١ - باب ما يلزمُ الإمام من حق الرعية
٢٩٢٨
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن
مالكٍ، عن عبد الله بن دينارٍ
عن عبد الله بن عمر، أن رسولَ الله ﷺ
يقال: «ألا كلُّكم رَاعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعِيِّتَه: فالأميرُ الذي على الناسِ
راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة
راعية على بيت بَعلها وولده وهي مَسؤولة عنهم، والعَبدُ راعٍ على مالِ سيِّده وهو
مَسؤولٌ عنهُ؛ فكلكم راعٍ، وكلكم مَسؤول عن رعيته» (١).
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» برواية محمد بن
الحسن الشيباني (٩٩٢)، ورواية أبي مصعب الزهري (٢١٢١).
وأخرجه البخاري (٧١٣٨)، ومسلم (١٨٢٩)
من طريق عبد الله بن دينار، به. وأخرجه البخاري (٨٩٣) و(٢٤٠٩) و(٢٥٥٨) و(٢٧٥١) من
طريق سالم بن عبدالله بن عمر، والبخاري (٢٥٥٤) و(٥١٨٨) و(٥٢٠٠)، ومسلم (١٨٢٩)،
والترمذي (١٨٠٠) من طريق نافع مولى عبد الله بن عمر، كلاهما عن عبد الله بن عمر.
وجاء في رواية سالم زيادة: وحسبت أن
قد قال: «والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته».
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٩٥) و(٥٩٠٢)،
و«صحيح ابن حبان» (٤٤٨٩).
قال الخطابي: معنى الراعي ها هنا:
الحافظ المؤتَمَن على ما يليه، يأمرهم بالنصيحة فيما يلُونه، ويحذّرهم أن يخونوا
فيما وُكل إليهم منه، أو يُضيموا، وأخبر أنهم مسؤول عنه ومؤاخذون به.
=
٢ - باب ما جاء في طلب الإمارة
٢٩٢٩
- حدَّثنا محمد بن الصَّبّاح البزاز،
حدَّثنا هُشيمٌ أخبرنا يونسُ ومنصورٌ، عن الحسنِ
عن عبد الرحمن بن سَمُرةَ، قال: قال
لي النبي ﷺ: «يا عبدَ الرحمن ابن سَمُرةَ، لا تسألِ الإمارةَ، فإنك إن أُعطيتَها،
عن مسألةٍ وُكِلْتَ فيها إلى نفسكَ، وإن أُعطيتَها عن غير مسألةٍ أُعنتَ عليها»
(١).
= وفي قوله: «المرأة راعية في بيت
بعلها» دليل على سقوط القطع عن المرأة إذا سرقت من مال زوجها.
وفي قوله: «والرجل راع على أهل بيته»
دلالة على أن للسيد أن يقيم الحد على عبيده وإمائه. وقد جاء «أقيموا الحدود على ما
ملكت أيمانكم».
وقد اتفق المسلمون على عظم موقع هذا
الحديث، وكثرة فوائده وصحته، قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: ينبغي لمن صنف كتابًا
أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيهًا للطالب على تصحيح النيَّة.
وقال الحفاظ: لم يرو هذا الحديث عن
النبي ﷺ إلا من رواية عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص، ولا
عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمى، ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن
سعيد الانصاري، وعن يحيى انتشر فرواه جمع من الأئمة فهو غريب في أوله مشهور في
آخره.
(١)
إسناده صحيح. الحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، ومنصور: هو ابن زاذان، ويونس: هو
ابن عُبيد، وهُشَيم: هو ابن بَشير.
وأخرجه البخاري (٦٦٢٢)، ومسلم
(١٦٥٢)، وبإثر (١٨٢٣)، والترمذي (١٦٠٩)، والنسائي (٥٣٨٤) من طريق الحسن البصري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٦١٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٣٤٨).
ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة،
فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم
مكروه، فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يُعان،
أفاده في «الفتح».
٢٩٣٠ - حدَّثنا وهبُ بن بقيةَ، أخبرنا خالد،
عن إسماعيلَ بن أبي خالدِ، عن أخيهِ، عن بشرِ بن قُرَّة الكلبيِّ، عن أبي بردةَ
عن أبي موسى، قال: انطلقتُ مع رجلين
إلى النبيَّ ﷺ فتشهَّد أحدُهما، ثم قال: جئنا لتستعينَ بنا على عملِك، فقال الآخرُ
مثلَ قولِ صاحبهِ، فقال: «إنّ أخوَنكم عندنا مَن طَلَبَهُ» فاعتذر أبو موسى إلى
النبي ﷺ، وقال: لم أعلَم لما جاءا له، فلم يستعِنْ بهما على شيءٍ حتى مات (١).
٣
- باب في
الضرير يُوَلَّى
٢٩٣١
- حدَّثنا محمدُ بن عبد الله
المُخَرّمِي، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن مهدي، حدَّثنا عمرانُ القَطَّان، عن قتادةَ
عن أنس: أن النبيَّ ﷺ اسْتَخْلَفَ
ابنَ أُم مكتوم على المدينة مرتين (٢).
(١) إسناده ضعيف بهذا السياق لجهالة بشر بن
قرة -ويقال: قرة بن بشر- ولإبهام أخي إسماعيل بن أبي خالد، ولإسماعبل أربعة إخوة،
كلهم مجاهيل. ثم إنه قد اختلف فيه على إسماعيل بن أبي خالد كما بيناه في «المسند»
(١٩٥٠٨).
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٥٨٩٩)
من طريق عبّاد بن العوّام، عن إسماعيل ابن أبي خالد، بهذا الإسناد. وقال: عن قرة
بن بشر.
وأخرجه النسائي (٥٨٩٨) من طريق سفيان
الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن أبي بردة، عن أبي موسى، فأسقط من
إسناده بشر بن قرة، وهو في «مسند أحمد» (١٩٥٠٨) من طريق سفيان الثوري.
وسيأتي بإسناد صحيح عند المصنف برقم
(٣٥٧٨) و(٤٣٥٤) عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: قال أبو موسى: قال النبي ﷺ: «لن
نستعمل أو لا نستعمل على عملنا من أراده»، لفظ الرواية الأولى، والرواية الثانية
مطولة.
(٢)
صحيح لغيره دون قوله: «مرتين»، وهذا إسناد ضعيف، عمران القطان -وهو ابن داوَر-
انفرد بروايته عن قتادة -وهو ابن دعامة-، عن أنس، وهو ضعيف يعتبر به،=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وقد خالفه همام -وهو ابن يحيي
العوذي-، وهو ثقة، فرواه عن قتادة مرسلًا، وهذا أشبه بالصواب، لكن صح عن عائشة
بإسناد صحيح استخلافُ ابن أم كلثوم كما سيأتي.
وأخرجه أحمد (١٢٣٤٤)، والبخاري في
«التاريخ الأوسط» ١/ ٥٤، وابن الجارود (٣١٠)، وأبو يعلى (٣١١٠) و(٣١٣٨)، وأبو نعيم
في «حلية الأولياء» ٩/ ٤٥ من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد (١٣٠٠٠) من طريق أبي
العوام القطان، كلاهما عن عمران بن داور القطان، به. زاد بعضهم في روايته: ولقد
رأيته يوم القادسية ومعه راية سوداء.
وأخرجه ابن سعد ٤/ ٢٠٥ عن عمرو بن
عاصم الكلابي، عن همام بن يحيى العوذي، عن قتادة مرسلًا.
وقد أدرج عمران القطان حديث أنسٍ
الذي ذكر فيه حضور ابن أم مكتوم القادسية بحديث قتادة المرسل، فكان أحيانًا
يرويهما مجموعين، وأحيانًا يروي قصة الاستخلاف وحدها بإسناد الحديث الآخر في
القادسية كما بيناه في الطريق السالف برقم (٥٩٥)، والله تعالى أعلم.
وقد صح عن عائشة رضي الله عنها عند
ابن حبان (٢١٣٤) و(٢١٣٥) أن النبي ﷺ استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يُصلى بالناس.
وإنما لا يصح فيه قوله: «مرتين» لأن
أهل السير ذكروا أن النبي ﷺ كان يستخلفه في معظم غزواته، فقد قال ابن سعد في
«الطبقات» ٤/
٢٠٥:
وكان رسول الله ﷺ يستخلفه على
المدينة يصلى بالناس في عامة غزوات رسول الله ﷺ. وقال خليفة بن خياط في «تاريخه» ص
٩٦ في تسمية عماله ﷺ: استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة في غزواته،
في غزوة الأبواء، وبواط، وذي العشيرة، وخروجه إلى ناحية جهينة في طلب كرز بن جابر،
وحين سار إلى بدر ثم رد أبا لبابة واستخلفهُ عليها، وغزوة السويق، وغطفان، وأحد،
وحمراء الأسد، ونجْران، وذات الرقاع، وحجة الوداع.
وما قاله ابن عبد البر في
«الإستيعاب» في ترجمة ابن أم مكتوم: وأما رواية قتادة عن أنس: أن النبي ﷺ استخلف
ابن أم مكتوم فلم يبلغه ما بلغ غيره. كأنه يثبت هذه الرواية، وقد تبين لنا أنه لا
يصح عن أنس كما بينا، ويكون هذا التعيين من قتادة، والله أعلم.
=
٤ - باب في اتخاذ الوزير
٢٩٣٢
- حدَّثنا موسى بن عامرٍ المُرِّيُّ،
حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا زهيرُ بن محمدٍ، عن عبدِ الرحمن بن القاسم، عن أبيه
عن عائشةَ قالت: قالَ رسولُ الله ﷺ:
«إذا أرادَ اللهُ بالأميرِ خَيرًا جعل لهُ وزيرَ صِدْقٍ: إن نَسي ذكَّره وإن
ذَكَرَ أعانَهُ، وإذا أراد اللهُ به غيْرَ ذلك جعلَ له وزيرَ سوءٍ: إن نَسي لم
يذكرهُ، وإن ذَكَرَ لم يُعِنْه» (١).
= وقال الخطابي: إنما ولاه النبي ﷺ
الصلاة دون القضايا والأحكام. فإن الضرير لا يجوز له أن يقضي بين الناس، لأنه لا
يدرك الأشخاص، ولا يُثبتُ الأعيان، ولا يدري لمن يحكم، وعلى من يحكم؟ وهو مقلِّد
في كل ما يليه من هذه الأمور.
والحكم بالتقليد غير جائز.
وقد قيل: إنه ﷺ ولاه الإمامة
بالمدينة إكرامًا له، وأخذًا بالأدب فيما عاتبه الله عليه من أمره في قوله سبحانه:
﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)﴾. وروي أن الآية نزلت فيه،
وأن النبي ﷺ كان يقوم له كلما أقبل، ويقول: «مرحبًا بمن عاتبنى فيه ربي».
وفيه دليل على أن إمامة الضرير غير
مكروهة.
قلنا: تقييده في الصلاة دون غيرها
ثابت في حديث عائشة الصحيح حيث قالت: يؤمُّ الناس، وقد سلف ذكره في هذا التعليق.
(١)
حديث صحيح. زهير بن محمد -وإن كانت رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وهذا منها
فإن الوليد هو ابن مسلم دمشقي- متابع كما سيأتي.
وأخرجه ابن حبان (٤٤٩٤)، وابن عدي في
«الكامل» ٣/ ١٠٧٦، والبيهقي في «السنن» ١٠/ ١١١ - ١١٢، وفي «الأسماء والصفات»
(٣٠٤) من طريق الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»
(٩٥٦) و(٩٧٢)، وأحمد (٢٤٤١٤)، والخلال في «السنة» (٧٨)، وأبو يعلى (٤٤٣٩) من طريق
عبد الرحمن بن أبي بكر =
٥ - باب في العِرافَةِ
٢٩٣٣
- حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ، حدَّثنا
محمد بن حربِ، عن أبي سلمةَ سليمانَ بن سُليم، عن يحيي بن جابر، عن صالح بن يحيي
بن المِقدام
عن جدِّه المقدام بن مَعْدي كرِبَ،
أن رسولَ الله ﷺ ضرب على مَنكِبِه ثم قال له: «أفلحتَ يا قُدَيمُ، إن مُتَّ ولم
تكنْ أميرًا، ولا كاتبًا، ولا عَريفًا» (١).
= المُليكي، والنسائي (٤٢٠٤)، والبيهقي
في «السنن» ١٠/ ١١١، وفي «الشعب» (٧٤٠٢) من طريق بقية بن الوليد، عن ابن المبارك،
عن ابن أبي حُسين، كلاهما (المليكي وابن أبي حسين) عن القاسم بن محمد، به.
والمليكي وبقية ضعيفان، لكنهما متابعان.
وأخرجه البزار (١٥٩٢ - كشف الأستار)،
والطبراني في «الأوسط» (٤٢٤٠)، وأبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» ١/ ٤٥٦، والقضاعي
في «مسند الشهاب» (٥٤٢)، والخطيب في «تاريخه» ٧/ ٣٧٦ من طريق يحيى بن سعيد، عن
عمرة، عن عائشة. وإسناد البزار والطبراني صحيح.
(١)
إسناده ضعيف لضعف صالح بن يحيى بن المقدام، فقد ترجم له البخاري في «التاريخ
الكبير» ٤/ ٢٩٢ - ٢٩٣ وقال: فيه نظر، وضعفه العقيلي وابن الجارود وابن الجوزي
والذهبي، وقال موسى بن هارون الحمّال: لا يُعرف صالح وأبوه إلا بجدّه، وذكره ابن
حبان في «الثقات»، وقال: يخطىء، وليَّنه الحافظ في «التقريب»، وقد اختلف في إسناده
عن محمد بن حرب -وهو الحمصي- كما سيأتى.
وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين»
(١٣٧٧)، والبيهقي ٦/ ٣٦١ من طريق عمرو بن عثمان، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٧٢٠٥) عن أحمد بن عبد
الملك الحراني، عن محمد بن حرب، عن سليمان بن سُليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام،
عن جده. فأسقط من إسناده يحيى بن جابر!
وأخرجه الطبراني في «الشاميين»
(١٣٨٢) من طريق محمد بن أبي السري، والبيهقي ٦/ ٦٣١ من طريق حاجب بن الوليد،
كلاهما عن محمد بن حرب، عن سليمان بن =
٢٩٣٤ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا بشْرُ بن
المُفضّل، حدَّثنا غالب القطَّان، عن رجلٍ، عن أبيه
عن جدِّه: أنهم كانوا على مَنْهَل من
المناهل، فلما بلغهمُ الإسلامُ جعل صاحبُ الماء لقومه مئةً من الإبل على أن
يُسلِمُوا، فأسلموا، وقَسَمَ الإبلَ بينهم، وبدا له أن يرتَجعها منهم، فأرسلَ
ابنَه إلى النبيَّ ﷺ، فقال له: ائت النبيَّ ﷺ، فقل له: أن أبي يقرئك السلامَ، وأنه
جعل لقومه مئةً من الإبل على أن يُسلِمُوا، فأسلموا، وقَسَمَ الإبلَ بينهم، وبدا
له أن يرتجعَها منهم، أفهو أحق بها أم هم؟ فإن قال لك: نعم أو لا، فقل له: أن أبي
شيخ كبير، وهو عَريفُ الماء، وأنه يسألُك أن تجعلَ
= سُليم، عن صالح بن يحيى، عن أبيه، عن
جده. فأسقط يحيى بن جابر من الإسناد، وزاد يحيى بن المقدام، ويحيى بن المقدام هذا
مجهول.
وأخرجه ابن قانع ٣/ ١٠٧ من طريق هشام
بن عبد الملك، عن محمد بن حرب، عن أمه، عن جدته، عن المقدام!
وفي الباب عن أبي هريرة عند الطيالسي
(٢٥٢٣)، وأحمد (٨٦٢٧) وغيرهما ولفظه: «ويل للأمراء ويل للعُرفاء، ويل للأمناء،
ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا، يتذبذبون بين السماء
والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء» وهو حديث صحيح.
قال المناوي في «فيض القدير» ٢/ ٥٥:
«أفلحت يا قديم» بالقاف، تصغير مقدام، وهو المقدام بن معدي كرب، تصغير ترخيم، «إن
مت ولم تكن أميرًا» أي: والحال أنك لست أميرًا على قوم، فإن خطب الولاية شديد
وعاقبتها في الآخرة وخيمة، بالنسبة لمن لم يثق بأمانة نفسه، وخاف عدم القيام
بحقها، أما المقسطون فعلى منابر من نور يوم القيامة. «ولا كاتبًا» على نحو جزية أو
صدقة أو خراج أو إرث أو وقف، وهو منزلٌ على نحو ما قبله، «ولا عريفًا» أي: قيمًا
على نحو قبيلة تلي أمرهم وتُعرِّفُ الأميرَ حالَهم، فعيل بمعنى فاعل ويُسمى نقيبًا
وهو دون الرئيس وموضعه ما ذكر فيما قبله.
لي العِرافةَ بعده، فأتاه، فقال: أن
أبي يُقرئك السلامَ، فقال: «وعليك وعلى أبيك السلامُ»، فقال: أن أبي جعل لقومِه
مئة من الإبل على أن يُسلِمُوا، فأسلمُوا، وحَسُنَ إسلامُهم، ثم بدا له أن
يَرتَجعها منهم، أفهو أحقُّ بها أم هم؟ فقال: «إن بدا له أن يُسلِّمَها لهم
فليُسلِّمها، وإن بدا له أن يَرتَجعها فهو أحقُّ بها منهم، فإن أسلمُوا فلهم
إسلامهم، وإن لم يُسلِموا قُوتلوا على الإسلام»، وقال: إن أبي شيخٌ كبيرٌ، وهو
عريفُ الماء، وأنه يسألك أن تجعلَ لي العِرافة بعده، فقال: «إن العِرافةَ حقٌّ ولا
بدَّ للنّاس من العُرَفاء، ولكنَّ العُرَفاءَ في النار» (١).
٦
- باب في
اتخاذ الكاتب
٢٩٣٥
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيد، حدَّثنا
نوحُ بن قَيس، عن يزيدَ بن كعب، عن عَمرو بن مالكٍ، عن أبي الجَوزاءِ
عن ابن عباس قال: السِّجِلُّ كاتبٌ،
كان للنبي ﷺ (٢).
(١) إسناده ضعيف لجهالة الرجل وأبيه وجده،
وقد قال المنذري في «مختصر السنن»: في إسناده مجاهيل. غالب القطان: هو ابن خطّاف.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٦١ من طريق أبي
داود السِّجِسْتاني، بهذا الإسناد.
وسيأتي مختصرًا برقم (٥٢٣١).
(٢)
إسناده ضعيف لضعف عمرو بن مالك - وهو النُّكري (وتوثيق الذهبي له في «الميزان» وهم
منه رحمه الله - وجهالة
يزيد بن كعب. ونقل ابن القيم في «تهذيب السنن» عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال:
هذا الحديث موضوع، ولا يُعرف لرسول الله ﷺ كاتب اسمه السِّجل قط، وقوله تعالى:
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ (الأنبياء: ١٠٤)
والآية مكية ولم يكن لرسول الله ﷺ كاتب بمكة، والسجل: هو الكتاب المكتوب، واللام
في قوله: (للكتب) بمعنى «على» والمعنى نطوي السماء كطي السجل على ما فيه من الكتب.
=
٧ - باب في السِّعاية على الصدقة
٢٩٣٦
- حدَّثنا محمدُ بن ابراهيمَ
الأسباطيُّ، حدَّثنا عبدُ الرحيم بن سليمانَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن عاصمِ بن عُمر
بن قَتادةَ، عن محمودِ بن لَبيدٍ
عن رافعِ بن خَديجٍ، قال: سمعتُ
رسولَ الله ﷺ يقول: «العاملُ على الصدقةِ بالحقِّ كالغازي في سبيل الله حتى
يَرجِعَ إلى بيتهِ» (١).
= وقال ابن كثير ٣/ ٢٠٠: لا يصح، وقد
صرح جماعة من الحفاظ بوضعه، وإن كان في «سنن أبي داود»، منهم شيخنا الحافظ المزي،
قال: وقد تصدى ابن جرير للإنكار على هذا الحديث، ورده أتم رد، وقال: لا يُعرف في
الصحابة أحد اسمه السجل، وكتاب النبي ﷺ معروفون، وليس فيهم أحد اسمه السجل. قال:
وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث، والصحيح عن ابن
عباس أن السجل: هي الصحيفة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١١٢٧٢)
عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي (١١٢٧٣) عن قتيبة بن سعيد، عن
نوح، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، به فأسقط يزيد بن كعب من إسناده.
وفي الباب ما لا يُفْرَحُ به عن ابن
عمر عند ابن مردويه وابن منده كما في «الإصابة» للحافظ ابن حجر ٣/ ٣٤ والخطيب
البغدادي في «تاريخه» ٨/ ١٧٥، وقال الحافظ الذهبي في «الميزان» في ترجمة حمدان بن
سعيد: خبر كذب.
(١)
إسناده حسن، محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي- صدوق حسن الحديث، وقد صرح
بالسماع عند أحمد (١٧٢٨٥) فانتفت شبهة تدليسه.
وأخرجه ابن ماجه (١٨٠٩)، والترمذي
(٦٥١) من طريق محمد بن إسحاق، والترمذي (٦٥١) من طريق يزيد بن عياض، كلاهما عن
عاصم بن عمر بن قتادة، به.
وقال الترمذي: حديث حسن. قلنا:
العمدة فيه على ابن إسحاق، وأما يزيد بن عياض فهو متهمٌ.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٢٦)
و(١٧٢٨٥)، وصححه ابن خزيمة (٢٣٣٤)، والحاكم ١/ ٤٠٦، وسكت عنه الذهبي.
٢٩٣٧ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفَيليُّ، حدَّثنا محمدُ بن سَلَمةَ، عن محمدِ بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن أبي
حبيب، عن عبد الرحمن بن شِمَاسَةَ
عن عُقبةَ بن عامرِ، قال: سمعتُ
رسولَ الله ﷺ قال: «لا يدخُل الجنةَ صاحبُ مَكْسٍ» (١).
٢٩٣٨
- حدَّثنا محمدُ بن عبد الله
القَطَّانُ، عن ابن مَغْرَاءَ
عن ابنِ إسحاقَ قال: الذي يَعْشُرُ
الناسَ، يعني صاحبَ المَكْسِ (٢).
٨
- باب في
الخليفةِ يستخلِفُ
٢٩٣٩
- حدَّثنا محمدُ بن داودَ بن سفيانَ
وسلمةُ، قالا: حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، محمد بن
إسحاق مدلس وقد عنعن.
وأخرجه الدارمي (١٦٦٦)، وأحمد
(١٧٢٩٤) وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» ص ٢٩٣، وابن الجارود (٣٣٩)، وأبو يعلى
(١٧٥٦)، وابن خزيمة (٢٣٣٣)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٣١، والطبراني في
«الكبير» ١٧/ (٨٧٨ - ٨٨٠) والحاكم ١/ ٤٠٤، والبيهقي ٧/ ١٦ من طريق محمد بن إسحاق،
بهذا الإسناد.
وفي الباب ما يشده عن رويفع بن ثابت
عند أحمد (١٧٠٠١) وإسناده حسن.
قال الخطابي: صاحب المكس: هو الذي
يُعشر أموال المسلمين، ويأخذ من التجار والمختلفة إذا مروا عليه وعَبَروا به مكسًا
باسم العُشر. وليس هو بالساعي الذي يأخذ الصدقات. فقد وَليَ الصدقاتِ أفاضلُ
الصحابة وكبارُهم في زمان النبي ﷺ وبعدَه.
وأصل المكس: النقص، ومنه أُخذ
المِكاس في البيع والشراء، وهو أن يستوضعه شيئًا من الثمن، ويستنقصه منه قال
الشاعر:
وفي كل أسواق العراق إتاوةٌ ... وفي
كل ما باع امرؤ مَكسُ درهمِ
فأما العشر الذي يصالح عليه أهلُ
العهد في تجاراتهم إذا اختلفوا إلى بلاد المسلمين فليس ذلك بمكس، ولا آخِذُه
بمستحقٍّ للوعيد، إلا أن يتعدى ويظلم، فيخاف عليه الإثم والعقوبة.
(٢)
إسناده حسن إلى ابن إسحاق، ورجاله كلهم صدوقون.
عن ابن عمر، قال: قال عمرُ: إني إنْ
لا أستخلف فإنَّ رسولَ الله ﷺ لم يستخلفْ، وإنْ أستخلِفْ فإن أبا بكرٍ قد
استخلَفَ، قال: فواللهِ ما هو إلا أن ذَكَرَ رسولَ اللهِ ﷺ وأبا بكرٍ فعلمتُ أنه
لا يَعْدِلُ برسولِ الله ﷺ أحدًا، وأنه غيرُ مُستخلِفٍ (١).
(١) إسناده صحيح. سالم: هوابن عبد الله بن
عمر بن الخطاب، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد الله بن عبد الله بن شهاب،
ومعمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام، وسلمة: هو ابن شبيب النَّيسابوري.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٩٧٦٣)،
ومن طريقه أخرجه مسلم (١٨٢٣)، والترمذي (٢٣٧٦).
وأخرج البخاريُّ (٧٢١٨)، ومسلم
(١٨٢٣) من طريق عروة بن الزبير بن العوام، عن ابن عمر: أن عمر قيل له: ألا
تستخلِف؟ فقال: إن أترُك فقد ترك من هو خير مني: رسولُ الله ﷺ،وإن أستخلِف، فقد
استخلف من هو خير مني: أبو بكر.
وهو في «مسند أحمد» (٢٩٩) من طريق
عروة، و(٣٣٢) من طريق سالم، وفي «صحيح ابن حبان» (٤٤٧٨) من طريق عروة.
قال النووي في «شرح صحيح مسلم»:
حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له
الاستخلافُ، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي ﷺ في هذا، وإلا فقد اقتدى
بأبي بكر، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل
والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة، وأجمعوا على جواز جَعلِ الخليفة الأمرَ شورى
بين جماعة كما فعل عمر بالستة، وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة،
ووجوبه بالشرع لا بالعقل، وأما ما حُكي عن الأصم أنه قال: لا يجب، وعن غيره أنه
قال: يجب بالعقل لا بالشرع فباطلان، أما الأصم فمحجوج بإجماع من قبله، ولا حجة له
في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي
الله عنه، لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة، بل كانوا ساعين في النظر في أمر
من يُعقد له، وأما القائل الآخر ففساد قوله ظاهر، لأن العقل لا يوجب شيئًا ولا
يُحسِّنه ولا يُقبِّحه، وإنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته، وفي هذا الحديث دليل
أن النبي ﷺ لم ينص على خليفة، وهو إجماع أهل السنّة وغيرهم.
٩ - باب في البَيعة
٢٩٤٠
- حدَّثنا حفصُ بن عُمرَ، حدَّثنا
شعبةُ، عن عبدِ الله بن دينارٍ
عن ابن عمر، قال: كُنَّا نبايعُ
النبيَّ ﷺ على السَّمْع والطاعَةِ ويُلقِّنّا «فيما استطعتَ» (١).
٢٩٤١
- حدَّثنا أحمدُ بن صالحِ، حدَّثنا
ابنُ وهْبِ، حدثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن عروةَ
أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء،
قالت: ما مَسَّ رسولُ الله ﷺ يدَ امرأةٍ قطُّ إلا أن يأخذَ عليها، فإذا أخذَ عليها
فأعطتْه قال: «اذْهَبي فقد بايعتُكِ» (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٧٢٠٢)، ومسلم
(١٨٦٧)، والترمذي (١٦٨٣)، والنسائي (٤١٨٧) و(٤١٨٨) من طرق عن عبد الله بن دينار،
به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٦٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٥٤٨).
قال النووي تعليقًا على قوله: «فيما
استطعت»: وهذا من كمال شفقته ﷺ ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم: فيما استطعت،
لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيق.
وقال الخطابي: فيه دليل على أن حكم
الإكراه ساقط عنه غير لازم له، لأنه ليس مما يستطاع دفعه.
(٢)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوام، وابن شهاب: هو الزهرى، ومالك: هو ابن
أنس الإمام، وابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه البخاري (٢٧١٣) و(٤٨٩١)
و(٧٢١٤)، ومسلم (١٨٦٦)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٦١) و(٩١٩٤) و(٩١٩٥) من طريق ابن
شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٨٢٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٥٨١).
قال النووي: فيه دليل على أن بيعة
النساء الكلام من غير أخذ كف، وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام، وفيه أن
كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن =
٢٩٤٢ - حدَّثنا عُبيدُ الله بن عمر بن
مَيْسرةَ، حدَّثنا عبدُ الله بن يزيدَ، حدَّثنا سعيدُ بن أبي أيوبَ، حدثني أبو
عَقِيلٍ زُهرةُ بن مَعبدٍ
عن جده عبدِ الله بن هشامٍ،؛ وكان قد
أدرك النبيَّ ﷺ، وذهبتْ به أُمُّه زينبُ بنت حُمَيد إلى رسولِ الله ﷺ فقالت: يا
رسول الله بَايِعْهُ،
فقال رسولُ الله ﷺ: «هو صغِير» فمسح
رأسَه (¬١).
١٠
- باب في
أرزاق العمال
٢٩٤٣
- حدَّثنا زيدُ بن أخْزمَ أبو طالبٍ،
حدَّثنا أبو عاصمٍ، عن عبدِ الوارث ابن سعيدٍ، عن حُسينٍ المُعلِّمِ، عن عبد الله
بن بُريدةَ
عن أبيه، عن النبيَّ ﷺ قال: «مَنِ
استعملناهُ على عَمَلٍ فرزقْناهُ رزقًا فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلولٌ» (٢).
٢٩٤٤
- حدَّثنا أبو الوليد الطيالسي،
حدَّثنا ليث، عن بُكيرِ بن عبدِ الله بن الأشَجّ، عن بُسْر بن سعيدٍ
= صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمس
الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا توجد
امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٥٠١) و(٧٢١٠) من
طريق سعيد بن أبي أيوب، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٠٤٦).
(٢)
إسناده صحيح. حسين المعلم: هو ابن ذكوان، وأبو عاصم: هو الضحاك ابن مخلد.
وأخرجه أبو يعلى في «معجم شيوخه»
(٢٤٤)، والطبري في «تهذيب الآثار» -قسم مسند علي بن أبي طالب- (٣٥٣)، وابن خزيمة
(٢٣٦٩)، والحاكم ١/ ٤٠٦، والبيهقي
٦/
٣٥٥ من طريق
حسين بن ذكوان المعلم، به. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
والغلول: الخيانة في الغنيمة وفى مال
الفيء.
عن ابن الساعديِّ، قال: استعملني
عمرُ على الصدقةِ، فلما فرغتُ أمر لي بعُمالةٍ، فقلت: إنما عملتُ للهِ، قال: خُذْ
ما أُعْطِيتَ، فإني قد عملتُ على عهدِ رسولِ الله ﷺ فَعَمَّلَنِي (١).
٢٩٤٥
- حدَّثنا موسى بن مروانَ الرَّقِّيُّ،
حدَّثنا المُعافَى، حدَّثنا الأوزاعيُّ، عن الحارثِ بن يزيدَ، عن جُبيرِ بن
نُفَيرٍ
عن المُستورِد بن شدَّادٍ، قال:
سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: «من كان لنا عاملًا فليكتسب زوجةً؛ فإن لم يكن له خادمٌ
فليكتسبْ خادمًا، فإن لم يكن له مَسكنٌ فليكتسبْ مَسكنًا».
(١) إسناده صحيح. ابن الساعدي: هو عبد الله
بن السعدي، واسم أبيه وَقْدان -وقيل غير ذلك- القرشي العامري، وليث: هو ابن سعد.
وأخرجه مسلم (١٠٤٥)، والنسائى (١٦٠٤)
من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد. وهو في «مسند أحمد» (٣٧١)، و«صحيح ابن حبان»
(٣٤٠٥).
وأخرجه بنحوه البخاري (٧١٦٣)، ومسلم
(١٠٤٥)، والنسائي (٢٦٠٥) و٢٦٠٦) و(٢٦٠٧) من طريق حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله
بن السعدي، به. وهو في «مسند أحمد» (١٠٠).
وأخرج البخاري (٧١٦٤)، والنسائى
(٢٦٠٨) من طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعتُ عمر يقول: كان النبي ﷺ
يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطانى مرة مالًا، فقلتُ: أعطه
أفقر إليه مني، فقال النبي ﷺ: «خذه فتموَّله وتصدق به.
فما جاءك من هذا المال، وأنت غير
مشرف ولا سائل فخذه، وما لا، فلا تُتبِعه نفسَك».
وهو في «مسند أحمد» (١٣٦).
قال الخطابي: قوله: «عملني» معناه:
أعطاني العُمالة، والعمالة بضم العين: ما يأخذه العامل من الأجرة.
وفيه بيان أخذ العامل الأجرة بقدر
مثل عمله فيما يتولاه من الأمر، وقد سمى الله تعالى للعاملين سهمًا في الصدقة،
فقال: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] فرأى العلماء أن يُعطوا على قدر غنائهم وسعيهم.
قال: قال أبو بكر: أُخبِرتُ أن
النبيَّ ﷺ قال: «من اتخذَ غيرَ
ذلكَ فهو غالٌّ أو سارقٌ»
(¬١).
١١
- باب في
هدايا العمّال
٢٩٤٦
- حدَّثنا ابنُ السَّرحِ وابنُ أبي
خَلَفٍ -لفظه- قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريّ، عن عروةَ
عن أبي حُمَيد الساعديِّ: أن النبي ﷺ
استعمل رجلًا من الأزد يُقال له: ابنُ اللّتبِيّة - قال ابنُ السَّرْحِ: ابن
الأُتبِيَّة - على الصدقةِ، فجاء فقال: هذا لكُم، وهذا أُهْدِي لي، فقام النبيُّ ﷺ
على المنبر فحمِد اللهَ وأثنى عليه، وقال: «ما بَال العامِل نبعثه فيَجِيء فيقول:
هذا لكم وهذا أُهدي لي، ألاَّ جلَسَ في بيت أمه وأبيه، فينظرَ أيُهْدى
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل موسى
بن مروان الرقي، وهو متابع. المعافى: هو ابن عمران الموصلي.
وأخرجه ابن خزيمة (٢٣٧٠) عن يحيى بن
مخلد المِقْسَمى، والحاكم ١/ ٤٠٦ من طريق محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي،
كلاهما عن المعافى بن عمران، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: هذا يتأول على وجهين:
أحدهما: إنما أباح له اكتساب الخادم، والمسكن من عُمالته التي هي أجر مثله، وليس
له أن يرتفق بشيء سواها، والوجه الآخر: أن للعامل السُّكنى والخدمة، فإن لم يكن له
مسكن وخادم، استؤجر له من يخدمه، فيكفيه مهنة مثله، ويُكترى له مسكنٌ يسكنه مدة
مقامه في عمله.
وقال القاري في شرح»المشكاة«٤/ ١٥٣:
معنى»من كان لنا عاملًا فيكتسب مسكنًا" أي: يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من
مال بيت المال قدر مهر زوجة ونفقتها وكسوتها، وكذلك مالا بد له من غير إسراف
وتنعم، فإن أخذ أكثر مما يحتاج إليه ضرورة، فهو حرام عليه.
إليه أم لا؟ لا يأتي أحدٌ مِنكم
بشيءٍ من ذلك إلا جاء به يوم القيامة، إن كان بَعيرًا فَله رُغاءٌ، أو بقرَةً
فَلها خُوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ» ثم رفع يديه حتى رأينا عُفْرةَ إبطيه، ثم قال:
«اللهُمَّ هل بَلَّغْتُ، اللَّهُمّ هل بَلَّغْتُ» (١).
(١) إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن
العوام، وسفيان: هو ابن عُيينة، وابن أبي خلف: هو محمد بن أحمد بن أبي خلف
السُّلَمي، وابنُ السَّرح: هو أحمد ابن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السَّرح، أبو
الطاهر، مشهور بكنيته.
وأخرجه البخاري (٢٥٩٧) و(٦٦٣٦)
و(٧١٧٤)، ومسلم (١٨٣٢) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه البخاري (١٥٠٠) و(٦٩٧٩)
و(٧١٩٧)، ومسلم (١٨٣٢) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٥٩٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٥١٥).
الرغاء: صوت البعير، والخوار: صوت
البقرة، وقوله: تيعر على وزن تسمع وتضرب، أي: تصيح وتصوت صوتًا شديدًا.
قال الخطابي: في هذا بيان أن هدايا
العمال سُحْتٌ، وأنه ليس سبيلُها سبيلَ سائر الهدايا المباحةِ، وإنما يُهدَى إليه
للمحاباة، وليخفف عن المُهدِي، ويُسوَّغ له بعض الواجب عليه. وهو خيانة منه، وبَخس
للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله.
وفي قوله: «ألا جلس في بيت أمه أو
أبيه، فينظر أيُهدى إليه أم لا» دليل على أن كل أمر يُتذرع به إلى محظور فهو
محظور، ويدخل في ذلك القرض يجر المنفعة، والدار المرهونة يسكنُها المرتهن بلا
كراء، والدابة المرهونة يركبها ويرتفق بها من غير عوض.
وفي معناه: من باع درهمًا ورغيفًا
بدرهمين، لأن معلومًا أنه إنما جعل الرغيف
ذريعة إلى أن يربح فضل الدرهم
الزائد، وكذلك كل تلجئة وكل دخيل في العقود يجري مجرى ما ذكرناه على معنى قوله:
«هلا قعد في بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟» فينظر في الشيء وقرينه إذا أفرد
أحدهما عن الآخر، وفرق بين قرانها: هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران
أم لا؟ والله أعلم. =
١٢ - باب في غلُول الصدقة
٢٩٤٧
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جريرٌ، عن مُطرّف، عن أبي الجَهْم عن أبي مَسعودٍ الأنصاري، قال: بعثني
رسول الله ﷺ ساعيًا، ثم قال: «انْطَلِق أبَا مسعودٍ لا أُلفِينّك يومَ القيامة
تجيءُ على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رُغاءٌ قد غَلَلْتَه» قال: إذًا لا أنطلقُ،
قال: «إذًا لا أُكرِهُك» (¬١).
١٣
- باب فيما
يلزم الإمامَ من أمر الرعية
٢٩٤٨
- حدَّثنا سليمانُ بن عبد الرحمن
الدمشقيُّ، حدَثنا يحيى بن حمزةَ، حدَثني ابنُ أبي مريمَ، أن القاسمَ بن
مُخَيمِرةَ أخبره، أن أبا مريمَ الأزديَّ أخبره، قال:
دخلتُ على معاويةَ فقال: ما أنعمَنَا
بك يا فلانٍ، وهي كلمةٌ تقولُها العربُ، فقلتُ: حديثًا سمعتُه أُخبِرك به، سمعتُ
رسولَ الله ﷺ يقول:
= وقال ابن الأثير: «عُفْرة إبطيه»
العُفْرة: بياض ليس بالناصع، ولكن كلون عَفَر الأرض، وهو وجهها.
ومعنى قوله: «اللهم هل بلغت»:
المراد: - بلغت حكم الله إليكم امتثالًا لقوله تعالى له: ﴿بَلِّغْ﴾ وإشارة إلى ما
يقع في القيامة من سؤال الأمم: هل بلغهم أنبِياؤهم ما أرسلوا به إليهم.
(١)
إسناده صحيح. أبو الجهم -وهو سليمان بن الجهم الحارثي- وثقه يعقوب ابن سفيان
والعجلي، وذكره ابن حبان في «الثقات»، ونقل ابن خلفون عن ابن عمير توثيقه، وأثنى
عليه خيرًا، مطرِّف -وهو ابن طريف-، جرير: هو ابن عبد الحميد.
وقال المنذري في «مختصر السنن»: حسنٌ.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٧/
(٦٨٨) و(٦٨٩) من طريق مطرف بن طريف، به.
«مَن وَلاَّهُ الله شيئًا من أمرِ
المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتِهم وفَقْرِهم احتجبَ اللهُ عنه دونَ حاجته
وخَلَّتِه وفقرِه» قال: فجعل رجلًا على حوائج الناسِ (١).
٢٩٤٩
- حدَّثنا سلمةُ بن شَبيبٍ، حدَّثنا
عبدُ الرزَّاق، أخبرنا مَعمرٌ، عن همّام بن مُنبِّه قال:
هذا ما حدَّثنا أبو هريرة، قال رسول
الله ﷺ: «ما أُوتيكُم من شيءٍ وما أَمنَعَكموهُ، إنْ أنا إلاَّ خازنٌ أضَعُ حيثُ
أُمِرْتُ» (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو مريم الأزدي: اسمه عمرو
بن مرة الجهني، كما جزم به البخاري في «التاريخ الكبير» ٦/ ٣٠٨، والترمذي بإثر
(١٣٨٢)، والبغوي فيما نقله الحافظ في «الإصابة» في ترجمة أبي مريم الأزدي.
وأخرجه الترمذي (١٣٨٢) من طريق يحيي
بن حمزة، بهذا الإسناد.
وانظر «مسند أحمد» (١٥٦٥١).
وأخرجه بنحوه الترمذي (١٣٨١) من طريق
أبي الحسن الجزري، عن عمرو بن مرة. وإسناده ضعيف لجهالة أبي حسن هذا، ولهذا قال
الترمذي: غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٠٣٣).
قال الخطابي: قوله: ما أنعمنا بك،
يريد ما جاءنا بك، أو ما أعملك إلينا، وأحسبه مأخوذًا من قوله: نَعَمْ ونِعمة عين،
أي: قرة عين، وإنما يقال ذلك لمن يُعتَدُّ بزيارته ويُفرح بلقائه، كأنه يقول: ما
الذي أطلعك علينا وحيانا بلقائك، ومن ذلك قوله: أنعم صباحًا، هذا أو ما أشبهه مِن
الكلام، والله أعلم.
(٢)
إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام.
وأخرجه أحمد (٨١٥٥). والبغوي في «شرح
السنة» (٢٧١٩) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣١١٧) من طريق عبد
الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «ما أُعطيكم ولا أمنعكم،
إنما أنا قاسم، أضع حيث أُمِرتُ».
٢٩٥٠ - حدَّثنا النُّفَيلي، حدَّثنا محمد بن
سَلَمة، عن محمد بن إسحاقَ، عن محمد بن عَمرو بن عطاءٍ، عن مالكِ بن أوس بن
الحَدثان قال:
ذَكَر عمرُ بن الخطابِ يومًا الفيء
فقال: ما أنا بأحَقَّ بهذا الفَيء منكم، وما أحدٌ منا بأحقَّ به من أحدٍ، إلا
أنَّا على مَنازلِنا من كتاب الله عز وجل، وقَسْمِ رسولِ الله ﷺ: فالرجُل
وقِدَمُه، والرجلُ وبلاؤُه، والرجلُ وعِيالُه، والرجل وحاجتُه
(¬١).
١٤
- باب في
قَسم الفَيء
٢٩٥١
- حدَّثنا هارونُ بن زيدِ بن أبي
الزرقاءِ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا هشامُ بنُ سعيد، عن زيد بن أسلمَ
أن عبدَ اللهِ بن عمر دخل على
معاويةَ فقال: حاجَتَك يا أبا عبد الرحمن، فقال: عطاءُ المحَرَّريِن، فإنى رأيتُ
رسولَ الله ﷺ أولَ ما جاءه شيءٌ بدأ بالمحرَّرين (٢).
(١) حسن، وهذا إسناد فيه عنعنة محمد بن إسحاق
-وهو مدلس- لكنه متابع.
وأخرجه أحمد (٢٩٢)، وحميد بن زنجويه
في «الأموال» (٩٤٧)، والبيهقي ٦/ ٣٤٦ - ٣٤٧، والضياء المقدسي في «المختارة» (٢٧٧)
من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٢٩٠)
من طريق هشام«بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن مالك بن أوس، به، وهذا إسناد حسن في
المتابعات، هشام بن سعد يعتبر به في المتابعات والشواهد.
وأخرج الشافعي في»مسنده" ٢/
١٢٧، ومن طريقه البيهقي ٦/ ٣٤٧ من طريق عمرو بن دينار عن الزهري، عن مالك بن أوس
أن عمر بن الخطاب قال: ما أحدٌ إلا وله في هذا المال حق، أُعطيَه أو مُنِعَه، إلا
ما ملكت أيمانكم.
(٢)
حديث حسن، وهذا إسناد قد اختلف فيه عن هشام بن سعد -وهو ضعيف يعتبر به- كما سيأتي.
=
٢٩٥٢ - حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ،
أخبرنا عيسى، حدَّثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن القاسمِ بن عباسٍ، عن عبد الله بن نِيَار،
عن عروةَ
= فقد رواه زيد بن أبي الزرقاء كما عند
المصنف، عنه عن زيد بن أسلم، أن عبد الله بن عمر.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى»
(١١١٤)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٢٧٤) من طريق عبد الله بن نافع الصائغ،
عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن معاوية لما قدم حاجًا جاءه عبد الله
بن عمر ... فزاد في الإسناد أسلم مولى ابن عمر، وعبد الله بن نافع فيه كلام، وهو
صدوق حسن الحديث.
وأخرجه الطحاوي (٤٢٧٥) من طريق خالد
بن مخلد القطواني، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر أنه قال لمعاوية.
وأسامة بن زيد ضعيف الحديث، وفى خالد القطواني كلام.
وأخرجه الطحاوي (٤٢٧٦) من طريق أبي
عتاب زيد بن أبي عتاب: أن معاوية عام حج، قال عبد الله بن عمر ... وإسناده حسن.
قال الخطابي: يريد بالمحررين
المعتَقِين، وذلك أنهم قوم لا ديوان لهم. وإنما يدخلون تبعًا في جملة مواليهم.
وكان الديوان موضوعًا على تقديم بنى
هاشم، ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة.
وكان هؤلاء مؤخرين في الذكر، فأذكر
بهم عبد الله بن عمر، وتشفع في تقديم أُعطيتهم، لما علم من ضعفهم وحاجتهم.
ووجدنا الفيء مقسومًا لكافة
المسلمين، على ما دلت عليه الأخبار، إلا من استثني منهم من أعراب الصدقة.
وقال الخطابي: وقال أحمد وإسحاق:
الفيء للغني والفقير إلا العبيد.
واحتج أحمد في ذلك بأن النبي ﷺ أعطى
العباس من مال البحرين، والعباس رضي الله عنه غني، والمشهور عن أبي بكر الصديق رضي
الله عنه: أنه سوى
بين الناس، ولم يفضل بالسابقة، وأعطى الأحرار والعبيد.
وعن عمر رضى الله عنه: أنه فضّل
بالسابقة والقدم، وأسقط العبيد.
ثم رد على بن أبي طالب رضي الله عنه الأمر
إلى التسوية بعد.
ومال الشافعي إلى التسوية، وشبهه
بقسم المواريث.
عن عائشة: أن النبيَّ ﷺ أُتي بظَبْية
فيها خَرَزٌ فقسمها لِلُحُرَّةِ والأمةِ، قالت عائشةُ: كان أبي رضي الله عنه يقسِم
للحُرِّ والعبد (١).
٢٩٥٣
- حدَّثنا سعيدُ بن منصور، حدَّثنا
عبدُ الله بن المبارك (ح)
وحدَّثنا ابنُ المُصفَّى، قال:
حدَّثنا أبو المُغيرة، جميعًا عن صفوانَ بن عَمرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن
نُفَير، عن أبيه
عن عوف بن مالك: أن رسولَ الله ﷺ كان
إذا أتاه الفيءُ قَسَمَه في يومه، فأعطى الآهِلَ حظَّين، وأعْطَى العَزَبَ حظًّا -
زاد ابنُ المصفَّى: فدُعِينَا وكنتُ أُدْعى قبل عمار، فدُعِيتُ فأعطاني حظّين وكان
لي أهلٌ، ثم دُعي بعدي عمار بن ياسر فأُعطِي حظًا واحدًا (٢).
(١) إسناده صحيح. ابن أبي ذئب: هو محمد بن
عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث، وعيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه الطيالسي (١٤٣٥)، وابن أبي
شيبة ١٢/ ٤٠٩ - ٤١٠، وإسحاق بن راهوية (٧٥٨)، وأحمد (٢٥٢٢٩)، وأبو يعلى (٤٩٢٣)،
والبيهقي ٦/ ٣٤٧ و٣٤٨ من طريق ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد.
قال ابن الأثير: الظَّبْية. هي جراب
صغير عليه شعر، وقيل: هي شبه الخريطة والكيس.
(٢)
إسناده صحيح. صفوان بن عمرو: هو ابن هَرِم السَّكْسَكي، وأبو المغيرة: هو عبد
القدوس بن الحجَّاج الخولاني، وابن المصفى: هو محمد بن المصفى الحمصي.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٣٥٦).
وأخرجه أبو عبيد في «الأموال» (٥٩٩)،
وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٤٨، وأحمد (٢٣٩٨٦)، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (٨٧٩)،
والبزار (٢٧٤٨)، وابن الجارود (١١١٢)، وابن حبان (٤٨١٦)، والطبراني في «الكبير»
١٨/ (٨٠) و(٨١)، وفي «مسند الشاميين»، (٩٤٦) و(٩٤٧)، والحاكم ٢/ ١٤٠ - ١٤١،
والبيهقي ٦/ ٣٤٦ من طريق صفوان بن عمرو، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني ١٨/ (٨٢) من طريق
معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، بنحوه.
١٥ - باب في أرزاق الذُّرية
٢٩٥٤
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، عن جعفرٍ، عن أبيه
عن جابر بن عبد الله، قال: كانَ
رسولُ الله ﷺ يقول: «أنَا أولى بالمؤمنينَ من أنفسهم، مَن ترك مالًا فلأهله، ومن
تَرك دَينًا أو ضَيَاعًا، فإليَّ، وعلىَّ» (١).
(١) إسناده صحيح. جعفر: هو الصادق، ابن محمد
بن علي الباقر، وسفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (٨٦٧)، وابن ماجه (٤٥)
و(٢٤١٦)، والنسائي (١٥٧٨) من طريق جعفربن محمد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٣٤)، و«صحيح
ابن حبان» (١٠) و(٣٠٦٢).
وسيأتى من طريق أبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف، عن جابر برقم (٢٩٥٦) و(٣٣٤٣).
قال الخطابي: هذا فيمن ترك دينًا لا
وفاء له في ماله، فإنه يمضى دَينهِ من الفيء، فأما من ترك وفاءً، فإن دَينه مقضي
عنه، ثم بقية ماله بعد ذلك مقسومة بين ورثته.
و«الضياع»: اسم لكل ما هو بعرض أن
يضيع، إن لم يُتَعهَّد، كالذرية الصغار والأطفال والزَّمْنى، الذين لا يقومون
بكلِّ أنفسهم، وسائر من يدخل في معناهم.
وكان الشافعي يقول: ينبغي للإمام أن
يحصي جميع مَن في البلدان من المقاتلة، وهم مَن قد احتلم، أو استكمل خمس عشرة سنة
من الرجال، ويحصي الذرية، وهم مَن دون المحتلِم ودون البالغ، والنساء صغيرتهن
وكبيرتهن، ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معايش مثلهم في
بلدانهم. ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم.
والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا
لبالغ يطيق مثلُه الجهاد، ثم تُعطَى الذريةُ والنساءُ ما يكفيهم لسَنَتِهم قي
كسوتهم ونفقتهم.
قال: ولم يختلف أحد لقيناه في أن ليس
للمماليك في العطاء حقٌ، ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة. =
٢٩٥٥ - حدَّثنا حفصُ بن عمرَ، حدَّثنا
شعبةُ، عن عَديِّ بن ثابت، عن أبي حازمٍ
عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَن تَرَكَ مالًا فلورثته، ومَن تَرَكَ كَلًّا فإلَينا» (١).
٢٩٥٦
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا عبد
الرزَّاق، عن معمر، عن الزهريِّ، عن أبي سلمةَ
عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ كان
يقول: «أنا أَولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه، فأيُّما رجل مات وتَرك دَيْنًا فإليَّ،
ومن ترك مالًا فلورثته» (٢).
= قال: وإن فضل من المال فَضْل -بعدما
وصفتُ- وضعه الإمام في إصلاح الحصون، والازدياد في الكُراع، وكلِّ ما يَقوى به
المسلمون. فإن استغنى المسلمون وكملت كل مصلحة لهم، فرَّق ما يبقى منه بينهم كلَّه
على قدر ما يستحقون في ذلك المال.
قال: ويُعطى من الفيء رزقُ الحكام،
وولاةُ الأحداث والصلاة بأهل الفيء، وكلُّ مَن قام بأمر الفيء من والٍ وكاتب وجندي
مما لا غنى لأهل الفيء عنه -رزق مثلِه.
(١)
إسناده صحيح. أبو حازم: هو سَلمان الأشجعي، وحفص بن عمر: هو ابن الحارث بن سَخبرة
الأزدي الحوضي.
وأخرجه البخاري (٢٣٩٨) و(٦٧٦٣)،
ومسلم (١٦١٩) من طريق شعبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٢٩٨) و(٢٣٩٩)
و(٤٧٨١) و(٥٣٧١) و(٦٧٣١) و(٦٧٤٥) ومسلم (١٦١٩)، وابنُ ماجه (٢٤١٥)، والترمذي
(٢٢١٩)، والنسائي (١٩٦٣) من طرق عن أبى هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٨٦١) و(٩٨٧٥)،
و«صحيح ابن حبان» (٣٠٦٣) و(٤٨٥٤) و(٥٠٥٤).
وقوله: كَلًّا. هو بفتح أوله، أصله:
الثقل، والمراد به هنا: العيال.
(٢)
إسناده صحيح. أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف. وقد روى هذا الحديث غيرُ معمر
-وهو ابن راشد- كعُقيل بن خالد ويونس بن يزيد الأيليّان، وابن=
١٦ - باب متى يُفرضُ للرجل في المقاتلة
وينفَّل من العِيال؟
٢٩٥٧
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
يحيي، عن عُبيد الله، أخبرني نافعٌ
عن ابن عمر، أن النبيَّ ﷺ عُرِضَهُ
يوم أُحد، وهو ابنُ أربعَ عشرةَ، فلم يُجِزْه، وعُرِضَهُ يومَ الخندقِ، وهو ابنُ
خمسَ عشرةَ، فأجازَه (¬١).
١٧
- باب في
كراهية الافتراض (٢) في آخر الزمان
٢٩٥٨
- حدَّثنا أحمد ابنُ أبي الحَوَاريِّ،
حدَّثنا سُلَيمُ بن مُطَير، شيخٌ من أهل وادي القُرى قال:
= أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن
أبي هريرة عند البخاري (٥٣٧١) و(٦٧٣١)، ومسلم (١٦١٩)، والنسائي (١٩٦٣) وغيرهم.
ومثل هذا الاختلاف لا يضر في صحة الحديث، لاحتمال أن يكون أبو سلمة سمعه من
كليهما؛ إذ كان واسعَ الرواية، وعلى فرض وهم معمر أو عبد الرزاق في تسمية الصحابي،
فإن الصحابة كلَّهم عدولٌ. وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٥٢٥٧).
وأخرجه النسائى (١٩٦٢) من طريق عبد
الرزاق، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٥٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠٦٤).
وسيتكرر عند المصنف برقم (٣٣٤٣)
بأطول مما هنا.
وقد سلف بإسناد آخر صحيح برقم (٢٩٥٤).
(١)
إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر العُمري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه البخاري (٢٦٦٤) و(٤٠٩٧)،
ومسلم (١٨٦٨)، وابن ماجه (٢٥٤٣)، والترمذي (١٤١١) و(١٨٠٧)، والنسائي (٣٤٣١) من طرق
عن عبيد الله بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٦١)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٧٢٧) و(٤٧٢٨).
وسيتكرر عند المصنف برقم (٤٤٠٦)
و(٤٤٠٧).
(٢)
الافتراض: الفرض بالفاء: العطية الموسومة، يقال: ما أصبت منه فرضًا، وفرضت الرجل
وأفرضته إذا أعطيته، وقد فرضتُ له في العطاء وفرضت له في الديوان، وافترض الجندُ:
أخذوا عطاياهم.
حدثني أبى مُطيرٌ: أنه خرج حاجًّا
حتى إذا كان بالسُّوَيداء إذا أنا برجلٍ قد جاء كأنه يطلُب دواءً أو حُضُضًا،
فقال: أخبرني مَن سمعَ رسولَ الله ﷺ في حجَّةِ الوداع، وهو يعظُ الناسَ، ويأمرُهم
وينهاهُم، فقال: «يا أيها الناسُ خذُوا العطاءَ ما كان عطاءً، فإذا تجاحَفَتْ
قريشٌ على المُلكِ، وكان عن دِين أحدكُم، فدَعُوهُ» (١).
(١) إسناده ضعيف لضعف سُلَيم بن مُطَير،
وجهالة حال أبيه، وقال البخاري فيما نقله العقيلي في «الضعفاء» ٤/ ٢٥٠: لا يثبت
حديثه. وقد اختُلف عنه، فمرة روي عنه، عن رجل، عمن سمع رسول الله ﷺ كما في هذه
الرواية، ومرة روي عنه عن رجل
سمع رسول الله ﷺ، يعني بإسقاط الرجل
المبهم كما في الرواية التالية. وقال المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة ذي الزوائد
٨/ ٥٢٩ عن الرواية المزيدة: وهو الصواب.
وأخرجه أبو نعيم في «حلية
الأولياء»١٠/ ٢٧، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/ ٣٥٩ من طريق أحمد بن أبي الحواري،
بهذا الإسناد.
وأخرجه ابنُ أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (٢٦٥٧)، والطبراني في «الكبير» (٤٢٣٩)، وابن عدي في «الكامل» في ترجمة
مطير، والبيهقي ٦/ ٣٥٩، وابن الأثير في «أسد الغابه» في ترجمة ذي الزوائد الجهني،
والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة ذي
الزوائد ٨/ ٥٢٨، من طريق هشام بن
عمار، وابن أبي عاصم (٢٦٤٦) من طريق زياد بن
نصر، والبخاري في «تاريخه الكبير»١/
٢٣٥ من طريق أمة الرحمن بنت محمد بن مطير
العذرية، ثلاثتهم عن سليم بن مطير،
عن أبيه، عن ذي الزوائد -وقال زياد وأمة الرحمن:
أبو الزوائد- فأسقطوا من إسناده
الرجل المبهم. وقرنت أمةُ الرحمن بعمها أباها محمدًا.
وأخرجه البخاري في «تاريخه الكبير»
معلقًا ٣/ ٢٦٥، والحسن بن سفيان في
«مسنده» كما في «تهذيب الكمال» في
ترجمة ذي الزوائد ٨/ ٥٢٩، عن هشام بن عمار، عن سلِيم، عن أبيه، عن رجل، عن ذي
الزوائد.
قال المزي: وهو الصواب، قلنا: فوافق
رواية أحمد بن أبي الحواري.
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «تجاحفت» يريد:
تنازعت الملك حتى تقاتلت عليه، وأجحف بعضها ببعض.
قال أبو داود: ورواه ابنُ المبارَك،
عن محمد بن يَسارٍ، عن سُلَيم بن مُطَير (١).
٢٩٥٩
- حدَّثنا هشامُ بن عَمار، حدَّثنا
سُلَيم بن مُطَير، من أهل وادي القرى، عن أبيه، أنه حدَّثه، قال:
سمعت رجلًا يقول: سمعتُ رسولَ الله ﷺ
في حَجةِ الوداع، أمرَ الناسَ ونهاهُم، ثم قال: «اللهم هل بَلَّغْتُ»؟ قالوا:
اللهم نعم، ثم قال: «إذا تجاحَفَتْ قُريشٌ على المُلكِ فيما بينها وعاد العطاءُ
رُشًَا فدَعُوه» فقيل: مَنْ هذا؟ قالوا: هذا ذو الزَّوائد، صاحبُ رسول الله ﷺ (٢).
١٨
- باب في
تدوين العطاء (٣)
٢٩٦٠
- حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
إبراهيمُ -يعني ابنَ سعْدٍ- أخبرنا ابنُ شهابِ
عن عبد الله بن كعْب بن مالك
الأنصاري: أن جيشًا من الأنصار كانوا بأرضِ فارسَ مع أميرِهم، وكان عمرُ يُعْقِبُ
الجيوشَ في كل عام، فشُغِل عنهم عمرُ، فلما مرَّ الأجل قَفَلَ أهلُ ذلك الثغْرِ،
فاشتد
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢)
إسناده ضعيف كسابقه، وانظر تخريجه هناك.
وقوله: «وعاد العطاء رشًا» هو أن
يُصرف عن المستحقين، ويُعطَى من له الجاه والمنزلة.
(٣)
الديوان: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وأول من وضعه عمر رضي
الله عنه.
عليهم وتواعَدهم وَهم أصحاب رسول
الله ﷺ، فقالوا: يا عمر، إنك غَفَلْتَ عنا وتركتَ فينا الذي أمرَ به رسولُ الله ﷺ
من إعقابِ بعضِ الغَزِيَّة بعضًا (١).
٢٩٦١
- حدَّثنا محمودُ بن خالدٍ، حدَّثنا
محمدُ بن عائذٍ، حدَّثنا الوليدُ، حدَّثنا عيسى بنُ يونسَ، حدَّثني فيما حدثه ابنٌ
لعَدِيِّ بن عدي الكِنْدي
أن عمر بن عبد العزيز كتب: إن مَن
سأل عن مَواضعِ الفيء فهو ما حَكَم فيه عمرُ بن الخطاب، فرآه المؤمنون عَدْلًا،
موافقًا لقولِ النبيِّ ﷺ: «جعلَ اللهُ الحق على لسانِ عمرَ وقلبِه» فَرَضَ
الأُعطيةَ، وعَقَد لأهلِ الأديانِ ذمَّةً بما فَرَضَ عليهم من الجزية، لم يضرِب
فيها بخُمسٍ، ولا مَغْنَم (٢).
(١) إسناده صحيح إن كان عبد الله بن كعب سمعه
من أولئك الأنصار -وهو الذي يغلب على الظن- ولا يُنكَر إدراكه لعمر بن الخطاب، بل
إنه على قول من قال: له رؤية، مُدرك لا محالة، والله تعالى أعلم.
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى
(١٠٩٥)، والبيهقي ٩/ ٢٩ من طريق إبراهيم ابن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٦٥١) عن معمر،
عن الزهري قال: بعث عمر جيشًا ... فذكره مرسلًا.
قال الخطابي: الإعقاب: أن يبعث
الإمام في أثر المقيمين في الثغر جيشًا يقيمون مكانهم وينصرف أولئك، فإنه إذا طالت
عليهم الغيبة والغزية تضرروا به، وأضر ذلك بأهليهم، وقد قال عمر رضي الله عنه في
بعض كلامه»لا تجمروا الجيوش فتفتنوهم«يريد: لا تطيلوا حبسهم في الثغور.
(٢)
إسناده ضعيف، قال المنذري في»مختصر السنن": في رواته مجهول، وعمر بن عبد
العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب، والمرفوع منه مرسل.
٢٩٦٢ - حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا
زهيرٌ، حدَّثنا محمدُ بن اسحاقَ، عن مَكحولٍ، عن غُضَيفِ بن الحارث
عن أبي ذرّ، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ
يقول: «إنَّ اللهَ وضعَ الحقَّ على لسانِ عمرَ يقولُ به» (¬١).
١٩
- باب في
صَفايَا رسولِ الله ﷺ من الأموال
٢٩٦٣
- حدَّثنا الحسنُ بن علي ومحمدُ بن
يحيى بن فارس -المعنى- قالا: حدَّثنا بِشْر بن عُمر الزَّهرانيُّ، حدثني مالكُ بن
أنس، عن ابن شهاب
عن مالكِ بن أوْسِ بن الحَدَثانِ،
قال: أرسل إليَّ عمر حين تَعالَى النهارُ، فجئتُه، فوجدتُه جالسًا على سرير
مُفْضيًا إلى رُمَالِه، فقال حين دخلتُ عليه: يا مالُ، إنه قد دَفَّ اْهلُ أبياتٍ
من قَومك، وقد أمَرْتُ فيهم بشيءٍ، فاقْسِمْ فيهم، قلتُ: لو أمَرْتَ غيري بذلك،
فقال: خُذْه، فجاءه يَرْفأُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في عثمانَ ابن عفانَ،
وعبد الرحمن بن عَوف، والزبيرِ بن العَوّام، وسعْد بن أبي وَقَّاصٍ؟ قال: نعم،
فأذِنَ لهم فدخلوا، ثم جاءه يَرْفأُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين هل لك في العباسِ
وعليٍّ؟ قال: نعم، فأذِن لهم، فدخَلوا، فقال العباسُ: يا أميرَ المؤمنين، اقْضِ
بيني وبين هذا -يعني عليًا-
(١) حديث صحيح، محمد بن إسحاق قد صرح
بالتحديث عند يعقوب بن سفيان في «المعرفه» ١/ ٤١٦، وهو متابع. زهير: هو ابن معاوية
الجعفي، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس. وهو معروف بنسبته لجده.
وأخرجه ابن ماجه (١٠٨) من طريق عبد
الأعلى بن عبد الأعلى السامي، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وهو في «مسند أحمد»
(٢١٤٥٧).
فقال بعضُهم: أجَلْ يا أميرَ
المؤمنين، اقضِ بينَهما وأرِحْهُما. قال مالكُ بن أوسٍ: خُيِّلَ إليَ أنهما
قَدَّمَا أولئك النفرَ لذلك، فقال عمرُ: اتَّئِدا، ثم أقبلَ على أولئك الرَّهطِ،
فقال: أُنشِدُكم باللهِ الذي بإذنهِ تقومُ السَّماء والأرض، هل تعلمون أن رسول
الله ﷺ قال: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على عليٍّ
والعباسِ، فقال: أُنشِدُكُما بالله الذي بإذنِه تقومُ السماءُ والأرض، هل تعلَمانِ
أن رسولَ الله ﷺ قال: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقةٌ» فقالا: نعم، قال: فإن الله عز
وجل خصَّ رسولَه ﷺ بخَاصّةٍ لم يَخُصَّ بها أحدًا من الناس، فقال الله تعالى: َ
﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)﴾ [الحشر: ٦] فكانَ اللهُ أفاءَ على رسوله بني
النَّضير، فوالله ما استأثَر بها عليكم ولا أخذَها دونكم، فكانَ رسولُ الله ﷺ
يأخذُ منها نفقةَ سنةٍ، أو نفقتَه ونفقةَ أهلِه سنةً، ويجعلُ ما بقي أُسوةَ
المالِ، ثم أقبلَ على أولئك الرَّهْط، فقال: أُنشدِكم بالله الذي بإذنِه تقومُ
السماء والأرض، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم أقبل على العباسِ، وعليٍّ فقال:
أُنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، فلما
توفي رسولُ الله ﷺ قال أبو بكر: أنا وليُّ رسولِ الله ﷺ، فجئت أنتَ وهذا إلى أبىِ
بكر تطلبُ أنتَ ميراثَك من ابن أخيكَ، ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتِه من أبيها، فقال
أبو بكر: قال رسولُ الله ﷺ: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقةٌ» والله يعلمُ إنه لصادقٌ
بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقِّ، فوليَها أبو بكر، فلما توفي قلتُ: أنا وليُّ رسول الله
ﷺ ووليُّ أبي
بكر، فوَليتُها ما شاءَ اللهُ أن
ألِيَها، فجئتَ أنتَ وهذا، وأنتما جميعٌ وأمركما واحدٌ، فسألتُمانيها فقلت: إن
شئتُما أن أدفعها إليكُما على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تَلِيَاهَا بالذي كانَ
رسولُ الله ﷺ يلِيْها، فأخذتُماها منِّي على ذلك، ثم جئتُماني لأقضِي بينكما بغير
ذلك، والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقومَ الساعةُ، فإن عَجَزْتما عنها،
فرُدَّاها إليَّ (١).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٣٠٩٤)، ومسلم
(١٧٥٧)، والترمذي (١٧٠٢)، والنسائىِ في «الكبرى» (٦٢٧٦) من طريق مالك بن أنس، بهذا
الإسناد. ورواية الترمذي مختصرة. وأخرجه البخاري (٤٠٣٣) من طريق شعيب بن أبي حمزة،
و(٥٣٥٨) و(٦٧٢٨) و(٧٣٠٥) من طريق عُقيل بن خالد الأيلي، والنسائي في «الكبرى»
(٦٢٧٣) من طريق يونس بن يزيد، و(٦٢٧٤) و(٦٢٧٥) - من طريق عمرو بن دينار، أربعتهم
عن الزهري، به. واقتصر يونس وعمرو في روايتهما على قوله ﷺ: «لانورث، ما تركنا صدقة».
وأخرجه بنحوه مختصرًا النسائي في
«الكبرى» (٤٤٣٤) من طريق عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٢) و(١٧٨١)،
و«صحيح ابن حبان» (٦٦٠٨).
وانظر ما بعده وما سيأتي بالأرقام
(٢٩٦٤) و(٢٩٦٥) و(٢٩٦٦) و(٢٩٦٧).
قال الخطابي معلقًا على قول أبي داود
بإثر الحديث: ما أحسن ما قال أبو داود وما أشبهه بما تأوله، والذي يدل من نفس
الحديث وسياق القصة على ما قال أبو داود: قول عمر لهما: فجئت أنت وهذا وأنتما
جميعًا وأمركما واحد، فهذا يبين أنهما إنما اختصما إليه في رأي حدثَ لهما في أسباب
الولاية والحفظ. فرام كل واحدٍ منهما التفرد به دون صاحبه، ولا يجوز عليهما أن
يكونا طالباه بأن يجعله ميراثًا ويرده ملكًا، بعد أن كانا سلّماه في أيام أبي بكر
وتخليا عن الدعوى فيه. وكيف يجوز ذلك؟ وعمر رضي الله عنه يناشدهما الله هل تعلمان
أن رسول الله ﷺ قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة فيعترفان به والقوم الحضور
يشهدون على رسول الله ﷺ بمثل ذلك. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وكل هذه الأمور تؤكد ما قاله أبو
داود وتصحح ما تأوله من أنهما إنما طلبا القسمة، ويشبه أن يكون عمر إنما منعهما
القسمة احتياطًا للصدقة ومحافظة عليها. فإن القسمة إنما تجري في الأموال المملوكة،
وكانت هذه الصدقات متنازعة وقت وفاة رسول الله ﷺ يُدّعَى فيها الملك والوراثة إلى
أن قامت البينة من قول رسول الله ﷺ: أن تركته صدقة غير موروثة فلم يسمح لهما عمر
بالقسمة، ولو سمح لهما بالقسمة لكان لا يؤمن أن يكون ذلك ذريعة لمن يريد أن
يمتلكها بعد علي والعباس ممن ليس له بصيرتهما في العلم ولا تقيتهما في الدين، فرأى
أن يتركها على الجملة التي هي عليها، ومنع أن تحول عليها السهام فيتوهم أن ذلك
إنما كان لرأي حدث منه فيها أوجب إعادتها إلى الملك بعد اقتطاعها عنه إلى الصدقة،
وقد يحتمل ذلك وجهًا، وهو أن الأمر المفوض إلى الاثنين الموكول إليهما وإلى
أمانتهما وكفايتهما ليُمضياه بمشاركة منهما أقوى في الرأي وأدنى إلى الاحتياط من
الاقتصار على أحدهما والاكتفاء به دون مقام الآخر، ولو أوصى رجل بوصية إلى عمرو
وزيد، أو وكل رجل زيدًا وعَمرًا لم يكن لواحدٍ منهما أن يسبتدّ بأمر منهما دون
صاحبه فنظر عمر لتلك الأموال واحتاط فيها بأن فوّضها إليهما معًا، فلما تنازعاها
قال لهما: إما أن تلياها جميعًا، على الشرط الذي عقدته لكما في أصل التولية، وإما
أن ترداها إلي، فأتولاها بنفسي وأجريها على سبُلها التي كان تجري أيام أبي بكر رضي
الله عنه. قلت
(القائل الخطابي): وروي أن عليًا رضي الله عنه غلب عليها العباس بعد ذلك فكان
يليها أيام حياته، ويدل على صحة التأويل الذي ذهب إليه أبو داود: أن منازعة علي رضي
الله عنه عباسًا رضي الله عنه لم تكن من قبل أنه كان يراها ملكًا وميراثًا، إن
الأخبار لم تختلف عن على رضي الله عنه أنه لما أفضت إليه الخلافة وخلص له الأمر
أجراها على الصدقة، ولم يغير شيئًا من سبلها.
وقال: قوله: مُفضيًا إلى رماله، يريد
أنه كان قاعدًا عليه من غير فراش، ورماله: ما يرمل وينسج به من شريط ونحوه.
وقوله: دفّ أهل أبيات من قومك،
معناه: أقبلوا ولهم دفيف، وهو مشي سريع في مقاربة خطو. يريد: أنهم وردوا المدينة
لضرٍّ أصابهم في بلادهم. وفي قول عمر: إن الله خص رسوله ﷺ بخاصة لم يخص بها أحدًا
من الناس، وتلا على أثره الآية، دليل على أن أربعة أخماس الفىء كانت لرسول الله ﷺ
خاصة في حياته. =
قال أبو داود: إنما سألاه أن يكونَ
يُصَيّرُه نصفَين بينَهما، لا أنهما جَهِلا أن النبيَّ ﷺ قال: «لا نُورَثُ ما
تركنا صدقةٌ»، فإنهما كانا لا يَطلُبان إلا الصوابَ، فقال عمرُ: لا أُوقع عليه
اسمَ القَسْمِ، أَدَعُه على ما هو (١).
٢٩٦٤
- حدَّثنا محمدُ بن عُبَيدِ، حدَّثنا
محمدُ بن ثَورِ، عن معمر، عن الزهريِّ، عن مالكِ بن أوسٍ، بهذه القصَّة، قال: وهما
-يعني عليًّا والعباس- يختصمان فيما أفاءَ الله على رسوله من أموالِ بني النّضير
(٢).
= واختلفوا في مَن هي له بعده وأين
تصرف؟ وفيمن توضع؟ قال الشافعي: فيها قولان: أحدهما: أن سبيلها سيل المصالح، فتصرف
إلى الأهم فالأهم من مصالح المسلمين، ويبدأ بالمقاتلة أولًا، فيعطون قدر كفايتهم،
ثم يبدأ بالأهم فالأهم من المصالح، لأن النبي ﷺ كان يأخذه، لفضيلته، وليس لأحد من
الأئمة بعده تلك الفضيلة، فليس لهم أن يتملكوها، والقول الآخر: أن ذلك للمقاتلة
كله يقسم فيهم، لأن النبي ﷺ إنما كان يأخذه لما له من الرعب والهيبة في طلب العدو،
والمقاتلة: هم القائمون مقامه في إرهاب العدو وإخافتهم.
وكان مالك يرى أن الفيء للمصالح،
قال: وكذلك كان في زمان رسول الله ﷺ، وحُكي عنه أنه قال: كان رسول الله ﷺ لا يملك
فيه مالًا، أو كان لا يصح منه الملك.
قلت (القائل الخطابي): وهذا القول إن
صح عنه فهو خطأ، وقال بعض أهل العلم: الفيء للأئمة بعده.
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
(٢)
إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد، ومحمد بن عُبيد: هو ابن حِساب الغُبَري.
وأخرجه البخاري (٥٣٥٧)، ومسلم
(١٧٥٧)، والنسائي في «الكبرى» (٦٣٠٧) و(٦٣٠٨) من طريق معمر بن راشد، بهذا الإسناد.
ورواية البخاري مختصرة بقوله: أن النبي ﷺ كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله
قوت سنتِهم، ورواية النسائي مختصرة بقوله ﷺ: «لا نورث، ما تركنا صدقة».
وهو في «مسند أحمد» (٣٣٣) و(٤٢٥).
وانظر ما قبله.
قال أبو داود: أرادَ أن لا يُوقع
عليه اسمَ قَسْمٍ.
٢٩٦٥
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ وأحمدُ
بن عَبْدةَ -المعنى- أن سفيانَ بن عُيينةَ أخبرهُم، عن عَمرو بن دِينارٍ، عن
الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان
عن عمر، قال: كانت أموالُ بني
النضيرِ مِمَّا أفاء الله على رسوله مما لم يُوجِفِ المسلمون عليه بخَيلٍ ولا
رِكَابٍ، كانت لرسولِ الله ﷺ خالصًا، يُنفِقُ على أهل بيتِه -قال ابن عَبْدةَ:
يُنفِق على أهلِه- قُوتَ سنةٍ، فما بقي جُعِلَ في الكُراعِ وعدَّةً في سبيل الله.
قال ابن عَبْدةَ: في الكُراع والسلاح
(١).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٩٠٤) و(٤٨٨٥)،
ومسلم (١٧٥٧) والترمذي (١٨١٦)، والنسائى (٤١٤٠) من طريق عمرو بن دينار، بهذا
الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٧٥٧) من طريق معمر بن
راشد، عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧١) (٣٣٧)،
و«صحيح ابن حبان» (٦٣٥٧).
وانظر ما سلف برقم (٢٩٦٣).
قوله: يوجف، قال ابن الأثير في
«النهاية»: الإيجاف، سرعة السير، وقد أوجف دابتَه، يوجفُها إيجافًا، إذا حَثَّها.
و«الكراع» اسم لجميع الخيل.
قال الحافظ في «الفتح» ٦/ ٢٠٨:
واختلف العلماء في مصرف الفيء، فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال،
ويُعطي الإمام أقارب النبي ﷺ بحسب اجتهاده، وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين
الفيء، فقال: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من
سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم. وأما الفيء، فهو الذي يرجع النظر في مصرفه
إلى رأي الإمام بحسب المصلحة، وانفرد الشافعي -كما قال ابن المنذر وغيره بأن الفيء
يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي ﷺ، وله خمس الخمس كما في الغنيمة، وأربعة أخماس الخمس
لمستحق نظيرها من الغنيمة. =
٢٩٦٦ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا إسماعيلُ
بن إبراهيمَ، أخبرنا أيوبُ، عن الزهريِّ، قال: قال عمرُ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾
[الحشر: ٦]، قال الزهريُّ: قال عمرُ:
هذه لرسولِ الله ﷺ خاصةً قُرَى عربية: فَدَكُ، وكذا وكذا من ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧]، و﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [الحشر: ٨]، ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الحشر: ٩]،
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠]، فاستوعبتْ هذه الآيةُ الناسَ، فلم يبقَ
أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌ -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعضَ من تملِكون
من أرقَّائكم (١).
= وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى
رسول الله ﷺ، واحتجوا بقول عمر: فكانت هذه لرسول الله ﷺ خاصة، وتأول الشافعي قول
عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة.
(١)
رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، فإن الزهري لم يدرك عمر بن الخطاب، لكن قول عمر في
آخره: لم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق إلا بعض من تملكون من أرقائكم، صحيح،
سمعه الزهري من مالك بن أوس بن الحدثان كما سيأتي. إسماعيل ابن إبراهيم: هو ابن
عُلَية، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه النسائي (٤١٤٨) من طريق
إسماعيل ابن علية، به.
وأخرج قول عمر في آخر الحديث الشافعى
في «مسنده» ٢/ ١٢٧، ومن طريقه البيهقي ٦/ ٣٤٧ من طريق عمرو بن دينار، عن الزهري،
وعبد الرزاق في «تفسيره» ٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤، وأبو عبيد القاسم في «الأموال» (٤١)، وحميد
بن زنجويه في «الأموال» (٨٤)، والطبري في «تفسيره» ٢٨/ ٣٧ من طريق عكرمة بن خالد،
كلاهما (الزهري وعكرمة) عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب. وهذا إسناد
صحيح. =
٢٩٦٧ - حدَّثنا هشامُ بن عمَّار، حدَّثنا
حاتمُ بن إسماعيلَ (ح)
وحدَثنا سليمانُ بن داودَ المَهريُّ،
أخبرنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني عبدُ العزيز ابن محمدٍ (ح) وحدَّثنا نَصْر بن عليٍّ،
أخبرنا صفوانُ بن عيسى -وهذا لفظ حديثه- كلُّهم عن أسامةَ بن زيدٍ، عن الزُّهري،
عن مالكِ بن أوسِ بن الحَدَثان، قال: كان فيما احتجَّ به عمرُ أنه قال: كانتِ
لرسولِ الله ﷺ ثلاثُ صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفَدَك. فأمَّا بنو النَّضير:
فكانت حُبُسًا لنوائبه، وأمَّا فدكُ فكانت حبسًا لأبناء السَّبيل، وأما خيبر
فجزّأها رسولُ الله ﷺ ثلاثةَ أجزاءٍ: جزءَين بين المُسلمين، وجُزءًا نفقةً لأهله،
فما فَضَلَ عن نفقةِ أهلِه جعلَه بين فقراء المُهاجرين (١).
= وانظر ما سلف برقم (٢٩٦٣).
قال الخطابي: قوله: «إلا بعض من
تملكون من أرقائكم» يتأول على وجهين، أحدهما: ما ذهب إليه أبو عبيد، فإنه روى
حديثًا عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد بن علي، عن مخلد
الغفاري: أن مملوكين أو ثلاثة لبني غفار شهدوا بدرًا، فكان عمر يعطي كل رجل منهم
في كل سنة ثلاثة آلاف درهم، قال أبو عبيد: فأحسب أنه إنما أراد هؤلاء المماليك
البدريين بمشهدهم بدرًا، ألا ترى أنه خص ولم يعم؟ وقال غيره: بل أراد به جميع
المماليك، وإنما استثنى من جملة المسلمين بعضًا من كل، فكان ذلك منصرفًا إلى جنس
المماليك، وقد يوضع البعض في موضع الكل كقول لبيد:
أو يعتلق بعضَ النفوس حِمامُها
يريد النفوسَ كلها.
(١)
إسناده حسن من أجل أسامة بن زيد -وهو الليثي-.
وأخرجه يحيى بن آدم في «الخراج»
(٨٧)، والبلاذري في «فتوح البلدان» ص ٣٣ وص ٤٣، والبزار في «مسنده» (٢٥٦)،
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣٠٢، =
٢٩٦٨ - حدَّثنا يزيدُ بن خالدِ بن عَبد الله
بن مَوهَبِ الهَمدانيُّ، حدَّثنا الليثُ ابن سعْدٍ، عن عُقَيلِ بن خالدٍ، عن ابن
شهاب، عن عُروةَ بن الزُبير
عن عائشةَ زوجِ النبيَّ ﷺ، أنها
أخبرتْه، أن فاطمةَ بنتَ رسولِ الله ﷺ أرسلتْ إلى أبي بكر الصديق. تسألُه ميراثَها
من رسولِ الله ﷺ مما أفاءَ اللهُ عليه بالمدينةِ، وفَدَك، وما بقي من خُمس خَيبر،
فقال أبو بكر: إن رسولَ اللهِ ﷺ قال: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقَةٌ، إنما يآكُل
آلُ مُحمدٍ من هذا المالِ»، وإني والله لا أُغيِّرُ شيئًا من صدقةِ رسولِ الله ﷺ
عن حالِها التي كانت عليها في عهْد رسولِ الله ﷺ، فلأَعْملنَّ فيها بما عمِلَ به
رسولُ الله ﷺ به، وأبى أبو بكر أن يدفَع إلى فاطمةَ منها شيئًا (١).
= والبيهقي ٦/ ٢٩٦ و٧/ ٥٩، وابن عبد
البر في «التمهيد» ٦/ ٤٥٠، والضياء في «المختارة» (٢٧٣ - ٢٧٦) من طريق أسامة بن
زيد الليثي، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو عوانة (٦٦٧٤) من طريق عبد
الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الزهري، به.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٢٩٦ من طرق أسامة
بن زيد الليثي، عن محمد بن المنكدر، عن مالك بن أوس، به.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه بأطول مما هنا البخاري (٤٢٤٠)
و(٤٢٤١)، ومسلم (١٧٥٩) من طريق عقيل بن خالد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٤٠٣٥) و(٤٠٣٦)
و(٦٧٢٥) و(٦٧٢٦)، ومسلم (١٧٥٩) من طريق معمر بن راشد، عن الزهري، به. إلا أنه قال:
إن فاطمة والعباس أتيا يلتمسان ميراثهما ...
وهو في «مسند أحمد» (٩) و(٥٥)،
و«صحيح ابن حبان» (٦٦٠٧).
وانظر تالييه.
وسيأتي من مسند عائشة برقم (٢٩٧٦)،
وفيه: أزواج النبي ﷺ،بدل: فاطمة.
٢٩٦٩ - حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ الحِمصِيُّ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعيبُ بن أبي حمزةَ، عن الزهريِّ، حدثني عروةُ بن الزبير
أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته بهذا
الحديث، قال: وفاطمةُ عليها السلام حينئذٍ تطلُب صدقةَ رسولِ الله ﷺ التي
بالمدينة، وفَدَكَ، وما بقي من خُمس خَيْبر، قالت عائشةُ: فقال أبو بكرِ: إن رسول
الله ﷺ قال: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقة، وإنما يأكلُ آلُ محمدٍ في هذا المالِ»
يعني مالَ اللهِ، ليس لهم أن يزيدُوا على المأكَلِ (١).
٢٩٧٠
- حدَّثنا حجّاج بن أبي يعقوبَ،
حدَّثنا يعقوبُ -يعني ابن ابراهيمَ ابنِ سعْدٍ- حدَّثنا أبي، عن صالح، عن ابن
شهابٍ، أخبرني عروةُ
أن عائشة أخبرته بهذا الحديث، قال
فيه: فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لستُ تاركًا شيئًا كان رسولُ الله ﷺ يَعملُ به
إلا عَمِلْتُ به إني أخشى إن تركتُ شيئًا من أمرِه أن أَزيغَ. فأما صَدقَته
بالمدينة فدفعها عمرُ إلى عليٍّ وعباسِ فغلبَه عليٌّ عليها، وأما خيبرُ وفدكُ
فأمسكَهما عمرُ، وقال: هما صدقةُ رسولِ الله ﷺ كانتا لحقوقِه التي تَعْرُوهُ
ونوائبِه، وأَمْرُهُما إلى مَن وليَ الأمرَ، فهما على ذلك إلى اليوم (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٣٧١١) و(٣٧١٢)،
والنسائي في «المجتبى» (٤١٤١) من طريق شعيب بن أبي حمزة، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٨٢٣).
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢)
إسناده صحيح. صالح: هو ابن كيسان.
وأخرجه البخاري (٣٠٩٢) و(٣٠٩٣)،
ومسلم (١٧٥٩) من طريق إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد. =
٢٩٧١ - حدَّثنا محمدُ بن عُبَيدٍ، حدَّثنا
ابن ثَور، عن مَعمرٍ، عن الزهري، في قوله تعالى: ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ [الحشر: ٦] قال: صَالَحَ النبي ﷺ أهلَ فَدَكَ وقُرىً قد
سماها لا أحفظُها، وهو محاصِرٌ قومًا آخرين، فأرسلوا إليه بالصُّلْح، قال: ﴿فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ يقول: بغير قتالٍ، قال
الزهريُّ: وكانت بنو النَّضير للنبي ﷺ خالصًا لم يفتحوها عَنْوَةً، افتتحوها على
صُلْح، فقسمها النبيُّ ﷺ بين المهاجرين، لم يُعطِ الأنصارَ منها شيئًا، إلا رجلين
كانت بهما حاجه ٌ (١).
٢٩٧٢
- حدَّثنا عبدُ الله بن الجَرَّاح،
حدَّثنا جَريرٌ، عن المغيرة، قال: جمع عمرُ بن عبد العزيز بني مروانَ حين
اسْتُخْلِفَ فقال: إن رسول الله ﷺ كانت له فَدَكُ، فكان ينفِقُ منها، ويعود منها
على صغير بني هاشمٍ، ويُزوِّج منها أيِّمَهُمْ، وإن فاطمةَ سألتْه أن يجعلَها لها،
= وهو في «مسند أحمد» (٢٥).
وانظر سابقيه.
قال الخطابي: تعرُوه، أى: تغشاه
وتنتابه، يقال: عَراني ضيفٌ، وعراني همٌ أي: نزل بي.
(١)
رجاله ثقات، لكنه مرسل. لكن قوله في آخر الحديث في تقسيم نخل بني النضير سيأتي عند
المصنف (٣٠٠٤) بسند صحيح. معمر: هو ابن راشد، وابن ثور: هو محمد، ومحمد بن عُبيد:
هو ابن حساب.
وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ٢/
٢٨٣، وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٢٨/ ٣٥ - ٣٦، والبيهقي ٦/ ٢٩٦ من طريق محمد بن
ثور، كلاهما (عبد الرزاق وابن ثور) عن معمر، به.
فأبى، فكانت كذلك في حياةِ رسولِ
الله ﷺ، حتى مضى لِسبيلِه، فلما أن وليَ أبو بكر عَمل فيها بما عَملَ النبيُّ ﷺ في
حياتِه، حتى مضى لِسبيلِه، فلما أن وليَ عمرُ عمل فيها بمثل ما عملا، حتى مضى
لِسبيلِه ثم أُقْطِعَها مروانُ، ثم صارت لِعمر بن عبد العزيز، ثم قال -يعني عمرَ
بنَ عبد العزيز-: فرأيتُ أمرًا منعَه رسولُ الله ﷺ فاطمة ليس لي بحقّ، وإني
أُشهِدُكم أني قد رددْتُها على ما كانت، يعني على عهدِ رسولِ الله ﷺ (١).
قال أبو داود: ولي عمر بن عبد العزيز
الخلافة وغَلّتُه أربعون ألف دينار، وتوفي وغَلَّته أربع مئة دينار، ولو بقي لكان
أقلَّ (٢).
٢٩٧٣
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا محمدُ بن الفُضَيل، عن الوليد ابن جُمَيعٍ
(١) أثر صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عبد
الله بن الجراح، فهو صدوق حسن الحديث ولكنه متابع. المغيرة: هو ابن مِقسَم الضبي،
وجرير: هو ابن عبد الحميد. وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٠١ من طريق عبد الله بن الجراح،
والبلاذري في «فتوح البلدان» ص ٤٥ عن عثمان بن أبي شيبة، وابن عبد البر في
«التمهيد» ٨/ ١٦٩ - ١٧٠
من طريق محمد بن حميد الرازي،
ثلاثتهم عن جرير بن عبد الحميد، به.
قال الخطابي: إنما أُقطِعها مروان في
أيام حياة عثمان بن عفان، وكان ذلك مما عابوه وتعلقوا به عليه، وكان تأويله في ذلك
-والله أعلم- ما بلغه عن رسول الله ﷺ من قوله: «إذا أطعم الله نبيًا طعمة فهي للذي
يقوم من بعده».وكان رسول الله ﷺ يأكل منها وينفق على عياله قوت سنة، ويصرف الباقي
مصرف الفيء، فاستغنى عثمان عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها أرحامهم، وقد روى
أبو داود هذا الحديث.
قلنا: هو الحديت الآتى.
(٢)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ).
عن أبي الطُّفَيلِ، قال: جاءت فاطمةُ
إلى أبي بكر تطلبُ ميراثَها من النبيَّ ﷺ، قال: فقال أبو بكر: سمعتُ رسولَ الله ﷺ
يقول: «إنّ الله عز وجل إذا أطعمَ نبيًا طُعمةً فهِي للَذي يَقُوم من بعدِه» (١).
٢٩٧٤
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلَمَةَ، عن
مالك، عن أبي الزّنادِ، عن الأعرَجِ عن أبي هُريرةَ، عن النبيَّ ﷺ قال: «لا
تقتسِمُ وَرثتِي دينارًا، ما تركتُ بعدَ نفقةِ نسائي ومُؤْنة عاملي فهو صدقةٌ» (٢).
(١) إسناده حسن من أجل الوليد بن جميع -وهو
الوليد بن عبد الله بن جميع- فهو صدوق حسن الحديث.
وأخرجه أحمد (١٤)، وعمر بن شبة في
«تاريخ المدينة»١/ ١٩٨، والبزار (٥٤)، وأبو بكر المروزي في «مسند أبي بكر» (٧٨)،
وأبو يعلى (٣٧) و(٦٧٥٢)، والبيهقي ٦/ ٣٠٣ من طريق محمد بن فضيل، به. وزادوا جميعًا
في آخره قول فاطمة لأبي بكر: أنتَ ما سمعتَ من رسول الله ﷺ، وبعضهم قال: أنت ورسول
الله ﷺ أعلم.
وله شاهد عند البخاري في «تاريخه
الكبير» ٤/ ٤٦، والسهمي في «تاريخ جرجان» ص ٤٩٣، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧٣٥٥)
من طريق سليمان بن عبد الرحمن، حدَّثنا الوليد بن مسلم، حدَّثنا عبد الله بن
العلاء بن زَبْر، وغيره، أنهما سمعا بلال بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن تميم السكوني
وكان من الصحابة قال: قيل: يا رسول الله، ما للخليفة من بعدك؟ قال: «مثل الذي لي،
ما عدل في الحكم وقسط في القسط ورحم ذا الرحم، فمن فعل غير ذلك فليس مني ولست منه»
وهذا سند صحيح.
قال الخطابي: فيه حجة لمن ذهب إلى أن
أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله ﷺ للأئمة بعده.
(٢)
إسناده صحيِح. الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبو الزناد: هو عبد الله بن
ذكوان، ومالك: هو ابن أنس.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٩٣، ومن
طريقه أخرجه البخاري (٢٧٧٦)، ومسلم (١٧٦٠)، ومسلم (١٧٦٠) من طريق سفيان بن عيينة،
والترمذي في «الشمائل» (٣٨٥) من طريق سفيان الثوري، ثلاثتهم (مالك وابن عيينة
والثوري) عن أبي الزناد، به. =
قال أبو داود: «مُؤنة عامِلي» يعني
أكَرَةَ الأرض (١).
٢٩٧٥
- حدَّثنا عَمرو بن مرزُوقٍ، أخبرنا
شعبةُ، عن عَمرو بن مُرّةَ، عن أبي البَختَريِّ، قال:
سمعتُ حديثًا من رجل فأعجبني فقلتُ:
اكتْبه لي، فأتى به مكتوبًا مذَبَّرًا: دخل العباس وعلىٌّ على عمر، وعنده طلحةُ
والزبيرُ وعبدُ الرحمن وسعْدٌ، وهما يختصمان، فقال عمر لطلحةَ والزبيرِ وعبدِ
الرحمن وسعدٍ: ألم تعلموا أن رسولَ الله ﷺ قال: «كلّ مالِ النبيِّ ﷺ صدقةٌ، إلَّا
ما أطعمهُ أهلَهُ وكساهُم، إنَّا لا نورَثُ»؟ فقالوا: بلى، قال: فكان رسولُ الله ﷺ
ينفق من مالِه على أهلِه ويتصدَّق بفضلِه، ثم توفي رسول الله ﷺ، فوليها أبو بكر
سنتين، فكان يصنَعُ الذي كان يصنَعُ رسولُ الله ﷺ ثم ذكَر شيئًا من حديث مالكِ بن
أوسِ بن الحَدَثان (٢).
= وهو في «مسند أحمد» (٧٣٠٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٦١٠).
قال ابن عيينة: أزواج النبيَّ ﷺ في
حكم المعتدات إذ لا يجوز أن ينكحن، فلهذا أوجبت النفقة لهن فيما تركه رسول الله ﷺ،
أو الخليفة بعده ﷺ.
والأكرة: جمع أكار، كأنه جمع آكر:
الحراث.
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ) وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن
الأعرابي.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الرجل الذي كتب الحديث لأبى البختري -وهو سعيد
بن فيروز- شعبة: هو ابن الحجاج بن الورد العتكي.
وأخرجه الطيالسي (٦١) و(٢٢٦)،
والبيهقي ٦/ ٢٩٩ من طريق شعبة بن الحجاج، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي في «الشمائل» (٣٨٣)
من طريق يحيي بن كثير العنبري أبي غسان، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري،
أن العباس وعليًا جاءا إلى عمر ... الحديث هكذا رواه مرسلًا. =
٢٩٧٦ - حدَّثنا القَعنبىُّ، عن مالك، عن ابن
شهاب، عن عُروةَ
عن عائشةَ أنها قالت: إن أزواج
النبيِّ ﷺ حين توفي رسولُ الله ﷺ أرَدْنَ أن يبعثن عثمانَ بن عفان إلى أبي بكر
الصديق فيسألْنَه ثُمُنَهُنَّ من النبيِّ ﷺ، فقالت لهن عائشةُ: أليس قد قال رسولُ
الله ﷺ: «لانُورَثُ، ما تركنا فهو صدقةٌ» (١).
٢٩٧٧
- حدَّثنا محمد بن يحيى بن فارسٍ،
حدَّثنا إبراهيمُ بن حمزةَ، حدَّثنا حاتمُ بن إسماعيلَ، عن أُسامةَ بن زيدٍ
عن ابنِ شهاب، بإسناده نحوه، قلت:
ألا تتَقينَ اللهَ؟ ألم تسمعْنَ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا نُورَثُ، ما تركنا فهو
صدقةٌ، وإنما هذا المالُ لآلِ محمدٍ لنائبتِهم ولضيفِهم، فإذا مِتُّ فهو إلى
وَليِّ الأمرِ من بعْدي» (٢)؟
= ويشهد له حديث مالك بن أوس بن
الحدثان، عن عمر بن الخطاب، وقد سلف برقم (٢٩٦٣)، وهو في «الصحيحين».
قوله: مذبّرًا، أي: متقنًا سهل
القراءة.
(١)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبِير بن العوامِ، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم ابن
شهاب الزهري، والقعنبي: هوعبد الله بن مَسْلَمة.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٩٣، ومن
طريقه أخرجه البخاري (٦٧٣٠)، ومسلم (١٧٥٨)، والنسائى في «الكبرى» (٦٢٧٧).
وأخرجه البخاري (٤٠٣٤) من طريق شعيب
بن أبي حمزة، و(٦٧٢٧) من طريق يونس بن يزيد، كلاهما عن ابن شهاب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٢٦٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٦١١).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل أسامة بن زيد -وهو الليثي- وهو متابع في الطريق
السالفة.
ولقوله: «فإذا متُّ فهو إلى ولي
الأمر من بعدي» شاهد من حديث أبي بكر السالف برقم (٢٩٧٣).
٢٠ - باب بيان مواضعِ قَسمِ الخُمس وسهْم
ذي القُربَى
٢٩٧٨
- حدَّثنا عُبيد الله بن عُمر بن
مَيسرةَ، حدَّثنا عبدُ الرحمن بن مَهدِيّ، عن عبدِ الله بن المُباركِ، عن يونسَ بن
يزيدَ، عن الزهريِّ، أخبرني سعيدُ بن المُسيِّب
أخبرني جُبير بن مُطعم: أنه جاء هو
وعثمانُ بن عفّانَ يكلمانِ رسولَ الله ﷺ فيما قَسَمَ من الخُمس بين بني هاشمٍ وبني
المطَّلب، فقلت: يا رسولَ اللهِ، قَسَمْتَ لإخوانِنا بني المطَّلب، ولم تُعطِنا
شيئًا، وقرابَتُنَا وقرابتُهم منك واحدةٌ، فقال النبي ﷺ: «إنما بَنُو هاشم وبنو
المطَّلب شيءٌ واحدٌ»، قال جُبيرٌ: ولم يقسِم لبني عبد شمسٍ، ولا لبني نَوفَلٍ، من
ذلك الخُمس، كما قسم لبني هاشم وبني المطَّلب.
قال: وكان أبو بكر يقسم الخُمس نحو
قَسْمِ رسولِ الله ﷺ، غير أنه لم يكن يُعطِي قُربَى رسولِ الله ﷺ ما كان النبيُّ ﷺ
يُعطيهم. قال: وكان عمرُ بن الخطاب يعطيهم منه، وعثمانُ بعده (١).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٣١٤٠) و(٣٥٠٢)
و(٤٢٢٩)، وابن ماجه (٢٨٨١)، والنسائي (٤١٣٦) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وروايتهم مختصرة إلى قوله ﷺ: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد».
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٤١).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: قوله: «بنو هاشم وبنو
المطلب شيء واحد»، يريد به الحلف الذي كان بين بني هاشم وبين بني عبد المطلب، وفي
غير هذه الرواية: أنه قال: «إنا لم نفترق في جاهلية ولا إسلام»، وكان يحيي بن معين
يرويه: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب سيٌّ واحدٌ» بالسين غير المعجمة، أي: مثلٌ
سواءٌ. يقال: هذا سيُّ هذا، أي: مثله ونظيره. =
٢٩٧٩ - حدَّثنا عُبيد الله بن عمرَ، حدَّثنا
عثمانُ بن عمرَ، أخبرني يونسُ، عن الزهريِّ، عن سعيدِ بن المُسيِّب قال:
أخبرني جُبَير بن مُطعِم: أن رسولَ
الله ﷺ لم يقسِم لبني عبد شمسٍ، ولا لبني نَوفَلٍ من الخُمس شيئًا، كما قَسَم لبني
هاشمِ وبني المطَّلبِ. قال: وكان أبو بكر يقسِمُ الخُمس نحو قَسْمِ رسولِ الله ﷺ،
غير أنه لم يكن يُعطي قُربَى رسولِ الله ﷺ كما كان يُعطِيهم رسولُ الله ﷺ،وكانَ
عُمرُ يُعطيهم ومَن كان بعدَه منه (١).
٢٩٨٠
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا هشيمٌ، عن
محمدِ بن إسحاقَ، عن الزهرِّي، عن سعيد بن المُسيِّب
أخبرني جُبير بن مُطعِمٍ، قال: فلما
كان يومُ خيبرَ وَضَعَ رسولُ الله ﷺ سهْم ذي القُربى في بني هاشمٍ، وبني المُطلب،
وترك بني نَوْفَلٍ، وبني عبد شمسٍ، فانطلقتُ أنا وعثمانُ بن عفان حتى أتينا
النبيَّ ﷺ، فقلْنا: يا رسولَ اللهِ، هؤلاء بنو هاشمٍ، لا ننكر فضلَهم للموَضِع
الذي وضعَك اللهُ به منهم، فما بالُ إخوانِنا بني المطَّلب أعطيتَهم وتركتَنا،
= وفي الحديث دليل على ثبوت سهم ذي
القربى، لأن عثمان وجبيرًا إنما طالباه بالقرابة. وقد عمل به الخلفاء بعدُ عمر
وعثمان، وجاء في هذه الرواية أن أبا بكر لم يقسم لهم، وقد جاء في غير هذه الرواية
عن عليّ أن أبا بكر قسم لهم، وقد رواه أبو داود [٢٨٥٨].
(١)
إسناده صحيح. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وعثمان بن عمر: هو ابن فارس العبدي، وعبيد
الله بن عمر: هو ابن ميسرة.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٧٦٨).
وانظر ما قبله، وما بعده.
وقرابَتُنَا واحدةٌ؟ فقال رسولُ الله
ﷺ: «إنا وبَنُو المطَّلب لا نفترقُ في جاهليةِ ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد
وشبَّك بين أصابعه (١).
٢٩٨١
- حدَّثنا حسينُ بن علي العِجْلىُّ،
حدَّثنا وكيعٌ، عن الحسنِ بن صالحٍ، عن السُّدِّيِّ في ذي القربى، قال: هم بنو عبد
المطَّلب (٢).
٢٩٨٢
- حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
عَنْبَسةُ، حدَّثنا يونسُ، عن ابنِ شهابٍ
أخبرني يزيدُ بن هُرْمُزَ: أن
نَجْدَةَ الحرُوريَّ حين حجَّ في فتنةِ ابنِ الزُّبير أرسلَ إلى ابن عباسٍ يسألُه
عن سَهم ذي القُربى، ويقول: لمن تراه؟ قال ابنُ عبّاس: لِقُربى رسولِ الله ﷺ،
قَسَمَهُ لهم رسولُ الله ﷺ وقد كان عمرُ عَرَضَ علينا من ذلك عَرْضًا رأيناه دون
حقِّنا، فرددناه عليه وأَبَينا أن نقبلَه (٣).
(١) حديث صحيح دون قوله:»لا نفترق في جاهلية
ولا إسلام«، وهذا إسناد حسن.
محمد بن إسحاق -وإن كان مدلسًا- قد
صرح بالتحديث عند الطبري في»تفسيره«١٠/ ٦، والبيهقي ٦/ ٣٤١، فانتفت شبهة تدليسه،.
وقد توبع كما في الطريقين السالفين. هُشيم: هو ابن بشير.
وأخرجه النسائي (٤١٣٧) من طريق محمد
بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(١٦٧٤١).
وانظر ما سلف برقم (٢٩٧٨).
(٢)
أثر صحيح عن السُّدِّي -وهو إسماعيل بن عبد الرحمن-، وكيع: هو ابن الجراح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في»مصنفه"
١٢/ ٤٧٢ عن وكيع بن الجراح، به.
(٣)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عنبسة -وهو ابن خالد بن يزيد الأيلي- ولكنه
متابع. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو الزهري.
وأخرجه النسائي (٤١٣٣) من طريق عثمان
بن عمر بن فارس، عن يونس بن يزيد، بهذا الإسناد. =
٢٩٨٣ - حدَّثنا عباسُ بن عبد العظيم،
حدَّثنا يحيى بنُ أبي بُكَيرٍ، حدَّثنا أبو جعفرٍ -يعني الرازيَّ- عن مُطَرِّفٍ،
عن عبدِ الرحمن بن أبي لَيلى
سمعت عليًا يقول: ولَّاني رسولُ الله
ﷺ خمُسَ الخُمس، فَوَضعتُه مواضعَه حياةَ رسولِ الله ﷺ، وحياةَ أبي بكرِ، وحياةَ
عمرَ، فأُتِي بمالٍ، فدَعَاني، فقال: خذْه، فقلتُ: لا أُريدُه، قال: خُذْه فأنتم
أحقُّ به، قلت: قد استغنَينا عنه، فجعلَه في بيتِ المالِ (١).
٢٩٨٤
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا ابنُ نُميرٍ، حدَّثنا هاشمُ بنُ البَريدِ، حدَّثنا حسينُ بن مَيمونٍ، عن
عَبدِ الله بن عَبد الله، عن عبدِ الرحمن بن أبي لَيلى
سمعت عليًا يقول: اجتمعتُ أنا
والعباسُ وفاطمةُ وزيدُ بن حارثة عند النبيِّ ﷺ، فقلتُ: يا رسولَ الله، إن رأيتَ
أن تولِّيَني حقَّنا من هذا الخُمس في كتابِ اللهِ، فأقْسِمَهُ حياتَكَ كي لا
ينازِعَني أحدٌ بعدَك،
= وأخرجه النسائي (٤١٣٤) من طريق محمد
بن إسحاق، عن الزهري، به.
وأخرجه بنحوه مسلم (١٨١٢)، والنسائي
(٤١٣٤) من طرق عن يزيد بن هرمز، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٨٢٤).
(١)
إسناده ضعيف. أبو جعفر الرازي -وهو عيسى بن أبي عيسى- فيه ضعف وخالفه في هذا
الإسناد أبو عوانة -وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري- وهو ثقة، فرواه عن مُطرِّف
-وهو ابن طريف-، عن رجل يقال له: كثير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، وكثير
هذا مجهول، ومطرف لم يسمع من ابن أبي ليلى. قاله الدارقطني في «العلل» ٣/ ٢٨٠.
وسيأتى من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند المصنف بعده، وهو ضعيف كذلك.
وأخرجه الحاكم ٢/ ١٢٨ و٣/ ٤٠،
والبيهقي ٦/ ٣٤٣ من طريق مطرف بن طريف، به. وانظر ما بعده.
فافْعل، قال: ففعل ذلك، قال: فقسمتُه
حياةَ رسولِ الله ﷺ، ثم وَلَّانِيه أبو بكرٍ حتى كانت آخرَ سنةٍ من سِنِىِّ عمرَ
فإنه أتاه مالٌ كثيرٌ، فعَزَلَ حقَّنا، ثم أرسل إليَّ، فقلت: بنا عنه العامَ
غِنىً، وبالمسلمين إليه حاجةٌ فارْدُدهُ عليهم، فردَّه عليهم، ثم لم يَدعُني إليه
أحدٌ بعدَ عُمر، فلقيت العباسَ بعدما خرجتُ من عند عُمرَ، فقال: ياعَليُّ،
حرمْتَنا الغداةَ شيئًا لا يُرَدُّ علينا أبدًا، وكان رجلًا داهيًا (١).
(١) إسناده ضعيف، الحُسين بن ميمون -وهو
الخِنْدِفي- قال عنه ابن المديني: ليس بمعروف، قلّ مَن روى عنه، وقال أبو زرعة:
شيخ، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في «الثقات»
وقال: ربما أخطأ، وقال البخاري في «التاريخ الكبير» في ترجمته عن حديثه هذا: لم
يتابع عليه، وكذا قال العُقيلي وابن عدي. عبد الله بن عبد الله: هو الرازي قاضيها،
وابن نُمير: هو عبد الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٤٧٠، وأحمد
(٦٤٦)، وعمر بن شبة في «تاريخ المدينة» ٢/ ٦٤٥ - ٦٤٧، والبزار (٦٢٦)، وأبو يعلى
(٣٦٤)، والبيهقي ٦/ ٣٤٣ - ٣٤٤ من طريق هاشم بن البَريد، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: فقد روي عن علي رضي
الله عنه أن أبا بكر كان يقسم فيهم، وكذلك عمر إلى أن تركوا حقهم منه، فدل ذلك على
ثبوت حقهم.
وقد اختلف العلماء في ذلك: فقال
الشافعي: حقهم ثابت، وكذلك مالك بن أنس، وقال أصحاب الرأي: لا حق لذي القربى،
وقسموا الخمس في ثلاثة أصناف، وقال بعضهم: إنما أعطى رسول الله ﷺ بني المطلب
للنصرة في القرابة، ألا تراه يقول:
«إنا لم نفترق في جاهلية ولا إسلام»
فنبه على أن سبب الاستحقاق النصرة، والنصرة قد انقطعت فوجب أن تنقطع العطية.
قلت (القائل الخطابي): هذا المعنى
بمفرده لا يصلح على الاعتبار، ولو كان ذلك من أجل النصرة حسب، لكان بنو هاشم أولى
الناس بأن لا يعطوا شيئًا فقد كانوا إلبًا واحدًا عليه، وإنما هو عطية باسم
القرابة كالميراث، وقد قيل: إنما أعطوه عوضًا من الصدقة المحرمة عليهم، وتحريم
الصدقة باق فليكن السهم باقيًا.
٢٩٨٥ - حدَّثنا أحمد بن صالح، حدَّثنا
عَنبَسَةُ، حدَّثنا يونسُ، عن ابن شهابٍ، أخبرني عبدُ الله بن الحارث بن نَوفَلٍ
الهاشميُّ
أن عبدَ المُطَّلِب بنَ ربيعةَ بن
الحارثِ بن عبدِ المُطَّلِب أخبره: أن أباه ربيعةَ بنَ الحارث وعباسَ بنَ عبد
المطلب قالا لعبدِ المُطَّلب بن رَبيعةَ وللفضلِ بن عبّاس: ائْتيا رسولَ الله ﷺ،
فقولا له: يا رسول الله، قد بَلَغْنا من السِّنِّ ما تَرى، وأحبَبْنا أن نتزوجَ،
وأنتَ يا رسولَ الله أبرُّ الناسِ وأوْصَلُهم، وليس عند أبوَينا ما يُصدِقَانِ
عنا، فاستعمِلْنا يا رسولَ الله على الصدقاتِ، فلنؤدِّ إليك ما يؤدِّي؟ العمالُ،
ولنُصِبْ ما كان فيها من مِرْفَقٍ، قال: فأتى عليُّ بنُ أبي طالب ونحن على تلك
الحال، فقال لنا: إن رسول الله ﷺ، قال: لا والله لا يَستعملُ منكم أحدًا على
الصدقة، فقال له ربيعةُ: هذا من. أمرِك، قد نلتَ صهرَ رسولِ الله ﷺ، فلم نحسُدكَ
عليه، فألقى عليٌّ رداءه، ثم اضطجع عليه، فقال: أنا أبو حسن القَرْم، والله لا
أَرِيمُ حتى يرجِعَ إليكما ابناكُما بجوابِ ما بعثتُما به إلى النبيَّ ﷺ، قال عبدُ
المطلب: فانطلقتُ أنا والفضلُ حتى نوافقَ صلاةَ الظهرِ قد قامتْ، فصلَّينا مع
الناسِ، ثم أسرعتُ أنا والفضل إلى باب حُجْرةِ رسول الله ﷺ، وهو يومئذٍ عند زينبَ
بنتِ جَحْشٍ، فقُمنا بالبابِ، حتى أتى رسولُ الله ﷺ، فأخذَ بأذُني وأذُن الفضْل،
ثم قال: «أخرِجا ما تُصَرِّرَان»، ثم دخل فأذنِ لي وللفضْل، فدخلْنا، فتواكَلْنا
الكلامَ قليلًا، ثم كلَّمْتُه، أو كلَّمه الفضْلُ، -قد شكّ في ذلك عَبدُ الله-
قال: كلّمه بالذي أمرَنا به أَبَوَانَا، فسكتَ رسولُ الله ﷺ ساعةً ورفع بصرَه
قِبَلَ سقفِ البيت حتى طال علينا أنه لا يرجِعَ إلينا شيئًا، حتى رأينا زينبَ
تُلمعُ من وراء الحجابِ بيدِها، تريد: أن لا تعجَلا، وإن
رسولَ الله ﷺ في أمرِنا، ثم خفَّض
رسول الله ﷺ رأسَه، فقال لنا: «إن هذه الصدقةَ إنما هي أوساخُ الناسِ، وأنها لا
تَحِلُّ لمحمدٍ، ولا لآلِ محمدٍ، ادْعُوا لي نوفلَ بن الحارث»، فدُعي له نوفل بن
الحارثِ، فقال: «يا نوفلُ أنكِح عبدَ المطَّلب»، فأنكحَني نوفلٌ، ثم قال النبيُّ ﷺ
«ادعُوا لي مَحمِيَةَ بن جَزْءِ» وهو رجلٌ من بني زُبَيدٍ، كان رسولُ الله ﷺ
استعملهَ على الأخماسِ، فقال رسولُ الله ﷺ لمحميةَ: «أنكِحِ الفَضْلَ» فأنكحه، ثم
قال رسولُ الله ﷺ: «قمْ فأصدِقْ عنهما من الخُمس كذا وكذا» لم يُسمِّه لي عبدُ
الله بن الحارث (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عنبسة
-وهو ابن يزيد الأيلي- ولكنه متابع.
وأخرجه مسلم (١٠٧٢)، والنسائى (٢٦٠٩)
من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه مسلم (١٠٧٢) من طريق مالك بن
أنس، عن ابن شهاب الزهري، عن عَبد الله -ويقال في اسمه: عُبيد الله- بن عَبد الله
بن نوفل بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة - هكذا انقلب عنده اسم عبد الله بن عبد
الله بن نوفل بن الحارث، والصحيح: ابن الحارث بن نوفل، وقد أتى به في رواية مسلم
هذه على الصواب المزي في «تحفة الأشراف» ٧/ ٢١٩.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٥١٨)
و(١٧٥١٩)، و«صحيح ابن حبان» (٤٥٢٦).
قال الخطابي: قوله: أنا أبو الحسن
القرم، هو في أكثر الروايات «القوم» وكذلك رواه لنا ابن داسة بالواو. وهذا لا معنى
له. وإنما هو «القرم» وأصل القرم في الكلام فَحلُ الإبل. ومنه قيل للرئيس: «قرم»
يريد بذلك: أنه المقدم في الرأي والمعرفة بالأمور، فهو فيهم بمنزلة القرم في الإبل.
قلنا: وقوله: «بجواب ما بعثتما به»
جاء في رواية ابن داسة: «بحَور ما بعثتما به» والمعنى واحد، قال الخطابي: «بحور»
أي: بجواب المسألة التي بعثتما فيها وبرجوعها، وأصل الحور: الرجوع، يقال: كلمتُه
فما أحار إليّ جوابًا، أي: ما ردّ إليّ جوابًا. =
٢٩٨٦ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
عنبسةُ بن خالد، حدَّثنا يونسُ، عن ابن شهابٍ، أخبرني علي بن حُسين، أن حسينَ بن
عليٍّ أخبره
أن علي بن أبي طالب قال: كانت لي
شارِفٌ من نصيبي من المَغنمِ يومَ بدر، وكان رسولُ الله ﷺ أعطاني شارِفًا من
الخُمس يومئذ، فلما أردتُ أن أبني بفاطمةَ بنتِ رسولِ الله ﷺ واعَدْتُ رَجُلًا
صَوَّاغًا من بني قَيْنُقَاع أن يرتحلَ معي فنأتيَ بإذْخِرٍ، أردتُ أن أبيعَه من
الصوَّاغين فأستعينَ به في وليمةِ عُرسي، فبينا أنا أجمع لِشارفي متاعًا من
الأقتاب والغَرائِر والحبالِ، وشَارِفَايَ مُنَاخان إلى جنب حُجرة رجلٍ من
الأنصارِ، أقبلتُ حين جمعتُ ما جمعتُ، فإذا بشارفَىَّ قد اجتُبَّت أسنمتُهما،
وبُقِرتْ خَواصرُهما، وأُخذ من أكبادِهما، فلم أملِك عينَىَّ
= وقال الخطابي: «أخرجا ما تُصرِّران»
يريد ما تكتمان، أو ما تضمران من الكلام.
وأصله: من الصرر، وهو الشد والإحكام.
وقوله: فتواكلنا الكلام، معناه أن كل
واحد منا قد وكل الكلام إلى صاحبه، يريد أن يبدأ الكلامَ صاحبُه دونه.
وقوله: «قم فأصدِق عنهما من الخُمس»
أي: من حصته من الخُمس الذي هوسهم النبي ﷺ، وكان يأخذ لطعامه ونفقة أهله منه قدر
الكفاية، ويرد الباقي منه على يتامى بني هاشم وأياماهم، ويضعه حيث أراهُ اللهُ من
وجوه المصلحة، وهو معنى قوله: «مالي مما أفاء الله عليَّ إلا الخمس، وهو مردود
عليكم».
وقد يحتمل أن يكون إنما أمره أن يسوق
المهر عنهما من سهم ذي القربى، وهو من جملة الخمس والله أعلم.
قلنا: وقوله: «مرفق» قال في
«اللسان»: المِرفَق والمَرفِقُ والمَرفَقُ: ما استُعين به، وفي التنزيل:
﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا﴾ [الكهف: ١٦].
وقوله: لا أريم، قال النووي في «شرح
مسلم»: هو بفتح الهمزة وكسر الراء، أي: لا أفارقه.
حين رأيتُ ذلك المنظرَ، فقلت: مَنْ
فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزةُ بن عبد المطلب، وهو في هذا البيتِ في شَرْبٍ من
الأنصارِ، غَنَّتْه قينةٌ وأصحابَهُ، فقالتْ في غنائها:
ألَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ
النِّوَاء
فوثب حمزةٌ إلى السيفِ، فاجْتَبَّ
أسنِمتَهما وبقر خواصِرَهما، فأخذ من أكبادهما، قال عليٌّ: فانطلقتُ حتى أدخُلَ
على رسولِ الله ﷺ وعندَه زيدُ بن حارثةَ، قال: فعرف رسولُ الله ﷺ الذي لقيتُ،
فقالَ رسولُ الله ﷺ: «مالكَ؟» قال: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما رأيتُ كاليوم، عَدا
حمزةُ على ناقتيَّ، فاجتبَّ أسنمتَهما وبَقَر خواصِرَهما، وها هو ذا في بيتٍ معه
شَرْبٌ، فدعا رسولُ الله ﷺ بردائِه، فارتداه، ثم انطلقَ يمشي واتَّبعتُه أنا وزيدُ
بن حارثةَ حتى جاء البيتَ الذي فيه حمزةُ، فاستأذن، فأُذن له، فإذا هم شَرْبٌ،
فطفقَ رسولُ الله ﷺ يلومُ حمزةَ فيما فعل، فإذا حمزةُ ثَمِلٌ مُحمرَّةٌ عيناه،
فنظر حمزةُ إلى رسولِ الله ﷺ، ثم صَعّدَ النظر، فنظر إلى ركبتيه، ثم صعَّد النظرَ،
فنظر الى سُرَّتِه، ثم صعَّد النظرَ، فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزةُ: وهل أنتم إلا
عَبيدٌ لأبي؟ فعرفَ رسولُ الله ﷺ أنه ثَمِلٌ، فنكَصَ رسولُ الله ﷺ على عَقِبه
القَهْقَرَى، فخرجَ وخرجْنا معه (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عنبسة
بن خالد -وهو ابن يزيد الأيلي- ولكنه متابع. ابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري،
ويونُس: هو ابن يزيد الأيلي. =
٢٩٨٧ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
عبدُ الله بن وهْب، حدَثني عيَّاش ابن عُقبة الحَضْرَميُّ، عن الفضلِ بن الحَسن
الضَّمْريِّ
أن ابن أُم الحكم أو ضُبَاعة ابنتَي
الزبيرِ حدَّثه، عن إحداهما أنها قالت: أصابَ رسولُ الله ﷺ سببًا، فذهبتُ أنا
وأختي وفاطمةُ بنتُ رسولِ الله ﷺ، فشكَونا إليه ما نحنُ فيه، وسألْناه أن يأمرَ
لنا بشيءٍ من السبي، فقال رسولُ الله ﷺ: «سبقَكُنَّ يتامى بدر، ولكنْ سأدلُكنَّ
على ما هو خيرٌ لكنَّ من ذلك: تُكبِّران اللهَ على إثر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين
تكبيرةً، وثلاثًا وثلاثين تسبيحةً، وثلاثًا وثلاثين تحميدةً،
= وأخرجه البخاري (٢٠٨٩) و(٣٠٩١) من
طريق عبد الله بن المبارك، ومسلم (١٩٧٩) من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن يونس
بن يزيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٣٧٥)، ومسلم (١٩٧٩)
من طريق ابن جريج، عن ابن شهاب الزهري، به.
وهو في»مسند أحمد«(١٢٠١)، و»صحيح ابن
حبان«(٤٥٣٦). قال الخطابي:»الشارف«: المسنة من النوق».
وقولها: «ألا يا حمز للشُّرُفِ
النِّواء» فإن الشُّرف جمع الشارف، و«النواء»: السِّمان، يقال: نوت الناقة تنوي،
فهي ناوية، وهن نواء. قال الشاعر:
لطالما جررتكن جَرَّا ... حتى نوى
الأعجف واستمرا
وتمام البيت:
ألا يا حمزُ للشُّرف النِّواء ...
وهن مُعقَّلات بالفِناء
في أبيات تستدعيه فيها نحرَهنَّ. وأن
يطعم لحومهن أصحابه وأضيافه، فهزَّتْه أريحية الشراب والسماع، فكان منه ذلك الصنيع.
و«الثمل»: السكران.
وقال ابن الأثير في «النهاية»:
الشَّرب، بفتح الشين وسكون الراء: الجماعة يشربون الخمر.
وقال الجوهري في «الصحاح» القَتَب:
رحلٌ صغير على قدر السَّنام.
ولا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،
له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قديرٌ» (١).
(١) صحيح لغيره عن فاطمة رضي الله عنها وحدَها،
دون ذكر أم الحكم أو ضباعة، ودون قوله ﷺ: «سبقكن يتامى بدر»، وهذا إسناد ضعيف
لجهالة ابن أم الحكم، فقد قال الحافظ في «التقريب»: لا يُعرف، وقال في «لسان
الميزان»: لا يُحرَّر أمرُه، وقد وقع في النسخ المطبوعة من «سنن أبي داود»: عن
الفضل بن الحسن الضَّمري، أن أمَّ الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب
حدثته، عن إحداهما أنها قالت. فسقطت كلمة «ابن»، فأوهم ذلك أن الفضل سمعه من أم
الحكم أو من أختها ضباعة، وإنما الصحيح أن الفضل سمعه من ابن أم الحكم، وابن أم
الحكم هو الذي حدث عن أمه أو خالته ضُباعة، وما وقع في النسخ المطبوعة إنما وقع
بالاعتماد على بعض أصول أبي داود، لكن أشار الشيخ محمد عوامة في طبعته إلى أنه جاء
في رواية ابن داسة: ابن أم الحكم - يعني على الصواب، والعجب أن الحديثَ سيتكرر عند
المصنف على الصواب برقم (٥٠٦٦)، ومع ذلك لم يتنبه إليه أحدٌ في شيء من الطبعات
السابقة، وكذا لم يتنبه إليه أبو الطيب في «عون المعبود»، ولا السهارنفوري في «بذل
المجهود» ولا الألباني في«صحيحته» (١٨٨٢) فصحح الأخير إسناده فلم يُصب. وقد جاء في
«تحفة الأشراف» (١٨٣١٤) معزوًا لأبي داود على الصواب في الموضعين.
ويؤيد ذلك أنه لم يذكر أحدٌ من أصحاب
التراجم روايةً للفضل بن الحسن عن أم الحكم أو ضُبَاعة، وإنما ذكروا رواية للفضل
عن ابن أم الحكم، كابن الأثير في «رجال جامع الأصول»، والمزي في «تهذيب الكمال» في
ترجمة الفضل، والذهبي في «الكاشف» في ترجمة ابن أم الحكم، وتبعهما ابنُ حجر في
«تهذيب التهذيب» و«التقريب». ووهم صاحب «تراجم الأحبار»، إذ نفى أن يكون الحافظ
ذكره في «التهذيب» و«التقريب».
ويؤيده كذلك أنه جاء على الصواب في
مصادر التخريج.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني
الآثار» ٣/ ٢٩٩، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة الفضل بن الحَسن، من طريق عبد
الله بن وهب، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٣٤٧٤)، والطبراني في «الكبير»
٢٥/ (٣٣٣) من طريق زيد بن =
قال عياش: وهما ابنتا عمِّ النبيَّ ﷺ
٢٩٨٨
- حدَّثنا يحيي بن خَلَفٍ، حدَّثنا
عبدُ الأعلى، عن سعيدٍ -يعني الجُرَيريَّ- عن أبي الوَردِ، عن ابن أعبُدَ، قال:
قال لي علىٌّ: ألا أحدثُك عنِّي وعن
فاطمةَ بنتِ رسولِ الله ﷺ، وكانت مِن أحبِّ أهلِه إليه؟ قلتُ: بلى، قال: إنها
جَرَّتْ بالرَّحَى حتى أثّر في يدها، واستَقَتْ بالقِربة حتى أثَّر في نحرِها،
وكَنَستِ البيتَ حتى اغبرَّت ثيابُها، فأتى النبيَّ ﷺ خدمٌ، فقلت: لو أتيتِ أباكِ
فسألتيه خادمًا، فأتَتْه، فوجَدَتْ عنده حُدَّاثاَ، فرجعتْ، فأتاها من الغد، فقال:
«ما كانَ حاجتُكِ؟»فسكتتْ، فقلت: أنا أُحدَّثك يا رسولَ اللهِ، جَرَّتْ بالرحى حتى
أثَّرت في يدِها، وحملتْ بالقِربة حتى أثّرت في نحرِها، فلمَّا أن جاءك الخدَمُ
أَمرتُهَا أن تأتيَك فتستخْدمَك خادمًا يقيها حَرَّ ما هي فيه، قال: «اتقِي الله
يا فاطمة، وأدِّي فريضةَ ربِّكِ، واعْمَلي عَمَلَ أهلِكِ، وإذا أخذتِ مضجعَكِ
فسبّحي ثلاثًا وثلاثين،
= الحباب، كلاهما عن عياش بن عقبة،
بهذا الإسناد. على الصواب. وتحرف في رواية المزي اسم عياش بن عقبة إلى: ابن عباس.
ونبّه على أنه خطأ.
وأخرجه الطحاوي ٣/ ٢٩٩ من طريق زيد
بن الحباب، عن عياش بن عقبة، عن الفضل بن الحَسن، عن عمرو بن الحكم (وتحرف في
المطبوع إلى: بن الحكيم كما نبه عليه صاحب»تراجم الأحبار") أن أمه حدثته أنها
ذهبت هي وأمها حتى دخلنا على فاطمة رضي الله عنها فخرجن جميعًا ... فسمى الرجل:
عمرو بن الحكم، والذي جاء عند ابن أبي عاصم والطبراني من طريق زيد بن الحباب أصح،
لموافقته لرواية عبد الله بن وهب.
ولقصة فاطمة وحدها شاهد من حديث علي
بن أبي طالب عند البخاري (٣١١٣)، ومسلم (٢٧٢٧)، وسيأتي عند المصنف بعده وبرقم
(٥٠٦٢) (٥٠٦٣) و(٥٠٦٤).
واحْمَدي ثلاثًا وثلاثين، وكبِّري
أربعًا وثلاثين، فتلك مئةٌ، فهي خير لكِ من خادِمٍ «، قالت: رضيتُ عن اللهِ، وعن
وسوله (١).
٢٩٨٩
- حدَّثنا أحمدُ بن محمد المروزي،
حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن على بن حُسين، بهذهِ القصة،
قال: ولم يُخدِمها (٢).
٢٩٩٠
- حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا
عنبسةُ بن عبد الواحدِ القُرشيُّ -قال أبو جعفر يعني ابنَ عيسى: كنا نقولُ: إنه من
الأبدال قبل أن نسمع أن الأبدال من المَوالي- قال: حدَثني الدَّخِيل بن إياسِ بن
نوح بن مُجَّاعةَ، عن هلالِ بن سِراجِ بن مُجَّاعةَ، عن أبيه
(١) إسناده ضعيف لجهالة ابن أعبد -واسمه
علي-، لكن روي حديث فاطمة بألفاظ أخرى بأسانيد صحيحة منها ما سيأتي في التخريج،
ومنها ما سيأتي عند المصنف برقم (٥٠٦٢) أبو الورد: هو ابن ثمامة بن حزن القشيري،
روى عنه سعيد الجُريري -وهو ابن إياس- وعوف الأعرابي، وشداد بن سعيد، وقال أحمد
في»العلل ومعرفة الرجال«: حدث عنه الجريري بأحاديث حِسان، وقال ابن سعد: كان
معروفًا قليل الحديث.
وأخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في
زوائده على»المسند«لأبيه (١٣١٣)، وزوائده على»فضائل الصحابة«لأبيه (١٢٠٧)،
والطبراني في»الدعاء«(٢٣٥)، وأبو نعيم في»الحلية«١/ ٧٠ و٢/ ٤١، والمزي في»تهذيب
الكمال«في ترجمة علي بن أعبد، من طريق سعيد بن إياس الجريري، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (٣٧٠٧) و(٣٧٠٨)،
والنسائي في»الكبرى«(٩١٢٧)، وعبد الله ابن أحمد في زوائده على»المسند«لأبيه (٩٩٦)،
والبزار (٥٤٨)، وابن حبان (٦٩٢٢) من طريق عَبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب.
وإسناده صحيح. وسيأتي بنحوه أيضًا بالأرقام (٥٠٦٢) و(٥٠٦٣) و(٥٠٦٤).
(٢)
رجاله ثقات، ولكنه مرسل، علي بن حسين: هو ابن علي بن أبي طالب، وأحمد بن محمد
المروزي، هو ابن ثابت الخُزاعي. والحديث صحيح بغير هذا الطريق كما بيناه في الطريق
السابق.
وأخرجه إسحاق بن راهويه
في»مسنده" (٢١٠٧) عن عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
عن جده مُجَّاعة: أنه أتى النبيَّ ﷺ
يطلبُ دِيَةَ أخيه -قتلتْه بنو سَدوسٍ من بني ذهلٍ- فقال النبيُّ ﷺ: «لو كنتُ
جَاعِلًا لمُشرِكٍ دِيَةً جعلْتُها لأخيك، ولكنْ سأُعْطِيكَ مِنهُ عُقْبَى»، فكتب
له النبي ﷺ بمئة من الإبل من أول خُمْسٍ يخرُج من مُشركي بني ذُهلٍ، فأخذ طائفةً
منها، وأسلمتْ بنو ذهْلٍ، فطلبها بعدُ مُجَّاعَةُ إلى أبي بكر، وأتاه بكتابِ
النبيِّ ﷺ، فكتبَ له أبو بكر باثنَي عشرَ ألفَ صاعٍ من صدقةِ اليمامة: أربعةُ
آلافٍ بُرٌّ، وأربعةُ آلافٍ شعيرٌ، وأربعةُ آلافٍ تمرٌ، وكان في كتاب النبي ﷺ
لِمُجَّاعة: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من محمدٍ النبيَّ، لِمُجَّاعةَ بن
مُرَارةَ من بني سُلْمى، إني أعطيتُه مئةً من الإبلِ من أول خُمسٍ يخرُج من مُشركي
بني ذهلٍ عُقْبَةً من أخيه» (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة سراج بن مُجَّاعة
والدخيل بن إياس. محمد بن عيسى: هو ابن الطباع البغدادي.
وأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة»
٣/ ١١٢ - ١١٣، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ٦٢ من طريق عنبسة بن عبد الواحد،
بهذا الإسناد. وهو عند البخاري في «تاريخه الكبير» ٨/ ٤٤ معلقًا.
قال الخطابي: معنى«العُقبى» العوض.
ويشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك تأليفًا له، أو لمن وراءه من قومه على الإسلام.
وقوله: وكان من الأبدال. جاء في
«مسند أحمد» (٢٢٧٥) حديث عبادة بن الصامت رفعه «الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل
إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلًا» وسنده ضعيف. وحديث علي
فيه أيضًا (٨٩٦) رفعه «الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلًا، كلما مات رجل،
أبدل الله مكانه رجلًا، يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل
الشام بهم العذاب» ولا يصح أيضًا كما هو مبين في تعليقاتنا على «المسند».
ومُجّاعة: قال المنذري: هو بضم الميم
وتشديد الجيم وفتحها، وخففها بعضهم، وبعد الألف عين مهملة وتاء تأنيث.
٢١ - باب ماجاء في سهم الصفيِّ
٢٩٩١
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، عن مُطرِّفٍ
عن عامرٍ الشعبيِّ، قال: كانَ
للنبيِّ ﷺ سهمٌ يُدعَى الصَّفِيَّ، إن شاء عبدًا، وإن شاءَ أمةً، وإن شاءَ فرسًا،
يختارُه قبلَ الخُمس (١).
٢٩٩٢
- حدَّثنا محمدُ بن بشَار، حدَّثنا أبو
عاصِم وأزْهَرُ، قالا: حدَّثنا ابن عَونٍ، قال: سألتُ محمدًا عن سهْمِ النبيَّ ﷺ
والصفِىِّ، قال: كان يُضرَب له بسهمٍ من المسلمين وإن لم يشهدْ، والصفيُّ يؤخذ له
رأسٌ من الخُمس قبلَ كل شيءٍ (٢).
(١) رجاله ثقات، لكنه مرسل، عامر الشعبي: هو
ابن شَراحيل، ومُطَرِّف: هو ابن طريف، وسفيان: هو ابن سعيد الثوري، ومحمد بن كثير:
هو العَبدي.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٤٨٥)، والطحاوي
في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣٠٢، واليهقي ٦/ ٣٠٤، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٠/ ٤٤
من طريق سفيان الثوري، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٤٣٣ عن محمد
بن حجاج، وسعيد بن منصور (٢٦٧٣) عن هشيم بن بشير، والنسائى (٤١٤٥) من طريق أبي
إسحاق الفزاري، ثلاثتهم عن مطرف بن طريف، قال: سئل الشعبي عن سهم النبي ﷺ وصفيه،
فقال: أما سهم النبي ﷺ فكَسَهْم رجلٍ من المسلمين، وأما سهم الصفي فغُرَّةٌ تُختار
من أي شيء شاء.
لفظ النسائي.
وأخرج سعيد بن منصور (٢٦٧٤) عن سفيان
الثوري، عن مطرف، عن الشعبي قال: سئل عن الصفي، قال: هو عُلوٌّ (أي رفيع نفيس
كاليلق) من المال يتخيره رسولُ الله ﷺ.
(٢)
رجاله ثقات، ولكنه مرسل. محمد: هو ابن سيرين، وابن عون: هو عبد الله، وأزهر: هو
ابن سعد السمان الباهلي، وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد. =
٢٩٩٣ - حدَّثنا محمودُ بن خالدِ السُّلَمي،
حدَّثنا عُمر -يعني ابنَ عبد الواحد-، عن سعيد -يعني ابنَ بَشير-
عن قتادةَ، قال: كان رسولُ الله ﷺ
إذا غزا كان له سهْمٌ صافٍ يأخذُه من حيثُ شاءَ، وكانت صفيَّةُ من ذلك السهمِ،
وكان إذا لم يَغْزُ بنفسِه ضُرِبَ له بسهمِه ولم يُخيَّر (١).
٢٩٩٤
- حدَّثنا نصرُ بن عليٍّ، حدَّثنا أبو
أحمدَ، أخبرنا سفيانُ، عن هشامِ ابن عُروةَ، عن أبيهِ
عن عائشة قالتْ: كانَتْ صفيةُ من
الصَّفِيِّ (٢).
٢٩٩٥
- حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا
يعقوبُ بن عبدِ الرحمن الزهريُّ، عن عَمرو بن أبي عَمرو
= وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٤٣٤،
والبيهقي ٦/ ٣٠٤، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٠/ ٤٤ من طريق عبد الله بن عون، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٤٣٢ من طريق
أشعث بن سوار، عن محمد بن سيرين.
وأخرجه سعيد بن منصور (٢٦٧٩) من طريق
أشعث بن سوار، عن محمد بن سيرين قال: كان رسولُ الله ﷺ يُضرَب له سهم من الغنائم
شهد أو غاب.
قال الخطابي: الصفي: هو ما يصطفيه
رسول الله ﷺ من عَرض الغنيمة من شيء قبل أن يخمس: عبد، أو جارية أو فرس أو سيف أو
غيرها، وكان النبي ﷺ مخصوصًا بذلك مع الخمس الذي له خاصة.
(١)
رجاله ثقات غير سعيد بن بشير، فهو ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات، ويشهد له
مرسل محمد بن سيرين السالف.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣٠٤ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
(٢)
إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري، وأبو أحمد: هو محمد بن عبد الله بن الزبير.
وأخرجه ابن حبان (٤٨٢٢)، والطبراني
في «الكبير» ٢٤/ (١٧٥)، والحاكم ٢/ ١٢٨ و٣/ ٣٩، والبيهقي ٦/ ٣٠٤ من طريق سفيان
الثوري، بهذا الإسناد.
عن أنس بن مالك، قال: قدِمْنا خيبرَ
فلما فتحَ اللهُ الحصنَ ذُكِرَ له جمالُ صفيةَ بنتِ حُييٍّ، وقد قُتل زوجُها،
وكانت عَروسًا، فاصطفاها رسولُ الله ﷺ لنفسِه، فخرج بها حتى بلغنا سُدَّ
الصهْبَاء، حَلَّت فبنى بها (١).
٢٩٩٦
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حمادُ بن
زيد، عن عبد العزيز بن صُهيب عن أنس بن مالك، قال: صارتْ صفيةُ لِدِحْيَةَ
الكلْبىِّ، ثم صارتْ لِرسولِ الله ﷺ (٢)
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد جيد من أجل عمرو
بن أبي عمرو -وهو مولى المطلب- فهو صدوق لا بأس به. يعقوب بن عبد الرحمن الزهري:
هو القاريُّ، وإنما نُسب هنا زُهريًا بالحِلْف.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» (٢٦٧٦).
وأخرجه البخاري (٢٢٣٥) و(٢٨٩٣)
و(٤٢١١) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، به سُد الصهباء: موضع بينه وبين خيبر وهي
على أربع فراسخ من خيبر.
وقوله: حَلَّت: أراد أنها طهرت من
الحيض حينئذٍ.
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم
(٢٩٩٧) و(٢٩٩٨).
(٢)
إسناده صحيح. مُسَدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (٩٤٧)، ومسلم بإثر
(١٤٢٧)، وابن ماجه (١٩٥٧)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٠٦) من طريق حماد بن زيد، به.
وأخرجه البخاري (٢٢٢٨) و(٤٢٠٠)،
ومسلم بإثر (١٤٢٧)، وابن ماجه (١٩٥٧)، والنسائي في «الكبرى» (٨٥٤٣) و(٨٦٠٦) من
طريق ثابت بن أسلم البناني، عن أنس.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٩٤٠).
وسيأتي من طريق عبد العزيز بن صهيب
عن أنس بأطول مما ها هنا برقم (٢٩٩٨).
وانظر ما قبله وما بعده وما سيأتي
برقم (٢٩٩٨).
٢٩٩٧ - حدَّثنا محمدُ بن خَلَّاد الباهليُّ،
حدَّثنا بهزُ بن أسَدٍ، حدَّثنا حمادٌ، أخبرنا ثابتٌ عن أنس، قال: وقَعَ فيْ سهمِ
دحيةَ جاريةٌ جميلةٌ فاشتراها رسولُ الله ﷺ بسبعة أرؤسٍ، ثم دفعها إلى أُم سليم
تصنعها وتهيئُها، قال حمادٌ: وأحسبه قال: وتعتد في بيتِها صفيةُ بنتُ حُييٍّ (١).
٢٩٩٨
- حدَّثنا داودُ بن مُعاذ، حدَّثنا
عبدُ الوارث. وحدَثنا يعقوبُ بن إبراهيم -المعنى-، حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ، عن
عبدِ العزيز بن صُهيبٍ
عن أنس، قال: جُمِعَ السبْيُ -يعني
بخيبرَ- فجاء دحيةُ، فقال: يا رسولَ الله: أعْطِنِي جاريةً من السبيِ، قال: «اذهب
فَخُذْ جاريةً» فأخذَ صفيةَ بنتَ حُييٍّ، فجاء رجلٌ إلى النبي ﷺ، فقال: يا نبىَّ
اللهِ، اْعطيتَ دحيةَ -قال يعقوبُ: صَفيّةَ بنتَ حُيي، ثم اتفقا- سيدةَ قريظةَ
والنضيرِ؟ ما تصلحُ إلا لكَ. قال: «ادْعُوهُ بها» فلما نظر إليها النبيُّ ﷺ قال
له: «خُذْ جارِيةً من السَّبْي غيرَهَا» وإن النبيَّ ﷺ أعتقَها وتزوجَها (٢).
(١) إسناده صحيح. ثابت: هو ابن أسلم البناني،
وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه مسلم بإثر (١٤٢٧) من طريق
حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٢٤٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٢١٢).
وانظر ما قبله وما بعده.
وقوله: اشتراها بسبعة أرؤس: لعل
المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار، وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز،
ولعله عوضه عنها جارية أخرى، فلم تطب نفسه، فأعطاه النبي ﷺ من جملة السبي زيادة
على ذلك.
(٢)
إسناده صحيح. ابن عُلية: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، وعُلَية أُمُّه، وعبد
الوارث: هو ابن سعيد العنبري مولاهم.
وأخرجه البخاري (٣٧١)، ومسلم بإثر
(١٤٢٧)، والنسائي في «المجتبى» (٣٣٨٠) من طريق إسماعيل ابن علية، به.
=
٢٩٩٩ - حدَّثنا مسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا
قُرَّةُ
سمعتُ يزيدَ بنَ عبدِ اللهِ، قال:
كنا بالمِرْبَد، فجاء رجلٌ أشعثُ الرأسِ بيده قطعةُ أدِيمٍ أحمرَ، فقلنا: كأنَّك
من أهلِ الباديةِ، قال: أجلْ، قلنا: ناوِلْنا هذه القطعةَ الأديمَ التي في يدك،
فناولنَاهَا، فقرأْنا ما فيها فإذا فيها: «من محمدِ رسولِ الله إلى بني زُهير بن
أُقَيْش، إنكم إن شهدتُم أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وأقمتُم
الصلاةَ، وآتيتُم الزكاةَ، وأديتُم الخُمس من المَغْنَمِ، وسَهْمَ النبيَّ ﷺ
وسَهْمَ الصفيِّ أنتم آمنون بأمان الله ورسولِه» فقلْنا: مَنْ كتب لك هذا الكتابَ؟
قال: رسولُ الله ﷺ (١).
٢٢
- باب كيف
كان إخراجُ اليهودِ من المدينة
٣٠٠٠
- حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارسٍ، أن
الحَكَم بن نافع حدثهم، أخبرنا شُعيبٌ، عن الزهريِّ، عن عبدِ الرحمن بن عبد الله
بن كعب بن مالكِ
= وهو في «مسند أحمد» (١١٩٩٢).
وانظر ما سلف بالأرقام (٢٩٩٥)
و(٢٩٩٦) و(٢٩٩٧).
وقوله في الحديث عن صفية: إن النبي ﷺ
أعتقها وتزوجها، سلف عند المصنف برقم (٢٠٥٤).
(١)
إسناده صحيح، وقد جاء في بعض الروايات مُصرَّحًا باسم الصحابي بأنه النمر ابن
تَولَب العُكلي كما جاء عند ابن قانع في «معجم الصحابة» ٣/ ١٦٥، والطبراني في
«الأوسط» (٢٩٤٠)، والخطيب في «الأسماء المبهمة» ص٣١٥.يزيد بن عبد الله: هو ابن
الشِّخِّير، وقرة: هو ابن خالد السّدوسي.
وأخرجه النسائي (٤١٤٦) من طريق سعيد
بن إياس الجُريري، عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٧٣٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٥٥٧).
عن أبيه -وكان أحد الثلاثة الذين
تِيبَ عليهم-: وكان كعْب بن الأشرفِ يَهجُو النبىَّ ﷺ ويُحرَّضُ عليه كفارَ قريشٍ،
وكان النبي ﷺ حين قدم المدينةَ وأهْلُهَا أخلاطٌ منهم المسلمون والمشركون يعبُدون
الأوثانَ، واليهودُ، وكانوا يُؤْذونَ النبيَّ ﷺ وأصحابَه، فأمر اللهُ نبيّه
بالصبرِ والعفْوِ، ففيهم أنزلَ اللهُ: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٦]،
فلما أبى كعبُ بن الأشرفِ أن يَنزِعَ عن أذى النبيَّ ﷺ أمرَ النبيُّ ﷺ سعدَ بن
مُعاذٍ أن يبعث رهْطًا يقتُلُونه، فبعث محمدَ بن مَسلَمةَ، وذكر قصةَ قتْلِه،
فلمَّا قتلُوه فزِعَتِ اليهودُ والمشركُون، فغَدَوْا على النبيَّ ﷺ فقالوا: طُرقَ
صاحبُنا فقُتل، فذكَر لهم النبيُّ ﷺ الذي كان يقول، ودعاهم النبيُّ ﷺ إلى أن يكتب
بينه وبينهم كتابًا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي ﷺ بينه وبينهم وبين المسلمين
عامةً صحيفةً (١).
(١) رجاله ثقات، وقوله: «عن أبيه، وكان أحد
الثلاثة الذين تيب عليهم» قال الحافظ المنذري في «اختصار السنن»: أبوه عبد الله بن
كعب، ليست له صحبة، ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ويكون الحديث على هذا
مرسلًا، ويحتمل أن يكون أراد بأبيه جده، وهو كعب بن مالك، وقد سمع عبد الرحمن من
جده كعب، فيكون الحديث على هذا مسندًا. قلنا: بل لا يمكننا الجزم بكونه مسندًا إن
كان المقصودُ جدَّه، لأن معمر بن راشد وعقيل بن خالد الأيلى قد رويا الحديث عن
الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، مرسلًا، ولهذا فقد أورد البخاري
في «تاريخه الكبير» ٥/ ٣٠٨ رواية شعيب بن أبي حمزة -يعني التي عند المصنف هنا- ثم
أتبعها برواية معمر المرسلة، ولم يقض فيهما بشيء، ولكن الحافظ ابن حجر في
«العُجاب» ١/ ٣٥٦ صحح سند رواية شعيب بن أبي حمزة! مع أن في الحديث اختلافًا في
الوصل والإرسال، وتردُّدًا أيضًا في تعيين المقصود بقوله: «أبيه»، كما بينه الحافظ
المنذري. الحكم بن نافع: هو أبو اليمان مشهور بكنيته، ومحمد بن يحيى بن فارس: هو
الذهلي الحافظ صاحب «الزهريات». =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» ٣/
١٩٨، والواحدي في «أسباب النزول» ص ١١٤ - ١١٥ من طريق محمد بن يحيى بن فارس
الذهلى، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» كما
في «تفسير ابن كثير» ١/ ٢٢٠ عن أبيه أبي حاتم، والواحدي في «أسباب النزول» ص ٣٠ -
٣١ من طريق محمد بن يحيى الذهلي، كلاهما (أبو حاتم والذهلي) عن أبي اليمان الحكم
بن نافع، به. إلا أنه جاء عندهما أن الآية التي نزلت هي قوله تعالى: ﴿وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٩] بدل آية اَل عمران، وفيها أيضًا
الأمر بالعفو والصفح، ولا يبعد أن الآيتين نزلتا في هذا الشأن، ويؤيده رواية
البخاري ومسلم الأتي ذكرهما آخر التخريج.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/
١٨٣، وفي «دلائل النبوة» ٣/ ١٩٦ - ١٩٧ من طريق عبد الكريم بن الهيثم، عن أبي
اليمان الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن
مالك - قال في «السنن»: أظنه عن أبيه، وكان ابن أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ولم
يذكر ذلك في «الدلائل» واكتفى بقوله: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك،
وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم يريد كعب بن مالك، كذا جاء في المطبوع من
كليهما، فليحرر.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٣٨٨)
عن معمر بن راشد والطبراني في «الكبير»١٩/ (١٥٤) من طريق عقيل بن خالد، كلاهما عن
ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك مرسلًا. وأورده
البخاري في «تاريخه الكبير» ٥/ ٣٠٨ تعليقًا عن معمر مرسلًا من طريق آخر غير طريق
عبد الرزاق.
وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ١/
١٤٢ - ١٤٣، ومن طريقه الطبري في «تفسيره» ٤/ ٢٠١ عن معمر، عن الزهري مرسلًا. فلم
يذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ابن مالك، ولا أباه.
وقد صح عند البخاري (٤٥٦٦) عن أبي
اليمان الحكم بن نافع، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عُروة بن الزبير، عن
أسامة بن زيد بن حارثة أن هاتين الآيتين أعني آيتي البقرة وآل عمران السالفتى
الذكر قد نزلتا في شأن قوم بالمدينة كانوا يُؤذون النبي ﷺ وأصحابه ولكن جاء في هذه
الرواية ذكر عبد الله بن أبي ابن سلول بدل كعب بن الأشرف، وهو عند مسلم بنحوه
(١٧٩٨) لكن لم يذكر الآيتين.
وقصة قتل كعب بن الأشرف صحت من حديث
جابر بن عبد الله، وقد سلفت عند المصنف برقم (٢٧٦٨).
٣٠٠١ - حدَّثنا مُصَرِّفُ بن عَمرِو
الأياميُّ، حدَّثنا يونُس -يعني ابنَ بُكَيرٍ-، حدَّثنا محمد بن إسحاقَ، حدثني
محمدُ بن أبي محمدٍ مولى زيدِ بن ثابتٍ، عن سَعيد بن جُبيرٍ وعِكرمةَ
عن ابن عباسٍ، قال: لما أصابَ رسولُ
الله ﷺ قريشًا يومَ بدرٍ وقدم المدينةَ جمعَ اليهودَ في سوقِ بني قَيْنُقَاع،
فقال: «يا معشرَ يهودَ، أسلِموا قَبلَ أن يُصِيبَكُم مثلُ ما أصابَ قُريشًا»
قالوا: يا محمدُ، لا يَغُرَّنَّكَ من نفسِك أنك قتلتَ نَفَرًا من قريشِ كانوا
أغْمارًا لا يعرفون القتالَ، إنك لو قاتلْتَنا لعَرَفْتَ أنا نحن الناس، وأنك لم
تَلْقَ مثلَنا، فأنزلَ اللهُ في ذلك: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ [آل عمران: ١٢] قرأ مُصَرِّفٌ إلى قوله ﴿فِئَةٌ
تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٣] ببدر ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ [آل عمران: ١٣] (١).
٣٠٠٢
- حدَّثنا مصرِّف بن عَمرو، حدَّثنا
يونُس، قال ابنُ إسحاقَ: حدّثني مولى لِزيدِ بن ثابتٍ، حدثتني بنتُ مُحَيِّصَة
(١) إسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد
مولى زيد بن ثابت.
وهو في «سيرة ابن هشام» ٣/ ٥٠ - ٥١
لكنه قال: عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة. واقتصر على أن هذه الآية نزلت في بني
قينقاع.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٣/ ١٩٢ عن
أبي كريب محمد بن العلاء، و٣/ ١٩٢ من طريق سلمة بن الفضل، والبيهقي في «السنن
الكبرى» ٩/ ١٨٣، وفي «دلائل النبوة» ٣/ ١٧٣ - ١٧٤ من طريق أحمد بن عبد الجبار
العطاردي ثلاثتهم عن يونس بن بكير، بهذا الإسناد. وقالوا جميعًا: عن سعيد بن جبير
أو عكرمة. لكن لفظ سلمة كلفظ ابن هشام في «السيرة النبوية».
وأخرجه ابن إسحاق كما في «سيرة ابن
هشام» ٣/ ٥١، ومن طريقه أخرجه الطبري ٣/ ١٩٢، والبيهقي في «دلائل النبوة» ٣/ ١٧٤
عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا.
الأغمار: جمع غُمر بضم الغين: الجاهل
الغر الذي لم يجرب الأمور.
عن أبيها مُحَيِّصَةَ، أن رسولَ الله
ﷺ قال: «مَنْ ظَفِرْتُم بِهِ منْ رجال يهود فاقتُلُوه» فوثَبَ مُحَيّصَةُ على
شُبَيبةَ رجلٍ من تجار يهود كان يُلابِسُهم، فقتَلَه، وكان حُويِّصَةُ إذ ذاك لم
يُسِلْم، وكان أسَنَّ من مُحيِّصةَ، فلما قتله جعلَ حُويِّصةُ يضربُه، ويقول: أي
عَدُوَّ اللهِ، أما والله لَرُبَّ شَحمٍ في بَطنِكَ من مَالِهِ (١).
٣٠٠٣
- حدَّثنا قُتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
الليثُ، عن سعيدِ بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي هريرةَ أنه قال: بينما نحْنُ في
المسجد إذ خرج إلينا رسولُ الله ﷺ فقال: «انْطَلِقُوا إلى يهودَ» فخرجْنا معه حتى
جئناهُم، فقامَ رسولُ الله ﷺ، فناداهُم فقال: «يا معشرَ يهودَ، أسْلِموا
تَسلَمُوا» فقالوا: قد بلّغْتَ يا أبا القاسم، فقال لهم رسولُ الله ﷺ: «أسلِمُوا
تَسْلَمُوا» فقالوا: قد بلّغْتَ يا أباْ القاسم، فقال لهم رسولُ الله ﷺ «ذلكَ
أُريِدُ»، ثم قالها الثالثةَ: «اعلَموا أنّما الأرضُ لله وَرسُوله،
(١) حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ابنةِ
مُحيّصة ومولى زيد بن ثابت وهو محمد بن أبي محمد. يونس: هو ابن بُكير. وقد روي
الحديث من وجه آخر حسن كما سيأتي.
وهو في»سيرة ابن هشام«٣/ ٦٢ لكنه
قال: حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة بدل: مولى لزيد بن ثابت. قلنا: حارثة هو
جدُّ بني النجار قبيلِ زيد بن ثابت.
وأخرجه الطبري في»تاريخه«٢/ ٥٤، من
طريق سلمة بن الفضل، والطبراني في»الكبير«٢٠/ (٧٤١)، والبيهقي في»دلائل النبوة«٣/
٢٥٠ من طريق يونس بن بكير، كلاهما عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه محمد بن إسحاق في»سيرته"
-القسم المطبوع- (٥٠٢) قال: حدثني ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهذا إسناد حسن.
ثور: هو ابن زيد الدِّيلي.
وإني أرِيدُ أن أُجْلِيَكُم مِن هذه
الأرضِ، فمن وجدَ مِنكُم بمالِهِ شيئًا فلْيبِعهُ، وإلَّا فاعلَمُوا أنَّمَا الأرض
للهِ ورسولهِ» (١).
٢٣
- باب
ماجاء في خَبِر بني النضيرِ
٣٠٠٤
- حدَّثنا محمدُ بن داودَ بنِ سفيانَ،
حدَّثنا عبدُ الرزّاقِ، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن عبدِ الرحمن بن كعب بن
مالكٍ
عن رجل من أصحابِ النبيِّ ﷺ: أن
كفارَ قريشٍ كتبُوا إلى ابن أُبَيٍّ ومَن كان معه يعبُد الأوثانَ من الأوسِ
والخزرجِ، ورسولُ الله ﷺ يومئذٍ بالمدينة قبلَ وقعةِ بدرٍ: إنكم آوَيتُم صاحبَنا،
وإنا نُقسِم بالله لَتُقاتِلُنَّهُ أو لَتُخرِجُنَّهُ أو لنَسِيرَنَّ إليكم
بأجمَعِنا حتى نقتلَ مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغَ ذلك عبدَ الله بن أبيّ
ومَن كان معه من عَبَدةِ الأوثانِ، اجتمعوا لقتالِ النبيِّ ﷺ، فلما بلغ ذلك
النبىَّ ﷺ لقيهم فقال: «لَقدْ بَلغَ وعيدُ قُريشٍ منكم المبَالغ، ما كانت تكِيدُكم
بأكْثرَ مِمَّا تريدُون أن تكيدُوا بِهِ أنفُسَكم، تريدُون أن تُقاتلوا أبنَاءَكم
وإخوانَكم» فلما سمعُوا ذلك من النبيَّ ﷺ تفرَّقوا، فبلغ ذلك كفارَ قريشٍ، فكتبت
كفارُ قريشٍ بعد وقعةِ بدرٍ إلى اليهود: إنكم أهلُ الحَلْقَةِ والحُصُونِ، وإنكم
لَتُقاتِلُنَّ صاحبَنا أو لنَفْعلَنَّ كذا وكذا، ولا يحولُ بيننا وبين خَدَمِ
نسائكم شيء -وهي الخلاخيل- فلما بلغَ كتابُهم النبيَّ ﷺ أجْمعَتْ بنو النَّضير
(١) إسناده صحيح. سعيد بن أبي سعيد: هو
المقبري، واسمُ أبي سعيد كيسان، والليث: هو ابن سعد المصري.
وأخرجه البخاري (٣١٦٧)، ومسلم
(١٧٦٥)، والنسائى في «الكبرى» (٨٦٣٤) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٩٨٢٦).
بالغَدْرِ: فأرسَلُوا إلى رسولِ الله
ﷺ: اخرُج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حِبْرًا، حتى نلتقي
بمكان الْمَنصَف فيسمعوا منك، فإن صدَّقُوك وآمنوا بك آمنّا بك، فقصَّ خبرهم، فلما
كان الغَدُ غدا عليهم رسولُ الله ﷺ بالكتائبِ فحَصَرهم، فقال لهم: «إنكم واللهِ لا
تأمَنُون عِندي إلا بعَهْدٍ تُعَاهِدوني عليه) فأبَوا أن يعطُوه عهدًا، فقاتَلَهم
يومَهم ذلك، ثم غدا الغدَ على بني قُريظةَ بالكتائبِ، وتَرك بني النَّضيرِ، ودعاهم
إلى أن يعاهِدوه، فعاهَدوه: فانصرف عنهم، وغدا على بني النضيرِ بالكتائبِ، فقاتلهم
حتى نزلوا على الجَلَاء، فجَلَتْ بنو النضيرِ واحتَمَلُوا ما أقَلَّتِ الإبلُ من
أمتعتِهم وأبواب بيوتهم وخشبِها، فكان نخلُ بني النضير لِرسولِ الله ﷺ خاصةً،
أعطاه الله إياها وخَصَّه بها، فقال: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ [الحشر: ٦] يقول: بغيرِ قتالٍ، فأعطى النبيُّ ﷺ
أكثرَها للمهاجرين، وقَسَمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجةٍ،
لم يقسِم لأحدٍ من الأنصارِ غيرِهما، وبقي منها صدقةُ رسولِ الله ﷺ التي في أيدي
بني فاطمةَ رضي الله عنها (١).
(١) إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد،
والزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد الله بن عَبد الله بن شهاب. وقد صحح إسناده
الحافظ ابن حجر في»فتح الباري«٧/ ٣٣١.
وهو في»مصنف عبد الرزاق«(٩٧٣٣)، ومن
طريقه أخرجه عبد بن حميد في»تفسيره«كما في»فتح الباري«٧/ ٣٣١، والبيهقي
في»السنن«٩/ ٢٣٢، وفي»الدلائل«٣/ ١٧٨ - ١٧٩، وهو عند البخاري في»التاريخ
الكبير" ٥/ ٣١٣ معلقًا عن شيخه المُسنَدي، عن عبد الرزاق.
=
٣٠٠٥ - حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارسٍ،
حدَّثنا عبدُ الرزّاقِ، أخبرنا ابن جُريجِ، عن موسى بن عُقبةَ، عن نافع
عن ابن عمر: أن يهودَ النَّضِير
وقُرَيظَةَ حاربُوا رسولَ الله ﷺ فأجلى رسولُ الله ﷺ بني النضيرِ، وأقرَّ قريظةَ
ومَنَّ عليهم، حتى حاربتْ قريظةُ بعد ذلك، فقتلَ رجالَهم وقسم نساءَهم وأولادَهم
وأموالَهم بين المسلمين إلا بعضَهم لحقوا برسول الله ﷺ فأمَّنهم وأسلَمُوا، وأجلى
رسولُ الله ﷺ يهودَ المدينةِ كلَّهم: بني قينقاع، وهم قوم عبدِ الله بن سلَام،
ويهودَ بني حارثةَ: وكل يهوديٍّ كان بالمدينة (١).
٢٤
- باب في
حكم أرض خيبرَ
٣٠٠٦
- حدَّثنا هارونُ بن زيدِ بن أبي
الزرقاءِ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا حمادُ بن سلمةَ، عن عُبيد الله بن عُمر، قال:
أحسبه عن نافع
= قال الخطابي: قوله: «أنكم أهل الحلقة
والحصون» يريد بالحلقة السلاح، وقيل: أراد بها الدرع، لأنها حلق مسلسلة.
وخدم النساء: خلاخيلهن، واحدتها:
خَدمة، والمخدَّم: موضع الخلخال من الرِّجل.
والكتائب: الجيوش المجتمعة، واحدتها:
كتيبة، ومنها الكتاب المكتوب، ومعناه: الحروف المضمومة بعضها إلى بعض.
قلنا: وقوله: فقص خبرهم، يعني: أخبر
النبي ﷺ الناس بخبرهم.
(١)
إسناده صحيح. ابنُ جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز وهو في «مصنف عبد الرزاق»
(٩٩٨٨) و(١٩٣٦٤)، ومن طريقه أخرجه البخاري (٤٠٢٨)، ومسلم (١٧٦٦).
وأخرجه مسلم (١٧٦٦) من طريق حفص بن
ميسرة، عن موسى بن عقبة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٣٦٧).
عن ابن عمر: أن النبي ﷺ قاتَلَ أهل
خيبرَ، فغلبَ على النخلِ والأرضِ، وأَلجأهم إلى قَصرِهم، فصالَحُوه على أن لِرسولِ
الله ﷺ الصفراءَ والبيضاءَ والحَلْقَةَ، ولهم ما حملتْ رِكابُهم، على أن لا
يكتُموا، ولا يُغَيّبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذمةَ لهم ولا عهد، فغَيَّبُوا
مَسْكًا لحُيَيِّ بن أخْطَبَ، وقد كان قُتلْ قَبل خيبرَ، كان احتَمَله معه يوم بني
النضير حين أُجليت النضيرُ، فيه حُلِيُّهُم، قال: فقال النبي ﷺ لسَعْيةَ: «أين
مَسْكُ حُيَيِّ بنِ أخْطَبَ؟» قال: أذهبتْه الحروبُ والنفقاتُ، فوجدُوا المَسك،
فقَتل ابنَ أبي الحقَيقِ وسَبَى نساءهم وذراريَهم، وأراد أن يُجْليَهم، فقالوا: يا
محمدُ، دعْنا نعملْ في هذه الأرض ولنا الشطرُ ما بدا لك ولكم الشطرُ، وكان رسولُ
الله ﷺ يعطي كل امرأةٍ من نسائِه ثمانين وَسْقًا من تمرٍ وعشرين وَسْقًا من شعيرٍ
(١).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البلاذري في «فتوح البلدان» ص
٣٦ - ٣٧، وابن حبان (٥١٩٩)، والبيهقي في «السنن» ٦/ ١١٤ و٩/ ١٣٧، وفي «دلائل
النبوة» ٤/ ٢٢٩ - ٢٣١ من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأورده البخاري في «صحيحه» بإثر
(٢٧٣٥) معلقًا بصيغة الجزم.
وأخرج قصة إقرار النبي ﷺ يهود خيبر
على أراضيهم على أن يعطوه شطر ثمرها، وإعطائه زوجاته ثمانين وسق تمر وعشرين وسق
شعير: البخاري (٢٣٢٨) من طريق أنس بن عياض، ومسلم (١٥٥١) من طريق علي بن مُسهر،
و(١٥٥١) من طريق عبد الله بن نمير، ثلاثتهم عن عُبيد الله بن عمر، به.
وأخرج قصة إقرار اليهود -وحدَها- على
شطر ثمر خيبر: البخاري (٢٢٨٥) و(٢٤٩٩) و(٢٧٢٠) و(٤٢٤٨) من طريق جويرية بن أسماء،
والبخاري (٢٣٣٨) و(٣١٥٢)، ومسلم (١٥٥١) من طريق موسى بن عقبة، كلاهما عن نافع، به.
=
٣٠٠٧ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
يعقوبُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا أبي، عن ابن إسحاقَ، حدثني نافعٌ مولى عبد الله بن
عُمرَ
عن عبد الله بن عمر: أن عمر قال:
أيُّهَا الناس، إن رسولَ الله ﷺ كان عامَلَ يهود خيبر على أنّا نُخرجُهم اذا شئنا
(١)، فمن كان له مالٌ فَلْيَلْحَقْ به، فإني مُخرِجٌ يهودَ، فأخرجَهم (٢).
= وستأتي قصة إقرارهم على أن يعطوا شطر
ثمرهم بالأرقام (٣٠٠٨) و(٣٤٠٨) و(٣٤٠٩).
وستأتي من حديث مقسم عن ابن عباس
برقم (٣٤١٠). وانظر ما بعده.
قال الخطابي: مَسْك حيي بن أخطب:
ذخيرةٌ مِن صامِتٍ وحُلِيٍّ، كانت له، وتُدعى: مَسك الحمل، ذكروا أنها قُوّمت
عشرةَ آلاف دينار، فكانت لا تُزَفُّ امرأة إلا استعاروا لها ذلك الحلي، وكان
شارَطَهم رسولُ الله ﷺ على أن لا يكتموه شيئًا مِن الصفراء والبيضاء، فكتموه
ونقضوا العهدَ وظهر عليهم رسول الله ﷺ فكان من أمره فيهم ما كان.
قلنا: الصفراء والبيضاء، قال ابن
الأثير في «النهاية»: أي: الذهب والفضة.
و«المسك،: هو الجلد.
و»سعية«: هو عمُّ حيى بن أخطب، واسمه
سعية بن عمرو كما جاء في رواية البلاذري.
(١)
في (أ) و(هـ): على أن يُخرج إذا شاء، وفي (ب) و(ج): على أن نخرجهم إذا شئنا،
والمثبت من رواية ابن الأعرابي كما أشار إليها في هامش (هـ)، ومن»مختصر المنذري«،
وهو الموافق لما في»مسند أحمد«.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق -وهو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي
مولاهم- فهو صدوق حسن الحديث، وقد صرح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه. وقد توبع.
وهو في»مسد أحمد" (٩٠).
=
٣٠٠٨ - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ
المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهبٍ، أخبرني أُسامةُ ابن زيدٍ اللَّيثيُّ، عن نافعٍ
عن عبد الله بن عمر، قال: لما
افتُتِحتْ خيبرُ سألتْ يهودُ رسولَ الله ﷺ أن يُقِرَّهم على أن يعمَلُوا على
النصفِ مما خرَجَ منها، فقال رسولُ الله ﷺ: «أُقِرُّكم فيها على ذلك ما شئنا»
فكانوا على ذلك، وكان التمرُ يقسَم على السُّهْمان من نصفِ خيبرَ، ويأخذُ رسولُ
الله ﷺ الخُمس، وكان رسولُ الله ﷺ أطعم كلَّ امرأةٍ من أزواجِه من الخُمس مئةَ
وَسْقٍ تمرًا وعشرين وسقًا شعيرًا، فلما أراد عمرُ إخراجَ اليهود أرسل إلى أزواج
النبيَّ ﷺ فقال لهن: مَن أحب مِنْكنَّ أن أقسِمَ لها نَخلًا بِخَرصِها مئةَ وَسْقٍ
فيكون لها أصلُها وأرضُها وماؤُها، ومن الزَّرع مزرعةً خرصَ عشرين وسْقًا
فَعَلْنا، ومن أحبَّ أن نعزِلَ الذي لها في الخُمس كما هو فعلْنا (١).
وأخرجه بنحوه البخاري (٢٧٣٠) من طريق
مالك، عن نافع، به بلفظ: قام عمر خطيبًا فقال: إن رسول الله ﷺ كان عامل يهود خيبر
على أموالهم، وقال: «نقركم ما أقركم الله» ... إلى أن قال: وقد رأيتُ إجلاءهم.
وأخرج قصة إجلاء عمر لهم من الحجاز
البخاري (٢٣٣٨) و(٣١٥٢)، ومسلم (١٥٥١) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، به. وفيه أن
رسول الله ﷺ قال: «نقركم بها على ذلك ما شئنا».
وقول عمر آخر الحديث: فمن كان له مال
فليلحق به، فإني مخرج يهود: أخرجه ابن حبان (٥١٩٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/
١١٤ و٩/ ١٣٧، وفي «دلائل النبوة» ٤/ ٢٢٩ - ٢٣١ من طريق عُبيد الله بن عمر، عن
نافع، به. ضمن حديث مطول في قصة خيبر.
وانظر ما قبله وما بعده.
(١)
حديث صحيح دون ذكر إطعام المئة وسق من التمر لأزواجه ﷺ، وهذا إسناد حسن من أجل
أسامة بن زيد الليثي، فهو صدوق حسن الحديث، ولكنه تفرد =
٣٠٠٩ - حدَّثنا داودُ بن معاذ، حدَّثنا عبد
الوارث (ح) وحدَّثنا يعقوبُ بن إبراهيمَ وزيادُ بن أيوبَ، أن إسماعيلَ بن
إبراهيمَ، حدَّثهم، عن عبد العزيز بن صُهَيبٍ
عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ غزا
خيبرَ فأصبناها عَنْوَةً، فجُمِعَ السبْيُ (١).
٣٠١٠
- حدَّثنا الربيعُ بن سليمانَ
المُؤذِّنُ، حدَّثنا أسدُ بن موسى، حدَّثنا يحيى بنُ زكريا، حدثني سفيانُ، عن يحيى
بنِ سعيدٍ، عن بُشَير بن يسارٍ
= بقوله: مئة وسق تمرًا، والمحفوظ أنه
ﷺ أطعم زوجاته كل واحدة ثمانين وسقًا تمرًا وعشرين وسقًا شعيرًا، كما في حديث
عُبيد الله بن عمر، عن نافع السالف برقم (٣٠٠٦). عبد الله: هو ابن وهب.
وأخرجه مسلم (١٥٥١) من طريق عَبد
الله بن وهب، بهذا الإسناد.
ولقصة إقرار النبي ﷺ أهل خيبر على أن
يعطوه شطر ثمارها، وقصة إطعامه ﷺ كل واحدة من زوجاته ثمانين وسقًا من التمر وعشرين
وسقًا من الشعير، انظر ما سلف برقم (٣٠٠٦).
وأما قصة تخيير عمر لزوجاته ﷺ عندما
أراد إخراج اليهود من خيبر، فأخرجها البخاري (٢٣٢٨) من طريق أنس بن عياض، ومسلم
(١٥٥١) من طريق على بن مُسهر، و(١٥٥١) من طريق عبد الله بن نمير، ثلاثتهم عن عُبيد
الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
(١)
إسناده صحيح. إسماعيل بن إبراهيم: هو ابن مِقْسم، المعروف بابن عُلَيَّه، وعبد
الوارث: هو ابن سعيد العنبري.
وأخرجه ضمن حديث مطول البخاري (٣٧١)،
ومسلم بإثر (١٨٠١)، وبإثر (١٤٢٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥٥٤٩) و(٦٥٦٤) و(١١٣٧١)
من طريق إسماعيل ابن علية، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٩٩٢).
قلنا: سيأتي في كلام الخطابي
والبيهقي عند الحديث الآتي بعده بيان أن خيبر بعضها فُتح عنوة وبعضها فُتح سلمًا.
عن سهل بن أبي حَثْمةَ، قال: قَسَمَ
رسولُ الله ﷺ خيبرَ نصفَين: نصفًا لنوائبِه وحاجتِه، ونصفًا بين المسلمين، قسمَها
بينهم على ثمانيةَ عشرَ سهْمًا (١).
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، ويحيى
بن سعيد: هو الأنصاري.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني
الآثار» ٣/ ٢٥١، والطبراني في «الكبير» (٥٦٣٤)، والبيهقي ٦/ ٣١٧ من طريق سفيان بن
عيينة، بهذا الإسناد.
وانظر تالييه.
وقد روي عن بشُير بن يَسار مرسلًا
كما في الطريقين الآتيين برقم (٣٠١٣) و(٣٠١٤).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن الأرض
إذا غنمت قسمت كما يقسم المتاع والخُرثي، لا فرق بينها وبين غيرها من الأموال.
والظاهر من أمر خيبر أن رسول الله ﷺ فتحها عنوة. وإذا فتحها عنوة فهي مغنومة، وإذا
صارت غنيمة فإنما حصته من الغنيمة خمس الخمس، وهو سهمه الذي سماه الله له في قوله:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ﴾ [الأنفال:
٤١] فكيف
يكون له النصْف منها أجمع حتى يصرفه في حوائجه ونوائبه على ظاهر ما جاء في هذا
الحديث. قلتُ (القائل الخطابي): إنما يشكل هذا على من لا يتتبع طرق الأخبار
المروية في فتوح خيبر حتى يجمعها ويرتبها، فمن فعل ذلك تبين أمرَ صحةِ هذه القسمة
من حيث لا يشكل معناه، وبيان ذلك: أن خيبر كانت لها قرى وضياع خارجة عنها منها
الوَطيحة والكُتبية والشِّق والنِّطاة والسُّلالِيم وغيرها من الأسماء، فكان بعضها
مغنومًا، وهو ما غلب عليها رسولُ الله ﷺ، كان سبيلها القسم، وكان بعضها فيئًا، لم
يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكان خاصًا لرسول الله ﷺ، يضعه حيث أراه الله من حاجته
ونوائبه ومصالح المسلمين، فنظروا إلى مبلغ ذلك كله فاستوت القسمة فيها على النصف
والنصف، وقد بين ذلك الزهري.
قلنا: سيأتي حديث الزهري برقم
(٣٠١٦). وبنحو تفسير الخطابي هذا فسره البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١٣٨.
٣٠١١ - حدَّثنا حسين بن علي بن الأسود، أن
يحيى بنَ آدمَ حدَّثهم، عن أبي شهابٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن بُشَير بن يَسارٍ
أنه سمع نفرًا من أصحاب النبي ﷺ
قالوا، فذكر هذا الحديثَ، قال: فكان النصفُ سهامَ المسلمين وسهمَ رسولِ الله ﷺ،
وعزلَ النصفَ للمسلمين لما ينوبُه من الأُمورِ والنَّوائبِ (١).
٣٠١٢
- حدَّثنا حسينُ بن عليٍّ، حدَثنا
محمدُ بن فُضَيل، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن بُشَير بن يَسارٍ مولى الأنصارِ
عن رجالٍ من أصحاب النبي ﷺ: أن رسولَ
الله ﷺ لما ظَهَر على خيبرَ قَسمَها على ستةٍ وثلاثين سهْمًا، جَمَعَ كلُّ سَهْم
مئةَ سَهْم، فكان لِرسولِ اللهِ ﷺ وللمسلمين النصفُ من ذلك، وعزلَ النصفَ الباقيَ
لمن نزل به من الوفود والأمور ونَوائبِ النّاس (٢).
٣٠١٣
- حدَّثنا عبدُ الله بن سعيدٍ
الكِنْديُّ، حدَّثنا أبو خالدِ -يعني سليمانَ ابن حَيان-، عن يحيى بنِ سعيدٍ
(١) حديث صحيح، حسين بن علي بن الأسود -وإن
كان ضعيفًا- متابع.
وهو في «الخراج» ليحيى بن آدم (٩٤)،
ومن طريقه البيهقي ٩/ ١٣٨.
وانظر ما قبله.
(٢)
حديث صحيح، حسين بن علي -وهو ابن الأسود العجلي، وإن كان ضعيفًا- متابع.
وأخرجه يحيي بن آدم في «الخراج»
(٩٥)، وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٣٩ - ٣٤٠، وأحمد (١٦٤١٧)، والبيهقي ٦/ ٣١٧ و١٠/ ١٣٢،
وابن عبد البر في «التمهيد» ٦/ ٤٥٢ من طريق محمد بن فضيل، بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٣٠١٠).
عن بُشَير بن يَسارٍ، قال: لما أفاء
الله على نبيِّه ﷺ خيبرَ قسمَها على ستةٍ وثلاثين سهْمًا جَمَعَ كُلُّ سهْم مئَةَ
سهْمٍ، فعَزَل نصفَها لنوائبِه وما ينزِل به: الوَطِيحَةَ والكُتَيبَةَ وما أُحِيز
معهما، وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين: الشَّقَّ والنَّطاة وما أُحيزَ
معهما، وكان سهمُ رسولِ الله ﷺ فيما أُحيزَ معهما (١).
٣٠١٤
- حدَّثنا محمد بن مِسكين اليَماميُّ،
حدَّثنا يحيى بن حسان، حدَّثنا سليمانُ -يعني ابنَ بلالٍ- عن يحيى بن سعيد
عن بُشَير بن يَسارِ: أن رسولَ الله
ﷺ لما أفاءَ اللهُ عليه خيبرَ، قسمها ستةً وثلاثين سَهْمًا جُمَعَ، فعزل للمسلمين
الشطرَ: ثمانيةَ عشرَ سهمًا، يجمعُ كلُّ سهمٍ مئةً، النبي ﷺ معهم، له سهمٌ كسَهْمِ
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه
مرسل، لأن بُشير بن يسار تابعي، وقد سمعه من الصحابة كما سلف بالأرقام (٣٠١٠)
و(٣٠١١) و(٣٠١٢)، فاتصل الإسناد. أبو خالد: هو سليمان بن حيّان الأحمر.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٣١٧ من طريق أبي
خالد سليمان بن حيان الأحمر، بهذا الإسناد. مرسلًا.
وأخرجه يحيي بن آدم في «الخراج»
(٩٠)، والبلاذُري في «فتوح البلدان» ص ٣٩، والبيهقي ١٠/ ١٣٢ من طريق حماد بن سلمة،
وأخرجه يحيي بن آدم أيضًا (٩١) عن عبد السلام بن حرب، وأخرجه يحيي بن آدم كذلك
(٩٥)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في «الأموال» (١٤٢)، وابن سعد في «الطبقات» ٢/
١١٣، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (٢١٩)، وعمر بن شبة في «تاريخ المدينة»١/ ١٨٨،
والبلاذري في «الفتوح» ص ٣٨ من طريق يزيد بن هارون، وابن سعد ٢/ ١١٤، وابن عبد
البر في «التمهيد» ٦/ ٤٥٠ من طريق حماد بن زيد، أربعتهم عن يحيي بن سعيد، عن
بُشَير، مرسلًا.
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٣٠١٠).
أحدِهم، وعزلَ رسولُ الله ﷺ ثمانيةَ
عشر سهمًا -وهو الشطرُ- لنوائبِه وما ينزلُ به من أمرِ المسلمين، فكان ذلك
الوَطِيحَ والكُتيبةَ والسُّلالمَ وتوابعَها، فلما صارتِ الأموالُ بيد النبي ﷺ
والمسلمين لم يكن لهم عُمّال يكفُونهم عملَها، فدعا رسولُ الله ﷺ اليهودَ فعامَلَهم
(١).
٣٠١٥
- حدَّثنا محمد بن عيسى، حدَّثنا
مُجَمِّعُ بن يعقوبَ بن مُجمِّعِ بن يزيدَ الأنصاريُّ، سمعتُ أبي يعقوبَ بن
مُجمِّع يذكر، عن عمه عبد الرحمن بن يزيدَ الأنصاريّ عن عمّه مُجمِّع بن جاريةَ
الأنصاري -وكان أحدَ القراء، الذين قرؤوا القرآن- قال: قُسمت خيبرُ على أهل الحديبيةِ،
فقسَمَها رسولُ الله ﷺ على ثمانيةَ عشرَ سهمًا، وكان الجيشُ ألفًا وخمس مئة، فيهم
ثلاثُ مئة فارسٍ، فأعطى الفارسَ سهمَين، وأعطى الراجلَ سهمًا (٢).
٣٠١٦
- حدَّثنا حسينُ بن عليٍّ العِجليُّ،
حدَّثنا يحيي -يعني ابنَ آدمَ- حدَّثنا ابنُ أبي زائدةَ، عن محمد بن إسحاقَ
عن الزُّهري وعبد الله بن أبي بكرٍ
وبعضِ ولدِ محمد بن مَسْلَمةَ، قالوا: بقيتْ بقيةٌ من أهل خيبرَ تحصَّنوا، فسألوا
رسولَ الله ﷺ أن يحقِنَ دماءهم ويُسَيِّرهَم، ففعل، فسمع بذلك أهلُ فَدَكَ،
فنزلُوا على
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه
مرسل كسابقه، وقد اتصل من أوجه أخرى كما سلف بيانه.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» ٦/
٤٥٢ من طريق سليمان بن بلال، بهذا الإسناد، مرسلًا.
(٢)
إسناده ضعيف، وهو مكرر الحديث السالف برقم (٢٧٣٦).
مثل ذلك، فكانتْ لِرسول الله ﷺ
خاصَّةً، لأنه لم يُوجَفْ عليها بخيلٍ ولا ركابٍ (١).
٣٠١٧
- حدَثنا محمدُ بن يحيى بن فارسٍ،
حدَّثنا عبدُ الله بن محمد، عن جُوَيريةَ، عن مالكٍ، عن الزهريِّ
أن سعيد بن المُسيَّب أخبره: أن رسول
الله ﷺ افتتح بعض خيبر عنوةً (٢).
(١) إسناده ضعيف لإرساله وعنعنة محمد بن
إسحاق -وهو ابن يسار المطَّلبي مولاهم- وهو إن وقع تصريحه بالسماع من عبد الله بن
أبي بكر عند الطبري في «تاريخه» ٢/ ١٤٠، في الإسناد إليه محمد بن حميد الرازي شيخ
الطبري، وهو متروك. ثم يبقى أمر الإرسال.
وهو عند يحيى بن آم في «الخراج»
(٨٩)، ومن طريقه أخرجه عمر بن شبة في «تاريخ المدينة» ١/ ١٩٣، والبلاذري في «فتوح
البلدان» ص ٤٣، والبيهقي ٦/ ٣١٧.
وأخرجه يحيى بن آدم في «الخراج»
(١٠٤)، ومن طريقه البلاذري ص ٤٣ عن زياد البكائي، والطبري في «تاريخه» ٢/ ١٤٠ من
طريق سلمة بن الفضل، كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر وحده.
وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» ٤/
٢٢٦ من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدَّثنا ابن لمحمد بن مسلمة
الأنصاري، عمن أدرك من أهله، وحدثنيه مكنف، قالا: حاصر رسول الله ﷺ. وانظر ما سلف
برقم (٢٩٧١).
وانظر لقصة فدك حديث عمر بن الخطاب
السالف برقم (٢٩٦٧).
ومرسل عمر بن عبد العزيز السالف برقم
(٢٩٧٢).
(٢)
صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، ولكنه مرسل، إلا أن مراسيل سعيد بن المسيب معدودة من
أحسن المراسيل لجلالته، ولأنه أنبل من يروي عن الضعفاء، وجُلُّ روايته عن الصحابة،
وأما مرسل الزهري فضعيف. جويرية: هو ابن أسماء. =
قال أبو داود: قُرىء على الحارثِ بن
مِسكينٍ -وأنا شاهدٌ- أخبركم ابنُ وهبٍ، حدثني مالك، عن ابنِ شهاب: أن خيبر كانَ
بعضُها عَنوةً، وبعضُها صلحًا، والكُتيبةَ أكثرُها عَنوةٌ، وفيها صلحٌ.
قلت لمالك: وما الكُتيبةُ؟ قال: أرضُ
خيبر، وهي أربعون ألفَ عَذْقٍ.
٣٠١٨
- حدَّثنا ابنُ السَّرحِ، حدَّثنا ابنُ
وهْبٍ، أخبرني يُونس بنُ يزيدَ عن ابنِ شهابٍ، قال: بلغني أن رسولَ الله ﷺ افتتح
خيبرَ عَنْوَةً بعد القتالِ، ونزل مَنْ نزلَ من أهلها على الجَلاء بعد القتالِ (١).
= وأخرج مرسل سعيد بن المسيب البيهقي
٩/ ١٣٨ من طريق أبي داود السجستاني، بهذا الإسناد.
وأخرج مرسل الزهري البيهقي ٦/ ٣١٧ من
طريق أبي داود السجستاني، بهذا الإسناد.
قال ابن عبد البر في «التمهيد» ٦/
٤٤٥: أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها
عنوة وبعضها صلحًا، وأن رسول الله ﷺ قسمها، فما كان منها صلحًا أو أخذ بغير قتال
كالذي جلا عنه أهله، عمل في ذلك كله بسنة الفيء، وما كان منها عنوة، عمل فيه بسنة
الغنائم، إلا أن ما فتحه الله عليه منها عنوة، قسمه بين أهل الحديبية وبين من شهد
الوقعة.
تنبيه: جاء بعد هذا الحديث في رواية
ابن الأعرابي: قال أبو داود: العَذقُ النخلةُ والعِذْق العُرْجون.
(١)
رجاله ثقات، لكنه مرسل. ابن وهب: هو عبد الله، وابن السرح هو أحمد ابن عمرو بن عبد
الله بن عمرو بن السَّرْح.
وهو في سيرة ابن إسحاق رواه عنه ابن
هشام في «السيرة» ٣/ ٣٧١، ومن طريقه أخرجه يحيى بن آدم في «الخراج» (١٨)،
والبلاذري في «فتوح البلدان» ص ٣٦، والطبري في «تاريخه» ٢/ ١٤١ عن الزهري.
٣٠١٩ - حدَّثنا ابنُ السَّرحِ، حدَّثنأ ابنُ
وهب، أخبرني يُونس بن يزيدَ
عن ابنِ شهاب، قال: خَمَّس رسولُ
الله ﷺ خيبرَ، ثم قَسمَ سائرَها على مَنْ شهِدها ومَنْ غاب عنها من أهلِ الحُديبية
(١).
٣٠٢٠
- حدَّثنا أحمدُ بن حنْبل، حدَّثنا
عبدُ الرحمن، عن مالكٍ، عن زيد ابن أسلَم، عن أبيه
عن عُمر، قال: لَولا آخرُ المسلمين
ما فُتحت قريةٌ إلا قسمتُها كما قَسمَ رسولُ الله ﷺ خيبرَ (٢).
(١) صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، ولكنه مرسل
كسابقه.
وهو في «المراسيل» لأبي داود بنحوه
(٢٧٦) من طريق ابن المبارك، عن يونس، به.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٧٣٨)
عن معمر بن راشد، عن الزهري.
وفي الباب عن عبد الله بن أبي بكر بن
عمرو بن حزم عند الطبري في «تاريخه» ٢/ ١٤٠.
قلنا: ويؤيد ذلك قوله تعالى:
﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾
[الفتح:
٢٠]،
وذلك أن هذه الآية نزلت يوم الحديبية تبشر المؤمنين بفتح خيبر، فكان ذلك وعدًا من
الله سبحانه بالمغانم التي بخيبر لأهل الحديبية.
وقد بين ابن عبد البر في «التمهيد»
٦/ ٤٤٩ أن هذا الذي حكاه معمر ويونس عن الزهري بأنه قسم على أهل الحديبية إنما هو
ما كان من الغنائم مأخوذًا بالغلبة، وأن ما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه
بلا قتال حكم فيه رسول الله ﷺ بحكم الفيء واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك.
(٢)
إسناده صحيح. عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
وأخرجه البخاري (٢٣٣٤) من طريق عبد
الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٣) و(٢٨٤).
وروى البيهقي في «سننه» ٦/ ٣١٨ من
طريق ابن وهب عن مالك في هذه القصة سبب قول عمر هذا ولفظه: لما فتح عمر الشام، قام
إليه بلال، فقال: لتقسمنها أو لَنُضَارِبَنَّ عليها بالسيف، فقال عمر فذكره.
=
٢٥ - باب ما جاء في خبر مكة
٣٠٢١
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا يحيى بنُ آدمَ، حدَّثنا ابن إدريسَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن الزهريِّ، عن
عُبيد الله بن عَبد الله بن عُتبةَ
عن ابن عباس: أن رسولَ الله ﷺ عَامَ
الفتحِ جاءه العباسُ بن عَبد المُطَّلب بأبي سفيانَ بن حَرْبٍ، فأسلَم بمَرِّ
الظَّهْرانِ، فقال له العباسُ: يا رسولَ الله، إن أبا سفيان رجلٌ يحب هذا الفخْر،
فلو
= قال ابن التين: تأول عمر قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ....﴾
[الحشر:
١٠] فرأى أن
للآخرين أسوة بالأولين، فخشي لو قسم ما يفتح أن تكمل الفتوح، فلا يبقى لمن يجيء
بعد ذلك حظ في الخراج، فرأى أن توقف الأرض المفتوحة عَنوة، ويضرب عليها خراجًا
يدوم نفعه للمسلمين.
وقد اختلف نظر علماء المسلمين في
قسمة الأرض المفتوحة على أقوال: أشهرها ثلاثة: فعن مالك تصير وقفًا بنفس الفتح،
وعن أبي حنيفة والثوري يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها.
وعن الشافعي: يلزمه قسمتها إلا أن
يرضى بوقفيتها من غنمها. «فتح الباري» ٥/ ١٨ وانظر «الأموال» ص ٣٢ وما بعدها لأبي
عبد القاسم بن سلام.
وقال الإمام ابن القيم في «زاد
المعاد» ٣/ ١١٨ بتحقيقنا: إن الأرض لا تدخل في الغنائم، والإمام مخير فيها بحسب
المصلحة، وقد قسم رسول الله وترك، وعمر لم يقسم، بل أقرها على حالها، وضرب عيها
خراجًا مستمرًا في رقبتها تكون للمقاتلة، فهذا معنى وقفها ليس معناه الوقف الذي
يمنع من نقل الملك في الرقبة، بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة، وقد أجمعوا
على أنها لا تورث، والوقف لا يورث، وقد نص الإمام أحمد على أنه يجوز أن تجعل
صداقًا، والمهر لا يجوز أن يكون مهرًا، ولأن الوقف إنما امتنع بيعه، ونقل الملك في
رقبته، لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم من منفعته، والمقاتلة حقهم في
خراج الأرض، فمن اشتراها صارت عنده خراجية كما كانت عند البائع سواء، فلا يبطل حق
أحد من المسلمن بهذا البيع، كما لم يبطل بالميراث والهبة والصداق.
جعلتَ له شيئًا، قال: «نعم، مَن دخل
دَارَ أبي سفيان، فهو آمنٌ، ومن أغلقَ بابَهُ فهو آمنٌ» (١).
٣٠٢٢
- حدَّثنا محمد بن عَمرو الرازيُّ،
حدَّثنا سلمة -يعني ابنَ الفَضل- عن محمد بن إسحاقَ، عن العباسِ بن عَبد الله بن
مَعبَدٍ، عن بعضِ أهله
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد
بن إسحاق، فهو صدوق حسن الحديث، وقد صرح بالتحديث في رواية الطبراني في «الكبير»،
وأبي نعيم في «معرفة الصحابة» في ترجمة أبي سفيان، فانتفت شبهة تدليسه ثم هو
متابع. وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣٢٢: حديث متصل الإسناد صحيح. ابن
إدريس: هو عبد الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٤/ ٤٩٦، وابن
أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٤٨٦)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٣١٩ -
٣٢١، والطبراني في «الكبير» (٧٢٦٤)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» في ترجمة أبي
سفيان، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ١١٨، وفي «معرفة السنن والأثار، (١٨٢٥١)،
وفي»دلائل النبوة«٥/ ٣١ و٣١ - ٣٢ من طريق محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه البزار في»مسنده«(١٢٩٢)،
والطبري في»تاريخه«٢/ ١٥٧، والبيهقي في»الدلائل«٥/ ٣٢ من طريق يونس بن بكير، عن
ابن إسحاق، قال: حدَّثنا الحُسين ابن عَبد الله بن عُبيد الله بن عباس، عن عكرمة،
عن ابن عباس. والحسين بن عبد الله ضعيف.
وأخرجه عبد الرزاق في»مصنفه«(٩٧٣٩)
من طريق عثمان الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس. وعثمان الجزري -وهو ابن عمرو- ضعيف.
وأخرجه الطحاوي في»شرح معانى
الآثار«٣/ ٣١٤، والبيهقي في»الدلائل«٥/ ٣٢ - ٣٤ من طريق أيوب، عن عكرمة مرسلًا
والإسناد إليه صحيح. وباجتماع هذه الطرق مع الطريق الآتي بعده يصح الحديث إن شاء
الله.
وللمرفوع منه شاهد من حديث أبي هريرة
عند مسلم (١٧٨٠)، والنسائي في»الكبرى" (١١٢٣٤)، وسيأتي عند المصنف برقم
(٣٠٢٤). وانظر ما بعده.
عن ابن عباس، قال: لما نزلَ رسولُ
الله ﷺ مرَّ الظَّهْرانِ، قال العباسُ: قلتُ: واللهِ لئن دخلَ رسولُ الله ﷺ مكةَ
عَنْوَةً قبل أن يأتوه فيستأمِنوه، إنَّه لَهلاك قُريشٍ، فجلستُ على بغلةِ رسولِ
الله ﷺ، فقلتُ: لَعلِّي أجدُ ذا حاجةٍ يأتي أهلَ مكةَ، فيُخبرَهم بمكانِ رسولِ
الله ﷺ ليَخرجوا إليه فيستأمِنُوه، فإني لأَسيرُ إذ سمعتُ كلامَ أبي سفيانَ،
وبُدَيلَ بن وَرْقاءٍ، فقلت: يا أبا حنظلةَ، فعرف صوتي، قال: أبو الفضْل؟ قلت:
نعم، قال: مالك، فداك أبي وأُمي؟!! قلت: هذا رسولُ الله ﷺ والناسُ، قال: فما
الحيلةُ؟ قال: فركب خلفي ورجع صاحبُه، فلما أصبحَ غدوتُ به على رسولِ الله ﷺ
فأسلَم، قلت: يا رسولَ الله، إن أبا سفيان رجلٌ يحب هذا الفخرَ، فاجعلْ له شيئًا،
قال: «نعم، مَنْ دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ أغلقَ عليه دَارَهُ فهو
آمِنٌ، ومن دخل المسجدَ فهو آمِنٌ»، قال: فتفرَّق الناسُ إلى دُورهم، وإلى المسجدِ
(١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام
الراوي عن ابن عباس، ولكنه متابع كما بيناه في الطريق السابق قبله.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/
١١٨، وفي «معرفة السنن والآثار» (١٨٢٥٢) من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: فيه من الفقه أن المشرك
إذا خرج من دار الكفر وأسلم وبقيت زوجته في دار الكفر لم تُسلم، فإن الزوجية
بينهما لا تنفسخ ما اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة، وذلك أن رسول الله ﷺ لم
يكن ظهر على مكة بعدُ. وأسلم أبو سفيان بمر الظهران، وبقيت هند بمكة وهى دار كفر
بعد، ثم اجتمعا في الإسلام قبل انقضاء العدة فكانا على نكاحهما.
=
٣٠٢٣ - حدَّثنا الحسنُ بن الصبَّاح، حدَّثنا
إسماعيلُ -يعني ابنَ عبدِ الكريم- حدثني إبراهيمُ بن عَقيل بن مَعقِلٍ، عن أبيه،
عن وهب قال: سألتُ جابرًا: هل غنِمُوا يومَ الفتحِ شيئًا؟ قال: لا (١).
٣٠٢٤
- حدَّثنا مسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا
سلاَّم بن مِسكينٍ، حدَّثنا ثابتٌ البُنَانيُّ، عن عبدِ الله بن رباحٍ الأنصاريِّ
عن أبي هريرة: أن النبيَّ ﷺ لما دخلَ
مكةَ سَرَّحَ الزبيرَ بن العوّامِ، وأبا عُبيدةَ بن الجراح، وخالدَ بن الوليد على
الخيل، وقال: «يا أبا
= واحتج بقوله:»من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن«من زعم أن فتح مكة كان عنوة لا صلحًا، وأن للإمام إذا ظهر على قوم كفار أن
يؤمن من شاء منهم، فيُمنَّ عليه، ويقتل من شاء منهم، وله أن يترك الأرض في أيدي
أهلها، لا يقسمها بين الغانمين.
وذلك: أن رسول الله ﷺ ترك أرض مكة
ودورها في أيدي أهلها، ولم يقسمها.
وممن قال إنه فتحها عنوة: الأوزاعي
وأبو يوسف، وأبو عُبيد القاسم بن سلام، إلا أن أبا عبيد زعم أنه منَّ على أهلها،
فردها عليهم، ولم يقسمها، ولم يجعلها فيئًا، وكان هذا خاصًا لرسول الله ﷺ في مكة،
ليس لغيره من الأئمة أن يفعل ذلك في شيء من البلدان غيرها. وذلك: أنها مسجد لجماعة
المسلمين، وهي مُناخ من سبق.
وأجور بيوتها لا تطيب ولا تباع
رباعها. وليس هذا لغيرها من البلدان.
وقال الشافعي: فتحت مكة صلحًا. وقد
سبق لهم أمان. فمنهم من أسلم قبل أن يُظْهَر لهم على شيء، ومنهم من لم يُسلم، وصار
إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره. فكيف يغنم مال مُسلم، أو مال من بُذِل
له الأمان؟
ومَرّ الظهران: موضع بينه وبين البيت
ستة عشر ميلًا، ويُعرف الآن باسم وادي فاطمة، أو الجُمُوم.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه ابن سعد في»الطبقات" ٢/
١٤٣، والبيهقي ٩/ ١٢١ من طريق إسماعيل ابن عبد الكريم، بهذا الإسناد.
هريرةَ، اهتِفْ بالأنصار»، قال:
اسلُكوا هذا الطريقَ، فلا يُشْرِفَنَّ لكم أحدٌ إلا أنمتُموه، فنادَى مُنادٍ: لا
قريشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «من في دخل دارًا فهو آمِنٌ، ومَنْ ألقى
السلاحَ فهو آمِنٌ»، وعَمَدَ صناديدُ قُريشٍ فدخلُوا الكعبةَ، فغَصَّ بهم، وطافَ
النبيُّ ﷺ، وصلى خلفَ المقامِ، ثم أخذَ بجَنَبتَي البابِ، فخرجُوا: فبايعوا
النبيَّ ﷺ على الإسلام (١).
قال أبو داود: سمعت أحمدَ بن حنبلٍ
وسأله رجلٌ، قال: مكةُ عَنوةً هي؟ قال: أيشٍ يضرُّك ما كانت؟ قال: فصُلْح؟ قال: لا
(٢).
(١) إسناده صحيح. ثابت البُناني: هو ابنُ
أسلم.
وأخرجه بأطول مما هاهنا مسلم (١٧٨٠)،
والنسائي في «الكبرى» (١١٢٣٤) من طريق ثابت بن أسلم البناني، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٩٤٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٧٦٠).
وقوله في آخر الحديث: وطاف النبي ﷺ،
وصلى خلف المقام، سلف عند المصنف برقم (١٨٧١) و(١٨٧٢).
قوله: «سَرَّح» قال في «اللسان»:
سرَّحتُ فلانًا إلى موضع كذا: إذا أرسلتَه.
وقوله: «لا يُشرفن لكم أحد إلا
أنمتموه» قال النووي في «شرح مسلم»: ما أشرف لهم أحد إلا أناموه، أي: ما ظهر لهم
أحد إلا قتلوه.
وقوله: «صناديد قريش»: قال ابن
الأثير: هم أشرافُهم وعظماؤهم ورؤساؤهم، الواحد صِنْديد، وكل عظيم غالب صِنديدٌ.
وقوله: «بجنَبتَي الباب» قال صاحب
«اللسان» الجانب: الناحية، وكذلك الجَنَبة.
(٢)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن
الأعرابي. وقد كان ذكرها الحافظ بعد ترجمة هذا الباب مباشرة قبل الحديث (٣٠٢١) ثم
أشار إلى حذفها.
٢٦ - باب ما جاء في خبر الطائف
٣٠٢٥
- حدَّثنا الحسنُ بن الصبَّاح، حدَّثنا
إسماعيلُ -يعني ابنَ عبد الكريم- حدثني إبراهيمُ بن عَقيل ابن مُنبِّه، عن أبيه،
عن وهب قال:
سألت جابرًا عن شرطِ ثقيفٍ إذْ
بايعتْ، قال: اشترطتْ على النبيِّ ﷺ: أن لا صَدقةَ عليها ولا جهادَ، وأنه سمع
النبيَّ ﷺ بعد ذلك يقول: «سيتصدّقون ويُجاهدون إذا أسلَموا» (١).
٣٠٢٦
- حدَّثنا أحمدُ بن عليٍّ بن سُويد بنَ
مَنْجُوف، حدَّثنا أبو داودَ، عن حمادِ بن سلمةَ، عن حُميدِ، عن الحسنِ
عن عثمانَ بن أبي العاصِ: أن وَفْدَ
ثَقيفٍ لَمَّا قدمِوا على رسولِ الله ﷺ أنزلَهم المسجدَ، ليكون أرقَّ لِقلوبهم،
فاشترطوا عليه أن لا يُحْشَروا ولا يُعْشَرُوا ولا يُجَبُّوا، فقال رسولُ الله ﷺ:
«لكم أن لا تُحشَروا ولا تُعشَروا، ولا خيرَ في دِين ليس فيه ركوعٌ» (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (١٥٢٥)، والبيهقي في «دلائل النبوة» ٥/ ٣٠٦ من طريق إسماعيل بن عبد
الكريم، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٤٦٧٣)، وابن أبي عاصم
في «الآحاد» (١٥٢٤) من طريق أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله. وفي إسناده ابنُ
لهيعة، وعنعنة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرُس المكي. فيغني عنه الإسناد السابق.
وانظر فقه الحديث عند الحديث التالي.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن في سماع الحسن -وهو البصري من عثمان بن
أبي العاص- اختلافًا كما بيناه في «مسند أحمد» (١٦٢٨٠).
حميد: هو ابن أبي حميد الطويل، وأبو
داود: هو سليمان بن داود الطيالسي. =
٢٧ - باب في حكم أرض اليمن
٣٠٢٧
- حدَّثنا هنادُ بن السَّرِيِّ، عن أبي
أسامةَ، عن مُجالدٍ، عن الشَّعبيِّ عن عامر بن شَهْر، قال: خرجَ رسولُ الله ﷺ،
فقالت لي هَمْدان: هل أنتَ آتٍ هذا الرجلَ ومُرتادٌ لنا: فإن رضيتَ لنا شيئًا
قبلناه، وإن كرهتَ شيئًا كرِهناه؟ قلتُ: نعم، فجئتُ، حتى قدمتُ على رسولِ الله ﷺ،
فرضيتُ أمره، وأسلم قومي، وكتب رسولُ الله ﷺ هذا الكتابَ إلى عُمير ذي مُرَّان،
قال: وبعث مالك بن مُرَارةَ الرُّهاوي إلى اليمن جميعًا، فأسلمَ عكٌّ ذُو خَيْوان،
قال: فقيلِ لِعَكٍّ: انطلِق إلى رسولِ الله ﷺ فخذ منه الأمانَ على قريتكِ ومالِك،
فقدم وكتبَ له رسولُ الله ﷺ:
= وأخرجه الطيالسي (٩٣٩)، وابن أبي
شيبة ٣/ ١٩٧، وأحمد (١٧٩١٣)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثانى» (١٥٢٠)، وابن
الجارود (٣٧٣)، وابن خزيمة (١٣٢٨)، والطبراني في «الكبير» (٨٣٧٢)، والبيهقي ٢/ ٤٤٤
من طريق حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. ورواية بن خزيمة مختصرة بقصنة إنزالهم المسجد.
قال الخطابي: قوله: «لا تحشَروا»
معناه: الحشر في الجهاد والنفير له.
وقوله: «وأن لا تعشروا» معناه:
الصدقة، أي: لا يؤخذ عشرُ أموالهم.
وقوله: «أن لا يُجَبُّوا» معناه: لا
يصلُّوا، وأصل التجبية أن يكبَّ الإنسان على مُقَدَّمِه ويرفع مُؤخِّره.
قلت [القائل الخطابي]: ويشبه أن يكون
النبي ﷺ إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل، لأن
الصدقة إنما تجب بحلول الحول، والجهاد إنما يجب لحضور العدو، فأما الصلاة فهي
راهنةٌ في كل يوم وليلة في أوقاتها الموقوتة ولم يجز أن يشترطوا تركها، وقد سئل
جابر بن عبد الله عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد، فقال: عَلِمَ أنهم
سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا.
وفي هذا الحديث من العلم أن الكافر
يجوز له دخول المسجد لحاجة له فيه أو للمسلم إليه.
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدٍ
رسولِ الله لِعَكٍّ ذي خَيْوان، إن كان صادقًا في أرضِه ومالِه ورفيقِه فله
الأمانُ وذمةُ اللهِ وذمةُ محمدِ رسولِ الله». وكتبَ خالدُ بن سعيدِ بن العاصِ (١).
٣٠٢٨
- حدَّثنا محمد بنِ أحمد القرشيُّ
وهارون بن عبد الله، أن عبد الله بن الزبير حدثهم، قال: حدَّثنا فرَجُ بن سعيد،
حدَّثني عمي ثابتُ بن سعيد -يعني ابن أبيض-، عن أبيه سعيدٍ
عن جدّه أبيضَ بن حَمَّالٍ، أنه
كلَّم رسولَ اللهِ ﷺ في الصدقةِ، حين وفَدَ عليه، فقال: «يا أخا سبإٍ، لا بُدَّ
مِنْ صَدقةٍ» فقال: إنما زرعْنا القطنَ يا رسولَ اللهِ، وقد تبدَّدت سبأٌ، ولم
يبقَ منهم إلا قليلٌ بمأرِب، فصالحَ نبيَّ اللهِ ﷺ على سبعين حُلَّةً من قيمةِ
وَفاء بَزِّ المَعافِرِ، كلَّ سنةٍ، عمن بقي من سَبإٍ بمأرِب، فلم يزالُوا
يؤدُّونها حتى قُبض رسولُ الله ﷺ، وإن العُمَّال انتقضوا عليهم بعد قبضِ رسولِ
الله ﷺ فيما صالحَ أبيضُ بن حَمَّالٍ رسولَ الله ﷺ في الحُلل السبعين، فردَّ ذلك
أبو بكر على ما وضعَه رسولُ الله ﷺ، حتى ماتَ أبو بكر، فلما مات أبو بكر انتقض ذلك
وصارت على الصدقة (٢).
(١) إسناده ضعيف من أجل مُجالد -وهو ابن
سعيد-. الشعبي: هو عامر بن شَراحيل، وأبو أسامة: هو حماد بن أسامة. وقد ضعف
إسنادَه الحافظ في «الإصابة» في ترجمة ذي خيوان الهمداني ٢/ ٤١٢.
وأخرجه بأطول مما هاهنا ابن سعد في
«الطبقات» ٦/ ٢٨، وأبو يعلى (٦٨٦٤)، وابن الأثير في «أُسدِ الغابة» ٣/ ١٢٦ من طريق
أبي أسامة حماد بن أسامة، بهذا الإسناد.
(٢)
إسناده ضعيف لجهالة سعيد بن أبيض بن حمال وابنه ثابت، فقد قال ابن القطان في «بيان
الوهم والإيهام» ٥/ ٩٣: ثابت وأبوه مجهولان، وقال الذهبي في «الميزان» في ترجمة
ثابت: لا يعرف، وقال في ترجمة سعيد بن أبيض: فيه جهالة، =
٢٨ - باب إخراج اليهود من جزيرةِ العرب
٣٠٢٩
- حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا
سفيانُ بن عُيينةَ، عن سليمانَ الأحولِ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ
عن ابن عباس: أن رسولَ الله ﷺ أوصى
بثلاثةٍ، فقال: «أخْرِجُوا المشركين مِن جزيرةِ العربِ، وأجيزُوا الوَفْدَ بنَحْوٍ
مما كنتُ أُجيزُهُم».
قال ابنُ عباس: وسكتَ عن الثالثةِ -
أو قال: فأُنسيتُها- (١).
٣٠٣٠
- حدَّثنا الحسنُ بن عَليٍّ، حدَّثنا
أبو عاصمٍ وعبدُ الرزاق، قالا: أخبرنا ابن جُريجٍ، أخبرني أبو الزُّبير، أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول:
أخبَرني عمرُ بن الخطاب أنه سمع
رسولَ الله ﷺ يقول: «لأُخرِجَنَّ اليهودَ والنَّصارى مِن جزيرةِ العربِ، فلا أترُك
فيها إلاَّ مُسلِمًا» (٢).
= وقال ابن القيم في «حاشية سنن أبي
داود»: قال عبد الحق: لا يحتج بإسناد هذا الحديث فيما أعلم، لأن سعيدًا لم يرو عنه
فيما أرى إلا ثابت، وثابت مثله في الضعف يعني هذا الحديث من رواية ثابت بن سعيد بن
أبيض بن حمال، عن أبيه، عن جده. عبد الله بن الزبير: هو ابن عيسى القرشي المكي.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٨٠٦)
و(٨٠٧)، ومن طريقه أخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (١٢٨٨) من طريق فرج بن
سعيد، بهذا الإسناد.
قوله: «بَزّ»: هو الثياب.
و«مَعافر»: قبيلة باليمن. قاله في
«اللسان».
(١)
إسناده صحيح. سليمان الأحول: هو ابن أبي مسلم.
وأخرجه البخاري (٣٠٥٣) و(٣١٦٨)
و(٤٤٣١)، ومسلم (١٦٣٧)، والنسائي في «الكبرى» (٥٨٢٣) من طريق سليمان الأحول، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٥).
(٢)
إسناده صحيح. أبو الزبير: هو محمد بن مسلم بن تُدرُس المكي، وابن جريج: هو عبد
الملك بن عبد العزيز، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، وأبو عاصم: هو الضحاك بن
مخلد، والحسن بن علي: هو الخلال. =
٣٠٣١ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا أبو
أحمدَ محمدُ بن عبد الله، حدَّثنا سفيانُ، عن أبي الزبير، عن جابرٍ
عن عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ،
بمعناه، والأول أتمُّ (١).
٣٠٣٢
- حدَّثنا سليمانُ بن داود العَتكيُّ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن قابوسَ بن أبي ظَبْيَان، عن أبيه
عن ابن عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ
«لا تكونُ قِبْلَتانِ في بلدٍ واحدٍ» (٢).
= وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٩٩٨٥)
و(١٩٣٦٥).
وأخرجه مسلم (١٧٦٧)، والترمذي (١٦٩٩)
من طريق أبي الزبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١).
وانظر ما بعده.
(١)
إسناده صحيح. وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- بالسماع في
الطريق السابق، فانتفت شبهة تدليسهِ. سفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (١٧٦٧)، والترمذي
(١٦٩٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٣٣) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده ضعيف لضعف قابوس بن أبي ظبيان -واسم أبي ظبيان حصين بن جندب- وبه أعله ابن
القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/ ٨١ فقال: وقابوس عندهم ضعيف، وربما ترك بعضهم
حديثه. قلنا: ثم إنه قد روى سفيان الثوري عن قابوس، عن أبيه مرسلًا عند أبي عبيد
في «الأموال» (١٢١)، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (١٨٢) قال: قال رسول الله ﷺ:
«ليس على مسلم جزية» وهو جزء من حديثنا، سيأتي عند المصنف مفردًا برقم (٣٠٥٣).
وأخرجه الترمذي (٦٨٣) و(٦٣٩) من طريق
قابوس بن أبي ظبيان، به. وزاد: «وليس على مسلم جزية».
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤٩).
٣٠٣٣ - حدَّثنا محمودُ بن خالدٍ، حدَّثنا
عمرُ - يعني ابنَ عبد الواحد قال: قال سعيدٌ -يعني ابنَ عبد العزيز-: جزيرةُ العرب
ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تُخُومِ العِراق إلى البحر (١).
٣٠٣٤
- قال أبو داود: قُرىء على الحارِث بن
مِسكين -وأنا شاهد-: أخبرك أشهبُ بن عبد العزيز قال:
قال مالكٌ: عُمَرُ أجلَى أهلَ
نَجْرانَ ولم يُجْلِ من تيماء، لأنها ليستْ من بلاد العربِ، فأما الوادي فإني أُرى
أنما لم يُجْلَ مَن فيها من اليهود أنهم لم يَرَوها من أرض العرب (٢).
(١) إسناده صحيح إلى سعيد بن عبد العزيز -وهو
التّنوخي الدمشقى-، وهو إمام سَوَّاه الإمامُ أحمد بالأوزاعي.
وأخرجه البيهقي ٩/ ٢٠٨ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وقوله: الوادي: يعني وادي القُرى.
وقوله: تُخوم: الحدود والمعالم، بفتح
التاء وضمها، واحدها تَخَم. قاله المنذري في «مختصر السنن».
وفي تحديد جزيرة العرب أقوال متعددة
حكاها المنذري في «مختصر السنن».
(٢)
رجاله ثقات، لكنه مرسل، لأن مالكًا لم يدرك عمر بن الخطاب.
وأخرجه البيهقي ٩/ ٢٠٩ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وإجلاء عمر لأهل نجران رواه ابن أبي
شيبة أيضًا في «مصنفه» ١٤/ ٥٥٠ عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي شيبة ١٤/ ٥٥٠ -
٥٥١، والفاكهي في «أخبار مكة» (٢٩١٩) عن سالم بن أبي الجعد، ورواه البيهقي في
«السنن الكبرى» ٦/ ١٣٥ عن عمر بن عبد العزيز بن مروان وهي -وإن كانت مراسيل-
رجالُها ثقات، وبمجموعها
يصح ذلك عن عمر بن الخطاب.
لكن عمر بن عبد العزيز ذكر في روايته
أن عمر بن الخطاب أجلى أيضًا أهل تيماء، خلافًا لمالك في روايته هنا، ووافقه في
إجلاء أهل نجران وفَدَك.
٣٠٣٤ م - حدَّثنا ابنُ السَّرحِ، حدَّثنا
ابنُ وهبٍ، قال:
قال مالكٌ: قد أجلَى عمرُ رضي الله
عنه يهودَ نَجْران وفَدَكَ.
٢٩
- باب في
إيقاف أرض السواد وأرض العَنوة
٣٠٣٥
- حدَّثنا أحمدُ بن عبد الله بن يونسَ،
حدَّثنا زهيرٌ، حدَّثنا سهيلُ بن أبي صالحٍ، عن أبيه
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «مَنَعَتِ العراقُ قَفِيزَها ودِرهَمَها، ومَنَعتِ الشَّامُ مُديَها ودينارَها،
ومَنعت مِصرُ إرْدَبَّها ودينارَها، ثم عدتُم من حيث بدأتُم» -قالها زهيرٌ ثلاث
مرات-، شهد على ذلك لحمُ أبي هريرةَ ودَمُه (١).
(١) إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية
الجُعْفى.
وأخرجه مسلم (٢٨٩٦) من طريق زهير بن
معاوية الجعفي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٥٦٥).
قال النووي في «شرح مسلم»: القفيز:
مكيال معروف لأهل العراق، قال الأزهري: هو ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف، وهو
خمس كيلجات. قلنا: وبالمكاييل المعاصرة يساوي: (٣٣) لترًا أو (١٢٨) رطلًا بغداديًا.
قال النووي: وأما المُدي، فبضم الميم
على وزن قُفل، وهو مكيال معروف لأهل الشام، قال العلماء: يسع خمسة عشر مكوكًا.
قلنا: وبالمكاييل المعاصرة يساوي: (٨٧٥، ٦١) لترًا أو (٥، ٤٨٩٣٧) غرامًا، أي
(٩٣٧٥،٤٨) كيلو غرامًا بالوزن. ثم قال النووي: وأما الإرْدَبُّ، فمكيالٌ معروف
لأهل مصر، قال الأزهري
وآخرون: يسع أربعة وعشرين صاعًا.
قلنا: وبالمكاييل المعاصرة يساوي: (٦٦) لترًا، أو (٥٢٢٠٠) غرامًا، أي: (٢٠٠، ٥٢)
كيلو غرامًا بالوزن.
ثم قال النووي: وفي معنى «منعت
العراق» وغيرها قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وجد.
=
٣٠٣٦ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا عبدُ
الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن همامِ بن مُنبِّه، قال:
هذا ما حدَّثنا به أبو هريرةَ عن
رسول الله ﷺ، وقال رسولُ الله ﷺ «أيُّما قريةٍ أتيتُموها وأقمتُم فيها فَسَهمُكُم
فيها، وأيُّما قريةٍ عَصَتِ اللهَ ورسولَهُ فإنَّ خُمسَها للهِ ورَسُوله، ثُمَّ هي
لكم» (١).
٣٠
- باب في
أخذ الجزية
٣٠٣٧
- حدَّثنا العباسُ بن عَبد العظيمِ
العنبري، حدَّثنا سهلُ بن محمدٍ، حدَّثنا يحيي بن أبي زائدةَ، عن محمدِ بن إسحاقَ،
عن عاصمِ بن عُمَر
= والثاني، وهو الأشهر: أن معناه أن
العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد
روى مسلم هذا بعد هذا بورقات عن جابر، قال: يوشك أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم،
قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك، وذكر في منع الروم ذلك بالشام
مثله ...
قال: وقيل: لأنهم يرتدون في آخر
الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها.
وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم
الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مماكانوا يؤدونه من الجزية والخراج
وغير ذلك. قلنا: وهو قول الخطابي في «معالم السنن»، ولعله الأقوى.
قال النووي: وأما قوله ﷺ: «وعدتُم من
حيث بدأتم» فهو بمعنى الحديث الآخر: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ».
(١)
إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد.
وهو في«مصنف عبد الرزاق» (١٠١٣٧)،
ومن طريقه أخرجه مسلم (١٧٥٦).
وهو في «مسند أحمد» (٨٢١٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٨٢٦).
قال الخطايي: فيه دليل على أن أراضي
العنوة حكمها حكمُ سائرِ الأموال التي تُغنَم، وأن خمسها لأهلِ الخمس، وأربعة
أخماسها للغانمين.
عن أنس بن مالك، وعن عثمان بن أبي
سليمان: أن النبيَّ ﷺ بعث خالدَ بن الوليدِ إلى أُكَيْدِرِ دُومَةَ، فأخَذوه،
فأتوهُ به، فحقَنَ له دَمه، وصالَحه على الجِزية (١).
٣٠٣٨
- حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفيليُّ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ
(١) حديث حسن، وهذا إسناد رجاله ثقات غير
محمد بن إسحاق -وهو ابن يسار المطلبي مولاهم- فهو صدوقٌ حسنُ الحديث، ولكنه مدلس
وقد عنعن، وقد روى هذا الحديثَ غيرُ يحيى بن أبي زائدة -وهو يحيي بن زكريا بن أبي
زائدة- عن محمد بن إسحاق مُرسلًا، كذلك هو في «السيرة النبوية» لابن هشام ٤/ ١٧٠،
وكذلك رواه سلمة بن الفضل الأبرش، عن محمد بن إسحاق عند الطبري في «تاريخه» ٢/
١٨٥. وكذلك قال أبو حاتم الرازي فيما نقله عنه ابنه في «العلل»١/ ٣٢٤ - وقد أورد
قصة أكيدر مطولةً من طريق عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق، فقال: آخره خبر من
كلام ابن إسحاق - يعني به حديثنا هذا فقد جاء في آخر الخبر عنده.
قلنا: لكن جاء الخبر في «سيرة ابن
إسحاق» برواية يونس بن بكير، عنه، قال: حدثني يزيد بن رُومان وعبد الله بن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم كما رواه البيهقي في «السنن» ٩/ ١٨٧ وبذلك حسنه ابنُ
الملقن في «البدر المنير» ٩/ ١٨٥، وهو كما قال.
عثمان بن أبي سليمان: هو ابن جبير بن
مطعم.
وأخرجه البيهقي ٩/ ١٨٦ من طريق يحيي
بن زكريا بن أبي زائدة، بهذا الإسناد.
قال ابن الملقن في «البدر المنير» ٩/
١٨٦: «أُكيدر» بضم الهمزة تصغير أكدر، وهو الذي في لونه كدرة، وفي «دومة» ثلاث
لغات: دومة ودمة ودوما، وهي من بلاد الشام، قال الحازمي في «المؤتلف والمختلف في
أسماء الأماكن» (١/ ٤٣٨): دومة بضم الدال - ويقال: بفتحها -: دومة الجندل في أرض
الشام، وبينها وبين دمشق خمس ليالٍ، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وصاحبها
أكيدر، وذكره ابن إسحاق، فقال: هو رجل من كندة وكان من دومة، وكان نصرانيًا.
عن معاذ: أن النبيَّ ﷺ لما وجَّهَهُ
إلى اليمن أمره أن يأخذَ من كلِّ حالِمٍ -يعني مُحتلمًا- دينارًا، أو عِدْلَهُ من
المَعَافِرِ، ثيابٍ تكون باليمن (١).
٣٠٣٩
- حدَّثنا النُّفيليُّ، حدَّثنا أبو
معاويةَ، حدَّثنا الأعمشُ، عن ابراهيمَ، عن مسروقٍ، عن معاذ، عن النبي ﷺ، مثله (٢).
٣٠٤٠
- حدَّثنا العباسُ بن عبد العظيم،
حدَّثنا عبد الرحمن بن هانىءٍ أبو نُعَيم النَّخَعي، أخبرنا شريكٌ، عن إبراهيمَ بن
مُهاجِرٍ، عن زياد بن حُدَيرٍ، قال:
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات سلف
الكلام عليه برقم (١٥٧٦).
أبو وائل: هو شقيق بن سلمة، والأعمش:
هو سُليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وانظر ما بعده.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد سلف الكلام عليه برقم (١٥٧٦) مسروق: هو ابن
الأجدع، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعى. وانظر ما قبله.
قال الخطابي: في قوله: «من كل حالم»
دليل على أن الجزية إنما تجب على الذكران منهم دون الإناث، لأن الحالم عبارة عن
الرجل، فلا وجوب لها على النساء، ولا على المجانين والصبيان.
وفيه بيان أن الدينار مقبول من
جماعتهم، أغنياؤهم وأوساطهم في ذلك سواء، لأن النبي ﷺ بعثه إلى اليمن وأمره
بقتالهم، ثم أمره بالكف عنهم إذا أعطوا دينارًا، وجعل بذل الدينار حاقنًا لدمائهم،
فكل من أعطاه فقد حقن دمه، وإلى هذا ذهب الشافعى، قال: وإنما هو على كل محتلم من
الرجال الأحرار دون العبيد.
وقال أصحاب الرأي وأحمد بن حنبل:
يوضع على الموسر منهم ثمانية وأربعون درهمًا وأربعة وعشرون واثنا عشر.
وقال أحمد: على قدر ما يطيقون، قيل
له: فيزداد في هذا اليوم وينقص، قال: نعم، على قدر طاقتهم وعلى قدر ما يرى الإمام،
وقد علق الشافعي القول في إلزام الفقير الجزية.
قال علىٌّ: لئن بقيتُ لِنصارى بني
تغلِبَ لأَقْتُلَنَّ المقاتلة ولأسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ، فإني كتبتُ الكتابَ
بينهم وبين النبيَّ ﷺ على أن لا يُنصِّرُوا أبناءهم (١).
قال أبو داود: هذا حديثٌ منكَر،
بلغني عن أحمد أنه كان يُنكِر هذا الحديثَ إنكارًا شديدًا.
قال أبو علي (٢): ولم يقرأْه أبو
داود في العَرْضَةِ الثانية.
(١) إسناده ضعيف جدًا، عبد الرحمن بن هانىء
أبو نعيم النخعي ضعيف جدًا، وشريك -وهو ابن عبد الله النخعي- ضعيف سيىء الحفظ،
وإبراهيم بن مهاجر ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، ولم يتابع، وقد ضعف هذا
الحديث المصنف، وقوله: بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذه الحديث إنكارًا شديدًا،
فصحيح، فقد ذكره عنه العقيلي في «الضعفاء» ٢/ ٣٤٩ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن
أبيه، وقال العقيلى: لا يُتابع عليه، وضعفه كذلك عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه
الوسطى» ٣/ ١١٦، ووافقه ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ١١٩. وقد
انفرد الطبري بتصحيح إسناد هذا الحديث في «تهذيب الآثار» -قسم مسند علي- ص ٢٢٣/
(٢٨)!! وأخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» -قسم مسند علي- ص ٢٢٣/ (٢٨)، والعقيلي في
«الضعفاء» ٢/ ٣٤٩، وابن عدي في ترجمة إبراهيم بن مهاجر من «الكامل»، وأبو نعيم
الأصبهانى في «الحلية» ٤/ ١٩٨، والبيهقى ٩/ ٢١٧، والمزي في ترجمة زياد بن حدير من
«تهذيب الكمال» من طريق أبي نعيم عبد الرحمن بن هانىء، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو يعلى (٣٢٣) من طريق محمد
بن السائب الكلبى، عن أصبغ بن نُباتة، عن علي، ومحمد بن السائب متهم بالكذب، وشيخه
متروك الحديث.
(٢)
هو اللؤلؤي راوي «السنن»، وقوله: ولم يقرأه في العرضة الثانية، أي: لما عرض أبو
داود كتابه «السنن» على الناس مرة ثانية لم يقرأ هذا الحديث فيها.
٣٠٤١ - حدَّثنا مُصرِّف بن عَمرو الياميُّ،
حدَّثنا يونس بن بكَيرٍ، حدَّثنا أسباطُ بن نضر الهَمداني، عن إسماعيلَ بن عبد
الرحمن القرشىِّ
عن ابن عباس، قال: صَالَحَ رسولُ
الله ﷺ أهل نَجْرَان على ألفَي حُلَّةٍ: النِّصْفِ في صَفَر والنّصفِ في رجب،
يؤدُّونها إلى المسلمين، وعاريَّةٍ ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا،
وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح، يَغْزُونَ بها، والمسلمون ضامنون لها حتى
يردُّوها عليهم إنْ كان باليمن كَيدٌ أوْ غَدْرَةٌ: على أن لا تُهْدَمَ لهم
بِيعَةُ، ولا يُخْرَج لهم قَسٌ، ولا يُفتَنوا عن دينهم ما لم يُحدِثوا حَدَثًا أو
يأكلوا الربا، قال إسماعيلُ: فقد أكلوا الربا (١).
(١) إسناده حسن من أجل إسماعيل بن عبد الرحمن
القرشي -وهو السُّدِّي- وأسباط بن نصر ويونس بن بكير، وما قاله المنذري في «مختصر
السنن» من أن سماع السُّدِّي من عبد الله بن عباس فيه نظر، مدفوع بقول الحافظين
أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده عند أي الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» ١/
٣٣٤، وأبي جعفر ابن الأخرم في «تهذيب الكمال» في ترجمة السدي، حيث قالا: لا ينكر
له ابنُ عباس، قد رأى سعد بن أبي وقاص. قلنا: توفي سعد سنة خمس وخمسين على
المشهور، وتوفي ابن عباس سنة ثمان وستين. فما قالاه محتمل جدًا، والله تعالى أعلم.
مصرف ابن عمرو: هو ابن السري.
وأخرجه أبو الشيخ في «طبقات المحدثين
بأصبهان» ١/ ٣٣٤، والبيهقي ٩/ ١٨٧ و١٩٥ و٢٠٢، والضياء المقدسي في «مختارته» ٩/
(٤٩٢) من طريق يونس بن بكير، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه مطولًا الطبري في
«تفسيره» ٣/ ٣٠٠ من طريق أحمد بن المفضل الحفري، عن أسباط، عن السُّدي مرسلًا.
وفي باب قوله: «صالح رسول الله ﷺ أهل
نجران على ألفي حُلَّه» عن عمرو بن دينار مرسلًا قال: في كتاب النبي ﷺ لأهل نجران:
لهم جوار الله تعالى، وذمة محمد ﷺ =
قال أبو داود: إذا نقضُوا بعض ما
اشتُرِط عليهم فقد أحدثوا (١).
٣١
- باب في
أحد الجزية من المجوس
٣٠٤٢
- حدَّثنا أحمدُ بن سِنان الواسطىُّ،
حدَّثنا محمد بن بِلالٍ، عن عِمرانَ القطَّانِ، عن أبي جمرةَ
= ما نصحوا وأصلحوا، وعليهم ألفا حُلّة
من حُلل الأوراق، شهد أبو سفيان بن حرب والأقرع بن حابس رضي الله عنهما.
أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (٢٩١٨)
بإسناد صحيح إلى عمرو بن دينار.
وعن عامر بن شراحيل الشعبي مرسلًا
كذلك عند الطبري في «تفسيره» ٣/ ٢٩٩ - ٣٠٠.
قال الخطابي: هذا وقع في كتابى، وفي
رواية غيرها: «كيد ذات غدر»، وهذا أصوب، على أن لا تُهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم
قَسٌّ ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثًا أو يأكلوا الربا.
قال: في هذا دليل على أن للإمام أن
يزيد وينقص فيما يقع عليه الصلح من دينار وأكثر على قدر طاقتهم ووقوع الرضا منهم
به. وفيه دليل على أن العاريّة مضمونة.
وقوله: كيد ذات غدر: يريد الحرب،
أخبرني أبو عمر قال: قال ابن الأعرابي: الكيد: الحرب، ومنه ما جاء في بعض الحديث
أن رسول الله ﷺ خرج في بعض مغازيه فلم يلق كيدًا، أي: حربًا.
قلنا: أبو عمر شيخ الخطابي هو الإمام
العلامة اللغوي محمد بن عبد الواحد البغدادي المعروف بغلام ثعلب، سمى بذلك لأنه
لازم ثعلبًا توفي سنة ٣٤٥ هـ.
وثعلب: هو أحمد بن يحيي بن يزيد
البغدادي إمام الكوفيين في النحو واللغة وصاحب الفصيح ومجالس ثعلب وغيرها. المتوفى
سنة ٢٩١ هـ.
انظر لترجمتيهما «سير أعلام النبلاء»
١٤/ ٥ و١٥/ ٥٠٨.
(١)
مقالة أبى داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن
الأعرابي.
عن ابن عباس، قال: إن أهل فارس لما
مات نبيُّهم كتبَ لهم إبليسُ المجوسيةَ (١).
٣٠٤٣
- حدَّثنا مُسَدَّد بن مُسَرْهَد،
حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرو بن دينارٍ سمع بَجَالة يحدث عَمرو بن أوسٍ وأبا
الشَّعْثاء قال: كنت كاتبًا لِجَزْء بن معاويةَ عمِّ الأحنفِ بن قَيسٍ، إذ جاءنا
كتابُ عُمر قبل موته بسنةٍ: اقْتُلُوا كلَّ ساحرٍ، وفَرِّقُوا بين كل ذي مَحْرَمٍ
من المجوسِ، وانهَوهُم عن الزَّمْزَمَةِ، فقتلْنا في يومٍ ثلاثَ سَواحِرَ،
وفرَّقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصَنَعَ طعامًا كثيرًا فدعاهم
فعرض السيفَ على فخِذَيه فأكلُوا، ولم يُزَمزِمُوا، وألقَوا وِقرَ بغْلٍ -أو
بغلين- من الوَرِقِ، ولم يكن عمرُ أخذَ الجزيةَ من المجوسِ حتى شهد عبدُ الرحمن بن
عَوفِ أن رسولَ الله ﷺ أخذها من مجوسِ هَجَرَ (٢).
(١) إسناده ضعيف. عمران -وهو ابن داود
القطان- ضعفه ابن معين والنسائي وأبو داود، وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة
والوهم. أبو جمرة: هو نصر بن عمران الضُّبَعي.
وأخرجه البيهقى ٩/ ١٩٢، وابن الجوزي
في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (١٩١٣) من طريق أبي داود السجستانى، بهذا الإسناد.
(٢)
إسناده صحيح. بَجَالة: هو ابن عَبَدةَ التميمي، وأبو الشعثاء: هو جابر بن زيد،
وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه بتمامه عبد الرزاق في
«المصنف» (٩٩٧٢) عن ابن جريج، أخبرنى عمرو بن دينار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣١٥٦) و(٣١٥٧)،
والترمذي (١٦٧٧) و(١٦٧٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧١٥) من طريق عمرو بن دينار
بلفظ: لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله ﷺ
أخذها من مجوس هجر.
وزاد البخاري قول عمر: فرقوا كلّ ذي
محرم من المجوس.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٥٧) وفيه تمام
تخريجه. =
٣٠٤٤ - حدَّثنا محمدُ بن مِسكين اليماميُّ،
حدَّثنا يحيى بن حَسانَ، حدَّثنا هشيمٌ، أخبرنا داودُ بن أبي هندٍ، عن قُشَير بن
عَمرو، عن بَجَالةَ بن عَبَدة
= قال الخطابي: قوله: ألقوا وَقرَ بَغل
أو بغلينِ مِن الوَرِق، يريد أخِلَةً من الوَرِقِ يأكلون بها، قلت [القائل
الخطابي]: ولم يحملهم عمر على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا، وإنما
منعهم من إظهار ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشفون عن أمورهم التى يتدينون بها
ويستعملونها فيما بينهم، إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكام. فإذا فعلوا ذلك فإن
على حاكم المسلمين أن يحكم فيهم بحكم الله المُنزَل، وإن كان ذلك في الأنكحة فرق
بينهم وبين ذوات المحارم كما يفعل ذلك في المسلمين.
وفي امتناع عمر من أخذ الجزية من
المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ﷺ أخذها من مجوس هجر، دليل على أن
رأي الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي، وإنما تقبل من
أهل الكتاب.
وقد اختلف العلماء في المعنى الذي من
أجله أخذت منهم الجزية، فذهب الشافعي في أغلب قوليه إلى أنها إنما قبلت منهم،
لأنهم من أهل الكتاب، ورُوي ذلك عن على بن أبي طالب.
وقال أكثر أهل العلم: إنهم ليسوا أهل
كتاب، وإنما أخذت الجزية من اليهود والنصارى بالكتاب، ومن المجوس بالسنة.
واتفق عامة أهل العلم على تحريم
نسائهم وذبائحهم، وسمعت ابنَ أبي هريرة يحكي عن إبراهيم الحربي أنه قال: لم يزل
الناسُ متفقين على تحريم نكاح المجوس حتى جاءنا خلاف من الكرخ يعني: أبا ثور قال
ابن قدامة: هذا خلاف إجماع من تقدمه، قال الحافظ ابن حجر ٦/ ٢٥٩: وفيه نظر فقد حكى
ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسًا إذا أمره
المسلم بذبحها. وروى ابن أبي شيبة في «المصنف» ١٢/ ٢٤٧ و٤/ ١٧٨ - ١٧٩ عن سعيد بن
المسيب وعن عطاء وطاووس وعمرو بن دينار: أنهم لم يكونوا يرون بأسًا بالتسري
بالمجوسية.
وقال ابن المنذر: ليس تحريم نسائهم
وذبائحهم متفقًا عليه، ولكن أكثر أهل العلم عليه.
و«الزمزمة» قال ابن الأثير: هي كلام
يقولونه عند أكلهم بصوت خفي -يعني المجوس-.
عن ابن عباس، قال: جاء رجلٌ من
الأسْبَذِيِّينَ من أهل البحرَين، وهم مجوسُ أهلِ هَجَرَ، إلى رسولِ الله ﷺ، فمكث
عندَه، ثم خرج، فسألتُهُ: ما قضى اللهُ ورسولُه فيكم؟ قال: شرٌّ، فقلت: مَهْ؟ قال:
الإسلام أو القتل، قال: وقال عبدُ الرحمن بن عَوف: قَبِل منهم الجزيةَ، قال ابنُ
عباس: فأخذ الناسُ بقول عبدِ الرحمن بن عَوف، وتركوا ما سمعتُ أنا من الأَسبَذِيِّ
(١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة حال قشير بن عمرو.
هُشَيم: هو ابن بَشير الواسطي.
وأخرجه الدارقطني (٢١٤٣)، والبيهقي
٩/ ١٩٠، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢/ ١٢٥ من طريق هشيم بن بشير، بهذا الإسناد.
وقد سقط من مطبوع «التمهيد»: داود بن أبي هند وقشير.
وقصة عبد الرحمن بن عوف سلفت في
الحديث السالف فهي صحيحة.
وقوله: الأسبَذيين، قال ياقوت في
«معجم البلدان»: أسبَذ، بالفتح ثم السكون ثم فتح الباء الموحدة، وذال معجمة، في
كتاب «الفتوح»: أسبَذ: قرية بالبحرين، وصاحبها المنذر بن ساوى، وقد اختُلِف في
الأسبَذيين من بني تميم لم سمُّوا بذلك، قال هشام بن محمد بن السائب: هم ولد عبد
الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم،
وقال: وقيل
لهم: الأسبَذيون لانهم كانوا يعبدون فرسًا. قلت أنا [القائل ياقوت]: الفرس
بالفارسية اسمه: أسب، زادوا فيه ذالًا تعريبًا، قال: وقيل: كانوا يسكنون مدينة
يقال لها: أسبَذ بعُمان، فنسبوا إليها. وقال الهيثم بن عدي: إنما قيل لهم:
الأسبَذيون، أي: الجُمَّاع، وهم من بني عبد الله بن دارم، منهم المنذر بن ساوى
صاحب هجر الذي كاتَبَهُ رسول الله ﷺ ...، وقال أبوعمرو الشيباني: أسبَذ اسم مالك
كان من الفرس، ملّكه كسرى على البحرين فاستعبدهم وأذلهم، وإنما اسمه بالفارسية:
اسبيدوَيه، يريد الأبيض الوجه، فعرّبه فنسب العرب أهل البحرين إلى هذا الملك على
جهة الذم، فليس يختص بقوم دون قوم.
٣٢ - باب التشديد في جِباية الجزية
٣٠٤٥
- حدَّثنا سليمانُ بن داود المَهْريُّ،
أخبرنا ابنُ وهبٍ، أخبرني يونسُ ابن يزيدَ، عن ابن شهابِ، عن عروةَ بن الزبيرِ
أن هشامَ بن حكيمِ بن حزام وجدَ
رجلًا وهو بحمصَ، يُشَمِّس ناسًا من القِبْط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟! سمعتُ
رسولَ الله ﷺ يقول: «إن الله عز وجل يعذِّبُ الذين يُعَذّبونَ النّاسَ في
الدُّنيا» (١).
٣٣
- باب
تَعْشِير أهلِ الذمة إذا اختلفوا بالتجارات
٣٠٤٦
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا أبو
الأحوصِ، حدَّثنا عطاءُ بن السائبِ، عن حربِ بن عُبيد الله، عن جده أبي أُمِّه
عن أبيه، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إنما العُشُورُ على اليهودِ والنَّصارى، وليس على المسلمين عُشُورٌ» (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (٢٦١٣)، والنسائي في
«الكبرى» (٨٧١٨) من طريق ابن شهاب الزهري، ومسلم (٢٦١٣) من طريق هشام بن عروة،
كلاهما عن عروة بن الزبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٣٣٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٦١٢).
(٢)
إسناده ضعيف لاضطرابه، فقد اختُلف فيه على عطاء بن السائب، كما سيأتي بيانه، وحرب
بن عُبيد الله - وهو الثقفي - ضعيف، وقد أخرج البخاري في «تاريخه الكبير» ٣/ ٦٠
هذا الحديث وساق اضطراب الرواة فيه في ترجمة حرب هذا، ثم قال: لا يتابع عليه، وقد
فرض النبي ﷺ العشر فيما أخرجت الأرض في خمسة أوسق، وقال ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» ٣/ ٢٤٩: اختلف الرواة عن عطاء على وجوه، فكأن أشبهها ما رواه الثوري عن
عطاء، ولا يُشتغل برواية جرير وأبي الأحوص ونصير بن أبي الأشعث، وقال عبد الحق
الإشبيلى في «أحكامه الوسطى» ٣/ ١١٧: حديث في إسناده إختلاف، ولا أعلمه من طريق
يُحتج به، وقد نقله عنه =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= ابنُ القيم في «تهذيب السنن» أيضًا،
وكذلك أعله ابن القطان في «بيان الوهم» ٣/ ٤٩٤ بحرب بن عُبيد الله، وجهالة جده أبي
أمه وأبى جده، ثم للاختلاف فيه على عطاء، ثم قال: فهو لا يقارب ما يُلتفَتُ إليه.
أبو الأحوص: هو سلّام بن سُليم، ومُسدَّد: هو ابن مُسرهَد.
ورواه أبو الأحوص مرة أخرى، عن عطاء،
عن حرب، عن جده أبي أمه، عن النبي ﷺ. كذلك أخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ١٩٧ عنه. لكن
تحرف عنده «أبى أمه» إلى «أبي أمامة».
ورواه سفيان الثوري، عن عطاء، عن
حرب، عن خاله، عن النبي ﷺ. كذلك أخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ١٩٧ عن وكيع، وأحمد (١٥٨٩٦)
عن أبي نعيم الفضل بن دكين، والطحاوي في «شرح معانى الآثار» ٢/ ٣٢ من طريق محمد بن
يوسف الفريابي، والخطيب في «تاريخ بغداد» ٣/ ١٥٣ من طريق عُبيد الله بن عُبيد
الرحمن الأشجعي، كلهم عن سفيان الثوري.
لكن خالفهم عبد الرحمن بن مهدي،
فرواه عن سفيان، عن عطاء، عن رجل من بكر بن وائل، عن خاله. كذلك أخرجه أحمد
(١٥٨٩٥)، وسيأتي عند المصنف برقم (٣٠٤٨). ورواه وكيع عن سفيان الثوري مرة أخرى، عن
عطاء، عن حرب، عن النبي ﷺ مرسلًا كما سيأتي عند المصنف في الطريق التالى.
ورواه أبو نعيم مرة أخرى، عن عبد
السلام بن حرب، عن عطاء، عن حرب، عن جده رجل من تغلب، عن النبي ﷺ كما سيأتي عند
المصنف (٣٠٤٩).
ووافق رواية الأكثرين عن سفيان
الثوري، حمادُ بن سلمة، فرواه عن عطاء بن السائب، عن حرب، عن رجل من أخواله. كذلك
أخرجه الطحاوي ٣/ ٣١.
ورواه نصير بن أبي الأشعث، عن عطاء،
عن حرب، عن أبيه، عن أبي جده، عن النبي ﷺ. كذلك أخرجه البيهقى ٩/ ٢١١.
ورواه جرير بن عبد الحميد، عن عطاء،
عن حرب بن هلال الثقفي، عن أبي أمية رجل من بني تغلب، عن النبي ﷺ. كذلك أخرجه أحمد
(١٥٨٩٧). =
٣٠٤٧ - حدَّثنا محمد بن عُبيد المُحاربيُّ،
حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عطاءِ بن السائبِ
عن حرْب بن عُبيد الله، عن النبي ﷺ،
بمعناه، قال: «خراج» مكان «عُشور» (١).
٣٠٤٨
- حدَّثنا محمدُ بن بشّار، حدَّثنا
عبدُ الرحمن، حدَّثنا سفيانُ، عن عطاء، عن رجل من بكر بن وائلٍ
عن خالِه، قال: قلت: يا رسولَ الله،
أعَشِّرُ قومي؟ قال: «إنما العُشُورُ على اليهود والنَّصارى» (٢).
٣٠٤٩
- حدَّثنا محمد بن إبراهيم البزّاز،
حدَّثنا أبو نُعيم، حدَّثنا عبدُ السلام، عن عطاءِ بن السائب، عن حَرب بن عُبيد
الله بن عُمير الثقفيِّ
عن جده - رجلِ من بني تَغلِبَ - قال:
أتيتُ النبيَّ ﷺ فأسلمتُ وعلَّمَني الإسلامَ، وعلّمَني كيف آخذُ الصدقةَ من قومي
ممن أسلمَ، ثم
= قال الخطابي: قوله: «ليس على
المسلمين عشور» يريد عُشور التجارات والبياعات، دون عشور الصدقات.
قلت [القائل الخطابي]: والذي يلزم
اليهود والنصارى من العشور هو ما صالحوا عليه وقت العقد، فإن لم يصالحوا عليه فلا
عشور عليهم، ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية، فأما عشور غلات أرضيهم فلا تؤخذ منهم،
وهذا كله على مذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: إن أخذوا منا
العشور في بلادهم - إذا اختلف المسلمون إليهم في التجارات - أخذناها منهم وإلا فلا.
(١)
إسناده ضعيف لاضطرابه وضعف حرب بن عُبيد الله كسابقه. سفيان: هو الثوري. وقد سلف
تخريجه عند الطريق السالف.
(٢)
إسناده ضعيف لاضطرابه كما سلف بيانه برقم (٣٠٤٦). عبد الرحمن: هو ابن مهدي. وانظر
ما قبله.
رجعتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله،
كلُّ ما علَّمتَني قد حفظتُه إلا الصدقةَ، أفأعَشِّرهُم؟ قال: «لا، إنما العُشور
على النصارى واليهودِ» (١).
٣٠٥٠
- حدَّثنا محمدُ بن عِيسى، حدَّثنا
أشعثُ بن شُعبةَ، حدَّثنا أرطاةُ بن المُنذِر، سمعتُ حكيم بن عُمير أبا الأَخوَصِ
يحدَّث
عن العِرْباض بن ساريةَ السُّلَميِّ،
قال: نزلْنا مع رسول ﷺ خيبرَ ومعه مَنْ معه من أصحابه، وكان صاحبُ خيبرَ رجلًا
مارِدًا منكَرًا، فأقبلَ إلى النبيِّ ﷺ فقال: يا محمدُ، ألكم أن تذبَحوا حُمُرَنا،
وتأكلُوا ثمرَنا، وتضربُوا نساءنا؟! فغضِب - يعني رسول الله ﷺ وقال: «يا ابن
عَوْفٍ اركَبْ فرَسَك ثم نَادِ: ألا أن الجنة لا تحِلُّ إلا لمؤمنٍ، وأنِ
اجتمِعُوا للصلاة» قال: فاجتمَعُوا ثم صلَّى بهم النبي ﷺ ثم قام فقال: «أيحسبُ
أحدُكم مُتكئًا على أريكته قد يَظنُّ يقولُ: إنَّ الله لم يُحرِّم شيئًا إلا ما في
هذا القرآنِ، ألا وإنّي - والله - قد أمَرْتُ وَوعَظْتُ ونَهيتُ عن أشياء، إنّها
لِمثلُ القُرآن أو أكثر، وإنَّ الله عز وجل لم يُحِل لكم أن تَدخُلوا بُيوتَ أهلِ
الكتابِ إلاَّ بإذنٍ، ولا ضرْبَ نِسائِهم، ولا أكلَ ثِمارِهم، إذا أعطَوكُمُ الذى
عليهم» (٢).
(١) إسناده ضعيف لاضطرابه كما سلف بيانه برقم
(٣٠٤٦) أبو نعيم: هو الفضلُ ابنُ دُكَين.
(٢)
قوله: «أيحسب أحدكم متكئًا ...» إلى آخره، صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل حكيم
بن عمير وأشعث بن شعبة، فهما صدوقان حسنا الحديث.
محمد بن عيسى: هو ابن الطباع. وقد
سكت عنه عبد الحق الإشبيلي مصححًا له في «أحكامه الوسطى» ٣/ ١١٧، وقال ابن القطان
في «بيان الوهم» ٤/ ٤٢٧: وسكت عنه -يعني عبد الحق- ولا أُبعِد صحته، ولكن لا
أعرفها، فإن بعض رواته لم تثبت عدالته =
٣٠٥١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ وسعيدُ بن
مَنصورٍ، قالا: حدَّثنا أبو عَوانةَ، عن منصورٍ، عن هِلالٍ، عن رجلٍ من ثقيفٍ
عن رجلِ من جُهينةَ، قال: قالَ رسولُ
الله ﷺ: «لعلكم تُقاتِلون قومًا، فتظهَرُون عليهم، فيتَّقُونكم بأموالِهم دونَ
أنفُسهِم وأبنائِهم» قال سعيد في حديثه: «فيُصالِحُونكم على صُلْحٍ» ثم اتفقا:
«فلا تُصِيبُوا منهم فوقَ ذلكَ؛ فإنَّهُ لا يَصلُحُ لكُم» (١).
= وإن كان مشهورًا، وهو أشعث بن شعبة.
قلنا: قد ثبتت عدالته بتوثيق أبي داود له في «سؤالات الآجري» له وذكره ابن حبان في
«الثقات»، فصدق احتمالُ ابن القطان. وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٩/ ٢٠٤،
وابن عبد البر في «التمهيد» ١/ ١٤٩ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
ولقوله: «أيحسب أحدكم متكئًا ...»
إلى قوله: «وإنها لمثل القرآن أو أكثر» شاهد من حديث المقدام بن معدي كرب سيأتي
عند المصنف برقم (٤٦٠٤) وإسناده صحيح.
وآخر من حديث أبي رافع سيأتي عند
المصنف برقم (٤٦٠٥) وإسناده صحيح كذلك.
ولبقيته انظر تالييه.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد قد اختُلف فيه، فرواه أبو عوانة - وهو الوضاح ابن عبد الله
اليشكري - عند المصنف هنا، وعند سعيد بن منصور في «سننه» (٢٦٠٣)، والبيهقي ٩/ ٢٠٤،
وزائدة بن قدامة عند البيهقي ٩/ ٢٠٤، كلاهما عن منصور - وهو ابن المعتمر -، عن
هلال - وهو ابن يِساف، عن رجل من ثقيف، عن رجل من جهينة، وخالفهما سفيان الثوري
عند عبد الرزاق (١٠١٠٥) و(١٩٢٧٢) فرواه عن منصور، عن هلال، عن رجل من جهينة من
أصحاب النبي ﷺ، دون ذكر الرجل الثقفي، وقوله أشبه بالصواب، لأنه أثبت من أبي عوانة
وزائدة في منصور، وبذلك يصح إسناد الحديث، لأن إبهام الصحابي لا يضر. والله تعالى
أعلم.
٣٠٥٢ - حدَّثنا سليمانُ بن داود
المَهْرِيُّ، أخبرنا ابنُ وهْبٍ، حدَّثني أبو صخْر المَديني، أن صفوان بن سُلَيم
أخبره
عن عِدَّة من أبناء أصحابِ رسول الله
ﷺ، عن آبائِهم دِنْيَةً، عن رسولِ الله ﷺ قال: «ألا مَن ظَلم مُعاهِدًا أو
انتَقصَهُ أو كلَّفَهُ فوقَ طاقَتِه أو أخَذ منهُ شيئًا بِغيرِ طِيبِ نَفسِ فأنا
حَجِيجُهُ يوم القيامةِ» (١).
٣٤
- باب في
الذِّمِّي يُسلِم في بعضِ السنة، أعَليه جزيةٌ؟
٣٠٥٣
- حدَّثنا عبدُ الله بن الجرَّاح، عن
جَرير، عن قَابوسَ، عن أبيه
(١) إسناده حسن من أجل أبي صخر المديني - وهو
حميد بن زياد -، ولا تضر جهالة أبناء الصحابة، خلافًا لما قال ابن القطان في «بيان
الوهم» ٢/ ٥٩٩ معترضًا على عبد الحق الإشبيلي وقد سكت عنه في «أحكامه الوسطى» ٣/
١١٧ مصححًا له، وخلافًا لما قاله المنذري كذلك في «مختصر السنن»، وذلك أنهم جَمعٌ،
قال الحافظ العراقي في «التقييد والإيضاح» في معرفة المشهور من الحديث: إسناده
جيد، وهو وإن كان فيه من لم يُسمَّ فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر
الذي لا يشترط فيه العدالة، فقد رويناه في «سنن البيهقى الكبرى» فقال في روايته:
عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله ﷺ. وقد نقله عنه ابن عراق في «تنزيه الشريعة»
٢/ ١٨٢. وقال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (١٠٤٤): سنده لا بأس به، ولا يضر جهالة
من لم يُسمَّ من أنباء الصحابة، فإنهم عدد ينجبرُ به جهالتهم، وحسن إسناده كذلك
العجلوني في «كشف الخفاء» (٢٥٢٩)، وذكره البغوي في الحسان من «مصابيح السنة»
(٣٠٨٨). ابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه البيهقي ٩/ ٢٠٥ من طريق محمد
بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد. وقال: عن ثلاثين من
أبناء أصحاب رسول الله ﷺ عن آبائهم دنية.
وقوله: «دنيه»، بكسر الدال وسكون
النون وفتح الياء: مصدر في موضع الحال، ومعناه: لا صقو النسب [متصلو النسب]، ومعنى
«حجيجُه» أي: خصمُه.
عن ابن عباس، قال: قالَ رسولُ الله
ﷺ: «ليس على المُسلمِ جِزيةٌ» (١).
٣٠٥٤
- حدَّثنا محمدُ بن كَثيرٍ، قال: سُئل
سفيانُ عن تفسيرِ هذا، فقال: إذا أسلمَ فلا جزيةَ عليه (٢).
٣٥
- باب في
الإمام يقبَلُ هدايا المُشركينَ
٣٠٥٥
- حدَّثنا أبو توبةَ الربيعُ بن نافعٍ،
حدَّثنا معاويةُ - يعني ابنَ سَلَّام - عن زَيدٍ، أنه سمع أبا سَلَّام قال:
حدَّثني عبدُ الله الهَوْزَنيُّ،
قال: لقيت بلالًا مُؤذِّنَ رسولِ الله ﷺ بحلبَ، فقلت: يا بِلَالُ، حدَّثني كيف
كانت نفقةُ رسولِ الله ﷺ؟ قال: ما كان له شيءٌ، كنتُ أنا الذي ألي ذاك منه منذ
بعثَه اللهُ إلى أن تُوفِّي، وكان إذا أتاه الإنسانُ مسلمًا فرآه عاريًا يأمرني
فأنطلقَ فأستقرضَ فأشتريَ له البُرْدةَ فأكسوَه وأُطعمَه، حتى اعترضَني رجلٌ من
المشركين فقال: يا بلالُ، إن عندي سَعَةً فلا تستقرضْ من أحدٍ إلاّ مني، ففعلتُ،
فلما أن كان ذاتُ يوم توضأتُ ثم قمتُ لأُؤذِّن
(١) إسناده ضعيف لضعف قابوس بن أبي ظبيان -
واسم أبي ظبيان حصين بن جندب - وبه أعله ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» ٥/
٨١ فقال: وقابوس عندهم ضعيف، وربما ترك بعضهم حديثه. قلنا: ثم إنه قد رواه سفيان
الثوري، عن قابوس، عن أبيه مرسلًا عند أبي عبيد في «الأموال» (١٢١)، وحميد بن
زنجويه في «الأموال» (١٨٢). جرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه الترمذي (٦٣٨) و(٦٣٩) من طريق
جرير بن عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤٩).
(٢)
محمد بن كثير - وهو العبدي - ثقة، وسفيان: هو الثوري.
بالصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في
عصابة من التجار فلما رآني قال: يا حبشيُّ؛ قلت: يا لَبَّاهُ، فتجَهَّمني، وقال لي
قولًا غليظًا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهرِ؟ قال: قلت: قريبٌ، قال: إنما
بينك وبينه أربعٌ، فآخُذك بالذي عليك، فأردُّك ترعَى الغنمَ كما كنتَ قبلَ ذلك،
فأخذَ في نفسي ما يأخُذُ في أنفُسِ الناس.
حتى إذا صلَّيتُ العَتَمة رججَ رسولُ
الله ﷺ إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، قلت: يا رسول الله، بأبي أنْتَ إنَّ
المشرك الذي كنت أتَدَيَّنُ منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، ولا
عندي، وهو فَاضِحي، فأْذَنْ لي أن آبَقَ إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا
حتى يرزق الله رسولَه ما يقضي عني، فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي
ونعلي ومِجَنِّي عند رأسي، حتى إذا انشقَّ عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا
إنسان يسعى يدعو: يا بلالُ، أجبْ رسول الله ﷺ، فانطلقت حتى أتيته، فإذا أربعُ
ركائبَ مُنَاخاتٌ عليهن أحمالهن، فاستأذنت، فقال لي رسول الله ﷺ: «أبْشِرْ، فقد
جاءك الله بِقَضائِكَ» ثم قال: «ألم تَرَ الرَّكائِبَ المُنَاخاتِ الأربعَ؟» فقلت:
بلى، فقال: «إنَّ لك رِقابَهُنَّ وما عليهِنَّ، فإنَّ عليهنَّ كسوةً وطعامًا،
أهداهُن إليَّ عظيمُ فَدَكَ، فاقبضْهن واقْضِ دينَك» ففعلتُ، فذكَر الحديثَ.
قال: ثم انطلقتُ إلى المسجدِ، فاذا
رسولُ الله ﷺ قاعِدٌ في المسجد، فسلَّمتُ عليه، فقال: «مافعلَ ما قِبَلَكَ؟» قلتُ:
قد قضى اللهُ كلَّ شيءٍ كان على رسولِ الله، فلم يبقَ شيءٌ، قال: "أفَضَلَ
شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن
تُريحَني منه، فإني لستُ بداخلٍ على أحدٍ من أهلي حتى تُريحَني منه» فلما صلَّى
رسولُ الله ﷺ العَتَمة دعاني، فقال: «ما فعلَ الذىِ قِبَلَكَ؟» قال: قلتُ: هو معي
لم يأتِنا أحدٌ، فباتَ رسولُ الله ﷺ في المسجدِ، وقصَّ الحديثَ، حتى إذا صلَّى
العَتَمةَ - يعني من الغدِ - دعاني قال: «ما فعل الذي قِبَلَك؟» قال: قلت: قد
أراحَك اللهُ منه يا رسولَ الله، فكبَّر وحمِد اللهَ شَفَقًا مَن أن يدركه الموتُ
وعندَه ذلك، ثم اتبعته حتى جاء أزواجَه فسلَّم على امرأةٍ امرأةٍ، حتى أتى
مَبِيتَهُ، فهذا الذي سألتَني عنه (١).
(١) إسناده صحيح. عبد الله الهوزني: هو ابن
لُحيٍّ، وأبو سلاَّم: هو ممطور الحبشي، وزيد: هو ابنُ سلاَّم أخو معاوية.
وأخرجه حماد بن إسحاق في «تركة النبي
ﷺ» ص ٧٣ - ٧٤، والبزار في «مسنده» (١٣٨٢)، وابن حبان في «صحيحه» (٦٣٥١)، والطبراني
في «الكبير» (١١١٩)، وفي «الأوسط» (٤٦٦)، وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ١٤٩، والبيهقي
في «السنن الكبرى» ٦/ ٨٠ و٩/ ٢١٥، وفي «دلائل النبوة» ١/ ٣٤٨ - ٣٥١ من طريق معاوية
بن سلام، بهذا الإسناد. ورواية أبي نعيم والبيهقي في الموضع الثاني من «السنن»
مختصرة جدًا.
وانظر ما بعده.
قوله: «يا لباه» يريد: لبَّيك.
وقوله: «تجهّمني» قال في «اللسان»:
وتجهّمه وتجهّم له: كجَهِمَه: إذا استقبله بوجه كريه.
وقوله: «صليت العتمة» يريد صلاة
العشاء.
وقوله: «آبَقَ» فعل مضارع من أَبَقَ،
يأْبِق، ويأْبُق أبْقًا وإباقًا، فهو آبِقٌ، والإباق: هرب العبيد وذهابُهم من غير
خوف ولا كدِّ عمل. انظر «اللسان».
وقوله: «مِجَنِّي» المجِنُّ:
التُّرس، لأنه يُواري حامِلَه، أي: يستره، والميم زائدة. قاله في «النهاية».
=
٣٠٥٦ - حدَّثنا محمودُ بن خالدٍ، حدَّثنا
مروانُ بن محمدٍ، حدَّثنا معاويةُ، بمعنى إسناد أبي تَوْبهّ وحديثه، قال عند
قولِه: ما يقضي عني: فسكتَ عني رسولُ الله ﷺ، فاغتمزتُها (١).
٣٠٥٧
- حدَّثنا هارون بن عبد الله، حدَّثنا
أبو داودَ، حدَّثنا عمرانُ، عن قتادةَ، عن يزيدَ بن عبدِ الله بن الشِّخِّير
عن عِياضِ بن حِمارٍ، قال: أهديتُ
للنبي ﷺ ناقةً، فقال: «أسلمتَ؟» فقلت: لا، قال: فقال النبي ﷺ: «إني نُهِيتُ عن
زَبْدِ المُشركين» (٢).
= وقوله: «عمود الصبح الأول» هو ما
تبلَّج من ضوئه، وهو المستظهر منه، وسطح عمود الصبح على التشبيه بذلك. قاله في
«اللسان».
وقوله: «ركائب» جمع رِكاب، وهي الإبل
التي تُخرَج ليُجاء عليها بالطعام، قاله النضر بن شميل في كتاب «الإبل» كما في
«اللسان».
وقوله: «لك رقابهن وما عليهن» قال في
«النهاية»: أي: ذواتُهن وأحمالُهن.
وقوله: «ما فعل ما قِبَلك»: ما
قِبَلَك، أي: ما عندك، قالوا: لي قِبَلك مالٌ، أي:
فيما يليك، ولي قِبَل فلان حق، أي:
عنده. والمعنى: ما حالُ ما عندك من المال.
(١)
إسناده صحيح كسابقه. معاوية: هو ابن سلام.
وقوله: فاغتمرتها، أي: ما ارتضيت تلك
الحالة وكرهتها وثقلت علي.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، عمران - وهو ابن داوَر القطان -
ضعيف يعتبر به، وقد توبع. أبو داود: هو سليمان بن داود الطيالسي.
وهو في «مسند الطيالسي» (١٠٨٣)، ومن
طريقه أخرجه الترمذي (١٦٦٧).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد»
(٤٢٨/ م) من طريق حجاج بن حجاج الباهلي، والطبري في «تهذيب الآثار» - قسم مسند علي
- (٣٤٥) من طريق سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، به. وإسناد البخاري حسن،
وإسناد الطبري صحيح.
وقد فاتنا هذان الطريقان في «مسند
أحمد» (١٧٤٨٢)، فيستدركان من هنا، وانظر تمام تخريجه في «المسند».
=
٣٦ - باب ما جاء في إقطاع الأرَضِينَ
٣٠٥٨
- حدَّثنا عَمرو بن مَرزُوقٍ، حدَّثنا
شعبةُ، عن سماكٍ، عن علقمةَ بن وائلٍ
عن أبيه: أن النبي ﷺ أقطعه أرضًا
بحضرَموت (١).
= قال الخطابي: «الزبد»: العطاء، وفي
رده هديته وجهان: أحدهما: أن يغيظه برد الهدية فيمتعض منه فيحمله ذلك على الإسلام.
والآخر: أن للهدية موضعًا من القلب، وقد روي: «تهادوا تحابوا» ولا يجوز عليه ﷺ أن
يميل بقلبه إلى مشرك، فرد الهدية قطعًا لسبب الميل.
وقد ثبت أن النبي ﷺ قبل هدية
النجاشي، وليس ذلك بخلاف لقوله: «نهيتُ عن زَبْد المشركين» لأنه رجل من أهل الكتاب
ليس بمشرك، وقد أبيح لنا طعام أهل الكتاب ونكاحهم، وذلك خلاف حكم أهل الشرك.
وقد سلك الطبري مسلكًا آخر في الجمع
بين الأخبار الدالة على قبوله ﷺ الهدية، وبين الأخبار الدالة على رده إياها في
كتابه «تهذيب الآثار» - قسم مسند علي - ص ٢١٠ - ٢١١ فبين أن ما قبله ﷺ من ذلك إنما
قبله لنفع المسلمين، وما رده من ذلك إنما كان من أجل أنها أهديت له ﷺ في خاصة نفسه.
(١)
حديث صحيح. إسناده حسن من أجل سماك - وهو ابن حرب -؛ فهو صدوق حسن الحديث. وعلقمة
بن وائل - وهو ابن حُجْر - قد سمع من أبيه، صرح بسماعه منه في «صحيح مسلم» (١٦٨٠).
وأخرجه الترمذي (١٤٣٧) من طريق شعبة
بن الحجاج، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧٢٣٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٢٠٥)، لكنهما لم يقولا في روايتهما: بحضرموت.
وحضرموت: بلد جنوبي شبه الجزيرة
العربية على خليج عدن وبحر عمان. وانظر ما بعده.
الإقطاع: هو إعطاء الإمام طائفة من
أرض الموات مفرزة وهو يكون تمليكًا وغير تمليك. =
٣٠٥٩ - حدَّثنا حفصُ بن عُمر، حدَّثنا جامُع
بن مَطَرٍ، عن علقمةَ بن وائلٍ بإسناده، مثله (١).
٣٠٦٠
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ
الله بن داودَ، عن فِطرٍ، حدَّثني أبي عن عَمرو بن حُريث، قال: خَطَّ لي رسولُ
الله ﷺ دارًا بالمدينة بقَوسٍ، وقال: «أَزِيدُك، أزِيدُكَ؟» (٢).
٣٠٦١
- حدَّثنا عبدُ الله بن مسلمةَ، عن
مالكٍ، عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن
= قال أبو عبيد القاسم بن سلام في
«الأموال» بعد إيراده عددًا من أحاديث الإقطاع: ولهذه الأحاديث التي جاءت في
الإقطاع وجوه مختلفة، إلا أن حديث النبي ﷺ الذي ذكرناه في عاديّ الأرض هو عندي
مفسّر لما يصلح فيه الإقطاع من الأرضين، ولما لا يصلح، والعاديّ كل أرض كان لها
ساكن في آباد الدهر، فانقرضوا فلم يبق منهم أنيس، فصار حكمها إلى الإمام. وكذلك كل
أرض موات لم يُحيها أحدٌ، ولم يملكها مسلم ولا معاهد، وإياها أراد عمر بكتابه إلى
أبي موسى: إن لم تكن أرض جزية، ولا أرضًا يُجرّ إليها ماء جزية، فأقطعها إياه، فقد
بين أن الإقطاع ليس يكون إلا فيما ليس له مالك، فإذا كانت الأرض كذلك فأمرها إلى
الامام. ولهذا قال عمر: لنا رقاب الأرض.
(١)
إسناده صحيح.
(٢)
إسناده ضعيف، لجهالة خليفة والد فطر، وقال الذهبي في «الميزان» في ترجقه: خبره عن
عمرو بن حريث منكر، وهو خط لي رسول الله ﷺ دارًا بالمدينة، لأن عمرو بن حريث يصغر
عن ذلك مات النبي ﷺ وهو ابن عشر سنين أو نحوها. عبد الله ابن داود: هو الخُريبي،
ومُسدَّد: هو ابن مُسرهَد.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (٧١٤) و(٧١٥)، وأبو يعلى (١٤٦٤)، وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ٢٠٣
والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة خليفة المخزومي، من طريق فطر بن خليفة، به.
عن غيرِ واحد: أنَّ رسول الله ﷺ أقطع
بلالَ بن الحارث المزني مَعادنَ القبَليةِ، وهي من ناحية الفُرُع، فتلك المعادن لا
يؤخَذُ منها إلا الزكاة إلى اليومِ (١).
(١) إقطاع النبي ﷺ بلال بن الحارث المزني
صحيح، وأما ذكر الزكاة في هذه المعادن فليس يصح، وهذا إسناد ضعيف لإبهام من حدَّث
ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن - وهو المعروف بربيعة الرأي - وأغلب الظن أنه ليس من
الصحابة، إذ لا يصح لربيعة رواية عن أحد من الصحابة خلا أنس بن مالك، وذكر الذهبي
في «السير» أيضًا السائب ابن يزيد وهو صحابي صغير مات سنة إحدى وتسعين، وعليه يكون
الحديث مرسلًا كذلك كما قال المنذري في «اختصار السنن».
وقد ضعف هذا الحديث غيرُ واحد من أهل
العلم: فقد ضعفه الشافعي فيما نقله عنه البيهقي في «السنن الكبرى» ٤/ ١٥٢ وهو في
«الأم» ٢/ ٤٣، حيث قال: ليس هذا مما يثبته أهل الحديث رواية، ولو أثبتوه لم يكن
فيه رواية عن النبي ﷺ إلا إقطاعه، فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية
عن النبي ﷺ فيه.
وضعفه كذلك أبو عبيد القاسم بن سلام
في كتاب «الأموال» في آخر باب الخمس في المعادن والركاز، فقال: حديث منقطع، ومع
انقطاعه ليس فيه أن النبي ﷺ أمر بذلك، وإنما قال: يُؤخذ منه الزكاة إلى اليوم،
ونقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» ٢/ ٣٨٠.
وضعفه أيضًا ابن عبد البر في
«التمهيد» ٧/ ٣٣ فقال: هذا حديث منقطع الإسناد، لا يحتج بمثله أهلُ الحديث، ولكنه
عملٌ يُعمل به عندهم في المدينة.
وهو في «موطأ مالك» ١/ ٢٤٨ - ٢٤٩،
ومن طريقه أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (٨٦٤)، والبيهقي ٤/ ١٥٢ و٦/ ١٥١، والبغوي
في «شرح السنة» (١٥٨٨).
وقد وصل قصة أخذ الصدقة - وهي الزكاة
- من معادن القبلية: نعيمُ بن حماد عند ابن الجارود في «المنتقى» (٣٧١)، وابن
خزيمة (٢٣٢٣)، والحاكم ١/ ٤٠٤، والبيهقى ٤/ ١٥٢ و٦/ ١٤٨، ويوسف بن سلْمان البصري،
عند ابن عبد البر في «التمهيد» ٣/ ٢٣٧، كلاهما (نعيم ويوسف بن سلْمان) عن عبد
العزيز الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث
المزني، عن أبيه. زاد ابن خزيمة والحاكم والبيهقي في روايتهم أن رسول الله ﷺ أقطع
بلالًا العقيق كله. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وبهذا الإسناد نفسِه رُوي حديثُ فسخ
الحج، وقال ابن القطان في «بيان الوهم» ٣/ ٤٦٨: الحارث بن بلال هذا لا يعرف حاله،
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، سألت أبي عن حديث بلال بن الحارث المزني، فقال: لا
أقول به، وليس إسناده بالمعروف، ولم يروه إلا الدراوردي وحده.
وستأتي قصة إقطاع بلال بن الحارث
معادن القبلية بعده وبرقم (٣٠٦٣) من حديث ابن عباس. وسنده حسن في المتابعات
والشواهد.
وستأتي قصة الإقطاع كذلك من حديث
كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، وبرقم (٣٠٦٣). وكثير بن عبد الله حسَّن
الرأيَ فيه البخاريُّ والترمذيُّ، وضعفه الآخرون، وبالغ بعضهم فاتهمه بالكذب،
وأعدل القول فيه أنه ضعيف يعتبر به، فروايته هذه حسنة في المتابعات والشواهد.
وأخرج قصة إقطاع النبي ﷺ بلالًا
البيهقي ٦/ ١٤٩ من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن رجل من
أهل المدينة - قال: قطع النبي ﷺ العقيق رجلًا واحدًا فلما كان عمر كثر عليه فأعطاه
بعضه وقطع سائره الناس. وهذا إسناد صحيح إن كان الرجل المديني صحابيًا، فإن
طاووسًا جل روايته عن الصحابة. والرجل الذي أقطعه النبي ﷺ هو بلال بن الحارث، صرح
بذلك ابن خزيمة والحاكم والبيهقي كما سلف.
وأخرجها كذلك يحيي بن آدم في
«الخراج» (٢٩٤)، ومن طريقه البيهقي ٦/ ١٤٩ من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - مرسلًا - قال: جاء بلال بن الحارث المزني إلى
رسول الله ﷺ فاستقطعه أرضًا، فقطعها له طويلة عريضة، ...
وأخرجها كذلك أبو عبيد في «الأموال»
(٨٦٧) من طريق أبي مكين نوح بن ربيعة، عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث قال: أقطع
رسول الله ﷺ بلالًا أرض كذا، من مكان كذا إلى كذا، وما كان فيها من جبل أو معدن،
قال: فباع بنو بلال من عمر بن عبد العزيز فخرج فيها معدنان، فقالوا: إنما بعناك
أرض حرث ولم نبعك المعدن، وجاؤوا بكتاب القطيعة التى قطعها رسول الله ﷺ لأبيهم في
جريدة. قال: فجعل عمر يمسحها على عينيه، وقال لقيّمه: انظر ما استخرجت منها وما
أنفقت عليها، فقاضهم بالنفقة، وردّ عليهم الفضل. =
٣٠٦٢ - حدَّثنا العباسُ بن محمدِ بن حاتمٍ
وغيرُه، قال العباس: حدَّثنا الحسينُ بن محمدٍ، أخبرنا أبو أويسٍ، حدَّثنا كثيرُ
بن عبدِ الله بن عَمرو بن عَوف المزنيُّ، عن أبيه
عن جده: أن النبيَّ ﷺ أقطعَ بلال بن
الحارثِ المُزنىَّ مَعادنَ القبَليّةِ: جَلْسِيَّها وغَورِيَّها، - وقال غيرُه:
جَلْسَها وغَوْرَها - وحيث يصلُح الزرعُ من قُدْسٍ، ولم يعطِهِ حقَّ مسلم، وكتبَ
له النبيُّ ﷺ: «بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ، هذا ما أعطى محمدٌ رسولُ الله بلالَ بن
الحارثِ المزنيَّ، أعطاه معادنَ القبَلِيَّةِ جَلْسِيَّها وغَوْرِيَّها - وقال غير
= قال أبو عبيد (٨٦٤): معادن القبلية:
بلاد معروفة بالحجاز وهي في ناحية الفرع.
والفُرُع: من أعمال المدينة: وهي
قرية من نواحي الربذة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانُ برد على طريق مكة.
وانظر تالييه.
قال أبو عمر بن عبد البر
في»الاستذكار«٩/ ٥٥ - ٥٧: وجملة قول مالك في»موطئه" أن المعادن مخالفة
الركاز، لأنة لا يُنال ما فيها إلا بالعمل، بخلاف الركاز، ولا خمس في المعادن،
وإنما فيها الزكاة، وهي عنده بمنزلة الزرع، يجب فيها الزكاة، إذا حصل النصاب، ولا
يُستأنف به الحَول، ولا زكاة عنده فيما يخرج من المعدن إن كان ذهبًا حتى يبلغ
عشرين دينارًا أو مئتي درهم فضة.
وقال أشهب عن مالك: الذهب الثابت في
الأرض يؤخذ بغير عمل هو ركاز وفيه الخمس، وقال الأوزاعي: في ذهب المعدن وفضته
الخمس، ولا شيء فيما يخرج منه غيرهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: في الذهب
والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخارج من المعدن الخمس كالركاز، وما كان في
المعدن من ذهب وفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده منه ما تجب فيه
الزكاة، فزكّاه لتمام الحول.
العباس: جَلْسَها وغَوْرَها - وحَيثُ
يَصْلُحُ الزرعُ من قُدْسٍ، ولم يعطِه حقَّ مُسلمٍ» (١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في المتابعات
والشواهد، أبو أويس - واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي - ضعيف يعتبر
به، وكثير بن عبد الله المزني حسّن الرأي فيه البخاريُّ وتبعه تلميذه الترمذيُّ،
وضعفه الأكثرون، وبالغ بعضهم فاتهمه بالكذب فكان غير مُسدَّد، وأعدل القول فيه أنه
ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد كما حققناه في مقدمة «جامع الترمذي»، وقد
تابعه ثور بن زيد الديلي كما جاء بإثر الحديث، وروي من طرق أخرى كما في الطريق
السابق، وكما سيأتي في التخريج هنا، وبمجموعها يصح الحديث، والله تعالى أعلم.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٢٧٨٥)،
والقاضي المحاملي في «أماليه» (٣٤٤)، والبيهقي ٦/ ١٤٥ من طريق أبي أويس عبد الله
بن عبد الله الأصبحي، بالإسنادين كليهما.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٤١)،
والحاكم ٣/ ٥١٧ من طريقين عن حميد بن صالح، عن عمارة وبلال - وعند الحاكم: الحارث
بدل عمارة - ابني يحيي ابن بلال بن الحارث، عن أبيهما، عن جدهما بلال بن الحارث.
وهذا إسناد رجاله لم نتبينهم، فلم يذكروا في شيء من كتب الرجال التي بين أيدينا،
فالله تعالى أعلم.
وانظر ما بعده، وما قبله.
قال الخطابي: قوله: «جلْسيَّها» يريد
نجديها، ويقال لنجد: جَلْس، وقال الأصمعي: وكل مرتفع جلْس، و«الغور» ما انخفض من
الأرض يريد أنه أقطعه وهادها ورُباها.
قلت [القائل الخطابي]: إنما يقطع
الناس من بلاد العنوة ما لم يحزْهُ ملك مسلم، فإذا أقطع الإمام رجلًا بياض أرض
فإنه يملكها بالعمارة والإحياء، ويثبت ملكه عليها، فلا تنتزع من يده أبدًا. فإذا
أقطعه معدنًا نظر، فإن كان المعدن شيئًا ظاهرًا كالنفط والقار ونحوهما، فإنه
مردود، لأن هذه منافع حاصلة، وللناس فيها مرفق، وهي لمن سبق إليها، ليس لأحد أن
يمتلكها فيستأثر بها على الناس، وإن كان المعدن من معادن الذهب والفضة أو النحاس
وسائر الجواهر المستكنة في الأرض المختلطة بالتربة =
قال أبو أويس: وحدَّثني ثَور بن
زَيدٍ، عن عِكرمةَ، عن ابن عباسٍ مثله.
٣٠٦٣
- حدَّثنا محمدُ بن النضْر، سمعتُ
الحُنَينيَّ قال: قرأتُه غيرَ مرةٍ - يعني كتابَ قطيعةِ النبي ﷺ قال أبو داود:
وحدثنا غيرُ واحد عن حُسين بن مُحمدٍ، أخبرنا أبو أويسٍ، حدثني كثيرُ بن عبد الله،
عن أبيه
عن جده: أن النبيَّ ﷺ أقطعَ بلالَ بن
الحارثِ المزنيَّ معادنَ القَبَلِيَّه جَلْسيَّها وغَوْرَيَّها - قال ابن النضْر:
وجَرْسَها وذاتَ النُّصُبِ، ثم اتفقا - وحيثُ يَصلُحُ الزَّرْع من قُدْسٍ، ولم
يُعطِ بلالَ بن الحارِث حقَّ مسلمٍ، وكتبَ له النبيُّ ﷺ: «هذا ما أعطى رسولُ الله
بلالَ بن الحارث المزنيَّ، أعطاه معادن القَبَلِيةِ جَلْسَها وغَوْرَها، وحيثُ
يَصلُحُ الزرعُ من قُدْسٍ، ولم يعطِه حقَّ مسلمٍ» (١).
= والحجارة التي لا تستخرج إلا بمعاناة
ومؤنة، فإن العطية ماضية إلا أنه لا يملك رقبتها حتى يحظرها على غيره إذا عطلها
وترك العمل فيها، إنما له أن يعمل فيها ما بدا له أن يعمل، فإذا ترك العمل خلي
بينه وبين الناس، وهذا كله على معاني الشافعي.
وفي قوله: «ولم يعطه حق مسلم» دليل
على أنه من ملك أرضًا مرة ثم عطلها أو غاب عنها فإنها لا تملك علبه بالاقطاع أو
إحياء، وهي باقية على ملكه الأول.
(١)
صحيح لغيره كسابقه. والحُنيني - وهو إسحاق بن إبراهيم، وإن كان ضعيفًا - متابع
وروايته هنا عن كثير بن عبد الله، ومن هؤلاء الذين سمع منهم أبو داود هذا الحديث
العباس بن محمد بن حاتم كما في الإسناد السابق، وهو ثقة حافظ.
وأخرجه البزار في «مسنده» (٣٣٩٥) من
طريق إسحاق بن إبراهيم الحُنيني، عن كثير بن عبد الله المزني، به.
وانظر سابقيه.
قال أبو أويس: وحدَّثني ثَور بن
زيدٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، عن النبي ﷺ، مثله، زادَ أبن النضْرِ: وكتبَ أُبيُّ
بن كعْب.
٣٠٦٤
- حدَّثنا قتييةُ بن سعيد الثقَفيُّ
ومحمدُ بن المتوكل العَسقلانيُّ - المعنى واحد - أن محمدَ بن يحيى بن قيسٍ
المأرِبي حدَّثهم، أخبرني أبي، عن ثُمامة بن شَراحِيل، عن سُمَيِّ بن قيسٍ، عن
شُمَير، - قال ابن المتوكل: ابن عبد المَدَان -
عن أبْيَضَ بن حَمَّالٍ: أنه وفَدَ
إلى رسول الله ﷺ فاستقطَعَه المِلحَ - قال ابنُ المتوكِّل: الذي بمأرِبَ - فقطعه
له، فلما أن وَلَّى قال رجلٌ من المجلِس: أتدري ما قطعتَ له؟ إنما قطعتَ له الماء
العِدَّ، قال: فانتُزِع منه، قال: وسألتُه عما يُحمَى من الأَراكِ، قال: «ما لم
تنَلْهُ خِفاف - وقال ابن المتوكل: أخْفافُ - الإبِلِ» (١).
(١) حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة سُمَيّ بن
قيس وشمير - وهو ابن عبد المدان -، وقد توبعا في طريق آخر، فالحديث حسن.
وأخرجه الترمذي (١٤٣٥) و(١٤٣٦)،
والنسائي في «الكبرى» (٥٧٣٦) من طريق محمد بن يحيى بن قيس المأربي، بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم،
في القطائع: يرون جائزًا أن يُقطِعَ الإمامُ لمن رأى ذلك. وصححه ابن حبان (٤٤٩٩)
والضياء المقدسي في «مختارته» (١٢٨٢)، وسكت عنه عبد الحق الإشبيلي في «أحكامه
الوسطى».
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٧٥) من طريق فرج
بن سعيد بن علقمة بن سعيد بن أبيض ابن حمال، عن عمه ثابت بن سعيد، عن أبيه سعيد،
عن أبيض بن حمال. وثابت وأبوه مجهولان، لكن جهالتهما منجبرة بورود الحديث من طريق
آخر، كيف وهما من آل أبيض ابن حمال، وآل الرجل من أعرف الناس به، وهذه القصة قصته،
والله تعالى أعلم.
وانظر تمام تخريجه في «سنن ابن ماجه».
وستأتي قصة حمى الأراك برقم (٣٠٦٦).
=
٣٠٦٥ - حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، قال:
قال محمدُ بن الحَسَنِ المخزوميُّ:
«ما لم تنَلْه أخفافُ الإبلِ»: يعني: أن الإبلَ تأكل مُنتَهى رؤُوسِها، ويُحمَى ما
فوقَه (١).
٣٠٦٦
- حدَّثنا محمدُ بن أحمدَ القرشيُّ،
حدَّثنا عبدُ الله بن الزبيرِ، حدَّثنا فَرَجُ بن سَعيدٍ، حدثني عمي ثابتُ بن
سعيدٍ، عن أبيه، عن جده
عن أبيضَ بن حَمَّالٍ: أنه سألَ
رسولَ اللهِ ﷺ عن حِمَى الأراكِ، فقال رسولُ الله ﷺ: «لا حِمَى في الأراكِ» فقال:
أراكةٌ في حِظَاري، فقال النبي ﷺ: «لا حِمَى في الأراكِ» قال فَرجٌ: يعني بحِظاري:
الأرضَ التي فيها الزرعُ المُحَاط عليها (٢).
= وقال الخطابي: وهذا يبين ما قلناه من
أن المعدن الظاهر الموجود خيره ونفعه لا تقطعه أحدٌ، و«الماء العِدّ»: هو الماء
الدائم الذي لا ينقطع.
قال: وفيه من الفقه: أن الحاكم إذا
تبين الخطأ في حكمه نقضه، وصار إلى ما استبان من الصواب في الحكم الثاني.
وقوله: «ما لم تنله أخفاف الابل» ذكر
أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي أنه قال: معناه: أن الإبل تأكل منتهى رؤوسها
ويحمى ما فوقه. وفيه وجه آخر: وهو أنه إنما يُحمى من الأراك ما بعدُ عن حضرة
العمارة، فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي. وفى هذا دليل على أن الكلأ
والرعي لا يمنع من السارحة وليس لأحد أن يستأثر به دون سائر الناس.
(١)
هارون بن عبد الله: هو ابن مروان البغدادي الحمَّال، ثقة، لكن شيخه محمد ابن الحسن
المخزومي - وهو ابن زَبالة - وإن كان متروك الرواية، لايمنع أن يكون له معرفة بلغة
العرب، وقد كان عالمًا بالأنساب والمغازي.
(٢)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة ثابت بن سعيد - وهو ابن أبيض بن حمّال - وجهالة
أبيه كذلك، وقد روي من طريق آخر سلف عند المصنف برقم (٣٠٦٤) - وهو وإن كان فيه
مجهولان كذلك - يحسن به الحديث إن شاء الله تعالى. عبد الله بن الزبير: هو
الحُميدي القرشي المكي. =
٣٠٦٧ - حدَّثنا عمر بن الخطاب أبو حفصٍ،
حدَّثنا الفريابيُّ، حدَّثنا أبانُ - قال عمرُ: وهو ابن عبد الله بن أبي حازم -
حدثني عثمانُ بن أبي حازمٍ، عن أبيه
عن جده صخر: أن رسولَ الله ﷺ غزا
ثقِيفًا، فلما أن سمع ذلك صخرٌ ركب في خَيْل يُمِدُّ النبيَّ ﷺ، فوجد نبيَّ الله ﷺ
قد انصرفَ ولم يُفتَح، فجعل صخرٌ حينئذٍ عهدَ اللهِ وذمتَه أن لا يفارق هذا
القَصْر، حتى ينزلوا على حُكمِ رسولِ الله ﷺ، فلم يفارقْهم حتى نزلُوا على حكمِ
رسولِ الله ﷺ، فكتب إليه صخر: أما بعد، فإن ثقِيفًا قد نزلتْ على حُكمِك يا رسولَ
الله، وأنا مُقبِلٌ إليهم وهم في خيلٍ، فأمر رسولُ الله ﷺ بالصلاةِ جامعةً، فدعا
لأَحْمَسَ عَشرَ دعواتٍ: «اللهم بارك لأحمسَ في خيلِها ورجالِها» وأتاه القومُ
فتكلَّم المغيرةُ بن شعبةَ، فقال: يا رسول اللهِ، إن صخرًا أخذَ عمتي ودخلَتْ فيما
دخل فيه المسلمون، فدعاه فقال: «يا صخرُ، إن القومِ إذا أسلموا أحرزُوا دماءَهم
وأموالَهم، فادفع إلى المغيرةِ عمتَه» فدفَعها إليه، وسأل رسولَ اللهِ ﷺ مَاءً
لِبَني سُلَيم قد هَرَبُوا، عن الإسلام، وتركوا ذلك الماء، فقال: يا نبي الله
أنزِلْنيهِ أنا وقومي، قال: «نعم»، فانزلَه وأسلَم -يعني السُّلَمِيين-
= وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (٢٤٧٢)، والطبراني في «الكبير» (٨٠٨)، والضياء المقدسي في «المختارة»
(١٢٨٣) من طريق فرج بن سعيد، بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٣٠٦٤).
قال الخطابي: يشبه أن تكون هذه
الأراكة يوم إحياء الأرض، وحظر عليها قائمة فيها فملك الأرض بالإحياء، ولم يملك
الأراكة إذ كانت مرعى للسارحة، فأما الأراك: إذا نبت في ملك رجل، فإنه محميٌّ
لصاحبه غير محظور عليه تملكه والتصرف فيه، ولا فرق بينه وبين سائر الشجر الذي
يتخذه الناس في أراضيهم.
فأتوا صخْرًا، فسألُوه -وقال غيره:
الأسلميون مكان السلميين- أن يدفع إليهم الماء، فأبى، فأتوا النبيَّ ﷺ فقالوا: يا
نبىَّ الله، أسلمنا وأتينا صخْرًا ليدفع إلينا ماءَنا فأبى علينا، فَدعاهُ فقال:
«يا صخرُ، إن القومَ إذا أسلمُوا أحرزُوا أموالَهم ودماءَهم، فادْفع إلى القوم
ماءَهم قال: نعم، يا نبي الله، فرأيتُ وجهَ رسولِ الله ﷺ يتغيَّر عند ذلك حُمرةً
حياءً، من أخذِه الجاريةَ وأخذِه الماءَ (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة عثمان بن أبي حازم
وأبيه، ثم لانفراد أبان بن عبد الله البجلي بروايته، وقد قال فيه ابن حبان
في»المجروحين«: وكان ممن فحش خطؤه، وانفرد بالمناكير، وقال الذهبى في»الضعفاء
والمتروكين«: صدوق، له مناكير. قلنا: وقد ضعف هذا الحديث عبد الحق في»أحكامه
الوسطى«٣/ ٧٤، ووافقه ابن القطان في»بيان الوهم والإيهام«٣/ ٢٦٠، والبيهقي
في»السنن الكبرى«٩/ ١١٤ - ١١٥. ثم إنه قد اختُلف فيه على أبان بن عبد الله البجلي:
فرواه محمد بن يوسف الفريابي عنه، عن
عثمان بن أبي حازم، عن أبيه، عن صخر -وهو ابن العَيلة. أخرجه كذلك محمد بن يوسف
الفريابي في»مسنده«كما في»الإصابة«لابن حجر ٣/ ٤١٦، ومن طريقه الدارمي (١٦٧٤)،
والمصنف هنا، والبيهقي ٩/ ١١٤.
ورواه وكيع بن الجراح، عنه، عن عثمان
بن أبي حازم، عن صخر- بإسقاط أبي حازم والد عثمان من الإسناد. أخرجه كذلك ابن سعد
في»الطبقات«٦/ ٣١.
ورواه وكيع مرة أخرى، عنه، عن
عمومته، عن جدهم صخر - فأبهم ذكر العمومة وأسقط أبا حازم. أخرجه كذلك أحمد
في»المسند«(١٨٧٧٨)، ومن طريقه ابن الأثير في»أسد الغابة«٣/ ١٢.
ورواه كرواية وكيع الأولى أبو نعيم
الفضل بن دكين عند ابن سعد ٦/ ٣١، وابن أبي شيبة ١٢/ ٤٦٦ - ٤٦٧، والدارمي (١٦٧٣)
و(٢٤٨٠)، والبخاري في»التاريخ الكبير«٤/ ٣١٠ - ٣١١، ومسلم بن إبراهيم عند الطبراني
في»الكبير" (٧٢٧٩) وعنه=
٣٠٦٨ - حدَّثنا سليمانُ بن داود المَهريُّ،
أخبرنا ابنُ وهب، حدثني سَبْرَةُ ابن عبد العزيز بن الربيع الجُهنىُّ، عن أبيه
عن جده: أن النبيَّ ﷺ نزل في موضعِ
المسجدِ تحت دَوْمَةٍ، فأقام ثلاثًا، ثم خرج إلى تَبُوكَ، وإن جهينةَ لحِقُوه
بالرَّحْبَةِ، فقال
= أبو نعيم الأصبهاني في «معرفة
الصحابة». ومحمد بن الحسن الأسدي عند الطبراني أيضًا (٧٢٨٠)، وقيس بن الربيع عند
أبي نعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة»، أربعتهم، عن أبان، عن عثمان بن أبي حازم،
عن صخر. وقرن محمد بن الحسن في روايته بعثمان كثير بن أبي حازم. وكثير هذا لم نقع
له على ترجمة فيما بين أيدينا من المصادر.
ورواه أبو أحمد الزبيري، عن أبان، عن
صخر ومعمر وغير واحد، عن أبي حازم، عن أبيه صخر. أخرجه كذلك ابن قانع في «معجم
الصحابة» ٢/ ٢٠ - ٢١. كذا جاء في مطبوع «معجم الصحابة» وكذا قال البغوي فيما حكاه
عنه ابن حجر في «الإصابة» ٣/ ٤١٦، لكن قال المزي في «تحفة الأشراف» (٤٨٥١): ورواه
أبو أحمد الزبيري عن أبان، عن صخر ورواه معمر وغير واحد، عن أبان، عن عثمان بن أبي
حازم، عن صخر بن العيلة - فجعله إسنادًا آخر منفصلًا!
وانظر «معرفة الصحابة» لأبي نعيم
الأصبهاني، و«تحفة الأشراف» للمزي ٤/ ١٦٠، و«الإصابة» لابن حجر ٣/ ٤١٦، و«أُسد
الغابة» لابن الأثير ٣/ ١٢ - ١٣.
قال الخطابي: يشبه أن يكون أمره إياه
برد الماء عليهم إنما هو على معنى استطابة النفس عنه، ولذلك كان يظهر في وجهه أثر
الحياء، والأصل أن الكافر إذا هرب عن مال له، فإنه يكون فيئًا، فإذا صار فيئًا وقد
ملكه رسولُ الله ﷺ ثم جعله لصخر، فإنه لا ينتقل عنه ملكه إليهم بإسلامهم فيما بعد،
ولكنه استطاب نفس صخر عنه ثم ردّه عليهم تألفًا لهم على الإسلام وترغيبًا لهم في
الدين، والله أعلم. وأما ردّه المرأة فقد يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضًا كما
فعل ذلك في سبى هوازن بعد أن استطاب أنفس الغانمين عنها، وقد يحتمل أن يكون ذلك
الأمر فيها بخلاف ذلك، لأن القوم إنما نزلوا على حُكم رسول الله ﷺ، فكان السبي
والدماء والأموال موقوفة على ما يريه الله فيهم، فرأى ﷺ أن ترد المرأة وأن لا
تُسبَى.
لهم: «مَنْ أهْلُ ذِي المَرْوةِ؟»
فقالوا: بنو رفاعة من جُهَينةَ، فقال: «قد أقطعْتُها لبني رِفاعَةَ» فاقتسَموها:
فمنهم من باعَ، ومنهم من أمسَكَ فعمل، ثم سألتُ أباهُ عبدَ العزيز عن هذا الحديث،
فحدَّثني ببعضِه ولم يحدثْني به كلِّه (١).
٣٠٦٩
- حدَّثنا حسينُ بن عليٍّ، حدَّثنا
يحيى -يعني ابنَ آدم- حدَّثنا أبو بكر بن عيّاش، عن هشامِ بن عروة، عن أبيه
عن أسماء بنت أبي بكر: أن رسولَ الله
ﷺ أقطعَ الزبيرَ نَخْلًا (٢).
(١) إسناده حسن من أجل عبد العزيز بن
الرَّبيع -وهو ابن سَبرة بن معبد الجُهني- فهو صدوق حسن الحديث. وجدُّ سبرة هنا:
هو سَبرة بن مَعبَد الصحابي كما يُفهم من صنيع الحافظ المنذري في «تهذيبه» حيث
قال: وعن سبرة بن معبد الجهني.
وأخرجه البيهقي ٦/ ١٤٩ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
قوله: دومة، بضم الدال وفتحها، واحدة
الدّوم، وهي ضخام الشجر، وقيل: هو شجر المُقل.
والرَّحْبَة، أي: الأرض الواسعة.
وذو المروة: قال ياقوت: قرية بوادي
القرى، ووادي القرى وادٍ بين المدينة والشام، وهو بين تيماء وخيبر، فيه قرى كثيرة،
وبها سُمِّي وادي القرى.
(٢)
إسناده صحيح. وقد تابع أبا بكر بن عياش أبو أسامة حماد بن أسامة كما سيأتي.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى»
٣/ ١٠٣، والترمذي في «علله الكبير» ١/ ٥٧٤، والطبراني في «الكبير» ٢٤/ (٢١٥) من
طريق أبي بكر بن عياش، بهذا الإسناد. وسأل الترمذيُ البخاريَّ عن هذا الحديث فقال
البخاري: الصحيح عن هشام ابن عروة، عن أبيه، أن النبي ﷺ. وكذلك قال الدارقطني في
«العلل» ٥/ ورقة ١٩٤ عن المرسل: إنه هو الصواب!! قلنا: كذا قالا مع أن أبا أسامة
حماد بن أسامة قد رواه كذلك موصولًا. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= فقد أخرج أحمد (٢٦٩٣٧)، والبخاري
(٣١٥١).، ومسلم (٢١٨٢)، والنسائي في «الكبرى» (٩١٢٥) من طريق أبي أسامة حماد بن
أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أنقُل النوى من
أرض الزبير التي أقطعه رسولُ الله ﷺ، على رأسي، وهى مني على ثلثي فرسخ.
وأخرج أبو عبيد في «الأموال» (٦٧٨)،
وعنه حميد بن زنجويه في «الأموال» (١٠١١) عن أبي معاوية الضرير، عن هشام بن عروة،
عن أبيه -قال أبو عُبيد: وغير أبي معاوية يُسنده عن أسماء بنت أبي بكر- أن رسول
الله ﷺ أقطع الزبير أرضًا بخيبر فيها شجر ونخل.
وأخرج البيهقي في «السنن الكبرى» ٦/
١٤٥ من طريق سفيان بن عيينة و٦/ ١٤٦ من طريق جعفر بن عون، كلاهما عن هشام، عن أبيه
-مرسلًا- أن رسول الله ﷺ أقطع الزبير أرضًا.
وعلّق البخاري في «صحيحه» بإثر
الحديث (٣١٥١) عن أبي ضمرة أنس بن عياض، عن هشام، عن أبيه مرسلًا -أن النبي- ﷺ
أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير.
وأخرج أبو عبيد (٦٧٧)، وعنه حميد بن
زنجويه (١٠٠٩) عن هشيم بن بشير، قال: حدَّثنا يونس بن عُبيد، وحميد بن زنجويه
(١٠١٠) من طريق عبد الله بن عون، كلاهما عن محمد بن سيرين -واللفظ ليونس- قال:
أقطع رسول الله ﷺ رجلًا من الأنصار -يقال له: سليط، وكان يذكر من فضله- أرضًا.
قال: فكان يخرج إلى أرضه تلك، فيقيم بها الأيام، ثم يرجع. فيقال له: لقد نزل من
بعدك من القرآن كذا وكذا، وقضى رسول الله ﷺ في كذا وكذا، قال فانطلق إلى رسول الله
ﷺ فقال: يا رسول الله إن هذه الأرض التي أقطعتنيها قد شغلتني عنك، فاقبلها مني،
فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك، فقبلها النبي ﷺ منه، فقال الزبير: يا رسول الله،
أقطعنيها، قال: فأقطعها إياه. وهذا إسناد مرسل رجاله ثقات.
وانظر (٣٠٧٢).
قال أبو عبيد: أما إقطاع النبي ﷺ
الزبير أرضًا ذات نخل وشجَر، فإنا نراها الأرض التي كان رسول الله ﷺ أقطعها
الأنصاري فأحياها وعمرها، ثم تركها بطيب نفس منه،=
٣٠٧٠ - حدَّثنا حفصُ بن عُمر وموسى بن
إسماعيلَ -المعنى واحد- قالا: حدَّثنا عبدُ الله بن حسان العَنبريُّ
حدثتْني جدتاي صفيّهُ وُدَحيْبَةُ
ابنتا عُلَيْبَةَ -وكانتا ربيبتَيْ قَيلَةَ بنتِ مَخْرَمةَ، وكانت جدةَ أبيهما-
أنها أخبرتْهما، قالت: قدمنا على رسولِ الله ﷺ، قالت: تقدَّم صاحبي -تعني حُرَيْثَ
بن حسان، وافدَ بكرِ ابن وائلٍ- فبايعَه على الإسلامِ عليه وعلى قومه، ثم قال: يا
رسول الله، اكتُب بيننا وبين بني تميم بالدَّهناء: أن لا يجاوزَها إلينا منهم أحدٌ
إلا مسافرٌ أو مُجاوِرٌ (١)، فقال: «اكتب له يا غلام بالدّهناء» فلما رأيتُه قد
أمر له بها شُخِصَ بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسولَ الله، إنه لم يسألْك
السَّويَّةَ من الأرضِ إذ سألك، إنما هذه الدهناءُ عندك مُقَيَّدُ الجَمَلِ،
ومَرْعَى الغنم، ونساءُ تميم وأبناؤها وراءَ ذلك، فقال:
= فأقطعها رسول الله ﷺ للزبير. وهو
مفسّر في حديث ابن سيرين الذي ذكرناه، فإن لم تكن تلك فلعلها مما اصطفى رسولُ الله
ﷺ من خيبر، فقد كان له من كل غنيمة الصفى وخمس الخمس. وقد ذكرنا ما كان له خاصًا
من الغنائم في أول الكتاب. فإن كانت أرض الزبير من ذلك فهي ملك يمين رسول الله ﷺ،
يعطيها من شاء عامرة وغير عامرة، ولا أعرف لإقطاعه أرضًا فيها نخل وشجر وجهًا غير
هذا. وقال الإمام النووي في «شرح مسلم» ١٤/ ١٦٥: وفي هذا دليل لجواز إقطاع الإمام،
فأما الأرض المملوكة لبيت المال، فلا يملكها أحد إلا بإقطاع الإمام، ثم تارة يقطع
رقبتها، ويُملكلها الإنسان يرى فيه مصلحة فيجوز، ويملكها كما يملك ما يعطيه من
الدراهم والدنانير وغيرها إذا رأى فيه مصلحة، وتارة يقطعه منفعتها، فيستحق
الانتفاع بها مدة الإقطاع، وأما الموات، فيجوز لكل أحد إحياؤه، ولا يفتقر إلى إذن
الإمام، هذا مذهب مالك والشافعى والجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يملك الموات
بالإحياء إلا بإذن الإمام.
(١)
في (أ): إلا مجتازًا أو مسافرًا.
«أمسِك يا غلامُ، صدَقتِ المسكينةُ،
المسلمُ أخو المسلم، يَسعُهُما الماءُ والشجرُ، ويتعاونان على الفَتَّانِ» (١).
سُئل أبو دَاود عن الفتّان؟ فقال:
الشيطان (٢).
(١) إسناده ضعيف لجهالة صفية ودُحيبة ابنتي
عُليبة. ومع ذلك حسَّن الحافظ إسناد هذا الحديث في «الفتح» ٣/ ١٥٥!
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ١/ ٣١٧
- ٣١٩، وأبو عبيد في «الأموال» (٧٣٠)، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (١٠٩٠)،
والترمذي (٣٠٢٣)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٣٤٩٢)، والطبراني في
«الكبير» ٢٥/ (١)، والبيهقى ٦/ ١٥٠، والمزي في ترجمة قيلة بنت مخرمة، من طريق عبد
الله بن حسان، به. ولم يسق الترمذي وابن أبي عاصم لفظه. ورواية ابن سعد والطبراني
والمزي مطولة جدًا.
وقال الترمذي: حديث قيلة لا نعرفه
إلا من حديث عبد الله بن حسان. قال الخطابي: قوله: «مقيّد الجمل» أي: مرعى الجمل
ومسرحه. فهو لا يبرح منه. ولا يتجاوزه في طلب المرعى، فكأنه مقيد هناك. كقول
الشاعر:
خليلى بالموماة عوجا فلا أرى ... بها
منزلًا إلا جَريبَ المقيّد
وفيه من الفقه: أن المرعى لا يجوز
إقطاعه، وأن الكلأ بمنزلة الماء لا يُمنع.
وقوله:: «يسعهما الماء والشجر»
يأمرهما بحسن المجاورة، وينهاهما عن سوء المشاركة.
وقوله: «يتعاونان على الفَتَّان»
يقال: معناه الشيطان الذي يفتن الناس عن دينهم، ويُضِلُّهم. ويروى «الفُتَّان»،
بضم الفاء، وهو جماعة الفاتن، كما قالوا: كاهن وكُهّان.
قلنا: وقوله: الدَّهناء، بفتح أوله،
ويمد ويقصر، قال البكري في «معجم ما استعجم»: قال ابن حبيب: هي رمال في طريق
اليمامة إلى مكة، لا يُعرف طولها، وأما عرضها فثلاث ليال، وهي على أربعة أميال من
هجر. قلنا: وهي الآن صحراء في المملكة العربية السعودية تسمى صحراء النفوذ الصغرى،
تمتد من النفوذ شمالًا حتى الربع الخالى جنوبًا، طولها (٠٠٠، ١٣٠) كم ٢، ورمالها
حمراء لكثرة أكسيد الحديد.
(٢)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن
الأعرابي وأبي عيسى الرملي.
٣٠٧١ - حدَّثنا محمد بن بشّار، حدَّثني عبد
الحميد بن عبد الواحدِ، حدَّثتني أم جَنوبٍ بنتُ نُمَيلةَ، عن أُمها سويدة بنتِ
جابرٍ، عن أُمها عَقيلةَ بنتِ أسمرَ بن مُضَرِّس عن أبيها أسمرَ بنِ مُضرِّسٍ،
قال: أتيتُ النبيَّ ﷺ فبايعتُه، فقال: «مَنْ سبق إلى ما لم يَسْبقْه إليه مسلمٌ
فهو له» قال: فخرج الناسُ يَتَعادَوْنَ يَتخاطُّونَ (١).
٣٠٧٢
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
حمادُ بن خالدٍ، عن عَبدِ الله بن عمر، عن نافعٍ
(١) إسناده ضعيف. عبد الحميد بن عبد الواحد
مجهول، وكذا من فوقه إلى أسمر بن مضرِّس، وأسمر بن مضرّس لم يرو عنه غير ابنته
عقيلة، ولا يُعرف إلا بهذا الإسناد كما قال المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال».
وقال المنذري في «مختصر السنن»: غريب، ونقل عن أبي القاسم البغوي قوله: ولا أعلم
بهذا الإسناد حديثًا غير هذا. قلنا: ومع ذلك قال البخاري في «تاريخه الكبير» ٢/
٦١، وابن السكن في «سننه الصحاح»: له صحبة، وقال ابن الأثير في «أسد الغابة»١/ ٩٨:
عقيلة، بفتح العين المهملة. وكسر القاف، ونميلة، بضم النون.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٧/ ٧٣،
والبخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ٦١، والطبراني في «المعجم الكبير» (٨١٤)، وأبو
نعيم في «معرفة الصحابة» (١٠٥١)، والبيهقي ٦/ ١٤٢، وابن الأثير في «أسد الغابة» ١/
٩٧ - ٩٨، والضياء المقدسي في «المختارة» (١٤٣٤)، والمزي في ترجمة أسمر بن مضرِّس
الطائى من «تهذيب الكمال»، وعنه الذهبى في «الميزان» في ترجمة سويدة بنت جابر، من
طريق محمد بن بشار، بهذا الإسناد.
قوله: يتعادَون، أي؛ يُسرعرن،
والمعاداة الإسراع بالسير.
ويتخاطُّون، أي: كل منهم يسبق صاحبه
في الخط وإعلام ما له بعلامة.
عن ابن عمر: أن النبيَّ ﷺ أقطعَ
الزبيرَ حُضْرَ فرسِه، فأجرى فرسَه حتى قام، ثم رمَى بسَوطِه، فقال: «أعطُوه من
حيث بلغَ السَّوطُ» (١).
٣٧
- باب في
إحياء الموات
٣٠٧٣
- حدَّثنا أبو موسى محمدُ بن
المُثنَّى، حدَّثنا عبدُ الوهابِ، حدَّثنا أيوبُ، عن هشامِ بن عُروةَ، عن أبيه
عن سعيدِ بن زيد، عن النبيِّ ﷺ قال:
«من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لِعِرقٍ ظالمٍ حقٌ» (٢).
(١) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عمر -وهو
العمري-.
وهو في «مسند أحمد» (٦٤٥٨)،
والطبراني في «الكبير» (١٣٣٥٢)، وفي «الأوسط» (٤٢٧٣) من طريق حماد بن خالد، بهذا
الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٣٠٦٩) لزامًا.
وقوله: «حُضْر فرسه» قال علي القاري
في «شرح المشكاة» ٣/ ٣٦٩: بضم المهملة وسكون المعجمة، أي: عَدْوها، ونصبه على حذف
مضاف، أي: قدر ما تعدو عَدوةً واحدة، «حتى قام» أي: وقف فرسه ولم يقدر أن يمشي،
«ثم رمى» أي: الزبير، «بسوطه» الباء زائدة، أي: حَذفَه.
قوله: أقطع: يقال: أقطعه: إذا أعطاه
قطيعة، وهى قطعة أرض، سُميت قطيعة، لأنها اقتطعت من جملة الأرض.
(٢)
إسناده صحيح، وقد تابع عبدَ الوهاب -وهو ابن عبد المجيد الثقفي- على وصله سفيانُ
الثوري، لكن الثوريُّ قال في روايته: حدثني مَن لا أتهم: أن النبي ﷺ قال. وهذا
إبهام لذكر الصحابي، وسواء كان هو سعيد بن زيد أو غيره فلا يضر، إذ الصحابة كلهم
عدول، وعلى أي حالٍ فروايتهما موصولة. وتابعه أيضًا أبو يوسف القاضي في «الخراج» ص
٦٤، لكنه قال: عن عائشة، وهذا اختلاف في الصحابي، وهو لا يضر بصحة الحديث كذلك.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٣٢٤٦١): والحديث صحيح عن النبي ﷺ، وقد تلقاه
العلماء بالقبول.
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= ووصله أيضًا يحيى بن عروة بن الزبير،
عن أبيه، كما سيأتي بعده، حيث قال: خبَّرني الذي حدثني هذا الحديث، وهذا -وإن كان
في إسناده عنعنة محمد بن إسحاق؛ فإنها تحتمل هنا- موصول كذلك، وإبهام الصحابي فيه
لا يضر أيضًا، وسواء كان هو أبو سعيد الخدري كما قال في الرواية الآتية برقم
(٣٠٧٥) أو لم يكن، فالصحابة كلهم عدول. ولا يمنع أن يكون عروة سمعه من عدد من
الصحابة منهم سعيد بن زيد وعائشة وأبو سعيد الخدري وغيرهم، يؤيد ذلك روايته الآتية
عند المصنف برقم (٣٠٧٦) حيث قال فيها: جاءنا بهذا الذين جاؤوا بالصلواتِ عنه ﷺ.
ولهذا صحح إسناد هذا الحديث ابن
الملقن في «البدر المنير» ٦/ ٧٦٦. وحسنه الترمذي (١٤٣٣).
أما الدارقطني فقد قال في «العلل» ٤/
٤١٤.المرسل عن عروة أصح.
وأخرجه الترمذي (١٤٣٣)، والبزار في
«مسنده» (١٢٥٦)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧٢٩)، وأبو يعلى (٩٥٧)، والبيهقي ٦/ ٩٩
و١٤٢، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٢/ ٢٨١، وابن الجوزي في «التحقيق» (١٥٥٨)،
والضياء في «المختارة» (١٠٩٦) - (١٠٩٨) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي،
بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة،
عن أبيه، عن النبي ﷺ مرسلًا. وأخرجه أبو يوسف في «الخراج» ص ٦٤ عن هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة.
وأخرجه الدارقطني في «العلل» ٤/ ٤١٥
من طريق سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدثني من لا أتهم أن النبي
ﷺ قال: ...
وأخرجه مالك في «الموطأ» ٢/ ٧٤٣، ومن
طريقه الشافعي في «مسنده» ٢/ ١٣٣ و١٣٤، والبيهقى ٦/ ١٤٢، والبغوي في «شرح السنة»
(٢١٨٩)، وأخرجه أبو عبِيد القاسم بن سلام في «الأموال» (٧٠٤)، ومن طريقه البغوي في
«شرح السنة» (٢١٦٧) عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وأبو عبيد (٧٠٤) عن أبي معاوية
الضرير، وابن أبي شيبة ٧/ ٧٤ عن وكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم في «الخراج» (٢٦٦)
عن قيس بن الربيع، و(٢٦٨) عن يزيد بن عبد العزيز، وحميد بن زنجويه في «الأموال»
(١٠٥٣) =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= من طريق سفيان الثوري، والنسائي في
«الكبرى» (٥٧٣٠) من طريق يحيي بن سعيد الأنصاري والليث بن سعد، ويحيى بن آدم
(٢٦٧)، ومن طريقه البيهقي ٦/ ١٤٢ من طريق سفيان بن عيينة، ومن طريق عبد الله بن
إدريس، كلهم (مالك والجمحي وأبو معاوية ووكيع والثوري ويحيى الأنصاري والليث وقيس
ويزيد بن عبد العزيز وابن عيينة وابن إدريس) عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلًا.
وقد روى هذا الحديث زمعة بن صالح، عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة.
أخرجه من طريقه أبو داود الطيالسي
(١٤٤٠)، والدارقطني (٤٥٠٦)، والبيهقي ٦/ ١٤٢. وزمعة -وإن كان ضعيفًا- متابع عند
أبي يوسف في «الخراج» ص ٦٤.
وقد روي عن عائشة ذكر إحياء الموات
وحده من طريق محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل، عن عروة، عنها عند البخاري (٢٣٣٥)
بلفظ: «من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق»، وهو في «سنن النسائي الكبرى» (٥٧٥٩).
وفي باب قوله ﷺ: «من أحيا أرضًا ميتة
فهي له» عن جابر بن عبد الله عند أحمد (١٤٢٧١) و(١٤٨٣٩)، والترمذي (١٤٣٤)،
والنسائي في «الكبرى» (٥٧٥٦) - (٥٧٥٨)، وابن حبان (٥٢٠٢) وإسناده صحيح. وقال
الترمذي: حسن صحيح.
وعن عائشة كما سبق قريبًا.
وعن سمرة بن جندب سيأتي عند المصنف
(٣٠٧٧) ورجاله ثقات.
وعن عروة، عن الذين جاؤوا بالصلوات
عنه ﷺ،سيأتي عند المصنف برقم (٣٠٧٦) وإسناده صحيح.
وفي باب قوله ﷺ: «وليس لعرق ظالم حق»
عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده عند يحيى بن آدم في «الخراج» (٢٧٩)،
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٦٨، والبزار في «مسنده» (٣٣٩٣) والطبراني ١٧/
(٤) و(٥)، والبيهقي ٦/ ١٤٢ و١٤٧، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٢/ ٢٨٤ وإسناده حسن
في الشواهد، لأن كثيرًا وإن كان ضعيفًا يعتبر به.
وعن عروة عن رجل من أصحاب النبي ﷺ
سيأتي عند المصنف بعده وبرقم (٣٠٧٥). =
٣٠٧٤ - حدَّثنا هنَّاد بن السَّريِّ،
حدَّثنا عَبدة، عن محمدٍ -يعني ابنَ إسحاقَ- عن يحيي بن عُروة
عن أبيه، أن رسولَ الله ﷺ قال: «من
أحيا أرضًا فهي له» وذكرَ مثلَه.
قال: فلقد خبَّرني الذي حدَّثني هذا
الحديثَ أن رجلَين اختصما إلى رسولِ الله ﷺ غَرَسَ أحدهما نخْلًا في أرضِ الآخَر،
فقضى لصاحبِ الأرضِ بأرضِه، وأمرَ صاحبَ النخلِ أن يُخرِجَ نخلَه منها، وقال: فلقد
رأيتُها وإنها لَتُضْرَبُ أصولُها بالفُؤُوس، وإنها لنخلٌ عُمٌّ، حتى أُخرجَتْ
منها (١).
= وعن عائشة كما سبق قريبًا.
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم
(٣٠٧٥) و(٣٠٧٦).
قال يحيى بن آدم (٢٨٤): وإحياء الأرض
أن يستخرج فيها عينًا أو قليبًا، أو يسوق إليها الماء، وهي أرض لم تكن في يد أحد
قبله يزرعها أو يستخرجها حتى تصلح للزرع، فهذه لصاحبها أبدًا، لا تخرج عن ملكه وإن
عطلها بعد ذلك؛ لأن رسول الله ﷺ قال: «من أحيا أرضًا فهي له» فهذا إذن من رسول
الله ﷺ فيها للناس، فإن مات فهي لورثته، وله أن يبيعها إن شاء.
قلنا: وتفسير العرق الظالم سيأتي عند
الحديث التالي.
وربما ظُنَّ معارضة هذا الحديث لحديث
رافع بن خديج رفعه: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله
نفقته» وسيأتى عند المصنف برقم (٣٤٠٣)، ولات ثمة تعارضٌ كما بيناه هناك.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وعنعنته هنا محتملة لأنه متابع
كما سلف في الطريق السابق. وقد حسن إسناده الحافظ في «بلوغ المرام» (٨٩٧).
وأخرجه أبو يوسف في «الخراج» ص ٦٤ -
٦٥، ويحيى بن آدم في «الخراج» (٢٧٤) و(٢٧٥)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في
«الأموال» (٧٠٧)، وحميد بن زنجويه في=
٣٠٧٥ - حدَّثنا أحمدُ بن سعيدٍ الدارِميُّ،
حدَّثنا وهْبٌ، عن أبيه، عن ابن إسحاقَ، بإسناده ومعناه
إلا أنه قال عند قوله مكانَ: الذي
حدَّثني هذا، فقال: رجلٌ من أصحاب النبيَّ ﷺ، وأكثرُ ظني أنه أبو سعيدٍ الخُدريُّ:
فأنا رأيتُ الرجلَ يضرِبُ في أصولِ النخل (١).
٣٠٧٦
- حدَّثنا أحمدُ بن عَبدَةَ الآمُلىُّ،
حدَّثنا عبدُ الله بن عثمانَ، حدَّثنا عبدُ الله بن المُبارَكِ، أخبرنا نافعُ بن
عمر، عن ابن أبي مُلَيكةَ
= «الأموال» (١٠٥٤)، والطحاوي في «شرح
معاني الآثار» ٤/ ١١٨، والدارقطني (٢٩٣٨)، والبيهقي ٦/ ٩٩ و١٤٢، وابن عبد البر في
«التمهيد» ٢٢/ ٢٨٢، وفي «الاستذكار» (٣٢٤٥٨)، وابن الجوزي في «التحقيق (١٥٦٠)، من
طرق عن محمد ابن إسحاق، به. وقرن الدارقطني وابن الجوزي بيحيى بن عروة هشام بن
عروة، وقال الطحاوي في إحدى روايتيه: عن رجل من أصحاب النبي ﷺ.
وانظر ما قبله وما بعده.
قال أبو عبيد: هذا الحديث مفسِّر
للعرق الظالم، وإنما صار ظالمًا لأنه غرس في الأرض وهو يعلم أنها ملك غيره، فصار
بهذا الفعل ظالمًا غاصبًا، فكان حكمه أن يقلع ما غرس.
قنا: وسيأتي تفسير العرق الظالم
أيضًا عن هشام بن عروة ومالك عند المصنف برقم (٣٠٧٨).
وقال الخطابي: قوله: نخلٌ عُمٌّ، أي:
طوال، واحدها عميم، ورجل عميم: إذا كان تامَّ الخلق.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن كسابقه.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٩٩، وابن عبد البر
في»التمهيد" ٢٢/ ٢٨٣ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٣٠٧٣)
و(٣٠٧٤).
عن عروة، قال: أشهدُ أن رسولَ الله ﷺ
قضى أن الأرضَ أرضُ اللهِ والعبادَ عبادُ الله، ومن أحيا مَوَاتًا فهو أحق به،
جاءنا بهذا عن النبي ﷺ الذين جاؤوا بالصلوات عنه (١).
٣٠٧٧
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
محمد بن بِشْرٍ، حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سمرة، عن النبيِّ ﷺ قال: «مَنْ
أحاط حَائِطًا على أرضٍ فهي له» (٢).
(١) إسناده صحيح. وقد سمعه عروة من جمع من
الصحابة كما ترى، لأن الذين جاؤوا بالصلوات عنه ﷺ إنما هم الصجابة. ابن أبي مليكة:
هو عبد الله بن عُبيد الله ابن عَبد الله بن أبي مليكة.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٦/
١٤٢، وابن عبد البر في «التمهيد» ٢٢/ ٢٨٣ من طريق أبي داود السجستانى، بهذا
الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٨٢٢٨)
من طريق موسى بن داود الضبي، عن نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مُليكة، عن عروة
بن الزبير، عن عبد الملك بن مروان، عن مروان بن الحكم عن النبي ﷺ. قال الحافظ في
«الدراية» ٢/ ٢٤٤:
رجال إسناده ثقات.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٢٦٧)
من طريق عصام بن روّاد بن الجراح، عن أبيه، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن
عروة بن الزبير، عن عائشة أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من أحيا أرضًا مواتًا فهي
له، وليس لعرق ظالم حقٌ».
وإسناده حسن في الشواهد. وقد صح بهذا
اللفظ عن عروة عن عائشة من طريق آخر سلف ذكره برقم (٣٠٧٣).
وانظر سابقيه.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد اختلف في سماع الحسن -وهو البصري- من سمرة
لغير حديث العقيقة، وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في «السنن» =
٣٠٧٨ - حدَّثنا أحمد بن عَمرو بن السَّرْحِ،
أخبرنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني مالكٌ، قال هشام: العِرقُ الظالم: أن يغرِسَ الرجلُ في
أرض غيره فيستحقَّها بذلك، قال مالك: والعرقُ الظالم: كل ما أُخِذَ واحتُفِرَ
وغُرِسَ بغير حقٍّ (١).
٣٠٧٩
- حدَّثنا سَهل بن بكَّارِ، حدَّثنا
وُهَيبُ بن خالد، عن عَمرو بن يحيي، عن العباسِ السَّاعِدي -يعني ابنَ سهل بن
سعْدٍ-
عن أبي حُمَيد الساعديِّ، قال: غزوتُ
مع رسولِ الله ﷺ تبُوكَ، فلما أتى واديَ القُرَى إذا امرأةٌ في حديقةٍ لها، فقال
رسولُ الله ﷺ لأصحابه: «اخرُصُوا» فَخرَصَ رسولُ الله ﷺ عشرةَ أوسُقٍ، فقال
للمرأة: «أحْصِي ما يَخرجُ منها» قال: فأتينا تَبوكَ، فأهدى ملكُ أيلَةَ إلى رسولِ
الله ﷺ بغلةً بيضاءَ، وكساه بُرْدةً، وكتب له، يعني بِبَحرِه، قال: فلمَّا أتينا
واديَ القُرىَ قال للمرأة: «كم كان في حديقتِك؟»
= الأربعة وعند علي ابن المدينى أن
كلها سماع، وكذلك حكى الترمذي عن البخاري نحو هذا. وقال يحيى بن سعيد القطان
وجماعة كثيرون: هي كتاب، قال العلائي ووافقه أبو زرعة ابن العراقي: وذلك لا يقتضي
الانقطاع! سعيد: هو ابن أبي عروبة.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٣١)
من طريق سفيان بن حبيب، عن سعيد ابن أبي عروبة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٣٠).
وفي الباب عن عدد من الصحابة سلف
ذكرهم في الأحاديث (٣٠٧٣) - (٣٠٧٦).
(١)
رجاله ثقات. هشام: هو ابن عروة بن الزبير بن العوام، وابن وهب: هو عَبد الله.
قال ابن عبد البر في «التمهيد» بعد
أن ذكر هذا التفسير بإسناده إلى أبي داود ٢٢/ ٢٨٤: فسرهُ هشام بن عروة ومالك بن
أنس بما لا أعلم فيه لغيرهما خلافًا.
قالت: عشرةُ أوسُقٍ خَرْصَ رسولِ
الله ﷺ. فقال رسولُ الله ﷺ: إنّي مُتَعَجِّلٌ إلى المدينةِ، فمن أراد منكم أن
يتعجَّل معي فليتعجَّل» (١).
(١) إسناده صحيح. عمرو بن يحيي: هو ابن عمارة
المازني.
وأخرجه البخاري (١٤٨١)، ومسلم
(١٣٩٢)، وبإثر (٢٢٨١) من طريق عمرو ابن يحيى، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٦٠٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٥٠٣) و(٦٥٠١).
قال الحافظ في «الفتح» ٣/ ٣٤٤:
الخرص، بفتح المعجمة وحُكي كسرها، وبسكون الراء بعدها مهملة: هو حَزْر ما على
النخل من الرطب تمرًا، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا
أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصًا ينظر فيقول: يخرج من
هذا كذا وكذا زبيبًا، وكذا وكذا تمرًا، فيحصيه، وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم،
ويُخلّي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر. انتهى. وفائدة
الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها، والبيع من زهوها، وإيثار الأهل
والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقًا لا يخفى.
وقال الخطابي: أنكر أصحاب الرأي
الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفًا للمزارعين لئلا يخونوا، لا ليلزم به
الحكم، لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قيل تحريم الربا والقمار، وتعقبه الخطابي
بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي ﷺ حتى مات، ثم أبو
بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي.
قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرور، فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر
وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير. وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان
خاصًا بالنبي ﷺ، لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم
من كون غيره لا يُسدد لما كان يُسدد له سواء أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء
لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسَقَطَ الاتباع،
وترد هذه الحجة أيضًا بإرسال النبي ﷺ الخراص في زمانه، والله أعلم. واعتل الطحاوي
بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة =
٣٠٨٠ - حدَّثنا عبدُ الواحدِ بن غِياثٍ،
حدَّثنا عبدُ الواحد بن زياد، حدَّثنا الأعمشُ، عن جامعِ بن شدادِ، عن كلثومٍ
عن زينب: أنها كانت تَفْلِي رأسَ
رسولِ الله ﷺ، وعندَه امرأةُ عثمان ابن عفّان ونساءٌ من المهاجرات، وهنَّ يشتكِين
منازلَهن أنَّها تضيق عليهن ويُخرَجْن منها، فأمر رسولُ الله ﷺ أن تورَّثَ دورَ
المهاجرين النساء، فمات عبدُ الله بن مسعود فورِثتْه امرأتُه دارًا بالمدينة (١).
= فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها
مأخوذًا بدلًا مما لم يُسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يُضمّنون أرباب الأموال
ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته
جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان.
وقال الحافظ أيضًا: «أحصي» أي: احفظي
عدد كيلها.
قلنا: وأيلة، قال ياقوت: بالفتح،
مدينة على ساحر بحر القُلزُم مما يلي الشام وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام. قلنا:
هي الآن مدينة العَقَبة في المملكة الأردنية الهاشمية على ساحل البحر الأحمر الذي
كان يُسمى قديمًا بحر القُلزُم، وهي الميناء الوحيد للمملكة على البحر الأحمر،
وإلى هذه المدينة ينسب بعض الرواة مثل يونس ابن يزيد وعُقيل بن خالد الأيليان
صاحبا الزهري.
وقوله: «كتب له ببحره»، قال الحافظ
في «الفتح» ٣/ ٣٤٥: أي: ببلده، أو المراد بأهل بحره، لأنهم كانوا سكانًا بساحل
البحر، أي: أنه أقرّه عليه بما التزموه من الجزية. قلنا: فضمير كتب يعود إلى النبي
ﷺ.
والوسق: ستون صاعًا، والصاع يساوي
بالمكاييل المعاصرة (٢.٧٥) لترًا، أو (٢١٧٥) غرامًا، فيكون الستون صاعًا -يعني
الوسق- يساوي (١٦٥) لترًا، أو (١٣٠.٥) كيلو غرامًا.
(١)
إسناده حسن. زينب، قال أبو القاسم بن عساكر كما في «تحفة الأشراف» ١١/ ٣٢٩: أظنها
امرأة ابن مسعود. وكذلك قال المنذري في «مختصر السنن»: ويظن أنها امرأة عبد الله
بن مسعود، قلنا: وقد روى هذا الحديث الإمامُ أحمد في «المسند» فجعله من مسندها،
لكن المزي في «التحفة»رد على أبي القاسم بن عساكر بقوله:=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأما قوله: «وأظنها امرأة عبد الله
بن مسعود، فهو بعيد جدًا، لأنه ليس بينها وبين النبي ﷺ محرمية، فكيف تفلي رأسَه؟
والأشبه أنها زينب بنت جحش زوج النبي ﷺ. قلنا: هذا ليس بحجة، فقد كانت أم حرام بنت
ملحان يدخل عليها رسول الله ﷺ وهي تحت عبادة بن الصامت، وكانت تفلي رأس رسول الله
ﷺ، وكان ينام عندها، ولم يثبت أن بينهما محرمية، وقصتها عند البخاري (٢٧٨٨).
وأما كلثوم فهو كلثوم بن المصطلق،
وهو كلثوم بن علقمة بن ناجية بن المصطلق، وهو ابن عامر بن الحارث بن أبي ضرار بن
المصطلق نفسه، كما حققه الحافظ ابن حجر في»تهذيب التهذيب«وكذلك يظهر من صنيع المزي
حيث ذكر في الرواة عن كلثوم بن المصطلق: مهاجر أبو الحسن، الذي ذكر مَن ترجم
لكلثوم بن عامر أنه من الرواة عنه، فكأنه عدهما واحدًا، والصحيح أنه تابعي روى عنه
جمع وذكره ابن حبان في»الثقات«، فيكون حسن الحديث. وبقية رجال الإسناد ثقات.
وأخرجه أحمد (٢٧٠٥٠)، والبيهقي ٦/
١٥٦ من طريق عبد الواحد بن زياد، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢٧٠٤٩) عن أسود بن
عامر، عن شريك، عن الأعمش، عن جامع بن شداد عن كلثوم، عن زينب: أن النبي ﷺ ورّث
النساء خِطَطَهنَّ. وشريك -وهو النخعي- ضعيف يعتبر به في المتابعات.
وأخرجه الطبراني في»الكبير" ٢٣/
(٧٣٣) من طريق عاصم بن علي، عن قيس ابن الربيع، عن جامع بن شداد، عن كلثوم
الخزاعي، عن أم سلمة أنها كانت تفلي رأس رسول الله ﷺ فجاءت زينب امرأة عبد الله بن
مسعود ... الحديث. فجعل الحديث من مسند أم سلمة، وأنها هي التي كانت تفلي رأس رسول
الله ﷺ! وعاصم فيه ضعف، وقيس بن الربيع ضعيف يعتبر به إذا توبع، ولم يتابعه أحد
على ذلك، بل خالفه الأعمش، وهو ثقة.
قال الخطابي: قد روي عن النبي ﷺ أنه
أقطع المهاجرين الدور بالمدينة، فتأولوها على وجهين: أحدهما: أنه إنماكان أقطعهم
العَرَصَة ليبتنوا فيها الدور، فعلى هذا الوجه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في
العَرَصَة. =
٣٨ - باب الدخول في أرضِ الخَراج
٣٠٨١
- حدَّثنا هارونُ بن محمد بن بكَّار بن
بلالٍ، حدَّثنا محمد بن عيسى -يعني ابن سُمَيع- حدَّثنا زيدُ بن واقدٍ، حدثني أبو
عبدِ الله
عن معاذ بن جبل أنه قال: مَن عَقدَ
الجزيةَ في عنقه، فقد برئ مما عليه رسولُ الله ﷺ (١).
= والوجه الآخر: أنهم إنما أُقطِعوا
الدور عارية، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي، وعلى هذا الوجه لا يصح الملك فيها،
وذلك أن الميراث لا يجري إلا فيما كان المورث مالكًا له، وقد وضعَه أبو داود في
باب إحياء الموات، فقد يحتمل أن يكون إنما أحيا تلك البقاع بالبناء فيها إذ كانت
غير مملوكة لأحد قبل، والله أعلم.
وقد يكون نوع من الإقطاع إرفاقًا من
غير تمليك، وذلك كالمقاعد في الأسواق والمنازل في الأسفار إنما يرتفق بها ولا
تمتلك.
فأما توريثه الدورَ نساءَ المهاجرين
خصوصًا، فيشبه أن يكون ذلك على معنى القسمة بين الورثة، وإنما خصصهن بالدور لأنهن
بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن بها، فجاز لهن الدور لما رأى من المصلحة ذلك.
وفيه وجه آخر: وهو أن تكون تلك الدور
في أيديهن مدى حياتهن على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك، كما كانت دور النبي ﷺ
وحُجَرُه في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث فإنه ﷺ قال: «نحن لا نورث، ما
تركناه صدقه» ويحكى عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان نساء النبي ﷺ في معنى المعتدات
لأنهن لا ينكحن، وللمعتدة السكنى، فجعل لهن سكنى البيوت ما عِشن ولا يملكن رقابها.
(١)
إسناده حسن إن شاء الله، أبو عبد الله اختُلف في تعيينه، فذهب الطبراني في «المعجم
الكبير»٢٠/ (١٩٦)، وفي «مسند الشاميين» (١٢٢٢) إلى أنه أبو عبد الله الأشعري، وإلى
ذلك ذهب المزي في «تحفة الأشراف»، و«تهديب الكمال»، ولكن أبا القاسم ابن عساكر ذهب
إلى أنه رجل آخر غير الأشعري، وأن اسمه مسلم الخزاعي مولاهم صاحب حرس معاوية، وهو
أول من ولي الحرس، ومال إلى قوله ابن حجر في «تهذيب التهذيب»، قلنا: ولا يبعد أن
يكون هو مسلم بن مِشكَم الخزاعي الدمشقي =
٣٠٨٢ - حدَّثنا حَيوةُ بن شُريح الحَضرميُّ،
حدَّثنا بقيةُ، حدَّثني عُمارة بن أبي الشَعْثاء، حدَّثني سِنانُ بن قَيسٍ،
حدَّثني شَبيب بن نُعَيم، حدثني يزيدُ بن خُمَير
حدَّثني أبو الدَّرْداء، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «مَنْ أخذَ أرْضًا بِجِزْيَتِها فَقَدِ استَقالَ هَجْرتَه، ومَنْ
نزع صَغَارَ كافِرٍ من عُنُقِهِ فجَعَلهُ في عنقِهِ فقد ولَّى الإسلام َظهره»،
قال: فسمع مني خالدُ بن قعدَان هذا الحديثَ، فقال لي: أشبيبٌ حدَّثك؟ قلت: نعم،
قال: فإذا قدمتَ فسَلْه فليكتبْ إليَّ بالحديث، قال: فكتبَه له، فلما قدمتُ سألني
خالد بن مَعدَان القِرطاسَ، فأعطيته، فلما قرأه ترك ما في يَديه من الأرَضين حين
سمع ذلك (١).
= كاتب أبي الدرداء، فقد روى الحديث
الطبراني في «المعجم الأوسط» (٨٢٤٧) فقال: مسلم بن مِشكَم، وقد ذكر المزي وتبعه
ابن حجر أن في الرواة عنه زيد بن واقد، وذكر ابن حجر أن في شيوخه معاذ بن جبل.
قلنا: وسواء كان هذا أو هذا أو ذاك، فالثلاثة ثقات، فهذا اختلاف لا يضر إن شاء
الله.
لكن المزي في «تهذيب الكمال» ذكر في
ترجمة أبي عبد الله الأشعري أن رواية زيد بن واقد عنه مرسلة جزمًا، أما في ترجمة
زيد بن واقد في «التهذيب» فقد ذكر ذلك بصيغة التمريض، فقال: يقال: مرسل. قلنا:
سماعُه منه محتمل، فقد روى عن مثل طبقة أبي عبد الله هذا، وقد صرح هنا بالسماع.
وأخرجه الييهقى ٩/ ١٣٩، وابن عساكر
في «تاريخ دمشق» ٥٨/ ١٥٠ - ١٥١ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٢٠/
(١٩٦)، وفي «مسند الشاميين» (١٢٢٢) من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، عن صدقة
بن خالد، عن زيد بن واقد، به.
ولفقه الحديث انظر ما بعده.
(١)
إسناده ضعيف لضعف بقية -وهو ابن الوليد- وجهالة شيخه عمارة.
وأخرجه البيهقي ٩/ ١٣٩ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد. =
قال أبو داودَ: هذا يزيدُ بن خُمَير
اليَزَنيُّ، ليس هو صاحبَ شُعبةَ.
٣٩
- باب في
الأرض يحميها الإمامُ أو الرجلُ
٣٠٨٣
- حدَّثنا ابن السَّرْحِ، أخبرنا ابنُ
وهبٍ، أخبرني يونُس، عن ابن شهابٍ، عن عُبيد الله بن عَبد الله، عن ابن عباس
عن الصَّعْبِ بن جَثّامة، أن رسول
الله ﷺ قال: «لا حِمَى إلا للهِ ولِرسُولهِ» (١).
= قال الخطابي: معنى الجزية ها هنا
الخراج، ودلالة الحديث أن المسلم إذا اشترى أرضًا خراجية من كافر، فإن الخراج لا
يسقط عنه، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي، إلا أنهم لم يروا فيما أخرجت من حب عشرًا،
وقالوا: لا يجتمع الخراج مع العشر.
وقال عامة أهل العلم: العشر عليه
واجب فيما أخرجته الأرض من حب إذا بلغ خمسة أوساق.
والخراج عند الشافعي على وجهين:
أحدهما جزية والآخر بمعنى الكراء والأجرة، فإذا فتحت الأرض صلحًا على أن أرضها
لأهلها، فما وضع عليها من خراج فمجراها مجرى الجزية التى تؤخذ من رؤوسهم، فمن أسلم
منهم سقط ما عليه من الخراج كما يسقط ما على رقبته من الجزية ولزومه العشر فيما
أخرجت أرضه وإن كان الفتح إنما وقع على أن الأرض للمسلمين، ويؤدي في كل سنة عنها
شيئًا، فالأرض للمسلمين وما يؤخذ منهم عنها، فهو أجرة الأرض، فسواء من أسلم منهم،
أو أقام على كفره، فعليه أداء ما اشترط عليه، ومن باع منهم شيئًا من تلك الأرضين،
فبيعه باطل، لأنه باع ما لا يملك. وهذا سبيل أرض السواد عنده.
(١)
إسناده صحيح. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عبد الله،
وابن السَّرْح: هو أحمد بن عمرو بن
عبد الله أبو الطاهر المصري.
وأخرجه البخاري (٢٣٧٠)، والنسائي في
«الكبرى» (٥٧٤٣) و(٨٥٧٠) من طريق الزهري، بهذا الإسناد. =
قال ابنُ شهابِ: وبلغني أن رسولَ
الله ﷺ حَمَى النَّقِيعَ.
٣٠٨٤
- حدَّثنا سعيدُ بن مَنصور، حدَّثنا
عبدُ العزيز بن محمد، عن عبدِ الرحمن بن الحارثِ، عن ابن شهابٍ، عن عُبيد الله بن
عَبد الله، عن عبد الله ابن عباس
عن الصَّعب بن جثّامة: أن. النبي ﷺ
حَمَى النَّقيعَ، وقال: «لا حِمَى إلا الله» (١).
٤٠
- باب ما
جاء في الركاز
٣٠٨٥
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
عن الزهريِّ، عن سعيدِ بن المسيِّب وأبي سلمةَ
= هو في «مسند أحمد» (١٦٤٢٢) و(١٦٤٢٥)،
و«صحيح ابن حبان» (١٣٦)
و(٤٦٨٤). وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «لا حمى إلا لله
ولرسوله»: يريد: لا حمى إلا على معنى ما أباحه رسول الله ﷺ، وعلى الوجه الذي حماه،
وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع
بلدًا مُخصبًا، أوفَى بكلب على جبل، أو على نَشزٍ من الأرض، ثم استعوى الكلب ووقف
له من يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ومنع
الناس منه.
فأما ما حماه رسول الله ﷺ لمهازيل
إبل الصدقة ولضعفَى الخيل، كالنقيع - (وهو موضع قريب من المدينة على عشرين فرسخًا
منها) مستنقع للمياه ينبت فيه الكلام- وقد يقال: إنه مكان ليس بحدٍّ واسع يضيقُ
بمثله على المسلمين المرعى فهو مباح، وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر ما لم يضق
منه على العامة المرعى، وهذا الكلام الذي سقتُه معنى كلام الشافعي في بعض كتبه.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن الحارث -وهو ابن عبد
الله بن عياش المخزومى- فهو ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد، وقد توبع كما في
الطريق السالفة.
سمعا أبا هريرة يُحدَّث، أن النبي ﷺ
قال: «في الرِّكازِ الخُمُسُ» (١).
٣٠٨٦
- حدَّثنا يحيى بن أيوبَ، حدَّثنا
عبّاد بن العوّام، عن هشَام، عن الحسن، قال: الركازُ: الكنزُ العادِيّ (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو سلمة: هو ابن عبد
الرحمن بن عوف الزهري، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (١٤٩٩) و(٦٩١٢)،
ومسلم (١٧١٠)، وابن ماجه (٢٥٠٩)، والترمذي (٦٤٧) و(١٤٣٢) و(١٤٣٣)، والنسائي (٢٤٩٥)
و(٢٤٩٦) من طريق الزهري، به.
وأخرجه البخاري (٢٣٥٥) و(٦٩١٣)،
ومسلم (١٧١٠)، والنسائي (٢٤٩٦) من طرق عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٢٠) و(٧٢٥٤)،
و«صحيح ابن حبان» (٦٠٠٥).
وسيتكرر ضمن الحديث (٤٥٩٣).
قال الخطابي: الركاز على وجهين:
فالمال الذي يوجد مدفونًا لا يُعلم له مالك رِكاز، لأن صاحبه قد كان ركزه في
الأرض، أي: أثبته فيها.
والوجه الثاني من الركاز: عروق الذهب
والفضة، فتستخرج بالعلاج، ركزها الله في الأرض رَكزًا، والعرب تقول: أركز المعدن،
إذا نال الركاز.
والحديث إنما جاء في النوع الأول
منهما، وهو الكنز الجاهلي على ما فسرهُ الحسن، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه،
وسهولة نيله، والأصل أن ما خفت مؤونته كثر مقدار الواجب فيه، وما كثرت مؤونته قل
مقدار الواجب فيه، كالعشر فيما سقى بالأنهار، ونصف العشر فيما سقي بالدواليب.
واختلفوا في مصرف الركاز: فقال أبو
حنيفة: يصرف مصرف الفيء، وقال الشافعي: يصرف مصرف الصدقات، واحتجوا لأبي حنيفة
بأنه مال مأخوذ من أيدي المشركين، واحتجوا للشافعي بأنه مال مستفاد من الأرض
كالزرع، وبأن الفيء يكون أربعة أخماسه للمقاتلة، وهذا المال يختص به الواجد له
كمالِ الصدقة.
(٢)
رجاله ثقات. الحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، وهشام: هو ابن حسّان القُردوسي،
ويحيى بن أيوب: هو المَقابري البغدادي. =
٣٥٨٧ - حدَّثنا جعفرُ بن مُسافِرٍ، حدَّثنا
ابنُ أبي فُدَيكٍ، حدَّثنا الزَّمعِى، عن عمتهِ قُرَيبةَ بنتِ عبدِ الله بن وهْب،
عن أمها كَريمةَ بنتِ المقْداد
عن ضُباعَةَ بنتِ الزُبير بن عبد
المُطّلب بن هاشم، أنها أخبرتها قالت: ذهبَ المقدادُ لحاجتِه ببقيع الخَبخَبةِ،
فإذا جُرَذٌ يُخْرِجُ من جُحْرٍ دينارًا، ثم لم يزلْ يُخرج دينارًا دينارًا، حتى
أخرج سبعةَ عشرَ دينارًا، ثم أخرج خِرقة حمراءَ -يعني فيها دينارٌ أو بقي فيها
دينار- فكانت ثمانيةَ عشر دينارًا، فذهب بها إلى النبيِّ ﷺ، فأخبره، وقال له: خُذْ
صدقتَها، فقال له النبيُّ ﷺ: «هَل هَوَيتَ إلى الجُحرِ؟»قال: لا، فقال له رسولُ
الله ﷺ: «بَارَكَ الله لكَ فِيها» (١).
= وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ٣/
٢٢٥ و١٢/ ٢٥٦ عن عباد بن العوام، به.
والعادي: الجاهلي، ويقال لكل قديم:
عادي ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم.
تنبيه: هذا الأثر أثبتناه من (هـ)
وحدها.
(١)
إسناده ضعيف لضعف الزمعي -وهو موسى بن يعقوب-، وجهالة عمته قريبة بنت عبد الله بن
وهب.
وأخرجه ابن ماجه (٢٥٠٨) من طريق موسى
بن يعقوب الزمعي، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: قوله: «هل أهويت
للجُحر» يدل على أنه لو أخذها من الجُحر لكان ركازًا يجب فيه الخمس.
وقوله: «بارك الله لك فيها» لا يدل
على أنه جعلها له في الحال، ولكنه محمول على بيان الأمر في اللقطة التي إذا عرفت
سنة، فلم تعرف، كانت لآخذها.
قلنا: وبقيع الخبخبة، قال ابن
الأثير: هو بفتح الخاءين وسكون الباء الأولى: موضع بنواحي المدينة.
ووقع في «مستدرك الحاكم» في مناقب
عثمان بن مظعون ٣/ ١٩٠ ما نصه: كان رسول الله ﷺ يرتاد لأصحابه مقبرةً يدفنون فيها،
فكان قد طلب نواحي المدينة وأطرافها، ثم قال: «أُمرت بهذا الموضع» يعني البقيع،
وكان يقالُ له: بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد، وكان أول مَن قُبِر هناك
عثمان بن مظعون.
٤١ - باب نبش القبور العادية يكون فيها
المال
٣٠٨٨
- حدَّثنا يحيى بن مَعين، حدَّثنا وهبُ
بن جَريرٍ، حدَّثنا أبي، سمعت محمدَ بن إسحاقَ يحدث، عن إسماعيلَ بن أُميةَ، عن
بُجَيرِ بن أبي بُجير
سمعتُ عبدَ الله بن عَمرو يقول:
سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول حين خرجْنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسولُ الله
ﷺ: «هذا قبْرُ أبي رِغَالٍ، وكانَ بهذا الحرم يُدفَعُ عنه، فلما خرجَ أصابتْه
النِّقمةُ التي أصابتْ قومَه بهذا المكان، فدُفن فيه، وآيةُ ذلك أنه دُفن معه
غُصْنٌ من ذَهبٍ، إن أنتم نَبشْتُم عنه أصبتُمُوه معه» فابتدرَه الناسُ،
فاستخرجَوا الغُصْنَ (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة بجير بن أبي بجير،
وقد تفرد بوصل هذا الحديث كما قال ابنُ كثير في «تفسيره» ٣/ ٤٤٠، وقال: وعلى هذا
يُخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكونُ من كلام عبد الله بن عمرو، مما
أخذه من الزاملتين، ثم قال: قال شيخنا أبر الحجاج [يعني المزي]، بعد أن عرضتُ عليه
ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم.
قلنا: وقد روى هذا الحديثَ معمرُ بنُ
راشد، عن إسماعيل بن أمية مرسلًا، ولعله أصح من الموصول، والله تعالى أعلم.
ولم ينفرد به ابن إسحاق كما قال
الذهبي في «ميزان الاعتدال» في ترجمة بجير، فقد رواه روح بن القاسم عن إسماعيل بن
أمية كذلك كما سيأتي.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار»
(٣٧٥٤)، وابن عبد البر في «التمهيد» ١٣/ ١٤٥ - ١٤٦، والمزي في «تهذيب الكمال» في
ترجمة بجير بن أبي بجير، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» ٩/ ٤٤٥، وفي «تذكرة
الحفاظ» ١/ ٣٣٦، وفي «ميزان الاعتدال» في ترجمة بجير بن أبي بجير، من طريق محمد بن
إسحاق، بهذا الإسناد. =
تمَّ الجزء الرابع من «سنن أبي داود»
ويليه الجزء الخامس وأوله: كتاب الجنائز
= وأخرجه الطحاوي (٣٧٥٣)، وابن حبان
(٦١٩٨)، والطبراني في «الأوسط» (٢٧٨٧) و(٨٥٣٣)، والبيهقي ٤/ ١٥٦، وابن عبد البر
١٣/ ١٤٨ من طريق روح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، به.
وأخرجه مرسلًا عبدُ الرزاق في
«تفسيره» ٢/ ٢٣٢، ومن طريقه الطبري في «تفسيره» ٨/ ٢٣٠، وأخرجه الطبري كذلك ٨/ ٢٣٠
من طريق محمد بن ثور الصنعانى، كلاهما (عبد الرزاق وابن ثور) عن معمر بن راشد، عن
إسماعيل بن أمية.
وفي الباب عن جابر بن عبد الله عند
أحمد (٤١٦٠)، والبزار (١٨٤٤)، والطبري في «تفسيره» ٨/ ٢٣٠ و١٤/ ٥٠، والطحاوي في
«شرح المشكل» (٣٧٥٥) و(٣٧٥٦) و(٣٧٥٧)، وابن حبان (٦١٩٧)، والحاكم ٢/ ٣٢٠ و٣٤٠ -
٣٤١،وإسناد الطبري في الموضع الثاني والطحاوي في الموضع الثالث قوي - واللفظ عند
الطحاوي: أن رسول الله ﷺ وهو في الحِجْر: «هؤلاء قوم صالح، أهلكهم الله عز وجل إلا
رجلًا كان في حرم الله عز وجل منعه الله من عذاب الله» قيل: يا رسول الله، من هو؟
قال: «أبو رغال».
وجاء عند بعضهم: «فلما خرج أصابه ما
أصاب قومه».