recent
آخر المقالات

سورة النّبأ

 

ويقال لها: سورة عمّ يتساءلون وهي مكيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


[سورة النبإ (٧٨): الآيات ١ الى ٤٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤)

ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا (٦) وَالْجِبالَ أَوْتادًا (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجًا (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا (٩)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشًا (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدادًا (١٢) وَجَعَلْنا سِراجًا وَهَّاجًا (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا (١٤)

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتًا (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتًا (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجًا (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْوابًا (١٩)

وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقابًا (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا وَلا شَرابًا (٢٤)

إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزاءً وِفاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتابًا (٢٩)

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذابًا (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا (٣١) حَدائِقَ وَأَعْنابًا (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْرابًا (٣٣) وَكَأْسًا دِهاقًا (٣٤)

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابًا (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَوابًا (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩)

إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا (٤٠)

قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ أصله «عنْ ما» فأدغمت النون في الميم، وحذفت ألف «ما» كقولهم:

فيم، وبم.

(١٥١٠) قال المفسرون: لما بُعِثَ رسول الله ﷺ جَعَلَ المشركون يتساءلون بينهم، فيقولون: ما الذي أتى به؟ ويتجادلون، ويختصمون فيما بعث به، فنزلت هذه الآية. واللفظ لفظ استفهام. والمعنى:

ضعيف. أخرجه الطبري ٣٥٩٩٧ عن الحسن قوله. وأخرج الطبري عن مجاهد وقتادة وغيرهما غير ذلك، وكل ذلك ضعيف، لا حجة فيه لأنه مجرد اجتهاد منهم.

تفخيم القصة، كما يقولون: أيُّ شيء زيد؟ إذا أردت تعظيم شأنه. ثم بيَّن ما الذي يتساءلون عنه، فقال عز وجل: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يعني: عن الخبر العظيم الشأن. وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: القرآن، قاله مجاهد، ومقاتل، والفراء. قال الفراء: فلما أجاب صارت «عم» كأنها في معنى: لأي شيءٍ يتساءلون عن القرآن. والثاني: البعث، قاله قتادة. والثالث: أنه أمر النبيّ ﷺ، حكاه الزّجّاج.

قوله عز وجل: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ من قال: إنه القرآن، فإن المشركين اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين، إلى غير ذلك. وكذلك من قال: هو أمر النبيّ ﷺ. فأما من قال: إنه البعث والقيامة، ففي اختلافهم فيه قولان:

أحدهما: أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به، فمنهم من صدَّق وآمن، ومنهم من كذَّب، وهذا معنى قول قتادة. والثاني: أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه، فصدَّق به المسلمون، وكذَّب به المشركون، قاله يحيى بن سلام.

قوله عز وجل: كَلَّا قال بعضهم: هي ردع وزجر. وقال بعضهم: هي نفي لاختلافهم، والمعنى: ليس الأمر على ما قالوا، سَيَعْلَمُونَ عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ وعيد على إثر وعيد. وقرأ ابن عامر «ستعلمون» في الحرفين بالتاء. ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده، فقال عز وجل: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا أي: فراشًا وبساطًا وَالْجِبالَ أَوْتادًا للأرض لئلا تميد وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجًا أي: أصنافًا، وأضدادًا، ذكورًا، وإناثًا، سودًا وبيضًا، وحمرًا وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتًا قال ابن قتيبة: أي: راحة لأبدانكم. وقد شرحنا هذا في الفرقان «١» وشرحنا هناك قوله عز وجل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباسًا.

قوله عز وجل: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشًا أي: سببًا لمعاشكم. والمعاش: العيش، كلّ شيء يُعَاشُ به، فهو مَعَاشٌ. والمعنى: جعلنا النهار مطلبًا للمعاش. وقال ابن قتيبة: معاشًا، أي: عيشًا، وهو مصدر وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدادًا قال مقاتل: هي السموات، غِلظ كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مثل ذلك وهي فوقكم يا بني آدم. فاحذروا أن تعصوا فتخرّ عليكم.

قوله عز وجل: وَجَعَلْنا سِراجًا يعني: الشمس وَهَّاجًا قال ابن عباس: هو المضيء. وقال اللغويون: الوهَّاج: الوقَّاد. وقيل: الوهّاج يجمع النّور والحرارة.

قوله عز وجل: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها السموات، قاله أُبَيّ بن كعب، والحسن، وابن جبير. والثاني: أنها الرّياح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة ومقاتل. قال زيد بن أسلم: هي الجنوب. فعلى هذا القول تكون «من» بمعنى «الباء»، وتقديره: بالمعصرات. وإنما قيل للرياح: معصرات، لأنها تستدرُّ المطر. والثالث: أنها السحاب، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية. والضحاك، والربيع، قال الفراء: السحابة المعصر: التي تتحلَّب بالمطر ولما يجتمع، مثل الجارية المعصر، قد كادت تحيض، ولما تحضْ. وكذلك قال ابن قتيبة: شبِّهت السحاب بمعاصير الجواري، والمُعصِرُ: الجارية التي قد دنت من الحيض. وقال

(١) الفرقان: ٤٧.

الزجاج: إنما قيل للسحاب: معصرات، كما قيل: أجزَّ الزرع، فهو مُجِزُّ أي: صار إلى أن يُجَزَّ، فكذلك السحاب إذا صار إلى أن يمطر فقد أعصر.

قوله عز وجل: ماءً ثَجَّاجًا قال مقاتل: أي: مطرًا كثيرًا مُنْصبًّا يتبع بعضُه بعضًا. وقال غيره:

يقال: ثجَّ الماء يثج: إذا انصبَّ لِنُخْرِجَ بِهِ أي: بذلك الماء حَبًّا وَنَباتًا وفيه قولان:

أحدهما: أن الحب: ما يأكله الناس، والنبات: ما تنبته الأرض مما يأكل الناس والأنعام، هذا قول الجمهور. قال الزجاج: كُلُّ ما حُصِدَ حَبٌّ، وكُلُّ ما أَكَلَتْهُ الماشية من الكلإ، فهو نبات.

والثاني: أن الحب: اللؤلؤ، والنبات: العشب. قال عكرمة: ما أنزل الله من السماء قطرًا، إلا نبت به في البحر لؤلؤًا، وفي الأرض عشبًا.

قوله عز وجل: وَجَنَّاتٍ يعني: بساتين أَلْفافًا قال أبو عبيدة: أي: ملتَفَّة من الشجر ليس بينها خلال، الواحدة: لَفَّاء، وجنّات لُفٌّ، وجمع الجمع: ألْفَافٌ. قال المفسرون: فدلَّ بذكر المخلوقات على البعث. ثم أخبر عن يوم القيامة فقال عز وجل: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ أي: يوم القضاء بين الخلائق كانَ مِيقاتًا لما وعد الله من الثواب والعقاب. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ من قبوركم أَفْواجًا أي: زُمَرًا زُمَرًا من كل مكان وَفُتِحَتِ السَّماءُ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «وفتّحت» بالتشديد. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بالتخفيف، وإنما تفتح لنزول الملائكة فَكانَتْ أَبْوابًا أي: ذات أبواب وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ عن أماكنها فَكانَتْ سَرابًا أي: كالسّراب، لأنها تصير هباء منثورا فيراها الناظر كالسراب بعد شِدَّتها وصلابتها إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا قال المبرد: مرصادًا يرصدون به، أي: هو مُعَدٌّ لهم يَرصُد بها خزنتها الكفارَ. وقال الأزهري: المرصاد: المكان الذي يَرصُد فيه الراصد العدُوَّ. ثم بين لمن هي مرصاد فقال عز وجل: لِلطَّاغِينَ قال ابن عباس: للمشركين مَآبًا أي: مرجعا.

قوله عز وجل: لابِثِينَ وقرأ حمزة «لَبِثين» والمعنى: فيهما واحد. يقال: هو لابث بالمكان، ولبث. ومثله طَامع، وطَمِع، وفَارِه، وفَرِه. وأما الأحقاب فجمع حقب، وقد ذكرنا الاختلاف فيه في الكهف «١» .

فإن قيل: ما معنى ذكر الأحقاب، وخلودهم في النار لا نفاد له؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أن هذا لا يدل على غاية، لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب ولو أنه قال: لابِثِينَ فِيها عشرة أحقاب أو خمسة دل على غاية، هذا قول ابن قتيبة، والجمهور. وبيانه أن زمان أهل الجنة والنار يُتَصَوَّرُ دخوله تحت العدد، وإن لم يكن له غاية. كقوله: بكرة وعشيا، مثل هذا أنّ كلمات الله تعالى داخلة تحت العدد وإن لم تكن لها نهاية.

والثاني: أن المعنى: أنهم يلبثون فيها أحقابًا لا يَذُوقُونَ في الأحقاب بَرْدًا وَلا شَرابًا فأما خلودهم في النار فدائم. هذا قول الزجاج. وبيانه أن الأحقاب حَدٌّ لعذابهم بالحميم والغَسّاق، فإذا انقضت الأحقاب عُذِّبوا بغير ذلك من العذاب.

(١) الكهف: ٦٠.

وفي المراد «بالبرد» ثلاثة أقوال: أحدها: أنه برد الشراب. روى أبو صالح عن ابن عباس قال: لا يذوقون فيها برد الشراب، ولا الشراب. والثاني: أنه الرَّوْح والراحة، قاله الحسن، وعطاء. والثالث:

أنه النوم، قاله مجاهد، والسدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وأنشدوا:

فَإنْ شئتِ حرَّمتُ النِّساء سِواكُم ... وإِن شئتِ لَمُ أَطْعَمْ نُقَاخًَا وَلاَ بَرْدًَا «١»

قال ابن قتيبة: النقاخ: الماء، والبرد: النوم، سمي بذلك لأنه تبرد فيه حرارة العطش. وقال مقاتل: لا يذوقون فيها بردًا ينفعهم من حرها، ولا شرابًا ينفعهم من عطش إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «غَسَاقًا» بالتخفيف. وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وحفص عن عاصم بالتشديد وقد تقدّم «٢» ذكر الحميم، والغسّاق جَزاءً وِفاقًا قال الفراء: وِفْقًا لأعمالهم وقال غيره: جُوزوا جزاءً وفاقًا لأعمالهم على مقدارها، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النّار إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا فيه قولان: أحدهما: لا يخافون أن يحاسبوا، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الجمهور. والثاني: لا يرجون ثواب حساب، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الزّجّاج.

قوله عز وجل: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّابًا أي: بما جاء به الأنبياء قال الفراء: الكِذَّاب بالتشديد لغة يمانية فصيحة يقولون: كذَّبت به كِذَّابًا، وخرَّقت القميص خِرَّاقًا، وكل «فَعَّلْتُ» فمصدره في لغتهم مُشَدَّد. قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحَلْقُ أحب اليك، أم القِصَّار؟ وأنشدني بعض بني كلاب:

لَقَدْ طَالَ مَا ثَبَّطَتني عن صَحَابَتي ... وَعَنْ حوَجٍ قِضَّاؤها من شِفَائِيَا

وأما أهل نجد، فيقولون: كذَّبت به تكذيبًا. وقال أبو عبيدة: الكِّذاب أشد من الكِذَاب، وهما مصدر المكاذبة. قال الأعشى:

فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها ... وَالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كذابه

قوله عز وجل: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ قال الزجاج: «كلَّ» منصوب بفعل مضمر تفسيره:

أحصيناه، والمعنى: وأحصينا كلّ شيء، وكِتابًا توكيد ل «أحصيناه»، لأن معنى «أحصيناه» و«كتبناه» فيما يحصل ويثبت واحد. فالمعنى: كتبناه كتابًا. قال المفسرون: وكلّ شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ فَذُوقُوا أي: فيقال لهم: ذوقوا جزاء فعالكم فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذابًا (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين لم يشركوا مَفازًا وفيه قولان: أحدهما: متنزَّهًا، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني:

فازوا بأن نَجَوْا من النار بالجنة، ومن العذاب بالرحمة، قاله قتادة. قال ابن قتيبة: «مفازا» في موضع «فوز» قوله: حَدائِقَ قال ابن قتيبة: الحدائق: بساتين نخل، واحدها: حديقة.

قوله عز وجل: وَكَواعِبَ قال ابن عباس: الكواعب: النواهد. قال ابن فارس: يقال: كعبت المرأة كعابة، فهي كاعب: إذا نَتَأَ ثَدْيُها. وقد ذكرنا معنى «الأتراب» في ص «٣» .

قوله عز وجل: وَكَأْسًا دِهاقًا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الملأى، رواه أبو صالح عن ابن

(١) البيت لعبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي، وهو في دواوينه ١٠٩ و«شواهد الكشاف» ٣٤.

(٢) ص: ٥٧.

(٣) ص: ٥٢.

عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد. والثاني: أنها المتتابعة. رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير. وعن مجاهد كالقولين. والثالث: أنها الصافية، قاله عكرمة.

قوله عز وجل: لا يَسْمَعُونَ فِيها أي: في الجنة إذا شربوها لَغْوًا وقد ذكرناه في الطور «١» وغيرها، وَلا كِذَّابًا أي: لا يكذِّب بعضهم بعضًا، لأن أهل الدنيا إذا شربوا الخمر تكلَّموا بالباطل وأهل الجنة مُنَزَّهون عن ذلك. قال الفرّاء. وقراءة عليّ رضي الله عنه «كِذَابًا» بالتخفيف، كأنه- والله أعلم- لا يتكاذبون فيها. وكان الكسائيّ يخفّف هذه ويشدّد، «وكذّبوا بآياتنا كذِّابًا» لأن «كذَّبوا» يقيد «الكذاب» بالمصدر، وهذه ليست مقيدة بفعل يصيِّرها مصدرًا، وقد ذكرنا عن أبي عبيدة أن الكِذاب بالتشديد والتخفيف مصدر المكاذبة. وقال أبو علي الفارسي: «الكِذَاب» بالتخفيف مصدر «كَذَب»، مثل «الكِتَاب» مصدر «كتب» .

قوله عز وجل: جَزاءً قال الزجاج: المعنى: جازاهم بذلك جزاءً، وكذلك «عَطاءً» لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد. وحِسابًا معناه: ما يكفيهم، أي: فيه كل ما يشتهون. يقال: أحسبني كذا بمعنى كفاني. رَبِّ السَّماواتِ قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، والمفضل «ربُّ السموات والأرض وما بينهما الرحمنُ» برفع الباء من «رب» والنون من الرحمن على معنى: هو ربُّ السموات. وقرأ عاصم، وابن عامر بخفض الباء والنون على الصفة من «ربِّك» . وقرأ حمزة والكسائي بكسر الباء ورفع النون، واختار هذه القراءة الفراء. ووافقه على هذا جماعة، وعلَّلوا بأن الربَّ قريب من المخفوض، والرحمن بعيد منه.

قوله عز وجل: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابًا فيه قولان: أحدهما: لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه قاله ابن السائب. والثاني: لا يقدر الخلق أن يكلِّموا الربَّ إلا بإذنه، قاله مقاتل.

قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ فيه سبعة أقوال «٢»:

(١٥١١) أحدها: أنه جند من جند الله تعالى، وليسوا بملائكة، رواه ابن عباس عن رسول الله ﷺ. وقال مجاهد: هم خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون.

والثاني: أنه مَلَك أعظم من السموات والجبال، والملائكة، قاله ابن مسعود، ومقاتل بن سليمان.

وروى عطاء عن ابن عباس قال: الروح: مَلَك ما خلق الله ملكا أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صَفًَّا، وقامت الملائكة كلهم صفًا واحدا، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم.

باطل، أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» ٤١٢ من حديث ابن عباس، وفي إسناده مجاهيل والمتن منكر، ولو صح لما اختلف المفسرون في معنى الروح في هذه الآية. وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٦٢٣٣ بتخريجنا.

_________

(١) الطور: ٢٣. [.....]

(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره»: والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن خلقه لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح، والروح: خلق من خلقه وجائز أن يكون بعض الأشياء التي ذكرت. والله أعلم أي ذلك هو. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٤٩: هو جبريل، قاله الشعبي وسعيد بن جبير ويستشهد لهذا القول، بقوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ وتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها، والأشبه- والله أعلم- أنهم بنو آدم.

والثالث: أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن تُرَدَّ إلى الأجساد، رواه عطية عن ابن عباس. والرابع: أنه جبريل عليه السلام قاله الشعبي، وسعيد بن جبير، والضحاك.

والخامس: أنهم بنو آدم، قاله الحسن، وقتادة. والسادس: أنه القرآن، قاله زيد بن أسلم. والسابع:

أنهم أشرف الملائكة، قاله مقاتل بن حيّان.

قوله عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا قال الشعبي: هما سماطان، سماط من الروح، وسماط من الملائكة. فعلى هذا يكون المعنى: يوم يقوم الرُّوحُ صفًا، والملائكة صفّا. وقال ابن قتيبة: معنى قوله عز وجل: صَفًّا صفوفا.

قوله عز وجل: لا يَتَكَلَّمُونَ يعني: الخلق كلهم إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ في الكلام وَقالَ صَوابًا أي: قال في الدنيا صوابًا، وهو الشهادة بالتوحيد عند أكثر المفسرين. وقال مجاهد: قال حقًا في الدنيا، وعمل به ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ أي الكائن الواقع بلا شك فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبًا أي:

مرجعًا إليه بطاعته. ثم خوّف كفّار مكّة، فقال عز وجل: نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذابًا قَرِيبًا

وهو عذاب الآخرة، وكل آت قريب وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ

أي: يرى عمله مثبَتًا في صحيفته خيرًا كان أو شرّا، يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا

قال الحسن: إذا سمع الله الخلائق يوم القيامة وقضى الثّقلين الجنّ والإنس وأروا منازلهم قال لسائر الخلق: كونوا ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا. وحكى الزّجّاج أنّ معنى: يا ليتني كنت ترابًا. يا ليتني لم أُبعث. وحكى الثعلبي عن بعض أشياخه. أنه رأى في بعض التفاسير أن الكافر هاهنا: إبليس، وذلك أنه عاب آدم، لأنه خُلِقَ من التراب فتمنَّى يوم القيامة أنه كان بمكان آدم، فقال: يا ليتني كنت ترابًا.


google-playkhamsatmostaqltradent