recent
آخر المقالات

سورة المرسلات

 

وهي مكّيّة كلّها في قول الجمهور وحكي عن ابن عباس، وقتادة، ومقاتل أن فيها آية مدنيّة، وهي قوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ «١» .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


[سورة المرسلات (٧٧): الآيات ١ الى ٥٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفًا (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْرًا (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقًا (٤)

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩)

وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)

أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتًا (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتًا (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتًا (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)

انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)

هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩)

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩)

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)

قوله تعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (١) فيه أربعة أقوال «٢»: أحدها: أنها الرياح يَتْبَعُ بعضُها بعضًا، رواه

(١) المرسلات: ٤٨.

(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٤١: توقف ابن جرير في الْمُرْسَلاتِ عُرْفًا هل هي الملائكة، ولم يرجح- وقطع بأن العاصفات عصفا هي الرياح كما قاله ابن مسعود اه.

أبو العُبَيْدَينِ عن ابن مسعود، والعوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة. والثاني: أنها الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه، رواه مسروق عن ابن مسعود، وبهذا قال أبو هريرة ومقاتل.

وقال الفراء: هي الملائكة.

فأمّا قوله عز وجل: عُرْفًا فإنها: أُرْسِلتْ بالمعروف، ويقال: تَتَابَعَتْ كعُرْفِ الفَرَسِ. والعرب تقول: يركب الناس إلى فلان عُرْفًا واحدًا: إِذا توجهوا إليه فأكثروا. قال ابن قتيبة: يريد أن الملائكة متتابعة بما ترسَل به. وأصله من عرف الفرس، لأنه طرف مستوٍ، بعضه في إِثر بعض فاستعير للقوم يتبع بعضُهم بعضًا. والثالث: أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات، هذا معنى قول أبي صالح، ذكره الزجاج. والرابع: أنها الملائكة والريح، قاله أبو عبيدة. قال: ومعنى «عرفا»: يتبع بعضها بعضا. يقال:

جاءوني عُرْفًا.

وفي «العاصفات» قولان: أحدهما: أنها الرياح الشديدة الهبوب، قاله الجمهور. والثاني:

الملائكة، قاله مسلم بن صبيح. قال الزجاج: تعصف بروح الكافر.

وفي «الناشرات» خمسة أقوال: أحدها: أنها الرياح تنشر السحاب، قاله ابن مسعود، والجمهور.

والثاني: الملائكة تنشر الكتب، قاله أبو صالح. والثالث: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد، قاله الضحاك. والرابع: البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح، قاله الربيع. والخامس: المطر ينشر النبات، حكاه الماوردي.

وفي «الفارقات» أربعة أقوال «١»: أحدها: الملائكة تأتي بما يفرِّق بين الحق والباطل، قاله الأكثرون. والثاني: آي القرآن فَرَّقَتْ بين الحلال والحرام، قاله الحسن، وقتادة، وابن كيسان.

والثالث: الريح تفرّق بين السحاب فتبدِّدُه، قاله مجاهد. والرابع: الرسل، حكاه الزّجّاج.

وفي «الملقيات ذكرا» قولان: أحدهما: الملائكة تبلّغ ما حملت من الوحي إلى الأنبياء، وهذا مذهب ابن عباس، وقتادة، والجمهور. والثاني: الرسل يلقون ما أُنزل عليهم إلى الأمم، قاله قطرب.

قوله عز وجل: عُذْرًا أَوْ نُذْرًا وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم «عُذْرًا» خفيفًا «أو نُذُرًا» ثقيلا. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص، وخلف «عُذْرًا أو نُذْرًا» خفيفتان.

قال الفراء: وهو مصدر، مثقَّلًا كان أو مخفّفًا. ونصبه على معنى: أُرسلتُ بما أرسلتُ به إِعذارًا من الله وإنذارًا. وقال الزجاج: المعنى: فالملقياتِ عُذرًا أو نُذرًا. ويجوز أن يكون المعنى: فالملقيات ذكرًا للإعذار والإنذار. وهذه المذكورات مجرورات بالقسم. وجواب القسم إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ قال المفسرون: إنَّ ما توعَدون به من أمر الساعة، والبعث، والجزاء لَواقِعٌ، أي: لكائن. ثم ذكر متى يقع فقال عز وجل: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ أي: مُحِيَ نُورُها وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ: شُقَّتْ وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ قال الزجاج: أي: ذُهِبَ بها كلُّها بسرعة. يقال: انتسفتُ الشيء: إذا أخذته بسرعة.

(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٤٢: يعني الملائكة، ولا خلاف هاهنا فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، فتفرق بين الحقّ والباطل، والهدى والغي، والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره.

قوله عز وجل: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قرأ أبو عمرو «وُقِّتَتْ» بواو مع تشديد القاف. ووافقه أبو جعفر، إلا أنه خَفَّفَ القاف. وقرأ الباقون: «أُقِّتت» بألف مكان الواو مع تشديد القاف. قال الزجاج:

وُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ بمعنى واحد. فمن قرأ «أُقِّتت» بالهمز، فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو. وكل واو انضمت، وكانت ضمّتها لازمة، جاز أن تبدل منها بهمزة. وقال الفراء: الواو إذا كانت أول حرف، وضُمَّتْ، همزت. تقول: صلى القوم أُحدانًا. وهذه أُجوهٌ حسان. ومعنى «أُقِّتت»: جمعت لوقتها يوم القيامة. وقال ابن قتيبة: جمعت لوقت، وهو يوم القيامة. وقال الزجاج: جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمّة.

قوله عز وجل: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ أي: أُخِّرَتْ. وضَرْبُ الأجل لجمعهم، يعجِّب العباد من هول ذلك اليوم. ثم بيّنه فقال عز وجل: لِيَوْمِ الْفَصْلِ وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق. ثم عَظَّم ذلك اليوم بقوله: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالبعث. ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذِّبة، فقال: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ يعني بالعذاب في الدنيا حين كذَّبوا رسلهم ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ والقراء على رفع العين في «نتبعُهم»، وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين. قال الفراء:

«نتبعهم» مرفوعة. ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود «وسنتبعهم الآخرين» . ولو جزمتَ على معنى: ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجهًا جيدًا. وقال الزجاج: الجزم عطف على «نُهْلكْ»، ويكون المعنى: لمن أُهلك أولًا وآخرًا. والرفع على معنى: ثم نتبع الأول والآخر من كل مجرم. وقال مقاتل: ثم نتبعهم الآخرين: يعني: كفار مكّة كذّبوا بالنبيّ ﷺ، وقال ابن جرير: الأوَّلون: قوم نوح، وعاد، وثمود، والآخرون: قوم إبراهيم، ولوط، ومَدْيَن.

قوله عز وجل: كَذلِكَ أي: مثل ذلك نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ يعني: المكذِّبين. فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله عز وجل: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ؟ فالجواب: أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى، لأنه كلما ذكر شيئًا قال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بهذا.

قوله عز وجل: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف. وقرأ الباقون بإدغامها.

قوله عز وجل: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أي: ضعيف فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ يعني: الرحم إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وهو مدة الحمل فَقَدَرْنا قرأ أهل المدينة، والكسائي «فَقَدَّرْنَا» بالتشديد. وقرأ الباقون: بالتخفيف.

وهل بينهما فرق؟ فيه قولان:

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد. قال الفراء: تقول العرب: قَدَر عليه، وقَدَّر عليه. وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال: لو كانت مشدّدة لقال: فنعم القادرون، فأجاب الفراء فقال: قد تجمع العرب بين المعنيين، كقوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا «١» . قال الشاعر:

وَأَنْكَرَتْني وَمَا كانَ الَّذي نَكِرَتْ ... مِنَ الحَوَادِثِ إِلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا «٢»

يقول: ما أنكرت إلّا ما يكون في الناس.

(١) الطارق: ١٧.

(٢) البيت للأعشى الكبير ديوانه: ١٠١ من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة.

والثاني: أن المخفَّفة من القُدْرَة والملك، والمشدَّدة من التقدير والقضاء. ثم بيَّن لهم صنعه ليعتبروا فيوحّدوه، فقال عز وجل: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتًا قال اللغويون: الكفت في اللغة: الضم.

والمعنى: أنها تضم أهلها أحياءً على ظهرها، وأمواتًا في بطنها. قال ابن قتيبة: يقال: اكفتْ هذا إليك، أي: ضمه. وكانوا يسمون بقيع الغرقد: كفتة، لأنه مقبرة يضمّ الموتى.

وفي قوله عز وجل: أَحْياءً وَأَمْواتًا قولان: أحدهما: أن المعنى: تكفتهم أحياءً وأمواتًا، قاله الجمهور. قال الفراء: وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ وأمواتٍ، فإذا نَوَّنْتَ نصبتَ كما يقرأ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا «١» وقال الأخفش: انتصب على الحال.

والقول الثاني: أن المعنى: ألم نجعل الأرض أحياءً بالنبات والعمارة، وأمواتًا بالخراب واليبس، هذا قول مجاهد، وأبي عبيدة.

قوله عز وجل: وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ قد سبق بيانه شامِخاتٍ أي: عاليات وَأَسْقَيْناكُمْ قد سبق معنى «أسقينا» «٢» ومعنى «الفرات» «٣» والمعنى: أن هذه الأشياء أعجب من البعث. ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة: انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ في الدنيا، وهو النار انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر. وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وأبو عمران، ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي. قال ابن قتيبة: «والظّل» هاهنا: ظل من دخان نار جهنم سطع، ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدُّخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب، فيقال لهم: كونوا فيه إِلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه، أو حيث شاء من الظل، ثم يُؤْمَرُ بكل فريق إلى مستقرِّه من الجنة والنار لا ظَلِيلٍ أي: لا يظلكم من حرِّ هذا اليوم بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس. قال مجاهد: تكون شعبة فوق الإِنسان، وشعبة عن يمينه، وشعبة عن شماله، فتحيط به. وقال الضحاك: الشعب الثلاث: هي الضَّريع، والزَّقوم، والغِسْلين. فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار.

قوله عز وجل: وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ أي: لا يدفع عنكم لَهَبَ جهنم. ثم وصف النار فقال عز وجل إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ، وهو جمع شررة، وهو ما يتطاير من النار متفرقًا كَالْقَصْرِ قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنيَّة. وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو قول الجمهور. وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، ومجاهد، وأبو الجوزاء «كالقَصَر» بفتح الصاد. وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء، فنسميه:

القصر. قال ابن قتيبة: من فتح الصاد أراد: أُصول النخل المقطوعة المقلوعة. وقال الزّجّاج: أراد أعناق الإبل. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وعكرمة، وأبو مجلز، وأبو المتوكل، وابن يعمر «كالقَصِر» بفتح القاف، وكسر الصاد. وقرأ ابن مسعود، وأبو هريرة، والنخعي «كالقُصُر» برفع القاف والصاد جميعًا. وقرأ أبو الدرداء، وسعيد بن جبير «كالقِصَر» بكسر القاف، وفتح الصاد، وقرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ «كالقصر» بضمّ القاف وإسكان الصاد.

(١) البلد: ١٤- ١٥.

(٢) الحجر: ٢٢، الجن: ١٦.

(٣) الفرقان: ٥٣، فاطر: ١٢.

قوله عز وجل: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم «جِمالاَتٌ» بألف، وكسر الجيم. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم «جِمَالَةُ» على التوحيد. وقرأ رويس عن يعقوب «جُمَالاَت» بضم الجيم. وقرأ أبو رزين، وحميد، وأبو حيوة «جُمَالة» برفع الجيم على التوحيد. قال الزجاج: من قرأ «جِمالات» بالكسر، فهو جمع جِمَال، كما تقول:

بُيوت، وبُيوتَات، وهو جمع الجمع، فالمعنى: كأن الشرارات كالجمالات. ومن قرأ «جُمالات» بالضم، فهو جمع «جمالة»، وهو القلس من قلوس سفن البحر، ويجوز أن يكون جمع جمل وجمال وجمالات، ومن قرأ جِمالةً فهو جمع جَمَل وجِمالة، كما قيل: حَجر، وحِجَارة. وذَكَر، وذِكَارَة.

وقرئت «جُمالة» على ما فسرناه في جُمالات بالضم. و«الصُّفْر» هاهنا: السود. يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة: إِبل صُفْرٌ. وقال الفراء: الصُّفْر: سود الإبل لا يُرى الأسود من الإبل إلا وهو مُشْرَبٌ صُفْرَةً، فلذلك سَمَّتْ العرب سود الإبل: صُفْرًا، كما سَمَّوا الظباء: أدمًا لما يعلوها من الظلمة في بياضها، قال الشاعر:

تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هنّ سور أولادها كالزّبيب

قوله عز وجل: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ قال المفسرون: هذا في بعض مواقف القيامة. قال عكرمة:

تكلَّموا واختصموا، ثم ختم على أفواههم، فتكلَّمت أيديهم، وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون ولا يؤذون لهم فيعتذرون. وقال ابن الأنباري: لا ينطقون بحجة تَنْفَعُهم. وقرأ أبو رجاء، والقاسم بن محمد، والأعمش، وابن أبي عبلة «هذا يومَ لا ينطقون» بنصب الميم.

قوله عز وجل: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ أي: بين أهل الجنة وأهل النار جَمَعْناكُمْ يعني: مكذِّبي هذه الأمة وَالْأَوَّلِينَ من المكذِّبين الذين كذَّبوا أنبياءَهم فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، أي: إن قَدَرْتُم على حيلة، فاحتالوا لأنفسكم. ثم ذكر ما للمؤمنين، فقال عز وجل:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ يعني: ظلال الشجر، وظلال أكنان القصور وَعُيُونٍ الماء وهذا قد تقدّم بيانه، إلى قوله عز وجل: كُلُوا أي: ويقال لهم: كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله.

ثم قال لكفار مكة: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا في الدنيا إِلى منتهى آجالكم إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ أي: مشركون بالله.

قوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا فيه قولان: أحدهما: أنه حين يُدْعَون إلى السجود يوم القيامة، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم: اركعوا، أي صلوا لا يَرْكَعُونَ أي: لا يصلُّون. وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين، وهو الأصح.

(١٥٠٩) وقيل: نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله ﷺ بالصلاة، فقالوا: لا نحني، فإنها مَسَبَّةٌ علينا، فقال: «لا خير في دين ليس فيه ركوع» .

قوله عز وجل: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أي: إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن، فبأيِّ كتاب بعده يصدِّقون، ولا كتاب بعده.

ضعيف. أخرجه أبو داود ٣٠٢٦ وأحمد ٤/ ٢١٨ من حديث عثمان بن أبي العاص وليس فيه سبب نزول، وحسّن إسناده الأرناؤوط في «جامع الأصول» ٦١٧٥. وخالفه الألباني فذكره في ضعيف أبي داود ٦٥٢ و«الضعيفة» ٤٣١٩ وعلته عنعنه الحسن، وهو مدلس.

google-playkhamsatmostaqltradent