (١٢٤١) و(١٢٤٢)،
ومسلم (٩٤٢)، والنسائي (١٨٤١) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٨١)
و(٢٥١٩٩)، و«صحيح ابن حبان» (٦٦٢٠) و(٦٦٢٥) وسيأتي برقم (٣١٤٩) من طريق القاسم بن
محمد و(٣١٥٢) من طريق عروة بن الزبير كلاهما عن عائشة: أن هذا البرد الحبرة إنما
سُجِّي فيه ﷺ ولم يُكفِّن.
قال ابن الأثير في «النهاية»: بُرد
حِبرة، بوزن عِنَبة: على الوصف والأضافة، وهو برد يمانٍ، والجمع حِبَر وحِبَرات.
وقال الحافظ في «الفتح» ٣/ ١١٥: وهي نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن
(٢)
إسناده ضعيف لجهالة أبي عثمان وأبيه. سليمان التيمي: هو ابن طَرْخان، وابن
المبارك: هو عبد الله. وقد أعله ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ٤٩
=
٢٥ - باب الجلوسُ عند المصيبة
٣١٢٢
- حدَّثنا محمدُ بن كثيبر، حدَّثنا
سليمانُ بن كثير، عن يحيى بن سعيدِ، عن عَمْرةَ
عن عائشة، قالت: لما قُتل زيدُ بن
حارثةَ وجعفرٌ وعبدُ الله بن رَوَاحةَ، جلس رسولُ الله ﷺ في المسجد يُعرَف في وجهه
الحزنُ، وذكر القصةَ (١).
= بالاضطراب وبجهالة أبي عثمان وجهالة
أبيه كذلك، وقال الدارقطني كما في «تلخيص الحبير» ٢/ ١٠٤: هذا حديث ضعيف الإسناد،
مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٤٨)، والنسائي في
«الكبرى» (١٠٨٤٦) من طريق عبد الله ابن المبارك، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (١٠٨٤٧) من طريق
معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن رجل، عن أبيه، عن معقل بن يسار.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٣٠١)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٠٢).
وفي الباب عن صفوان بن عمر
والسَّكْسَكِىّ، قال: حدثني المشيخة أنهم حضروا غُضيف بن الحارث الثُّمالي حين
اشتد سَوقُه، فقال: هل منكم أحدٌ يقرأ ﴿يس﴾؟ قال: فقرأها صالح بن شُريح
السَّكُوني، فلما بلغ أربعين منها قُبض، قال: وكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند
الميت خُفّف عنه بها. قال صفوان: وقرأها عيسى بن المَعْمَر، عند ابن معبد.
أخرجه أحمد (١٦٩٦٩)، وابن سعد في
«طبقاته» ٧/ ٤٤٣ وهو أثر إسناده حسن وغضيف صحابي، وجهالة المشيخة لا تضر، لأنهم
جمع.
ومعنى «على موتاكم» أي: الذين حضرهم
الموت.
(١)
إسناده صحيح. عمرة: هي بنت عبد الرحمن.
وأخرجه ضمن حديث مطول البخاري
(١٣٠٥)، ومسلم (٩٣٦)، والنسائي (١٨٤٧) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، به.
=
٢٦ - بادٍ في تعزية النساء وكراهةِ
بُلوغهن إلى القبور
٣١٢٣
- حدَّثنا يزيدُ بن خالدِ بن عَبدِ
الله بن مَوهَبٍ الهَمْداني، حدَّثنا المُفضَّل، عن ربيعةَ بن سَيفٍ المَعافِريِّ،
عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيِّ
عن عَبد الله بن عَمرو بن العاص،
قال: قَبَرْنا مع رسول الله ﷺ-يعني ميتًا-، فلما فرغْنا انصرفَ رسولُ الله ﷺ
وانصرفنا معه، فلما حاذى بابَه وقف فإذا نحن بامرأة مُقبِلةِ، قال: أظنه عرفها،
فلما ذهبتُ إذا هي فاطمة فقال لها رسولُ الله ﷺ: «ما أخرجَك يا فاطمةُ من بيتِك؟»
قالت: أتيتُ يا رسول الله أهْلَ هذا البيت فرحَّمْتُ إليهم ميتَهم، أو عزيتُهم به،
فقال لها رسول الله ﷺ «فلعلَّك بَلغتِ معهم الكُدَى» قالت: معاذ الله! وقد سمعتك
تذكر فيها ما تذكر، قال: «لو بلغتِ معهم الكُدَى» فذكر تشديداَ في ذلك.
فسألت ربيعةَ عن الكُدى، فقال؟
القبور فيما أحسب (١).
= وهو في مسند أحمد«(٢٤٣١٣١)، و»صحيح
ابن حبان«(٣١٤٧) (٣١٥٥).
وقوله: وذكر القصة، وتمام القصة كما
في رواية البخاري (١٢٩٩): وأنا انظر من سائر الباب: شقَّ الباب، فأتاه رجل فقال:
إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب، ثم أتاه الثانية لم يطعنه
فقال:»انههن«فأتاه الثالثة. قال: والله غلبننا يا رسول الله، فزَعَمَتْ أنه
قال:»فاحث في أفواهن التراب«فقلت: أرغم الله أنفك لم تفعل ما أمرك رسول الله ﷺ،
ولم تترك رسول الله ﷺ من العناء.
(١)
إسناده ضعيف. ربيعة بن سيف المعافري -وهو ابن ماتع- قال البخاري وابن يونس: عنده
مناكير، وقال البخاري أيضًا في»الأوسط«: روى أحاديث لا يتابع عليها. وضعفه الأزدي
عندما روى له هذا الحديث فيما ذكره الذهبي في»الميزان«، وضعفه النسائي
في»السنن" ٤/ ٢٧، وفي قول آخر له؟ لا بأس به، وقال الدارقطني:
=
٢٧ - باب الصبر على المصيبةِ
٣١٢٤/
١
- حدَّثنا محمدُ بن المثنَّى، حدَّثنا
عثمانُ بن عمر، حدَّثنا شعبةُ، عن ثابتٍ عن أنس، قال: أتى نبيُّ الله ﷺ على امرأةٍ
تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: «اتقي الله واصبري» فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟
فقيل لها: هذا رسول الله ﷺ فأتتْه، فلم تجدْ على بابه بَوّابِين، فقالت: يا رسول
الله، لم أعرفْك، فقال: «إنما الصبرُ عندَ الصّدْمةِ - أو عندَ أوَّل صدمة» (١).
= صالح، وذكره ابن حبان في «الثقات»،
وقال: كان يخطىء كثيرًا. المفضَّل: هو ابن فضالة، وأبو عبد الرحمن الحبُلي: هو عبد
الله بن يزيد المعافري.
وأخرجه النسائي (١٨٨٠) من طريق سعيد
بن أبي أيوب، عن ربيعة بن سيف، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٥٧٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٧٧).
قال الخطابي: الكُدَى، جمع الكُدْية،
وهي القطعة الصُّلْبة من الأرض، والقبور إنما تُحفَرُ في المواضع الصُّلْبة لئلا
تنهارَ، والعربُ تقول: ما هو إلا ضبُّ كُدية، إذا وصفوا الرجل بالدهاء والإرب،
ويقال: أكدى الرجلُ: إذا حفر فافضى إلى الصلابة؟ ويضرب به المثل فيمن أخفق، فلم
ينجح في طَلِبتِه.
(١)
إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البُناني؟ وشعبة: هو ابن الحجاج، وعثمان بن عمر:
هو ابن فارس العبْدي.
وأخرجه البخاري (١٢٥٢) و(١٢٨٣)،
ومسلم (٩٢٦)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٨٤٠) من طريق شعبة بن الحجاج، به. ورواية
البخاري الأولى مختصرة إلى قوله ﷺ: «واصبري» وإحدى روايات مسلم مختصرة بقوله
ﷺ:«الصبر عند الصدمة الأولى».
وهو في «مسند أحمد» (١٢٤٥٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٨٩٥).
وأخرجه الترمذي (١٠٠٩)، والنسائي في
«الكبرى» (٢٠٠٨) من طريق شعبة؟ به. مختصرًا بلفظ: «الصبر عند الصدمة الأولى».
=
٣١٢٤/ ٢ - حدَّثنا محمد بن المُصفّى، حدَّثنا بقيّةُ، عن
إسماعيلَ بن عياشٍ، عن عاصم بن رجاء بن حيوةَ، عن أبي عمران، عن أبي سلّام الحبشي،
عن ابن غنم عن أبي موسى، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «الصبر رضًا» (١).
= وقولها: وما تبالي أنت بمصيبتي، ولفظ
البخاري: إليك عني لم تصب بمصيبتي، ولمسلم: ما تبالي بمصيبتي، وقوله ﷺ: «إنما
الصبر عند الصدمة الأولى» المعنى: إذا وقع الثبات في أول شيء يهجم على القلب من
مقضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر. وأصل الصدم: ضرب الشيء
الصلب بمثله، فاستعير للمصبة الواردة على القلب.
قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي
يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على الأيام
يسلو، وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة، لأنها ليست من صنعه،
وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره. وقال ابن بطال: أراد أن لا يجتمع عيها مصيبة
الهلاك وفقد الأجر.
قال الحافظ: في هذا الحديث من
الفوائد، منها ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل ومسامحة
المصاب، وقبول اعتذاره، وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومنها أن القاضي لا ينبغي أن يتخذ من
يحجبه عن حوائج الناس.
ومنها أن الجزع من المنهيات لأمره
لها بالتقوى مقرونًا بالصبر. ولأبي يعلى (٦٠٦٧) من حديث أبي هريرة أنها قالت: يا
عبد الله إني أنا الحرى الثكلى، ولو كنت مصابًا عذرتني.
(١)
إسناده ضعيف لضعف بقية -وهو ابن الوليد- وتدليسه، وضعف عاصم بن رجاء. أبو عمران:
هو الأنصاري الشامي، وأبو سلّام الحبشي: اسمه مَمْطور، وابن غَنْم: هو عبد الرحمن.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الرضا عن
الله وقضائه» (٣) من طريق محمد بن المصفى، بهذا الإسناد.
تنيه: هذا الحديث أثبتناه من (أ)
وأشار هناك إلى أنه من رواية ابن العبد.
٢٨ - باب في البكاء على الميت
٣١٢٥
- حدَّثنا أبو الوليدِ الطيالسيُّ،
حدَّثنا شعبةُ، عن عاصمٍ الأحولِ، سمعتُ أبا عثمانَ
عن أسامة بن زيد: أن بِنْتًا لرسولِ
الله ﷺ أرسلتْ إليه وأنا معه وسعْدٌ، وأحسب أُبَيًّا: أنَّ ابني أو ابنتي قد
حُضِرَ فاشهد، فأرسلَ يقرأُ السلامَ، وقال: «قُلْ: لله ما أخذ، وما أعطى، وكل شيء
عنده إلى أجَلٍ» فأرسلتْ تُقْسِم عليه، فأتاها، فوُضعَ الصبيُّ في حَجْر رسولِ
الله ﷺ ونفسُه تَقَعْقَعُ، ففاضت عينا رسولِ الله ﷺ، فقال له سعْد: ما هذا؟ فقال:
«إنها رحمةٌ، وضَعَها الله في قلوبِ من يشاء، وإنما يرحَمُ الله من عباده
الرُّحَماءَ» (١).
٣١٢٦
- حدَّثنا شيبانُ بن فَرُّوخٍ، حدَّثنا
سليمانُ بن المغيرةِ، عن ثابت البُنَانيِّ عن أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله ﷺ
«وُلِدَ لي اللّيْلةَ غُلامٌ فسميتُه باسم أبي إبراهيم» فذكر الحديث، قال أنس: لقد
رأيته
(١) إسناده صحيح. أبو عثمان: هو عبد الرحمن
بن ملّ النَّهْدي، وعاصم الأحول: هو ابن سُليمان، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام
بن عبد الملك.
وأخرجه البخاري (١٢٨٤)، ومسلم (٩٢٣)،
وابن ماجه (١٥٨٨)، والنسائي (١٨٦٨) من طريق عاصم بن سليمان الأحول، بهذا الإسناد.
وهو في مسند أحمد«(٢١٧٧٦)، و»صحيح
ابن حبان«(٤٦١) و(٣١٥٨).
قال ابن الأثير في»النهاية«:»ونفسُه
تَقَعْقَعُ " أي: تضطرب وتتحرك، أراد كلما صار إلى حالٍ لم يَلْبَث أن ينتقل
إلى أخرى من الموت.
قلنا: وفي هذا بيان أن مجرد البكاء
ليس بحرام، وإنما المحرم النوح والندب وشق الجيوب ولطم الخدود، وانظر (٣١١١).
يَكيدُ بنفسِه بين يدي رسولِ الله ﷺ
فدمَعتْ عينا رسول الله ﷺ، فقال: «تَدمَعُ العينُ، ويَحزنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا
ما يَرضَى رَبُّنَا، إنا بكَ يا إبراهيم لمحزونونَ» (١).
٢٩
- باب في
النَّوْحِ
٣١٢٧
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ
الوارث، عن أيوبَ، عن حفصةَ عن أُم عطيةَ، قالت: إن رسولَ الله ﷺ نهانا عن
النِّيَاحة (٢).
(١) إسناده صحيح. ثابت البناني: هو ابن أسلم.
وأخرجه مسلم (٢٣١٥) عن هدّاب بن خالد
وشيبان بن فروخ، بهذا الإسناد.
وقد علقه البخاري بإثر الحديث (١٣٠٣)
بصيغة الجزم عن سليمان بن المغيرة.
وأخرجه بنحوه البخاري (١٣٠٣) من طريق
قريش بن حيَّان، عن ثابت، عن أنس. دون ذكر إخبار النبي ﷺ بولادة إبراهيم.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٠١٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٩٠٢).
قال ابن الأثير في «النهاية»: «يكيد
بنفسه» أي: يجود بها، يريد النَّزع، والكَيْد السَّوق.
قال ابن بطال وغيره: هذا الحديث يفسر
البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر
الله.
(٢)
إسناده صحيح. حفصَة: هي بنت سيرين، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني وعبد
الوارث: هو ابنُ سعيد العنْبري، ومُسدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَد.
وأخرجه ضمن قصة البخاري (٤٨٩٢)
و(٧٢١٥) من طريق عبد الوارث بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه مسلم (٩٣٦) من طريق
هشام بن حسان، ومسلم (٩٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (١١٥٢٣) من طريق عاصم الأحول،
كلاهما عن حفصة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٧٩١)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٤٥).
وأخرجه بنحوه البخاري (١٣٠٦)، ومسلم
(٩٣٦) والنسائي في «المجتبى» (٤١٨٠) من طريق محمد بن سيرين، عن أم عطية.
٣١٢٨ - حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى، أخبرنا
محمدُ بن ربيعةَ، عن محمدِ بن الحَسن بن عطيةَ، عن أبيه، عن جده
عن أبي سعيد الخدريِّ، قال: لعنَ
رسولُ الله ﷺ النائحةَ والمستمِعةَ (١).
(١) إسناده ضعيف لضعف محمد بن الحسن بن عطية
-وهو ابن سعد العَوْفي- وأبيه وجدِّه، وقد قال البخاري في «تاريخه الكبير» ١/ ٦٦
في ترجمة محمد بن الحسن ابن عطية: لم يصح حديثه. وقال أبو حاتم فيما نقله عنه
ابنُه في «العلل» ١/ ٣٦٩: هذا حديث منكر، ومحمد بن الحسن بن عطية وأبوه وجده ضعفاء
الحديث، وكذلك ضعفه المنذري في «مختصر السنن» بهؤلاء الثلاثة، وابنُ الملقن في
«البدر المنير» ٥/ ٣٦٢ ضعف طرق هذا الحديث.
وأخرجه أحمد (١١٦٢٢)، والبخاري في
«تاريخه الكبير» ١/ ٦٦، والبيهقي ٤/ ٦٣، وابن عبد البر في «التمهد» ١٧/ ٢٨١،
والبغوي في «شرح السنة» (١٥٣٦)، والمزي في ترجمة الحَسن بن عطية في «تهذيب الكمال»
من طريق محمد بن الحَسن ابن عطية العوفي، بهذا الإسناد.
وله شاهد من حديث ابن عباس عند
البزار (٧٩٣ - كشف الأستار)، والطبراني في «الكبير» (١١٣٠٩) وفي إسناده جابر
الجُعفي ضعيف، والصباح الفراء أبو عبد الله.
ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
روى عنه الكوفيون.
وآخر من حديث ابن عمر في «المعجم
الكبير» للطبراني، كما في «البدر المنير» لابن الملقن ٥/ ٣٦٢، و«مجمع الزوائد»
للهيثمي ٣/ ١٤ وفي إسناده بقية بن الوليد والحسن بن عطية العوفي. وهما ضعيفان، وقد
تابعهما عفير بن معدان عند أبي أمية الطرسوسي في «مسند عبد الله بن عمر» (٢٠)
فرواه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر. ولكن عُفيرًا ضعيف أيضًا.
وعن أبي هريرة عند ابن عدي في
«الكامل» ٥/ ١٦٨٧ في ترجمة عُمر بن يزيد المدائني، وقال ابن عدي عن أحاديثه، وهذا
منها: غير محفوظة، وقال عن عُمر بن يزيد هذا: منكر الحديث، وضعفه كذلك عبد الحق
الإشبيلي في «أحكامه الوسطى» ٣/ ١٤٢، ووافقه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام»
٣/ ٨٠.
٣١٢٩ - حدَّثنا هنَّادُ بن السَّريِّ، عن
عبدةَ وأبي معاويةَ -المعنى- عن هشامِ ابن عُروةَ، عن أبيه
عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إن الميتَ لَيعذّبُ ببُكاء أهلهِ عليه» فذُكِر ذلك لعائشةَ، فقالت: وَهَلَ -تعني
ابنَ عمر- إنما مَرَّ النبيُّ ﷺ على قبر فقال: «إن صاحبَ هذا ليُعَذَّبُ وأهلُه
يبكون عليه» ثم قرأت: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء:١٥]. قال
عن أبي معاوية: على قبرِ يهوديٍّ (١).
(١) إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن
العوام، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، وعَبْدة: هو ابن سُليمان.
وأخرجه النسائي (١٨٥٥) من طريق عبْدة
بن سُليمان وحده، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣٩٧٨)، ومسلم (٩٣٢)
من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، ومسلم (٩٣١) من طريق حماد بن زيد، و(٩٣٢) من
طريق وكيع بن الجراح، ثلاثتهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذكر عند عائشة رضي
الله عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي ﷺ ... الحديث.
وأخرجه البخاري (١٢٨٦)، ومسلم (٩٢٨)
و(٩٢٩) و(٩٣٠)، والترمذي (١٠٢٦)، والنسائي (١٨٥٨) من طرق عن عبد الله بن عمر. وقد
وقع عند البخاري ومسلم في الموضعين الأول والثاني أن عبد الله بن عباس سمع عمر بن
الخطاب يقول: قال رسول الله ﷺ: «إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه» وأنه ذكر
لعائشة قول عمر، وأنها ردَّت في ذلك على عمر بن الخطاب فقالت: والله ما حدّث رسولُ
الله ﷺ: إن الله ليعذب المزمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله ﷺ قال: «إن الله
ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه». وجاء عند النسائي أن عائشة اعترضت في ذلك
على عمر وابنه عبد الله كليهما. ولم يذكر مسلم قصة اعتراض عائشة في الموضع الثالث.
وهو في «مسند أحمد» (٢٨٨) و(٤٨٦٥)
و(٤٩٥٩) و(٥٢٦٢) و(٦١٨٢) و(٢٤٣٠٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣١٣٦).
وأخرجه دون قصة اعتراض عائشة البخاري
(١٢٩٢)، ومسلم (٩٢٧)، والنسائي (١٨٥٣) من طريق سعيد بن المسيّب، ومسلم (٩٢٧) من
طريق أبي صالح السمان، =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= والنسائي (١٨٤٨) من طريق نافع،
و(١٨٥٠) من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، أربعتهم عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن
الخطاب. فجعلوه من مسند عمر بن الخطاب.
وأخرجه مسلم (٩٣٢)، والترمذي (١٠٢٥)،
والنسائي (١٨٥٦) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن، أنها سمعت عائشة وذكر لها أن ابن
عمر يقول ... الحديث.
قال الخطابي: قد يحتملُ أن يكونَ
الأمرُ في هذا على ما ذهبت إليه عائشة، لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن
يهودي، والخبر المفسَّر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما
رواه ابن عمر صحيحًا من غير أن يكون فيه خلاف الآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم
بالبكاء والنوح عليهم، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم كقول
القائل، وهو طرفة:
إذا مت فانعيني بما أنا أهلُه ...
وشُقي عليَّ الجيبَ يا ابنة معبد
وكقول لبيد:
فقوما فقولا بالذي تعلمانه ...
ولاتخمِشا وجهًا ولاتحلِقا الشعر
وقولا هو المرءُ الذي لا صديقه ...
أضاعَ ولا خان الأمين ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ...
ومن يَبْكِ حولًا كاملًا فقد اعتذر
ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان
كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته،
وقد قال رسول الله ﷺ «من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة
سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها».
وقولها: وهَلَ ابنُ عمر، معناه: ذهب
وهلُه إلى ذلك، يقال: وهل الرجل ووهم بمعنى واحد. كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت:
وهِل، بكسر الهاء كان معناه فزع.
وفيه وجه آخر ذهب إليه بعض أهل
العلم، قال: وتأويله أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها
وجرى من قضاء الله سبحانه فيهم أن يكون عذابهم وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم:
مطرنا بنوء كذا، أي: عند نوء كذا، كذلك قوله: «إن الميت يعذب ببكاء أهله»، أي: عند
بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالًا لا سببًا، لأنا لو جعلناه سببًا
لكان مخالفًا للقرآن، وهو قوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾
[الإسراء:١٥]، والله أعلم. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= قلنا: لكن ابن القيم في «تهذيب
السنن» صوّب ما قاله ابن عمر، وأنه حفظه ولم يُتهم فيه، وأنه قد رواه عن النبي ﷺ
أبوه عمر بن الخطاب، وأنه وافق عمر عليه من حضره من جماعة الصحابة فقد قال ٤/ ٢٩٠
- ٢٩٣: هذا أحد الأحاديث التي ردَّتها عائشة واستدركتها، ووهمت فيه ابن عمر،
والصواب مع ابن عمر، فإنه حفظه ولم يُتهم فيه، وقد رواه عن النبي ﷺ أبوه عمر بن
الخطاب وهو في «الصحيحين»: البخاري (١٢٩٢) ومسلم (٩٢٧) وقد وافقه من حضره من جماعة
الصحابة، كما أخرجاه في «الصحيحين»: البخاري (١٢٩٠) ومسلم (٩٢٧) عن ابن عمر قال:
لما طعن عمر أُغْمي، فصيح عليه، فلما أفاق، قال: أما علمتم أن رسول الله ﷺ قال:
«إن الميت ليعذب ببكاء الحي». وأخرجاه أيضًا [البخاري (١٢٩١)، ومسلم (٩٢٧)] عنه،
عن النبي ﷺ قال: «الميت يُعذب بما نيح عليه».
وأخرجا في «الصحيحين» أيضًا [البخاري
(١٢٩٠)، ومسلم (٩٢٧)] عن أبي موسى، قال: لما أصيب عمر، جعل صهيب يقول: وا أخاه،
فقال له عمر: يا صهيب أما علمت أن رسول الله ﷺ قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي«.
وفي رواية أخرجها ابن سعد في الطبقات
الكبرى، ٣/ ٣٦٢ قال عمر: أما علمت
أن رسول الله ﷺ قال:»من يبك عليه
يُعذبْ«.
وفي: الصحيح» [مسلم (٩٢٧)] عن أنس أن
عمر لما طُعِنَ عولت عليه حفصة، فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: «المعول
عليه يُعذب».
وفي «الصحيحين» [البخاري (١٢٩١)،
ومسلم (٩٣٣)] عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من نيح عليه فإنه يعذب
بما نيح عليه».
فهؤلاء عمر بن الخطاب وابنه عبد الله
وابنته حفصة وصهيب والمغيرة بن شعبة كلهم يروي ذلك عن النبي ﷺ،ومحال أن يكون هؤلاء
كلهم وهموا في الحديث.
والمعارضة التي ظنتها أم المؤمنين رضي
الله عنها بين روايتهم وبين قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾
غير لازمة أصلًا، ولو كانت لازمة، لزم في روايتها أيضًا أن الكافر يزيده الله
ببكاء أهله عذابًا، فإن الله لا يعذب أحدًا بذنب غيره الذي لا تسبب له فيه. ثم ذكر
رحمه الله الطرق التي سلكها العلماء في معنى الحديث. =
٣١٣٠ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ
= أحدها: أن ذلك خاص بمن أوصى أن يناح
عليه، فيكون النوح بسبب فعله، ويكون هذا جاريًا على المتعارف من عادة الجاهلية كما
قال قائلهم:
إذا مت فانعيني بما أنا أهلُه ...
وشقي على الجيبَ يا ابنة معبد
وهو كثير في أشعارهم
...
الثاني: أن ذلك خاص بمن كان النوح من
عادته وعادة قومه وأهله وهو يعلم أنهم ينوحون عليه إذا مات، فإذا لم ينههم كان ذلك
رضا منه بفعلهم، وذلك سبب عذابه، وهذا مسلك الإِمام البخاري في «صحيحه» قبل الحديث
(١٢٨٤)، فإنه ترجم عليه وقال: إذا كان النوح من سننه.
الثالث: أن المراد بالحديث ما يتألم
به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله تعالى يعاقبه ببكاء
الحي عليه، فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره مما يتأذى به
ونحوه، قال النبي ﷺ: «السفر قطعة من العذاب» وليس هذا عذابًا على ذنب، وإنما هو
تعذيب وتألم، فإذا وبخ الميت على ما يناح به عليه لحقه ذلك ألم وتعذيب، ويدل على
ذلك ما روى البخاري في صحيحه (٤٢٦٧) عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن
رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق ما
قلت شيئًا إلا قيل لي: أأنت كذلك؟ وهذا أصح ما قيل في هذا الحديث. ولا ريب أن
الميت يسمع بكاء الحَيِّ ويسمع قرع نعالهم، وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء،
فماذا رأى ما يسوؤهم تالم له، وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم، ولا تعارض
بين ذلك وبين قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ بوجه ما.
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» ٣١/
١٥٥: وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن
تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين.
قلنا: والمراد من البكاء بعضه لا
جميعه وهو النوح، فقد جاءت الرخصة في البكاء عند المصيبة في غير نوح، فقد بكى رسول
الله ﷺ على ابنه إبراهيم، وقال لابن عوف: «إنها رحمة، وإن العين لتدمع والقلب
يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» رواه البخاري (١٣٠٣) وقد بكى رسول الله ﷺ على
عدد من الموتى كما ثبت في الأحاديث الصحيحة انظر تخريجها في التعلبق على «مستدركات
عائشة» ص ١٨٦.
عن يزيدَ بن أوسِ، دخلتُ على أبي
موسى وهو ثقيل، فذهبتِ امرأتُه لتبكيَ، أو تَهُمَّ به، فقال لها أبو موسى: أما
سمعتِ ما قالَ رسولُ الله ﷺ؟ قالت: بلى، قال: فسكتت، فلما مات أبو موسى قال يزيد:
لقيت المرأة فقلت لها: ما قولُ أبي موسى لك: أما سمعتِ قول رسولِ الله ﷺ، ثم
سكتِّ؟ قالت: قال رسولُ الله ﷺ: «ليس منَّا من سَلَقَ، ومن حَلَقَ، ومن خَرَقَ»
(١).
٣١٣١
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حميدُ بن
الأسودِ، حدَّثنا حجاجٌ عاملُ عُمرَ ابن عبد العزيز على الرَّبَذَةِ، قال: حدَّثني
أَسيد بن أبي أَسيد
(١) حديث صحيح. يزيد بن أوس - وإن كان
مجهولًا قد توبع. إبراهيم: هو ابن يزيد النخعي ومنصور: هو ابن المعتمر، وجرير: هو
ابن عبد الحميد.
وأخرجه النسائي (١٨٦٥) من طريق شعبة
عن منصور بن المعتمر بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (١٨٦٦) من طريق
إسرائيل بن يونس السبيعي عن منصور، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن أم عبد الله
امرأة أبي موسى، عن أبي موسى.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٠٤) وابن ماجه
(١٤٨٧) و(١٥٨٦)، والنسائي (١٨٦٣) و(١٨٦٧) من طرق عن أبي موسى الأشعري. وعلقه
البخاري في «صحيحه» (١٢٩٦) بصيغة الجزم.
قال المناوي في «فيض القدير» ٥/ ٣٨٦:
«ليس منا» أي: ليس من أهل سنتنا، أي: ليس على ديننا، يريد أنه خرج من فرع من فروع
الدين، وإن كان أصله معه.«من سَلَقَ» بقاف، أي: رفع صوته في المصيبة بالبكاء، ولا
«من حلق» أي: شعره حقيقة أو قطعه، ولا «من خرق» ثوبًا جزعًا على الميت، قال أبو
حاتم؟ سلقت المرأة وصلقت، أي: صاحت، وأصله رفع الصوت، قال ابن العربي: كان مما
تفعله الجاهلية وقوف النساء متقابلات وضربهن خدودهن وخمشهن وجوههن، ورمي التراب
على رؤوسهن، وصياحهن، وحلق شعورهن، وكل ذلك للحزن على الميت، فلما جاء الله بالحق
على يد محمد قال: «ليس منا ...» إلخ. ولذلك سمي نوحًا، لأجل التقابل الذي فيه على
المعصية، وكل متناوحين متقابلين، لكنهما خُصا وعرفا بذلك.
عن امرأةٍ من المبايعات، قالتْ: كان
فيما أخذَ علينا رسولُ الله ﷺ في المعروفِ الذي أخذ علينا أن لا نعصيَه فيه: أن لا
نَخْمِشَ وجهًا، ولا ندعوَ ويْلًا، ولا نَشُقَّ جَيبًا، ولا نَنشُرَ شعرًا (١).
٣٠
- باب صنعة
الطعام لأهل الميت
٣١٣٢
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
حدَّثنا جعفرُ بن خالد، عن أبيه
عن عبد الله بن جعفر، قال: قال رسولُ
الله ﷺ: «اصنعوا لألِ جَعْفَرٍ طعامًا، فإنه قد أتاهم أمرٌ يَشغَلُهم» (٢).
(١) إسناده حسن. الحجاج -وهو ابن صفوان
المدني- وأسيد بن أبي أسيد وحميد بن الأسود، هؤلاء الثلاثة صدوقون.
وأخرجه ابن سعد ٨/ ٧، وابن أبي حاتم
في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» ٨/ ١٢٨، والطبراني في «الكبير» ٢٥/ (٤٥١)،
والبيهقي في «السنن الكبرى» ٤/ ٦٤ من طريق الحجاج بن صفوان، به.
(٢)
إسناده حسن من أجل خالد -وهو ابن سارة المخزومي-، فقد روى عنه ابنه جعفر وعطاء بن
أبي رباح، وهما ثقتان، وذكره ابن حبان في طالثقات«، وحسن له الترمذي حديثه هذا،
وصححه الحاكم ١/ ٣٧٢، والضياء المقدسي في»المختارة«٩/ (١٤١)، وابن الملقن في»البدر
المنير«٥/ ٣٥٥، ونقل أن ابن السكن ذكره في»سننه الصحاح«وقال الذهبي في»الميزان«في
ترجمته: يكفيه أنه روى عنه أيضًا عطاء. سفيان: هو ابن عيينة. ومُسدَّد: هو ابنُ
مُسرهَد.
وأخرجه ابن ماجه (١٦١٠)، والترمذي
(١٠١٩) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(١٧٥١).
وفي الباب عن أسماء بنت عميس عند ابن
ماجه (١٦١٠)، وهو حسن لغيره.
قال المنذري في»مختصر السنن":
قال الشافعي: وأُحبُّ لقرابة الميت أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعامًا
يُشبعهم. وقال غيره بعد ذكر الحديث: ولأن ذلك من البر والتقرب إلى الأهل والجيران،
فكان مستحَبًا. =
٣١ - باب الشهيد يغسل
٣١٣٣
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدِ، حدَّثنا
مَعْنُ بن عيسى (ح)
وحدَّثنا عُبيد الله بن عُمر
الجُشَميُّ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن طَهمَان، عن أبي الزبير
عن جابر، قال: رُمي رجل بسهمٍ في
صَدرِه، أو في حلْقِه، فمات، فأُدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسولِ الله ﷺ
(١).
٣١٣٤
- حدَّثنا زيادُ بن أيوبَ وعيسى بن
يونُس الطَّرَسوسي، قالا: حدَّثنا عليُّ بن عاصمٍ، عن عطاءِ بن السائبِ، عن سعيدِ
بن جُبَيرٍ
عن ابن عباس، قال: أمر رسولُ الله ﷺ
بقتلى أُحُدِ أن يُنزعَ عنهم الحديدُ والجلودُ، وأن يُدْفَنُوا بدمائِهم وثيابِهم
(٢). وهذا لفظ زياد.
= وقال المناوي في «فيض القدير» ١/
٥٣٤: قال ابن الأثير: أراد اطبخوا واخبزوا لهم، فيندب لجيران الميت وأقاربه
الأباعد صنع ذلك ويحلفون عليهم في الأكل، ولا يندب فعل ذلك لأهله الأقربين، لأنه
شرع في السُّرور لا في الشُّرور، فهو بدعة قبيحة كما قاله النووي وغيره.
ونقل المناوي عن القرطبي أنه قال:
الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام والمبيت عندهم، كل ذلك من فعل الجاهلية،
قال: ونحو منه الطعام الذي يصطنِعُه أهلُ الميت في اليوم السابع، ويجتمع له الناس،
يريدون به القربة للميت، والترحم عليه، وهذا لم يكن فيمن تقدم، ولا ينبغي للمسلمين
أن يقتدوا بأهل الكفر، وينهى كل إنسان أهله عن الحضور لمثل هذا، وشبهه من لطم
الخدود وشق الجيوب واستماع النوح.
(١)
رجاله ثقات، لكن أبا الزبير -وهو محمد بن مُسلم بن تدرُس المكي- لم يصرح بسماعه من
جابر.
وهو في مشيخة ابن طهمان«(٣٦)، ومن
طريقه أخرجه أحمد (١٤٩٥٢)، والبيهقي في»السنن الكبرى" ٤/ ١٤.
وانظر ما سيأتي برقم (٣١٣٨).
(٢)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف. علي بن عاصم سىء الحفظ. =
٣١٣٥ - حدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا ابن
وهْب. وحدَّثنا سليمانُ بن داود المَهْرِيُّ، أخبرنا ابن وهْب -وهذا لفظه- أخبرني
أسامةُ بن زيد الليثيُّ، أن ابن شهابِ أخبره
أن أنس بن مالك حدَّثه: أن شهداءَ
أُحدٍ لم يُغسَّلُوا، ودفنوا بدمائِهم، ولم يُصَلَّ عليهم (١).
= وأخرجه ابن ماجه (١٥١٥) من طريق علي
بن عاصم، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢١٧).
ويشهد له حديث أنس الآتي بعده.
وحديث جابر الآتي برقم (٣١٣٨).
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات غير أسامة بن زيد اليثي فهو صدوق، وقد أخطأ في
رواية هذا الحديث، كما قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» ١/
٤١١.
وحديث أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن
أنس غير محفوظ، غلط فيه أسامة بن زيد، وقال عبد الله بن كعب: عن جابر بن عبد الله
في شهداء أحد، وهو حديث حسن. قلنا: حديث جابر هذا رواه البخاري (١٣٤٣) وغيره من
طريق الزهري، عن
عبد الرحمن بن كعب - وهو الحديث
الآتي عند المصنف برقم (٣١٣٨).
وهو في «مسند أحمد» (١٢٣٠٠)، و«شرح
مشكل الآثار» (٤٠٥٠) و(٤٩١٢). وانظر تالييه.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن»:
وهؤلاء رأوا أن الغسل لم يأت فيه شيء يُعارض حديث جابر في قتلى أحد، وأما الصلاة
عليهم، فقد أخرجا في «الصحيحين» [البخاري (١٣٤٤)، ومسلم (٢٢٩٦)] عن عقبة بن عامر:
أن النبي ﷺ خرج يومًا،
فصلى على أهل أحد صلاته على الميت.
[وسياتي عند المصنف برقم (٣٢٢٣)].
وحديث أنس: أن النبي ﷺ صلَّى على
حمزة.
وحديث أبي مالك الغفاري قال: كان
قتلى أحد يؤتى منهم بتسعة وعاشرهم حمزة، فيُصلِّي عليهم رسولُ ﷺ، ثم يحملون، ثم
يؤتى بتسعة فيصلي عليهم وحمزة =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= مكانه، حتى صلَّى عليهم رسول الله ﷺ
هذا مرسل صحيح. ذكره البيهقي، وقال: هو أصح ما في الباب.
وروى أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن
أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أنه صلَّى عليهم. رواه البيهقي، وقال: لا يحفظ
إلا من حديثهما، وكانا غير حافظين، يعني أبا بكر ويزيد بن أبي زياد.
وقد روى ابن إسحاق، عن رجل من
أصحابه، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ صلَّى على حمزة، فكبر سبع تكبيرات، ولم
يؤت بقتيل إلا صلَّى عليه معه، حتى صلَّى عليه اثنتين وسبعين صلاة. ولكن هذا
الحديث له ثلاث علل: إحداها: أن ابن إسحاق عنعنه، ولم يذكر فيه سماعًا، والثانية:
أنه رواه عمن لم يسمّه، الثالثة: أن هذا قد روي من حديث الحسن بن عُمارة، عن
الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، والحسن لا يحتج به. وقد سئل الحكم: أصلى النبي ﷺ على
قتلى أُحد؟ قال: لا. سأله شعبة.
وقد روى أبو داود عن أبي سلام، عن
رجل من أصحاب النبي ﷺ وفيه: فصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا رسول الله، أشهيد هو؟
قال: «نعم، وأنا له شهيد» وقد تقدم.
قالوا: وهذه آثار يقوي بعضها بعضا،
ولم يختلف فيها، وقد اختُلف في شهداء أحد. فكيف يؤخذ بما اختُلف فيه، وتترك هذه
الآثار؟ والصواب في المسألة: أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل
واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وهي الأليق بأصوله ومذهبه.
والذي يظهر من أمر شهداء أحد: أنه لم
يصل عليهم عند الدفن، وقد قتل معه بأُحد سبعون نفسًا، فلا يجوز أن تخفى الصلاة
عليهم.
وحديث جابر بن عبد الله في ترك
الصلاة عليهم صحح صريح، وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذٍ، فله من الخبرة ما ليس
لغيره.
وقد ذهب الحسن البصري وسعيد بن
المسيب إلى أنهم يغسَّلون ويُصلى عليهم.
وهذا تردُّة السنة المعروفة في ترك
تغسيلهم.
فأصح الأقوال: أنهم لا يُغسَّلون،
ويخيَّر في الصلاة عليهم. وبهذا تتفق جميع الأحاديث، وبالله التوفيق.
=
٣١٣٦ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا زيدٌ -يعني ابن الحُباب- وحدَّثنا قتيبةُ بن سعيد، حدَّثنا أبو صفوانَ
-يعني المَروانيَّ- عن أسامةَ، عن الزهريِّ
عن أنس -المعنى-: أن رسول الله ﷺ
مَرَّ على حمزة وقد مُثِّلَ به، فقال: «لولا أن تَجِدَ صفيةُ في نفسِها لتركْتُهُ
حتى تأكلَهُ العافيةُ حتى يُحشَرَ من بطونها»، وقَلَّتِ الثياب وكثُرَتِ القتْلى،
فكان الرجلُ والرجلان والثلاثةُ يُكفَّنون في الثوب الواحد، زاد قتيبةُ: ثم
يُدفَنون في قبرِ واحدٍ، وكان رسولُ الله ﷺ يسأل عنهم: «أيهم أكثرُ قرآنًا؟»
فيقدِّمه إلى القبلةِ (١).
٣١٣٧
- حدَّثنا عباسٌ العَنْبَريُّ، حدَّثنا
عثمانُ بن عمرَ، حدَّثنا أسامةُ، عن الزهريِّ
= وانظر لزامًا تعليقنا على الحديث
الآتي برقم (٣٢٢٣).
قلنا: وفي الباب حديث شداد بن الهاد
عند النسائي (٢٠٩١) أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي ﷺ فآمن به واتبعه، ثم قال:
أهاجر معك ... فلبثوا قليلًا ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي ﷺ قد أصابه سهم
... ثم كفنه النبي ﷺ في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه ... وإسناده صحيح وعن عبد الله
بن الزبير عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» بسند حسن ١/ ٥٠٣ أن رسول الله ﷺ أمر
يوم أحد بحمزة فسجى ببردة ثم صلَّى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يصفون
ويُصلي عليهم وعليه معهم.
(١)
صحيح لغيره كسابقه. أسامة: هو ابن زيد الليثي، وأبو صفوان: هو عبد الله ابن سعيد
الأُموي.
وأخرجه الترمذي (١٠٣٧) عن قتيبة بن
سعيد، بهذا الإسناد. وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا
الوجه. ثم قال نحو كلام البخاري الذي نقله هو عنه في «العلل الكبير» ١/ ٤١١.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٣٠٠)، و«شرح
مشكل الآثار» (٤٠٥٠) و(٤٩١٢).
عن أنس: أن النبيَّ ﷺ مَرَّ بحمزةَ
وقد مُثِّلَ به، ولم يصلِّ على أحدٍ من الشهداء غيرِه (١).
٣١٣٨
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيد ويزيدُ بن
خالد بن مَوْهَبٍ، أن الليث، حدَّثهم، عن ابن شهابٍ، عن عبد الرحمن بن كعْب بن
مالكِ
أن جابر بن عبد الله أخبره: أن رسولَ
الله ﷺ كان يجمعُ بين الرجلين من قَتْلَى أُحدٍ، ويقول: «أيهما أكثر أخذًا
للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدَمه في اللحدِ، وقال: «أنا شهيدٌ على هؤلاء
يوم القيامة»، وأمر بدفنهم بدمائِهم ولم يُغَسّلهم (٢).
(١) صحيح لغيره كسابقيه دون قوله: «لم يصلِّ
على أحل من الشهداء غيره» فقد قال الدارقطني في «سننه» بإثر الحديث (٤٢٠٥): لم يقل
هذا اللفظ غير عثمان بن عمر: ولم يصل على أحد من الشهداء غيره. وليست محفوظة. وقد
سبق في الحديث (٣١٣٥) تعليل البخاري أيضًا لرواية أسامة بن زيد الليثي. قلنا:
عثمان بن عمر: هو ابن فارس العبْدي.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٣/ ١٤ -
١٥، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٩١٣)، وفي «شرح معاني الآثار» ١/ ٥٠٢ - ٥٠٣،
والدارقطني (٤٢٠٥) و(٤٢٠٦)، والحاكم ١/ ٣٦٥ و٣/ ١٩٦، والبيهقي ٤/ ١٠، وابن الجوزي
في «التحقيق» (٨٧٢) من طريق عثمان بن عمر بن فارس، وابن سعد في «الطبقات» ٣/ ١٤ -
١٥، والحاكم ١/ ٣٦٥ من طريق روح بن عبادة، كلاهما عن أسامة بن زيد الليثي، به. وقد
حمل الحاكم لفظ رواية روح عن لفظ رواية عثمان بن عمر، وإنما اللفظ لفظ عثمان ابن
عمر. ويؤيد ذلك أن ابَن سعدٍ أخرج الحديث في «الطبقات»الكبرى" ٣/ ١٤ - ١٥، عن
عثمان بن عمر وروح بن عبادة وزيد بن الحباب، عن أسامة بن زيد، به، فلم يذكر هذه
اللفظة في روايته.
(٢)
إسناده صحيح. ابن شهاب: هو الزهري، والليث: هو ابن سعد. =
٣١٣٩ - حدَّثنا سليمانُ بن داود
المَهْرِيُّ، حدَّثنا ابن وُهْبِ عن الليث، بهذا الحديث بمعناه، قال: يجمع بين
الرجلين من قتلى أُحد في ثوبٍ واحدٍ (١).
٣٢
- باب في
ستر الميت عند غسله
٣١٤٠
- حدَّثنا علي بن سهْل الرَّمْليُّ،
حدَّثنا حجاجٌ، عن ابن جُرَيجِ، قال: أُخبِرْتُ عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن
ضَمْرة
عن علي، أن النبي ﷺ قال: «لا تُبْرِز
فخذِكَ، ولا تَنْظُرَنَّ إلى فخذِ حيٍ ولا ميتٍ» (٢).
= وأخرجه البخاري (١٣٤٣)، وابن ماجه
(١٥١٤)، والترمذي (١٠٥٧)، والنسائي (١٩٥٥) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان (٣١٩٧).
وانظر ما بعده.
(١)
إسناده صحيح كسابقه. ابن وهب: هو عبد الله.
(٢)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. قال أبو حاتم الرازي فيما نقله عنه ابنه
في»العلل«٢/ ٢٧١: ابن جريج لم يسمع هذا الحديث بهذا الإسناد من حبيب، إنما هو من
حديث عمرو بن خالد الواسطي، ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم، فأرى أن ابن جريج أخذه
من الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب، والحسن بن ذكوان وعمرو بن خالد
ضعيفا الحديث. قلنا: في رواية أبي داود هذه البيان صراحة بعدم سماع ابن جريج هذا
الحديث من حبيب. وحجاج -وهو ابن محمد- من أعرف الناس بحديث ابن جريج كما قال
الحافظ في»تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب«٢/ ١١٩.
وقد صرح أيضًا بعدم صحة سماع حبيب بن
أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة، أبو داود كما في»سؤالات الآجرى«(١٣٤) - وحكاه هنا بإثر
الحديث عن سفيان الثوري -، والدارقطني فيما حكاه عنه العلائي في»جامع
التحصيل" ص ١٩٠. وستكرر هذا الحديث برقم (٤٠١٥)، وقال بإثره أبو داود: هذا
الحديث فيه نكارة. وكأن قول أبي داود الوارد هنا يفسر هذه النكارة.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه إسحاق بن راهوية في «مسنده»
كما في «المختارة» للضياء المقدسي بإثر (٥١٥)، وأخرجه ابن ماجه (١٤٦٠) عن بشر بن
آدم، كلاهما (ابن راهويه وبشر) عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، به.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته
على «المسند» لأبيه (١٢٤٩) وأبو يعلى (٣٣١)، والضياء (٥١٦) من طريق عُبيد الله بن
عُمر القَواريري، عن يزيد بن عبد الله أبي خالد البَيْسري، عن ابن جريج، أخبرني
حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، به. فوقع في روايته التصريح بسماع ابن جريج من
حبيب. ويزيد بن عبد الله البيسَري لا يُعتد بمخالفته لمثل حجاج بن محمد المصيصي
الذي يعدُّ من أعرف الناس بحديث ابن جريج، فلا يقبل التصريح الذي في روايته.
وقد وقع التصريح كذلك بسماع ابن
جُريج من حبيب عند إسماعيل بن محمد الصفار في «جزء له» برواية أبي عمر عبد الواحد
بن محمد الفارسي ضمن «مجموع مصنفات الأصم والصفار»، ومن طريق ابن حجر في «تخريج
أحاديث مختصر ابن الحاجب» ٢/ ١١٨، والهيثم بن كليب الشاشي في «مسنده» كما في
«التلخيص الحبير» ١/ ٢٧٩، ومن طريقه الضياء المقدسي في «المختارة» (٥١٥)، وابن حجر
في «تخريج أحاديث المختصر» ٢/ ١١٨، كلاهما (إسماعيل الصفار والهيثم بن كليب) عن
محمد ابن سعد العوفي، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، حدثني حبيب، به. ومحمد بن سعد
العوفي قال فيه الخطيب: كان لينًا في الحديث، وقال الدارقطني: لا بأس به، قلنا:
فمثله لا يعتدُّ بمخالفته لمثل حجاج بن محمد المصيصي، كيف وقد روى هذا الحديثَ
إسحاقُ بن راهويه وبشر بن آدم -وهما ثقتان- كما تقدم عن روح بن عبادة دون تصريح
ابن جريج بالسماع من حبيب، وإنما روياه بالعنعنة!!
وسيتكرر عند المصنف برقم (٤٠١٥)،
وقال بإثره هناك: فيه نكارة.
وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن
عمرو بن العاص وجرهد الأسلمي ومحمد ابن عبد الله بن جحش ذكرناها في «المسند»
(١٢٤٩) وابن حبان (١٧١٠) وإن كانت لا تخلو أسانيدها من مقال يشدُّ بعضها بعضًا.
ومذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة
ومالك وأكثر أهل العلم أن الفخذ عورة.
انظر «شرح السنة» للبغوي ٩/ ٢٠،
و«المغني» لابن قدامة ١/ ٢٨٣ - ٢٨٤، و«مواهب الجليل» ١/ ٥٩٨، و«عمدة القاري» ٤/ ٨٥
- ٨١.
قال أبو داود: وكان سفيان ينكر أن
يكون حبيب بن أبي ثابت روى عن عاصم شيئًا (١).
٣١٤١
- حدَّثنا النُّفَيليُّ، حدَّثنا محمد
بن سلمة، عن محمد بن إسحاقَ، حدَّثني يحيى بن عبَّادٍ، عن أبيه عباد بن عبد الله
بن الزبير، قال:
سمعت عائشة تقول: لما أرادُوا غسلَ
النبي ﷺ قالوا: والله ما ندري أنُجَرِّدُ رسولَ الله ﷺ من ثيابه كما نُجرِّد
موتانا أم نغسله وعليه ثيابُه؟ فلمَّا اختلفُوا ألقى الله عز وجل عليهم النومَ حتى
ما منهم رجل إلا وذَقْنُهُ في صدرهِ، ثم كلَّمَهم مُكلِّم من ناحيةِ البيت لا
يدرُونَ مَن هو: أن اغسِلوا النبي ﷺ وعليه ثيابُه، فقامُوا إلى رسولِ الله ﷺ
فغَسلوه وعليه قميصُه يصبُّون الماءَ فوق القميصِ، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم،
وكانت عائشةُ تقول: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غسلَه إلا نساؤه (٢).
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ)
وأشار إلى أنها من رواية ابن العبد.
(٢)
إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي مولاهم- وقد صرح بالتحديث
فانتفت شبهة تدليسه. النُّفَيليُّ: هو عبد الله بن محمد بن نُفَيل الحرَّاني.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٦٤) من طريق ابن
إسحاق، بهذا الإسناد مختصرًا بقول عائشة في آخر الحديث.
وهو في مسند أحمد، (٢٦٣٠٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٦٢٧) مطولًا.
وقول عائشة: لو استقبلت من أمري ما
استدبرت، أي: لو علمت أولًا ما علمت آخرًا، وظهر لي أولًا ما ظهر لي آخرًا. ما
غسله إلا نساؤه، وكان عائشة تفكرت في الأمر بعد أن مضى، وذكرت قول النبي ﷺ لها:
(ما ضرَّكِ لو متِ قبلي، فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك«رواه أحمد (٢٥٩٠٨)
وابن ماجه (١٤٦٥) وفيه متمسك لمذهب الجمهور في جواز غسل أحد الزوجين للآخر، ولكن
لا يدل على عدم جواز غسل الجنس لجنسه مع وجود الزوجة، ولا على أنها أولى من الرجال.
أفاده صاحب»نيل الأوطار".
٣٣ - باب كيف غسل الميت
٣١٤٢
- حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالكٍ
وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حمادُ بن زيدٍ -المعنى- عن أيوبَ، عن محمد بن سيرين
عن أُم عطية، قالت: دخل علينا رسولُ
الله ﷺ حين توفيت ابنتُه، فقال: «اغسِلْنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك -إن
رأيتُنَّ ذلك- بماء وسِدْرٍ، واجعلْن في الآخِرة كافورًا، أو شيئًا من كافُورٍ،
فإذا فرغتُن فآذِنَّنِي» فلما فرغْنا آذَّاه، فاعطانا حَقْوَهُ، فقال:
«أشْعِرْنَها إياه» (١).
(١) إسناده صحيح. أيوب: هو ابن أبي تميمة
السختياني، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرهَدِ، والقَعنبي: هو عبد الله بن مسلمة
القعنبيُّ.
وهو في«موطأ مالك» ١/ ٢٢٢.
وأخرجه البخاري (١٢٥٣) و(١٢٥٤)
و(١٢٥٧) و(١٢٥٨) و(١٢٦١)، ومسلم (٩٣٩)، وابن ماجه (١٤٥٨)، والترمذي (١٠١١)،
والنسائي (١٨٨١) و(١٨٨٦) و(١٨٨٧) و(١٨٩٠) و(١٨٩٣) و(١٨٩٤) من طرق عن محمد بن
سيرين، به.
وأخرجه النسائي (١٨٨٩) من طريق سلمة
بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن بعض إخوته، عن أم عطية.
وأخرجه البخاري (١٣٦٣)، ومسلم (٩٣٩)،
وابن ماجه (١٤٥٩)، والترمذي (١٠١١)، والنسائي (١٨٨٥) و(١٨٨٨) من طريق حفصة بنت
سيرين، عن أم عطية.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٧٩٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٣٢).
وسيتكرر عند المصنف من طريق حماد بن
زيد برقم (٣١٤٦).
وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (٣١٤٤)
و(٣١٤٥) و(٣١٤٧).
قال المنذري في «مختصر السنن»: ابنة
رسول الله ﷺ هذه هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع، وهي أكبر بناته ﷺ. هذا هو أكثر
المروي. وذكر بعض أهل السير: أنها أم كلثوم. وقد ذكره أبو داود فيما بعد، وفي
إسناده مقال، والصحيح الأول، لأن أم كلثوم توفيت ورسول الله ﷺ ببدر.
قال أبو داود: قال مالكٍ: يعني
إزارَه، ولم يقل مُسَدَّدٌ: دخل علينا.
٣١٤٣
- حدَّثنا أحمدُ بن عَبْدَةَ وأبو
كاملٍ -المعنى- أن يزيدَ بن زُريع، حدَّثهم، حدَّثنا أيوبُ، عن محمدِ بن سيرينَ،
عن حفصةَ أختِه عن أم عطيةَ، قالت: مَشَطْنَاهَا ثلاثةَ قرونٍ (١).
=والسِّدر كما في «حديقة الأزهار» ص
٢٧٤: جمع سِدْرة، وهي من جنس الشجر العظام الشائك العود. والسِّدْر نوعان؟ بستاني
وبري، فالبستاني هو شجر العناب، والبريّ أنواع أيضًا: فمنه ما يعظم شجره، ومنه ما
لا يعظم، ومنه ما ثمره كثير اللحم، وفيه ما هو قليله، واسم ثمره النَّبق، عطر
الرائحة، يفوحُ فمُ آكله.
والكافور كما في «حديقة الأَزهار» ص
١٥٦ أيضًا: هو لثَى شجرة الفوفل، واللَّثَى هو الحليب، وشجرة الفوفل تنبتُ بأرض
الهند وبجزيرة سرنديب [قلنا: اسمها الآن جزيرة سيلان، وتقع جنوب شرقي الهند]، وهي
شجرة عظيمة كأشجار الزيتون، مجوفة تأخذ في التّدويح [يعني التشعُّب والتفرق] فإذا
نُقر في أسفلها خرج ذلك اللَّثَى كما يخرج من الأشجار ذوات اللَّثَى، فيجفَّف
ويعقد ويصنع منه الكافور، وأجوده وأحسنه ما كان أبيض، وهو من الطيوب الرفيعة القدر.
والحقو: هو الإزار، قال صاحب
«النهاية»: الأصل في الحقو معقد الإزار، وجمعه أحقٍ وأحْقاء، ثم سمي به الإزار
للمجاورة.
وقوله: «أشعرنها إياه» قال الخطابي:
يريد: اجعلنه شعارًا لها، وهو الثوب الذي يلي جسدها.
(١)
إسناده صحيح. حفصة: هي بنت سيرين، وأيوب: هو ابن أبي تميمة
السَّختياني، وأبو كامل: هو فُضيل بن
حسين الجحدري، وأحمد بن عبدة: هوالضبِّيُّ.
وأخرجه مسلم (٩٣٩)، والنسائي (١٨٩١)
من طريق أيوب، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٢٥٤) و(١٢٦٠)،
ومسلم (٩٣٩)، وابن ماجه (١٤٥٩)، والنسائي (١٨٨٣) و(١٨٩٢) من طريق أيوب السختياني،
عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية. وقد صرح أبوب بسماعه من حفصة عند البخاري وغيره،
فافاد أنه سمع الحديث بواسطة ابن سيرين، وسمعه بعد ذلك من حفصة مباشرة، والله أعلم.
وهو في مسند أحمد«(٢٠٧٩٠)، و»صحيح
ابن حبان" (٣٠٣٢). وانظر ما بعده.
٣١٤٤ - حدَّثنا محمدُ بن المثنَّى، حدَّثنا
عبدُ الأعلى، حدَّثنا هشامٌ، عن حفصةَ بنتِ سيرينَ
عن أم عطيةَ، قالت: وضَفَرْنا رأسها
ثلاثةَ قُرونٍ، ثم ألقَيناها خلفَها مُقَدَّمَ رأسها وقَرْنَيها (١).
٥ِ٣١٤
- حدَّثنا أبو كاملِ، حدَّثنا
إسماعيلُ، حدَّثنا خالد، عن حفصةَ بنتِ سيرين
عن أم عطية، أن رسولَ الله ﷺ قال لهن
في غسل ابنته: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِها ومَوَاضِعِ الوُضُوء منها» (٢).
٣١٤٦
- حدَّثنا محمدُ بن عُبيدٍ، حدَّثنا
حماد، عن أيوبَ، عن محمدِ عن أم عطية، بمعنى حديث مالك، وزاد في حديث حفصةَ عن أُم
عطية بنحو هذا، وزادت فيه: «أو سبْعًا أو أكثرَ من ذلك، إن رَأيتُنَّهُ» (٣).
(١) إسناده صحيح. هشام: هو ابن حسان
القُردوسي، وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي.
وأخرجه البخاري (١٢٦٢) و(١٢٦٣)،
ومسلم (٩٣٩)، والترمذي (١٠١١)، والنسائي (١٨٨٥) من طريق هشام بن حسان، به.
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح. خالد: هو ابن مِهران الحذَّاء، وإسماعبل: هو ابن عُلَيَّة.
وأخرجه البخاري (١٦٧) و(١٢٥٥)
و(١٢٥٦)، ومسلم (٩٣٩)، والترمذي (١٠١١)، والنسائي (١٨٨٤) من طريق خالد الحذاء،
والبخاري (١٢٥٤)، وابن ماجه (١٤٥٩) من طريق أيوب السختياني، كلاهما عن حفصة بنت
سيرين، به. وقرن الترمذي بحفصة أخاها محمد بن سيرين.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٠٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٣٢).
(٣)
إسناده صحيح، وقد سلف برقم (٣١٤٢).
٣١٤٧ - حدَّثنا هُدْبة بن خالدِ، حدَّثنا
همّامٌ، حدَّثنا قتادةُ
عن محمدِ بن سيرين: أنه كان يأخذُ
الغُسل عن أُم عطيةَ: يغسل بالسِّدْر مرتين، والثالثةَ بالماء والكافُور (١).
٣٤
- باب في
الكفن
٣١٤٨
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
عبدُ الرزاق، أخبرنا ابن جُرَيج، عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدَّث
عن النبي ﷺ أنه خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابِه قُبض فكُفِّن في كفَنٍ غيرِ طائلٍ
وقُبِر ليلًا، فزَجر النبيُّ ﷺ أن يُقبر الرجلُ بالليل حتى يُصلَّى عليه، إلا أن
يُضطَر إنسانٌ إلى ذلك، وقال النبي ﷺ: «إذا كَفَّنَ أحدُكم أخاه فَليُحْسِنْ
كَفَنَهم» (٢).
(١) إسناده صحيح. قتادة: هو بن دعامة
السَّدوسي، وهمام: هو ابن يحيى العَوذي.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» ١/
٣٧٥ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢٠٨٠٠) عن عفان، عن
همام، عن قتادة، قال: أخذ ابن سيرين غُسله عن أم عطية، قالت: غسلْنا ابنة رسول
الله ﷺ، فأمرنا أن نغسلها بالسِّدْر ثلاثًا، فإن أنجت وإلا فخمسًا، فإن أنجت وإلا
فأكثر من ذلك، قالت: فرأينا أن أكثر من ذلك سبعٌ. وأنجت: أنقت.
وأخرجه كلفظ أحمد الطبراني في
«الكبير»٢٥/ (٨٤)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ٣٧٣ من طريق محمد بن سليمان
العَوَقي، عن همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنه كان أخذ ذلك عن أم عطية، فذكره.
(٢)
إسناده صحيح، وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس- بسماعه عند المصنف
وغيره، وكذلك ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- صرح بسماعه عند مسلم وغيره،
فانتفت شبهة تدليسهما.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٦٥٤٩).
=
٣١٤٩ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
الوليدُ بن مسلمٍ، حدَّثنا الأوزاعيُّ، حدَّثنا الزهريُّ، عن القاسمِ بن محمد
عن عائشة، قالت: أُدرِجَ رسول اللهُ
ﷺ في ثوب حِبَرَةٍ، ثم أُخِّرَ
عنه (١).
= وأخرجه مسلم (٩٤٣)، والنسائي (١٨٩٥)
و(٢٠١٤) من طريق ابن جريج، به لكن لم يذكر النسائي في الموضع الذي فيه الوصية
بإحسان الكفن.
وأخرج ابن ماجه (١٥٢١) من طريق
إبراهيم بن يزيد المكي، عن أبي الزبير، عن جابر رفعه: «لا تدفنوا موتاكم بالليل
إلا أن تضطروا» وإبراهيم بن يزيد المكي متروك الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٤٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٣٤) و(٣١٠٣).
قال النووي في شرح مسلم«: هذا الحديث
دليل أنه لا بأس بالدفن بالليل في وقت الضرورة، وقد اختلف العلماء في الدفن في
الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يُستدل له به، وقال جماهير
العلماء من السلف والخلف: لا يكره، واستدلوا بان أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة
من السلف دفنوا ليلًا من غير إنكار وبحديث المرأة السوداء والرجل الذي كان يقم
المسجد، فتوفي بالليل، فدفنوه ليلًا، وسألهم النبي ﷺ عنه فقالوا: توفي ليلًا
فدفناه في الليل، فقال:»ألا آذنتموني«قالوا: كانت ظلمة. ولم ينكر عليهم.
وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان
لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة
المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع كما سبق.
قلنا: واستدلوا كذلك بما سيأتي عند
المصنف برقم (٣١٦٤).
(١)
إسناده صحيح. وقد صرح الوليد بن مسلم بالتحديث في جميع طبقات الإسناد وعند ابن
حبان والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه تدليس التسوية.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(٧٠٨) من
طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد. وهو في»مسند أحمد«(٢٥٢٨٠»، و«صحيح ابن حبان»
(٦٦٢٦).
وانظر ما سلف برقم (٣١٢٠)، وما سيأتي
برقم (٣١٥٢).
وزاد أحمد وابن حبان: قال القاسم: إن
بقايا ذلك الثوب لعندنا بَعْدُ.
٣١٥٠ - حدَّثنا الحسنُ بن الصباح البزّاز،
حدَّثنا إسماعيلُ -يعني ابنَ عبد الكريم- حدَّثني إبراهيمُ بن عَقيل بن مَعْقِل،
عن أبيه، عن وهْبٍ
عن جابر، قال: سمعت النبيَّ ﷺ يقول:
«إذا تُوفِّي أحدُكم فوَجدَ شيئًا فليكفَّن في ثوب حِبَرَةٍ» (١).
٣١٥١
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
يحيى بن سعيدٍ، عن هشامٍ، أخبرني أبي قال:
أخبرتْني عائشةُ، قالت: كُفِّنَ
رسولُ الله ﷺ في ثلاثةِ أثواب يمانيةٍ بيضٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عِمامةٌ (٢).
(١) إسناده صحح. وهب: هو ابن مُنبِّه. وقال
عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» ٢/ ١٢٦: وإسناد مسلم أصح من هذا: «فليحسن
كفنه» يريد الحديث السالف برقم (٣١٤٨).
وأخرجه البيهقي ٣/ ٤٠٣ من طريق أبي
داود السجستاني، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٤٦٥١) من طريق عبد
الله بن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر. وابن لهيعة سىء الحفظ.
وانظر ما سلف برقم (٣١٤٨).
(٢)
إسناده صحيح. هشام: هو ابن عُروة بن الزبير بن العوّام.
وأخرجه البخاري (١٢٦٤) و(١٢٧١ -
١٢٧٣) و(١٣٨٧)، ومسلم (٩٤١)، والنسائي (١٨٩٨) من طريق هشام بن عروة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٢٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٣٧). وأخرجه النسائي (١٨٩٧) من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، به.
بلفظ: «كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
وهو في»مسند أحمد" (٢٥٩٤٩).
وأخرجه مسلم (٩٤١) من طريق أبي سلمة
بن عبد الرحمن، عن عائشة. بنحو لفظ الزهري. =
٣١٥٢ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
حفصٌ، عن هشامِ بن عُروة، عن أبيه عن عائشة، مثله، زاد: من كُرسُفٍ، قال: فذُكر
لعائشةَ قولُهم: في ثوبَين وبُرد حِبَرةٍ، فقالت: قد أُتي بالبُردِ، ولكنهم ردُّوه
ولم يكفِّنوه فيه (١).
٣١٥٣
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ وعثمانُ بن
أبي شيبة، قالا: حدَّثنا ابنُ إدريسَ، عن يزيدَ -يعني ابنَ أبي زيادٍ- عن مِقْسَمٍ
عن ابن عباس، قال: كُفّن رسولُ الله
ﷺ في ثلاثةِ أثوابِ نَجْرانِيَّةٍ: الحلةُ ثوبان، وقميصُه الذي مات فيه (٢).
= وهو في «مسند أحمد» (٢٤٦٢٥).
وانظر ما بعده.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن»: وقد
حمل الشافعي قولها: «ليس فيها قميص ولا عمامة» على أن ذلك ليس في الكفن بموجود،
وأن عدد الأكفان ثلاثة أثواب.
وحمله مالك على أنه ليس بمعدود من
الكفن، بل يحتمل أن يكون الثلاثة الأثواب زيادة على القميص والعمامة.
وقال ابن القصار: لا يستحب القميص
ولا العمامة عندَ مالك في الكفن، ونحوه عن أبي القاسم، قال: وهذا خلاف ما حكى
متقدمو أصحابنا - يعني عن مالك.
(١)
إسناده صحيح: حفص: هو ابن غياث.
وأخرجه مسلم (٩٤١)، وابن ماجه
(١٤٦٩)، والترمذي (١٠١٧) من طريق حفص بن غياث، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد - وهو الكوفي مولى الهاشميين.
مِقسَم: هو ابن بُجرة، ويقال: ابن
نجدة.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٧١) من طريق عبد
الله بن إدريس، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤٢).
=
قال أبو داود: قال عثمان: في ثلاثة
أثواب: حلةٍ حمرا» وقميصِه الذي مات فيه.
٣٥
- باب
كراهية المُغَالاة في الكفن (١)
٣١٥٤
- حدَّثنا محمدُ بن عُبيد المُحاربيُّ،
حدَّثنا عمرو بن هاشم أبو مالك الجَنْبي، عن إسماعيلَ بن أبي خالدٍ، عن عامر
عن علي بن أبي طالب، قال: لا تُغَالِ
لي في كَفَنِ، فإني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا تُغَالُوا في الكفن فإنه يُسلبُه
سلْباَ سريعاَ» (٢).
= ويعارضه حديث عائشة الذي قبله، وفيه:
أنه ليس في كفنه ﷺ قميص.
وأخرج أحمد (٢٢٨٤) من طريق الحجاج بن
أرطأة، عن أبي جعفر محمد بن علي والحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ كفِّن
في ثوبين أبيضين، وفي برد أحمر. وإسناده حسن. ويجمع بين هذه الرواية وحديث عائشة
أن البرد إنما سُجِّي فيه رسول الله ﷺ لما أن توفي، لكن لم يكفن فيه، كما جاء في
رواية لعائشة سلفت برقم (٣١٤٩). وانظر (٣١٢٠).
(١)
هذا التبويب أثبتناه من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنه من رواية ابن الأعرابي.
(٢)
حسن لغيره، عمرو بن هاشم حديثه حسن في الشواهد، وقد حسَّن، هذا الحديث ابنُ القطان
في «بيان الوهم والأيهام» ٥/ ٥٠، وكذلك المنذري والنووي كما في «البدر المنير»
لابن الملقن ٥/ ٢١٧، وسكت عنه عبد الحق في «أحكامه الوسطى» ٢/ ١٢٧ مصححًا له.
وأما رواية عامر -وهو ابن شراحيل
الشعبي- عن علي بن أبي طالب، فقد قال أبو حاتم الرازي وأبو أحمد الحاكم: رآه، وجزم
الخطيب البغدادي بسماعه منه، وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل»: روى عن علي رضي
الله عنه، وذلك في «صحيح البخاري» وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء، ونفى سماعه
منه آخرون كابن معين والدارقطني.
وأخرجه البيهقي ٣/ ٤٠٣، وابن عبد
البر في «التمهيد» ٢٢/ ١٤٤ من طريق أبي داود السجستاني بهذا الإسناد.
=
٣١٥٥ - حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا
سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي وائل
عن خَبَّابٍ، قال: مصعبُ بن عُمير
قُتِل يوم أُحد، ولم يكن له إلا نَمِرَةٌ، كنا إذا غَطَّينا بها رأسَه خرجت
رجلاهُ، وإذا غَطَّينا رجليه خرجَ رأسُه، فقال رسولُ الله ﷺ «غَطُّوا بها رأسَه،
واجعلُوا على رجليه من الإذخِر» (١).
٣١٥٦
- حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثني ابن
وهْب، حدَّثني هشامُ بن سعْد، عن حاتم بن أبي نصْر، عن عُبادة بن نُسَيٍّ، عن أبيه
عن عبادة بن الصامت، عن رسولِ الله
ﷺ، قال:، «خيرُ الكفنِ الحُلةُ، وخيرُ الأضحيةِ الكبشُ الأقْرَنُ» (٢).
= وفي الباب عن حذيفة بن اليمان عند
عبد الرزاق (٦٢١٠)، والبيهقي ٣/ ٤٠٣ عن صلة بن زفر، قال: أرسلني حذيفة بن اليمان
ورجلًا آخر نشتري له كفنًا، فاشتريت له حلة حمراء جيدة بثلاث مئة درهم، فلما
أتيناه، قال: أروني ما اشتريتم، فاريناه، فقال: رُدَّها ولا تغالوا في الكفن،
اشتروا لي ثوبين أبيضين، فإنهما لن يتركا علىَّ إلا قليلًا، حتى ألبس خيرًا منهما
أو شرًا منهما. لفظ عبد الرزاق. وإسناده صحيح موقوفًا، ولكن مثله لا يقال بالرأي
والاجتهاد؟ فله حكم المرفوع، والله تعالى أعلم.
(١)
إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة، والأعمش: هو سليمان بن مِهران، وسفيان:
هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العبْدي.
وهو مكرر الحديث السالف برقم (٢٨٧٦).
(٢)
إسناده ضعيف لجهالةِ نُسَيٍّ والد عُبادة وجهالة حاتم بن أبي نصر، وضعف هشام بن
سعْد.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٧٣) من طريق عبد
الله بن وهب، بهذا الإسناد. دون ذكر الأضحية.
وفي الباب عن أبي أمامة الباهلي عند
ابن ماجه (٣١٣٠)، والترمذي (١٥٩٥).
وإسناده ضعيف أيضًا.
الحُلَّةُ: هي الإزار والرداء.
٣٦ - باب في كفن المرأة
٣١٥٧
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
يعقوبُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا أبي، عن ابن إسحاقَ، حدَّثني نوحُ بن حكيم
الثَّقَفيُّ -وكان قارئًا للقرآن- عن رجل من بني عُروةَ بن مَسعودٍ، يقال له: داود
-قد وَلَدَته أمُّ حبيبة بنتِ أبي سفيان، زوج النبيِّ ﷺ- عن ليلى بنتِ قانِفٍ
الثقفيّة، قالت: كنت فيمن غَسَّلَ أُمَّ كلثومٍ بنتَ رسولِ الله عند وفاتها، فكان
أولَ ما أعطانا رسولُ الله ﷺ الحِقى، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم المِلْحَفة، ثم
أُدْرِجَتْ بعدُ في الثوب الآخر، قالت: ورسولُ الله ﷺ جالسٌ عند الباب معه كفنُها
يناولُناه ثوبًا ثوبًا (١).
٣٧
- باب
المسك للميت
٣١٥٨
- حدَّثنا مسلُم بن إبراهيمَ، حدَّثنا
المُستمرُّ بن الريّانِ، عن أبي نَضْرةَ
(١) إسناده ضعيف لجهالة نوح بن حكيم،
وللاختلاف في تعيين داود هذا الذي هو من بني عروة بن مسعود كلما أوضحناه في «مسند
أحمد» (٢٧١٣٥). ثم إن في متنه غرابةٌ في ذكر أم كلثوم، والصحيح أن القصة لِزينب
زوج أبي العاص بن الربيع كما بينه المنذرى في «مختصر السنن» عند الحديث السالف
برقم (٣١٤٢).
وأخرجه أحمد (٢٧١٣٥)، والبخاري في
«التاريخ الأوسط» ١/ ١٩، والطبراني في «الكبير» ٢٥/ (٤٦)، وفي «الأوسط، (٢٥٢٩)،
والبيهقي في»السنن الكبرى«٤/ ٦ - ٧، وفي»الصغرى«(١٠٤١) من طريق يعقوب بن إبراهيم،
بهذا الإسناد.
وقصة زينب السالفة برقم (٣١٤٢)
إسنادها صحيح.
والحقى: قال المنذري في»مختصر
المنذري" ٤/ ٣٠٤: بكسر الحاء مقصور، ولعلها أن تكون لغة في الحقو. قلنا: وهو
الإزار.
عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول
الله ﷺ: «أطْيَبُ طيبِكم المسكُ» (١).
٣٨
- باب
التعجيل بالجنازة
٣١٥٩
- حدَّثنا عبدُ الرحيم بن مُطرِّف
الرُّؤاسيُّ أبو سفيانَ وأحمدُ بنُ جنابِ، قالا: حدَّثنا عيسى -قال أبو داود: وهو
ابن يونسَ-، عن سعيد بن عثمانَ البَلَويِّ، عن عَزْرةَ -وقال عبد الرحيم: عَرْوةَ-
بن سعيد الأنصاريٍّ، عن أبيه
عن الحُصين بن وَحْوَح أن طلحةَ بن
البراء مرضَ، فأتاه النبيَّ ﷺ يعودهُ، فقال: «إني لا أُرى طلحة إلا قد حدث فيه
الموت، فآذِنُوني به وعَجِّلُوا؟ فإنه لا ينبغي لجيفةِ مُسلمٍ أن تُحبس بين
ظَهرَاني أهلِه» (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو نضرة: هوْ المنذر بن
مالك بن قِطْعة العَبْدي.
وأخرجه مسلم (٢٢٥٢)، والترمذي (١٠١٢)
و(١٠١٣)، والنسائي (١٩٠٥) و(١٩٠٦) و(٥١١٩) و(٥٢٦٤) من طريق أبي نضرة العبْدي، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٢٦٩)، و«صحيح
ابن حبان» (١٣٧٨) و(٥٥٩١).
(٢)
إسناده ضعيف لجهالة عزرة -أو عروة- بن سعيد الأنصاري وجهالة أبيه، وقال أبو القاسم
البغوي فيما نقله عنه المنذرى في «مختصر السنن»: ولا أعلم روى هذا الحديثَ غير
سعيد بن عثمان البَلَوِيِّ، وهو غريب. قلنا: وقال الحافظ في «الإصابة» ٢/ ٩٢ في
ترجمة حصين بن وحْوح بعد أن نقل عن ابن الكلبي في «الجمهرة» أن حصينًا هذا استُشهد
في القادسية: على ما ذكر ابن الكلبي يكون هذا الحديث مرسلًا، لأن سعيدًا والد عروة
لم يدرك زمن القادسية، فإما أن يكون حصين ابن وحوح آخر ممن أدركهم سعيد، وإما أن
يكون لم يقتل بالقادسية كما قال ابن الكلبي. قلنا: ومع ذلك فقد حسَّن إسنادَ هذا
الحديث الهيثمي في «مجمع الزوائد» ٣/ ٣٧!! وهذا الحديث اختصره أبو داود، وهو
مُطوَّل، كما ذكر الحافظ في «الإصابة» ٣/ ٥٢٥. =
٣٩ - باب في الغُسل من غسل الميت
٣١٦٠
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شَيبةَ،
حدَّثنا محمدُ بن بِشير، حدَّثنا زكريا، حدَّثنا مُصعبُ بن شيبةَ، عن طَلْقِ بن
حبيبٍ العَنَزيِّ، عن عبد الله بن الزبير
عن عائشة، أنها حدَّثته: أن النبي ﷺ
كان يغتسل من أربعٍ: من الجنابةِ، ويومِ الجمعة، ومن الحجامةِ، وغسلِ الميت (١).
٣١٦١
- حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا ابنُ
أبي فُدَيكٍ، حدَّثني ابنُ أبي ذئب، عن القاسم بن عبَّاس، عن عَمرو بن عُمير
= وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٣٥٥٤)،
وفي «الأوسط» (٨١٦٨)، والبيهقي ٣/ ٣٨٦ من طريق عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي،
بهذا الإسناد. ورواية الطبراني مطولة وقال الطبراني في «الأوسط»: لا يُروى هذا
الحديثُ عن حصين بن وحوح إلا بهذا الإسناد. تفرد به عيسى بن يونس.
قلنا: وقد عزا هذا الحديثَ الحافظُ
في «الإصابة» ٣/ ٥٢٥ إلى أبي القاسم البغوي وابن أبي خيثمة وابن أبي عاصم.
والطبراني وابن شاهين وابن السكن. وذكره مطولًا.
وقد أخرج ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (٢١٣٩) عن عبد الرحمن بن مطرِّف، بهذا الإسناد أن النبي ﷺ أتى قبر طلحة
بن البراء في قطار بالعصبة، فصفّ وصففنا خلفه، فقال: «اللهم الق طلحة يضحك إليك
وتضحك إليه». وهذا جزء من حديث طلحة بن البراء الطويل.
وقد ثبت عن ﷺ أنه أمر بتعجيل الجنازة
من حديث أبي هريرة عند البخاري (١٣١٥)، ومسلم (٩٤٤) ولفظ البخاري: «أسرعوا
بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم».
(١)
إسناده ضعيف لضعف مصعب بن شيبة. وهو مكرر الحديث السالف برقم (٣٤٨).
عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ، قال:
«مَنْ غَسَّلَ الميتَ فليغتسِل، ومن حَمَلَهُ فليتوضأ» (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة عَمرو بن عُمير، وقد
روي الحديث من وجوه أخرى عن أبي هريرة منها الطريق الآتي عند المصنف بعده، لكن
اختُلف في رفع هذا الحديث ووقفه، فممن صحح وقفه البخاريُّ وأبو حاتم والرافعي
والبيهقي، وممن صحح رفعه الترمذيُّ وابنُ حبان وابن حزم والبغوي والذهبي وابن
الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر. وقال أحمد وعلي ابن المديني: لا يصح في هذا
الباب شيء، وبنحوه قال محمد بن يحيى الذهلي وابن المنذر، وضعفه ابن القطان الفاسي
والنووي، وقال عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه الوسطى» ٣/ ١٧٧: اختلف في إسناد هذا
الحديث، وقال الشافعي: إن صح قلت به. انظر «شرح السنة» للبغوي (٣٣٩)، و«بيان الوهم
والإيهام» لابن القطان ٣/ ٢٨٣ - ٢٨٥، و«البدر المنير» لابن الملقن ٢/ ٥٢٤ - ٥٣٦،
و«التلخيص الحبير» لابن حجر ١/ ١٣٦ - ١٣٧.
وأخرجه ابن حزم في «المحلى» ٢/ ٢٣،
والبيهقي ١/ ٣٠٣ من طريق ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. وانظر ما بعده.
وانظر تفصيل طرقه وشواهده والكلام
عنها في «مسند أحمد» (٧٦٨٩)، و«البدر المنير» لابن الملقن ٢/ ٥٢٤ - ٥٤٣.
قال البغوي في «شرح السنة» ٢/ ١٦٩:
واختلف أهل العلم في الغسل من غسل الميت، فذهب بعضهم إلى وجوبه، وذهب أكثرهم إلى
أنه غير واجب، قال ابن عمر وابن عباس: ليس على غاسل الميت غسل.
وروي عن عبد الله بن أبي بكر، عن
أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أنها غسلت أبا بكر حين توفي، فسألَت من حضرها من
المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وهذا يوم شديد البرد، فهل عليّ غسل؟ فقالوا: لا (وهو
في «الموطا»١/ ٢٢٣، وسنده منقطع).
وقال مالك والشافعي: يستحب له الغسل
ولا يجب.
قلنا: ويؤيد قول من حمل الأمر في
الحديث على الاستحباب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي من
«تاريخه» ٥/ ٤٢٤ من طريق عبد الله بن =
٣١٦٢ - حدَّثنا حامدُ بن يحيى، عن سفيانَ،
عن سُهيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن إسحاقَ مولى زائدةَ
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، بمعناه
(١).
قال أبو داود: هذا منسوخٌ، سمعتُ
أحمد بن حنبل سُئِلَ عن الغُسل من غَسلِ الميت، فقال: يجزئُه الوضوءُ.
قال أبو داود: أدخلَ أبو صالحٍ بينه
وبين أبي هُريرةَ في هذا الحديث إسحاقَ مولى زائدةَ.
= الإِمام أحمد، قال: قال لي أبي: كتبت
حديث عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا
من لا يغتسل؟ قال: قلت: لا، قال في ذلك الجانب شابٌّ يقال له: محمد بن عبد الله
يحدث به عن أبي هشام المخزومي عن وهيب، فاكتب عنه، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في
«التلخيص» ١/ ١٣٨. والحديث أخرجه أيضًا الدارقطني (١٨٢٠)، والبيهقي ١/ ٣٠٦.
وأخرج الحاكم ١/ ٣٨٦، والبيهقي ٣/
٣٩٨ من حديث ابن عباس: «ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس
بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم» وسنده جيد. وهو عند الحاكم مرفوعًا وصححه، وعند
البيهقي موقوفًا، ورواية الوقف أصح.
(١)
رجاله ثقات، وقد اختلف في رفعه ووقفه كما سلف بيانه في الطريق السالف قبله.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٦٣)، والترمذي
(١٠١٤) من طريق عبد العزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي
هريرة. دون ذكر إسحاق مولى زائدة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٦٨٩) من طريق
ابن جريج، و«صحيح ابن حبان» (١١٦١) من طريق حماد بن سلمة، كلاهما عن سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وليس هذا الاختلاف بضارٍّ لأن إسحاق
مولى زائدة ثقة. فسواء صح وجوده في الإسناد أو لم يصح، لا يضر ذلك، وإنما الشأن في
الاختلاف في الوقف والرفع كما أسلفنا.
وحديث مُصعَب ضعيف، فيه خصالٌ ليس
العملُ عليه.
٤٠
- باب في
تقبيل الميت
٣١٦٣
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، عن عاصم بن عُبيد الله، عن القاسم عن عائشة، قالت: رأيتُ رسولَ الله ﷺ
يقبِّل عثمانَ بن مَظعُونِ، وهو ميتٌ، حتى رأيتُ الدموعَ تَسِيلُ (١).
(١) إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عُبيد الله
-وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب- وقد اضطرب فيه كما بينا ذلك في تعليقنا على «مسند
أحمد» (٢٤١٦٥).
سفيان: هو الثوري.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٥٦)، والترمذي
(١٠١٠) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حسن صحيح!
وأخرجه البزار (٣٨٢١) من طريق يونس
بن محمد، حدَّثنا العمري، عن عاصم ابن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة،
عن أبيه قال: رأيت رسول الله ﷺ قبّل عثمان بن مظعون. وهذا إسناد ضعيف لضعف عاصم بن
عُبيد الله. وأخطأ الشيخ الألباني رحمه الله في «الجنائز» ص ٢١ فجعله شاهدًا لحديث
عائشة وحسَّنه، مع أن فيه العلة التي في حديث عائشة.
وأخرج الطبراني في «الكبير» (١٠٨٢٦)
من طريق زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن ابن عباس أن النبي ﷺ دخل على عثمان بن
مظعون يوم مات فأحنى عليه، كأنه يوصيه، ثم رفع رأسه فرأوا في عينيه أثر البكاء، ثم
أحنى عليه الثانية، ثم رفع رأسه فرأوه يبكي، ثم أحنى عليه الثالثة ثم رفع رأسه وله
شهيق، فعرفوا أنه قد مات، فبكى القوم، فقال النبي ﷺ: «مه، إنما هذا من الشيطان،
فاستغفروا الله» ثم قال: «اذهب عنك أبا السائب، فقد خرجت ولم تتلبس منها بشيء».
ورجاله ثقات عن آخرهم.
وفي الباب عن عائشة عند البخاري
(١٢٤١) و(١٢٤٢) و(٤٤٥٥): أن أبا بكر قبَّل النبي ﷺ بعد موته. هذا لفظ الموضع
الأخير.
٤١ - باب في الدفن بالليل
٣١٦٤
- حدَّثنا محمدُ بن حاتم بن بَزيعٍ،
حدَّثنا أبو نُعيمٍ، عن محمد بن مُسلم، عن عَمرو بن دينارٍ
أخبرني جابر بن عبد الله -أوسمعت
جابر بن عبد الله- قال: رأى ناسٌ نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسولُ الله ﷺ في
القبر، وإذا هو يقول: «ناوِلوني صاحبَكم» فإذا هو الرجلُ الذي كان يرفع صوتَه
بالذكر (١).
(١) إسناده حسن محمد بن مسلم -وهو الطائفي-
صدوق حسن الحديث قال اببن الملقن في «تحفة المحتاج» (٨٨١): إسناده على شرط الصحيح
لا جَرم، وقال النووي في «خلاصة الأحكام» (٣٤٦٥): إسناده على شرط الشيخين. قلنا:
إنما روى البخاري للطائفي تعليقًا لا احتجاجًا. وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني
الآثار» ١/ ٥١٣، والطبراني في «الكبير» (١٧٤٣) والحاكم ١/ ٣٦٨ و٢/ ٣٤٥، وأبو نعيم
في «الحلية» ٣/ ٣٥١، والبيهقي في «السنن الكبرِى» ٤/ ٣١ و٥٣، وفي «شعب الإيمان»
(٥٨٤) و(٥٨٥) من طريق محمد بن مسلم الطائفي، به. وقال أبو نعيم: هذا الحديث من
مفاريد محمد بن مسلم الطائفي.
وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري
(١٢٤٧)، ومسلم (٩٥٤) قال: مات إنسان كان رسول الله ﷺ يعوده، فمات بالليل، فدفنوه
ليلًا، فلما أصبح أخبروه، فقال: «ما منعكم أن تُعْلِموُني». قالوا: كان الليل،
فكرهنا، وكانت ظلمة، أن نَشُقَّ عليك، فأتى قبره فصلى عليه. وهذا لفظ البخاري.
قال ابن المنذر في «الأوسط» ٥/ ٤٦٥:
اختلف أهل العلم في الدفن بالليل، فممن دفن بالليل أبو بكر وفاطمة وعائشة، وروينا
أن عثمان بن عفان دفن ليلًا، وممن رخص في الدفن بالليل عقبة بن عامر وسعيد بن
المسيب وشُريح وعطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. ثم
قال: وكان الحسن البصري يكره الدفن بالليل. =
٤٢ - باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض
وكراهة ذلك
٣١٦٥
- حدَّثنا محمدُ بن كثيبر، أخبرنا
سفيانُ، عن الأسودِ بن قيسِ، عن نُبَيحٍ عن جابر بن عبد الله، قال: كنا حملْنا
القتلى يوم أُحد لِندفنَهم، فجاء مُنادي النبيِّ ﷺ، فقال: إن رسولَ الله ﷺ
يأمُرُكم أن تدفِنوا القتلى في مضاجِعهم، فردَدْناهم (١).
٤٣
- باب في
الصفوف على الجنازة
٣١٦٦
- حدَّثنا محمدُ بن عبيدٍ، حدَّثنا
حمادٌ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن مَرثدٍ اليَزَنيِّ
= ثم قال ابن المنذر: الدفن بالليل
مباح، لأن سكينة توفيت على عهد النبي ﷺ فدفنت بالليل، ولم ينكر ذلك عليهم لما علم
به، لأنهم أعلموه بذلك، فأتى قبرها فصلى عليه، وقد دفن مَن ذكرنا من أصحاب رسول
الله ﷺ ليلًا، ولو كان ذلك مكروهًا ما فعلوه، والذين تولوا ذلك أصحابُ رسول الله ﷺ
أو مَن تولاه منهم.
(١)
إسناده صحيح. نُبيح: هو ابن عَبد الله العنزي، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري. وأخرجه
ابن ماجه (١٥١٦)، والترمذي (١٨١٤)، والنسائي (٢٠٠٤) و(٢٠٠٥) من طريق الأسود بن
قيس، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٦٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٨٣).
قال ابن المنذر في «الأوسط» ٥/ ٤٦٤:
واختلفوا في نقل الميت من بلد إلى بلد، فممن كره ذلك عائشة أم المؤمنين، ... وكره
ذلك الأوزاعي. وسئل الزهري عن هذه المسألة، فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن
المسيب من العقيق إلى المدينة. فدفناهما بها، وقال ابن عيينة: مات ابن عمر ها هنا،
يعني بمكة، فأوصى أن لا يُدفن بها، وأن يُدفن بسَرِف، فغلبهم الحرُّ، وكان رجلًا
باديًا.
ثم قال ابن المنذر: يستحب أن يدفن
الميت في البلد الذي توفي فيه، على هذا كان الأمر علي عهد رسول الله ﷺ، وعليه
عوامُّ أهل العلم، وكذلك تفعل العامة في عامة البلدان، ويكره حمل الميت من بلد إلى
بلد يُخاف عليه التغيّر فيما بينهما.
عن مالك بن هُبيرةَ، قال: قال رسولُ
الله ﷺ «ما مِنْ مُسلمِ يموتُ فيصلِّيَ عليه ثلاثةُ صفوفِ من المسلمين إلاَّ
أوْجَبَ».
قال: فكان مالًا إذا استقلَّ أهلَ
الجنازة جزّأهم ثلاثةَ صفُوفِ، للحديث (١).
٤٤
- باب
اتباع النساء الجنائزَ
٣١٦٧
- حدَّثنا سليمانُ بن حربٍ، حدَّثنا
حمادٌ، عن أيُّوبَ، عن حفصةَ عن أُم عطية، قالت: نُهينا أن نتبع الجنائزَ، ولم
يُعْزَمْ علينا (٢)
(١) إسناده حسن، فقد صرح محمد بن إسحاق
بالتحديث عند الروياني في «مسنده» (١٥٣٧)، وحسنه النووي وابن حجر.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٠)، والترمذي
(١٠٤٩)، وحسنه، والحاكم ١/ ٣٦١ وصححه من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٢٤).
وفي الباب عن أبي هريرة عند الذهبي
في «تذكرة الحفاظ» ٢/ ٦١٥ في ترجمة محمد بن غالب تمتام بلفظ: «ما صف صفوف ثلاثة
على ميت فيشفعون له إلا شُفِّعوا فيه» وسنده حسن.
وقد صح في شفاعة مَن يصلي على الميت
له حديث عائشة عند مسلم (٩٤٧)، ولفظه: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين
يبلغون مئة، كلهم يشفعون له إلا شُفِّعوا فيه».
وآخر من حديث ابن عباس عند مسلم
(٩٤٨) أيضًا ولفظه: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا، لا
يشركون بالله شيئًا إلا شفَّعهم الله فيه».
وسيأتي عند المصنف برقم (٣١٧٠).
(٢)
إسناده صحيح. حفصة: هي بنت سِيرين، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختياني، وحماد:
هو ابن زيد. =
٤٥ - باب فضل الصلاة على الجنازة وتشييعها
٣١٦٨
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
عن سُميٍّ، عن أبي صالحٍ
عن أبي هريرة يرويه، قال: «مَن
تَبِعَ جنازة فصلى عليها فله قِيراطٌ، ومن تبِعها حتى يُفرَغَ منها فله قِيراطان،
أصغَرُهما مثلُ أُحُدٍ -أو أحدُهما مثلُ أُحدِ-» (١).
=وأخرجه البخاري (٣١٣) و(١٢٧٨) ومسلم
(٩٣٨)، وابن ماجه (١٥٧٧) من طريق حفصة بنت سيرين، به.
وأخرجه مسلم (٩٣٨) من طريق محمد بن
سيرين، عن أم عطية.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٣٠٣).
وقد سلف برقم (١١٣٩).
وقول أم عطية: ولم يُعزم علينا - أي:
ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات فكأنها قالت: كره لنا
اتباع الجنائز من غير تحريم، قال القرطبي: ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه،
وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك إلى الجواز، وهو قولُ أهل المدنية، ويدل على
الجواز ما رواه ابن أبي شيبة ٣/ ٢٨٥ من طريق محمد بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ كان في جنازة، فرأى عمر امرأة فصاح بها، فقال له رسول الله ﷺ «دعها
يا عمر فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب» ورواه ابن ماجه (١٥٨٧) عن ابن
أبي شيبة بهذا الإسناد وانظر تمام الكلام عليه فيه.
(١)
إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، وسُميّ: هو مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن
بن الحارث، وسفيانُ: هو ابن عُيينة.
وأخرجه مسلم (٩٤٥) من طريق سهيل بن
أبي صالح، عن أبيه، به.
وأخرجه البخاري (٤٧) و(١٣٢٥)، ومسلم
(٩٤٥)، وابن ماجه (١٥٣٩)، والترمذي (١٠٦١)، والنسائي (١٩٩٤ - ١٩٩٧) و(٥٠٣٢) من طرق
عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري (١٣٢٣) و(١٣٢٤)،
ومسلم (٩٤٥) من طريق نافع مولى ابن عمر، قال: حُدِّثَ ابنُ عمر أن أبا هريرة يقول:
من تبع جنازة فله قيراط، فقال: أكثر أبو هريرة علينا، فصدَّقت يعني عائشة أبا
هريرة، وقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقوله. =
٣١٦٩ - حدَّثنا هارونُ بن عَبد الله وعبدُ
الرحمن بن حُسينٍ الهرويُّ، قالا: حدَّثنا المُقريُّ، حدَّثنا حَيْوةُ، حدَّثني
أبو صخْرٍ وهو -حُميد بن زيادٍ-، أن يزيدَ ابنَ عبد الله بنِ قُسيطٍ حدَّثه، أن
داود بن عامرِ بن سعْد بن أبي وقاصٍ حدَّثه عن أبيه: أنه كان عند ابنِ عُمر إذ طلع
خَبَّابٌ صاحبُ المقصورة، فقال: يا عبدَ الله بنَ عمر، ألا تسمعُ ما يقولُ: أبو
هُريرةَ؟ يقول: إنه سمع رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «مَن خرجَ مع جنازةِ من بيتِها وصلّى
عليها» فذكر معنى حديثِ سفيانَ، فأرسل ابنُ عمر إلى عائشةَ، فقالت: صدَق أبو
هُريرةَ (١).
٣١٧٠
- حدَّثنا الوليدُ بن شُجاع
السَّكونيُّ، حدَّثنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني أبو صخرٍ، عن شريكِ بن عبد الله بن أبيْ
نَمِبر، عن كُريب
= وهو في «مسند أحمد» (٧١٨٨) و(٧٣٥٣)،
و«صحيح ابن حبان (٣٠٨٠).
وانظر ما بعده.
وقوله: مثل أحد. قال في»عون
المعبود«: هذا تمثيل واستعارة، ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله عمله ذلك يوم
القيامة في صورة عين يوزن كما توزن الأجسام، ويكون قدر هذا كقدر أحد، وقيل: المراد
بالقيراط ها هنا جزء من أجزاء معلومة عند الله تعالى، وقد قربها النبي ﷺ للفهم
بتمثيله القيراط بأحد. وقال الطيبي: قوله: مثل أحد. تفسير للمقصود من الكلام، لا
للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب من الأجر.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل أبي صخر حمد بن زياد، فهو صدوق حسن الحديث.
حيوة: هو ابن شريح المِصري، والمقرئ: هو عبد الله بن يزيد.
وأخرجه مسلم (٩٤٥) من طريق عبد الله
بن يزيد المقرئ، بهذا الإسناد.
وهو في»صحيح ابن حبان" (٣٠٧٩).
وانظر ما قبله.
عن ابن عباس، سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول:
«ما مِن مسلمٍ يموتُ فيقُومُ على جنازتِه أربعون رجُلًا لا يُشركون بالله شيئًا
إلا شُفِّعُوا فيه» (١).
٤٦
- بادٍ
النار يُتْبَعُ بها الميت
٣١٧١
- حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، حدَّثنا
عبدُ الصمد وحدَّثنا ابنُ المثنَّى، حدَّثنا أبر داود، قالا: حدَّثنا حربٌ - يعني
ابنَ شدّادٍ، حدَّثنا يحيى، حدَّثني بَابُ بن عُمَير، حدثني رجلٌ من أهل المدينة،
عن أبيه
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: «لا
تُتْبَعُ الجنازةُ بصَوتٍ ولا نارٍ» زاد هارونُ: «ولا يُمشَى بين يديها» (٢).
(١) إسناده حسن من أجل أبي صخر حميد بن زياد،
فهو صدوق حسن الحديث، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر فيه كلام يُنزله عن مرتبة
الثقة. ابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه مسلم (٩٤٨) من طريق عبد الله
بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٨٩) من طريق بكر
بن سليم، عن حميد بن زياد، عن كريب، به فاسقط من إسناده شريك بن عبد الله بن أبي
نمر. وبكر بن سُليم ضعيف.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٠٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٨٢).
(٢)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل من أهل المدينة وأبيه. وباب ابن عمير
جهّله الدارقطني في «الضعفاء» (١٣٥)، وقال عن حديثه هذا في «سؤالات البرقاني»:
يُترك هذا الحديث، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال الحافظ في «التقريب»:
مقبول، أي: حيث يتابع، وإلا فليّن الحديث. يحيى: هو ابنُ أبي كثير، وأبو داود: هو
سليمان بن داود الطيالسي، وابن المثنى: هو محمد، وعبد الصمد: هو ابن عبد الوارث.
وأخرجه أحمد (١٠٨٣١) و(١٠٨٨٠)،
والبيهقي ٣/ ٣٩٤ - ٣٩٥، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١٥٠٤) من طريق حرب بن
شداد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٩٥١٥) من طريق هشام
الدستوائي، عن يحيى، عن رجل، عن أبي هريرة. فاسقط من سنده رجلًا.
=
٤٧ - باب القيام للجنازة
٣١٧٢
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
عن الزهريِّ، عن سالمٍ، عن أبيه
= وأخرج أبو داود الطيالسي (٢٣٣٦)،
وأحمد (٧٩١٤) و(١٠١٣٧) و(١٠٤٩٣)، والبيهقي ٤/ ٢١ من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد
المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، عن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا
تتبعوني بمجمر -وعند الطيالسي: بنار- فجعله موقوفًا من قول أبي هريرة. وهذا سند
حسن.
وأخرج مالك في «الموطأ» ١/ ٢٢٦ عن
سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار. موقوفًا كذلك، وأسقط
من إسناده عبد الرحمن بن مهران، وسماع المقبري من أبي هريرة معروف، فلا يبعد أن
يكون سمعه مرة بواسطة عبد الرحمن، ثم سمعه من أبي هريرة مباشرة. فيكون إسناده
صحيحًا.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» ٨/
٢٢٥ - ٢٢٦: قد روي عن حديث أبي هريرة مرفوعًا عن النبي ﷺ أنه قال: «لا تتبع
الجنازة بصوت ولا نار»، ولا أعلم بين العلماء خلافًا في كراهة ذلك، وروينا عن أبي
سعيد الخدري وعمران بن حصين وأبي هريرة أنهم وصَّوا بان لا يُتبعوا بنار ولا نائحة
ولا يجعل على قطيفة حمراء. وأظن اتباع الجنائز بالنار كان من أفعالهم بالجاهلية
نُسخ بالإسلام، والله أعلم، وهو من فعل النصارى، ولا ينبغي أن يتشبه بأفعالهم ...
ثم قال: وفيما ذكرنا من إجماع العلماء فيه شفاء إن شاء الله.
قلنا: وكذلك روي عن عبد الله بن مغفل
عن ابن سعد في «الطبقات» ٧/ ١٣ بإسناد صحيح: أنه أوصى بذلك عند موته.
وعن أبي موسى الأشعري عند أحمد
(١٩٥٤٧)، وابن ماجه (١٤٨٧) بإسناد حسن: أنه أوصى بذلك أيضًا.
وروى ابن أبي شيبة ٣/ ٢٨٤، وابن
المنذر في «الأوسط» ٥/ ٣٨٩، والبيهقي ٤/ ٧٤ من طريق الحسن البصري، عن قيس بن
عُبَادٍ قال: كلان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند القتال، وعند
الجنائز، وعند الذكر. وإسناده صحيح. وهو عند عبد الرزاق (٦٢٨١)، ومن طريق ابن
المنذر ٥/ ٣٨٩ عن معمر، عن الحسن قال: أدركت أصحاب رسول الله ... دون ذكر قيس.
عن عامر بن ربيعة، يبلغُ به النبيَّ
ﷺ: «إذا رأيتُم جنازَةٌ فقوموا لها حتى تُخَلِّفَكم، أو تُوضَعَ» (١).
(١) إسناده صحيح. سالم: هو ابن عبد الله بن
عمر بن الخطاب، وسفيان: هو ابن عيينة، ومُسَدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (١٣٠٧)، ومسلم (٩٥٨)،
وابن ماجه (١٥٤٢)، والترمذي (١٥٦٣)، والنسائي (١٩١٦) من طريق ابن شهاب الزهري،
بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (١٣٠٨)، ومسلم (٩٥٨)،
والنسائي (١٩١٥) من طريق نافع مرلى ابن عمر، عن ابن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٦٨٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٥١).
قال ابن المنذر: قد اختلف أهل العلم
في القيام للجنائز إذا مرت، فقالت طائفة: يقوم لها، فعل ذلك أبو مسعود البدري،
وأبو سعيد الخدري، وقيس بن سعد، وسهل ابن حنيف، وسالم بن عبد الله.
ورأت طائفة أخرى أن لا يقوم المرء
للجنازة تمرُّ به، مُرَّ على سعيد بن المسيب بجنازة فلم يقم لها، وكان عروة بن
الزبير يعيبُ من يفعل ذلك، وقال مالك: ليس على الرجل أن يقوم للجنازة إذا رآها ولا
يقعد حتى تجاوزه مسلمًا كان أو كافرًا، وقال الشافعي: لا يقوم للجنازة من لا
يشهدها، والقيام لها منسوخ، وقال أحمد: إن قام لم يقعد، وإن قعد فلا بأس، وكذلك
قال إسحاق.
وقال أحمد: قوله: «فليقم» إنما ذا
على القاعد يقوم.
وقال أحمد: من قام للجنازة فذاك، ومن
لم يقم ذهب إلى حديث عليٍّ [وهو ما أخرجه مالك في «الموطأ» ١/ ٢٣٢، والشافعي في
«الأم» ١/ ٢٧٩، ومسلم (٩٦٢) وسيأتي عند المصنف برقم (٣١٧٥): أن رسول الله ﷺ قام
للجنازة ثم قعد، وفي لفظ لمسلم: رأينا رسول الله ﷺ قام فقمنا، وقعد فقعدنا، [يعني
في الجنازة] قال أبو عبد الله [يعني أحمد]: أما أنا فلا أقوم، قام رسول الله ﷺ
فقمنا، وقعد فقعدنا، ثم قال ابن المنذر: مذهب أحمد وإسحاق حسنٌ في الوجهين جميعًا.
قلنا: وممن ذهب أيضًا أن هذا الخبر
منسوخ بحديث عليٍّ الآتي عند المصنف برقم (٣١٧٥) والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار»
١/ ٤٨٨، والحازميُّ في «الاعتبار» ص ١٢٩، ومن قبلهم الحُميدي شيخ البخاري كما في
«التمهيد» ٢٣/ ٢٦٢.
٣١٧٣ - حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا
زهيرٌ، حدَّثنا سهيلُ بن أبي صالحٍ، عن ابنِ أبي سعيد الخدريِّ
عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا
تبعتُم الجنازةَ، فلا تَجلسوا حتى تُوضَعَ» (١).
(١) حديث صحيح. وهذا إسناد اختلف فيه على
سهيل بن أبي صالح، فرواه عنه زهير -وهو ابن معاوية الجعفي- كما عند المصنف هنا،
ورواه عنه شعبة بن الحجاج وجرير بن عبد الحميد ووُهَيب بن خالد وغيرهم، فقالوا: عن
سهيل، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، وكذلك رواه زهير بن معاوية مرة أخرى عن سهل،
ورواه الثوري وأبو معاوية، فقالا: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، ورواه عَبيدةُ
ابنُ حميد، فقال: عن سهيل، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري.
وقد عدَّ الدارقطنيُّ في «العلل» ٤/
ورقة ٨ رواية عَبيدة بن حميد وهمًا، وقال عن رواية شعبة وجرير ووهيب بأنها أصحُّ،
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٣/ ٢٦٣ عن رواية الثوري بأنها أشبه وأولى.
قلنا: على أن هذا الحديث قد روي من
وجه آخر صحيح عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني
الآثار» ١/ ٤٨٧ من طريق شعبة بن الحجاج، ومسلم (٩٥٩)، وأبو يعلى (١١٥٩)، والبيهقي
٤/ ٢٦ من طريق جرير بن عبد الحميد، والطيالسي (٢١٨٤)، والحاكم ١/ ٣٥٦ من طريق وهيب
بن خالد، وأحمد (١١٣٢٨) من طريق زهير بن معاوية الجعفي، و(١١٤٤٣) من طريق شريك
النخعي، والبغوي في «شرح السنة» (١٤٨٦) من طريق جعفر بن أبي كثير، والببهقي ٢٦/ ٤
من طريق إبراهيم بن طهمان سبعتهم عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي سعيد
الخدري.
وأخرجه البيهقي ٤/ ٢٦ من طريق سفيان
الثوري، وابن حبان (٣١٥٥) و(٣١٠٦)، والحاكم ١/ ٣٥٦ من طريق أبي معاوية، كلاهما عن
سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة ..
قال أبو داود: روى هذا الحديثَ
سفيانُ الثوريُّ عن سُهيلِ بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال فيه: «حتى
تُوضَعَ بالأرض».
ورواه أبو معاويةَ عن سُهيلٍ، قال:
«حتى تَوضَع في اللَّحْد».
وسفيانُ أحفظُ من أبي معاويةَ.
٣١٧٤
- حدَّثنا مُؤمَّل بن الفَضْل
الحرَّانيُّ المخزوميُّ، حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا أبو عَمرٍو، عن يحيى بن أبي
كثيرِ، عن عُبيد الله بن مِقْسَمٍ
حدَّثني جابر، قال: كنا مع النبيِّ ﷺ
إذْ مرَّت بنا جنازةٌ، فقام لها، فلما ذهبنا لنحمِل إذا هي جنازة يهوديٍّ، فقلنا:
يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودي، فقال: «إنَّ الموتَ فزَع، فإذا رأيتُم جنازة
فقُوموا» (١).
= وأخرجه ابن حبان (٣١٠٤) من طريق
عَبيدة بن حميد، عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سجد الخدري.
وأخرجه البخاري (١٣١٠)، ومسلم (٩٥٩)،
والترمذي (١٥٦٤)، والنسائي (١٩١٧) و(١٩٩٨) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف،
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا
يقعد حتى توضع».
وأخرج البخاري (١٣٠٩) من طريق ابن
أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، قال: كنا في جنازة، فأخذ أبو هريرة بيد مروان،
فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد فأخذ بيد مروان، فقال: قم، فوالله عَلِمَ هذا أن
النبي ﷺ نهانا عن ذلك، فقال أبو هريرة: صَدَقَ.
(١)
إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مُسلم الدمشقي- صرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد
عند ابن حبان (٣٠٥٠)، وقد تابعه هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتُوائي.
أبو عمرو: هو الأوزاعي.
وأخرجه البخاري (١٣١١)، ومسلم (٩٦٠)،
والنسائي (١٩٢٢) من طريق هشام ابن أبي عَبد الله الدَّسْتُوائي.، عن يحيى بن أبي
كثير، به. وليس عند البخاري قوله: «إن الموت فزع». =
٣١٧٥ - حدَّثنا القَعْنَبىُّ، عن مالكٍ، عن
يحيى بن سعيدٍ، عن واقِدِ بن عَمرو ابن سعْد بن مُعاذ الأنصاريِّ، عن نافعِ بن
جُبير بن مُطعِم، عن مَسعودِ بن الحكم
عن علي بن أبي طالب: أن النبي ﷺ قام
في الجنائز ثم قعدَ بعدُ (١).
٣١٧٦
- حدَّثنا هشامُ بن بَهْرَامَ
المَدائنيُّ، أخبرنا حاتمُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا أبو الأسباطِ الحارثيُّ، عن عَبد
الله بن سُليمان بن جُنَادةَ بن أبي أُميَّةَ، عن أبيه، عن جده
= وأخرجه مسلم (٩٦٠) من طريق أبي
الزبير محمد بن مسلم بن تدرُس، أنه سمع جابرًا يقول: قام النبي ﷺ لجنازة مرَّت به،
حتى توارت. وفي رواية أخرى عند مسلم: قام النبي ﷺ وأصحابه لجنازة يهودي، حتى توارت.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٤٧)
و(١٤٤٢٧)، و«صحيح ابن حبان» (٣٠٥٠).
(١)
إسناده صحيح. القعنبيُّ: هو عبد الله بن مسلمة.
وهو في «موطأ مالك» ١/ ٢٣٢.
وأخرجه مسلم (٩٦٢)، والترمذي (١٠٦٥)،
والنسائي (١٩٩٩) من طريق يحيى ابن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (٩٦٢) من طريق عبد
الرحمن بن مهدي، والنسائي (٢٠٠٠) من طريق خالد بن الحارث كلاهما عن شعبة، عن محمد
بن المنكدر، عن مسعود بن الحكم، به.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٤٤) من طريق
وكيع، عن شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب، ولفظه
عنده: قام رسول الله ﷺ لجنازة فقمنا، حتى جلس فجلسنا. فأوهم في روايته أن ذلك كان
في جنازة واحدة بعينها، وهو خطأ، وإنما ذلك في زمنين مختلفين كما أوضحناه في
تعليقنا على ابن ماجه.
وهو في «مسند أحمد» (٦٢٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٥٦).
ولفقه الحديث انظر التعليق على
الحديث السالف برقم (٣١٧٢).
عن عُبادة بن الصامتِ، قال: كان
رسولُ الله ﷺ يقومُ في الجنازة حتى توضَع في اللحْد، فَمَرَّ حِبْرٌ من اليهود
فقال: هكذا نفعلُ، فجلسَ النبيُّ ﷺ، وقال: «اجْلِسُوا، خالِفُوهم» (١).
٤٨
- باب
الركوب في الجنازة
٣١٧٧
- حدَّثنا يحيى بن موسى البلْخِيُّ،
حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا مَعمَرٌ، عن يحيى بن أبي كثيرِ، عن أبي سلمةَ بن عبد
الرحمن بن عوف
عن ثوبانَ: أن رسولَ الله ﷺ أُتِيَ
بدابةٍ وهو مع الجنازة فأَبى أن يركبها، فلما انصرف أُتي بدابة فركِبَ، فقيل له،
فقال: «إنَّ الملائكةَ كانت تمشي فَلم أكنْ لأركبَ وهم يَمشون، فلمَّا ذهبُوا
ركبتُ» (٢).
(١) إسناده ضعيف. أبو الأسباط الحارثي -وهو
بشر بن رافع- وعبد الله بن سليمانِ ضعيفان، وسليمان بن جنادة منكر الحديث.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٤٥)، والترمذي
(١٠٤١) من طريق عبد الله بن سليمان،
بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث
غريب، أي: ضعيف.
(٢)
إسناده صحيح. وقد حسَّن إسناده البزار فيما نقله عنه المنذري في «مختصر السنن»،
وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وسكت عنه عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه الوسطى» ٢/
١٣٦، ولم يتعقبه ابن القطان، وصححه ابن دقيق العيد في «الاقتراح» ص ٤٣٤٨ - ٤٤٩ على
شرط الشيخين.
وأخرجه البزار في «مسنده» كما في
«مختصر سنن أبي داود» للمنذري ٤/ ٣١٤، والحاكم ١/ ٣٥٥، وعنه البيهقي ٤/ ٢٣ من طريق
معمر بن راشد، بهذا الإسناد. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى بهذا اللفظ
إلا عن ثوبان بهذا الإسناد، وهو حسن الإسناد، ولا نعلم كلامًا جاء به أحدٌ غيره
بإسناد متصل. وقد رواه عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا، لم يقل عن أبي
سلمة ولا ثوبان. ومعمر أثبتُ من عامر بن يساف. =
٣١٧٨ - حدَّثنا عُبيد الله بن مُعاذٍ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعبةُ، عن سماك
سمع جابرَ بن سَمُرةَ، قال: صلَّى
النبيُّ ﷺ على ابنِ الدَّحْداحِ ونحن شهودٌ، ثم أُتِي بفرسٍ فعُقِلَ حتى ركبَه،
فجعل يتوقَّصُ به ونحن نَسعَى حولَه (١).
= وأخرجه ابن ماجه (١٤٨٠)، والترمذي
(١٠٣٣) من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن ثوبان، عن النبي ﷺ. وأبو
بكر بن أبي مريم ضعيف الحديث.
وخالف أبا بكر بن أبي مريم ثورُ بن
يزيد الحمصي عند ابن أبي شيبة ٣/ ٢٨١، ومن طريقه ابنُ المنذر في «الأوسط» ٥/ ٣٨٦
فرواه عند راشد بن سعْد، عن ثوبان موقوفًا عليه وإسناده صحيح. وقد رجح البخاري
والبيهقي الموقوف من طريق راشد كما في «السنن الكبرى» ٤/ ٢٣.
وأما ما رواه جابر بن سمرة في الحديث
الآتي بعده، من ركوبه ﷺ فرسًا في جنازة ابن الدَّحْداح، فهو عند انصرافه من
الجنازة كما جاء ذلك واضحًا في نص رواية مسلم (٩٦٥)، ولهذا قال ملا علي القاري في
«المرقاة» ٢/ ٣٦٢: قال ابن الملك: يدل على جواز الركوب عند الانصراف من الجنازة.
قال القاري: وفيه أنه يُجوِّزُ ركوبَه عليه الصلاة والسلام لعذر، لكن سيأتي دليل
قولي على الجواز مطلقًا [يعني حديث المغيرة الآتي عند المصنف برقم (٣١٨٠) ولفظه:
«الراكب يسير خلف الجنازة»] وقال العلماء: لا يكره الركوب في الرجوع من الجنازة
اتفاقًا لانقضاء العبادة.
وقال عند حديث المغيرة بأنه إما
محمول على العُذر أو مقيد بحال الرجوع.
وقال عند حديثنا هذا ٢/ ٣٦٤: يحمل
على أنهم كانوا قدام الجنازة أو طرفها لئلا ينافي ما سبق من قوله عيه الصلاة
والسلام: «يسير الراكب خلف الجنازة» أي: حالة المراجعة.
(١)
إسناده حسن من أجل سماك -وهو ابن حرب- فهو صدوق حسن الحديث.
شعبة: هو ابن الحجاج، ومعاذ: هو ابن
معاذ العَنْبري.
وأخرجه مسلم (٩٦٥)، والترمذي (١٠٣٤)
و(١٠٣٥)، والنسائي (٢٥٢٦) من طرق عن سماك بن حرب، به.
٤٩ - باب المشي أمام الجنازة
٣١٧٩
- حدَّثنا القَعْنَبيُّ: حدَّثنا
سفيانُ بن عُيينةَ، عن الزهريِّ، عن سالمِ عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ الله ﷺ وأبا
بكر وعمرَ يَمشون أمامَ الجنازة (١).
= وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨٣٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٧١٥٧).
قال النووي في «شرح مسلم»: فيه جواز
مشي الجماعة مع كبيرِهم الراكب، وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن
فيه مفسدة، وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حقّ
التابع أو نحو ذلك من المفاسد.
والتوقُّص: قال الخطابي: هو أن ترفع
الفرس يديها وتثب به وثْبًا متقاربًا. وأصلُ الوقصِ الكسرُ.
(١)
إسناده صحيح. سالم: هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والقَعْنَبي: هو عبد الله
بن مَسْلَمة بن قَعْنَب. وقد اختُلف في وصل هذا الحديث وإرساله، فصحح الموصولَ
ابنُ المنذر في «الأوسط» ٥/ ٣٨٤، وابنُ حبان (٣٥٤٥ - ٣٠٤٧)، وابنُ حزم في «المحلى»
٥/ ١٦٤ - ١٦٥، والبيهقيُّ ٤/ ٢٣، وابنُ عبد البر في «المهيد» ١٢/ ٨٥ و٩١،
والنوويُّ في «خلاصة الأحكام» (٣٥٧١) و(٣٥٧٥)، وابن الجوزي في «التحقيق» (٨٧٨)،
وابن القطان في «بيان الوهم والايهام» ٥/ ٤١٩، وابن القيم في «تهذيب سنن أبي داود»
٤/ ٣١٥ - ٣١٦، وابن الملقن في «البدر المنير» ٥/ ٢٢٥. وإنما صححوا الموصول لأن
سفيان بن عيينة ثقة حافظ، وقد ضبط هذه الرواية إذ قال له علي ابن المديني: يا أبا
محمد، خالفك الناس في هذا الحديث، فقال: استيقن الزهري، حدثني مرارًا لستُ أحصيه،
سمعت من فيه يعيده ويبديه، عن سالم عن أبيه، على أنه متابع كما سيأتي.
وقد صحح المرسلَ ابنُ المبارك
والبخاريُّ فيما حكاه عنه الترمذي بإثر (١٠٣٠) ووافقهما عليه، وكذلك أحمدُ بن حنبل
كما في رواية الطبراني في «الكبير» (١٣١٣٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٠٨٢)،
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ١/ ٤٨٤، والدارقطني في «علله» كما في «البدر
المنير» لابن الملقن ٥/ ٢٢٧، والخطيب في «الفصل للوصل للمدرج في النقل» ١/ ٣٣١.
=
٣١٨٠ - حدَّثنا وهْبُ بن بقيّةَ، عن خالد،
عن يونسَ، عن زيادِ بن جُبيرٍ، عن أبيه
عن المغيرةِ بن شُعبةَ -قال: وأحسب
أن أهل زياد أخبروني أنه رفعه إلى النبي-ﷺ قال: «الراكبُ يَسيرُ خلفَ الجنازة،
والماشي يمشي خلفَها وأمامَها، وعن يمييها وعن يسارِها، قريبًا منها، والسَّقطُ
يُصَلَّى عليه، ويُدْعَى لِوالدَيه بالمغفرةِ والرحمةِ» (١).
= وأخرجه ابن ماجه (١٤٨٢)، والترمذي
(١٠٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٢٠٨٢) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٠٢٩)، والنسائي في
«الكبرى» (٢٠٨٣) من طريق همام بن يحيى، عن سفيان بن عيينة، عن منصور بن المعتمر
وبكر بن وائل وزياد بن سعد، عن الزهري، به. وذهب الترمذي والنسائي إلى أن هذه
الرواية الموصولة إنما هي رواية سفيان بن عيينة وحده دون الثلاثة الآخرين. ورد ذلك
ابن حزم في «المحلى» ٥/ ١٦٥، وابن القيم في «تهذيب السنن»، وغلَّطا من زعم ذلك،
وصححا أنه عن الأربعة موصولٌ. وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في «مسند أحمد»
(٤٥٣٩)، وفي «التمهيد» لابن عبد البر ١٢/ ٨٧ - ٩٣.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٨٣)، والترمذي
(١٠٣١) من طريق محمد بن بكر، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك. وقد
خطَّأ البخاريُّ فيما حكاه عنه الترمذي هذه الرواية«وكذلك خطأها ابن عبد البر
في»التمهيد«١٢/ ٩٢، وحجة البخاري أن محمد بن بكر قد أخطأ فيه، لكن لم ينفرد به
محمد بن بكر، بل تابعه أبو زرعة وهب الله بن راشد عند الطحاوي في»شرح المعاني«١/
٤٨١، وابن عبد البر في»التمهيد«١٢/ ٩٢.
وأخرجه مالك في»الموطأ«١/ ٢٢٥، وعبد
الرزاق في»مصنفه«(٦٢٥٩)، ومن طريقه الترمذي (١٠٣٠) عن معمر، كلاهما (مالك ومعمر)
عن الزهري أن رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر ... مرسلًا. قال ابن عبد البر
في»التمهيد" ١٢/ ٨٥: الصحيح فيه عن مالك الإرسال.
(١)
إسناده صحيح. جبير: هو ابنُ حيَّة، ويونس: هو ابن عُبيد، وخالد: هو ابنُ عبد الله
الواسطي الطحان. =
٥٠ - باب الإسراع بالجنازة
٣١٨١
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
عن الزهريِّ، عن سعيد بن المسيّب
عن أبي هريرة يبلغ به النبي ﷺ، قال:
«أسرِعُوا بالجنازة، فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقدِّمونها إليه، وإن تَكُ سوى ذلك
فشرٌّ تَضَعونَهُ عن رقابِكم» (١).
=وأخرجه ابن ماجه (١٥٠٧)، والترمذي
(١٠٥٢)، والنسائي (١٩٤٢) و(١٩٤٣) و(١٩٤٨) من طريق زياد بن جبير، به. واقتصر ابن
ماجه على ذكر الصلاة على السقط.
وهو في «مسند أحمد» (١٨١٦٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٤٩).
ولموضوع الركوب في أثناء تشييع
الجنازة انظر الحديث السالف برقم (٣١٧٧).
وقال الخطابي: اختلف الناس في الصلاة
على السقط، فروي عن ابن عمر أنه قال: يُصلَّى عليه وإن لم يستهل، وبه قال ابن
سيرين وابن المسيب.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه:
كلما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صُلِّي عليه.
وقال إسحاق: وإنما الميراث
بالاستهلال، فأما الصلاة فإنه يُصلَّى عليه لأنه نسمة تامة قد كتب عليه الشقاء
والسعادة، فلايّ شيء يتركُ الصلاةُ عليه؟!
وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا استهل
وُرِّث وصُلِّي عليه.
وعن جابر: إذا استهل صُلِّي عليه،
وإن لم يستهل لم يُصلِّ عليه، وبه قال أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي
والشافعي.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، ومُسَدَّدٌ: هو ابنُ مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (١٣١٥)، ومسلم (٩٤٤)،
وابن ماجه (١٤٧٧)، والترمذي (١٠٣٦)، والنسائي (١٩١٥) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه مسلم (٩٤٤)، والنسائي (١٩١١)
من طريق يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهْل بن حُنيف، عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٦٧)، و«صحح
ابن حبان» (٣٠٤٢).
٣١٨٢ - حدَّثنا مُسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا
شعبةُ، عن عُيينةَ بن عبد الرحمن ابن جَوشَن
عن أبيه: أنه كان في جنازة عثمانَ بن
أبي العاصِ، وكنا نمشي مشيًا خفيفًا، فلحِقَنا أبو بكرةَ فرفَعَ سوطه، فقال: لقد
رأيتُنا مع رسولِ الله ﷺ نَرْمُلُ رَمَلًا (١).
٣١٨٣
- حدَّثنا حُميد بن مَسْعَدةَ، حدَّثنا
خالدُ بن الحارث وحدَّثنا إبراهيمُ ابن موسى الرازي، أخبرنا عيسى بنُ يونس
عن عُيينة، بهذا الحديث، قالا: في
جنازة عبد الرحمن بن سمُرةَ، وقال: فحمل عليهم بغلته، وأهوَى بالسَّوطِ (٢).
٣١٨٤
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو
عَوانةَ، عن يحيى المُجَبِّر -قال أبو داود: وهو يحيى بن عبد الله التِّيمي- عن
أبي ماجدةَ
عن ابن مسعود، قال: سألْنا نبيَّنا
ﷺ، عن المشي مع الجنازة، فقال: «ما دُونَ الخَبَبِ، إن يكن خيرًا تُعجَّلُ إليه،
وإن يكن غيرَ ذلك
(١) إسناده صحيح. عيينة بن عبد الرحمن: هو
الغَطَفاني. وشعبة وحده الذي قال في روايته: في جنازة عثمان بن أبي العاص، وخالفه
جماعة الرواة عن عيينة فقالوا: في جنازة عبد الرحمن بن سمرة كما في الطريق الآتي
بعده. وانظر تخريجه عنده.
قال المنذري في»مختصر السنن«:
والرّمَل: بفتح الراء وفتح الميم في الاسم والفعل والماضي: وثبٌ في المشي، ليس
بالشديد مع هز المنكِبين. وقيل: الرمل أن يهز منكبيه ولا يُسرع.
قال: وأهوى بالسَّوط: أمالَه.
(٢)
إسناده صحيح كسابقه.
وأخرجه النسائي (١٩١٢) و(١٩١٣) من
طريقين عن عيينة بن عبد الرحمن، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٠٣٧٥)، و»صحيح
ابن حيان" (٣٠٤٣) و(٣٠٤٤).
فَبُعدًا لأهل النار، والجنازةُ
متبوعةٌ ولا تَتْبَع، ليس معها من تَقَدَّمَها«(١).
قال أبو داود: وهو ضعيف، هو يحيى بن
عبد الله، وهو يحيى الجابر (٢).
قال أبو داود: وهذا كوفي، وأبو ماجدة
بصري.
٥١
- باب
الإمام يُصلّي على مَن قتَل نفسَه
٣١٨٥
- حدَّثنا ابنُ نُفَيل، حدَّثنا زهيرٌ،
حدَّثنا سماكٌ
حدَّثني جابر بن سمُرةَ، قال: مرضَ
رجلٌ، فَصِيحَ عليه، فجاء جارُه إلى رسولِ الله ﷺ، فقال: إنه قد مات، قال: له وما
يُدْرِيك؟» قال: أنا رأيته، قال رسول الله ﷺ: «إنَّهُ لم يَمُتُ»، قال: فرجع،
فصِيح عليه، فجاء إلى رسولِ الله ﷺ، فقال: إنه قد مات، فقال النبيُّ ﷺ: «إنه
(١) إسناده ضعيف لجهالة أبي ماجدة، ولضعف
الراوي عنه وهو يحيى بن عبد الله التيمي.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٨٤)، والترمذي
(١٠٣٢) من طريق يحيى بن عبد الله التيمي، به. ورواية ابن ماجه مختصرة بذكر المشي
خلف الجنازة.
وهو في»مسند أحمد«(٣٥٨٥).
وله شواهد لا يُفرح بها، ذكرها
الزيلعي في»نصب الراية«٢/ ٢٩٠ - ٢٩٣.
و»الخبب«قال المنذري في»مختصر
السنن«: هو ضربٌ من العدْو، وقال الأصمعي: إذا صار السير إلى العدْو، فهو الخبب،
وهو أن يراوح بين يديه.
وقال غيره: إذا راوح بين يديه
ورجليه، يعني الفرس.
قلنا: قوله:»ليس معها من تقدمها«قال
المناوي في»فيض القدير" ٣/ ٣٦٠: أي لا يعد مشيعًا لها، قال الطبري: هذا تقرير
بعد تقرير، ينبغي من تقدم الجنازة ليس ممن يشيعها، فلا يثبت له الأجر.
(٢)
وقال في رواية ابن الأعرابي: هذا الإسناد ضعيف. أشار إليه في هامش (أ).
لم يَمُتْ» فرجع، فصِيح عليه، فقالت
امرأتُه: انطلق إلى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال الرجل: اللهم الْعنْه، قال: ثم انطلق
الرجلُ، فرآه قد نحر نفسه بمِشْقَصٍ معه، فانطلق إلى النبي ﷺ فأخبره أنه قد مات،
قال: «وما يدريك؟» قال: رأيته ينحر نفسه بمَشَاقِصَ معه، قال: «أنتَ رأيتَه؟» قال:
نعم، قال: «إذًا لا أُصلِّي عليه» (١).
(١) إسناده حسن. سماك: هو ابن حرب، وزهير: هو
ابن معاوية الجُعفي، وابن نُفَيل: هو عبد الله بن محمد نُفَيل الحرّاني.
وأخرجه مختصرًا مسلم (٩٧٨)، وابن
ماجه (١٥٢٦)، والترمذي (١٠٩١)، والنسائي (١٩٦٤) من طرق عن سماك بن حرب، به. وقال
الترمذي: حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨١٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٩٣).
قال الخطابي: وقد اختلفَ الناسُ في
هذا، فكان عمر بن عبد العزيز لا يرى الصلاة على من قتل نفسَه، وكذلك قال الأوزاعي،
وقال أكثر الفقهاء: يُصلَّى عليه.
قلنا: وأخرج الإِمام أحمد (١٤٩٨٢)،
ومسلم (١١٦) وغيرهما من حديث جابر ابن عبد الله: أن النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة
هاجر إليه الطُّفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع،
فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطُّفيل بن عمرو في
منامه، فرآه في هيئة حسنةٍ، ورآه مغطيًا يده، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي
بهجرتي إلى نبيه ﷺ، فقال: فمالي أراك مغطيًا يدك؟ قال: قيل لي: لن نُصلح منك ما
أفسدت، قال فقصّها الطُّفيل على رسول الله ﷺ. فقال رسول الله ﷺ: «اللهم وليديه
فاغفر» قال النووي: في «شرح مسلم» ٢/ ١٣١ - ١٣٢: في هذا الحديث حجة لقاعدة عظيمة
لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيْرها ومات من غير توبة فليس بكافر، بل
هو في حكم المشيئة، وهذا الحديث شرح للأحاديث الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس
وغيره من أصحاب الكبائر في النار، ونيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، فإن هذا
عوقب في يديه، ففيه رد على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر، والله أعلم.
والمِشقص: هو نصْل السَّهْم إذا كان
طويلًا، وليس بالعريض. قاله أبو عبيد.
٥٢ - باب الصلاة على من قتلتْه الحدودُ
٣١٨٦
- حدَّثنا أبو كاملٍ، حدَّثنا أبو
عَوانةَ، عن أبي بشْرٍ، حدَّثني نفرٌ من أهل البصرةِ عن أبي بَززَةَ الأسلميِّ: أن
رسول الله ﷺ لم يُصَلِّ على ماعزِ بن مالكِ، ولم ينْه عن الصلاةِ عليه (١).
(١) إسناده صحيح. ولا يضر إبهام هؤلاء النفر
البصريين، لأنهم جمع. أبو بشر: هو جعفر بن إياس، وأبو عوانة: هو الوضاح بن عبد
الله اليشكري، وأبو كامل: هو الفُضيل بن الحُسين الجَحْدري.
وأخرجه ابن الجوزي في «التحقيق»
(٩٠٤) من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وقد جاءت قصة ماعز عند البخاري
(٦٨٢٠) عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن
جابر بن عبد الله وفيها زيادة: أن النبي ﷺ صلَّى على ماعز الأسلمي. قال الخطابي في
«مختصر السنن» ٤/ ٣٢١: خالف محمودَ بن غيلان في هذه الزيادة -يعني لم يذكروها-
ثمانية من أصحاب عبد الرزاق. وفيهم هؤلاء الحفاظ: إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى
الذهلي وحميد بن زنجويه، ونقل عن البيهقي قوله [وهو في «معرفة السنن والآثار» ١٢/
٣٠٢]: ورواه البخاري عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، إلا أنه قال: «فصَلى عليه»
وهو خطأ لاجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثم إجماع أصحاب الزهرى على خلافه.
وقد خرَّج الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٣٠
هذا الحديث يعني حديث جابر من طرق ثم قال: فهؤلاء أكثر من عشرة أنفُس خالفوا
محمودًا، منهم من سكت عن الزيادة، ومنهم من صرح بنفيها.
قلنا: جاء التصريح بنفيها في رواية
المصنف الآتية برقم (٤٤٣٠) من طريقين عن عبد الرزاق. وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٦٢)
عن عبد الرزاق.
ويخالفُ حديث أبي برزة وحديث جابر
حديثُ عمران بن حصين عند مسلم (١٦٩٦) وسيأتي عند المصنف (٤٤٤٠) في قصة الجهنية
التي زنت أن النبي ﷺ صلَّى عليها. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= ونقل الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٣١ في
حل هذا التعارض عن ابن العربي قوله: لم يثبت أن النبي ﷺ صلَّى على ماعز، قال:
وأجاب من منع عن صلاته على الغامدية لكونها عرفت الحكم وماعزٌ إنما جاء مُستفهمًا،
قال: وهو جواب واهٍ، وقيل: لأنه قتله غضبًا لله وصلاته رحمة فتنافيا، قال: وهذا
فاسد لأن الغضب انتهى. قال: ومحل الرحمة باقٍ، والجواب المُرضي أن الإِمام حيث ترك
الصلاة على المحدود كان ردعًا لغيره. قلتُ [القائل ابن حجر]: وتمامه أن يُقال:
وحيث صلَّى عليه يكون هناك قرينة لا يحتاج معها إلى الردع، فيختلف حينئذٍ باختلاف
الأشخاص.
وذهب الطحاوي في «شرح مشكل الآثار»
١/ ٣٧٩ إلى أن عدم صلاته ﷺ على ماعز إنما كان لأن ماعزًا لما هرب من الرجم يحتمل
أن يكون ذلك الهرب كان منه لرجوع كان عما أقر به أو فرارًا من إقامة العقوبة التي
قد لزمته عليه، وكان مذمومًا في كل واحدة من هاتين الحالتين، فترك النبي ﷺ الصلاة
عليه لذلك، لأن من سنته أن لا يصلي على المذمومين من أمته كما لم يصلّ على قاتل
نفسه، وإن كان مسلمًا، وكما لم يصلّ على الغالِّ من الغزاة معه بخيبر.
قال الحافظ في «الفتح» ١٢/ ١٣١: وقد
اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فقال مالك: يأمر الإمام بالرجم ولا يتولاه بنفسه،
ولا يرفع عنه حتى يموت، ويُخلى بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه، ولا يصلي عليه
الإمام ردعًا لأهل المعاصي إذا علموا أنه ممن لا يُصلَّى عليه، ولئلا يجترئ الناس
على مثل فعله، وعن بعض المالكية: يجوز للإمام أن يصلي عليه، وبه قال الجمهور،
والمعروف عن مالك أنه يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم، وهو قول أحمد،
وعن الشافعي: لا يُكره، وهو قول الجمهور، وعن الزهري: لا يُصلَّى على المرجوم ولا
على قاتل
نفسه، وعن قتادة: لا يُصلَّى على
المولود من الزنى، وأطلق عياض فقال: لم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسق
والمعاصي والمقتولين في الحدود، وإن كره بعضهم ذلك لأهل الفضل إلا ما ذهب إليه أبو
حنيفة في المحاربين وما ذهب إليه الحسن في الميتة من نفاس الزنى وما ذهب إليه
الزهري وقتادة.
٥٣ - باب الصلاة على الطفل
٣١٨٧
- حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارسِ،
حدَّثنا يعقوبُ بن إبراهيمَ بن سعْدٍ، حدَّثنا أبي، عن ابن إسحاقَ، حدَّثني عَبدُ
الله بن أبي بكر، عن عَمرةَ بنتِ عبد الرحمن
عن عائشةَ، قالت: مات إبراهيمُ بنُ
النبي ﷺ وهو ابنُ ثمانيةَ عشرَ شهرًا، فلم يصلِّ عليه رسولُ الله ﷺ (١).
(١) إسناده حسن محمد بن إسحاق، صرح بالتحديث
فانتفت شبهة تدليسه. وقد صححه ابن حزم في «المحلى» ١٥٨/ ٥، ونقل العجلوني تصحيحه
عن ابن خزيمة، وحسن إسناده الحافظ في «الإصابة» وقال الخطابي: هو أحسن اتصالًا من
حديث عطاء -يعني حديثه الآتي عند المصنف برقم (٣١٨٨) - لكن الأمام أحمد قال في
رواية حنبَل عنه كلما في «الإصابة» ١/ ١٧٣: حديث منكر، ونقل الحافظ في «الإصابة»
أيضًا عن ابن عبد البر أنه قال: حديث عائشة لا يصح.
وهو في «السيرة النبوية» لابن إسحاق
-رواية أحمد بن عبد الجبار العُطاردي، عن يونس بن بكير، القسم المطبوع- (٤٠٨)، ومن
طريقه أخرجه أحمد في «مسنده» (٢٦٣٠٥).
وأخرجه ابنُ إسحاق في «سيرته» (٤٠٧)
عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، به مرسلًا ورجاله ثقات.
وقد روي ما يخالف هذا بأنه ﷺ قد
صلَّى على ابنه إبراهيم من حديث البراء بن عازب عند ابن سعد في «طبقاته» ١/ ١٤٠،
وأحمد (١٨٤٩٧)، والبيهقي ٤/ ٩. وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، وقد
اختلف فيه فمرة يرويه عن الشعبي، عن البراء، ومرة عن الشعبي مرسلًا. وقد ضعفه
المنذري في «مختصر السنن». رادًا على البيهقي حيث قواه بالمراسيل الآتي ذكرها ٤/ ٩.
ومن حديث أبي سعيد الخدري عند البزار
(٨١٦ - كشف الأستار) وإسناده ضعيف.
ومن حديث جعفر بن محمد، عن أبيه عند
ابن سعد ١/ ١٤١ وهو مرسلٌ.
ومن حديث قتادة بن دعامة عند ابن سعد
١/ ١٤٠ وهو مرسل كذلك. =
٣١٨٨/ ١ - حدَّثنا هنَّاد بن السَّرِيٌ، حدَّثنا محمدُ بن
عُبيدٍ، عن وائلِ بن داودَ، قال: سمعت البَهيَّ قال: لما ماتَ إبراهيمُ بنُ النبي
ﷺ صلَّى عليه رسولُ الله ﷺ في المقاعد (١).
٣١٨٨/
٢
- قال أبو داود: قرأتُ على سعيدِ بن
يعقوبَ الطالقانيُّ: حدَّثكم ابنُ المبارك، عن يعقوبَ بن القَعقاعِ
= ومن حديث عطاء بن أبي رباح سيأتي عند
المصنف برقم (٤/ ٣١٨٨)، وهو مرسل أيضًا.
ومن حديث عبد الله البهي، سيأتي عند
المصنف بعده، وهو مرسل.
قال الخطابي: كان بعض أهل العلم
يتأول ذلك على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى بنبوة رسول الله ﷺ عن
قُربة الصلاة، كما استغنى الشهداء بقربة الشهادة عن الصلاة عليهم.
وقد روى عطاء مرسلًا: أن النبي ﷺ
صلَّى على ابنه إبراهيم، ورواه أبو داود في حديث الباب ...
قلت [القائل الخطابي]: وهذا أولى
الأمرين، وان كان حديث عائشة أحسن اتصالًا. وقد روي أن الشمس قد خُسفت يوم وفاة
إبراهيم، فصلى رسول الله ﷺ صلاة الخسوف، فاشتغل بها عن الصلاة عليه، والله أعلم.
قلنا: ونقل الزيلعي في «نصب الراية»
٢/ ٢٨١ عللًا أخرى منها: أنه قيل: إنه لا يصلي نبي على نبي، وقد جاء أنه لو عاش
لكان نبيًا، قال: وقيل: المعنى أنه لم يصل عليه بنفسه وصلى عليه غيره، والله أعلم
بالصواب.
(١)
رجاله ثقات، لكنه مرسلٌ. البهي: هو عبد الله مولى مصعب بن الزبير، ومحمد ابن
عُبيد: هو الطنافسي.
وأخرجه البيهقي ٤/ ٩ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وهو في «مراسيل أبي داود» (٤٣١) عن
هناد بن السَّري وعثمان بن أبي شيبة، به. وانظر ما بعده.
والمقاعد: موضع بقرب المسجد النبوي،
كان يتخذ للقعود للحوائج والوضوء.
عن عطاء: أن النبيَّ ﷺ صلَّى على
ابنهِ إبراهيمَ وهو ابن سبعين ليلةً (١).
٥٤
- باب
الصلاة على الجنازة في المسجد
٣١٨٩
- حدَّثنا سعيدُ بن مَنصورٍ، حدَّثنا
فليحُ بن سليمان، عن صالحِ بن عَجْلان ومحمد بن عبد الله بن عبَّادٍ، عن عبَّاد بن
عَبد الله بن الزبير
عن عائشة، قالت: واللهِ ما صَلَّى
رسولُ الله ﷺ على سُهَيل ابن البَيضاء إلا في المسجدِ (٢).
(١) رجاله ثقات، لكنه مرسل. عطاء: هو ابن أبي
رباح، وابن المبارك: هو عبد الله.
وهو في «المرسيل» لأبي داود (٤٣٢)،
ومن طريق أخرجه البيهقي ٤/ ٩.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف فُليح بن سُليمان، وجهالة صالح بن عجلان ومحمد بن
عبد الله بن عبّاد، وقد تُوبعوا.
وأخرجه ابن ماجه (١٥١٨) من طريق فليح
بن سليمان، عن صالح بن عجلان وحده، به.
وأخرجه مسلم (٩٧٣)، والترمذي (١٠٥٤)،
والنسائي (١٩٦٧) و(١٩٦٨) من طريق عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن
الزبير، به. وليس عند أحد منهم ذكر القَسَم.
وسيأتي بعده عند المصنف من وجه آخر
عن عائشة.
قال النووي في «شرح مسلم»: قال
العلماء: بنو بيضاء ثلاثة إخوة سَهْل وسُهيل وصفوان، وأمهم البيضاء اسمها دَعْد،
والبيضاء وصف، وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفِهْري، وكان سُهيل قديم الإسلام،
هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وغيرها، توفي
سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه.
قال في «المجموع» ٥/ ٢١٣: الصلاة على
الميت في المسجد صحيحة جائزة لا كراهة فيها، بل هي مستحبة ... هذا مذهبنا، وحكاه
ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر، وهو مذهب عائشة وسائر أزواج النبي ﷺ وغيرهن من
الصحابة رضي الله عنهم وأحمد وإسحاق وابن المنذر وغيرهم من الفقهاء وبعض أصحاب
مالك، وقال مالك وأبو حنيفة وابن أبي ذئب: تكره الصلاة عليه في المسجد.
٣١٩٠ - حدَّثنا هارونُ بن عَبد الله،
حدَّثنا ابنُ أبي فُدَيكٍ، عن الضحّاك -يعني ابنَ عثمانَ- عن أبي النضْرِ، عن أبي
سلمةَ
عن عائشة، قالت: والله لقد صلَّى
رسولُ الله ﷺ على ابنَى بيضاء في المسجد: سُهَيْلِ، وأخيه (١).
٣١٩١
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
ابنِ أبي ذئبٍ، حدثني صالحٌ مولى التَّوْأمةِ
(١) حديث صحيح دون ذكر أخي سُهَيل، وهذا
إسناد اختلف فيه عن أبي النضر، فقد رواه الضحاك بن عثمان -وهو دون الثقة-، عن أبي
النضر كما رواه المصنف، وخالفه مالك والماجشون -وهما حافظان- فيما قاله الدارقطني
في «التتبع» ص ٥١١، وفي «العلل» ٥/ ورقة ٧٤، فروياه عن أبي النضر، عن عائشة مرسلًا
دون ذكر أبي سلمة، ثم قال الدارقطني في «العلل»: وأرسله ابن القطان فقال: عن مالك،
عن أبي النضر: أن رسول الله ﷺ، ولم يذكر عائشة، كذلك قال عنه حفص بن عمرو الربالي.
وقال بندار عن يحيى [بن سعيد القطان] مثل قول القعنبيّ، ثم قال: والصحيح المرسل
[يعني رواية مالك والماجشون]. وقد اختُلف أيضًا عن الضحاك في متنه فمرة يذكر فيه
سُهيلًا وأخاه ابني بيضاء كما عند المصنف هنا وكما عند مسلم، ومرة يذكر سُهيلًا
وحده، وهي رواية مالك والماجشون، وهي رواية عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة،
وهو الصحيح. أبو النضر: هو سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عُبيد الله التيمي.
وأخرجه مسلم (٩٧٣) (١٠١) من طريق
الضحاك بن عثمان، بهذا الإسناد.
وأخرجه مالك في «موطئه» ١/ ٢٢٩ عن
أبي النضر، عن عائشة دون ذكر أبي سلمة، واقتصر فيه على ذكر سُهيل بن بيضاء.
وأخرجه الدارقطني في «العلل» ٥/ ورقة
٧٤ من طريق محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القطان، عن مالك بن أنس، عن سالم أبي
النضر، عن عائشة.
وأخرجه في «العلل» ٥/ ورقة ٧٤ من
طريق حفص بن عمرو، عن يحيى القطان، عن مالك بن أنس، عن سالم أبي النضر: أن رسول
الله ﷺ مرسلًا.
وقد سلف قبله من وجه آخر.
عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَنْ صَلى على جنازة في المسجد فلا شيء له» (١).
٥٥
- باب
الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها
٣١٩٢
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شَيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا موسى بنُ عُلَيٍّ بن رَباح، سمعت أبي يحدَّث
(١) إسناده ضعيف. صالح مولى التوأمة قد
اختلط، وهو ضعيف فيما انفرد به، لا سيما أنه خالف في رواية هذه حديثَ عائشة الصحيح
السابق، وقد ضعف هذا الحديثَ الامامُ أحمد فيما حكاه النووي في «شرح مسلم» -شرح
الحديث (٩٧٣) - وضعفه كذلك ابن المنذر في «الأوسط» ٥/ ٤١٦، وابن حبان في
«المجروحين»، وابن حزم في «المحلى» ٥/ ١٦٣، والخطابي، والبيهقي في
«السنن»الكبرى«٤/ ٥٢، وابن عبد البر في»التمهيد«٢١/ ٢٢٢، وابن الجوزي
في»العلل«المتناهية» (٦٩٦)، وابن القطان في «بيان الرهم والإيهام» ٤/ ١٥٧.
وأخرجه ابنُ ماجه (١٥١٧) من طريق
وكيع، عن ابن أبي ذئب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٩٧٣٠).
وانظر فقه الحديث عند حديث عائشة
السالف برقم (٣١٨٩).
وقد حاول ابن عبد البر في التمهيد،
أن يوفق بين هذا الحديث وبين حديث عائشة وأن ينفي التضاد بينهما فقال: هذا هو
الصحيح في هذا الحديث، قالوا: ومعنى: لا شيء له يريد: لا شيء عليه، قالوا: وهذا
صحيح معروف في لسان العرب، قال الله عز وجل: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ بمعنى: فعليها ومثله كثير.
قالوا: وصالح مولى التوأمة - مِن أهل
العلم بالحديث مَن لا يقبل شيئا من حديثه لضعفه، ومنهم مَن يقبل مِن حديثه ما رواه
ابن أبي ذئب عنه خاصة، لأنه سمع منه قبل الاختلاط، ولا خلاف أنه اختلط، فكان لا
يضبط ولا يعرف ما يأتي به، ومثل هذا ليس بحجة فيما انفرد به، وليس يعرف هذا الحديث
من غير روايته البتة، فإن صح، فمعناه ما ذكرنا وبالله توفيقنا.
قلت: وقوله: إن صالحا مولى التوأمة
سمع منه ابن أبي ذئب قبل الاختلاط. فيه نظر، فقد حكى الترمذي عن الإِمام البخاري،
عن أحمد: أن سماعه منه بعد الاختلاط.
أنه سمع عُقبةَ بن عامرٍ، قال: ثلاثُ
ساعاتِ كان رسولُ الله ﷺ ينهانا أن نصليَ فيهن، أو نقبُرَ فيهن موتانا: حين تطلعُ
الشمسُ بازغَةَ حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تَميلَ، وحين تَضَيَّفُ
الشمسُ للغُروب حتى تغربَ. أو كما قال (١).
٥٦
- باب إذا
حضر جنائزُ رجالٍ ونساءٍ، مَنْ يُقدَّم؟
٣١٩٣
- حدَّثنا يزيدُ بن خَالدِ بن مَوهَبِ
الرَّمْليُّ، حدَّثنا ابنُ وهْبٍ، عن ابنِ جُريجٍ، عن يحيى بن صَبيحٍ، قال:
حدَّثني عمارٌ مولى الحارث بن
نَوفَلِ: أنه شهد جنازةَ أُمِّ كلثوم وابنِها، فجُعل الغلامُ مما يلي الامامَ،
فانكرتُ ذلك، وفي القوم ابنُ
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (٨٣١)، وابن ماجه
(١٥١٩)، والترمذي (١٠٥١)، والنسائي (٥٦٠) و(٥٦٥) و(٢٠١٣) من طريق مرسى بن عُلَيِّ
بن رباح، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٣٧٧)، و«صحيح
ابن حبان» (١٥٤٦) و(١٥٥١).
قال الخطابي: قوله: «تَضَيَّفُ»
معناه: تميل وتجنح للغروب، يقال: ضاف الشيءُ يَضيف بمعنى: مال، ومنه اشتق اسم
الضّيف، ويقال: ضِفتُ الرجلَ: إذا ملتَ نحوه وكنت له ضيفًا، وأضفته إذا أملته إلى
رحلك فقربته.
واختلف الناسُ في جواز الصلاة على
الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهية الصلاة على
الجنائز في الأوقات التي تكره الصلاة فيها، وروي ذلك عن ابن عمر، وهو قول عطاء
والنخعي والأوزاعي، وكذلك قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهويه. وكان الشافعي يرى الصلاة على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار، وكذلك
الدفن أي وقت كان من ليل أو نهار. قلت [القائل الخطابي]: قول الجماعة أولى
لموافقته الحديث.
عباس، وأبو سعيد الخدريُّ، وأبو
قتادةَ، وأبو هريرةَ، فقالوا: هذه السُّنَّةُ (١).
٥٧
- باب أين
يقوم الأمامُ من الميت إذا صلَّى عليه
٣١٩٤
- حدَّثنا داودُ بن مُعاذٍ، حدَّثنا
عبدُ الوارثِ
عن نافعِ أبي غالبِ، قال: كنت في
سِكَّة المِرْبَد، فمرت جنازة معها ناسٌ كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عُمير،
فتبعتُها، فإذا أنا برجل عليه كساءٌ رقيق على بُرَيْذِينَةِ، على رأسِه خِرقةٌ
تقيه من الشمسِ، فقلت: من هذا الدِّهْقَانُ؟ فقالوا: أنس بن مالك، فلما وُضِعتِ
الجنازة قام أنسٌ، فصلى عليها وأنا خلفَه لا يحُول بيني وبينه شيءٌ، فقام عند
رأسِه فكبَّر أربع تكبيراتٍ لم يُطِلْ ولم يُسرعْ، ثم ذهب يقعُد، فقالوا:
(١) إسناده صحيح. ابن جريج -وهو عبد الله بن
عبد العزيز- وإن لم يُصرِّح بالسماع متابع، وقد صحح إسناده النووي في «خلاصة
الأحكام» (٣٤٥٩)، وابن الملقن في «البدر المنير» ٥/ ٣٨٤.
وأخرجه النسائي (١٩٧٧) من طريق عطاء
بن أبي رباح، عن عمار بن أبي عمار، به وإسناده صحيح.
وأخرجه النسائي (١٩٧٨) من طريق ابن
جريج، قال: سمعت نافعًا يزعم أن ابن عمر صلَّى على تسع جنائز فجعل الرجال يلون
الإِمام والنساء يلين القبلة، فصَفَّهُن صفًا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت
علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، وضعا جميعًا، والأمام يومئذٍ سعيد
بن العاص، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي
الأمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة
فقلت: ما هذا؟! قالوا: هي السنة.
وإسناده صحيح. وقد حسن إسناده النووى
في «الخلاصة» (٣٤٦٢)، وابن الملقن في «البدر المنير» ٥/ ٣٨٥، وصححه ابن حجر في
«التلخيص الحبير» ٢/ ١٤٦.
يا أبا حمزةَ، المرأةَ الأنصاريةَ!
فقرَّبوها وعليها نعشٌ أخضرُ، فقام عند عَجِيزتها، فصَلَّى عليها نحو صلاتِه على
الرجل، ثم جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزةَ، هكذا كان رسولُ الله ﷺ يُصلِّي
على الجنازة كصلاتك: يكبّر عليها أربعًا، ويقوم عند رأسِ الرجل وعَجيزة المرأةِ؟
قال: نعم، قال: يا أبا حمزةَ، غزوتَ مع رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، غزوت معه
حُنَيْنًا، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلَنا وراءَ ظهورِنا، وفي القوم
رجلٌ يحمل علينا فيدقُّنا ويحَطِمُنا، فهزمهم اللهُ، وجعل يُجاء بهم فيبايعونه على
الإسلام، فقال رجل من أصحابِ النبي ﷺ: إن علىَّ نذرًا إن جاء الله عز وجل بالرجل
الذي كان منذ اليومِ يحَطِمُنا لأضربنَّ عنقَه، فسكتَ رسولُ الله ﷺ، وجيء بالرجل،
فلما رأى رسولَ الله ﷺ، قال: يا رسول الله، تبتُ إلى الله، فأمسك رسولُ الله ﷺ عنه
لا يُبَايعه ليفيَ الآخَر بنذْرِه، قال: فجعل الرجل يَتَصَدَّى لرسولِ الله ﷺ
ليأمرَه بقتلِه، وجعل يَهابُ رسولَ الله ﷺ أن يقتلَه، فلما رأى رسولُ الله ﷺ أنه
لا يصنع شيئًا بايعه، فقال الرجلُ: يا رسولَ الله، نَذْرِي، فقال: «إني لم
أُمْسِكْ عَنهُ منذُ اليومِ إلاَّ لتُوفِيَ بنذرك»، قال: يا رسولَ الله، ألا
أوْمَضْتَ إليّ؟ فقال رسول الله ﷺ: «إنَّهُ ليَس لِنبيٍّ أن يُومِضَ» قال أبو
غالبِ: فسألتُ عن صنيعِ أنسٍ في قيامه على جنازة المرأة عند عَجيزتِها، فحدَّثوني
أنه إنما كان لأنه لم تكن النُّعوشُ، فكان يقوم الإمامُ حِيالَ عَجيزتها يستُرها
من القومِ (١).
(١) إسناده صحيح. عبد الوارث: هو ابن سعيد.
وقد صححه ابن الملقن في «البدر المنيير» ٥/ ٢٥٧. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٤)، والترمذي
(١٠٥٥) من طريق همام بن يحيى العوذي، عن أبي غالب، به واقتصر على قصة مقام أنس من
الرجل والمرأة في الجنازة. وقال الترمذي: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (١٢١٨٠).
قال الخطابي: «الإيماض»: الرمز
بالعين، والإيماء بها، ومنه: وميض البرق، وهو لمعانه. وأما قوله: «ليس لنبي أن
يُومِض» فإن معناه: أنه لا يجوز له فيما بينه وبين ربه عز وجل أن يُضمِر شيئًا،
ويظهر خلافه؛ لأن الله تعالى إنما بعثه بإظهار الدين، وإعلان الحق، فلا يجوز له
ستره وكتمانه؛ لأن ذلك خداع، ولا يحل له أن يؤمن رجلًا في الظاهر ويخفره في الباطن.
وفي الحديث دليل على الإِمام بالخيار
بين قتل الرجال البالغين من الأسارى، وبين حقن دمائهم، ما لم يسلموا، فإذا أسلموا
فلا سبيل له عليهم.
وقد اختلف الناس في موقف الإِمام من
الجنازة:
فقال أحمد: يقوم من المرأة بحذاء
وسطها، ومن الرجل بحذاء صدره.
وقال أصحاب الرأي: يقوم من الرجل
والمرأة بحذاء الصدر.
وأما التكبير: فقد روي عن النبي ﷺ
خمس وأربع. فكان آخر ما كان يكبر أربعًا.
وكان علي بن أبي طالب يكبر على أهل
بدر ست تكبيرات، وعلى سائر الصحابة خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا، وكان ابن عباس
يرى التكبير على الجنازة ثلاثًا.
قلنا: قوله: بُرَيْذِينَه، تصغير
بِرْذَونَة، والذكر بِرذَون، والبراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العراب.
والدهقان، قال ابن الأثير: بكسر
الدال وضمها: رئيس القرية ومقدَّم التُّنَّاء وأصحاب الزراعة، وهو معرَّب، ونونه
أصلية، لقولهم: تدهْقَنَ الرجلُ، وله دَهْقنة بموضع كذا. وقيل: النون زائدة وهو من
الدَّهْق: الامتِلاء.
وقال في اللسان: الدِّهقان: القوي
على التصرف مع حِدَّة.
وعَجِيزة المرأة: عَجُزُها.
=
قال أبو داود: قولُ النبي ﷺ:
«أُمِرتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلا الله» نَسَخَ منْ هذا الحديث
الوفاءَ بالنذر في قتله لقوله: إني قد تبت (١).
٣١٩٥
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يزيدُ بن
زُرَيعِ، حدَّثنا حسينٌ المعلمُ، حدَّثنا عبدُ الله بن بُريدة
عن سمرة بن جندب، قال: صليتُ وراء
النبي ﷺ على امرأةٍ ماتت في نِفاسها، فقام عليها للصلاة وَسْطَهَا (٢).
٥٨
- باب
التكبير على الجنازة
٣١٩٦
- حدَّثنا محمدُ بن العلاء، قال:
حدَّثنا ابنُ إدريسَ، قال: سمعتُ أبا إسحاقَ
= وقد وقع عند الترمذي في روايته لهذا
الحديث أن المرأة من قريش، خلافًا لما هو عند المصنف هنا أنها أنصارية، ونقل ابن
الملقن في «البدر المنير» ٥/ ٢٥٨ عن النووي في «شرح المهذب» [٥/ ١٧٩]: أنه يجمع
بينهما بان المرأة لعلها كانت من إحدى الطائفتين، ولها حِلف من الأخرى، أو زوجها
من الأخرى.
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن الأعرابي.
(٢)
إسناده صحيح. حسين المعلم: هو ابن ذكوان، ومُسدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (٣٣٢)، ومسلم (٩٦٤)،
وابن ماجه (١٤٩٣)، والترمذي (١٠٥٦)، والنسائي (٣٩٣) و(١٩٧٦) و(١٩٧٩) من طرق عن
حسين بن ذكوان المعلم، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٦٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٦٧).
عن الشعبي: أن رسولَ الله ﷺ مَرَّ
بقبرٍ رَطب فصَفُّوا عليه، وكبَّر عليه أربعًا، فقلت للشعبىِّ: مَنْ حَدَّثك؟ قال:
الثقةُ مَن شهِدَهُ: عبدُ الله بن عباس (١).
٣١٩٧
- حدَّثنا أبو الوليد الطيالسيُّ،
حدَّثنا شعبةُ وحدَّثنا محمد بن المُثنَّى، حدَّثنا محمدُ بن جعفر، عن شعبةَ، عن
عَمرو بن مُرةَ
عن ابنِ أبي ليلى، قال: كان زيدٌ
-يعني ابنَ أرقمَ- يكبّر على جنائزنا أربعًا، وأنه كبر على جنازة خمسًا، فسألتُه،
فقال: كان رسولُ الله ﷺ يُكبِّرها (٢).
(١) إسناده صحيح. الشعبي: هو عامر بن
شَراحيل، وأبو إسحاق: هو سليمان ابن أبي سليمان الشيباني، وابنُ إدريس: هو عبد
الله.
وأخرجه البخاري (١٣١٩) من طريق شعبة
بن الحجاج، ومسلم (٩٥٤) من طريق عبد الله بن إدريس، كلاهما عن أبي إسحاق الشيباني،
به.
وأخرجه لكن دون ذكر التكبير وعدده
البخاري (٨٥٧) و(١٢٤٧) و(١٣٢١) و(١٣٢٢) و(١٣٢٦) و(١٣٣٦) و(١٣٤٠)، ومسلم (٩٥٤) من
طرق عن أبي إسحاق الشيباني، به.
وأخرجه بذكر التكبير أربعا الترمذي
(١٠٧٩) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس. وفي إسناده الحجاج بن أرطأة لم
يصرّح بسماعه من عطاء، ويغني عنه رواية الشيخين.
(٢)
إسناده صحيح. ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد
الملك.
وأخرجه مسلم (٩٥٧)، وابن ماجه
(١٥٠٥)، والترمذي (١٠٤٤)، والنسائي (١٩٨٢) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٢٧٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٦٩).
قال أبو بكر بن المنذر في «الأوسط»
٥/ ٤٣٤: ثبتت الأخبار عن رسول الله ﷺ من وجوه شتى أنه كبر على الجنائز أربعًا، وقد
تُكُلِّم في حديث زيد بن أرقم: فقالت =
قال أبو داودَ: وأنا لحديثِ ابن
المثنَّى أتقَنُ.
٥٩
- باب ما
يقرأ على الجنازة
٣١٩٨
- حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا
سفيانُ، عن سعْد بن إبراهيم، عن طلحةَ بن عبد الله بن عوف، قال:
صليتُ مع ابن عباسِ على جنازة، فقرأ
بفاتحة الكتابِ، فقال: إنها من السُّنَّةِ (١).
= طائفة من أصحاب الحديث به، وممن كان
لا يمتنع منه ولا ينهى عنه، ويرى الاقتداء بالإمام إذا كبر خمسًا أحمد بن حنبل،
وكان يرى أن يكبر أربعًا، ودفعت طائفة من أصحابنا حديث زيد بن أرقم وقالت: لم يكن
زيد يكبر أربعًا إلا لعلمه أن النبي ﷺ كان كبر خمسًا، ثم صار آخر الأمرين إلى أن
كبر أربعًا، ولولا ذلك ما كان زيد يكبر أربعًا، فدل فعله على ذلك أن آخر الأمرين
من رسول الله ﷺ ما كان زيد يختاره، والدليل على ذلك حديث عمر ... ثم أسند عن عمر
بإسناد صحيح أنه قال: كل ذلك قد كان خمس وأربع، فجُمع الناسُ على أربع.
ثم قال ابنُ المنذر: والأخبار التي
رويت عن النبي ﷺ أنه كبر أربعًا أسانيد جياد صحاح، لا علة لشيء منها.
قال النووي في «شرح مسلم»: قال
القاضي: اختلفت الآثار في ذلك، فجاء من رواية سليمان بن أبي حثمة [في «الاستذكار»
٨/ ٢٣٩] أن النبي ﷺ كان يكبر أربعًا، وخمسًا، وستًا وسبعًا وثمانيًا، حتى مات
النجاشي، فكبر عليه أربعًا، وثبت على ذلك حتى توفي ﷺ، قال: واختلف الصحابة في ذلك
من ثلاث تكبيرات إلى تسع، وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه كان يكبر على أهل بدر
ستًا، وعلى سائر الصحابة خمسا، وعلى غيرهم أربعًا.
قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع
بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع، على ما جاء في
الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يُلتفت إليه. قال: ولا نعلم أحدًا من
فقهاء الأمصار يخمّس إلا ابن أبي ليلى. وانظر «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ»
للحازمي ٩٣ - ٩٦، و«نصب الراية» ٢/ ٢٦٧ - ٢٧٠، و«البدر المنير) لابن الملقن ٥/ ٢٦٢
- ٢٦٧، و»فتح الباري" -٣/ ٢٠٢.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العَبْدي. =
٦٠ - باب الدعاء للميت
٣١٩٩
- حدَّثنا عبدُ العزيز بن يحيى
الحَرَّانيُّ، حدَّثني محمد -يعني ابنَ سلمةَ- عن محمد بن إسحاقَ، عن محمدِ بن
إبراهيمَ، عن أبي سلمةَ بن عبد الرحمن
عن أبىِ هريرةَ، سمعتُ النبي ﷺ يقول:
«إذا صلَّيتُم على الميِّتِ فأخلِصُوا له الدعاء» (١).
٣٢٠٠
- حدَّثنا أبو مَعْمَرِ عبدُ الله بن
عَمرو، حدَّثنا عبدُ الوارث، حدَّثنا أبو الجُلاس عُقبةُ بن سَيَّارٍ حدَّثني
عليُّ بن شَمَّاخِ، قال:
شهدتُ مروانَ سأل أبا هريرةَ: كيف
سمعتَ رسولَ الله ﷺ يصلي على الجنازهَ؟ قال: أمع الذي قلتُ؟ قال: نعم، قال: كلامٌ
كان بينهما قبل ذلك، قال أبو هريرةَ: «اللهم أنتَ ربُّها، وأنت خلقتَها، وأنت
= وأخرجه البخاري (١٣٣٥)، والترمذي
(١٠٤٨)، والنسائي (١٩٨٧) و(١٩٨٨) من طريق سعد بن إبراهيم، به.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٥)، والترمذي
(١٠٤٧) من طريق إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي ﷺ قرأ
على الجنازة بفاتحة الكتاب.
قال الترمذي: إبراهيم بن عثمان: هو
أبو شيبة الواسطي، منكر الحديث، والصحيح عن ابن عباس قوله: من السنة القراءة على
الجنازة بفاتحة الكتاب ... ثم ساق الحديث من طريق سعد بن إبراهيم.
(١)
إسناده حسن. محمد بن إسحاق صرح بالتحديث عند ابن حبان (٣٠٧٧) فانتفت شبهة تدليسه.
محمد بن إبراهيم: هو ابن الحارث التيمي.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٧) من طريق محمد
بن سلمة الحراني، بهذا الإسناد.
وهو في»صحح ابن حبان" (٣٠٧٦)
و(٣٠٧٧).
هديتَها للإسلام، وأنت قبضتَ
رُوحَها، وأنت أعلمُ بسرِّها وعلانيتِها، جئنا شُفَعَاءَ فاغفرْ له» (١).
قال أبو داود: أخطأ شعبةُ في اسمِ
علي بن شمَّاخ، قال: عثمان بن شمّاس.
قال أبو داود: سمعتُ أحمدَ بن
إبراهيمَ المَوصلي يحدّث أحمدَ ابن حنبلٍ، قال: ما أعلم أني جلستُ من حمادِ بن
زيدٍ مجلسًا إلا نَهى فيه عن عبدِ الوارث وجعفرِ بن سليمان (٢).
٣٢٠١
- حدَّثنا مُوسى بن مروانَ
الرَّقِّيُّ، حدَّثنا شعيبٌ -يعني ابنَ إسحاقَ- عن الأوزاعيِّ، عن يحيى بن أبي
كثيبر، عن أبي سلمةَ
عن أبي هريرةَ، قال: صلَّى رسولُ
الله ﷺ على جنازةٍ، فقال: «اللهم اغفِرْ لِحَيِّنا وميِّتنا، وصغيرِنا وكبيرِنا،
وذَكرِنا وأُنثَانا، وشاهِدِنا
(١) إسناده ضعيف لجهالة عليِّ بن شَمَّاخ،
ولاختلافٍ في إسناده ورواية بعضهم له موقوفًا على أبي هريرة كما هو مبين
في»المسند«(٧٤٧٧). ومع ذلك فقد حسَّنه الحافظ ابن حجر
في»أماليه«على»الاذكار«للنووي، نقله عنه ابن علان في»الفتوحات الربانية«٤/ ١٧٦،
وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على»المسند«! عبد الوارث: هو ابن سعيد العَنْبري.
وأخرجه النسائي في»الكبرى«(١٠٨٥٠) من
طريق عبد الوارث بن سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي أيضًا (١٠٨٤٩) من
طريق شعبة بن الحجاج، عن الجُلاس، قال: سمعتُ عثمان بن شماس: قال مروان: يا أبا
هريرة ... وقد أخطأ شعبة هنا في موضعين: فسمى شيخه جلاسًا، وإنما هو أبو الجلاس،
وسمى شيخَ أبي الجُلَاس عثمانَ بن شمَّاس، وإنما هو علي بن شماخ كما صوبه أهل
العلم كأبي داود وأبي زرعة والطبراني والدارقطني والمزي.
وانظر»مسند أحمد" (٧٤٧٧)
و(٨٥٤٥).
(٢)
مقالتا أبي داود هاتان، أثبتناهما من (هـ).
وغائِبِنا، اللهم مَن أحيَيته مِنَّا
فأحيِه على الإيمانِ، ومَن توفيتهُ منا فتوفَّهُ على الاسلامِ، اللهم لا تَحرِمْنا
أجره، ولا تُضِلَّنا بعدَه» (١).
٣٢٠٢
- حدَّثنا عبدُ الرحمن بن إبراهيمَ
الدمشقيُّ، حدَّثنا الوليدُ: وحدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ، أخبرنا الوليدُ
-وحديث عبد الرحمن أتم- حدَّثنا مروانُ بن جَناحٍ، عن يونسَ بن مَيسرةَ بن
حَلْبَسٍ
عن واثلةَ بن الأسقَعِ، قال: صلّى
بنا رسولُ الله ﷺ على رجلٍ من المسلمين، فسمعتُه يقول: «اللهم إن فلانَ بن فلانِ
في ذمتك فَقِهِ فتنةَ القبرِ». قال عبدُ الرحمن: «في ذمتِك وحَبْلِ جِوارك فقِهِ
من فتنةِ القبرِ وعذابِ النار، وأنت أهلُ الوفاءِ والحمدِ، اللهم فاغفرْ له
وارحمْهُ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ».
قال عبد الرحمن: عن مَروان بن جَناحٍ
(٢).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل موسى
بن مروان الرَّقِّي، وهو متابع. الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عَمرو بن أبي عَمرو.
وأخرجه الترمذي (١٠٤٥) من طريق هِقْل
بن زياد، والنسائي في «الكبرى» (١٠٨٥٢) من طريق أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج،
كلاهما عن الأوزاعي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٨) من طريق محمد
بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٨٠٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٧٠).
(٢)
إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- صرح بالتحديث في جميع طبقات الإسناد
عند ابن ماجه، فانتفت شبهة تدليسه تدليس التسوية.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٩) عن عبد
الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠١٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٧٤).
٦١ - باب الصلاة على القبر
٣٢٠٣
- حدَّثنا سليمانُ بن حَرْبٍ
ومُسَدَّدٌ، قالا: حدَّثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن أبي رافعٍ
عن أبي هريرةَ: أن امرأةَ سوداءَ أو
رجلًا كان يَقُمُّ المسجدَ، ففقَده النبيَّ ﷺ، فسأل عنه، فقيل: مات، فقال: «ألا
آذنتُموني به؟» قال: «دُلُّوني على قبرِه» فدلُّوه، فصلَّى عليه (١).
٦٢
- باب
الصلاة على المسلم يليه أهلُ الشرك في بلد آخر
٣٢٠٤
- حدَّثنا عبد الله بن مَسلَمةَ
القَعْنَبيُّ: قال: قرأتُ على مالكِ بن أنسٍ، عن ابن شهابِ، عن سعيدِ بن المسيِّب
(١) إسناده صحيح. أبو رافع: هو نُفَيع
الصائغ، وثابت: هو ابن أسلم البُناني، وحماد: هو ابن زيد.
وأخرجه البخاري (٤٥٨)، ومسلم (٩٥٦)،
وابن ماجه (١٥٢٧) من طريق حماد ابن زيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٨٦٣٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٨٦).
قال المنذري في «مختصر السنن»: اختلف
الناس في الصلاة على القبر: فقال علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وابن عمر
وعائشة وابن مسعود يجوز ذلك. وبه قال الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة: لا
يصلّى على القبور.
واختلف القائلون بجواز الصلاة على
القبور: إلى كم يجوز الصلاة عليها؟ فقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يَبْلَ جسده ويذهب.
وقيل! يجوز أبدًا، وقيل: يجوز لمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته.
وفي الحديث: ما كان عليه ﷺ من تفقُّد
أحوال ضعفاء المسلمين، وما جبل عليه من التواضع والرأفة والرحمة بأمته.
وقال الخطابي: يَقُمُّ: معناها:
يكنُس. والقمامة: الكُناسة.
عن أبي هريرةَ: أن رسولَ الله ﷺ
نَعَى للناس النَّجاشيَّ اليومَ الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المُصلَّى فصفَّ بهم
وكبَّر أربعَ تكبيراتِ (١).
٣٢٠٥
- حدَّثنا عبَّادُ بن مُوسى، حدَّثنا
إسماعيلُ -يعني ابنَ جعفرٍ- عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي بُردةَ
عن أبيه، قال: أمرنا رسولُ الله ﷺ أن
ننطلق إلى أرض النجاشي، فذكر حديثَه، قال النجاشيُّ: أشهدُ أنه رسولُ الله، وأنه
الذي بَشَّر به
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ١/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
وأخرجه البخاري (١٢٤٥)، ومسلم (٩٥١)،
وابن ماجه (١٥٣٤)، والترمذي (١٥٤٣)، والنسائي (١٩٧١) و(١٩٧٢) و(١٩٨٠) من طرق عن
ابن شهاب الزهري،
به. وقرن النسائي في الموضع الثاني
بسعيد بن المسيب أبا سلمة بن عبد الرحمن.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٤٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٦٨) و(٣٠٩٨).
قال الخطابي: النجاشي رجل مسلم قد
آمن برسول الله ﷺ وصدّقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب
على المسلمين أن يصلُّوا عليه، إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر، ولم يكن بحضرته
من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسولَ الله ﷺ أن يفعل ذلك إذ هو نبيُّه ووليُّه
وأحق الناس به، فهذا -والله أعلم- هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب،
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد آخر غائبًا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو
مانع عذر كانت السُّنَّة أن يُصلَّى عليه، ولا يترك ذلك لبعد المسافة، فإذا صلَّوا
عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان إلى غير جهة القبلة.
وقد ذهب قوم إلى كراهية الصلاة على
الميت الغائب، وزعموا أن النبي ﷺ كان مخصوصًا بهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد
للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار أنه قد سوّيت له أعلام الأرض حتى كان يبصر مكانه،
وهذا تأويل فاسد، لأن رسول الله ﷺ إذا فعل شيئًا من أفعال الشريعة كان علينا
متابعته والاتساء به، والتخصيص لا يُعلم إلا بدليل، ومما يبين ذلك: أنه ﷺ خرج
بالناس إلى المصلى فصف بهم فصلَّوا معه، فعلمت أن هذا التأويل فاسد، والله أعلم.
عيسى ابنُ مريمَ، ولولا ما أنا فيه
من الملك لأتيتُه حتى أحمِل نعلَيه (١).
(١) رجاله ثقات، لكنه مُعَلٌّ، فقد روى هذا
الحديثَ حُدَيج بن معاوية، عن أبي إسحاق -وهو عُمرو بن عَبد الله السَّبيعي- عن
عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود - فجعله من مسند ابن مسعود. أخرجهْ كذلك
أحمد في «مسنده! (٤٤٥٠)، وقال الذهبي في»تاريخ الإسلام«عند ذكر قصة الهجرة إلى
الحبشة بعد أن ساق رواية حُديج ابن معاوية: وقال عُبيد الله بن موسى: أخبرنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبيه قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن ننطلق مع
جعفر إلى الحبشة، وساق كحديث حُديج، ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه، ودخل عليه حديث
في حديث، وإلا أين كان أبو موسى الأشعري ذلك الوقت. وقال الحافظ في»الإصابة«٤/ ٢١٢
في ترجمة أبي موسى الأشعري: وقيل: بل رجع إلى بلاد قومه، ولم يهاجر إلى الحبشة
-يعني بعد إسلامه- وهذا قول الأكثر، فإن موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي لم
يذكروه في مهاجرة الحبشة. أبو بردة: هو ابن أبي موسى الأشعري، وإسرائيل: هو ابن
يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، وعبّاد بن موسى: هو الخُتَّلي، نزيل بغداد.
وأخرجه مطولًا ابن أبو شيبة ١٤/ ٣٤٦
- ٣٤٨، وعبد بن حميد (٥٥٠)، والحاكم ٢/ ٣٠٩ - ٣١٠، وأبو نعيم في»دلائل
النبوة«(١٩٦)، وفي»الحلية«١/ ١١٤ - ١١٥، والبيهقي ٤/ ٥٠ من طريقين عن إسرائيل،
بهذا الإسناد. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي في»تلخيص المستدرك«.
وأخرج البخاري (٣١٣٦)، ومسلم (٢٥٠٢)
من طريق بريد بن عبد الله بن أبي بردة، والبزار في»مسنده" (١٣٢٦) من طريق
عُبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق السبيعي، كلاهما (بريد وأبو
إسحاق) عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه قال: بلغنا مخرج النبي ﷺ ونحن
باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه ... فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي
بالحبشة، ووافقنا جعفر بن أبو طالب وأصحابه عنده فقال جعفر: إن رسول الله ﷺ بعثنا
ها هنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا ... ثم ذكر
قصة الرجوع إلى المدينة بعد افتتاح خيبر.
هذا لفظ البخاري. وفي هذه الرواية
الصحيحة تعليل لرواية المصنف من وجوه: =
٦٣ - باب الرجل يَجمع موتاه في مقبرة،
والقبرُ يُعَلَّم
٣٢٠٦
- حدَّثنا عبدُ الوهّاب بن نَجْدةَ،
حدَّثنا سعيدُ بن سالم وحدَّثنا يحيى ابنُ الفضل السِّجستانيُّ، حدَّثنا حاتمٌ
-يعني ابنَ إسماعيلَ- بمعناه، عن كثيرِ بن زيدٍ المدنيِّ
عن المطَّلبِ، قال: لما ماتَ عثمانُ
بن مَظعُونٍ أُخرِجَ بجنازتِه فدُفِنَ فأمر النبيُّ ﷺ رجلًا أن يأتيَه بحجرِ، فلم
يستطِعْ حملَها، فقام إليها رسولُ الله ﷺ وحَسَرَ عن ذراعَيه، قال كثيرٌ: قال
المُطَّلب: قال الذي يُخبِرني ذلك عن رسولِ الله ﷺ: كأني أنظُر إلى بياضِ ذراعَي
رسولِ الله ﷺ حين حَسَرَ عنهما، ثم حملَها فوضعَها عند رأسِه، وقال: «أتَعَلَّمُ
بها قبرَ أخي، وأدفِنُ إليه من مات مِن أهلِي» (١).
= منها: أن قوله فيها: بلغنا مخرج
النبي ﷺ ونحن باليمن، فيه دليل على نكارة قوله في رواية المصنف: أمرنا رسول الله ﷺ
أن ننطلق إلى أرض النجاشي. وفيها صحة ما ذهب إليه الذهبي في «تاريخ الإسلام» وقد
أشرنا إليه قريبًا: أن إسرائيل وهم فيه وأنه دخل عليه حديث في حديث، ذلك أنه رواه
مرة على الصواب كما في رواية البزار هذه، وأنهم وافقوا جعفرًا وأصحابه عند
النجاشي، لا أنهم أدركوا قصة جعفر مع النجاشي إبان وصول جعفر ومن معه إلى أرض
الحبشة وأول لقاء لهم مع النجاشي.
(١)
إسناده حسن من أجل كثير بن زيد، فهو صدوق حسن الحديث، والمطلب -وهو ابن عبد الله
بن حنطب- بيَّن في روايته أنه أخبره بذلك من رأى رسول الله ﷺ يفعل ذلك، فاتصل
الإسناد، ولا يضر إبهام الصحابي، لأنهم عدول كلهم، وقد حسَّن إسناده ابن الملقن
في«البدر المنير» ٥/ ٣٢٥، ووافقه ابن حجر في «التلخيصر الحبير»، ٢/ ١٣٣.
وأخرجه البيهقي ٣/ ٤١٢ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وأخرج ابنُ ماجه (١٥٦١) من طريق محمد
بن أيوب أبي هريرة الواسطي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن كثير بن زيد، عن
زينب بنت نبيط، عن أنس بن =
٦٤ - باب في الحفّار يجدُ العظمَ، هل
يتنكَّبُ ذلك المكان؟
٣٢٠٧
- حدَّثنا القَعْنَبيُّ، حدَّثنا عبدُ
العزيز بن محمدٍ، عن سعْدٍ -يعني ابنَ سعيدٍ- عن عَمْرةَ بنتِ عبد الرحمن
عن عائشة، أن رسولَ الله ﷺ قال:
«كَسْرُ عَظمِ الميِّتِ ككَسرِهِ حيًّا» (١).
= مالك. قال أبو زرعة فيما نقله عنه
ابن أبي حاتم في «العلل» ١/ ٣٤٨: هذا خطأ، يخالف الدراوردي فيه، يرويه حاتم وغيره،
عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله ابن حنطب، وهو الصحيح.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل سعد بن سعيد -وهو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد-
وهو متابع. وقد صحح هذا الحديث النووي في «خلاصة الأحكام» (٣٦٩٤) و(٣٦٩٥)، وابن
دقيق العيد في «الاقتراح»، وصححه كذلك ابن الملقن في «البدر المنير» ٦/ ٧٦٩، وحسنه
ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٤/ ٢١٢.
وأخرجه ابن ماجه (١٦١٦) من طريق عبد
العزيز بن محمد الدَّراوَرْديّ، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان (٣١٦٧)، والدارقطني
في «العلل» ٥/ ورقة ١٠٠، والبيهقي ٤/ ٥٨ من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، والطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (١٢٧٣) من طريق محمد بن عمارة الأنصاري، وعبد الرزاق (٦٢٥٨)
من طريق سعيد ابن عبد الرحمن الجَحْشِيّ، ثلاثتهم عن عمرة، عن عائشة. أما يحيى بن
سعيد فلا يُسأل عن مثله، وأما محمد بن عمارة وسعيد بن عبد الرحمن فقويّان.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٣٥٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٦٧).
قال ابن عبد البر في «التمهيد» ١٣/
١٤٤: هذا كلام عام يراد به الخصوص لإجماعهم على أن كسر عظم الميت لا دية ولا
قَوَد، فعلمنا أن المعنى ككسره حيًا في الإثم لا في القود ولا الدية، لإجماع
العبماء على ما ذكرتُ لك.
وقد ترجم المصنف للحديث بقوله: باب
في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان، وترجم له ابن حبان بقوله: ذكر الإخبار
عما يستحب للمرء من تحفظ أذى الموتى، ولا سيما في أجسادهم.
٦٥ - باب في اللَّحْد
٣٢٠٨
- حدَّثنا إسحاقُ بن إسماعيلَ، حدَّثنا
حكَّام بن سَلْم، عن عليِّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن سعيد بن جُبير
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ:
اللَّحْدُ لنا والشَّقُّ لِغَيرنا» (١).
٦٦
- باب، كم
يدخُل القبرَ؟
٣٢٠٩
- حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا
زهيز، حدَّثنا إسماعيلُ بن أبي خالدٍ
عن عامرِ، قال: غَسَّلَ النبيَّ ﷺ
عليٌّ والفضلُ وأسامةُ بن زيد، وهم أدخلوه قبرَه، قال: وحدَّثني مَرْحَبٌ، أو ابن
أبي مَرْحَب، أنهم
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد
الأعلى -وهو ابن عامر الثعلبي الكوفي-.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٥٤)، والترمذي
(١٠٦٦)، والنسائي (٢٠٠٩) من طريق حكَّام بن سَلْم، بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث جرير بن عبد الله
البجلي عند ابن ماجه (١٥٥٥) وهو حديث حسن بطرقه كما بيناه هناك.
قال أبو بكر بن المنذر: وقد اختُلف
في اللحد والشق، فاستحب أكثرُ أهلِ العلم اللحدَ، لأن رسول الله ﷺ لُحِدَ له [كما
أخرجه مسلم (٩٦٦) أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: الحَدوا لي لحدًا؟
وانصبوا عليَّ اللَّبِنَ نصْبًا، كما صُنع برسول الله]. وروينا عن عمر بن الخطاب
أنه أوصاهم: إذا وضعتموني في لحدى فأفضوا بخدي إلى الأرض. وممن استحب اللحد
إبراهيم النخعي وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي، وكان الشافعي يقول: إذا كانوا بأرض
شديدة لُحد لهم، وإن كانوا ببلاد رقيقة شق لهم شقا. قال ابن المنذر: الذي قال
الشافعي حسن.
أدخلُوا معهم عبدَ الرحمن بن عوف،
فلما فَرَغَ عليٌّ قال: إنما يَلِي الرجلَ أهلُه (١).
(١) صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات. مرحب -أو
أبو مرحب- قال عنه الحافظ في «التقريب»: مختلف في صحبته، ونقل في «تهذيب التهذيب»
عن ابن عبد البر أنه قال فيه: ثقة في الكوفيين، ولا يوجد أن ابن عوف كان مع الذين
دخلوا قبر النبي ﷺ إلا من هذا الوجه. قلنا: إذا ثبتت صحبة مرحب هذا يكون الإسناد
موصولًا صحيحًا.
عامر: هو ابن شراحيل الشعبي، وزهير:
هو ابن معاوية، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس، معروف بالنسبة إلى جده.
وأخرجه ابنُ سعد في «الطبقات» ٢/ ٢٧٧
و٣٠٠، وابن أبي شيبة ٣/ ٣٢٤ و١٤/ ٥٥٧، والبيهقي ٤/ ٥٣ من طرق عن إسماعيل بن أبي
خالد، به. وجاء عندهم: عن مرحب أو ابن أبي مرحب، وجاء عند ابنُ أبي شيبة في روايته
الأولى أن قوله: «إنما يلي الميت أهله» من قول الشعبي.
وأخرج ابنُ سعد ٢/ ٣٠٠ عن وكيع بن
الجراح والفضل بن دكين، عن شريك النخعي، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي قال: دخل
قبر النبي ﷺ أربعةٌ، قال الفضل في حديثه: أخبرني من رآهم. وشريك سض الحفظ وجابر
الجعفي ضعيف. وانظر ما بعده.
وفي الباب عن عكرمة مولى ابن عباس
مرسلًا عند ابن سعد في «الطبقات» ٢/ ٣٠٠ ورجاله ثقات أيضًا. وباجتماع هذين
الطريقين يصح الحديث، والله أعلم.
لكن أخرج الحاكم ١/ ٣٦٢، وعنه
البيهقي ٤/ ٥٣ من طريق سعيد بن المسيب قال: قال علي بن أبي طالب: غسلتُ رسول الله
ﷺ فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان طيبًا ﷺ حيًا وميتًا، ولي دفنَه
وإجنانَه دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله ﷺ، ولُحِدَ
رسولُ الله ﷺ لَحْدًا ونصب عليه اللبن نصبًا. وصحح إسناده الحاكمُ وابنُ الملقن في
«البدر المنير» ٥/ ٢٠٥. وهو عند ابنُ أبي شيبة ٣/ ٣٢٤ عن سعيد بن المسيب مرسلًا،
ومراسيل سعيد عند أكثر أهل العلم حجة. ففي هذه الرواية زيادة العباس وصالح مولى
رسول الله، بدل أسامة بن زيد. قال ابن الملقن: يجمع بين هذه الروايات بأن كل واحدٍ
روى ما رأى، أو من نقص أراد به أول الأمر، ومن زاد أراد به آخره، والله أعلم.
٣٢١٠ - حدَّثنا محمدُ بن الصبَّاح بن
سفيانُ، أخبرنا سفيانُ عن ابنِ أبي خالدٍ، عن الشعبيِّ
عن أبي مَرْحَبٍ: أن عبدَ الرحمن بن
عَوف نزل في قبر النبيِّ ﷺ، قال: كأني أنظُر إليَهم أربعةً (١).
٦٧
- باب في
الميت يُدخَلُ من قِبَل رجلَيه القبرَ
٣٢١١
- حدَّثنا عُبيد الله بن مُعاذٍ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعبةُ
عن أبي إسحاقَ، قال: أوصى الحارثُ أن
يُصلِّيَ عليه عبدُ الله ابن يزيدَ، فصلَّى عليه، ثم أدخلَه القبرَ من قِبَل رجلَي
القبرِ، وقال: هذا من السُّنَّةِ (٢).
(١) صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات. وأبو مرحب
-ويقال: مرحب- إن ثبتت صحبته يكون الحديث متصلًا، وإلا فهو مرسل، وقوله في هذا
الحديث: كأني أنظر إليهم أربعة، قد يقوي كونه صحابيًا، والله أعلم. سفيان: هو
الثوري.
وأخرجه ابن سعد ٢/ ٣٠٠، والبيهقي ٤/
٥٣ من طريق سفيان الثوري، به.
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح. عبد الله بن يزيد: هو ابن زيد بن حُصَين الخَطْمي الأنصاري، صحابي
صغير، ولي الكوفة لعبد الله بن الزبير. وقد شهد أبو إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله
السَّبيعي- جنازة الحارث -وهو الأعور- كما روى ابنُ سعد ٦/ ١٦٨ - ١٦٩، وابنُ أبي
شيبة ٣/ ٣٢٦، والبيهقي ٤/ ٥٤، ولهذا صحح إسناده البيهقي ٤/ ٥٤، وقال: وقد قال: هذا
من السنة فصار كالمسند، وصححه كذلك ابن حزم في «المحلى» ٥/ ١٧٨.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات «الكبرى»
٦/ ١٦٨ - ١٦٩ و١٦٩، والبيهقي ٤/ ٥٤ من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، به.
قال أبو بكر بن المنذر في «الأوسط»
٥/ ٤٥٢: اختلف أهل العلم في صفة الميت عند إدخاله القبر، فقالت طائفة: يُسَلُّ
سلًّا من قبل رِجْل القب، روينا هذا القول عن ابن عمر وأنس بن مالك وعبد الله بن
يزيد الأنصاري، والشعبي والنخعي ... =
٦٨ - باب الجلوس عند القبر
٣٢١٢
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ ابن عَمرو، عن زاذانَ
عن البراء بن عازبِ، قال: خرجنا مع
رسولِ الله ﷺ في جنازةِ رجلٍ من الأنصارِ، فانتهَينا إلى القبرِ ولم يُلحَدْ بعدُ،
فجلسَ رسولُ الله ﷺ مُستقبِلَ القبلةِ، وجلسْنا معه (١).
= قال: وبه قال الشافعي، وقال: هذا من
الأمور العامة التي يُستغْنَى فيها عن الحديث، ويكون الحديث فيها كالتكليف بعموم
معرفة الناس لها، ورسول الله ﷺ والمهاجرون والأنصار بين أظهرنا ينقل إلينا العامة
عن العامة في ذلك أن الميت يُسَلُّ سلًّا.
وقالت طائفة: يؤخذ الميت من القبلة
معترضا رُوي هذا القول عن علي وابن الحنفية ... قال: وبه قال إسحاق، وقالت طائفة:
لا بأس أن يدخل الميت من نحو رأس القبر أو رجليه أو وسطه. هذا قول مالك. وقال أحمد
بن حنبل: من حيث يكون أسهل عليهم ... قال ابن المنذر: وليس فيهما ثابت، والذي أحب
أن يفعل ما يفعله أهل الحجاز قديمًا وحديثًا، يسلُّون الميت سلَّا من قِبَلَ رجل
القبر، وإن فعل فاعل غير ذلك فلا شيء عليه.
(١)
إسناده صحح. زاذان: هو أبو عمر الكِنْدي، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وجرير: هو
ابن عبد الحميد.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٤٨) من طريق يونس
بن خباب، وابن ماجه (١٥٤٩) والنسائي (٢٠٠١) من طريق عَمرو بن قيس، كلاهما عن
المنهال بن عَمرو، به. ولفظ حديث يونس: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة، فقعد حيال
القبلة. ولفظ عَمرو بن قيس كلفظ المصنف، لكن ليس فيه ذكر استقبال القبلة.
وسيأتي عند المصنف من طرق عن الأعمش
برقم (٤٧٥٣) و(٤٧٥٤) ليس فيه ذكر استقبال القبلة أيضًا. وهو في الموضع الأول مطول.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٣٤).
٦٩ - باب الدعاء للميت إذا وضع في قبره
٣٢١٣
- حدَّثنا محمد بن كثير (ح)
وحدَّثنا مسلمُ بن إبراهيم، حدَّثنا
همّامٌ، عن قتادةَ، عن أبي الصِّدِّيق الناجي
عن ابن عمر: أن النبي ﷺ كان إذا وضَع
الميتَ في القبرِ قال: «باسمِ الله، وعلى سنةِ رسولِ اللهِ» هذا لفظ مسلم (١).
٧٠
- باب
الرجل يموتُ له القرابةُ المُشرِكُ
٣٢١٤
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
سفيانَ، حدَّثني أبو إسحاقَ، عن ناجيةَ بن كعْبٍ
(١) إسناده صحيح. أبو الصِّدِّيق: هو بكر بن
عَمرو -وقيل: ابن قيس-، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدوسي، وهمام: هو ابن يحيى
العَوذي، ومحمد بن كثير: هو العَبْدي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١٠٨٦٠)
من طريق همام بن يحيى، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (١٠٨٦١) من طريق شعبة
بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي الصديق، عن ابن عمر موقوفًا عليه.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٥٠)، والترمذي
(١٠٦٧) من طريق الحجاج بن أرطاة، وابن ماجه (١٥٥٠) من طريق ليث بن أبي سُليم،
كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، والحجاج والليث يعتبر بهما.
قلنا: ولا يضر أن شعبة وقفه عند
النسائي، لأن همام بن يحيى ثقة حافظ، ثم إن شعبة قد رواه مرة أخرى فرفعه عند ابن
حبان (٣١٠٩)، وكذلك رفعه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عند ابن أبي شيبة ٣/ ٣٢٩،
ووقفه عند البيهقي ٤/ ٥٥.
وهو في «مسند أحمد» (٤٨١٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١١٠) من طريق همام ابن يحيى.
وفي الباب عن جابر البَياضي عند
الحاكم ١/ ٣٦٦ وإسناده صحيح.
عن علي عليه السلام، قال: قلتُ للنبي
ﷺ: إن عَمَّك الشيخَ الضالَّ قد مات، قال: «اذهبْ فَوارِ أباكَ، ثُمَّ لا
تُحدِثَنَّ شيئًا حتَّى تأتِيَني» فذهبتُ فوارَيتُه وجئتُه، فأمرَني فاغتسلتُ،
ودعا لي (١).
(١) حسن. ناجية بن كعب وثقه العجلي، وقال
ابنُ معين: صالح، وكذلك قال ابنُ شاهين في «الثقات»، وترجم ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» ٨/ ٤٨٦ لناجية ابن كعب العنزي أخي سلمى بنت كعب أبي خفاف، وسأل عنه أباه
فقال: شيخ، ثم ترجم لناجية بن المغيرة، وسأل أباه: أيهما أوثق ناجية بن كعب أو
ناجية بن المغيرة، فقال: جميعًا ثقتان. فإن كان ناجية بن كعب العنزي غير ناجية بن
كعب الأسدي، كان مقصودُ أبي حاتم من الثاني الذي وثقه الأسديَّ، وهذا الذي يغلب
على الظن كما صنع البخاري ومسلم في التفريق بيهما إلا أنهما سميا أبا العنزي خُفافًا
لا كَعْبًا.
وقال ابن حبان في «المجروحين»: كان
شيخًا صالحًا إلا أن في حديثه تخليطًا لا يشبه حديث أقرانه الثقات عن عليّ، فلا
يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد، وفيما وافق الثقات فإن احتج به محتجٌّ أرجو أنه لم
يجرح في فعله ذلك. قلنا: هو كذلك لم ينفرد به، وقد تابعه عليه غيره كما سيأتي.
وقد صحح هذا الحديثَ ابنُ الجارود
(٥٥٠)، والضياءُ المقدسي في «المختارة» (٧٤٥)، وقال الذهبيُّ في «تاريخ الإسلام»
-قسم السيرة النبوية- ص ٢٣٥: حديث حسنٌ متصل، وقال الرافعي في «أماليه»: حديث ثابت
مشهور كما نقل ابن الملقن في «تحفة المحتاج» (٨٦٨).
وأخرجه النسائي (١٩٠) من طريق شعبة
بن الحجاج، عن أبي إسحاق، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٩).
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٥٤٩٠)
من طريق فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز، عن ناجية بن كعب، به وإسناده حسن. وقد
أشار الدارقطني في «العلل» ٤/ ١٤٦ إلى هذه المتابعة.
وأخرجه أحمد (٨٠٧)، وأبو يعلى (٤٢٤)،
وابن عدي ٢/ ٧٣٨، والبيهقي ١/ ٣٠٤ و٣٠٥ من طريق الحسن بن يزيد الأصم، عن السُّدِّي
إسماعيل بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن علي بن أبي طالب. والحسن
بن يزيد -وإن كان حديثه عن السُّدِّي ليس بالقوي كما قال ابنُ عدي في «الكامل»-
يصلح حديثه للمتابعة.
٧١ - باب في تعميقِ القبر
٣٢١٥
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ
القَعْنَبيُّ: أن سليمانَ بن المُغيرةِ حدَّثهم، عن حُميدٍ -يعني ابنَ هلالٍ-
عن هشامِ بن عامرِ، قال: جاءت
الأنصار إلى رسول الله ﷺ يومَ أُحدٍ فقالوا: أصابنا قَرْحٌ وجَهْدٌ، فكيف تأمرُنا؟
قال: «احفِروا وأوْسِعُوا، واجعلُوا الرَّجُلَين والثلاثةَ في القبرِ»، قيل:
فأيُّهم «يقَدَّمُ؟ قال:»أكثرُهم قرآناَ«قال: أُصيبَ أبي يومئذٍ -عامرٌ- بين
اثنين، أو قال: واحد (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجالُه ثقات لكن
حميد بن هلال اختُلف في سماعه من هشام بن عامر، فقال أبو حاتم كلما في»المراسيل«ص
٤٦: حميد بن هلال لم يلق هشام بن عامر، يدخل بينه وبين هشام أبو قتادة العدوي،
يقول بعضهم: عن أبي الدهماء، والحفاظ لا يدخلون بينه أحدًا عن هشام، قيل له: فأي
ذلك أصح؟ قال: ما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد، عن هشام. وقال العلائي:
أخرج له مسلم عن أبي قتادة وأبي الدهماء وغيرهما، عن هشام بن عامر. قلنا: قد وقع
تصريح حميد بن هلال من هشام بن عامر عند عبد الرزاق (٦٥٠١) وعنه أحمد بن حنبل في»مسنده«(١٦٢٦١)
من طريق معمر، عن أيوب، عن حميد بن هلال، قال: أخبرنا هشام بن عامر. وقرن عبد
الرزاق في»مصنفه " بمعمر سفيان بن عيية. ولقاء حميد لهشام محتمل، وعلى تقدير
الوهم في التصريح بالسماع فإن الواسطة بين حميد وهشام ثقة، وقد عُرفت من الطرق
الأخرى، فيكون الإسناد صحيحًا.
وأخرجه النسائي (٢٠١٥) من طريق
سليمان بن المغيرة، و(٢٠١٨) من طريق سفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، كلاهما
(سليمان وأيوب) عن حميد بن هلال، به.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٦٠)، والترمذي
(١٨١٠)، والنسائي (٢٠١٧) من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن أيوب السختياني، عن حميد
بن هلال، عن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر. فزاد في الإسناد أبا الدهماء -واسمه
قِرْفة بن بُهَيس- وهو ثقة.=
٣٢١٦ - حدَّثنا أبو صالح الأنطاكيُّ، أخبرنا
أبو إسحاقَ -يعني الفَزَاريَّ- عن الثوريِّ، عن أيوبَ
عن حميدِ بن هلالِ، بإسناده ومعناه،
زاد فيه: «وأعمِقُوا» (١).
٣٢١٧
- حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
جَريرٌ، حدَّثنا حميدٌ -يعني ابنَ هلال-
عن سعْدِ بن هشام بن عامرِ، بهذا
الحديث. قال فيه: و«أعمِقُوا» (٢)
٧٢
- باب في
تَسوية القبر
٣٢١٨
- حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا
سفيانُ، حدَّثنا حبيبُ بن أبي ثابتٍ، عن أبي وائلٍ، عن أبي هَيَّاجٍ الأسديِّ، قال:
= وهو في «مسند أحمد» (١٦٢٥١) و(١٦٢٦٢).
وانظر ما بعده.
وسيأتي برقم (٣٢١٧) من طريق جرير بن
حازم، عن حميد بن هلال، عن سعد ابن هشام بن عامر. عن أبيه. وهذا إسناد صحيح، لأن
سعدًا ثقة كذلك.
(١)
حديث صحح كسابقه. أيوب: هو ابن أبي تميمة السَّخْتياني، والثوري: هو سفيان بن
سعيد، وأبو إسحاق الفزاري: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبو صالح الأنطاكي: هو
محبوب بن موسى الفراء.
وأخرجه النسائي (٢٠١٠) من طريق سفيان
الثوري، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢)
إسناده صحيح. جرير: هو ابن حازم.
وأخرجه النسائي (٢٠١١) من طريق جرير
بن حازم، و(٢٥١٦) من طريق حماد ابن زيد، عن أيوب السختياني، كلاهما (جرير وأيوب)
عن حميد بن هلال، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٢٦٣) و(١٦٢٦٤).
وانظر سابقيه.
بعثني عليٌّ، قال: أبعثُكَ على ما
بعثني عليه رسولُ الله ﷺ: أن لا تدَع قبرًا مُشرِفًا إلا سَوَّيتَه، ولا تمثالَا
إلا طَمَسْتَه (١).
٣٢١٩
- حدَّثنا أحمدُ بن عَمرو بن
السَّرْحِ، حدَّثنا ابنُ وهْبٍ، حدَّثني عَمرو ابن الحارث
(١) إسناده صحيح. أبو هياج الأسدي: هو
حَيَّان بن حُصين، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة، وسفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير:
هو العَبْدي.
وأخرجه مسلم (٩٦٩)، والترمذي (١٠٧٠)،
والنسائي (٢٥٣١) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٨٣) و(٧٤١).
وروى البخاري بإثر (١٣٩٠) عن سفيان
التمار: أنه رأى قبر النبي ﷺ مُسَنَّمًا.
قال ابن القيم في «تهذيب السنن»:
وهذه الآثار لا تضاد بينها، والأمر بتسوية القبور إنما هو تسويتها بالأرض، وأن لا
ترفع مشرفة عالية، وهذا لا يناقض تسنيمها شيئًا يسيرًا عن الأرض.
وقال ابن قدامة في «المغني» ٣/ ٤٣٧:
وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه. وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري. وقال الشافعي:
تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن رسول الله ﷺ سطح قبر ابنه إبراهيم. وعن القاسم قال:
رأيتُ قبر النبي ﷺ وأبي بكر وعمر مُسطَّحة [قلنا: يعني الحديث الآتي برقم (٣٢٢٠)]
ولنا ما روى سفيان التمار أنه قال: رأيتُ قبر النبي ﷺ مسنَّمًا. رواه البخاري
بإسناده، وعن الحسن مثله. ولأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو أشبه بشعار أهل
البدع، فكان مكروهًا. وحديثنا أثبتُ من حديثهم وأصح، فكان العمل به أولى.
وقال الحافظ في «الفتح» ٣/ ٢٥٧:
المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية،
وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا
التسطيح كما نص عليه الشافعي، وبه جزم الماوردي وآخرون.
قلنا: قوله: «مشرفًا» أي: مرتفعًا
غاية الارتفاع، وقيل: أي: عالية أكثر من شبر، قاله القاري.
أن أبا علىّ الهَمْدانىَّ حدَّثه،
قال: كنا مع فَضالة بن عُبيد بِرُودِسَ من أرضِ الروم، فتوفي صاحبٌ لنا، فأمر
فَضالةُ بقبرِه فَسُوِّي، ثم قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يأمر بتسويتِها (١).
قال أبو داود: رُودِس جزيرةٌ في
البحر.
٣٢٢٠
- حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا ابنُ
أبي فُدَيك، أخبرني عَمرو بن عثمانَ بن هانىء
عن القاسمِ، قال: دخلتُ على عائشةَ،
فقلتُ: يا أُمَّهْ، اكشفِي لي عن قبرِ رسول الله ﷺ وصاحبَيه، فكشفتْ لي عن ثلاثةِ
قُبورٍ، لا مُشْرِفةِ ولا لاطِئةٍ، مَبْطوحةٍ بِبَطحاءِ العَرْصة الحمراء (٢).
(١) إسناده صحح. أبو علي الهمْداني: هو ثمامة
بن شفيّ، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه مسلم (٩٦٨)، والنسائي (٢٠٣٠)
من طريق عبد الله بن وهْبٍ، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٣٤).
وجزيرة رُودِس، قال القاضي عياض في
«مشارق الأنوار» ١/ ٣٠٥: بضم الراء وكسر الدال وآخره سين مهملة، كذا ضبطناه عن
الصدفي والأسدي وغيرهما، إلا الخُشَني والتميمي فإنه عندهما بفتح الراء. قلنا: وهي
الآن إحدى جزر الأرخبيل اليوناني. تقع بقرب الساحل الغربي الجنوبي من تركيا
الآسيوية.
(٢)
إسناده حسن. عمرو بن عثمان بن هانىء روى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في «الثقات»،
وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: كأنه صدوق. وقد صحح حديثه هذا الحاكم وسكت عنه
الذهبي، وصححه كذلك النووي في «المجموع» ٥/ ٢٩٦ وابن الملقن في «البدر المنير»٥/
٣١٩.
وأخرجه أبو يعلى (٤٥٧١)، والحاكم ١/
٣٦٩ - ٣٧٠، والبيهقي ٤/ ٣ من طريق عمرو بن عثمان بن هانىء، به.
قال أبو علي اللؤلؤي: يقال: رسولُ
الله ﷺ مُقدَّم، وأبو بكر عند رأسِه، وعُمرُ عند رجلَيه، رأسُه عند رِجلَي رسولِ
الله ﷺ.
٧٣
- باب
الاستغفار عند القبر للميت
٣٢٢١
- حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ،
حدَّثنا هشامٌ -يعني: ابن يوسف-، عن عبدِ الله بن بَحِير، عن هانىء مولى عثمانَ
عن عثمان بن عفان، قال: كان النبيُّ
ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقفَ عليه فقال: «اسْتَغفِرُوا لأخيكُم وسَلُوا له
بالتثبيت؛ فإنه الآن يُسألُ» (١).
= قال البيهقي: ومتى ما صحت رؤية
القاسم بن محمد قبورهم مبطوحة ببطحاه العرصة، فذلك يدل على التسطيح، وصحت رؤية
سفيان التمار قبر النبي ﷺ مُسنَّمًا، فكأنه غيِّر عما كان عليه في القديم، فقد سقط
جداره في زمن الوليد بن عبد الملك، وقِيل: في زمن عمر بن عبد العزيز ثم أُصلح،
وحديث القاسم بن محمد في هذا الباب أصح وأولى أن يكون محفوظًا، إلا أن بعض أهل
العلم من أصحابنا استحب التسنيم في هذا الزمان، لكونه جائزًا بالإجماع، وأن
التسطيح صار شعار أهل البدع، فلا يكون سببًا لإطالة الألسنة فيه ورميه بما هو منزه
عنه من مذاهب أهل البدع، وبالله التوفيق.
قال القاري في «مرقاة المفاتيح» ٢/
٣٧٩: «لا مشرفة»: مرتفعة غاية الارتفاع، وقيل: أي: عالية أكثر من شبر، «ولا لاطئة»
بالهمزة والياء، أي: مستوية على وجه الأرض، يقال: لطأ بالأرض، أي: لصق بها،
«مبطوحة»: صفة لقبور، قال ابن الملك: أي: مسوَّاة مبسوطة على الأرض ... وفي
«النهاية» [١/ ١٣٤]: البطح: التسوية، وبطح المسجد أي: ألقى فيه البطحاء، وهو الحصى
الصغار ... «ببطحاء العرصة» أي: برمل العرصة، وهي موضع، وقال الطيبي: العرصة جمعها
عرصات، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه، والبطحاء: مسيل واسع فيه دقاق الحصى،
والمراد بها هنا الحصى لإضافتها إلى العرصة، وقوله: «الحمراء» صفة لبطحاء أو
العرصة.
(١)
إسناده حسن من أجل هانىء مولى عثمان بن عفان. وعبد الله بن بُحير: هو
=
قال أبو داود: بَحِير: ابنُ رَيْسان.
٧٤
- باب
كراهيةِ الذبح عند القبر
٣٢٢٢
- حدَّثنا يحيى بن مُوسى البَلْخيُّ،
حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن ثابتٍ
عن أنس، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا
عَقْرَ في الإسلام» (١).
قال عبدُ الرزاق: كانوا يعقِرون عند
القبر بقرةً أو شاةً.
= ابن رَيسَان الصنعاني، وهشام بن
يوسف: هو الصنعاني. ونقل ابن الملقن في «البدر المنير»٥/ ٣٣١ عن المنذري أنه حسَّن
هذا الحديث.
وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في
«السنة» (١٤٢٥)، وفي زياداته على «فضائل الصحابة» لأبيه (٧٧٣)، والبزار (٤٤٥)،
وابن المنذر في «الأوسط» ٥/ ٤٥٨، والحاكم ١/ ٣٧٠، والبيهقي ٤/ ٥٦، والضياء المقدسي
في «المختارة» (٣٨٨)، والمزي في ترجمة هانىء مولى عثمان من «تهذيب الكمال» ٣٠/ ١٤٧
- ١٤٨ من طريق هام بن يوسف، بهذا الإسناد.
(١)
إسناده صحيح.
وهو في «مصف عبد الرزاق» (٦٦٩٠)، ومن
طريقه أخرجه أحمد (١٣٠٣٢)، وعبد بن حميد (١٢٥٣)، وابن حبان (٣١٤٦)، والبيهقي ٤/ ٥٧
و٩/ ٣١٤.
قال الخطابي: كان أهل الجاهلية
يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون: نجازيه على فعله، لأنه كان يعقِرها في
حياته فيطعمها الأضياف، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير فيكون مطعمًا
بعد مماته كما كان مطعمًا في حياته. قال الشاعر:
عقرت على قبر النجاشي ناقتي ...
بأبيض عضْب أَخلَصَتْهُ صَيَاقِلُه
على قبر مَن لو أنني مُتُّ قبله ...
لهانت عليه عند قبري رواحلُه
ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه
إذا عُقِرت راحلتُه عند قبره حشر في القيامة راكبًا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلًا،
وكان هذا على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت.
٧٥ - باب الميت يُصَلَّى على قبره بعد حين
٣٢٢٣
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
الليثُ بن سعد، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخيرِ
عن عقبة بن عامر: أن رسول الله ﷺ خرج
يومًا فصلى على أهل أُحُد صلاتَهُ على الميت، ثم انصرف (١).
٣٢٢٤
- حدَّثنا الحَسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا
يحيى بنُ آدمَ، حدَّثنا ابنُ المبارَكِ، عن حَيوَةَ بن شُريحٍ
عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، بهذا الحديث،
قال: إن النبي ﷺ هو صلَّى على قتلى أُحُدٍ بعد ثمانِ سنين، كالمودِّع للأحياء
والأمواتِ (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو الخير: هو مرثد بن عبد
الله اليزني.
وأخرجه البخاري (١٣٤٤)، ومسلم
(٢٢٩٦)، والنسائي (١٩٥٤) من طريق الليث بن سعد، ومسلم (٢٢٩٦) من طريق يحيى بن
أيوب، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٣٤٤)، و«صحيح
ابن حبان»، (٣١٩٨). وانظر ما بعده.
قال البغوي في «شرح السنة» ٥/ ٣٦٦ -
٣٦٧: واختلفوا في الصلاة على الشهيد: فذهب أكثرهم إلى أنه لا يُصلِّى عليه، وهو
قول أهل المدينة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وذهب قوم إلى أنه يُصلى عليه، لأنه
روي أن النبي ﷺ صلَّى على حمزة، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، وبه قال إسحاق.
وتأول الأولون ما روي من صلاته على حمزة فجعلها بمعنى الدعاء كما روي عن عقبة بن
عامر قال: صلَّى النبي ﷺ على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات
[يعني الرواية التالية عند المصنف].
قلنا: ولأحمد قول آخر ذكره ابن القيم
ورجحه، وهو التخيير بين الصلاة عليه وتركه، ذكرناه عند تعليقنا على الحديث السالف
برقم (٣١٣٥).
(٢)
إسناده صحيح. ابن المبارك: هو عبد الله، والحسن بن علي: هو الخلال.
=
٧٦ - باب في البناءِ على القبر
٣٢٢٥
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلِ، حدَّثنا
عبدُ الرزّاق، أخبرنا ابنُ جُريجٍ، أخبرني أبو الزُّبير
أنه سمع جابرًا يقول: سمعتُ النبي ﷺ
نهى أنْ يُقْعدَ على القبرِ، وأن يُقَصَّصَ ويُبْنَى عليه (١).
= وأخرجه البخاري (٤٠٤٢) من طريق عبد
الله بن المبارك، بهذا الإسناد.
وهو في مسند أحمد، (١٧٤٠٢).
وانظر ما قبله.
(١)
إسناده صحيح، وقد صرح بالسماع كل من ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- وأبي
الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- فانتفت شبهة تدليسهما.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٦٤٨٨)،
ومن طريقه أخرجه مسلم (٩٧٠).
وأخرجه مسلم (٩٧٠)، والنسائي (٢٥٢٨)
من طريق حجاج بن محمد المِصِّيصي، والترمذي (١٠٧٤) من طريق محمد بن ربيعة الكلابي،
كلاهما عن ابن جريج، به. زاد محمد بن ربيعة في روايته: وأن يُكتب عليها. وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح. وكذلك رواه بهذه الزيادة الحاكم ١/ ٣٧٠ من طريق حفص بن
غياث وأبي معاوية، كلاهما عن ابن جريج، وصححه، لكنه قال: الكتابة لفظة صحيحة
غريبة، وليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم،
وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف. فتعقبه الذهبي في «تلخيصه» بقوله: ما قلتَ طائلًا،
ولا نعلم صحابيًا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم
النهي. قلنا: وأخرج الحديث بهذه الزيادة أيضًا الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ١/
٥١٥ و٥١٦ من طريق حفص بن غياث وأبي معاوية كذلك، عن ابن جريج، وابن حبان (٣١٦٤) من
طريق أبي معاوية.
وأخرجه مسلم (٩٧٠)، والنسائي (٢٠٢٩)
من طريق أيوب السختياني، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نُهي عن تقصيص القبور. هذا
لفظ مسلم، ولفظ النسائي: نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص القبور. قلنا: والتقصيص
والتجصيص بمعنى.=
٣٢٢٦ - حدَّثنا مُسدَّدٌ وعثمانُ بن أبي
شيبةَ، قالا: حدَّثنا حفصُ بنُ غِياث، عن ابن جُرَيجٍ، عن سليمانَ بن مُوسى، وعن
أبي الزبير، عن جابر، بهذا الحديث (١).
=وهو في «مسند أحمد» (١٤١٤٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٦٢ - ٣١٦٥).
وانظر ما بعده.
قال النووي في «المجموع» ٥/ ٢٩٨: قال
الشافعي والأصحاب: يكره أن يُجصّص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك، وأن
يبنى عليه، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال مالك وأحمد وداود وجماهير العلماء،
وقال أبو حنيفة: لا يكره.
قلنا: لكن نقل الطحاوي في «حاشيته»
على «مراقي الفلاح» عن صاحب «البحر» قوله: الحديث المتقدم يمنع الكتابة، فليكن هو
المعوّل عليه، وقال إبراهيم الحلبي في «غنية المتملي في شرح منية المصلي» ص ٥٩٩:
وكره أبو يوسف الكتابة أيضًا.
والتقصيص: قال في «اللسان»:
والقَصُّ: الجَصُّ، لغة حجازية، وقيل: الحجارة من الجَصِّ، وقد قصَّصَ داره
جصَّصها. ومدينة مُقصَّصة: مطلية بالقصِّ، وكذلك قبر مقصَّص ... والتقصيص: هو
التجصيص.
(١)
هذا الحديث له إسنادان: فالأول: عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، وهذا إسناد
صحيح صرح فيه كل من ابن جريج وأبي الزبير بالسماع في الإسناد السابق عند المصنف،
والثاني: عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن جابر، وهو منقطع؟ لأن سليمان بن موسى
-وهو الأشدق- لم يسمع من جابر، وابن جريج لم يصرح بسماعه من سليمان، ولكن الزيادة
التي زادها في حديثه متابع عليها كما بيناه في الحديث السابق.
وأخرجه بالإسناد الأول: مسلم (٩٧٠)،
والنسائي (٢٠٢٧) من طريق حفص بن غياث، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣١٦٣)
مختصرًا بالنهي عن البناء على القبر.
وأخرجه بالإسناد الثاني: ابن ماجه
(١٥٦٣)، والنسائي (٢٠٢٧) من طريق حفص بن غياث، به. واقتصر ابن ماجه على النهي عن
الكتابة.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٤٩) عن محمد
بن بكر، عن ابن جريج.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٦٩٩)
من طريق قيس بن الربيع، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر. وقيل
بن الربيع ضعيف يعتبر به، وقد خالف في إسناده حفصَ بن غياث ومحمدَ بن بكر وهما
ثقتان.
قال عثمانُ: أو يزادَ عليه، وزادَ
سليمانُ بن موسى: أو أن يُكْتَبَ عليه، ولم يذكر مُسدَّدٌ في حديثِه: «أو يُزاد
عليه».
قال أبو داود: خفي عليَّ من حديث
مُسدَّد حرف «وأن».
٣٢٢٧ حدَّثنا
القَعْنَبِيُّ، عن مالكٍ، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة، أن رسول
الله ﷺ قال: «قاتَل اللهُ اليَهُودَ اتخذُوا قُبور أنبيائِهم مَساجدَ» (١).
٧٧
- باب
كراهيةِ القُعود على القبْر
٣٢٢٨
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا خالدٌ،
حدَّثنا سهيلٌ، عن أبيهِ
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» -برواية محمد بن
الحَسَن- (٣٢١).
وأخرجه البخاري (٤٣٧)، ومسلم (٥٣٠)،
والنسائي (٢٠٤٧) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٨٢٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٣٢٦).
وأخرجه مسلم (٥٣٠) من طريق يزيد بن
الأصم، عن أبي هريرة.
قال المناوي في «فيض القدير» ٤/ ٤٦٦:
«قاتل الله اليهود» أي: أبعدهم عن رحمته. «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أي:
اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل، وأن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد
عليها كعكسه. وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم. وخصّ هنا
اليهود لابتدائهم هذا الاتخاذ، فهم أظلم، وضم إليهم في رواية البخاري: النصارى [من
حديث عائشة وابن عباس عند البخاري (٤٣٥) و(٤٣٦)] وهم وإن لم يكن لهم إلا نبي واحد،
ولا قبر له، لأن المراد النبي وكبار أتباعه كالحواريين، أو يقال: الضمير يعود
لليهود فقط لتلك الرواية أو على الكل، ويراد بأنبيائهم مَن أُمِروا بالإيمان بهم،
وإن كانوا من الأنبياء السابقين كنوح وبراهيم.
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «لأنْ يَجلسَ أحدُكم على جَمْرةٍ، فتحرقَ ثيابَه حتى تَخْلُصَ إلى جلْدِه، خيرٌ
لهُ مِن أن يجلِسَ على قَبْرٍ» (١).
٣٢٢٩
- حدَّثنا إبراهيمُ بن مرسى الرازيُّ،
أخبرنا عيسى، حدَّثنا عبدُ الرحمن -يعني ابنَ يزيدَ بن جابرٍ- عن بُسْر بن عُبيد
الله، قال: سمعتُ واثلةَ بن الأسْقَعِ يقول:
سمعتُ أبا مَرْثَدٍ الغَنَويَّ يقول:
قال رسولُ الله ﷺ: «لا تجلِسُوا على القُبُورِ ولا تُصلُّوا إليها» (٢).
(١) إسناده صحيح. خالد: هو ابن عبد الله
الواسطي الطحان، ومُسَدَّدٌ: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه مسلم (٩٧١)، وابن ماجه
(١٥٦٦)، والنسائي (٢٠٤٤) من طريق سهيل بن أبي صالح، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨١٠٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٦٦).
قال المناوي في «فيض القدير» ٥/ ٢٥٨:
قال الطيبي: جعل الجلوس على القبر وسريان ضرره إلى قلبه وهو لا يشعر بمنزلة سراية
النار من الثوب إلى الجلد ثم إلى داخله. قال المناوي: وهذا مفسّر بالجلوس للبول
والغائط كما في رواية أبي هريرة، فالجلوس والاستناد والوطء على القبر لغير ذلك
مكروه لا حرام، بل لا يكره لحاجة. قلنا: حديث أبي هريرة الذي أشار إليه المناوي هو
ما أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ١/ ٥١٧ عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من جلس
على قبر يبول عليه أو يتغوط، فكأنما جلس على جمرة نار».
(٢)
إسناده صحيح. عيسى: هو ابن يونُس بن أبي إسحاق السَّبيعي، وأبو مَرْثَد الغَنَوي:
هو كنَّاز بن الحُصَين بن يَرْبوع.
وأخرجه مسلم (٩٧٢)، والترمذي (١٠٧٣)،
والنسائي (٧٦٠) من طريق الوليد ابن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزبد بن جابر،
بهذا الإسناد. وقد صرح الوليد بسماعه في جميع طبقات الإسناد عند أحمد (١٧٢١٥)،
وابن خزيمة (٧٩٣). =
٧٨ - باب المشي في الحِذاء بين القبور
٣٢٣٠
- حدَّثنا سهْل بن بكَّارٍ، حدَّثنا
الأسودُ بن شيبانَ، عن خالدِ بن سُمَير السَّدوسىِّ، عن بَشِير بن نَهِيك
عن بَشير مولى رسول الله ﷺ وكان
اسمُه في الجاهلية زَحْمَ بن مَعبَدٍ، فهاجر إلى رسول الله ﷺ، فقال: «ما اسمُك؟»
قال: زَحْمٌ،
= وأخرجه مسلم (٩٧٢)، والترمذي (١٠٧١)
و(١٠٧٢) من طريق عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن بسر بن
عُبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن واثلة بن الأسقع، عن أبي مرثد الغنوي. فزاد
في الإسناد: أبا إدريس الخولاني. وقال الترمذي بعد ذكره طريق الوليد بن مسلم التي
ليس فيها أبو إدريس الخولاني: وهذا الصحيح. ونقل عن البخاري قوله: حديث ابن
المبارك خطأ، أخطأ فيه ابن المبارك .. قلنا: وكذلك قال أبو حاتم الرازي فيما نقله
عنه ابنه في «العلل» ١/ ٨٠، وقال الدارقطني في «العلل» ٧/ ٤٣: المحفوظ ما قاله
الوليد -يعني ابن مسلم- ومن تابعه عن ابن جابر لم يذكر أبا إدريس فيه.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٢١٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٢٣٢٠) و(٢٣٢٤).
قال النووي في «شرح مسلم»: فيه تصريح
بالنهي عن الصلاة إلى قبر، قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يعظَّم مخلوق حتى يجعل قبره
مسجدًا مخافة الفتنة عليه وعلى مَن بعده من الناس.
قلنا: وقال الشافعي في «الأم» ١/
٢٧٨: وان صلَّى إلى القبر أجزأه وقد أساء.
وقال المناوي في «فيض القدير» ٦/
٣٩٠: وفي البخاري عن عمر ما يدل على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة. قلنا:
ذكره البخاري تعليقًا في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ
مكانها مساجد؟ قال: ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال: القبر القبر، ولم
يأمره بالإعادة. ووصله عبد الرزاق (١٥٨١) عن معمر، عن ثابت البناني، عن أنس بن
مالك قال: رآني عمر بن الخطاب وأنا أصلي عند قبر فجعل يقول: القبر، قال: فحسبته
يقول: القمر، قال: فجعلتُ أرفع رأسي إلى السماء فأنظر، فقال: إنما أقول: القبر، لا
تصل إليه.
قال: «بل أنت بَشيرٌ» -قال: بينما
أنا أُماشي رسولَ الله ﷺ مَرَّ بقبور المشركين، فقال: «لقد سبقَ هؤلاء خيرًا
كثيرًا» ثلاثًا، ثم مرَّ بقبوُر المسلمين، فقال: «لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا»
وحانتْ من رسولِ الله ﷺ نظرةٌ فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: «يا
صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، وَيْحَكَ! ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ» فنظرَ الرجلُ، فلما
عرفَ رسولَ الله ﷺ خَلَعهما فرمى بهما (١).
٣٢٣١
- حدَّثنا محمد بن سليمانَ الأنباريُّ،
حدَّثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاءِ- عن سعيدٍ، عن قتادةَ
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٦٨) والنسائي
(٢٠٤٨) من طريق الأسود بن شيبان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٧٨٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٧٠).
قال ابن الأثير في «النهاية»: «يا
صاحب السِّبتَيْن اخلع نعليك» السِّبْتُ، بالكسر: جلود البقر المدبوغة بالقَرَظ
يتخذ منها النعال، سميت بذلك لأن شعرها قد سُبِتَ عنها: أي: حُلِق وأُزيل، وقيل:
لأنها انسبتت بالدباغ، أي: لانت، يريد: يا صاحب النعلين. وفي تسميتهم للنعل
المتخذة من السبت سبتًا اتساع، مثل قولهم: فلان يلبس الصوف والقطن والإبرَيْسَم،
أي: الثياب المتخذة منها. وإنما أمره بالخلع احترامًا للمقابر، لانه كان يمشي
بينها. وقيل: لأنها كان بها قذر، أو لاختياله في مشيه. قلنا: والقَرَظ شجر عظام
لها سوق غلاظ أمثال شجر الجوز، وهي من الفصيلة القرنية، وهي نوع من أنواع السنط
العربي، يستخرج منه صمغ مشهور. واحدته قَرَظة.
وقال الخطابي: وخبر أنس يدل على جواز
لبس النعل لزائر القبور، وللماشي بحضرتها وبين ظهرانيها [يعني الحديث الآتي عند
المصنف بعده].
فأما خبر السبتيتين فيشبه أن يكون
إنما كره ذلك لما فيها من الخيلاء، وذلك أن نعال السِّبت من لباس أهل الترفُّه
والتنعُّم ... فأحب ﷺ أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس أهل الخشوع.
عن أنس، عن النبي ﷺ قال: «إن العبدَ
إذا وُضعَ في قبرِه وتولَّى عنهُ أصحابُهُ إنه لَيسمع قَرْعَ نِعالهم» (١).
٧٩
- باب
الميت يُحَوَّلُ من موضعه للأمر يحدُثُ
٣٢٣٢
- حدَّثنا سليمانُ بن حَرْب، حدَّثنا
حمادُ بن زيدٍ، عن سعيدِ بن يزيدَ أبي مَسلمةَ، عن أبي نضرةَ
عن جابر، قال: دُفن مع أبي رجلٌ فكان
في نفسي من ذلك حاجةٌ، فأخرجتُه بعد ستةِ أشهُرٍ، فما أنكرتُ منه شيئًا إلا
شُعَيراتٍ كنَّ في لحيتِه مما يلي الأرضَ (٢).
٨٠
- باب في
الثناء على الميت
٣٢٣٣
- حدَّثنا حفصُ بن عُمر، حدَّثنا
شعبةُ، عن إبراهيمَ بن عامرٍ، عن عامرِ بن سعْدٍ
(١) حديث صحح وهذا إسناد قوي من أجل عبد
الوهاب بن عطاء، فهو صدوق لا
بأس به، لكنة متابع. قتادة: هو ابن
دِعامة السدوسي، وسعيد: هو ابن أبي عروبة.
وأخرجه البخاري (١٣٣٨)، ومسلم
(٢٨٧٠)، والنسائي (٢١٨٧) و(٢١٨٩) من طريق سعيد بن أبي عروبة، ومسلم (٢٨٧٠)،
والنسائي (٢١٨٨) من طريق شيبان ابن عبد الرحمن النحوي، كلاهما عن قتادة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٢٧١)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٢٠).
وسيتكرر برقم (٤٧٥٢).
(٢)
إسناده صحيح. أبو نَضْرة: هو المنذر بن مالك بن قِطعة العبْدي.
وأخرجه بنحوه البخاريُّ (١٣٥١)،
والنسائي (٢٠٢١) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله. ورواية البخاري
مطولهَ بقصة استشهاد عبد الله بن حرام والد جابر، وقال في روايته: فاستخرجته بعد
ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعْتُه غيرَ هُنيَّة، في أذنه.
عن أبي هريرةَ، قال: مَرُّوا على
رسولِ الله ﷺ بجنازة، فأثَنوا عليها خيرًا، فقال: «وجَبَتْ» ثم مَرُّوا بأخرى
فأثنوا. عليها شرًّا، فقال: «وجَبَتْ» ثم قال: «إنَّ بعضَكم على بعض شَهيدٌ» (١).
٨١
- باب في
زيارة القبور
٣٢٣٤
- حدَّثنا محمدُ بن سليمانَ
الأنباريُّ، حدَّثنا محمدُ بن عُبيدٍ، عن يزيدَ بن كَيسانَ، عن أبي حازمٍ
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عامر
بن سعد -وهو البجلي- فقد روى عنه جمع وروى له مسلم في «صحيحه»، وصحح الترمذي
حديثه، ووثقه ابن حبان، وهو متابع.
وأخرجه النسائي (١٩٣٣) من طريق شعبة،
بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٢) من طريق محمد
بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وإسناده حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٥٢) و(١٠٠١٣)،
و«صحيح ابن حبان» (٣٠٢٤).
قال أبو عمر بن عبد البر في
«الاستذكار» (٣٨٩٣٠): كان أصحاب رسول الله ﷺ رضي الله عنهم لا يثنون على أحد إلا
بالصدق، ولا يمدحون إلا بالحق، لا لشيء من أعراض الدنيا شهوة أو عصية أو تقية، ومن
كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله، والله أعلم.
وقال الداوودي فيما نقله عنه الحافظ
في «الفتح» ٣/ ٢٣٠ - ٢٣١: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة،
لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدو
لا تقبل.
وقال الحافظ في «الفتح» ٣/ ٢٢٩:
والمراد بالوجوب الثبوت، إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب
على الله شيء، بل الثواب فضلُه، والعقاب عدلُه لا يُسال عما يفعل.
وفي الباب عن أنس عند البخاري
(١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩)، وأحمد (١٤٨٣٧) وعن عمر بن الخطاب عند البخاري (١٣٦٨).
عن أبي هريرةَ، قال: أتَى رسولُ الله
ﷺ قبرَ أُمَّه، فبكى وأبكى مَن حولَه، فقال رسولُ الله ﷺ: «استأذَنتُ رَبي عز وجل على
أن أستغفرَ لها، فلم يُؤْذَن لي، واستأذَنْتُه أن أزُورَ قبرَها، فأذِنَ لي،
فزُورُوا القبورَ، فانها تُذَكِّرُ بالموتِ» (١).
٣٢٣٥
- حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا
مُعَرِّفُ بن واصلٍ، عن مُحاربِ بن دِثارٍ، عن ابن بُريدةَ
عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ:
«نهيتُكُم عن زيارة القبورِ، فزُورُوها، فإنَّ في زِيارتها تَذكِرةً» (٢).
(١) إسناده قري من أجل يزيد بن كيسان، فهو
صدوق لا بأس به.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٦٩) و(١٥٧٢)،
والنسائي (٢٠٣٤) من طريق محمد بن عُبيد الطنافسي، بهذا الإسناد. ولفظ ابن ماجه
الأول مختصر بلفظ: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة».
وهو في «مسند أحمد» (٩٦٨٨)، و«صحيح
ابن حبان» (١٥٧٢).
(٢)
إسناده صحيح. ابن بُريدة: هو عبدُ الله.
وأخرجه مسلم (٩٧٧)، وبإثر
(١٩٧٥)،والنسائي (٢٥٣٢) و(٤٤٢٩) و(٥٦٥٢) و(٥٦٥٣) من طريق مُحارب بن دثار، ومسلم
(٩٧٧) من طريق عطاء الخُراساني، والنسائي (٢٠٣٣) من طريق المغيرة بن سبيع، و(٤٤٣٠)
و(٥٦٥١) من طريق الزبير ابن عدي، أربعتهم عن ابن بريدة، به. وقد جاء اسمه مقيدًا
في بعض روايات محارب وفي رواية عطاء والمغيرة بعبد الله.
وأخرجه مسلم (٩٧٧)، والترمذي (١٠٧٦)
من طريق علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، به. فسماه سليمان، وهو أخو عبد الله.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٥٨) (٢٣٠١٦)،
و«صحيح ابن حبان» (٣١٦٨) و(٥٣٩٠) و(٥٤٠٠) وسيتكرر برقم (٣٦٩٨).
٨٢ - باب في زيارة النساء القبور
٣٢٣٦
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرِ، أخبرنا
شعبةُ، عن محمدِ بنِ جُحَادةَ، سمعتُ أبا صالحِ يُحدَّث
عن ابن عباس، قال: لعنَ رسولُ الله ﷺ
زائراتِ القُبور، والمتخذينَ عليها المساجدَ والسُّرُجَ (١).
(١) حسن لغيره دون ذكر السُّرُج، وهذا إسناد
ضعيف لضعف أبي صالح - وهو باذام مولى أم هانىء.
وأخرجه ابن ماجه (١٥٧٥)، والترمذي
(٣٢٠)، والنسائي (٢٥٤٣) من طريق عبد الوارث بن سعيد، بهذا الإسناد. ولم يذكر ابن
ماجه في روايته اتخاذ المساجد والسرج على القبور. وقال الترمذي: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٣٠) و(٢٦٠٣)،
و«صحيح ابن حبان» (٣١٧٩) و(٣١٨٠).
ويشهد للعن زائرات القبور حديث أبي
هريرة عند ابن ماجه (١٥٧٦)، والترمذي (١٠٧٧) وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن
حبان (٣١٧٨).
وحديث حسان بن ثابت عند ابن ماجه
(١٥٧٤).
وللعن المتخذين المساجد على القبور
حديث ابن عباس وعائشة عند البخاري (٤٣٥) و(٤٣٦) ومسلم (٥٣١) أن رسول الله ﷺ قال:
«لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وحديث أبي هريرة السالف عند المصنف
برقم (٣٢٢٧).
وقد ثبت عن النبي ﷺ ما يعارض هذا
الحديث في الإذن بزيارة النساء للقبور، فقد أخرج البخاري (١٢٥٢)، ومسلم (٩٢٦) من
حديث أنس بن مالك أن النبي ﷺ مر بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال: «اتقي الله
واصبري» وأخرج مسلم عن عائشة (٩٧٤) أنها تبعته إلى البقيع ثم سألته: كيف أقول:
قال: «قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...». =
٨٣ - باب ما يقول إذا أتى المقابر أو مرَّ
بها
٣٢٣٧
- حدَّثنا القَغنَبيُ، عن مالكِ، عن
العلاءِ بن عبد الرحمن، عن أبيه
عن أبي هريرة: أن رسولَ الله ﷺ خرج
إلى المَقبرةِ، فقال: «السلامُ عليكم دَارَ قوم مُؤمنينَ، وإنَّا إن شاء اللهُ
بكُم لاحِقُون» (١).
= قال النووي في «المجموع» ٥/ ٣١٠ -
٣١١: الذي قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه، وذكر الروياني في «البحر»
وجهين: أحدهما: يكره كما قاله الجمهور، والثاني: لا يكره، وهو الأصح عندي إذا أمن
الافتتان، قال صاحب «المستظهري»: وعندي إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد
والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم، قال: وعليه يحمل الحديث: لعن رسول الله
ﷺ زوارات القبور، وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره.
وقد استدل النووي بحديث أنس وحديث
عائشة السابقين في جواز الزيارة فقال: وموضع الدلالة أن ﷺ لم ينههما عن الزيارة.
قلنا: ونحوه قال القرطبي في «التذكرة» ص ١٨.
(١)
إسناده صحيح. عبد الرحمن: هو ابن يعقوب مولى الحُرَقة، والقعنبي: هو عبد الله بن
مَسلمة بن قَعْنَب. وهو في «موطأ مالك» ١/ ٢٨ - ٢٩.
وأخرجه مسلم (٢٤٩)، وابن ماجه
(٤٣٠٦)، والنسائي (١٥٠) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن، به.
وهو في «مسند أحمد، (٧٩٩٣)، و»صحيح
ابن حبان«(١٠٤٦) و(٣١٧١).
قال الخطابي: قوله:»وإنا إن شاء الله
بكم لاحقون"، قيل: إن ذلك ليس على معنى الاستثناء الذي يدخل الكلام لشكٍّ
وارتياب، ولكنه عادة المتكلم يحسِّن بذلك كلامه ويزيّنه كما يقول الرجل لصاحبه:
إنك إن أحسنت إلىّ شكرتك إن شاء الله، وإن ائتمنتني لم أخنك إن شاء الله. في نحو
ذلك من الكلام، وهو لا يريد به الشك في كلامه، وقد قيل: إنه دخل المقبرة ومعه قوم
مؤمنون متحققون بالإيمان والآخرون يظن بهم النفاق، فكان استثناؤه منصرفًا إليهم
دون المؤمنين، فمعناه اللحوق بهم في الإيمان، وقيل: إن الاستثناء إنما وقع في
استصحاب الإيمان إلى الموت، لا في نفس الموت.=
٣٢٣٧/ ١ - حدَّثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدَّثنا معاوية بن
هشام، حدَّثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة
عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ
يُعلِّمُهم إذا خرجوا إلى المقابر. وذكر نحو حديث العلاء بن عبد الرحمن. زاد:
«إنهم فَرَطُنا، ونحن لكم تَبَعٌ، نسالُ اللهَ لنا ولكم العافية» (١).
٣٢٣٧/
٢
- حدَّثنا محمد بن الصباح البرّاز،
حدَّثنا شريك، عن عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر
عن عائشة قالت: فقدتُ رسولَ الله ﷺ،
فاتّبعتُه، فأتى البقيعَ، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فَرَطٌ،
وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرِمْنا أجورهم، ولا تفْتِنَّا بعدهم» (٢).
= وذكر ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٠/
٢٤٣ وهو أن الاستثناء مردود على معنى قوله: دار قوم مومنين، أي: وإنا بكم لاحقون
مؤمنين إن شاء الله، يريد في حال إيمان، لأن الفتنة لا يأمنها مؤمن، ألا ترى إلى
قول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَاجْنُبْنِي
وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم:٣٥] وقول يوسف ﷺ ﴿تَوَفَّنِي
مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:١٠١].
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (٩٧٥)، وابن ماجه
(١٥٤٧)، والنسائي في «الكبرى» (٢١٧٨) و(١٠٨٦٤) من طريق علقمة بن مرثد، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٨٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٧٣).
قِوله: «فَرَطُنا»: الفَرَط،
بالتحريك: يقع على الواحد والجميع، يقال: رجلٌ فَرَطٌ، وقومٌ فرَطٌ، وهو في الأصل:
المتقدّم إلى الماء، يتقدم الواردة، فيهىء لهم الأرسان والدِّلاء، ويملأُ، الحياض،
ويستقي لهم.
تنبيه: هذا الحديث والحديثان بعده
أثبتناها من (أ). وقد أشار المزي في «الأطراف» (١٩٣٠) و(١٦٢٢٦) و(١٧٣٩٦) إلى أنها
في رواية أبي الحسن بن العبد.
(٢)
حديث صحيح دون قوله: «اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم» وهذا إسناد ضعيف
لضعف عاصم بن عُبيد الله وشريك -وهو ابن عبد الله النخعي-. =
٣٢٣٧/ ٣ - حدَّثنا القعنبيُّ وقتيبةُ قالا: حدَّثنا عبدُ
العزيز بن محمد، عن شَريك -يعني ابن أبي نَمِر- عن عطاء
عن عائشة، في هذه القصة، زاد: «اللهم
اغفر لأهل بقيعِ الغرقد» (١).
٨٤
- باب في
المُحْرمِ يموت، كيف يُصنع به؟
٣٢٣٨
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، حدَّثني عَمرو بن دينارٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ
= وأخرجه ابن ماجه (١٥٤٦)، والنسائي في
«الكبرى» (٨٨٦٣) من طريق شريك النخعي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٤٢٥).
وأخرجه مسلم (٩٧٤)، والنسائي في
«الكبرى» (٢١٧٥) من طريق محمد بن قيس بن مخرمة، عن عائشة. بلفظ: قالت: قلتُ: كيف
أقول لهم (يعني لأهل البقيع) يا رسول الله؟ قال: «قولي: السلام على أهل الديار من
المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللهُ المستقدِمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله
بكم للاحقون».
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٨٥٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٧١١٠).
وسيأتي بعده من طريق عطاء بن يسار،
عن عائشة دون قوله: «اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم».
وهذا الحرف إنما ورد في حديث أبي
هريرة السالف عند المصنف برقم (٣٢٠١) في دعائه ﷺ على الجنازة، فهو صحيح في الصلاة
على الجنازة، لا في زيارة القبور.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد العزيز بن محمد -وهو الدراورديُّ-، لكنه قد
توبع. قتيبة: هو ابن سعيد، والقعنبي: هو عبد الله بن مسلمة، وعطاء: هو ابن يسار.
وأخرجه مسلم (٩٧٤)، والنسائي في
«الكبرى» (٢١٧٧) و(١٠٨٦٥) من طريق
إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي
نمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥٤٧١)، و«صحيح
ابن حبان» (٣١٧٢) و(٤٥٢٣). وانظر ما قبله.
عن ابن عباس، قال: أُتي النبيُّ ﷺ
برجلِ وَقَصَتهُ راحلتُه، فماتَ وهو مُحرمٌ، فقال: «كفِّنُوه في ثَوْبَيه،
واغسِلوهُ بماءِ وسِدْرٍ، ولا تُخَمِّرُوا رأسَهُ، فإن اللهَ يبعثُه يوم القيامة
يُلبِّي» (١).
قال أبو داود: سمعت أحمدَ بن حنبلٍ
يقول: في هذا الحديث خمسُ سُنن: «كفِّنُوه في ثوبَيه» أي: يكفَّن الميتُ في
ثوبَين، «واغْسلُوه بماءٍ وسِدْرٍ» أي: إن في الغَسَلات كلها سِدْرًا، «ولا
تُخمِّروا رأسَه»، «ولا تقرِّبُوه طيبًا»، وكان الكفنُ من جميع المال.
٣٢٣٩
- حدَّثنا سليمانُ بن حَزبِ ومحمدُ بن
عُبيدٍ -المعنى- قالا: حدَّثنا حمادُ، عن عَمرٍو وأيوبَ، عن سعيد بن جُبير عن ابن
عباس، نحوه، قال: «وكفِّنُوه في ثوبَين».
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (١٢٠٦)، وابن ماجه
(٣٠٨٤)، والترمذي (٩٧٢)، والنسائي (١٩٠٤) و(٢٧١٤) و(٢٨٥٨) من طرق عن عمرو بن
دينار، به.
وأخرجه البخاري (١٢٦٧) و(١٨٥١)،
ومسلم (١٢٠٦)، وابن ماجه (٣٠٨٤/ م)،
والنسائي (٢٨٥٣) و(٢٨٥٤) و(٢٨٥٧) من
طرق عن سعيد بن جبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٥٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٩٥٧).
وانظر ما سياتي بالأرقام (٣٢٣٩) -
(٣٢٤١).
قوله: «وقصته» قال رشيد الدين العطار
في «غرر الفوائد» ص ٢١٣: وروي: فأوقصته، وهما صحيحان، قاله القاضي أبو الفضل
اليحصبي، قلنا: قال القاضي في «مشارق الأنوار» ص ٢٩٣: ومعناه: أوقعته فكسرت عنقه،
والوقص بسكون القاف: الكسر، والإقاص والوقص: كسر العنق، وقصه وأوقصه معًا، ومنه
الأوقص: القصير العنق، والاسم منه الوقص، كأنه وقِص فدخل عنقه في جسمه.
قال سليمانُ: قال أيوبُ: «ثوبَيه»،
وقال عَمرٌو: «ثوبَين»، وقال ابنُ عُبيدٍ: قال أيوبُ: «في ثوبَين»، وقال عَمرو:
«ثوبَيه»، زاد سليمانُ وحدَه: «ولا تُحنِّطُوه» (١).
٣٢٤٠
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حمادٌ، عن
أيوبَ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ
عن ابن عباس، بمعنى سليمان، قال: «في
ثوبَين» (٢).
(١) إسناده صحيح. أيوب: هو ابن أبي تميمة
السَّختياني، وعمرو: هو ابن دينار، وحماد: هو ابن زيد، ومحمد بن عُبيد: هو ابن
حِساب.
وأخرجه البخاري (١٢٦٨)، ومسلم (١٢٠٦)
من طريق حماد بن زيد، بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري (١٢٦٥) و(١٢٦٦) و(١٨٥٠)،
والنسائي (٢٨٥٥) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب وحده، به.
وأخرجه البخاري (١٨٤٩) من طريق حماد
بن زيد، عن عمرو بن دينار وحده، به.
وأخرجه مسلم (١٢٠٦) من طريق إسماعيل
بن إبراهيم -وهو ابن عُلَية- عن أيوب السخياني قال: نبئت عن سعيد بن جبير، به. قال
الحافظ رشيد الدين العطار في «غرر الفوائد» ص٢١١: هذا يدخل في باب المقطوع على
مذهب الحاكم وغيره [قلنا: يعني المنقطع] إلا أن مسلمًا رحمه الله لم يورده هكذا
إلا بعد أن أورده من حديث حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار وأيوب كلاهما عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه متصلًا، ثم أورد بعده حديث ابن علية الذي ذكرناه
لينبه -والله أعلم- على الاختلاف فيه على أيوب. وإذا اختلف حماد بن زيد وغيره في
حديث أيوب بن أبي تميمة فالقول قول حماد بن زيد، وقد روى ابن أبي خيثمة عن يحيى بن
معين أنه قال: ليس أحد في أيوب أثبت من حماد بن زيد. قلت: ولهذا قدم مسلم في هذا
الحديث طريق حماد بن زيد على طريق ابن عُلية، والله عز وجل أعلم.
وانظر ما قبله، وتالييه.
(٢)
إسناده صحيح كسابقيه. أيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختياني، وحماد: هو ابن زيد،
ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وانظر سابقيه، وما بعده.
٣٢٤١ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن مَنصورٍ، عن الحكم، عن سعيد بن جُبيرٍ
عن ابن عباس، قال: وَقصَتْ برجُلٍ
مُحرِم ناقتُهُ، فقتلتْه، فاُتِي به رسولَ الله ﷺ، فقال: «اغسِلُوه وكَفَّنُوهُ،
ولا تُغَطُّوا رأسَهُ، ولا تُقرَّبُوه طِيباَ، فإنَّه يُبعَثُ يُهِلُّ» (١).
آخر كتاب الجنائز
(١) إسناده صحيح. الحكم: هو ابن عُتيبة،
ومنصور: هو ابن المعتمر، وجرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه البخاري (١٨٣٩)، والنسائي
(٢٨٥٦) من طريق جرير بن عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٣٢٣٨).