(شَأْنُ
ابْنِ الْبَرْصَاءِ):
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّ
يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي عَنْ
مُسْلِمِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ الْمُنْذِرِ [٢]،
عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ،
[١] فِي م، ر: «ثنية ذُو الْمَرْوَة» وَهُوَ
تَحْرِيف.
[٢]
فِي أ: «الجهنيّ عَن جُنْدُب» .
٣٩-
سيرة ابْن هِشَام- ٢
كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ، فِي
سَرِيَّةٍ كُنْتُ فِيهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي
الْمُلَوَّحِ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ، فَخَرَجْنَا، حَتَّى إذَا كُنَّا بِقُدَيَدٍ
لَقِيَنَا الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيِّ،
فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، مَا خَرَجْتُ إلَّا
إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْنَا لَهُ: إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُكَ
رِبَاطُ لَيْلَةٍ، وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنَّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا
مِنْكَ، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا، ثُمَّ خَلَّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ، وَقُلْنَا لَهُ: إنْ عَازَّكَ [١] فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ.
(بَلَاءُ
ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ):
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى
أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَكُنَّا فِي نَاحِيَةِ
الْوَادِي، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً [٢] لَهُمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ
تَلًّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ [٣]، فَأَسْنَدْتُ فِيهِ [٤]، فَعَلَوْتُ عَلَى
رَأْسِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْحَاضِر، فو الله إنِّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى
التَّلِّ، إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَائِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ:
إنِّي لَأَرَى عَلَى التَّلِّ سَوَادًا مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ يَوْمِي،
فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِكَ هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا تَكُونُ
الْكِلَابُ جَرَّتْ بَعْضَهَا، قَالَ: فَنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا، وَاَللَّهِ مَا
أَفْقِدُ شَيْئًا، قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ، فَنَاوَلَتْهُ،
قَالَ: فَأرْسل سَهْما، فو الله مَا أَخَطَأَ جَنْبِي، فَأَنْزِعُهُ، فَأَضَعُهُ،
وَثَبَّتُّ مَكَانِي، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ الْآخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي،
فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ، وَثَبَّتُّ مَكَانِي، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَوْ كَانَ
رَبِيئَةً [٥] لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرَّكَ، لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا
لَكَ، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا، فَخُذِيهِمَا، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ
الْكِلَابُ. قَالَ:
ثمَّ دخل.
(نجاء
الْمُسْلِمِينَ بِالنَّعَمِ):
قَالَ: وَأَمْهَلْنَاهُمْ، حَتَّى
إذَا اطْمَأَنُّوا وَنَامُوا، وَكَانَ فِي وَجْهِ السَّحَرِ، شَنَنَّا [٦]
[١] عازك: غالبك.
[٢]
الربيئة: الطليعة.
[٣]
الْحَاضِر: الْجَمَاعَة النازلون على المَاء.
[٤]
أسندت: ارتقيت.
[٥]
يرْوى: «زائلة» أَي لَو كَانَ مِمَّن يَزُول.
[٦]
شننا عَلَيْهِم الْغَارة: فرقنا عَلَيْهِم الْخَيل الْمُغيرَة.
عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ، قَالَ:
فَقَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ [١] الْقَوْمِ، فَجَاءَنَا
دَهْمٌ [٢] لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَمَضَيْنَا بِالنَّعَمِ، وَمَرَرْنَا بِابْنِ
الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فاحتملناهما مَعَنَا، قَالَ: وَأَدْرَكْنَا الْقَوْم
حَتَّى قروا مِنَّا، قَالَ: فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إلَّا وَادِي قُدَيْدٍ،
فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْوَادِيَ بِالسَّيْلِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ تبارك وتعالى، مِنْ
غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا، وَلَا مَطَرٍ، فَجَاءَ بِشَيْءِ لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ
قُوَّةٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ
إلَيْنَا، وَإِنَّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ، مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ
يُجِيزَ [٣] إلَيْنَا، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا [٤] سِرَاعًا، حَتَّى فُتْنَاهُمْ،
فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا.
(شِعَارُ
الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ):
قَالَ: فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي
رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ شِعَارَ [٥] أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتْ. فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَحْدُوهَا.
أَبَى أَبُو الْقَاسِم أَن تعزّ بِي
[٦] ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ [٧]
صُفْرٍ أعاليه كلون الْمَذْهَب
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
«كَلَوْنِ الذَّهَبِ» .
تَمَّ خَبَرُ الْغُزَاةِ، وَعُدْتُ
إلَى ذِكْرِ تَفْصِيلِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ [٨] .
(تَعْرِيفٌ
بِعِدَّةِ غَزَوَاتٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ
[١] صريخ الْقَوْم: مستغيثهم.
[٢]
الدهم: الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة.
[٣]
فِي أ: «يجوز» .
[٤]
نحدوها: نسوقها.
[٥]
الشعار: الْعَلامَة الَّتِي كَانَ يعرف بهَا بَعضهم بَعْضًا فِي الْحَرْب.
[٦]
كَذَا فِي الْأُصُول، وتعزبت الْإِبِل: غَابَتْ فِي المرعى وَلم ترجع. ويروى تعربى
(بالراء الْمُهْملَة) أَي تردى (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) يُقَال: عربت عَلَيْهِ
القَوْل: إِذا رَددته عَلَيْهِ.
[٧]
الخضل. النَّبَات الْأَخْضَر المبتل. والمغلولب: الْكثير الّذي يغلب على
الْمَاشِيَة حِين ترعاه.
[٨]
هَذِه الْعبارَة، من قَوْله «تمّ خبر» إِلَى قَوْله «والبعوث»: سَاقِطَة من أ.
مِنْ أَهْلِ فَدَكَ، وَغَزْوَةُ
أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيُّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ
وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ،
وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي
أَسَدٍ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ، قُتِلَ بِهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ، وَغَزْوَةُ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ «الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ،
وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ
سَعْدٍ نَاحِيَةَ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ
أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، مِنْ أَرْضِ
خُشَيْنٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ نَفْسِهِ،
وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ:
مِنْ أَرْضِ حِسْمَى.