١ - ذكرُ الفتنِ ودلائلِها
٤٢٤٠
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ عن حُذيفة، قال: قامَ فينا رسولُ اللهِ ﷺ
قائمًا، فما تركَ شيئًا يكونُ في مقامِه ذلك إلى قيامِ السَّاعة إلا حدَّثَه،
حَفِظَهُ من حَفِظَه ونَسِيَهُ مَنْ نَسِيَه، قد عَلِمَه أصحابي هؤلاء، وإنه
ليكونُ منه الشيءُ فأذكرُه كما يذكرُ الرجلُ وجهَ الرجِل إذا غابَ عنه، ثم إذا رآه
عرفه (١).
٤٢٤١
- حدَّثنا هارونُ بنُ عبدِ الله،
حدَّثنا أبو داودَ الحفريُّ، عن بدرِ بنِ عُثمان، عن عامِرٍ، عن رجُلٍ
عن عبد الله، عن النبيِّ ﷺ قال:
«يكون في هذه الأُمَّةِ أربعُ فِتَنٍ في آخِرِهَا الفنَاءُ» (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة،
والأعمش: هو سُليمان بن مهران، وجرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه البخاري (٦٦٠٤)، ومسلم (٢٨٩١)
من طريق سفيان الثوري، ومسلم (٢٨٩١) من طريق جرير بن عبد الحميد، كلاهما عن
الأعمش، به.
وأخرجه بنحوه مسلم (٢٨٩١) من طريق
أبي إدريس الخولاني، و(٢٨٩١) من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، كلاهما عن حذيفة بن
اليمان.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٢٧٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٦٣٦) و(٦٦٣٧). وانظر ما سيأتي برقم (٤٢٤٣).
(٢)
إسناده ضعيف لابهام الراوي عن عبد الله -وهو ابن مسعود- أبو داود الحَفَري: هو عمر
بن سعْد الكوفي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ١٧٠ من طريق
بدر بن عثمان، بهذا الإسناد.
٤٢٤٢ - حدَّثنا يحيى بنُ عثمانَ بنِ سعيدٍ
الحمصيُّ، حدَّثنا أبو المُغيرةِ، حدَّثني عبدُ الله بنُ سالمٍ، حدَّثني العلاءُ
بن عُتبةَ، عن عُمير بن هانئٍ العنسيّ
سمعتُ عبدَ الله بنَ عُمر، يقولُ:
كنا قُعودًا عندَ رسولِ الله ﷺ فذكر الفِتن، فأكثر في ذِكْرها حتى ذَكَرَ فِتنةَ
الأحْلاسِ، فقال قائِلٌ: يا رسولَ الله ﷺ ِ، وما فِتنةُ الأحْلاسِ؟ قال: هي هَرَبٌ
وحَرَبٌ، ثم فِتنةُ السَّرَّاء دَخَنُها مِنْ تَحتِ قدَمَي رَجُلٍ مِن أهل بيتي
يزعُمُ أنهُ منَّي وليسَ مني، وإنما أوليائِيَ المتقونَ، ثم يصطلحُ الناسُ على
رجلٍ كورِكٍ على ضِلَعٍ، ثم فتنةُ الدُّهيماءِ لا تَدَع أحدًا مِن هذه الأمةِ إلا
لطمتهُ لطمةً، فإذا قيل: انقضت، تمادت، يُصبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا،
حتى يصيرَ الناسُ إلى فُسطاطَيْن: فُسطاطُ إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسْطاط نِفاقٍ
لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكُم، فانتظروا الدَّجالَ من يومه أو غدِهِ» (١).
(١) رجاله ثقات، لكن قال أبو حاتم فيما نقله
عنه ابنه في «العلل» ٢/ ٤١٧: روى هذا الحديث ابن جابر، عن عمير بن هانئ، عن النبي
ﷺ مرسلًا، والحديث عندي ليس بصحيح كأنه موضرع، وقال أبو نعيم: غريب من حديث عمير
والعلاء، لم نكتبه مرفرعًا إلا من حديث عبد الله بن سالم. أبو المغيرة: هو عبد
القدوس بن الحجاج الخولاني.
وأخرجه أحمد (٦١٦٨)، والطبراني في
«مسند الشاميين» (٢٥٥١)، والحاكم ٤/ ٤٦٦ - ٤٦٧، وأبو نعيم في «الحلية» ٥/ ١٥٨،
والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ٢/ ٤٠٠ - ٤٠١ والبغوي في «شرح السنة»
(٤٢٢٦) من طريق أبي المغيرة الخولاني، بهذا الإسناد.
وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (٩٣)
عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ، قال: قال
رسول الله ﷺ مرسلًا. =
٤٢٤٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارسٍ،
حدَّثنا ابنُ أبي مريمَ، أخبرنا ابنُ فرُّوخَ، أخبرنا أسامةُ بنُ زيدٍ، أخبرني ابن
لقبيصةَ بنِ ذُؤيب، عن أبيه قال:
قال حذيِفةُ بنُ اليمانِ: والله ما
أدرِي: أنَسِيَ أصحابي أم تناسَوْا؟ واللهِ ما تركَ رسولُ الله ﷺ مِن قائدِ فتنةٍ
إلى أن تنقَضِيَ الدنيا يبلغُ من مَعَهُ ثلاثَ مئةٍ فصاعدًا، إلا قد سماه لنا
باسمِه واسمِ أبيه واسم قَبِيلتِه (١).
= قال الخطابي: قوله: «فتنة الأحلاس»
إنما أُضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها، وطول لبثها، يقال للرجل إذا كان يلزم
بيته لا يبرح منه: هو حِلْس بيته، لأن الحِلْس يفترش فيبقى على المكان ما دام لا
يُرفع، وقد يحتمل أن تكون هذه الفتنة إنما شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها.
والحَرَب: ذهابُ المالِ والأهلِ،
يقال: حَرب الرجل فهو حريب: إذا سُلب أهلُه ومالُه، والدَّخَن: الدخان يُريد أنها
تثور كالدخان من تحت قدميه، وقوله: «كورك على ضلع» مثل، ومعناه الأمر الذي لا يثبت
ولا يستقيم، وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله، وإنما يقال في باب الملائمة
والموافقة إذا وصفوا: هو ككف في ساعد وكساعد في ذراع، أو نحو ذلك، يريد: إن هذا
الرجل غير خليق للملك ولا مستقِلٍّ به.
والدُّهيماء: تصغير الدهماء، وصغرها
على مذهب المذمة لها، والله أعلم. وفتنة السراء: قال القاري: والمراد بالسراء
النعماء التي تسرّ الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء، وأضيفت إلى
السراء لأن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم أو لأنها تسر العدوّ.
والفسطاط: المدينة التي يجتمع فيها
الناس، وكل مدينة فسطاط، ويكون الفسطاط مجتمع أهل الكورة حول جامعها، ومنه فسطاط
مصر.
(١)
إسناده ضعيف لضعف ابن فزوخ -وهو عبد الله بن فزُوخ الخُراساني- وابن قبيصة بن ذؤيب
إن كان إسحاق فهو صدوق، وإلا فهو مجهول لا يُعرف، وأسامة بن زيد -وهو الليثي- فيه
ضعف. =
٤٢٤٤ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ وقتيبة بن سعيد
(١) -دخل حديث أحدهما في الآخر- قالا: حدَّثنا أبو عوانةَ، عن قتادَة، عن نصرِ بنِ
عاصمٍ
عن سُبَيع بنِ خالدٍ، قال: أتيتُ
الكوفة في زمنِ فُتحَتْ تُسْتَرُ أجلُبُ منها بِغالًا، فدخلتُ المسجدَ، فإذا
صَدَعٌ من الرِّجالِ، وإذا رَجُلٌ جالسٌ تَعْرِفُ إذا رأيته أنه مِن رجال أهلِ
الحِجاز، قال: قلتُ: من هذا؟ فتجهَّمني القومُ، وقالوا: أما تَعْرِفُ هذا؟ هذا
حذيفةُ صاحبُ رسولِ الله ﷺ، فقال حُذيفة: إن الناسَ كانوا يسألون رسولَ الله ﷺ عن
الخيرِ، وكنتُ أسألُه عن الشَّرِ، فأحْدَقَهُ القومُ بابصارِهم، فقال: إني قد أرَى
الذي تُنْكِرُونَ، إني قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ هذا الخيرَ الذي أعطانا الله
أيكونُ بعدَهُ شرٌّ كما كان قبلَه؟ قال: «نعم» قلتُ: فما العِصْمَةُ من ذلك؟ قال:
«السيفُ» -قال قتيبة في حديثه- قلت: وهل للسيف يعني من بقيّةٍ؟ قال: «نعم»، قال:
قلتُ: ماذا؟ قال: «هُدْنةٌ على دَخَنٍ» قال: قلتُ: يا رسول الله، ثم ماذا؟ قال:
«إن كان لله خليفةٌ في الأرض، فضرَبَ ظهرَك وأخذَ مالك فأطعهُ، وإلا فمت وأنت
= وذكر الحافظ في»الفتح«١١/ ٤٩٦ أن
القاضي عياضًا أخرج هذا الحديث في»الشفاء«بإسناد الحديث السابق برقم (٤٢٤٠)، قال:
ولم أر هذه الزيادة في كتاب أبي داود. قلنا: هو في»الشفا«١/ ٣٣٦ في فصل: ومن ذلك
ما أُطلع عليه من الغيوب.
(١)
طريق قتيبةَ بنِ سعيدٍ هذه أثبتناها من (هـ)، وهي برواية ابن داسه، وهي في هامش
(أ) منسوبة لابن داسه أيضًا، ولم تَرد في بقية أُصُولنا الخطية، ولم يذكرها
المزِّيُّ في»التحفة«(٣٣٣٢). ولم يذكر الخطابي عند شرحه لهذا الحديث الزيادة التي
زادها قتيبة في الحديث إلى قوله:»هُدنة على دَخَنٍ«، لكنه نسبَها لغير هذه
الرواية، مع أن الخطابيَّ يروي»السنن" برواية ابنِ داسه، فلعلها في بعض
روايات ابن داسه دون بعضٍ، والله تعالى أعلم.
عاضٌّ بجِذْل شَجَرةٍ» قلتُ: ثم
ماذا؟ قال: «ثم يخرُجُ الدَّجَّالُ معه نهرٌ ونارٌ، فمن وقع في نارِه وجبَ أجرُه
وحُطَّ وزرُهُ، ومَنْ وقَعَ في نهرِهِ وجَبَ وزْرُه وحُطَّ أجرُه» قال: قلتُ: ثم
ماذا؟ قال:، ثم هي قيامُ الساعةِ«(١).
(١) حديث صحيح دون ذكر السيف، وهذا إسناد حسن
من أجل سُبَيع بن خالد -ويقال: خالد بن سُبيع، ويقال: خالد بن خالد، اليشكري- فقد
روى عنه جمع ووثقه العجلي وابن حبان، وقد توبع. وقصة السيف لم تذكر إلا في طريق
قتادة، ول يذهبها حميد بن هلال عن نصر، ولا سائر الرواة عن حذيفة.
وأخرجه أحمد (٢٣٤٣٠)، الحاكم ٤/ ٤٣٢
- ٤٣٣ من طريق أبي عوانة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣٦٠٦) و(٧٠٨٤)،
ومسلم (١٨٤٧)، وابن ماجه (٣٩٧٩) من طريق بُسر بن عُبيد الله، عن أبي إدريس
الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسولَ الله ﷺ عن الخير،
وكنت أسألُه عن الشر مخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كما في جاهلية
وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:»نعم«، قلت: وهل بعد
ذلك الشر من خير؟ قال:»نعم، وفيه دَخَنٌ«. قلت: وما دخَنُه؟ قال:»قوم يهدون بغير
هديي، تعرف منهم وتُنكر«.
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟
قال:»نعم، دُعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله،
صِفْهم لنا؟ فقال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا،، قلت: فما تأمرني إن أدركني
ذلك؟ قال:»تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم«، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال:»فاعتزل تلك الفرق كلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة، حتى يُدركك الموت وأنت
على ذلك«.
وأخرجه بنحو رواية أبي إدريس
الخولاني مختصرًا مسلم (١٨٤٧) من طريق زيد ابن سلام، عن أبي سلاّم، قال: قال
حذيفة، وزاد فيه:»تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع"،
ولم يذكر فيه الاعتزال عند عدم وجود الامام. =
٤٢٤٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارس،
حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ، عن نصرِ بنِ عاصمٍ، عن خالدِ بنِ
خالدٍ اليَشْكُرِيِّ، بهذا الحديثِ، قال:
قلت: بعدَ السيف، قال: «بقيةٌ على
أقذاءٍ، وهُدْنَة على دَخَنٍ» ثم ساقَ الحديثَ، قال: وكان قتادُة يَضَعُهُ على
الرِّدة التي في زمنِ أبي بكر: «على أقذاء»، يقول: قذىً، و«هُدنة» يقول: صُلْحٌ
«على دَخَنٍ» لما على ضغائن (١).
= وأخرج منه قصة سؤال حذيفة النبيَّ ﷺ
عن الشر وسؤال الناس له عن الخير: البزار (٢٧٩٤) من طريق جندب بن عبد الله البجلي،
والبخاري (٣٦٠٧) والبزار (٢٩٣٩) من طريق قيس بن أبي حازم، كلاهما عن حذيفة. ولفظ
البخاري: تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر.
وأخرج قصة الدجال منه البخاري
(٣٤٥٠)، ومسلم (٢٩٣٤) من طريق ربعي بن حراش، ومسلم (٢٩٣٤)، وابن ماجه (٤٠٧١) من
طريق أبي وائل شقيق، كلاهما عن حذيفة. لفظ ربعي عند البخاري: «إن مع الدجال إذا
خرج ماء ونارًا، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناسُ
أنه ماء بارد فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار، فإنه عذب
بارد». ولفظ أبي وائل: «الدجال أعور العين اليسرى، جُفَالُ الشعر، معه جنة ونار،
فناره جنة، وجنته نار». وقوله: جفال الشعر، أي: كثيره.
وستأتي قصة الدجال من طريق ربعي بن
حراش عند المصنف برقم (٤٣١٥).
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد»
(٢٣٢٨٢).
وانظر الأحاديث الثلاثة الآتية بعده.
قال الخطابي: وروى أبو داود في غير
هذه الرواية أنه قال: «هدنة على دخَن، وجماعة على أقذاء».
الصدع من الرجال -مفتوحة الدال-: هو
الشابّ المعتدل القناة، ومن الوعول الفتى. وقوله: «والجذل، أصل الشجرة إذا قطع
أغصانها، ومنه قول القائل من الأنصار:»أنا جُذَيلها المُحكَّك".
(١)
حديث صحيح دون ذكر السيف، وهذا إسناد حسن كسابقه. =
٤٢٤٦ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ،
حدَّثنا سليمانُ بن المُغيرة، عن حُميدٍ
عن نصرِ بنِ عاصم الليثيِّ قال:
أتينا اليشْكُرِي في رهْطٍ مِن بني ليْثٍ، فقال: مَنِ القومُ؟ فقلنا: بنو ليث.
فقُلنا: أتيناكَ نسالُك، عن حديثِ حُذَيفة، قال: أقبلْنا مع أبي موسى قافلين،
وغَلَت الدوابُّ بالكوفة قال: فسألت أبا موسى أنا وصاحب لي، فأذِن لنا، فقدمنا
الكوفةَ، فقلت لصاحبي: أنا داخل المسجدَ، فإذا قامتِ السوقُ خرجتُ إليك، قال:
فدخلتُ المسجدَ، فإذا فيه حَلْقةٌ كأنما قُطِعت رؤوسهم لِستمعون إلى حديث رجلٍ،
قال: فقمتُ عليهم، فجاء رجل فقام إلى جنبي، فقلتُ: من هذا؟ قال: أبصريٌّ أنت؟
قلتُ: نعم، قال: قد عرفتُ، لو كنت كوفيًا لم تسألْ عن هذا، قال: فدنوت منه، فسمعتُ
حذيفة يقول: كان الناسُ يسألون رسولَ الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، وعرفتُ
أن الخير لن يسبقني.
= وهو في«مصنف عبد الرزاق» (٢٠٧١١)،
ومن طريقه أخرجه أحمد (٢٣٤٢٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٤٢١٩).
وانظر ما قبله، وانظر تالييه أيضًا.
وقد زاد في حديث معمر زيادة بعد ذكر
الدجال وهي: «ثم يُنتجَ المُهرُ فلا يُركب حتى تقوم الساعة»، وهذه الزيادة أيضًا
مروية من طريق صخر بن بدر الآتي عند المصنف برقم (٤٢٤٧)، وهي زيادة لا تصح، لأنها
مخالفة لحديث أبي هريرة الآتي عند المصنف برقم (٤٣٢٤) وهو حديث صحيح، ومخالف كذلك
لحديث عائشة عند أحمد (٢٤٤٦٧) وهو حديث حسن. ولأن صخرًا مجهول.
قال الخطابي: قوله: «هدنة على دخَن»
معناه: صلح على بقايا من الضغن، وذلك أن الدخان أثر من النار دالٌّ على بقية منها.
وقوله: «جماعة على أقذاء» يؤكد ذلك.
وقوله: «بقية على أقذاء»: قال
السندي: أي يبقى الناسُ بقية على فساد قلوبهم، فشبّه ذلك الفساد بالأقذاء، جمع
قذى، وهو ما يقع في العين والشراب من غبار ووسخ.
قال: قلتُ: يا رسولَ الله، بعدَ هذا
الخيرِ شرٌّ؟ قال: «يا حذيفة، تعلَّم كتابَ الله، واتَّبعْ ما فيه» ثلاثَ مرارٍ،
قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، بعد هذا الخير شرٌّ؟ فقال: «يا حذيفةُ، تعلَّم كتابَ
اللهِ، واتبع ما فيه» قلتُ: يا رسولَ الله، بعدَ هذا الخير شرٌّ؟ قال: «فِتنةٌ
وشرٌّ»، قلتُ: يا رسول الله، بعد هذا الشرِّ خيرٌ؟ قال: «يا حذيفةُ، تعلَّم كتابَ
اللهِ، واتَّبعْ ما فيه» ثلاث مِرارٍ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، بَعْدَ هذا الشَّرِّ
خَيْرٌ؟ قال: «هُدْنة على دَخَنٍ، وجماعةٌ على أقذاء، فيها -أو فيهم-» قلتُ: يا
رسولَ الله، الهدنةُ على الدَّخَنِ ما هِيَ؟ قال: «لا ترجِعُ قلوبُ أقوامٍ على
الذي كانت عليه» قال: قلتُ: يا رسولَ الله، بعدَ هذا الخيرِ شرٌّ؟ قال: «يا
حذيفةُ، تعلَّم كتابَ اللهِ، واتّبعْ ما فيه» ثلاث مِرارٍ، قال: قلت: يا رسولَ
الله، بعد هذا الخير شرٌّ؟ قال: «فِتنةٌ عمياءُ صمَّاءُ، عليها دُعاةٌ على أبوابِ
النارِ، فإن مِتَّ يا حُذيفةُ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلٍ، خيرٌ لكَ مِن أن تتبعَ
أحدًا منهم» (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن سابقيه.
واليشكري: هو سُبيع الذي سبق ذكره في الإسنادين السابقين، وقد اختلف في اسمه.
وأخرجه الطيالسي (٤٤٢)، وابن أبي
شيبة ١٥/ ٩ و١٧، وأحمد (٢٣٢٨٢)، والنسائي في «الكبرى» (٧٩٧٨)، وابن حبان (٥٩٦٣)،
وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ٢٧١ - ٢٧٢ من طريق سليمان بن المغيرة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٣٤٣)
من طريق أبي عامر صالح بن رستم، عن حميد بن هلال، عن نصر بن عاصم، عن عبد الرحمن
بن قرط، عن حذيفة. وقد خالف أبو عامر صالحُ بنُ رستم في إسناده سليمانَ بنَ
المغيرة الثقة، كما خالف رواية قتادة عن نصر بن عاصم في الطريقين السابقين، وأبو
عامر لينه بعضهم، ثم إنه رواه مرة أخرى فأسقط من إسناده نصر بن عاصم، فلم يضبط
الإسناد. =
٤٢٤٧ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ
الوارث، حدَّثنا أبو التَّيَّاح، عن صخْر ابنِ بدرٍ العِجْليِّ، عن سُبَيع بنِ
خالد، بهذا الحديثِ
عن حذيفةَ، عن النبي ﷺ قال: فإن لم
تَجِدْ يومئذٍ خليفةً فاهْرُبْ حتى تموتَ، فإن تَمُتْ وأنتَ عاضٌّ» وقال في آخره
قال: قلتُ: فما يكون بعد ذلك؟ قال: «لو أن رجلًا نَتَجَ فرسًَا لم تُنتَجْ حتى
تقوم الساعة» (١).
= فقد أخرجه النسائي في «الكبرى»
(٧٩٧٩)، والحاكم ٤/ ٤٣٢ من طريق أبي عامر صالح بن رستم هذا، عن حميد بن هلال، عن
عبد الرحمن بن قرط، عن حذيفة.
وعبد الرحمن بن قرط مجهول.
وقد رُوي معظم الحديث من طرق أخرى
صحيحة كما بيناه عند الحديث السالف برقم (٤٢٤٤).
وأخرج منه أمره حذيفةَ بتعلم القرآن
واتباع ما فيه، ابن حبان (١١٧)، والبيهقي في «الشعب» (١٩٤١) من طريق عبد الله بن
الصامت، والبزار في «مسنده» (٢٧٩٩) من طريق أبي الطُّفيل، كلاهما عن حذيفة.
والطريق الأول إسناده صحيح والثاني حسن.
وأخرجه دون قصة أمره ﷺ حذيفةَ بتعلم
القرآن: البزار (٢٨١١)، والطبراني في «الأوسط» (٣٥٣١) من طريق زيد بن وهب، عن
حذيفة. وإسناده حسن.
(١)
حديث صحيح دون ذكر السيف الذي في الرواية السالفة (٤٢٤٤) ودون قوله: «لو أن رجلًا
نَتج فرسًا لم تنتج حتى تقوم الساعة» وهذا إسناد ضعيف لجهالة صخر بن بدر العجلي.
وقد روي الحديث دون هذين الحرفين بأسانيد أخرى صحيحة سلفت الإشارة إليها عند
الحديثين (٤٢٤٤) و(٤٢٤٦). وللكلام على قوله: «لو أن رجلًا نتج ...» انظر الحديث
السالف برقم (٤٢٤٥).أبو التياح: هو يزيد بن حميد الضبعي، وعبد الوارث: هو ابن سدِد
العنبري.
وأخرجه الطيالسي (٤٤٣)، وابن أبي
شيبة ١٥/ ٨، وأحمد (٢٣٤٢٥) و(٢٣٤٢٧) و(٢٣٤٢٨) من طريق صخر بن بدر، به.
وقوله: «لو أن رجلًا نتج فرسًا» أي:
لو أنه سعى في تحصيل ولد فرسِه لكان قيام الساعة أقرب زمنًا ووقوعًا من حمل الفرس
وولادتها.
٤٢٤٨ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا عيسى بنُ
يونسَ، حدَّثنا الاعمشُ، عن زيدِ ابنِ وهبٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ عبدِ ربَّ الكعبةِ
عن عبدِ الله بن عمرو، أن النبيَّ ﷺ
قال: «من بايَعَ إمامًا فأعطاهُ صَفقَة يدِهِ وثمرةَ قَلْبِه، فليطِعْهُ ما
استطاعَ، فإن جاء آخرُ يُنازِعهُ فاضرِبوا رقبةَ الآخرِ». قلتُ، أنتَ سمعتَ هذا
مِنْ رسولِ الله ﷺ؟ قال: سمِعَتْه أُذُناي، ووسماه قلبي، قلت: هذا ابنُ عمك
معاويةُ يأمرُنا أن نفعَلَ ونفعَلَ، قال: أطِعْهُ في طاعَةِ الله، واعْصِهِ في
معصيةِ اللهِ (١).
٤٢٤٩
- حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارسٍ،
حدَّثنا عُبيد الله بنُ موسى عن شيبانَ، عن الاعمشِ، عن أبي صالح
(١) إسناده صحيح. الأعمش: هو سليمان بن
مِهران، وعيسى بن يونس: هو ابن أبي إسحاق السَّبيعي، ومُسدَّد: هو ابن مُسرهَد.
وأخرجه مسلم (١٨٤٤)، وابن ماجه
(٣٩٥٦)، والنسائي في «الكبرى» (٧٧٦٦) و(٨٦٧٦) من طريق سليمان الأعمش، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٥٠١)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٩٦١).
ويشهد للمرفوع منه حديث أبي سعيد
الخدري عند مسلم (١٨٥٣) قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر
منهما».
قال النووي في «شرح مسلم»: المقصود
بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في
تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في
معاوية لمنازعته عليًا رضي الله عنه، وكانت قد سبقت بيعةُ علي، فرأى هذا أن نفقة
معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال
بالباطل، ومن قتل النفس؛ لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالًا في مقاتلته.
ثم قال: قوله: «أطعه في طاعة الله
واعصه في معصية الله» هذا فيه دليل لوجوب طاعة المتولِّين للإمامة بالقهر من غير
إجماع ولا عهد.
عن أبي هريرة، عن النبيَّ ﷺ-ﷺ قال:
«ويْل لِلعَربِ مِن شرٍّ قد اقتربَ، أفلحَ من كفَّ يَدَهُ» (١).
(١) إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان
السمّان، والأعمش: هو سليمان بن مِهران، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي.
وأخرجه أحمد (٩٦٩١) من طريق محمَّد
بن عُبيد، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٢٢٩٩) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٥٣٣٠)
من طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وابن بشران في «أماليه» (٣٥٣) من طريق عمر بن
عبيد، ونعيم بن حماد في «الفتن» (٣٤٤) عن حفص بن غياث، وأبو نعيم في «الحية» ٨/
٢٦٥ من طريق سفيان الثوري، كلهم عن الأعمش، به. زاد الطحاوي والبيهقي في
روايتيهما: «تقربوا يا بني فروخ إلى الذكر، فإن العرب قد أعرضت والله، والله إن
منكم رجالًا لو كان العلم بالثريا لنالوه» وزاد عمر بن عبيد: اللهم لا تدركني
إمارة الصبيان.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ٥٥ عن أبي
معاوية، عن الأعمش، به موقوفًا.
وأخرجه الحاكم ٤/ ٤٣٩ - ٤٤٠، وأبو
عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (٥٣) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن
أبي هريرة رفعه: «ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم» وإسناده حسن.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٦٧٠٥)،
ونعيم بن حماد في «الفتن» (٤٦٧) من طريق عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن ثور
بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، رفعه «ويل للعرب من شر قد اقترب، من فتنة
عمياء صماء بكماء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي،
والماشي فيها خير من الساعي، ويل للساعي فيها من الله». وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد (٩٠٧٣)، وجعفر الفريابي
في «صفة المنافق» (١٠٠) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٧٠/ ٣٥ من طريق أبي يونس سليم
بن جبير، عن أبي هريرة رفعه: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتن كقطع الليل المظلم
يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من
الدنيا، المتمسك منهم يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك أو جمر الغضى»، وفي
إسناده عبد الله بن لهيعة، =
٤٢٥٠ - قال أبو داود: حُدِّثت، عن ابنِ وهب،
قال: حدَّثنا جريرُ بنُ حازم، عن عُبيد الله بنِ عمر، عن نافعٍ
= لكن الراوي عنه عند الفريابي قتيبة،
وهو ممن حسَّن أهل العلم روايته عن ابن لهيعة.
ويشهد لقوله آخر الحديث: «المتمسك
منهم يومئذ على دينه ...» حديث أنس عند الترمذي (٢٤١٢)، وحديث أبي ثعلبة الخشني
الآتي عند المصنف برقم (٤٣٤١).
وأخرجه أحمد (١٠٩٢٦) و(١٠٩٨٤)،
والبزار (٣٣٣١ - كشف الأستار)، وأبو يعلى (٦٦٤٥) من طريق عاصم بن بهدلة، عن زياد
بن قيس، عن أبي هريرة رفعه: «ويل للعرب من شر قد اقترب، ينقص العلم، ويكثر الهرج»
قلت: يا رسول الله ﷺ، وما الهرج؟ قال: «القتل». وزياد بن قيس مجهول، لكن تابعه على
الشطر الأول من الحديث من سبق ذكرهم، وأما الشطر الثاني: فتابعه عليه غير واحد كما
سيأتي عند الحديث (٤٢٥٥).
وأخرجه الحاكم ٤/ ١٨٠ من طريق عاصم
بن محمَّد بن زيد، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه: «ويل للعرب من شر قد اقترب» ورجاله
ثقات، لكن أعله الذهبي بالانقطاع.
وأخرجه عبد الرزاق (٢٠٧٧٧)، ومن طريق
نعيم بن حماد (١٩٨١)، والحاكم ٤/ ٤٨٣ عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن رجل -قال
معمر: أراه سعيدًا. قلنا: يعني المقبري- عن أبي هريرة موقوفًا عليه من قوله. وقد
روي مرفوعًا من هذا الطريق لكن قال الدارقطني في «العلل» ١٠/ ٣٧١، الموقوف أشبه
بالصواب. قلنا: يعني من طريق المقبري ولفظه: ويل للعرب من ثر قد اقترب على رأس
ستين، تفسير الأمانة غنيمة، والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة، والحكم بالهوى.
وأخرجه موقوفًا كذلك ابن أبي شيبة
١٥/ ٤٩ - ٥٠ من طريق سماك، عن أبي الربيع المدني، عن أبي هريرة. ولفظه: ويل للعرب
من شر قد اقترب، إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا
أعناقهم.
وأخرجه موقوفًا كذلك ابن أبي شيبة
١٥/ ١٨٦ - ١٨٧ من طريق ابن عَون، عن عمير بن إسحاق، عن أبي هريرة، بنحو لفظ أبي
الغيْث عن أبي هريرة المرفوع.
عن ابنِ عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«يُوشِكُ المسلِمُونَ أن يُحاصَروا إلى المدينَةِ حتى يكون أبعدَ مسالحهم سَلَاحٌ»
(١).
٤٢٥١
- حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، عن عنبسةَ،
عن يونسَ، عن الزهريِّ، قال: وسَلَاحٌ؟: قريبٌ من خيبر.
٤٢٥٢
- حدَّثنا سليمانُ بنُ حربٍ ومحمد بنُ
عيسى، قالا: حدَّثنا حمادُ بنُ زيد، عن أيوبَ، عن أبي قلابة، عنَ أبي أسماء
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد فيه راوٍ لم
يُسَمَّ، وقد توبع. ابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه ابن حبان (٦٧٧١)، والطبراني
في «الأوسط» (٦٤٣٢)، وفي «الصغير» (٨٧٣)، والحاكم ٤/ ٥١١، وتمام في «فوائده»
(١٧٣٣) من طرق عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٧٤٣)،
وفي «الصغير» (٦٤٤) من طريق هشام بن عمار، عن سعيد بن يحيى اللحْمي، عن يونس بن
يزيد، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وهشام
بن عمار متكلم فيه وقد خولف في إسناد هذا الحديث:
فقد أخرجه الحاكم ٤/ ٥١١ من طريق ابن
وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبي هريرة موقوفًا: يوشك أن يكون
أقصى مسالح المسلمين سلاح، وسلاح قريب من خيبر. وإسناده صحيح.
وسيتكرر برقم (٤٢٩٩).
قوله: «مسالح»، قال في «النهاية»:
المَسْلَحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، وسُمُّوا مَسْلحة لأنهم يكونون
ذوي سلاح، أو لأنهم يسكنون المسْلَحة، وهي كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون
العدو لئلا يَطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له، وجمع المسلح
مسالح.
تنبيه: هذا الحديث والأثر الذي بعده
جاءا في (أ) و(ج) آخر الباب بعد الحديث (٤٢٥٥)، ولم يرد في (ب) و(هـ)، ونحن تركناه
هنا إبقاءً على ترتيب المطبوع. وعلى أي حالي فسيتكرران برقم (٤٢٩٩) و(٤٣٠٠).
عن ثوبانَ قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إن الله زوى ليَ الأرض -أو قال: إنَّ ربِّي زوى ليَ الأرضَ- فرأيتُ مَشَارِقَها
ومَغَارِبَها، وإن مُلْكَ أُمتي سيبلُغُ ما زُوِيَ لي منها، وأُعطِيتُ الكنزَين
الأحمر والأبيض، وإني سألتُ ربي لأمتي أن لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ بعافَّة، ولا
يُسلِّطَ عليهم عدوًا مِن سوى أنفسِهم فيستبيحَ بيضتَهم، وإن ربي قالَ: يا محمدُ،
إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُ، ولا أُهلِكُهم بسنةٍ بعامةٍ، ولا أسلِّطُ
عليهم عَدُوًا مِن سوى أنفسِهم فيستبيحَ بَيْضَتَهم، ولو اجتمَعَ عليهم مَنْ بين
أقطارها -أو قال: بأقطارِها- حتى يكونَ بعضُهم يُهْلِكُ بعضًا، وحتى يكون بعضهم
يسبي بعضًا، وإنما أخافُ على أُمَّتي الأئمةَ المُضِلَّينَ، فإذا وُضِعَ السيفُ في
أُمتي لم يُرفعْ عنها إلى يومِ القيامةِ، ولا تقومُ السَّاعةُ حتى تَلْحَقَ قبائلُ
مِن أُمتي بالمشركينَ، وحتى تَعبُدَ قبائلُ مِن أُمَّتي الأوثانَ، وإنه سيكونُ في
أُمَّتي كذَّابون ثلاثونَ، كلُّهُمْ يزعُم أنه نبيّ، وأنا خَاتَمُ النبيين لا
نَبيَّ بعدي، ولا تزالُ طائفةٌ مِنْ أمَّتي على الحق -قال ابنُ عيسى- ظاهرينَ -ثم
اتفقا- لا يَضُرُّهم مَنْ خالفهُمْ حتى يأتيَ أمرُ اللهِ» (١).
(١) إسناده صحيح. أبو أسماء: هو عمرو بن مرثد
الرَّحَبي، وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجَرمي، وأيوب: هو ابن أبي تميمة
السختياني.
وأخرجه مسلم (٢٨٨٩)، والترمذي (٢٣١٧)
و(٢٣٧٩) من طريق أيوب السختياني، ومسلم (٢٨٨٩)، وابن ماجه (١٠) و(٣٩٥٢) من طريق
قتادة بن دعامة، كلاهما عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، به. ولم يخرج أحدٌ
منهم الحديث بتمامه كما هو عند المصنف.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٣٩٤) بتمامه،
و«صحيح ابن حبان» (٦٧١٤) و(٧٢٣٨). =
٤٢٥٣ - حدَّثنا محمدُ بنُ عوفِ الطائيُّ،
حدَّثنا محمدُ بنُ -إسماعيلَ، حدَّثني
أبي- قال ابنُ عوف: وقرأتُ في أصل
إسماعيلَ، قال: - حدَّثني ضمضم، عن
شُريحٍ
عن أبي مالك -يعني الأشعريَّ- قالَ:
قالَ رسولُ الله ﷺ: «إن الله أجَارَكُم مِنْ ثلاثِ خلالٍ: أن لا يَدْعُوَ عليكم
نبيُّكم فتهلِكُوا جميعًا، وأن لا يَظهَرَ أهلُ الباطِلِ على أهْلِ الحق، وأن لا
تجتمِعُوا على ضَلالَةٍ» (١).
= قال الخطابي: قوله: «زوى لي الأرض»
معناه: قبضها وجمعها، ويقال: انزوى الشيء إذا انقبض وتجمع.
وقوله: «ما زوي لي منها» يتوهم بعض
الناس أن حرف «مِن» ها هنا معناه التبعيض، فيقول: كيف اشترط في الكلام الاستيعاب،
ورد آخره إلى التبعيض. وليس ذلك على ما يقدِّرونه، وإنما معناه التفصيل للجملة
المتقدمة. والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئًا منها، لكنه يأتي عليها شيئًا
شيئًا، ويستوفيها جزءًا جزءًا، والمعنى أن الأرض زُويت جملتها له مرة واحدة،
فرآها، ثم يُفتح له جزء جزء منها، حتى يأتي عليها كلها، فيكون هذا معنى التبعيض
فيها.
والكنزان: هما الذهب والفضه.
وقوله: «لا يهلكها بسنة بعامة» فإن
السنة القحط والجدْب، وإنما جرت الدعوة بأن لا تعمهم السنة كافة، فيهلكوا عن
آخرهم، فأما أن يُجدِب قوم ويُخصِب آخرون فإنه خارج عما جرت به الدعوة، وقد رأينا
الجدب في كثير من البلدان، وكان عام الرمادة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
ووقع الغلاء بالبصرة أيام زياد، ووقع ببغداد في عصرنا الغلاء، فهلك خلق كثير من
الجوع، إلا أن ذلك لم يكن على سبيل العموم والاستيعاب لكافة الأمة، فلم يكن في شي
منها خُلْف للخبر.
قلنا: وقوله: «يستبيح بيضتهم» قال في
النهاية! أي: مجتمعهم وموضع سلطانهم ومُستقر دعوتهم.
(١)
إسناده ضعيف، محمَّد بن إسماعيل -وهو ابن عياش- قال المصنف فيما سأله عنه الآجري:
لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غير مرة وهو حي، =
٤٢٥٤ - حدَّثنا محمدُ بنُ سُليمانَ
الأنباريُ، حدَّثنا عبدُ الرحمن، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن ربعيِّ بنِ حِرَاشٍ، عن
البراءِ بن ناجيةَ
عن عبدِ الله بنِ مسعود، عن النبيِّ
ﷺ، قال: «تَدُورُ رحَى الإِسلامِ لخمسٍ وثلاثين، أو سِتٍّ وثلاثينَ، أو سبْعٍ
وثلاثين، فإن يهلِكُوا فسبيلُ
= وسألت عمرو بن عثمان عنه فدفعه. وقال
الحافظ في»تهذيب التهذيب«: وقد أخرج أبو داود عن محمَّد بن عوف، عنه، عن أبيه عدة
أحاديث، لكن يروونها بأن محمَّد بن عوف رآها في أصل إسماعيل. قلنا: ثم إنه اختُلف
فيه عن إسماعيل بن عياش، فرواه يحيى بن يحيى النيسابوري الثقة الحافظ وغيره عنه،
عن يحيى بن عُبيد الله بن عَبد الله ابن مَوْهَب، عن أبيه، عن أبي هريرة، ويحيى بن
عُبيد الله متروك. وقال أبو حاتم الرازي عن رواية شريح -وهو ابن عُبيد الحضرمي-:
حديثه عن أبي مالك الأشعري مرسل. ولهذا قال الحافظ في»التلخيص«٣/ ١٤١: في إسناده انقطاع.
وأخرجه ابن أبي عاصم في»السنة«(٩٢)
عن محمَّد بن عوف، بهذا الإسناد. إلا أنه قال في روايته:»لا يجوعوا«بدل:»أن لا
يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا«.
وأخرجه الطبراني في»الكبير«(٣٤٤٠)،
وفي»مسند الشاميين«(١٦٦٣) عن هاشم ابن مرثد الطبراني، عن محمَّد بن إسماعيل بن
عياش، به، وعنده زيادة في متن الحديث.
وأخرجه إسحاق بن راهويه
في»مسنده«(٤٢١) عن يحيى بن يحيى النيسابوري، والحارث بن أبي أسامة في»مسنده«(٥٩ -
زوائد الهيثمي) عن إسماعيل بن أبي إسماعيل المؤدب، وأبو عمرو الداني في»السنن
الواردة في الفتن«(٣٦٧) من طريق علي بن معبد، ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى
بن عُبيد الله بن عَبد الله بن مُوهَب، عن أبيه عن أبي هريرة.
وأخرجه مختصرًا ابنُ أبي عاصم
في»السُّنَّة«(٨٢) من طريق سعيد بن زُربي، عن الحسن البصري، عن أبي مالك كعب بن
عاصم الأشعري، سمع النبي ﷺ يقول:»إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على
ضلالة«وسعيد بن زُربي منكر الحديث، والحسن لم يصرح بسماعه.
قلنا: لكن لهذا القطعة شواهد كثيرة
تصح بها، ذكرناها في»جامع الترمذي«(٢٣٠٥) بتحقيقنا، وانظر شواهدها أيضًا في»مسند
أحمد" (٢١٢٩٣).
من هلَكَ، وإن يَقُم لهم دينُهم
يَقُم لهم سبعينَ عامًا» قال: قلتُ: أَمِمَّا تقِيَ أو مِمَّا مضَى؟ قال: «مِمَّا
مضى» (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة
البراء بن ناجية، وقال البخاري في «تاريخه الكبير» ٢/ ١١٨: لم يذكر سماعا من ابن
مسعود. ولكنه متابع. منصور:
هو ابن المعتمر، وسفيان: هو ابن سعيد
الثوري، وعبد الرحمن: هو ابن مَهدي.
وأخرجه الطيالسي (٣٨٣)، ونعيم بن
حماد في «الفتن» (١٩٦٣) و(١٩٦٥)، وأحمد في «مسنده» (٣٧٣٠) و(٣٧٣١) و(٣٧٥٨)، ويعقوب
بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» ٣/ ٣٥٥، وإبراهيم بن الحسين بن ديزيل في «سيرة
علي» كما في «البداية والنهاية» لابن كثير ٧/ ٢٨٦، وأبو يعلى (٥٢٨١)، والطحاوي في
«شرح مشكل الآثار» (١٦٠٩) و(١٦١١) و(١٦١٣)، وابن الأعرابي في «معجمه»، (٨٣٥)
و(٨٣٦) و(١٤٦٩)، والخطابي في «غريب الحديث» ١/ ٥٤٩، والحاكم ٣/ ١٠١ و١١٤، والبيهقي
في «دلائل النبوة» ٦/ ٣٩٣، والبغوي (٤٢٢٥)، من طريق منصور بن المعتمر، بهذا
الإسناد.
وأخرجه أحمد (٣٧٠٧)، وأبو يعلى
(٥٠٠٩) و(٥٢٩٨)، والبزار (١٩٩٦) و(١٩٩٧)، والطحاوي (١٦١٠)، وابن الأعرابي في معجمه
(١٤٧٠)، وابن حبان (٦٦٦٤)، والطبراني في «الكبير»، (١٠٣٥٦)، والخطابي في «غريب
الحديث» ١/ ٥٤٩ من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن
جده.
وإسناده صحيح، وقد ثبَّت غير واحد من
أهل العلم سماع عبد الرحمن من أبيه.
وأخرجه البزار (١٩٤٢)، وبإثر الحديث
(١٩٩٧)، وابن ديزيل كما في «البداية والنهاية» ٧/ ٢٨٦، والطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (١٦١٢)، والطبراني (١٠٣١١)
من طريق شريك النخعي، عن مجالد بن
سعيد، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه موقوفًا الطبراني في
«الكبير»، (٩١٥٩) من طريق أبي الأحوص، عن عبد الله ابن مسعود. وإسناده صحيح. وقال
الطبراني بإثره: هكذا رواه الأحوص موقوفًا، ورفعه مسروق وعبد الرحمن بن عبد الله
والبراء بن ناجية. =
قال أبو داود: من قال خِراش، فقد
أخطأ (١).
٤٢٥٥
- حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا
عَنبَسَةُ، حدَّثني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، حدَّثني حُميدُ بن عبدِ الرحمن
أن أبا هريرة قال: قالَ رسولُ الله
ﷺ: «يتقَارَبُ الزَّمانُ ويَنْقُصُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويُلقى
الشُّحُّ، ويكثرُ الهَرْجُ» قيلَ: يا رسولَ الله ﷺ ِ، أيْمَ هو (٢)؟ قال: «القَتلُ
القَتلُ» (٣).
قال الخطابي: قوله: «تدور رحى
الإسلام» دوران الرحى كناية عن الحرب والقتال، شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن
الحب لما يكون فيه من تلف الأرواح وهلاك الأنفس.
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار إلى أنها في رواية الرملي.
(٢)
بفتح الهمزة وتخفيف الياء والميم بغير ألف بعد الميم، في (ج)، وهي رواية ابن
الأعرابي كما أشار إليها في هامش (هـ) وعليها شرح الخطابي، فقال: وقوله: أيْم هو،
يريد: ما هو، وأصله: أيُّما هو، فخفف الياء، وحذف الألف، كما قيل: أيش ترى؟ في: أي
شيء ترى. قلنا: ورواية البخاري: أيّما هو، قال الحافظ في «الفتح» ١٣/ ١٤: بفتح
الهمزة وتشديد الياء الأخيرة بعدها ميم خفيفة، وأصله: أيّ شيء هو، ووقعت للأكثر
بغير ألف بعد الميم، وضبطه بعضهم بتخفيف الياء، كما قالوا: أيش، في موضع أيّ شيء،
وفي رواية الأسماعيلي: وما هو؟، وفي رواية أبي بكر ابن أبي شيبة، قالوا: يا رسول
الل، وما الهرج. وهذه رواية أكثر أصحاب الزهري.
وفي رواية ابن العبد: أيش هو؟ أشار
إليها الحافظ في نسخته للسنن وهي التي ذكرها في «الفتح» ونسبها لأبي داود. وفي (أ)
و(ب) و(هـ): أيه هو، ولم نجد أحدًا نبه على هذه الرواية أو ضبطها، وهي بمعنى ما
سلف.
(٣)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف من أجل عنبسة -وهو ابن خالد بن يزيد الأموي- وقد توبع.
يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو محمَّد بن مسلم الزهري.
وأخرجه البخاري (٦٠٣٧)، ومسلم بإثر
الحديث (٢٦٧٢) من طريقين عن ابن شهاب الزهري، به. =
٢ - باب النهي عن السعي في الفتنة
٤٢٥٦
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ، عن (١) عثمانَ الشَّحَّام، حدَّثني مُسلِمُ بنُ أبي بكرة
عن أبيه، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إنَّها ستكُونُ فِتنة يكونُ المضطجعُ فيها خيرًا مِن الجالِسِ، والجَالِسُ خيْرًا
مِن القائِمِ، والقائِمُ خيرًا مِن الماشِي، والماشي خيرًا من السَّاعي» قال: يا
رسولَ الله ما تأمرني؟ قال: «مَن كانت له إبلٌ فليَلحَق بإبلِه، ومن كانت له غنمٌ
فليلحق بغنَمِه، ومن كانت له أرضٌ فليَلحَق بأرضه» قال: فمن لم يكُن له شيءٌ مِنْ
ذلك؟ قال: «فليعمِدْ إلى سَيفِه فليضرِبْ بحدِّه على حرَّةٍ، ثم لينجُ ما استطاعَ
النَّجَاءَ» (٢).
= وأخرجه البخاري (٨٥) و(١٠٣٦) و(١٤١٢)
و(٧٠٦١) و(٧١٢١)، ومسلم بإثر الحديث (٢٦٧٢)، وبإثر (٢٨٨٨)، وابن ماجه (٤٠٤٧)
و(٤٠٥٢) من طرق عن أبي
هريرة. ولم يذكروا «ويُلقي الشُّح»
سوى البخاري (٧٠٦١)، ومسلم في بعض طرقه، وهي طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وزاد بعضهم: «وتكثر الزلازل»، وبعضهم يزيد أيضًا: «حتى يكثر فيكم المال فيفيض»
وروايتا مسلم وابن ماجه الأوليتان مختصرتان.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٨٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٧١١) و(٦٧١٧).
قال الخطابي: ومعنى يتقارب الزمان:
قصر زمان الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل: هو دنو زمان الساعة، وقيل؟ هو قصر مدة
الأيام والليالي على ما روي أن الزمان يتقارب حتى تكون السنة كالشهر والشهر
كالجمعة، والجمعة كاليوم واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق الشمعة. والهرج أصله
القتال، يقال: رأيتهم يتهارجون، أي: يتقاتلون.
(١)
في (أ): حدَّثنا عثمان.
(٢)
إسناده قوي من أجل مسلم بن أبي بكرة وعثمان الشحام فهما صدوقان لا بأس بهما.
وأخرجه مسلم (٢٨٨٧) من طريق عثمان
الشَّحَّام، به. =
٤٢٥٧ - حدَّثنا يزيدُ بنُ خالدٍ الرمليُّ،
حدَّثنا المفضَّلُ، عن عيَّاش بن عبَّاسٍ، عن بُكيْرِ، عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، عن
حُسين بنِ عبدِ الرحمن الأشجعيِّ
أنه سمَع سعدَ بنَ أبي وقَّاصِ، عن
النبيِّ ﷺ في هذا الحديثِ، قال: فقلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن دخلَ عليَّ بيتي،
وبَسَطَ يدَه ليقتلني؟ قال: فقالَ رسولُ الله ﷺ «كُنْ كابن (١) آدمَ» وتلا يزيد:
﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ﴾ الآية [المائدة:٢٨] (٢)
= وهو في «مسند أحمد» (٢٠٤١٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٩٦٥).
وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري
(٣٦٠١)، ومسلم (٢٨٨٦).
وعن سعد بن أبي وقاص وأبي موسى
الأشعري، سيأتيان بعده وبرقم (٤٢٥٩).
وحديث محمَّد بن مسلمة عند أحمد
(١٧٩٧٩) وغيره، وانظر تمام شواهده هناك.
ولقوله: «من كانت له غنم فليلحق
بغنمه» شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري (١٩)، وسيأتي عند المصنف برقم
(٤٢٦٧) ولفظه: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال ومواقع
القطر يفر بدينه من الفتن».
وقوله: «على حرَّة»، الحرة: أرض ذات
حجارة سود، والمدينة تقع بين حرَّتين حرة واقم وحرة الوبرة. «والنَّجاء» بفتح
النون والمد، أي: الاسراع.
(١)
المثبت من (ب)، وفي بقية أصولنا الخطية: كابني آدم. وفي رواية: كن كخير ابني آدم،
وهي في الحديث الآتي برقم (٤٢٥٩).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد اختُلف فيه عن بكير -وهو ابن عبد الله بن الأشج- كما بينه
الدارقطني في «العلل»، ٤/ ٣٨٤ - ٣٨٥ ثم قال بعد ذلك: وحديث مفضَّل بن فضالة أشبه
بالصواب، والله أعلم. قلنا: وحسين بن عبد الرحمن -ويقال: عبد الرحمن بن حسين-
الأشجعي مجهول، لكن للحديث طريق أخرى صحيحة.
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»،
٦٤/ ٧ - ٨، والضياء في «المختارة» (٩٤٢)، والمزي في ترجمة حسين بن عبد الرحمن من
«تهذيب الكمال» ٦/ ٣٨٩ - ٣٩٠
من طريق مُفضل بن فضالة، بهذا
الإسناد. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط»
(٨٦٧٨) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن عياش بن عباس
القتباني، عن بكير بن عبد الله ابن الأشج، عن بسر، عن عبد الرحمن بن حسين الأشجعي،
عن سعد بن أبي وقاص. وخالف عبد الله بن صالح قتيبةُ بن سعيد، عند أبي خيثمة زهير
بن حرب في «مسنده» كما في: «النكت الظراف» ٣/ ٢٨٠، وأحمد (١٦٠٩)، والترمذي (٢٣٤٠)،
وأبي يعلى (٧٥٠)، والهيثم بن كليب الشاشي في «مسنده» (١٢٦)، والسهمي في «تاريخ
جرجان» ترجمة (١١٦٠) والضياء في «المختارة» (٩٣٨) عن الليث بن سعد، عن عياش بن
عباس، عن بكير ابن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص.
دون ذكر الأشجعي. وقد صوّب الدارقطني
ذكره كما ذكرناه آنفا.
وأخرجه أحمد (١٤٤٦) من طريق عبد الله
بن لهيعة، عن بكير ابن الأشج، أنه سمع عبد الرحمن بن حسين يحدث أنه سمع سعد بن أبي
وقاص. فأسقط من إسناده بسر بن سعيد، وابن لهيعة سيء الحفظ.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ٧، والدورقي
في «مسند سعد» (١١٥)، والبزار (١٢٢٣) و(١٢٢٤)، وأبو يعلى (٧٨٩) من طرق عن داود بن
أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص، دون قوله: يا رسولَ الله،
أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني ... إلى آخر الحديث. وإسناده صحيح.
ويشهد لهذا الحديث حديث أبي بكرة
السالف قبله، وحديث أبي موسى الأشعري الآتي برقم (٤٢٥٩)، وحديث أبي هريرة الذي
سلفت الإشارة إليه عند الحديث السابق.
ويشهد للقطعة الأخيرة منه في قوله ﷺ:
«كن كابنى آدم» حديث أبي موسى الآتي برقم (٤٢٥٩).
وحديث أبي ذر الآتي عند المصنف برقم
(٤٢٦١) وهو حديث صحيح.
وحديث أبي بكرة عند مسلم (٢٨٨٧).
وقوله: «كن كابن آدم» قال في «عون
المعبود»: المطلق ينصرف إلى «الكامل»، وفيه إشارة لطيفة إلى أن هابيل المقتول
ظلمًا هو ابن آدم لا قابيل القاتل الظالم كما قال تعالى في حق ولد نوح عليه السلام:
﴿إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ وفي بعض: كابني آدم، وفي بعض
النسخ: كخير ابني آدم، أي: فلتستسلم حتى تكون قتيلًا كهابيل، ولا تكن قاتلًا.
وانظر الحديث الآتي برقم (٤٧٧١).
٤٢٥٨ - حدَّثنا عَمرو بنُ عُثمانَ، حدَّثنا
أبي، حدَّثنا شهابُ بنُ خِرَاش، عن القاسمِ بنِ غَزوانَ، عن إسحاقَ بنِ راشدٍ
الجَزَريِّ، عن سالم، حدَّثني عمرو بنُ وابِصة الأسَديُّ، عن أبيه وابصةَ
عن ابنِ مسعودٍ، قال: سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقولُ: فذكر بعض حديثِ أبي بَكرة، قال: «قتلاها كلُّهم في النارِ» قال فيه:
قلتُ: متى ذلك يا ابنَ مسعود؟ قال: تِلكَ أيامُ الهَرْجِ حيثُ لا يأمنُ الرَّجُلُ
جليسَه، قلتُ: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك الزمانُ؟ قال: تكفُّ لِسَانَكَ ويدكَ،
وتكونُ حِلْسا مِن أحلاسِ بيتِك، فلما قُتِلَ عثمانُ طار قلبي مَطارَهُ، فركبتُ
حتى أتيتُ دمشقَ، فلقيتُ خُريم بنَ فاتِكٍ الأسَديَّ فحدَّثته، فحلفَ بالله الذي
لا إله إلا هو لسمعهُ من رسولِ الله ﷺ كما حدَّثنيه ابنُ مسعودٍ (١).
(١) إسناده ضعيف لجهالة القاسم بن غزوان
وعمرو بن وابصة. وسالم المذكور في هذا الإسناد اختلف فيه أهو ابن أبي الجعد أو ابن
أبي المهاجر أو ابن عجلان الأفطس، وهؤلاء الثلاثة كلهم ثقات، لكن روى الحديث معمر
بن راشد الثقة، عن إسحاق بن راشد فلم يذكر سالمًا هذا، وذكر الحافظ ابن عساكر في
«تاريخه» ٦٢/ ٣٣٥ أن سليمان بن صهيب الرقي رواه أيضًا عن إسحاق بن راشد فلم يذكر
سالمًا، وأسنده ابن عساكر من طريقه، وعلى كل حال تبقى جهالة عمرو بن وابصة هذا.
وأخرجه المزي في ترجمة القاسم بن
غزوان من «تهذيب الكمال» ٢٣/ ٤٠٧ من طريق شهاب بن خراش، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه»
(٢٠٧٢٧)، ومن طريقه أخرجه البزار (١٤٤٤)، والطبراني في «الكبير» (٩٧٧٤)، والخطابي
في «العُزلة» (١١)، والحاكم ٣/ ٣٢٠ و٤/ ٤٢٦ - ٤٢٧، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٦٢/
٣٣٦ - ٣٣٧، وابن أبي شيبة ١٥/ ١٢٠، ونعيم بن حماد في «الفتن» (١٥٧) و(٣٤٢)، وأحمد
(٤٢٨٧)، وإبراهيم الحربي في «غريب الحديث» ١/ ١٣٢ و٢/ ٤٤٢ من طردتى عن ابن
المبارك، كلاهما =
٤٢٥٩ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ
الوارثِ بنُ سعيدٍ، عن محمدِ بنِ جُحادة، عن عبدِ الرحمن بن ثروانَ، عن هُزَيلِ بن
شُرَحْبيلَ
عن أبي موسى الأشعريِّ، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «إن بينَ يدي الساعةِ فِتَنًا كقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ
الرجلُ فيها مؤمنًا، ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويُصبحُ كافرا، القاعدُ فيها
خير من القائِمِ، والماشي فيها خير مِن السَّاعي، فكسِّروا قِسِيَّكم، وقطَّعوا
أوتاركم، واضرِبوا سيوفكُم بالحجَارةِ، فإن دُخِلَ -يعني على أحدٍ منكم- فليكن
كخيرِ ابني آدم (١).
= (عبد الرزاق وابن المبارك) عن معمر بن راشد،
وابن عساكر ٦٢/ ٣٣٥ من طريق سليمان بن صهيب الرقي، كلاهما (معمر وسليمان) عن إسحاق
بن راشد، عن عمرو ابن وابصة، عن أبيه، عن ابن مسعود، به فلم يذكرا في الإسناد
سالمًا.
وأخرجه أحمد (٤٢٧٦) عن عبد الرزاق،
عن معمر، عن رجل، عن عمرو بن وابصة، عن أبيه، عن ابن مسعود. فلم يسمِّ الرجل، وجزم
الدارقطني في»العلل«٥/ ٢٨١ بأنه إسحاق بن راشد، وتبعه الحافظ ابن حجر في»تعجيل
المنفعة«.
وأخرجه ابن المبارك في»مسنده«-برواية
حبان بن موسى- (٢٦٢) عن معمر بن راشد، عن سالم، عن إسحاق بن راشد، عن عمرو بن
وابصة، عن أبيه، عن ابن مسعود. كذا وقع في المطبوع، ولا ندري أثمَّ تقديم وتأخير
لم يتنبه له المحقق، فيكون سالم بين إسحاق وعمرو بن وابصة، أم هو كذلك في رواية
حبان بن موسى، فإن يكن كذلك فقد خالفه جماعة أصحاب ابن المبارك فلم يذكروا سالمًا
هذا في الإسناد كما سلف ولم يذكره الدارقطني أيضًا في»العلل"، ٥/ ٢٨٠ - ٢٨١
حين ساق الاختلاف في إسناد هذا الحديث، والله تعالى أعلم.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن ثروان، وقد روي الحديث من طريق
آخر سيأتي عند المصنف برقم (٤٢٦٢)، وله شواهد نذكرها في هذا التعليق.
=
٤٢٦٠ - حدَّثنا أبو الوليد الطيالسيُّ،
حدَّثنا أبو عَوَانةَ، عن رقبَةَ بن مصقلةَ، عن عونِ بنِ أبي جُحَيفةَ
عن عبدِ الرحمن -يعني ابن سَمُرَةَ
(١) - قال: كنتُ آخذًا بيد ابنِ عمر في طريقٍ من طُرُقِ المدينة إذ أتى على رأسٍ
منصوبٍ، فقال:
= وأخرجه ابن ماجه (٣٩٦١) من طريق عبد
الوارث بن سعيد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٧٣٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٩٦٢).
وأخرجه مختصرًا ابنُ أبي شيبة ١١/ ١٩
من طريق الحسن البصري، عن أبي موسى رفعه: «تكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل
المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا». والحسن لم
يسمع أبا موسى.
وسيأتي من طريق آخر برقم (٤٢٦٢).
ويشهد لأوله حديث أبي هريرة عند مسلم
(١١٨)، والترمذي (٢٣٤١) بلفظ: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح
الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من
الدنيا، وهو في»مسند أحمد«(٨٠٣٠).
ويشهد لتفضيل القاعد في هذه الفتن
على القاتم، والماشي على الساعي حديث أبي بكرة وحديث سعد بن أبي وقاص السالفان
برقم (٤٢٥٦) و(٤٢٥٧).
وحديث أبي هريرة عند البخاري (٣٦٠١)،
ومسلم (٢٨٨٦).
ويشهد لكسر السلاح عند الفتن والنزام
البيوت حديث أبي بكرة وسعد السالفين أيضًا.
وحديث أبي ذر الآتي برقم (٤٢٦١).
وحديث محمَّد بن مسلمة عند أحمد
(١٧٩٧٩) وغيره، وانظر تمام شواهده عنده.
وانظر في اختلاف العلماء في قتال
الفتنة»شرح مسلم«للإمام النووي ١٨/ ٨ عند الحديث (٢٨٨٦).
وقوله:»كقطع الليل المظلم" قطع
الليل: طائفةٌ منه، وقِطعةٌ، وجمعُ القِطْعة قِطَع، أراد: فتنة مظلمة سوداء
تعظيمًا لشأنها.
(١)
قوله: يعني ابن سَمُرة، أثبتناه من (هـ)، وأشار إلى أنه في رواية الرملي.
شَقِي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما
أُرى هذا إلا قد شَقِيَ، سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «مَن مَشَى إلى رجلٍ مِن
أُمَّتي لِيقتُله فليقُلْ هكذا -يعني فليمُدَّ عُنُقَه (١) -، فالقاتِلُ في
النَّارِ والمقتولُ في الجنة» (٢).
قال أبو داود: رواه الثوريُّ، عن
عونٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ سُميرٍ أو سميرة، ورواه ليثُ بن أبي سُليم، عن عونٍ، عن
عبد الرحمن بن سُميرةَ.
قال أبو داود: قال لي الحسنُ بن
عليٍّ: حدَّثنا أبو الوليد -يعني بهذا الحديثِ- عن أبي عوانةَ، فقال: هو في كتابي
ابن سبرةَ، وقالوا: سَمُرة، وقالوا: سميرة، هذا كلام أبي الوليد. اختلفوا فيه.
٤٢٦١
- حدَّثنا مُسَدد، حدَّثنا حمادُ بنُ
زيدِ، عن أبي عِمرَانَ الجَوني، عن المُشَعثِ بنِ طريفٍ، عن عبدِ الله بن الصَّامت
عن أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسولُ الله
ﷺ: «يا أبا ذرِّ» قلتُ: لبيكَ يا رسولَ الله وسَعْديك، فذكرَ الحديثَ، قال فيه:
«كيفَ أنتَ إذا أصابَ
(١) قوله: يعني فليمد عنقه. زيادة أثبتناها
من (ب) وهامش (ج) مصححًا عليها.
(٢)
إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن الراوى عن ابن عمر، وقد اختلف في اسم أبيه، فقيل:
سمرة، وقيل: سمير، وقيل: سميرة إلى غير ذلك كما بينه المصنف بإثر الحديث. أبو
عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكرى، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد
الملك.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ١٢١، وأحمد
(٥٧٠٨) و(٥٧٥٤)، وأبو يعلى (٥٧٣٢)، والطبراني في»الأوسط«(١٩٩٤)، وأبو نعيم
في»الحلية«٨/ ٢٥٠، وابن عساكر في»تاريخ دمشق«٦٤/ ٧، والمزي في ترجمة عبد الرحمن
من»تهذيب الكمال" ١٧/ ١٦١ من طرق عن عون بن أبي جُحيفة، به.
الناسَ مَوتٌ يكونُ البيتُ فيه
بالوصِيفِ؟» يعني القبرَ، قلت: اللهُ ورسولُه أعلمُ -أو قال: ما خَارَ اللهُ لي
ورسولُه- قال: «عليكَ بالصَّبرِ -أو قال: تَصبِرُ-». ثم قال لي: «يا أبا ذرِّ»
قلت: لبيكَ وسعديكَ. قال: «كيفَ أنت إذا رأيتَ أحجارَ الزيتِ قد غَرِقَتْ بالدَّمِ؟
قلتُ: ما خارَ اللهُ لي ورسولُه، قال:»عليك بمَنْ أنتَ منه«قلتُ: يا رسولَ الله
أفلا آخُذُ سيفي، فأضعَه على عاتقي؟ قال:»شاركتَ القومَ إذَنْ«قلتُ: فما تأمرُني؟
قال: تلزمُ بيتَكَ» قلت: فإن دُخِلَ عليَّ بيتي؟ قال: «فإن خَشِيتَ أن يبهَرَك
شُعَاعُ السَّيفِ، فألقِ ثوبَكَ على وجهِكَ، يبوءُ بإثمكَ وإثمهِ» (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد تفرد فيه حماد بن
زيد بزيادة المُشَعَّث بن طريف بين أبي عمران الجوني وبين عبد الله بن الصامت كما
أشار إليه المصنف بإثر الحديث، وخالفه أصحاب أبي عمران فلم يذكروا المشعَّث هذا،
والمشعث مجهول. أبو عمران الجَوني: هو عبد الملك بن حبيب الأزدي.
وأخرجه ابن ماجه (٣٩٥٨) من طريق حماد
بن زيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (٢٠٧٢٩)، ومن
طريقه الحاكم ٢/ ١٥٦ - ١٥٧ و٤/ ٤٢٣ - ٤٢٤، والبغوي (٤٢٢٠) عن معمر بن راشد، وأحمد
(٢١٣٢٥)، والبزار في «مسنده» (٣٩٥٩) وابن حبان (٦٦٨٥) من طريق مرحوم بن عبد العزيز
العطار، ونعيم بن حماد في «الفتن» (٤٣٥) وابن أبي شيبة ١٥/ ١٢، وأحمد (٢١٤٤٥)،
والخلال في «السنة» (١٠٤) من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد، والبزار (٣٩٥٨) من
طريق صالح بن رستم، وابن حبان (٥٩٦٠)، وابن المبارك في «مسنده» (٢٤٥)، والحاكم ٤/
٤٢٣ - ٤٢٤ من طريق حماد بن سلمة، والبيهقي ٨/ ١٩١ من طريق شعبة بن الحجاج، كلهم عن
أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر الغفاري. فلم يذكروا في
الإسناد: المُشعَّث بن طريف. وإسناده صحيح. =
قال أبو داود: لم يذكرِ المُشعَّث في
هذا الحديثِ غيرُ حمادِ بن زيدٍ.
٤٢٦٢
- حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارس،
حدَّثنا عفانُ بنُ مُسلم، حدَّثنا عبدُ الواحدِ بنُ زياد حدَّثنا عاصمٌ الأحولُ،
عن أبي كَبشةَ قال:
سمعت أبا موسى يقولُ: قال رسولُ الله
ﷺ:»إن بين أيدِيكُم فِتَنأ كقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ فيها
مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعِدُ فيها خير مِن
القائِم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشِي، والماشِي فيها خير مِن السَّاعي قالوا:
فما تأمُرُنا؟ قال: «كونوا أحلاسَ بيوتِكُم» (١).
= وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد»
(٢١٣٢٥). وسيأتي بعضه مكررًا برقم (٤٤٠٩) قال الخطابي: البيت هاهنا: القبر،
والوصيف: الخادم: يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر
قبر الميت أو يدفنه إلا أن يُعطى وصيفًا أو قيمته.
وقد يكون معناه أن مواضع القبور تضيق
عنهم، فيبتاعون لموتاهم القبور، كل قبر بوصيف.
وقوله: يبهرك شعاع السيف: معناه:
يغلبك ضوؤه وبريقه، والباهر: المضيء الشديد الإضاءة.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي كبشة -وهو السدوسي-. فقد قال الذهبي في
«الميزان»: لا يُعرف. وقد اختُلف في رفع هذا الحديث ووقفه، رفعه عبد الواحد بن
زياد ووقفه أبو معاوية وعلي بن مُسهر وجرير بن عبد الحميد، وذكر الدارقطني أن
القاسم بن معن رواه مرفوعًا كذلك كرواية عبد الواحد بن زياد، ذكر ذلك في «العلل»
٧/ ٢٤٧ ثم قال: فإن كان عبد الواحد بن زياد حفظ مرفوعًا، فالحديث له، لأنه ثقة.
قلنا: وقد سلف من طريق الهزيل بن شرحبيل عن أبي موسى مرفوعًا برقم (٤٢٥٩) وإسناده
حسن.
وأخرجه أحمد (١٩٦٦٢)، والبزار
(٣١٩٠)، والآجري في «الشريعة» ص ٥٠، والحاكم ٤/ ٤٤٠، والبيهقي في «شعب الإيمان»
(٧٥٢)، وابن البناء في "الرسالة =
٤٢٦٣ - حدَّثنا إبراهيمُ بنُ الحَسَنِ
المِصِّيصِيُّ، حدَّثنا حجَّاج -يعني ابنَ محمَّد- أخبرنا الليثُ بنُ سعْدٍ،
حدَّثني معاويةُ بنُ صالحٍ، أن عبدَ الرحمن بنَ جُبير حدَّثه، عن أبيه
عن المقدادِ بن الأسود، قال: أيمُ
الله، لقد سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إن السعيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ
السعيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إن السعيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، ولَمَن
ابتُلِيَ فَصَبَرَ فواهًا» (١).
= المغنية«ص ٤٣. من طريق عبد الواحد بن
زياد، بهذا الإسناد، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه نعيم بن حماد في»الفتن«(٤٤٩)،
وابن أبي شيبة ١٥/ ١١، وهناد بن السَّري في»الزهد«(١٢٣٧) عن أي معاوية محمَّد بن
خازم الضرير، وابن أبي شيبة ١٥/ ١١ عن علي بن مُسهر، ونعيم بن حماد (١٢) عن جرير
بن عبد الحميد، ثلاثتهم عن عاصم الأحول، به. موقوفًا من كلام أبي موسى الأشعري.
وقد سلف من طريق آخر برقم (٤٢٥٩)،
وله شواهد ذكرناها هناك.
الأحلاس: جمع حِلس، وهو الكساء الذي
يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه البزار (٢١١٢)، والطبراني
في»المعجم الكبير«٢٠/ (٥٩٨)، وفي»مسند الشاميين«(٢٠٢١)، وأبو نعيم في»حلية
الأولياء«١/ ١٧٥، وابن عساكر في»تاريخ دمشق«٦٠/ ١٧٩ من طريق عبد الله بن صالح كاتب
الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، بهذا الإسناد.
قال الخطابي:»واهًا«، كلمة معناها
التلهُّف، وقد يوضع أيضًا موضع الإعجاب بالشيء، فإذا قلت: ويهًا، كان معناها:
الإغراء.
وفي»بذل المجهود": قوله:
فواهًا: تحسر لمن قتل وهو مظلوم، أو استطابة لحاله باعتبار مآله. قلنا: وواها: اسم
فعل مضارع بمعنى أتعجب، وأسماء الأفعال هي التي تدل على معنى الفعل ولا تقبل
علاماته.
٣ - باب في كَفِّ اللسانِ
٤٢٦٤
- حدَّثنا عبدُ الملك بنُ شُعيب بنِ
الليثِ، حدَّثني ابنُ وهبِ، حدَّثني الليثُ، عن يحيى بنِ سعيدِ، قال: قال خالدُ بن
أبي عِمرانَ، عن عبدِ الرحمن ابن البَيلماني، عن عبد الرحمن بن هُرْمزَ.
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال:
«ستكونُ فِتنةٌ صمَّاءُ بكمْاءُ عَمياءُ، مَنْ أشرَفَ لها استشرفَتْ له، وإشرافُ
اللسانِ فيها كوقوع السيفِ» (١).
(١) وإسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن
البيلماني، وقد اختُلف في إسناد هذا الحديث ومتنه، فتارة يُروى بهذا الإسناد،
وتارة يُروى عن الليث -وهو ابن سعد- عن يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري، عن خالد بن
أبي عمران، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عبد الرحمن -وقيل: عبد الله- بن
فرُّوخ، عن أبي هريرة، وعبد الرحمن ابن فروخ هذا شامي ذكره البخاري في «تاريخه
الكبير»، ٥/ ٣٣٧، وذكره أيضًا ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٣١/ ٤٠٠ لكنه سماه عبد
الله بن فرُّوخ، ونقل توثيقه عن العجلي، وذكر جماعة روَوا عنه. قلنا: وهذا
الاختلاف في تسمية عبد الرحمن إنما هو من ابن البيلماني الضعيف، فمرة قال: ابن
هرمز، وهذا الأعرج الثقة المشهور، ومرة قال: ابن فرُّوخ، وهذا رجل شامي آخر كما
ذكرنا.
وقد روي هذا الحديث أيضًا على نحو
آخر في إسناده مع اختلاف في متنه كذلك، فقد أخرج ابن قانع في «معجم الصحابة» ١/ ١٧
عن عبد الله بن أبي داود السجستاني، عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن ابن وهب،
عن الليث، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن خالد بن أبي عمران، عن الحكم بن مسعود
النجراني، عن أنيس بن أبي مرثد الأنصاري أن رسول الله ﷺ قال: «ستكون فتنة بكماء
صماء عمياء، المضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من
الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي». فجعله من حديث الحكم بن مسعود، عن أُنيس بن أبي
مرثد الأنصاري.
والحكم هذا مجهول. والمتن مختلف كما
ترى، ولكنه أشبه بالصواب لوروده من طريق أخرى صحيحة بهذا اللفظ عن أبي هريرة كما
سيأتي بيانه. وقد ذكر الحافظ في =
٤٢٦٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيدٍ، حدَّثنا
حمادُ بنُ زيدٍ، حدَّثنا ليثٌ، عن طاووس، عن رجُلٍ يقال له: زياد
عن عبدِ الله بنِ عمرو، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «إنها ستكون فتنةٌ تستنظِفُ العرَبَ، قَتْلاها في النَّارِ، اللسانُ
فيها أشدُّ مِنْ وقْعِ السَّيفِ» (١).
= «الإصابة» ١/ ١٣٨ في ترجمة أُنيس بن
أبي مرثد أن البغوي في «معجمه» وبقي بن مخلد في «مسنده» وأبا علي بن السكن قد رووه
على هذا الوجه - يعني الذي عند ابن قانع. وأخرجه كرواية المُصنِّف الطبراني في
«الأوسط» (٨٧١٧)، وأبو إسماعيل الأنصاري في «أحاديث ذم الكلام» (١١١) من طريق عبد
الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن خالد بن
أبي عمران، عن عبد الرحمن ابن فرُّوخ -وقال أبو إسماعيل الأنصاري: عبد الله بن
فَرُّوخ- عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن ماجه (٣٩٦٨) من طريق
محمَّد بن الحارث الحارثي، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه عن ابن
عمر رفعه بلفظ: «إياكم والفتن، فإن اللسان فيها مثل وقع السيف» والحارثي ضعيف،
ومحمد بن عبد الرحمن بن البيلماني متروك وأبوه ضعيف.
وأخرجه بلفظ ابن قانع ومن معه: نعيم
بن حماد في «الفتن»، (٤٦٧)، وابن حبان في «صحيحه» (٦٧٠٥) من طريق عبد العزيز بن
محمَّد الدراوردي، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة وإسناده قوي.
وقوله: «من أشرف لها استشرفت له»
أخرجه البخاري (٣٦٠١)، ومسلم (٢٨٨٦) من حديث سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد
الرحمن، عن أبي هريرة.
ولذكر الفتنة العمياء الصماء انظر
حديث حذيفة السالف عند المصنف برقم (٤٢٤٦).
ولذكر تفضيل القاعد على القائم
والقائم على الماشي في هذه الفتن انظر الأحاديث السالفة بالأرقام (٤٢٥٦) و(٤٢٥٧)
و(٤٢٥٩)
(١)
إسناده ضعيف لضعف ليث -وهو ابن أبي سُليم- وجهالة زياد -وهو ابن سيمين كوش، وقيل
في اسم أبيه غير ذلك كما بيناه في «مسند أحمد» (٦٩٨٠). =
قال أبو داود: رواه الثوريُّ عن
ليثِ، عن طاووسٍ، عن الأعجَمِ.
٤٢٦٦
- حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى بنِ
الطَّبَّاع، حدَّثنا عبدُ الله بنُ عبدِ القُدُّوسِ، قال زِيادٌ: سِيمين كوش (١).
قال: إنما هو زياد الأعجمي (٢).
٤
- باب ما
يُرَخَّصُ فيه من البِدَاوة في الفِتنةِ
٤٢٦٧
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلَمةَ، عن
مالكٍ، عن عبدِ الرحمن بنِ عبدِ الله ابن عبدِ الرحمن بن أبي صَعصَعَةَ، عن أبيهِ
عن أبي سعيدِ الخدريِّ، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «يُوشِكُ أن يكون خيرُ مالِ المُسلِم غنمًا يتْبَعُ بِها شَعَفَ
الجِبَالِ ومواقعَ القطرِ، يفِرُّ بِدينه مِنَ الفِتن» (٣).
= وأخرجه ابن ماجه (٣٩٦٧)، والترمذي
(٢٣١٩) من طريق حماد بن سلمة، عن ليث، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٦٩٨٠) وانظر
تمام الكلام عليه هناك.
قوله: «تستنظف العرب» قال ابن الأثير
في «النهاية» أي: تستوعبهم هلاكًا، يقال: استظفتُ الشيء إذا أخذتَه كلَّه.
(١)
سيمين كوش: كلمة فارسية، معناها: أبيض الأذن، وسيمين: الفضة وكوش: أبيض.
(٢)
قوله: إنما هو زياد الأعجمي، زيادة من رواية ابن العبد، كما أشار إليه في (أ).
(٣)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٧٠.
وأخرجه البخاري (١٩)، وابن ماجه
(٣٩٨٠)، والنسائي في «المجتبى» (٥٠٣٦) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي صعصعة، به. وانقلب اسم عبد الرحمن عند ابن ماجه إلى: عبد الله بن
عبد الرحمن، وهو خطأ.
٥ - باب في النهي عن القتال في الفتنة
٤٢٦٨
- حدَّثنا أبو كامِلٍ، حدَّثنا حمَّادُ
بنُ زيدٍ، عن أيوبَ ويُونسَ عن الحسن عن الأحنفِ بنِ قيسٍ، قال: خرختُ وأنا أُريدُ
هذا الرجلَ لأنصرَه، فلقيني أبو بكرَةَ، فقال: ارجِع، فإني سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ
يقولُ:»إذا تواجَه المُسلمان بسيفيهِما، فالقَاتِلُ والمقتولُ في النَّارِ قال: يا
رسولَ اللهِ، هذا القاتِلُ، فما بالُ المقتولِ؟ قال: «إنه أرادَ قتلَ صاحِبِه» (١).
٤٢٦٩
- حدَّثنا محمدُ بنُ المتوكِّلِ
العسقلانى، حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، أخبرنا معمر، عن أيوبَ، عن الحسنِ، بإسناده
ومعناه، مختصرًا (٢).
= وهو في «مسند أحمد» (١١٠٣٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٩٥٥) و(٥٩٥٨).
قال الخطابي: «شعف الجبال»: أعاليها،
وفيه الحث على العُزلة أيام الفتن نسألُ الله تعالى أن يسلمنا منها.
(١)
إسناده صحيح. الحسن: هو ابن أبي الحسن البصري، ويونس: هو ابن عبيد، وأيوب: هو ابن
أبي تميمة، وأبو كامل: هو فُضَيل بن حسين الجَحدري.
وأخرجه البخاري (٣١)، ومسلم
(٢٨٨٨)،والنسائي في «الكبرى» (٣٥٧٥) من طريق حماد بن زيد، بهذا الإسناد. زاد مسلم
في إحدى روايتيه والنسائي: المعلى بن زياد مع أيوب ويونس.
وأخرجه مسلم (٢٨٨٨) وابن ماجه
(٣٩٦٥)، والنسائي في «الكبرى» (٣٥٦٨) من طريق ربعي بن حِراش، عن أبي بكرة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٤٢٤)
و(٢٠٤٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٥٩٤٥) و(٥٩٨١) وانظر ما بعده.
(٢)
إسناده صحيح.
وأخرجه مسلم (٢٨٨٨)،والنسائي في
«الكبرى» (٣٥٧٤) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
قال أبو داود: لمحمد أخٌ ضعيف، يعني
ابن المتوكِّل، يقال له: حُسين (١)
٦
- باب في
تعظيم قتلِ المؤمن
٤٢٧٠
- حدَّثنا مُؤمَّل بنُ الفضْلِ
الحرَّانيُّ، حدَّثنا محمدُ بنُ شُعيبٍ، عن خالدِ بنِ دِهقانَ، قال: كنا في غزوة
القُسطنطينيه بِذُلُقيَةَ، فأقبلَ رجلٌ مَن أهلِ فلسطين من أشرافهم وخيارِهم،
يعرفوُن ذلك له، يقال له: هانئُ بنُ كُلثوم بنِ شَريكٍ الكِنانيُّ، فسلَّم على عبد
الله بن أبي زكريا، وكان يَعْرِفُ له حقَّه، قال لنا خالدٌ: فحدَّثنا عبدُ الله بن
أبي زكريا، قال: سمعتُ أمَّ الدرداءِ تقولُ:
سمعتُ أبا الدرداء يقول: سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقولُ: «كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أن يغفِرَهُ، إلا مَن ماتَ مُشرِكًا، أو من
قَتَلَ مؤمنًا مُتعَمدًا».
فقال هانئ بنُ كلثوم: سَمِعتُ محمودَ
بنَ الربيعِ يُحدث
عن عُبادَةَ بنِ الصَّامت، أنه سمعه
يُحدث عن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «مَنْ قَتَلَ مؤمنًا، فاغتَبَطَ بقتله، لم يَقبلِ
اللهُ منه صَرْفًا ولا عَدْلًا». قال لنا خالد: ثم حدَّثنا ابنُ أبي زكريا، عن
أمِّ الدرداء
عن أبي الدرداء، أن رسولَ اللهِ ﷺ
قال: «لا يزالُ المؤمِنُ مُعنِقًا صالحًا ما لم يُصِت دمًا حَرَامًا، فإذا أصابَ
دمًا حَرَامًا بَلَّح».
وحدَّث هانئُ بنُ كلثوم، عن محمودِ
بن الربيعِ، عن عُبادَةَ بنِ الصامتِ، عن رسولِ الله ﷺ، مثله سواءً (٢).
(١) مقالة أبي داود هذه في رواية ابن العبد،
أشار إليها في هامش (أ).
(٢)
إسناداه صحيحان. محمَّد بن شعيب: هو ابن شابور. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرج الحديث الأول: أبو عبيد القاسم
بن سلام في «الناسخ والمنسوخ» (٤٩٥)، وابن أبي عاصم في «الديات» ص ٦ - ٧، والبزار
(٢٧٢٩)، وابن حبان (٥٩٨٠)، والطبراني في «الأوسط» (٩٢٢٨)، وفي «الشاميين»، (١٣٠٨)،
وأبو بكر الأسماعيلي في «معجم شيوخه» ترجمة (٢٣٣)، والحاكم ٤/ ٣٥١، وابن مردويه في
«تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢]، وأبو نعيم في «الحلية» ٥/ ١٥٣، والبيهقي ٨/
٢١، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ١٦/ ١٨ - ١٩ من طريق خالد بن دهقان، بهذا الإسناد.
وأخرج الحديث الثاني: أبو عُبيد
القاسم (٤٩٦)، وابن أبي عاصم في «الديات» ص ٧، والطبراني في «الشاميين» (١٣١١)،
وأبو عمرو الدانى في «السنن الواردة في الفتن» (٩٦) والبيهقي ٨/ ٢١، وابن عساكر
١٦/ ١٨ - ١٩، والضياء المقدسي في «المختارة» (٤١٥) و(٤١٦) و(٤١٧) من طريق خالد بن
دهقان، به. وقد جاء عند بعضهم تسمية محمود بن الربيع: محمود بن ربيعة، خطأ.
وأخرج الحديث الثالث: ابن أبي عاصم
في «الديات» ص ٦، والطبراني في «الأوسط» (٩٢٢٩)، وفي «الصغير» (١١٠٨)، وفي
«الشاميين» (١٣٠٩)، والخطابي في «غريب الحديث» ١/ ٢٠٣، وأبو نعيم في «الحلية» ٥/
١٥٣، والبيهقي ٨/ ٢١ من طريق خالد بن دهقان، عن عبد الله بن أبي زكريا، عن أم
الدرداء، عن أبي الدرداء.
وأخرجه أيضًا البخاري في «تاريخه
الكبير» ٨/ ٢٣٠، وابن أبي عاصم في «الديات» ص ٦، والطبراني في «الشاميين» (١٣١٠)،
وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ١١٩، والبيهقي ٨/ ٢١، والضياء في «المختارة» (٤١٨)
و(٤١٩) من طريق خالد بن دهقان، عن هانئ بن كلثوم، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن
الصامت. ووقع الخطأ أيضًا في تسمية محمود بن الربيع عند بعضهم إلى: محمود بن ربيعة.
وأخرج البزار الحديث الأول (٢٧٣٠) من
طريق خالد بن دهقان، عن هانئ بن كلثوم، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت.
فذكره بإسناد عُبادة، ولم نجده لغير. =
٤٢٧١ - حدَّثنا عبدُ الرحمن بنُ عَمرو
الدمشقي، عن محمَّد بنِ مبارَكٍ، حدَّثنا صدقةُ بنُ خالدٍ -أو غيرُه- قال:
قال خالدُ بنُ دِهقانَ: سألتُ يحيى
بنَ يحيى الغَسَّانى عن قوله: «اغتَبَطَ بقتْلِه» قال: الذينَ يُقاتِلون في
الفتنةِ، فيَقتُلُ أحدُهم، فيرَى أنه على هدىً لا يستغفِرُ اللهَ، يعني مِن ذلك.
٤٢٧٢
- حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا
حمادٌ، أخبرنا عبدُ الرحمن بنُ إسحاقَ، عن أبي الزِّناد، عن مجالد بنِ عوف، أن
خارجةَ بنَ زيدٍ قال:
= قوله: «فاغتَبَطَ» بالغين المعجمة من
الغبطة قال ابن الأثير في «النهاية»: هكذا جاء الحديث في «سنن أبي داود» بالغين
المعجمة ... (ونقل تفسير يحيى بن يحيى الغسّاني الآتي عند المصنف بعده) قال: وهذا
التفسير يدل على أنه من الغبطة بالغين المعجمة، وهي الفرح والسرور، وحسنُ الحال؛
لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، فإذا كان المقتول مؤمنًا، وفرح بقتله، دخل في هذا
الوعيد.
وأما الخطابي فقد شرح هذا الحديث في
معالم «السنن» فقال: «اعتبط قتله» [بالعين المهملة] أي: قتله ظلمًا لا عن قصاص،
يقال: عَبطتُ الناقةَ واعتَبَطْتُها: إذا نحرتَها من غير داء أو آفة تكون بها،
ومات فلان عَبطة إذا كان شابًّا، واحتُضِر قبل أوانِ الشيبِ والهَرَم. قلنا: وكذلك
ضبطها أبو علي الغسَّاني بخطّه بالعين المهملة كما ضبطها الخطابي، وهي عندنا كذلك
في (ب). وفي بقية الأصول: «فاغتبط» كما ضبطه ابن الأثير، وتفسير يحيى بن يحيى
الغساني الآتي يؤيد أنه بالغين المعجمة.
قال الخطابي: وقوله: «مُعنقًا»،
يريد: خفيف الظهر، يُعنِق في مشيه سير المُخِفّ، والعَنَق: ضرب من السير وسيع،
يقال: أعنق الرجلُ في سَيْره فهو مُعنِق، ورجل مُعنق، وهو من نعوت المبالغة.
و"بلَّح،: معناه: أعيا وانقطع،
يقال: بلَّح عليَّ الغريم، إذا قام عليك فلم يُعطك حقك، وبَلَّحت الرَّكيّة: إذا
انقطع ماؤها.
وقوله: بذُلُقْيَة: بضم الذال
واللام، وسكون القاف، وفتح الياء: اسم مدينة بالروم.
نقلَه أبو الطيب العظيم آبادي.
سمعتُ زيدَ بنَ ثابت في هذا المكان
يقولُ: أُنْزِلَتْ هذه الآية: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٣] بعد التي في الفرقان ﴿وَالَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] بِستةِ أشهُرٍ (١).
(١) أثر حسن، وهذا إسناد وهم فيه حماد -وهو
ابن سلمة- إذ رواه عن عبد الرحمن بن إسحاق -وهو المدني- عن أبي الزناد، عن مجالد
بن عوف -وقيل في اسمه: عوف بن مجالد-، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه. وخالفه
خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو أوثق من حماد، فرواه عن عبد الرحمن بن
إسحاق، عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف، عن زيد بن ثابت. فلم يذكر خارجة، وهذا هو
الصحيح، لأن مجالد بن عوف حدث به أبا الزناد في مجلس خارجة بن زيد، وذكر مجالد أنه
سمعه من زيد بن ثابت، فظن حماد أن خارجة حدث مجالدًا به. وقد قال ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» ٨/ ٣٦٠: مجالد بن عوف الحضرمي سمع زيد بن ثابت.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٤٥٧)،
والبيهقي ٨/ ١٦، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة مجالد بن عوف ٢٧/ ٢٢٦ من
طريقين عن مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري في«تاريخه الكبير» ٨/
١٠ من طريق أحمد بن يوسف السلمي، عن مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن سلمة، عن محمَّد
بن إسحاق، عن أبي الزناد، به، فقال: محمَّد بن إسحاق بدل: عبد الرحمن بن إسحاق وهو
وهم أيضًا. ووهم في متنه أيضًا فذكر أن المدة بين الآيتين سنة، لا ستة أشهر.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٠٧٣)
عن محمَّد بن عثمان بن أبي سويد، عن مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن زيد، عن عبد
الرحمن بن إسحاق، به، ومحمد ابن عثمان بن أبي سويد ضعفه ابن عدي والدارقطني، وقد
أخطأ فيه فقال: عن حماد ابن زيد، إنما هو حماد بن سلمة.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٤٩٠٦)
من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي الزناد، عن
مجالد بن عوف، عن زيد بن ثابت. وهذا إسناد حسن. =
٤٢٧٣ - حدَّثنا يوسفُ بنُ موسى، حدَّثنا
جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيرِ -أو حدَّثني الحَكَمُ، عن سعيدِ بنِ
جُبيرٍ- قال:
سألتُ ابنَ عباس قال: لما نزلتِ التي
في الفُرقان: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
= ووافق خالدًا الواسطيَّ وبين إسناد
أبي الزناد فيه عبدُ الرحمن بن أبي الزناد -وهو صدوق حسن الحديث- فقال: حدثني أبي
أن عوف بن مجالد الحضرمي أخبره -قال: وكان امرأ صدق، قال: وأخبرني ونحن عند خارجة
بن زيد بن ثابت- قال [القائل هو عوف،: قلت: لزيد بن ثابت ... وذكر الحديث. أخرجه
أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (٤٨٩)، والطبراني في «الكبير» (٤٩٠٥) وإسناده حسن.
وكذلك بينه سفيان بن عيينة عند عبد
الرزاق في «تفسيره» ١/ ١٦٨، وسعيد بن منصور في «سننه» قسم التفسير (٦٦٧)، والطبري
في «تفسيره» ٥/ ٢٢٠ و٢٢٠ - ٢٢١، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٢٩٢، عن أبي
الزناد، سمعت رجلًا يحدث خارجة بن زيد، قال: سمعتُ أباك في هذا المكان بمنى يقول
... فذكره. قلنا: وهذا الرجل هو مجالد بن عوف.
ورواه محمَّد بن عمرو بن علقمة
الليثى واختلف عنه، فرواه مرة عن أبي الزناد -ولم يسمع منه كما نص عليه النسائي-
عن خارجة بن زيد، عن أبيه أخرجه النسائي (٣٤٥٥)، ورواه مرة عن موسى بن عقبة، عن
أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، أخرجه النسائي (٣٤٥٦)، والطبري في «تفسيره»
٥/ ٢٢٠، والطبراني في «الكبير» (٤٨٦٨)، وهذا الوجه الثاني لرواية محمَّد بن عمرو
بن علقمة لا يعارض رواية خالد الواسطي ولا رواية ابن أبي الزناد، لاحتمال أن يكون
خارجة قد وافق مجالد بن عوف -أو عوف بن مجالد- لما حدَّث به، فيكون لأبي الزناد
فيه شيخان وهما مجالد وخارجة.
ويؤيد هذا الوجه الثاني رواية سعيد
بن أبي هلال عن جهم بن أبي جهم، عن أبي الزناد، عن خارجه عن أبيه. عند أبي عبيد في
«الناسخ» (٤٨٨)، وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص ١٣٦ - ١٣٧.
وفي الباب عن ابن عباس سيأتي بعده.
وانظر فقه هذه المسألة عند الحديث
الآتي بعده.
[الفرقان:٦٨]، قال مشركو أهلِ مكةَ: قد قتلنا
النفسَ التي حرَّم الله ودَعَونا مع الله إلهًا آخَرَ، وأتينَا الفَواحِشَ، فأنزل
الله عز وجل: ﴿إِلَّا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠]،
فهذه لأولئك، قال: وأما التي في النساء ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ الآية [النساء: ٩٣]، قال: الرجل إذا عرف شرائعَ الإسلام، ثم قتل
مؤمنًا متعمِّدًا فجزاؤهُ جهنمُ، فلا تَوبة له، فذكرتُ هذا لمجاهدٍ، فقال: إلا من
نَدِمَ (١).
(١) إسناده صحيح. الحكم: هو ابن عُتيبة،
ومنصور: هو ابن المعتمر، وجرير: هو ابن عبد الحميد، ويوسف بن موسى: هو ابن راشد
القطان.
وأخرجه البخاري (٣٨٥٥)، ومسلم
(٣٠٢٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٥١) و(١١٠٤٩) و(١١٣٠٧) من طريق منصور بن المعتمر،
به.
وأخرجه البخاري (٤٧٦٢)، ومسلم
(٣٠٢٣)، والنسائي (٣٤٥٠) و(١١٣٠٦) من طريق القاسم بن أبي بزة، عن سعيد بن جُبير،
قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ألمن قل مؤمنًا متعمدًا من توبة؟ قال: لا، قال:
فتلوتُ عليه هذه الآية التي في الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ﴾ إلى آخر الآية [الفرقان: ٦٨]،
قال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا﴾.
وأخرج الترمذي (٣٢٧٨)، والنسائي
(٣٤٥٤) من طريق عمرو بن دينار، وابن ماجه (٢٦٢١)، والنسائي (٣٥٤٨) من طريق سالم بن
أبي الجعد، كلاهما عن ابن عباس: أن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا﴾ لم يُنسخ.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٤١) من طريق
سالم عن عبد الله بن عباس. وانظر تالييه. قال مكي بن أبي طالب في «الإيضاح لناسخ
القرآن ومنسوخه» ص٢٣٣ - ٢٤٩: النسخ في آية الفرقان لا يحسُن لأنه خبر، والأخبار لا
تنسخ بإجماع؛ لأن الخبر لو نسخ لكان قد أتي به على غير ما هو به من الصدق، ويتعالى
الله عن ذلك علوَّا كبيرا، فالآيتان محكمتان، وآية النساء في القتل محمولة على أحد
ثلاثة معانٍ قد قالها العلماء، ملخصها: =
٤٢٧٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا
حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، حدَّثني يَعلى، عن سعيدِ بنِ جُبير
عن ابنِ عبَّاسٍ في هذه القصة في
الذين لا يَدعونَ مع الله إلهًا آخَرَ: قال: أهل الشرك، قال: ونزل: ﴿يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر:٥٣] (١).
=
١
- أن هذا جزاؤه إن جازاه، قال مكي:
وهذا هو مذهب أهل السنة في الوعد والوعيد، فهي محكمة.
٢
- أن يكون معى الآية: ومن يقتل مؤمنًا
متعمدًا مستحلًا لقتله، ولا يستحل ما حرم اللهُ إلا كافر، والكافر مُخلَّد في
النار بإجماع إذا مات على كفره.
٣
- أنه قيل: إنها نزلت في رجل بعينه من
الأنصار قُتِل له وليٌّ فقبل الدية، ثم وثب فقتل القاتل بعد أخذه للدية وارتد، وقد
قيل: إنها نزلت في رجل أسلم، ثم ارتد وقتل رجلًا مسلمًا مستحلًا لقتله، وهو معى
القول الذي قبله.
ثم قال مكي: والذي يوجبه النظر وعليه
أكثر أهل العلم أن الثلاث الآيات محكمات لانسخ في شيء منها.
ثم قال: وإذا كانت كذلك فتوبة القاتل
متعمدًا جائزة، واستدل مكي لذلك بأدلة من القرآن فانظره.
وقال الحافظ في «الفتح» ٨/ ٤٩٦: وقد
حمل جمهور السلف، وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل
كغيره، وقالوا: معنى قوله: ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ أي: إن شاء أن يجازيه تمسكا
بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨]، ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي
قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أتى تمام المئة، فقال له: لا توبة، فقتله فأكمل به مئة،
ثم جاء آخر، فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة الحديث، وهو مشهور، وسيأتي في الرقاق
واضحًا [بل سلف برقم (٣٤٧٠)]، وإذا ثبت ذلك لِمن قُبِلَ من غير هذه الأمة، فمثله
لهم أولى، لما خفف اللهُ عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم. وانظر لزامًا
«نواسخ القرآن» ص ٢٨٨ - ٢٩٥ لابن الجوزي.
(١)
إسناده صحيح. يعلى: هو ابن مسلم المكي، وابن جريج: هو عبد الملك
=
٤٢٧٥ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ، حدَّثنا
عبدُ الرحمن، حدَّثنا سفيانُ، عن المغيرةِ بنِ النُعمانِ، عن سعيدِ بنِ جُبير
عن ابن عباس، قال: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء:٩٣] قال: ما نسخها شيءٌ (١).
٤٢٧٦
- حدَّثنا أحمدُ بنُ يونس، حدَّثنا أبو
شهابٍ، عن سُليمانَ التَّيميِّ
عن أبي مِجْلَزٍ في قوله: ﴿وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ قال: هي جزاؤُه، فإن شاء
اللهُ أن يتجاوزَ عن جزائه فَعلَ (٢).
٧
- باب ما
يُرْجى في القتل
٤٢٧٧
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو
الأحوصِ سَلاَّم بنُ سُلَيمٍ، حدَّثنا منصورٌ، عن هلال بن يِسافٍ
= ابن عبد العزيز بن جريج المكي،
وحجاج: هو ابن محمَّد المِصِّيصي، وأحمد بن إبراهيم: هو الدَّورقي.
وأخرجه البخاري (٤٨١٠)، ومسلم (١٢٢)،
والنسائي في «الكبرى» (٣٤٥٣)، و(١١٣٨٥) من طريق يعلي بن مسلم، به.
وانظر ما قبله، وما بعده.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري، وعبد الرحمن: هو ابن مهدي.
وأخرجه البخاري (٤٥٩٠) و(٤٧٦٣)،
ومسلم (٣٠٢٣)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٤٩) و(١١٠٥٠) من طريق المغيرة بن النعمان،
به.
وانظر سابقيه.
(٢)
رجاله ثقات. أبو مجلز: هو لاحق بن حميد السَّدوسي، وسُليمان التيمي: هو ابن
طَرْخان، وأبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع الحناط.
وأخرجه الطبري ٥/ ٢١٧، والبيهقي في
«السنن الكبرى» ٨/ ١٦، وفي «شعب الإيمان» (١٥٦٠٧) من طريق سليمان التيمي، به.
عن سعيدِ بنِ زيدٍ، قال: كنَّا عندَ
النبيِّ ﷺ فذكر فتنةً، فعظَّم أمْرَها، فقلنا -أو قالوا-: يا رسولَ الله، لئن
أدركنا هذا لنَهلِكنَّ، فقال رسولُ الله ﷺ: «كلاَّ! إنَّ بِحَسْبِكم القتَلَ» قال
سعيدٌ: فرأيتُ إخواني قُتِلُوا (١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه،
فإن هلال بن يِساف لم يسمعه من سعيد بن زيد، بينهما فيه رجلان، جاء ذكرهما في
رواية سفيان الثوري الآتي ذكرها، أحدهما مبهم، وقال البخاري في «تاريخه الكبير» ٥/
١٢٤ عن هذا الحديث: لم يصح. منصور: هو ابن المعتمر.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ١٦، وأبو
يعلى (٩٤٨)، والبيهقي في «دلائل النبوة» ٦/ ٤٠٧ من طريق أبي الأحوص سلّام بن سليم،
بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٦٤٧)، وابن أبي عاصم
في «السنة»، (١٤٩٢)، والبزار (١٢٦٢)، والطبراني في «الكبير» (٣٤٩) من طريق حماد بن
أسامة، عن مِسعَر، عن عبد الملك ابن ميسرة، والبزار (١٢٦١) من طريق حصين بن عبد
الرحمن، كلاهما (عبد الملك وحصين) عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد
بن زيد. وقال النسائي في «الكبرى» قبل الحديث (٨١٤٩): هلال بن يساف لم يسمعه من
عبد الله بن ظالم.
قلنا: اعتمد النسائي في ذلك على
رواية سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر وذلك أنه أخرجها هو (٨١٤٩)، وابن أبي
عاصم في السنة«(١٤٩١)، والطبراني (٣٤٧) من طريق سفيان الثوري، عن منصور بن
المعتمر، عن هلال بن يساف، عن فلان بن حيان، عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد.
وفلان بن حيان لا يُعرف من هو، وعبد الله بن ظالم قال البخاري في»تاريخه«٥/ ١٢٤:
ليس له حديث إلا هذا.
قلنا: ثم إنه حصل فيه ما حصل من
الاختلاف، ولهذا قال البخاري عنه: لم يصح.
وكنا قد ذهلنا عن تعليل البخاري
والنسائي لهذا الخبر في»مسند أحمد«فحسناه، فيستدرك من هنا. وكذلك حسنه الألباني
في»صحيحه«(١٣٤٦).
لكن قوله ﷺ:»بحسبكم القتل«ثابت من
حديث أبي مالك طارق بن أشيم
الأشجعي عند ابن أبي شيبة ١٥/ ٩٢،
وأحمد (١٥٨٧٦)، وابن أبي عاصم في»السنة«(١٤٩٣)، وفي»الآحاد والمثاني«(١٣٠٧)،
والبزار (٣٢٦٣ - كشف الأستار)، والطبراني في»الكبير" (٨١٩٥) و(٨١٩٦) وإسناده
صحح.
٤٢٧٨ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شَيبةَ،
حدَّثنا كثيرُ بنُ هشامٍ، حدَّثنا المَسعودِيُّ،
عن سعيدِ بنِ أبي بُردَةَ، عن أبيه
عن أبي موسى، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
أُمَّتي هذِهِ أُمَّةٌ مرحُوْمَةٌ، ليسَ عليها عذابٌ في الآخِرَةِ، عذابُها في
الدُّنيا الفِتَنُ والزَّلازِلُ والقَتلُ» (١).
آخر كتاب الفتن
= قال السندي: قوله: بحسب أصحابي
القتل. الباء زائدة، أي: يكفيهم القتل، أي: إذا وقع من أحد ذنب، ثم قتل فهو يكفي
جزاءً لذنبه، أو المراد: يكفي في فنائهم القتل، ولا يحتاج فناؤهم إلى سبب آخر،
فالمطلوب الإخبار بكثرة القتل فيهم.
(١)
إسناده ضعيف. المسعودي -وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة- اختلط، ثم إن فيه
اضطرابًا بيناه في تعليقنا على «مسند أحمد» (١٩٦٧٨).
وقد أعلَّ هذا الحديث شيخ الصنعة
الإِمام أبو عبد الله البخاري، فقال في «تاريخه الكبير» ١/ ٣٩ بعد أن أورد طرق هذا
الحديث، وبين ما فيها من اضطراب: والخبر عن النبي ﷺ في الشفاعة، وأن قوما يعذبون
ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر. وهذا يدلُّك على أنه رحمه الله أضاف إلى التعليل
باضطراب الإسناد نقد المتن لما فيه من المخالفة للأحاديث الصحيحة التي تكاد تكون
متواترة بأن ناسًا من أمة محمد ﷺ يدخلون النار، ثم يخرجون منها بشفاعة النبي ﷺ،
وقال في «تاريخه الأوسط» ١/ ٢٤٩ عن طرق هذا الحديث: في أسانيدها نظر.
وأخرجه أحمد (١٩٦٧٨)، وعبد بن حميد
(٥٣٦)، والحاكم ٤/ ٤٤٤ من طريق يزيد بن هارون، وأحمد (١٩٦٧٨) عن هاشم بن القاسم،
والبزار في «مسنده» (٣٠٩٩)، والروياني في «مسنده» (٥٠٥)، والقضاعي في «مسند
الشهاب» (٩٦٩)، والبيهقي في «الآداب» (٨٩٧)، وفي «شعب الايمان» (٩٣٤٢) من طريق
معاذ بن معاذ العنبري، ثلاثتهم عن المسعودي، بهذا الإسناد.
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد»
(١٩٦٥٨) و(١٩٦٧٨).
أول كتب المهدي
٤٢٧٩
- حدَّثنا عمرو بن عثمان (١)، حدَّثنا
مروان بن معاوية، عن إسماعيل -يعني ابن أبي خالدٍ- عن أبيه
عن جابر بن سمرة، قال: سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقول: لا يزال هذا الذين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم
تجتمِع عليه الأمَّة«فسمعت كلامًا من النبي ﷺ لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال:
كلُّهم من قُريش» (٢).
(١) وقع في رواية ابن العبد خطأ في تعيين شيخ
المصنف هنا، حيث جاء فيها أنه عثمان بن أبي شيبة، ولعلّه سبْق نظر إلى الإسناد
الذي قبله. والذي في أصولنا الخطية: عمرو بن عثمان، وهو الذي جاء في «الأطراف»
(٢١٣٤).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي خالد -والد إسماعيل- ولكنه متابع. كما في
الطريقين التاليين وكما سيأتي في التخريج.
وأخرجه البخاري (٧٢٢٢)، ومسلم (١٨٢١)
من طريق عبد الملك بن عمير، ومسلم (١٨٢١) من طريق حصين بن عبد الرحمن، ومسلم
(١٨٢١)، والترمذي (٢٣٧٢) من طريق سماك بن حرب، والترمذي (٢٣٧٣) من طريق أبي بكر بن
أبي موسى، أربعتهم عن جابر بن سمرة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨١٤) و«صحيح
ابن حبان» (٦٦٦٢) و(٦٦٦٣).
وانظر تالييه.
وهذا الحديث يعارض في ظاهره حديث
سفينة مولى رسول الله ﷺ: «خلافة النبوة ثلاثون سنة» الذي سيأتي عند المصنف برقم
(٤٦٤٦) و(٤٦٤٧). وذهب القاضي عياض فيما حكاه عنه النووي في «شرح مسلم» إلى أنه لا
تعارض؛ لأن المراد في حديث: «الخلافة ثلاثون سنة» خلافة النبوة، وأن هذا لم يُشترط
في الاثني عشر. =
٤٢٨٠ - حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا
وُهَيب، حدَّثنا داود، عن عامر
عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسولَ
الله ﷺ يقول: لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشَر خليفةَ قال: فكبَّر الناسُ
وضجُّوا، ثم قال كلمةً خفيَّة، قلت لأبي: يا أبت، ما قال؟ قال: «كلهم من قريش» (١).
٤٢٨١
- حدَّثنا ابن نفيل، حدَّثنا زهير،
حدَّثنا زيادُ بن خيثمةَ، حدَّثنا الأسودُ بن سعيدٍ الهمدانيُّ
عن جابر بن سمرة، بهذا الحديث، زاد:
فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: «ثم يكون الهرج» (٢).
= وبنحو قول القاضي هذا ما قاله ابن
قيم الجوزية في «تهذيب السنن» ٦/ ١٥٦ - ١٥٧.
واستُشكل أيضًا أنه ولي أكثر من اثني
عشر خليفة، وأجيب بأن السبيل في ذلك أن يُحمل على المقسطين منهم، فإنهم هم
المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة.
نص عليه القاضي عياض فيما نقله عنه
النووي والتُّورِبِشتي فيما نقله مُلا علي القاري في «المرقاة»، وأجيب أيضًا بأنه
لا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم كما يذهب إليه الرافضة. نص عليه ابن كثير في
«تفسيره»، عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾
[المائدة:١٢]، وبين أن أربعة منهم قد جاؤوا على الولاء، وهم الخلفاء الأربعة أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني
العباس. وذكر نحو ذلك في كتابه «النهاية» في الفتن والملاحم«١/ ٢٣ - ٢٤.
(١)
إسناده صحيح. عامر: هو ابن شَراحيل الشَّعْبي، وداود: هو ابن أبي هند.
وأخرجه مسلم (١٨٢١) من طريق داود بن
أبي هند، و(١٨٢١) من طريق عبد الله بن عون، كلاهما عن الشعبي، به.
وهو في»مسند أحمد«(٢٠٨٧٩)، و»صحيح
ابن حبان«(٦٦٦٣).
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢)
حديث صحيح دون قوله:»ثم يكون الهرج«، الأسود بن سعيد روى عنه ثلاثة وذكره ابن حبان
في»الثقات"، وقد تابعه غير واحد، لكن أحدًا منهم لم يذكر فيه
=
٤٢٨٢ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، أن عُمرَ بن
عُبيدٍ حدَّثهم. وحدَثنا محمدُ بنُ العلاء، حدَّثنا أبو بكرٍ -يعني ابن عياشٍ-.
وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن سُفيان. وحدَّثنا أحمد بن إبراهيمَ، حدَّثنا
عُبيدُ الله بن موسى، أخبرنا زائدة. وحدَّثنا أحمد بن إبراهيمَ، حدَّثني عُبيد
الله، عن فطر -المعنى واحد- كلُّهم عن عاصم، عن زِرٍّ
عن عبدِ الله، عن النبيِّ ﷺ قال: «لو
لم يبقَ من الدُّنيا إلا يومٌ -قال زائدة في حديثه- لطوَّل الله ذلك اليومَ -ثم
اتفقوا- حتى يبعثَ اللهُ فيه رجُلًا مني أو من أهلِ بيتي، يواطئُ اسمُه اسمي،
واسمُ أبيه اسمَ أبي -زاد في حديث فطر- يَملأ الأرضَ قِسطًا وعَدلًا، كما مُلِئَت
ظلمًا وجَوْرًا». وقال في حديث سفيان: «لا تذهب -أو لا تنقضي- الدُنيا حتى يملك
العربَ رجلٌ من أهل بيتي، يواطئُ اسمُه اسمي» (١).
= الزيادة المشار إليها بذكر الهرج.
زهير: هو ابن معاوية، وابن نفيل: هو عبد الله بن محمَّد بن علي بن نُفيل.
وأخرجه أحمد (٢٠٨٦٠)، والبخاري في
«تاريخه الكبير» ١/ ٤٤٦، والبزار (٣٣٢٩ - كشف الأستار)، وأبو القاسم البغوي في
«الجعديات» (٢٧٥٦)، وابن حبان (٦٦٦١)، والطبراني في «الكبير» (٢٠٥٩)، وفي «الأوسط»
(٦٣٨٢)، والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ٥٢٠، وأبو محمَّد البغوي في «شرح السنة» (٤٢٣٦)،
والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة الأسود بن سعيد ٣/ ٢٢٣ من طرق عن زهير بن
معاوية، بهذا الإسناد.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عاصم -وهو ابن أبي النَّجود-
فهو صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله
ثقات. فطر: هو ابن خليفة، وزائدة: هو ابن قدامة، وسفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن
سعيد القطان.
وأخرجه الترمذي (٢٣٨٠) من طريق سفيان
الثوري، بهذا الإسناد. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال ابن الجوزي في «العلل
المتناهية» ٢/ ٨٦١: إسناده حسن. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وهو في «مسند أحمد» (٣٥٧١).
وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي
(٢٣٨١)، وابن حبان (٥٩٥٣)، وإسناده حسن.
وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد
(١١٣١٣)، وأبي يعلى (٩٨٧)، وابن حبان (٦٨٢٣)، والحاكم ٤/ ٥٥٧، وأبي نعيم في
«الحلية» ٣/ ١٠١ بلفظ: «لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا، ثم يخرج رجل
من عِترتي أو مِن أهل بيتي، مَن يملؤها قسطا وعدلًا، ما ملئت ظلمًا وعدوانًا» هذا
لفظ أحمد. وإسناده صحيح، وقال أبو نعيم: مشهور من حديث أبي الصدِّيق عن أبي سعيد.
قلنا: وسيأتي بعضه عند المصنف برقم (٤٢٨٥).
وعن علي بن أبي طالب، سيأتي عند
المصنف بعده. وإسناده صحيح.
وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة ١٥/
١٩٦ وأبي عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (٥٥٩) قال: لا تمضي الأيام
واليالي، حتى يلي منا أهل البيت فتى لم تلبسه الفتن، ولم يلبسها ... وإسناده صحيح.
ومثله لا يقال من قبل الرأي.
وقد ذهب إلى تصحيح خروج المهدي الذي
يؤمن به أهل السنة الجماعة من يُعتد بقوله ويُرجع إليه من محققي أهل العلم: فقد
قال الحافظ أبو جعفر العقيلي في «الضعفاء» ٢/ ٧٦ في ترجمة زياد بن بيان: وفي
المهدي أحاديث صالحة الأسانيد أن النبي ﷺ قال: «يخرج مني رجل -ويقال: من أهل بيتي-
يُواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي. فأما من ولد فاطمة ففي إسناده نظر كما قال
البخاري. قلنا: يعني بذلك حديث زياد بن بيان الذي سيأتي عند المصنف برقم (٤٢٨٤).
ونقل الحافظ المزي في»تهذيب
الكمال«في ترجمة محمَّد بن خالد الجندي ٢٥/ ١٤٩ عن الإِمام البيهقي قوله:
والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح إسنادًا.
وقال الإِمام أبو بكر بن العربي
في»عارضة الأحوذي" ٩/ ٧٧ بعد أن ذكر عدة أحاديث في المهدي وصفته وأنه من ولد
فاطمة: والذي يصح من هذا كله أنه يملِكُها رجل من أهل بيته يُواطئ اسمُه اسمَه.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأورد الإِمام القرطبي في «التذكرة»
ص ٧٠١ حديث أنس بن مالك الذي أخرجه ابن ماجه (٤٠٣٩) وفيه: «ولا المهدي إلا عيسى
ابن مريم» ثم ضعفه، وقال: والأحاديث عن النبي ﷺ في التنصيص على خروج المهدي من
عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه. قلنا: أصاب إلا في
قوله: من ولد فاطمة، فهو ضعيف كما سيأتي برقم (٤٢٨٤).
ونقل القرطبي في «التذكرة» ص ٧٠١ عن
أبي الحسن محمَّد بن الحُسين بن إبراهيم السجستاني الآبُري قوله: قد تواترت
الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى يعني المهدي، وأنه من أهل بيته وأنه
سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلًا، يخرج مع عيسى عليه السلام، فيساعده على
قتل الدجال بباب لُدٍّ بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى صلوات الله عليه
يصلي خلفه. وأبو الحسن الآبري هذا وصفه الحافظ الذهبي في «السير» ١٦/ ٢٩٩ بقوله:
الإِمام الحافظ محدث سِجستان بعد ابن حبان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في
«منهاج السنة النبوية» ٨/ ٢٥٤: الأحاديث التي يُحتَج بها على خروج المهدي أحاديث
صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره.
وكذلك قال تلميذه الإِمام ابن القيم
في «المنار المنيف» بعد أن ساق عدة أحاديث في المهدي وحسَّن بعضًا منها وجوَّد
أخرى ص ١٤٨: وهذه الأحاديث أربعة أقسام: صحاح وحِسان وغرائب وموضوعة.
وكذلك قال العلامة المحدث أبو الطيب
محمَّد شمس الحق العظيم آبادي في «عون المعبود» ١١/ ٢٤٣ بعد أن ذكر أن أحاديث
المهدي مخرجة عند جماعة من الأئمة عن جماعة من الصحابة: وإسناد أحاديث هؤلاه بين
صحيح وحسن وضعيف، وقد بالغ الإِمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في
«تاريخه» في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يُصب، بل أخطأ.
قلنا: إنما أعله ابن خلدون بعاصم بن
أبي النجود، وأعدل الأقوال فيه ما قاله الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» ٢/ ٣٥٧:
أنه ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم، وهو حسن الحديث. قال
العظيم آبادي في «عون المعبود» =
قال أبو داود: لفظ عمر وأبي بكر
بمعنى سفيان. ولم يقل أبو بكر: «العرب».
= ١١/ ٢٥١: والحاصل أن عاصم بن بهدلة -وهو عاصم
بن أبي النجود نفسه- ثقة على رأي أحمد وأبي زرعة، وحسن الحديث صالح الاحتجاج على
رأي غيرهما، ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ، فردُّ الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين،
على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضًا، فارتفعت عن عاصم مظنة الوهم، والله
أعلم.
قلنا: ولكن المهديَّ المذكور في هذه
الأحاديث ليس هو مهدي الرافضة المزعوم، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في «منهاج
السنة» ٨/ ٢٥٩ بعد أن ذكر عددًا ممن ادعى أنه المهدي كمحمد بن تومرت، وأن منهم من
قُتِل ومنهم من ادعى ذلك فيه أصحابُه، قال: وهؤلاء كثيرون، لا يُحصي عددهم إلا
الله، وربما حصل بأحدهم نفع لقوم، وإن حصل به ضرر لآخرين، كما حصل بمهدي المغرب:
انتفع به طوائف وتضرر به طوائف، وكان فيه ما يُحمد وإن كان فيه ما يُذَمُّ، وبكل
حالٍ فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة، الذي ليس له عين ولا أثر، ولا يُعرف له حِس
ولا خبر، لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين، بل حصل باعتقاد وجوده من
الشر والفساد، ما لا يحصيه إلا رب العباد.
وقال ابن القيم في «المنار المنيف» ص
١٥٢ - ١٥٣ عن معتقد الرافضة في مهديهم: دخل سرداب سامراء طفلًا صغيرًا، من أكثر من
خمس مئة سنة (ونقول نحن: من أكثر من ألف سنة) فلم تره بعد ذلك عين، ولم يُحسَّ فيه
بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كلَّ يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به
أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا
دأبُهم ودأبُه ... إلى أن قال: ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضحكة يسخر
منهم كل عاقل.
وقال ابن كثير في «النهاية في الفتن
والملاحم» ١/ ٥٥: يخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامراء،
كما تزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن، وهم ينتظرون خروجَه في آخر الزمان،
فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كثير من الخذلان وهوس شديد من الشيطان، إذ لا دليل
عليه ولا برهان، لا من كتاب ولا من سنة ولا من معقول صحيح ولا استحسان.
٤٢٨٣ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا الفضل بن دكين، حدَّثنا فطرٌ، عن القاسِم بن أبي بزَّة، عن أبي الطُّفيل
عن علي، عن النبي ﷺ قال: «لو لم يبق
من الدَّهر إلا يومٌ، لبعث الله عز وجل رجُلَا من أهل بيتي يملؤها عدلَا كما
مُلِئَت جَوْرًا» (١).
٤٢٨٤
- حدَّثنا أحمد بن إبراهيم، حدَّثنا
عبد الله بن جعفرٍ الرَّقيُّ، حدَّثنا أبو المليح الحسن بن عمر، عن زياد بن بيان،
عن علي بن نُفيلٍ، عن سعيدِ بن المسيِّب
عن أُمِّ سلمة، قالت: سمعتُ رسولَ
الله ﷺ يقول: «المهديُّ من عِترتي من ولَدِ فاطمة» (٢).
(١) إسناده صحيح. أبو الطُّفيل: هو عامر بن واثلة،
وفطر: هو ابن خليفة، وهذا الأخير -وان رمي بالتشيع- لم يأت بما ينكر، وقد وافقه
رواية ابن مسعود وغيره كما في الحديث السالف قبله. وقال العلامة العظيم آبادي:
سنده حسن قوي.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ١٩٨، وأحمد
(٧٧٣)، والبزار (٤٩٣) وابن قانع في «معجم الصحابة» ٢/ ٢٥٩، وأبو عمرو الداني في
«الفتن» (٥٦١)، والبيهقي في «الاعتقاد» ص ٢١٦، والبغوي في «شرح السنة» (٤٢٧٩) من
طريق فطر بن خليفة، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٧٧٣)، والبيهقي في
«الاعتقاد» ص ٢١٥ و٢١٦ من طريق فطر ابن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي
الطُّفيل، عن علي بن أبي طالب. وحبيب ثقة أيضًا، فلا يضر هذا الاختلاف، لأن الحديث
حيثما دار، دار على ثقة.
وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه»
(٢٠٧٧٦)، ومن طريقه أبو عمرو الداني (٤٢٢) و(٥٥٢)، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم
بن ضمرة، عن علي قال: «لتملأن الأرض ظلمًا وجورًا، حتى لا يقول أحد: الله الله،
يستعلق به، ثم لتملأن بعد ذلك قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، هكذا رواه
موقوفًا وإسناده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي، وهذا يشد المرفوع الذي عند
المصنف.
(٢)
إسناده ضعيف لضعف زياد بن بيان. قال البخاري في»تاريخه الكبير«٣/ ٣٤٦: في إسناده
نظر، ونقله العقيليُّ في»الضعفاء" ٢/ ٧٦ عن البخاري وأقره عليه. وقال
=
قال عبدُ الله بن جعفر: وسمعتُ أبا
المليح يُثني على علىِّ بن نُفيل، ويذكر منه صلاحًا.
٤٢٨٥
- حدَّثنا سهلُ بنُ تمام بنِ بَزِيع،
حدَّثنا عِمرانُ القطَانُ، عن قتادةَ، عن أبي نَضرَةَ
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: المهديُّ منِّي أجْلَى الجَبهَةِ، أَقنَى الأنفِ، يملأُ الأرضَ
قِسطًْا وعَدلًا، كما مُلِئَت جَوْرًا وظُلمًا، يملِكُ سبعَ سنين» (١).
= الذهبي في «المغني في الضعفاء»: لم
يصح خبره. وقال المنذري في «اختصار السنن» ٦/ ١٦٠ بعد أن نقل كلام العقيلي: وقال
غيره: وهو كلام معروف من كلام سعيد بن المسيب، والظاهر أن زياد بن بيان وهم في
رفعه. قلنا: وهذا صحيح، فقد أخرجه من قول سعيد بن المسيب نُعيم بن حماد في «الفتن»
(١٠٨٢)، وأبو عمرو الداني (٥٨٠) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن سعيد بن أبي
عروبة، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حقٌّ؟ قال: حقٌّ ... قلت: ثم
ممن؟ قال: من ولد فاطمة. وأخرجه نعيم أيضًا (١٠٨٢) عن عبد الرزاق وابن المبارك
وابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن ابن المسيب يعني دون ذكر سعيد بن أبي عروبة. وقد
سمع معمر من قتادة أيضًا. فإسناد هذا الموقوف صحيح، وهذا أولى من حديث زياد بن
بيان، والله تعالى أعلم. وبهذا يتضح لك خطأ الشيخ الألباني رحمه الله إذ جوَّد
إسناده في «الضعيفة» عند الحديث (٨٠).
وأخرجه من حديث أم سلمة ابن ماجه
(٤٠٨٦) من طريق أبي المليح الحسن بن عمر الرقي، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: العترة: ولد الرجل
لصلبه، وقد يكون العترة للأقرباء وبني العمومة، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه يوم
السقيفة: نحن عترة رسول الله ﷺ.
(١)
جيد بهذا اللفظ، سهل بن تمام بن بزيع -وإن كان ضعيفًا- متابع -وعمران القطان - وهو
ابن دَاوَر- حسن الحديث، وقد روي حديثه هذا من وجه آخر حسن في
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= المتابعات، سيأتي ذكره. وذكر ابن
الجوزي هذا الحديث في «العلل المتناهية» (١٤٤٣) ثم قال ٢/ ٨٦١: لا بأس به. وجوَّد
إسناده ابن قيم الجوزية في «المنار المنيف» ص ١٤٤. وصححه الحاكم ٤/ ٥٥٧، لكن تعقبه
الذهبي بقوله: عمران ضعيف. قلنا: القول قول من قوَّى هذا الحديث، لأن عمران لم
ينفرد به. أبو نضرة: هو المنذر ابن مالك بن قِطعة.
وأخرجه الطبراني في «غريب الحديث» ٢/
١٩١ من طريق عفان بن مسلم، والحاكم ٤/ ٥٥٧ من طريق عمرو بن عاصم الكلابي، كلاهما
عن عمران القطان، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١١١٣٠)، وأبو يعلى
(١١٢٨)، وابن حبان (٦٨٢٦) من طريق مطر بن طهمان الوراق، عن أبي الصديق الناجي، عن
أبي سعيد الخدري. وهذا إسناد حسن في المتابعات.
وأخرجه أحمد (١١١٦٣)، وابن ماجه
(٤٠٨٣)، والترمذي (٢٣٨٢) من طريق زيد بن الحواري العمي، عن أبي الصديق، عن أبي
سعيد، رفعه: «يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع. فتنعم فيه أمتي نعمة
لم ينعموا مثلها قط، تؤتي أكلها، ولا تدّخر منهم شيئًا، والمال يومئذ كُدُوسٌ.
فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خُذ» وقال الترمذي: حديث حسن. وقد روي
من غير وجه عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قلنا: زيد العمي ضعيف لكنه متابع.
فقد أخرج الحاكم ٤/ ٥٥٧ - ٥٥٨ من
طريق سليمان بن عبيد السلمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رفعه:
«يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال
صحاحًا، وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا» وإسناده صحيح.
وأخرج أحمد (١١٣١٣)، وأبو يعلى
(٩٨٧)، وابن حبان (٦٨٢٣)، والحاكم ٤/ ٥٥٧، وأبو نعيم في «الحلية» ٣/ ١٠١ من طريق
عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رفعه: «لا
تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانا»، قال: «ثم يخرج رجل من عترتي أو من
أهل بيتي، مَن يملؤها قسطا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وعدوانا» لفظ أحمد. وإسناد هذه
الرواية صحيح. وقال أبو نعيم: مشهور من حديث أبي الصدّيق، عن أبي سعيد الخدري.
=
٤٢٨٦ - حدَّثنا محمَّد بن المثنى، حدَّثنا
معاذ بن هشام، حدَّثني أبي، عن قتادة، عن صالح أبي الخليلِ، عن صاحبٍ له
عن أمِّ سلمة زوج النبي ﷺ، عن النبي
ﷺ قال: «يكون اختلافٌ عندَ موتِ خليفةٍ، فيخرجُ رَجُلٌ مِن أهلِ المدينةِ هاربًا
إلى مكَةَ، فيأتيه ناسٌ من أهلِ مكَّة فيُخرِجُونَه وهو كارِهٌ فيبايعُونَه بين
الرُّكنِ والمقامِ، ويُبعَثُ إليه بَعْثٌ مِن الشامِ، فيُخسَفُ بهم بالبيداء بين
مكةَ والمدينةِ، فإذا رأى النَّاسُ ذلك أتاه أبدالُ الشام وعصَائبُ أهلِ العراقِ،
فيبايعُونه، ثم ينشأ رجُلٌ من قريشٍ أخوالُهُ كَلبٌ فيبعثُ إليهم بَعثًا، فيظهرونَ
عليهم، وذلك بَعْثُ كَلْبٍ، والخيبةُ لمن لم يَشهد غنيمةَ كلبٍ، فيَقسِمُ المالَ،
ويَعملُ في النَّاس بسُنّةِ نبيِّهم ﷺ، ويُلقي الإِسلامُ بجِرَانهِ إلى الأرضِ،
فيَلْبَثُ سبعَ سنين، ثم يُتوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون» (١).
ويشهد للفظ زيد العمي تماما حديث أبي
هريرة عند البزار (٣٣٢٦ - كشف الأستار)، والطبراني في «الأوسط» (٥٤٠٦)، وابن
الجوزي في «العلل المتناهية» (١٤٤٤) وإسناده حسن، وأخطأ ابن الجوزي في تعيين أحد
رواته وهو محمَّد بن مروان العقيلي البصري، فظنه محمَّد بن مروان السدي المتهم
بالكذب، وإنما هو العقيلي الصدوق.
قال الخطابي: الجلى: هو انحسار الشعر
عن مقدم الرأس، ويقال: رجل أجلى، وهو أبلغ في النعت من الأملح، قال العجاج:
مع الجلا ولائح القتير
القتير: الشريب أو أول ما يلوح منه.
(١)
إسناده ضعيف لإبهام صاحب أبي الخليل، وقد جاء ذكره في رواية عمران ابن داود القطان
في الرواية الآتية برقم (٤٢٨٨) عن قتادة، فقال: عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل
وهو ثقة مشهور، ويقال: له رؤية. وعمران القطان حسن الحديث إذا لم ينفرد أو يأت بما
ينكر، وقد خالفه في هذا الإسناد هشام الدستوائي في هذه الرواية وهمام بن يحيى
العوذي كما في الرواية التالية، وهما ثقتان حافظان، فلم يُبيِّنا الرجل
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= المبهم الراوي عن أم سلمة، ولهذا لما
ذكر الحاكمُ هذا الحديث علَّق عليه الحافظ الذهبي بقوله: أبو العَوَّام عمران ضعفه
غير واحد وكان خارجيًا. هشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وصالح أبو الخليل:
هو ابن أبي مريم.
وأخرجه أحمد (٢٦٦٨٩) عن عبد الصمد بن
عبد الوارث وحَرَمي بن عمارة، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» ٤/ (١٤١) عن وهب بن
جرير بن حازم، ثلاثتهم عن هشام الدستوائي، به.
وأخرجه أبو يعلى (٦٩٤٠) وعنه ابن
حبان (٦٧٥٧) عن أبي هشام الرفاعي محمَّد ابن يزيد ابن رفاعة، عن وهب بن جرير بن
حازم، عن هشام الدستوائي. عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن صاحب له -وربما قال
صالح: عن مجاهد- عن أم سلمة. هذا عند أبي يعلى، وعند ابن حبان جزم بأنه مجاهد.
وأبو هشام الرفاعي ضعيف جدًا واتهمه بعضهم بالسرقة، وخالفه إسحاق بن راهويه كما
سلف قريبًا فلم يذكر مجاهدًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ٤٥ - ٤٦،
والطبراني في «الكبير» ٢٣/ (٩٣٠)، وفي «الأوسط» (٩٤٥٩)، والحاكم ٤/ ٤٣١ من طريق
عمران بن داوَر القطان، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن
أم سلمة. وسيأتي عند المصنف برقم (٤٢٨٨).
ورواه معمر بن راشد، عن قتادة،
واختلف عنه اختلافًا شديدًا كما بيناه في «مسند أحمد» (٢٦٦٨٩). وذلك لما قاله معمر
نفسُه: جلستُ إلى قتادة وأنا صغير، فلم أحفظ أسانيده. نقله ابن أبي خيثمة في
«تاريخه» (١٢٠٣) عن ابن معين، عن معمر.
وانظر الأحاديث الثلاثة الآتية بعده.
والأبدال: جمع بدل بالتحريك: هم
العُبَّاد، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم كما مات واحد أبدل الله منه آخر، والعصائب: أراد
خيار أهل العراق.
وقوله: ويلقي الإسلام بجرانه.
الجران: مقدم العنق، وأصله في البعير إذا مدَّ عنقه على وجه الأرض، فيقال: ألقى
البعير جرانه، وإنما يفعل ذلك إذا طال مقامه في مناخه، فضرب الجران مثلًا للإسلام
إذا استقر قراره فلم يكن فتنة ولا هيج، وجرت أحكامه على العدل والاستقامة. أفاده
الخطابي.
قال أبو داود: قال بعضُهم، عن هشامٍ:
«تسعَ سنين» وقال بعضُهم «سبعَ سنين».
٤٢٨٧
- حدَّثنا هارونُ بن عبدِ اللهِ،
حدَّثنا عبدُ الصمدِ، عن همَّام، عن قتادة، بهذا الحديث، وقال: «تسعَ سنين» (١).
وقال غيرُ معاذٍ عن هشام: «تسعَ سنين».
٤٢٨٨
- حدَّثنا ابنُ المثنى، حدَّثنا عمرو
بن عاصم، حدَّثنا أبو العوَّام، حدَّثنا قتادةُ عن أبي الخليلِ، عن عبدِ الله بن
الحارث
عن أمِّ سلمةَ، عن النبيِّ ﷺ، بهذا
الحديث. وحديثُ معاذٍ أتم (٢).
٤٢٨٩
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة،
حدَّثنا جرير، عن عبدِ العزيز بن رُفَيع، عن عُبيد الله ابن القبطيّة
عن أمّ سلمة، عن النبيِّ ﷺ، بقصةِ
جيشِ الخسفِ، قلت: يا رسولَ الله، كيفَ بمن كان كارِهًا؟ قال: «يُخسَفُ بهم، ولكن
يُبعَثُ يومَ القيامَةِ على نيَّته» (٣).
(١) إسناده ضعيف كسابقه. همام: هو ابن يحيى
العَوذي، وعبد الصمد: هو ابن عبد الوارث.
(٢)
إسناده ضعيف. أبو العوَّام -وهو عمران بن داوَر القطّان- تفرد في هذا الإسناد بذكر
عبد الله بن الحارث -وهو ابن نوفل- وهو ثقة مشهور، ولم يذكره هشام الدستُوائي ولا
همام بن يحيى كما في الروايتين السابقتين، وهما من الثقة بمكان، ولا يخفى عليهما
إن صح ذكره. ولا يحتمل تفرد عمران القطان بمثله.
وقد سلف تخريجه من طريق عمران القطان
عند الحديث السالف برقم (٤٢٨٦).
(٣)
إسناده صحيح. جرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه مسلم (٢٨٨٢) من طريق جرير بن
عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٤٠٦٥)، والترمذي
(٢٣١٢) من طريق سفيان بن عيينة، عن محمد بن سوقة، عن نافع بن جبير، عن أم سلمة.
=
٤٢٩٠/ ١ - قال أبو داود: حُدِّثْتُ عن هارونَ بنِ
المُغيرةِ، حدَّثنا عمرو بنُ أبي قيس، عن شُعيبِ بن خالدٍ، عن أبي إسحاقَ، قال:
قال عليٌّ، ونظر إلى ابنهِ الحسنِ،
فقال: إن ابني هذا سيد، كما سماه النبيَّ ﷺ، وسيخرجُ من صُلبه رجلٌ يسمَّى باسم
نبيِّكم ﷺ يُشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْقِ، ثم ذكر قصةً: يملأُ الأرضَ
عَدلًا (١).
٤٢٩٠/
٢
- وقال هارونُ، حدَّثنا عمرو بنُ أبي
قيسٍ، عن مُطَرِّفِ بن طريفٍ، عن أبي الحسنِ، عن هِلال بنِ عمرو قال:
= وأخرجه البخاري (٢١١٨) من طريق
إسماعيل بن زكريا، عن محمَّد بن سوقة، عن نافع بن جبير، عن عائشة.
قال الحافظ في «الفتح» ٤/ ٣٤٠:
ويحتمل أن يكون نافع بن جبير سمعه منهما، فإن روايته عن عائشة أتم من روايته عن أم
سلمة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٦٤٧٥)
و(٢٦٧٠٢)، و«صحيح ابن حبان» (٦٧٥٦). وقولها: فكيف بمن كان كارهًا، وفي المسند:
«لعل فيهم المكره» قال النووي: أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم، ويصدرون يوم
القيامة مصادر شتى، أي: يبعثون مختلفين على قدر نياتهم، فيجازون بحسبها، وفي
الحديث أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا. وقال السندي، أي
الذي خرج كرهًا لا يستحق العقوبة، فأشار إلى أن عذاب الدنيا يعمُّ، بسبب الصحبة
لقوله: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً﴾ [الأنفال:
٢٥]،
نعم يظهر التفاوت في الآخرة.
(١)
إسناده ضعيف لإبهام شيخ أبي داود فيه، وأبو إسحاق -وهو عمرو بن عبد الله السبيعي-
رأى عليًا رضي الله عنه، ولم تثبت له رواية عنه.
وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن»
(١١١٣) عن غير واحد، عن إسماعيل بن عياش، عمن حدثه، عن محمَّد بن جعفر، عن علي بن
أبي طالب. وفي إسناده مُبهمون كما ترى.
سمعت عليًا يقول: قال النبيُّ ﷺ:
«يخرج رجلٌ من وراءِ النهرِ يقال له: الحارثُ بن حَرَّاثٍ، على مُقدِّمتِهِ رجُلٌ
يقال له: منصورٌ، يُوطَّئُ -أو يُمكِّنُ- لآل مُحمَّدٍ، كما مكَّنت قُريشٌ لرسول
الله ﷺ، وَجَبَت على كلِّ مؤمنٍ نُصرَتُه -أو قال: إجابتُه-» (١).
آخر كتاب المهدي
(١) إسناده ضعيف لإبهام شيخ أبي داود في هذا
الحديث.