(تَذْكِيرُ الرَّسُولِ قَوْمَهُ بِمَا
حَدَثَ لِلْحَوَارِيِّينَ حِينَ اخْتَلَفُوا عَلَى عِيسَى):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ
مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي
مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ
عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ
بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ
الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ
اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ إلَى الَّذِي
دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ، فَأَمَّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ
[١] قزَح (بِضَم فَفتح) جبل
بِالْمُزْدَلِفَةِ.
[٢]
أوعب الْمُهَاجِرُونَ: جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع.
وَسَلِمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعَثَهُ
مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى
اللَّهِ، فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ
بِلُغَةِ الْأُمَّةِ الَّتِي بُعِثَ إلَيْهَا.
(أَسَمَاءُ
الرُّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ):
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُسُلًا
مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا
إلَى الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إلَى قَيْصَرَ،
مَلِكِ الرُّومِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلَى
كِسْرَى، مَلِكِ فَارِسَ، وَبَعَثَ عَمْرَو ابْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلَى
النَّجَاشِيِّ، مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى
الْمُقَوْقَسِ، مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ
السَّهْمِيَّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيَّادٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيَّيْنِ،
مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ ابْن
لُؤَيٍّ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّينَ،
مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ
بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ شُجَاعَ ابْن وَهْبٍ
الْأَسْدِيَّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، مَلِكِ تُخُومِ
الشَّامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَعَثَ شُجَاعَ
بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ
الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
كُلَالٍ الْحِمْيَرِيِّ، مَلِكِ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَا نَسِيتُ
سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ.
(رِوَايَةُ
ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرَّسُولِ رُسُلَهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ: أَنَّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ
مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ. قَالَ: فَبَعَثْتُ بِهِ
إلَى مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فَعَرَفَهُ، وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي
رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَأَدَّوْا عَنِّي يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا
عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا:
وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ لِمِثْلِ
مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ قَرَّبَ بِهِ فَأَحَبَّ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا
مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللَّهِ،
فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ
وُجِّهَ إلَيْهِمْ،
(أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ
بَعَثَ عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السلام مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَالْأَتْبَاعِ،
الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ: بُطْرُسُ الْحَوَارِيُّ، وَمَعَهُ
بُولُسُ، وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ
إلَى رُومِيَّةَ، وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَأْكُلُ
أَهْلُهَا النَّاسَ، وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ،
وَفِيلِبسُ إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنَّةَ، وَهِيَ إفْرِيقِيَّةُ، وَيُحَنَّسُ، إلَى
أَفْسُوسَ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ، أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَيَعْقُوبُسُ إلَى
أَوْرْاشَلِمَ، وَهِيَ إيلِيَاءُ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ
[١] إلَى الْأَعْرَابِيَّةِ، وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَسِيمُنْ إِلَى أَرْضِ
الْبَرْبَرِ، وَيَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ، جُعِلَ مَكَانَ
يُودِسَ [٢] .
ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ: وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَفْسِهِ
سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، مِنْهَا غَزْوَةُ وَدَّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ
الْأَبْوَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بُوَاطَ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ غَزْوَةُ
الْعَشِيرَةِ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى، يَطْلُبُ
كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى، الَّتِي قَتَلَ اللَّهُ
فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى بَلَغَ
الْكُدْرَ، ثُمَّ غَزْوَةُ السَّوِيقِ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ،
ثُمَّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ،
مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ
الْأَسَدِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ
مِنْ نَخْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمَّ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ،
ثُمَّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ
بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ،
[١] فِي م، ر: «ثلمالى» .
[٢]
إِلَى هُنَا انْتهى الْجُزْء التَّاسِع عشر من أَجزَاء السِّيرَة.
لَا يُرِيدُ قِتَالًا، فَصَدَّهُ
الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، ثُمَّ
غَزْوَةُ الْفَتْحِ، ثُمَّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ الطَّائِفِ، ثُمَّ
غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ،
وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ،
وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ.
ذِكْرُ جُمْلَةِ السَّرَايَا
وَالْبُعُوثِ
وَكَانَتْ بُعُوثُهُ ﷺ وَسَرَايَاهُ
ثَمَانِيًّا وَثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيَّةٍ: غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ
بْنِ الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيَّةِ ذِي الْمَرْوَةِ [١]، ثُمَّ غَزْوَةُ
حَمْزَةَ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاحِلَ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ،
وَبَعْضُ النَّاسِ يُقَدِّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ،
وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْخَرَّارَ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ
ابْن جَحْشٍ نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ، وَغَزْوَةُ
مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ
أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ الرَّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو
بِئْرَ مَعُونَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ذَا القصّة، من
لمريق الْعِرَاقِ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي
عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ، كَلْبِ لَيْثٍ، الْكَدِيدَ، فَأَصَابَ بَنِي
الْمُلَوَّحِ.