(سَبَبُهَا):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ
حَدِيثِهَا كَمَا حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ
كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا، أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيَّ، لَمَّا
قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ
إلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ
خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ، حِينَ بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ
مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَارٌ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ
الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ، وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضُّلَعِيَّانِ.
وَالضُّلَيْعُ: بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ، فَأَصَابَا كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ،
فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضُّبَيْبِ، رَهْطُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، مِمَّنْ
كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ، فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فِيهِمْ مِنْ
بَنِي الضُّبَيْبِ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتَّى لَقُوهُمْ،
فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى يَوْمئِذٍ قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضَّفَاوِيُّ ثُمَّ
الضُّلَعِيُّ، فَقَالَ: أَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَرَمَى النُّعْمَانَ بْنَ أَبى
جِعَال بسبهم، فَأَصَابَ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ: خُذْهَا وَأَنَا
ابْنُ لُبْنَى، وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ تُدْعَى لُبْنَى، وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ
مِلَّةِ الضُّبَيْبِيُّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ،
فَعَلَّمَهُ أُمَّ الْكِتَابِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ:
قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضَّفَارِيُّ، وَحَيَّانُ بْنُ مِلَّةَ.
(تَمَكُّنُ
الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْكُفَّارِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ: فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ
فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَرَدُّوهُ عَلَى دِحْيَةَ، فَخَرَجَ دِحْيَةُ،
حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَاسْتَسْقَاهُ
دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ، وَذَلِكَ الَّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ، وَبَعَثَ مَعَهُ
جَيْشًا، وَقَدْ وَجَّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ
سَلَامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، حِينَ جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ،
بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى نَزَلُوا الْحَرَّةَ، حَرَّةَ الرَّجْلَاءِ،
وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، لَمْ يَعْلَمْ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ
بَنِي الضُّبَيْبِ، وَسَائِرُ بَنِي الضُّبَيْبِ بِوَادِي مَدَانٍ، مِنْ نَاحِيَةِ
الْحَرَّةِ، مِمَّا [١] يَسِيلُ مُشَرِّقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَوْلَاجِ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ
الْحَرَّةِ، فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ
وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ بَنِي
الْأَحْنَفِ [٢] .
(شَأْنُ
حَسَّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنِي مِلَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ:
وَرَجُلًا مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ. فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضُّبَيْبِ
وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانٍ رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ
مَعَهُمْ حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ
لَهَا الْعَجَاجَةُ، وَأُنَيْفُ بْنُ مِلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِمَلَّةَ يُقَالُ
لَهَا: رِغَالٌ، وَأَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى فرس يُقَال لَهُ لَهَا شَمِرٌ،
فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَحَسَّانُ
لِأُنَيْفِ بْنِ مِلَّةَ:
كُفَّ عَنَّا وَانْصَرِفْ، فَإِنَّا
نَخْشَى لِسَانَكَ، فَوَقَفَ عَنْهُمَا، فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتَّى جَعَلَتْ
فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثَّبَ، فَقَالَ: لَأَنَا أَضَنُّ
بِالرَّجُلَيْنِ مِنْكَ بِالْفَرَسَيْنِ، فَأَرْخَى لَهَا، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا،
فَقَالَا لَهُ: أَمَّا إذَا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَكُفَّ عَنَّا
[١] فِي م، ر: «من مَاء» .
[٢]
فِي م، ر هُنَا: «الأخيف» . وَفِيمَا يأتى: «الْأَحْنَف» .
لِسَانَكَ، وَلَا تَشْأَمْنَا
الْيَوْمَ، فَتَوَاصَوْا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ إلَّا حَسَّانُ بْنُ
مِلَّةَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ عَرَفَهَا
بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ:
بُورَى أَوْ ثُورَى، فَلَمَّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ، أَقْبَلَ الْقَوْمُ
يَبْتَدِرُونَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ حَسَّانُ: إنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ
أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ، فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ،
فَقَالَ أُنَيْفٌ: بُورَى، فَقَالَ حَسَّانُ: مَهْلًا، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسَّانُ: إنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ
زَيْدٌ:
فَاقْرَءُوا أُمَّ الْكِتَابِ،
فَقَرَأَهَا حَسَّانُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ
أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا ثُغْرَةَ [١] الْقَوْمِ الَّتِي جَاءُوا
مِنْهَا إلَّا مَنْ خَتَرَ [٢] .
(قُدُومُهُمْ
عَلَى الرَّسُولِ وَشِعْرُ أَبِي جُعَالٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِذَا
أُخْتُ حَسَّانَ بْنِ مِلَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيِّ ابْن
أُمَيَّةَ بْنِ الضُّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خُذْهَا،
وَأَخَذَتْ بِحَقْوَيْهِ [٣] فَقَالَتْ أُمُّ الْفِزْرِ الضُّلَعِيَّةُ: أَتَنْطَلِقُونَ
بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمَّهَاتِكُمْ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي الْخَصِيبِ:
إنَّهَا بَنُو الضُّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ الْيَوْمِ،
فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ، فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ
بِأُخْتِ حَسَّانَ، فَفُكَّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي
مَعَ بَنَاتِ عَمِّكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ فِيكُنَّ حُكْمَهُ، فَرَجَعُوا،
وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى وَادِيهِمْ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ،
فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ، وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا [٤] لِسُوَيْدِ بْنِ
زَيْدٍ، فَلَمَّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ [٥]، رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ
زَيْدٍ، وَكَانَ مِمَّنْ رَكِبَ إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللَّيْلَةَ،
أَبُو زَيْدِ ابْن عَمْرٍو، وَأَبُو شِمَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ،
وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ [٦]،
وَمُخَرَّبَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأُنَيْفُ بْنُ مِلَّةَ، وَحَسَّانُ
[١] ثغرة الْقَوْم: ناحيتهم الَّتِي يحمونها.
[٢]
ختر: نقض الْعَهْد.
[٣]
بحقويه: بخصريه.
[٤]
الذود: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر من الْإِبِل. واستعتموا ذودا: انتظروه
إِلَى عتمة من اللَّيْل.
[٥]
عتمتهم: لبنهم الّذي انتظروه إِلَى ذَلِك الْوَقْت.
[٦]
فِي م، ر: «عَمْرو» .
ابْن مِلَّةَ، حَتَّى صَبَّحُوا
رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، عَلَى بِئْرٍ
هُنَالِكَ مِنْ حَرَّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ: إنَّكَ
لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرَّهَا كِتَابُكَ
الَّذِي جِئْتُ بِهِ، فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلِ لَهُ، فَجَعَلَ
يَشُدُّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
هَلْ أَنْتَ حَيٌّ أَوْ تُنَادِي
حَيَّا
ثُمَّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ
بِأُمَيَّةَ بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيِّ الْمَقْتُولِ، مُبَكِّرِينَ مِنْ
ظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا
دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ، نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ
مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ: لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ، فَتُقَطَّعَ أَيْدِيَهُنَّ،
فَنَزَلُوا عَنْهُنَّ وَهُنَّ قِيَامٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
وَرَآهُمْ أَلَاحَ [١] إلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ تُعَالُوا مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ،
فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ
النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ،
فَرَدَّدَهَا مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ
لَمْ يَحْذُنَا [٢] فِي يَوْمِهِ هَذَا إلَّا خَيْرًا. ثُمَّ دَفَعَ رِفَاعَةُ
ابْن زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ.
فَقَالَ: دُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ، حَدِيثًا غَدْرُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ، وَأَعْلِنْ،
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ، فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) [٣] .
فَقَالَ رِفَاعَةُ:
أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَعْلَمُ، لَا نُحَرِّمُ عَلَيْكَ حَلَالًا، وَلَا نُحَلِّلُ لَكَ حَرَامًا،
فَقَالَ أَبُو زَيْدِ ابْن عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
كَانَ حَيًّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيُّ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي
الله عنه: إنَّ
زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَخُذْ سَيْفِي هَذَا،
فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ رَاحِلَةٌ
أَرْكَبُهَا، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ
مِكْحَالٌ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ
[١] ألاح: أَشَارَ.
[٢]
كَذَا فِي الْأُصُول، وَلم يحذنا: لم يعطنا. وتروى: «لم يجدنا»: لم ينفعنا.
[٣]
فِي أ: «مرار» .
مِنْ إبِلِ أَبِي وَبْرٍ، يُقَالُ
لَهَا: الشِّمْرُ، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، مَا شَأْنِي؟
فَقَالَ: مَا لَهُمْ، عَرَفُوهُ
فَأَخَذُوهُ، ثُمَّ سَارُوا فَلَقَوْا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ،
فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ، حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيدَ الْمَرْأَةِ
مِنْ تَحْتِ الرَّحْلِ، فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ:
وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبٍّ
... وَلَوْلَا نَحْنُ حُشَّ بِهَا السَّعِيرَ [١]
تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى
بِابْنَتَيْهَا ... وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ
وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ
... لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ [٢]
وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا
بِمِصْرٍ ... تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلَّ بِهَا الْمَسِيرُ [٣]
وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ
حِفَاظٍ ... لِرَبْعٍ إنَّهُ قَرَبَ ضَرِيرُ [٤]
بِكُلِّ مُجَرَّبٍ كَالسِّيدِ نَهْدٍ
... عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ [٥]
فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلُّ
جَيْشٍ ... بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النُّحُورُ [٦]
غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرَّبَ
مُسْتَكِينًا ... خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ:
«
وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ
»،
وَقَوْلُهُ: «عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
تَمَّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى
تَفْصِيلِ ذِكْرِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطَّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ. مِنْ طَرِيقِ
الْعِرَاقِ.
[١] بطب: بِرِفْق. وَحش: أوقد.
[٢]
حَار: رَجَعَ.
[٣]
يعل: يُكَرر.
[٤]
الْحِفْظ: الْغَضَب. وَالرّبع: أَن ترد الْإِبِل المَاء لأربعة أَيَّام. والقرب:
السّير فِي طلب المَاء. وضرير: مُضر.
[٥]
السَّيِّد: الذِّئْب. والنهد: الغليظ. والأقتاد: أدوات الرحل. والناجية: السريعة.
وصبور:
صابرة، وتروى: «ضبور»» . والضبور:
الموثقة الْخلق.
[٦]
النحور: الصُّدُور.