١ - بَابُ جَوَازِ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ
الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ، مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ
الْإِعْلَامِ بِالْإِغَارَةِ
١
- (١٧٣٠)
حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ
أَخْضَرَ عَنْ ابْنِ عون. قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدُّعَاءِ قَبْلَ
الْقِتَالِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ:
إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ
الْإِسْلَامِ. قَدْ أَغَارَ رسول الله ﷺ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ
غَارُّونَ. وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ. فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ
وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ. (قَالَ يَحْيَى: أَحْسِبُهُ قَالَ)
جُوَيْرِيَةَ. (أَوَ قَالَ الْبَتَّةَ) ابْنَةَ الْحَارِثِ.
وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَكَانَ فِي ذَاكَ الْجَيْشِ.
(وهم غارون) أي غافلون.
(فقتل
مقاتلتهم) أي الذين يصلحون للقتال.
(وسبى
سبيهم) أي أخذ منهم من لا يصلح للقتال عبيدا وإماء. والسبي مصدر وصف به. كما يسمى
الجيش بعثا.
(أو
قال البتة) معناه أن يحيى بن يحيى قال: أصاب يومئذ بنت الحارث. وأظن شيخي سليم بن
أخضر سماها في روايته جويرية. أو أعلم وأجزم به وأقوله البتة. وحاصله أنها جويرية
فيما أحفظه، إما ظنا وإما علما.
(١٧٣٠) - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. وَلَمْ يَشُكَّ.
٢ - باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصية
إِيَّاهُمْ بِآدَابِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهَا
٢
- (١٧٣١)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ
الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: أَمْلَاهُ
عَلَيْنَا إِمْلَاءً.
٣ - (١٧٣١)
ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ
بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سليمان ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، إِذَا
أَمَّرَ أمير على جيش أو سرية، أوصاه خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ خيرا. ثم قال (اغزوا باسم الله. وفي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا
تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا. وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ (أَوْ خِلَالٍ). فَأَيَّتُهُنَّ
مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى
الْإِسْلَامِ. فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ
ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ.
وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ، إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ
وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا
مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ.
يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَلَا
يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ. إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا
مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ. فَإِنْ هُمْ
أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ
بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ
تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ. فَلَا تجعل لهم ذمة الله
وذمة نَبِيِّهِ. وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ.
فَإِنَّكُمْ، أَنْ تُخْفِرُوا
⦗١٣٥٨⦘
ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ،
أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا
حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ،
فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ. وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ.
فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا).
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا أَوْ
نَحْوَهُ. وَزَادَ إِسْحَاقُ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَي بْنِ آدَمَ قَالَ:
فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. (قَالَ يَحْيَي: يَعْنِي
أَنَّ عَلْقَمَةَ يَقُولُهُ لِابْنِ حَيَّانَ) فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ
هَيْصَمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ.
(سرية) هي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود
إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. قالوا: سميت سرية لأنها
تسري في الليل ويخفى ذهابها. وهي فعيلة بمعنى فاعلة. يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب
ليلا.
(في
خاصته) أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا.
(ولا
تغلوا) من الغلول. ومعناه الخيانة في الغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة.
(ولا
تغدروا) أي ولا تنقضوا العهد.
(ولا
تمثلوا) أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
(وليدا)
أي صبيا، لأنه لا يقاتل.
(ثم
ادعهم إلى الإسلام) هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم. قال القاضي عياض رضي
الله عنه: صواب
الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم. وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن
أبي داود وغيرهما. لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازري: ليست ثم،
هنا، زائدة. بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ.
(ذمة
الله) الذمة، هنا، العهد.
(أن
تخفروا) يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده. وخفرته أمنته وحميته.
٤ - (١٧٣١)
وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ
الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ؛ أَنَّ
سُلَيْمَانَ بْنَ بُرَيْدَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا أَوْ سَرِيَّةً دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ. وَسَاقَ
الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سفيان.
٥ - (١٧٣١)
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
الْفَرَّاءُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، بهذا.
٣ - بَاب فِي الْأَمْرِ بِالتَّيْسِيرِ وَتَرْكِ
التَّنْفِيرِ
٦
- (١٧٣٢)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ (وَاللَّفْظُ
لِأَبِي بَكْرٍ). قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، إِذَا
بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ (بشروا ولا تنفروا.
ويسروا ولا تعسروا).
(بشروا ولا تنفروا. ويسروا ولا تعسروا) إنما
جمع في هذه الألفاظ بين الشيء وضده لأنه قد يفعلهما في وقتين. فلو اقتصر على يسروا
لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات فإذا قال: ولا تعسروا انتفى
التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه. وهذا هو المطلوب. وكذا يقال في: بشرا ولا
تنفرا. وتطاوعا ولا تختلفا. لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت. وقد
يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء.
وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل
الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته. والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع
الوعيد، محضة من غير ضمها إلى التبشير.
٧ - (١٧٣٣)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، عن أبيه، عن جده؛
أن النبي ﷺ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا
إِلَى الْيَمَنِ. فَقَالَ (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا. وَبَشِّرَا وَلَا
تُنَفِّرَا. وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا).
(١٧٣٣) - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ. كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَ
حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ
(وَتَطَاوَعَا وَلَا تختلفا).
٨ - (١٧٣٤)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي.
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. ح وحدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (يَسِّرُوا
وَلَا تُعَسِّرُوا. وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا).
٤ - بَاب تَحْرِيمِ الْغَدْرِ
٩
- (١٧٣٥)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ
وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعِيدٍ (يَعْنِي أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ). قالا: حدثنا يحيى (وهو
القطان). كلهم عن عبيد الله. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله عن
نافع، عن ابن عمر، قال:
قال رسول الله ﷺ (إِذَا جَمَعَ
اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ
غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هذه غدرة فلان بن فلان).
(يرفع لكل غادر لواء) قال أهل اللغة: اللواء
الراية العظيمة، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب أو صاحب دعوة الجيش ويكون الناس
تبعا له. قالوا: فمعنى لكل لواء غادر أي علامة يشهر بها في الناس. وكانت العرب
تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر، لتشهيره بذلك. وأما الغادر فإنه
الذي يواعد على أمر ولا يفي به. وذكر القاضي عياض احتمالين: أحدهما نهي الإمام أن
يغدر في عهوده لرعيته، وللكفار أو غيرهم. أو غدره للأمانة التي قلدها لرعيته
والتزم القيام بها والمحافظة عليها. ومتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم أو الرفق بهم
فقد غدر بعهده. والاحتمال الثاني أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا
يشقوا عليه الطاعة ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه. والصحيح الأول.
(١٧٣٥) - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي. حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ.
كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِهَذَا
الْحَدِيثِ.
١٠ - (١٧٣٥) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ عن إسماعيل ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّ
الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللَّهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ القيامة. فيقال: ألا هذه غدرة
فلان).
(ينصب له لواء) أي يركز، لأجل فضحه وكشف
عيبه، لواء أي علما قائما.
(ألا
هذه غدرة فلان) أي علامتها الفاضحة له على رؤوس الأشهاد.
١١ - (١٧٣٥) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ
وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ
(لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يوم القيامة).
١٢ - (١٧٣٦) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار.
قالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ (لِكُلِّ
غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ).
(١٧٣٦) - وحَدَّثَنَاه إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. ح وحَدَّثَنِي عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ سَعِيد. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِي
هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (يُقَالُ: هَذِهِ
غَدْرَةُ فُلَانٍ).
١٣ - (١٧٣٦) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ
شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله. قال:
قال رسول الله ﷺ (لِكُلِّ غَادِرٍ
لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ. يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ).
١٤ - (١٧٣٧) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لِكُلِّ
غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ).
١٥ - (١٧٣٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُلَيْدٍ، عَنْ أبي منضرة، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ: (لِكُلِّ
غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ أسته يوم القيامة).
(عند أسته) أي خلف ظهره. لأن لواء العزة ينصب
تلقاء الوجه. فناسب أن يكون علم المذلة فيما هو كالمقابل له. قال في الفتح: قال
ابن المنير: كأنه عومل بنقيض قصده. لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس. فنصب عند
السفل زيادة في فضيحته. لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا
لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم، فيزداد بها فضيحة.
١٦ - (١٧٣٨) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا الْمُسْتَمِرُّ
بْنُ الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ (لِكُلِّ
غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ. أَلَا
وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا من أمير عامة).
(من أمير عامة) أي من غدر صاحب الولاية
العامة، لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير.
٥ - بَاب جَوَازِ الْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ
١٧
- (١٧٣٩)
وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِعَلِيٍّ وَزُهَيْرٍ) (قَالَ عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَا.
وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا
يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الحرب
خدعة).
(الحرب خدعة) فيها ثلاث لغات مشهورات.
واتفقوا على أن أفصحهن خدعة. قال ثعلب وغيره: هي لغة النبي ﷺ. والثانية خدعة.
والثالثة خدعة. واتفق العلماء على جواز خدع الكفار في الحرب، كيف أمكن الخداع. إلا
أن يكون فيه نقض عهد أو أمان، فلا يحل. والمعنى على اللغة الأولى: أن الحرب ينقضي
أمرها بخدعة واحدة من الخداع. أي أن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم تكن لها إقالة.
وهي أفصح الروايات وأصحها. ومعنى الثانية هو الاسم من الخداع. ومعنى اللغة الثالثة
أن الحرب تخدع الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم.
١٨ - (١٧٤٠) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ. أخبرنا عبد الله ابن الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبي هريرة. قال:
قال رسول الله ﷺ (الْحَرْبُ
خَدْعَةٌ).
٦ - بَاب كَرَاهَةِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ،
وَالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ اللِّقَاءِ
١٩
- (١٧٤١)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةُ (وَهُوَ ابْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ)، عَنْ أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛
أن النبي ﷺ قَالَ (لَا تَمَنَّوْا
لِقَاءَ الْعَدُوِّ. فَإِذَا لقيتموهم فاصبروا).
(لا تمنوا لقاء العدو) إنما نهى عن تمني لقاء
العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفس والوثوق بالقوة، وهو نوع بغي.
وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه أن ينصره. ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو
واحتقاره. وهذا يخالف الاحتياط والحزم.
٢٠ - (١٧٤٢) وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبد
الرزاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ،
يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ.
يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
كَانَ، فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، يَنْتَظِرُ
حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ!
لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ. فَإِذَا
لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا.
⦗١٣٦٣⦘
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ
ظِلَالِ السُّيُوفِ). ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ (اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ
الْكِتَابِ. وَمُجْرِيَ السَّحَابِ. وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ. اهْزِمْهُمْ وانصرنا
عليهم).
(الحرورية) أي لقتالهم. وهم الخوارج.
(واسألوا الله العافية)
قد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال
العافية. وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن،
في الدين والدنيا والآخرة.
(فإذا
لقيتموهم فاصبروا) هذا حث على الصبر والقتال. وهو آكد أركانه. وقد جمع الله سبحانه
آداب القتال في قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا
الله كثيرا لعلكم تفلحون. وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا إن الله مع الصابرين. ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس
ويصدون عن سبيل الله﴾.
(واعلموا
أن الجنة تحت ظلال السيوف) معناه: ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب
بالسيوف في سبيل الله، ومشي المجاهدين في سبيل الله. فاحضروا فيه بصدق وأثبتوا.
٧ - بَاب اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ عِنْدَ
لِقَاءِ الْعَدُوِّ
٢١
- (١٧٤٢)
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
إِسْمَاعِيل بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ:
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى
الْأَحْزَابِ فَقَالَ (اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ الْكِتَابِ. سَرِيعَ الحساب. اهزم
الأحزاب. اللهم! اهزمهم وزلزلهم).
(اللهم اهزمهم وزلزلهم) أي أزعجهم وحركهم
بالشدائد. قال أهل اللغة: الزلزال والزلزلة: الشدائد التي تحرك الناس.
٢٢ - (١٧٤٢) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ
ابْنَ أَبِي أَوْفَى. يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدٍ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ (هَازِمَ الْأَحْزَابِ) وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ
(اللَّهُمَّ!).
(١٧٤٢) - وحَدَّثَنَاه إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ
(مجري السحاب).
٢٣ - (١٧٤٣) وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ
الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يَقُولُ
يَوْمَ أُحُدٍ (اللَّهُمَّ! إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ، لا تعبد في الأرض).
(إن تشأ لا تعبد في الأرض) قال العلماء: فيه
التسليم لقدر الله تعالى والرد على غلاة القدرية، الزاعمين أن الشر غير مراد ولا
مقدر. تعالى الله عن قولهم. وهذا الكلام متطلب أيضا النصر. وجاء في هذه الرواية
أنه ﷺ قال هذا يوم أحد. وجاء بعده أنه قاله يوم بدر. وهو المشهور في كتب السيرة
والمغازي. ولا معارضة بينهما، فقاله في اليومين.
٨ - بَاب تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
فِي الْحَرْبِ
٢٤
- (١٧٤٤)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالَا: أَخْبَرَنَا
اللَّيْثُ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛
أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ
مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَقْتُولَةً. فَأَنْكَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَتْلُ
النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
٢٥ - (١٧٤٤) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ عَنْ نافع، عن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي
بَعْضِ تِلْكَ الْمَغَازِي. فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
وَالصِّبْيَانِ.
٩ - بَاب جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ
٢٦
- (١٧٤٥)
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وعمرو الناقد. ميعا
عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ
بْنِ جَثَّامَةَ. قَالَ:
سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ
الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نسائهم
وذراريهم. فقال (هم منهم).
(الذراري) بتشديد الياء وتخفيفها لغتان.
التشديد أفصح وأشهر. والمراد بالذراري، هنا، النساء والصبيان.
(سُئِلَ
النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الذراري من المشركين) هكذا هو في أكثرنسخ بلادنا: سئل عن
الذراري. وفي رواية: عن أهل الدار من المشركين. ونقل القاضي هذه عن رواية جمهور
رواة صحيح مسلم. قال: وهي الصواب. وأما الرواية الأولى فقال: ليست بشيء بل هي
تصحيف. قال: وما بعده يبين الغلط فيه. قلت (أي الإمام النووي): وليست باطلة كما
ادعى القاضي بل لها وجه. وتقديره: سئل عن حكم صبيان المشركين الذين يبيتون فيصاب
من نسائهم وصبيانهم بالقتل. فقال: هم من آبائهم. أي لا بأس بذلك. لأن أحكام آبائهم
جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك. والمراد إذا لم
يتعمدوا من غير ضرورة.
(يبيتون)
معنى يبيتون، أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي. ومنه
البيات.
٢٧ - (١٧٤٥) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخبرنا معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ
بْنِ جَثَّامَةَ. قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا
نُصِيبُ فِي الْبَيَاتِ من ذراري المشركين. قال (هم منهم).
(هم منهم) أي في الحكم، تلك الحالة. وليس
المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم. بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء
إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا، لاختلاطهم بهم، جاز قتلهم. ومعنى الوطء، هنا،
حقيقته. وهي الوطء بالرجل والاستعلاء.
٢٨ - (١٧٤٥) وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبد
الرزاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ
ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله ب عُتْبَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ؛
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قِيلَ لَهُ: لَوْ
أَنَّ خَيْلًا أَغَارَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ
الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ (هُمْ من آبائهم).
١٠ - بَاب جَوَازِ قَطْعِ أَشْجَارِ
الْكُفَّارِ وَتَحْرِيقِهَا
٢٩
- (١٧٤٦)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالَا: أَخْبَرَنَا
اللَّيْثُ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛
إن رسول الله ﷺ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي
النَّضِيرِ وَقَطَعَ. وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ.
زَادَ قُتَيْبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ فِي
حَدِيثِهِمَا: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وليخزي الفاسقين﴾
[٥٩ /الحشر / ٥].
(حرق نخل بني النضير وقطع) أي أكثر إحراقها
بالنار. وقطع بعضها. وبنو النضير طائفة من اليهود.
(البويرة)
موضع نخل بني النضير.
(لينة)
هي أنواع التمر كلها إلا العجوة. وقيل: كرام النخل. وقيل: كل النخل. وقيل: كل
الأشجار للينها. وأصله لونة. فقلبت الواو ياء لكسرة اللام.
٣٠ - (١٧٤٦) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى
بْنِ عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛
أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَعَ نَخْلَ
بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ. وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ:
⦗١٣٦٦⦘
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ
* حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ: ﴿مَا
قَطَعْتُمْ مِنْ لينة أو تركتموها قائمة على أصولها﴾. الآية.
(ولها) أي لهذه الحادثة.
(هان)
أي جاء هينا لا يبالي به.
(سراة
بني لؤي) أي أشراف القوم ورؤساؤهم.
(مستطير)
صفة الحريق، أي منتشر كأنه طار في نواحيها.
٣١ - (١٧٤٦) وحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ.
أَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ:
حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَخْلَ
بني النضير.
١١ - بَاب تَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ
لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً
٣٢
- (١٧٤٧)
وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ
لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ. قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله ﷺ. فذكر أَحَادِيثَ مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (غَزَا
نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يتبعني رجل مَلَكَ بُضْعَ
امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ. وَلَا آخَرُ
قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا. وَلَا آخَرُ قَدِ اشترى غنما
أو خلفات، وهو منتظر ولا دها. قَالَ: فَغَزَا. فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ. أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ
مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ. اللَّهُمَّ! احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا.
فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَجَمَعُوا مَا
غَنِمُوا.
⦗١٣٦٧⦘
فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ.
فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ. فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ. فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ
قَبِيلَةٍ رَجُلٌ. فَبَايَعُوهُ. فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ. فَقَالَ:
فِيكُمُ الْغُلُولُ. فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ. فَبَايَعَتْهُ. قَالَ:
فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ.
أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ. قَالَ: فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ
ذَهَبٍ. قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ. فَأَقْبَلَتِ
النَّارُ فَأَكَلَتْهُ. فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فطيبها لنا).
(بضع) بضم الباء هو فرج المرأة. أي ملك فرجها
بالنكاح.
(خلفات)
جمع خلفة ككلمة وكلمات. وهي الحامل من الإبل.
(ولادها)
أي نتاجها. وقال النووي: وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا
إلى أولي الحزم وفراغ البال لها. ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها. لأن ذلك يضعف
عزمه، ويفوت كمال بذل وسعه.
(فأدنى
للقرية) هكذا هو في جميع النسخ: فأدنى. بهمزة قطع. قال القاضي: كذا هو في جميع
النسخ: فأدنى رابعي. إما أن يكون تعدية لدنا، أي قرب، فمعناه أدنى جيوشه وجموعه
للقرية. وإما أن يكون أدنى بمعنى حان أي قرب فتحها. من قولهم: أدنت الناقة إذا حان
نتاجها. ولم يقولوه في غير الناقة.
(اللهم
احبسها) قال القاضي: اختلف في حبس الشمس المذكور هنا. فقيل: ردت على أدراجها.
وقيل: وقفت ولم ترد. وقيل: أبطئ حركتها.
(فأقبلت
النار) أي من جانب السماء لتأكله، كما هو في السنة من الأمم الماضية، لغنائهم
وقرابينهم المتقبلة.
(فأخرجوا
له مثل رأس بقرة) أي كقدره أو كصورته من ذهب كانوا غلوه وأخفوه.
(بالصعيد)
يعني وجه الأرض.
(فطيبها)
أي جعلها لنا حلالا بحتا، ورفع عنا محقها بالنار، تكرمة لنا.
١٢ - بَاب الْأَنْفَالِ
٣٣
- (١٧٤٨)
وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ،
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
أَخَذَ أَبِي مِنَ الْخُمْسِ
سَيْفًا. فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ. فَقَالَ: هَبْ لِي هَذَا. فَأَبَى.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الأَنْفَالِ قل الأنفال لله والرسول﴾ [٨ /الأنفال /١]
(عن أبيه قال: أخذ أبي) هو من تلوين الخطاب.
وتقديره: عن مصعب بن سعد أنه حدث عن أبيه بحديث قال فيه: قال أبي: أخذت من الإبل
سيفا الخ.
٣٤ - (١٧٤٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن
جعفر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ.
أَصَبْتُ سَيْفًا فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ. فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ!
نَفِّلْنِيهِ. فَقَالَ (ضَعْهُ) ثُمَّ قَامَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ (ضَعْهُ
مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ). ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: نفلينه. يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فَقَالَ (ضَعْهُ) فَقَامَ.
⦗١٣٦٨⦘
فَقَالَ: يا رسول الله! نفلينه.
أَأُجْعَلُ كَمَنْ لَا غَنَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ (ضَعْهُ مِنْ
حَيْثُ أَخَذْتَهُ) قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عن الأنفال
قل الأنفال لله والرسول﴾.
(أربع آيات) لم يذكر هنا من الأربع إلا هذه
الواحدة. وقد ذكر مسلم الأربع، بعد هذا، في كتاب الفضائل. وهي: بر الوالدين،
وتحريم الخمر، ولا تطرد الذين يدعون ربهم، وآية الأنفال.
(فأتى
به) عدول من التكلم إلى الغيبة.
(نفلينه)
أي أعطنيه زائدا على نصيبي من الغنيمة.
(كمن
لا غناء له) الغناء هو الكفاية. أي لا نفع ولا كفاية له في الحرب.
(الأنفال)
النفل الغنيمة. وجمعه أنفال.
٣٥ - (١٧٤٩) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً،
وَأَنَا فِيهِمْ، قِبَلَ نَجْدٍ. فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً. فَكَانَتْ
سُهْمَانُهُمُ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا. أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا. وَنُفِّلُوا
بعيرا بعيرا.
(قبل نجد) أي جهته، وهو ظرف لبعث.
(سهمانهم)
أي أنصباؤهم. فهو جمع سهم بمعنى النصيب.
(اثنا
عشر بعيرا) هكذا هو في أكثر النسخ: اثنا عشر. وفي بعضها: اثني عشر وهذا ظاهر.
والأول أصح على لغة من يجعل المثنى بالألف، سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا.
وهي لغة أربع قبائل من العرب. وقد كثرت في كلام العرب. ومنه قوله تعالى: ﴿إن هذان
لساحران﴾.
(ونفلوا
بعيرا بعيرا) أي أعطى كلا منهم النبي ﷺ بعيرا، زيادة على نصيبه من الغنيمة. وقوله
في الرواية الثانية: ونفلوا سوى ذلك بعيرا، معناه نفلهم أميرهم، فلم يغيره رسول
الله ﷺ.
٣٦ - (١٧٤٩) وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع، عن ابن عمر؛
أن رسول الله ﷺ بَعَثَ سَرِيَّةً
قِبَلَ نَجْدٍ. وَفِيهِمْ ابْنُ عُمَرَ. وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتِ اثْنَيْ
عَشَرَ بَعِيرًا. وَنُفِّلُوا، سِوَى ذَلِكَ، بَعِيرًا. فَلَمْ يُغَيِّرْهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
٣٧ - (١٧٤٩) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً
إِلَى نَجْدٍ. فخرجت فيها. فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهمانا اثْنَيْ عَشَرَ
بَعِيرًا، اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا. وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعِيرًا،
بعيرا.
(اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا) بهامش طبعة
دار الطباعة العامرة ما يأتي: كذا وقد هنا مرتين في جميع النسخ، سوى المتن المطبوع
ضمن شرح النووي. وهذا التكرير لتعيين العدد على خلاف ما سبق في رواية مالك من
الترديد بين اثني عشر وأحد عشر.
(١٧٤٩) - وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ)
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، بهذا الإسناد.
٢ م - (١٧٤٩) وحَدَّثَنَاه أَبُو
الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا حماد عَنْ أَيُّوبَ. ح
وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ
عَوْنٍ. قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ النَّفَلِ؟ فَكَتَبَ
إِلَيَّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى.
ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا ابن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ نافع، بهذا الإسناد، نحو حديثهم.
(أسأله عن النفل) هو اسم لزيادة، يعطيها
الإمام بعض الجيش، على القدر المستحق.
٣٨ - (١٧٥٠) وحَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ
وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لِسُرَيْجٍ). قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ. قَالَ:
نَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
نَفَلًا سِوَى نَصِيبِنَا مِنَ الْخُمْسِ. فَأَصَابَنِي شَارِفٌ (وَالشَّارِفُ
الْمُسِنُّ الْكَبِيرُ).
٣٩ - (١٧٥٠) وحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ
السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وحدثني حرمة بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كِلَاهُمَا عَنْ يونس، عن ابن شهاب: قال: بلغني أن
ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ
رجاء.
٤٠ - (١٧٥٠) وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. قَالَ: حَدَّثَنِي
عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ، عن عبد الله؛
أن رسول الله ﷺ قَدْ كَانَ يُنَفِّلُ
بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا. لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً. سِوَى قَسْمِ
عَامَّةِ الْجَيْشِ. وَالْخُمْسُ فِي ذَلِكَ، وَاجِبٌ، كله.
(كله) مجرورا، تأكيد لقوله: في ذلك.
١٣ - بَاب اسْتِحْقَاقِ الْقَاتِلِ سَلَبَ
الْقَتِيلِ
٤١
- (١٧٥١)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ
يَحْيَي ابن سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي
مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ جَلِيسًا لِأَبِي قَتَادَةَ. قَالَ: قَالَ
أَبُو قَتَادَةَ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ.
(واقتص الحديث) اعلم أن قوله في الطريق
الأول: واقتص الحديث. وقوله في الطريق الثاني: وساق الحديث، يعني بهما الحديث
المذكور في الطريق الثالث بعدهما وهو قوله: وحدثنا أبو الطاهر. وهذا غريب من عادة
مسلم. فاحفظ ما حققته لك.
(١٧٥١) - وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن
يحيي بن سعيد، عن عمر بن كثير، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ؛
أَنَّ أبا قتادة قال. وساق الحديث.
٢ م - (١٧٥١) - وحَدَّثَنَا أَبُو
الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ. قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي يَحْيَي بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أبي محمد مولى قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ. قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
عام حُنَيْنٍ. فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ. قَالَ:
فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ. فَضَرَبْتُهُ عَلَى
حَبْلِ عَاتِقِهِ. وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ
الْمَوْتِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ. فَأَرْسَلَنِي. فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللَّهِ. ثُمَّ إِنَّ
النَّاسَ رَجَعُوا. وَجَلَسَ
⦗١٣٧١⦘
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ (مَنْ
قَتَلَ قَتِيلًا، لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ) قَالَ: فَقُمْتُ.
فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ
فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ،
الثَّالِثَةَ. فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَا لَكَ؟ يَا أَبَا
قَتَادَةَ!) فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:
صَدَقَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي. فَأَرْضِهِ مِنْ
حَقِّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق: لاها اللَّهِ! إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى
أَسَدٍ مِنْ أُسُدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ
سَلَبَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ) فَأَعْطَانِي.
قَالَ: فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ.
فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ.
وَفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا لَا يُعْطِيهِ أُضَيْبِعَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعُ أَسَدًا
مِنْ أُسُدِ اللَّهِ. وَفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ: لَأَوَّلُ مال تأثلته.
(جولة) أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها. وهذا
إنما كان في بعض الجيش. وأما رسول الله ﷺ وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة
بذلك مشهورة. وسيأتي بيانها في مواضعها. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز
أن يقال انهزم النبي ﷺ. ولم يرو أحد أنه انهزم بنفسه ﷺ في موطن من المواطن. بل
ثبتت الأحاديث الصحيحة بإقدامه وثباته ﷺ في جميع المواطن.
(قد
علا رجلا من المسلمين) يعني ظهر عليه وأشرف على قتله. أو صرعه وجلس عليه لقتله.
(على
حبل عاتقه) هو ما بين العنق والكتف.
(وجدت
منها ريح الموت) يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت. ويحتمل قاربت الموت.
(له
عليه بينة) أي ببينة على قتله. أي شاهد. ولو واحد.
(فله
سلبه) هو ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه.
(من
يشهد لي) أي بأني قتلت رجلا من المشركين، فيكون سلبه لي.
(لاها
الله إذا) هكذا هو في جميع روايات المحدثين الصحيحين وغيرهما: لاها الله إذا
بالألف. وأنكر الخطابي هذا وأهل العربية. وقالوا: هو تغيير من الرواة. وصوابه:
لاها الله ذا. بغير ألف. في أوله. وقالوا: وها بمعنى الواو التي يقسم بها. فكأنه
قال: لا والله ذا. قال أبو عثمان المازري رضي الله عنه: معناه لاها الله ذا يميني أو ذا
قسمي. وقال أبو زيد: ذا زائدة. وفي ها لغتان: المد والقصر. قالوا: ويلزم الجر
بعدها كما يلزم بعد الواو. قالوا ولا يجوز الجمع بينهما. فلا يقال: لاها والله.
وفي هذا الحديث دليل على أن هذه اللفظة تكون يمينا. ا هـ. كلام الإمام النووي رضي
الله تعالى عنه، وانظر، في نقض ذلك كله، مع التحقيق الدقيق، الوافي الشافي، كلمة
أستاذ الدنيا في علم الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني، في كتابه، قاموس السنة
المحيط، فتح الباري، ج ٨ ﷺ ٣٠ طبعة بولاق.
(لا
يعمد) الضمير عائد إلى النبي ﷺ. أي لا يقصد عليه السلام إلى إبطال حق أسد من أسود
الله يقاتل في سبيله، وهو أبو قتادة، بإعطاء سلبه إياك.
(صدق)
أي أبو بكر الصديق.
(مخرفا)
بفتح الميم والراء، وهذا هو المشهور. وقال القاضي: رويناه بفتح الميم وكسر الراء
كالمسجد والمسكن، بكسر الكاف. والمراد بالمخرف، هنا، النستان. وقيل: السكة من
النخل تكون صفين يخرف من أيها شاء، أي يجتني. وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة.
وقال غيره: هي نخلات يسيرة. وأما المخرف، بكسر الميم وفتح الراء، فهو كالوعاء الذي
يجعل فيه ما يجتني من الثمار. ويقال: اخترف الثمر، إذا جناه، وهو ثمر مخروف.
(تأثلته)
أي اقتنيته وتأصلته. وأثلة الشيء أصله.
(أضيبع)
قال القاضي: اختلف رواة كتاب مسلم في هذا الحرف على وجهين: أحدهما رواية
السمرقندي: أصيبغ، بالصاد المهملة والغين المعجمة. والثاني رواية سائر الرواة:
أضيبع. بالضاد المعجمة والعين المهملة. فعلى الثاني هو تصغير ضبع على غير قياس.
كأنه لما وصف أبا قتادة بأنه أسد، صغر هذا بالإضافة إليه. وشبهه بالضبيع، لضعف
افتراسها وما توصف به من العجز والحمق. وأما على الوجه الأول، فوصفه به لتغير
لونه. وقيل: حقره وذمه بسواد لونه. وقيل: معناه أنه صاحب لون غير محمود. وقيل:
وصفه بالمهانة والضعف. قال الخطابي: الأصيبغ نوع من الطير. قال: ويجوز أنه شبهه
بنبات ضعيف يقال له الصيبغا، أول ما يطلع في الأرض يكون مما يلي الشمس منه أصفر.
٤٢ - (١٧٥٢) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي
التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ قَالَ:
بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ
يَوْمَ بَدْرٍ. نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي. فَإِذَا أَنَا بَيْنَ
غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ. حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا. تَمَنَّيْتُ لَوْ
كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا. فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا. فَقَالَ: يَا عَمِّ!
هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟
يَا ابْنَ أَخِي! أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى
يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا. قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ. فَغَمَزَنِي الْآخَرُ
فَقَالَ مِثْلَهَا. قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ
يَزُولُ فِي النَّاسِ. فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي
تَسْأَلَانِ عَنْهُ. قَالَ: فابتدراه، فضرباه بسيفهما، حَتَّى قَتَلَاهُ. ثُمَّ
انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ (أَيُّكُمَا
قَتَلَهُ؟) فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ. فَقَالَ (هَلْ
مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟) قَالَا: لَا. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ
(كِلَاكُمَا قَتَلَهُ) وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ. (وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذُ بن عمر بن الجموح ومعاذ بن عفراء).
(أضلع منهما) هكذا هو في جميع النسخ: أضلع
بالضاد المعجمة وبالعين. وكذا حكاه القاضي عن جميع نسخ صحيح مسلم، وهو الأصوب.
ومعنى أضلع أقوى.
(سوادي
سواده) أي شخصي شخصه.
(حتى
يموت الأعجل منا) أي لا أفارقه حتى يموت أحدنا، وهو الأقرب أجلا.
(لم
أنشب) أي لم ألبث. أي لم يمض زمن كثير على سؤالهما إلا وأنا رأيته.
(يزول)
هكذا هو في جميع نسخ بلادنا. وكذا رواه القاضي عن جماهير شيوخهم. ومعناه يتحرك
وينزعج ولا يستقر على حاله ولا في مكان. والزوال القلق.
(كلاكما
قتله) تطييا لقلب الآخر من حيث أن له مشاركة في قتله. وإلا فالقتل الشرعي الذي
يتعلق به استحقاق السلب، وهو الإثخان وإخراجه عن كونه ممتنعا، إنما وجد من معاذ بن
عمرو بن الجموح. فلهذا قضى له بالسلب.
٤٣ - (١٧٥٣) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ
أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ.
أَخْبَرَنِي معاوية ين صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا
مِنَ الْعَدُوِّ. فَأَرَادَ سَلَبَهُ. فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ.
فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لِخَالِدٍ (مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟) قَالَ:
اسْتَكْثَرْتُهُ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ (ادْفَعْهُ إِلَيْهِ) فَمَرَّ
خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا
ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
فَاسْتُغْضِبَ. فَقَالَ (لَا تُعْطِهِ. يَا خَالِدُ! لَا تُعْطِهِ. يَا خَالِدُ!
هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا أنا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا. ثُمَّ تَحَيَّنَ
سَقْيَهَا. فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا. فَشَرَعَتْ فِيهِ. فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ
وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ. فَصَفْوُهُ لكم وكدره عليهم).
(قتل رجلا من حمير) هذه القضية جرت في غزوة
مؤتة سنة ثمان. كما بينه في الرواية التي بعد هذه. وهذا الحديث قد يستشكل من حيث
إن القاتل قد استحق السلب، فكيف منعه إياه؟ ويجاب عنه بوجهين: أحدهما لعله أعطاه
ذلك للقاتل، وإنما أخره تعزيرا له ولعوف بن مالك، لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد رضي
الله عنه، وانتهكا حرمة الوالي ومن ولا هـ. الثاني لعله استطاب قلب صاحبه باختياره
وجعله للمسلمين. وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد رضي الله عنه، للمصلحة في
إكرام الأمراء.
(فجر
بردائه) أي جذب عوف برداء خالد ووبخه على منعه السلب منه.
(ثُمَّ
قَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لك) أي قال عوف بن مالك: هل أنجزت لك ما
ذكرت مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فإنه قد كان قال لخالد: لابد أن
أشتكي منك إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(فاستغضب)
أي صار، عليه السلام، مغضبا.
(هل
أنتم تاركو لي أمرائي) هكذا هو في جميع النسخ: تاركو، بغير نون. وفي بعضها تاركون،
بالنون. وهذا هو الأصل. والأول صحيح أيضا. وهي لغة معروفة. وقد جاءت بها أحاديث
كثيرة: منها قوله ﷺ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. وقد سبق
بيانه في كتاب الإيمان.
(استرعى
إبلا) أي طولب برعيها.
(ثم
تحين سقيها) أي طلب ذلك الراعي وقت سقيها حتى يسقيها في وقت معين.
(فصفوه
لكم وكدره عليهم) فصفوه لكم، يعني الرعية. وكدره عليهم يعني على الأمراء. قال أهل
اللغة: الصفو هنا، بفتح الصاد لا غير. وهو الخالص فإذا ألحقوه الهاء فقالوا الصفوة
- كانت الصاد مضمومة ومفتوحة ومكسورة ثلاث لغات. ومعنى الحديث أن الرعية يأخذون
صفو الأمور فتصلهم أعطياتهم بغير نكد. وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور وجمع الأموال
من وجوهها وصرفها في وجوهها. وحفظ الرعية، والشفقة عليهم وإنصاف بعضهم من بعض. ثم
متى وقع علقة (كذا) أو عتب في بعض ذلك، توجه على الأمراء، دون الناس.
٤٤ - (١٧٥٣) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ
مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ. قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ، فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ.
وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْحَدِيثِ: قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ قضى بالسلب للقاتل؟ قل: بلى. ولكني استكثرته.
(مؤتة) هي بالهمز وترك الهمز. وهي قرية
معروفة في طرف الشام عند الكرك.
(مددي)
يعني رجلا من المدد الذين جاءوا يمدون مؤتة ويساعدونهم.
٤٥ - (١٧٥٤) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي، سَلَمَةُ بْنُ
الْأَكْوَعِ. قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
هَوَازِنَ. فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَضَحَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ
عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ. فَأَنَاخَهُ. ثُمَّ انْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ
فَقَيَّدَ بِهِ الْجَمَلَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ. وَجَعَلَ
يَنْظُرُ. وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ فِي الظَّهْرِ. وَبَعْضُنَا
⦗١٣٧٥⦘
مُشَاةٌ. إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ.
فَأَتَى جَمَلَهُ فَأَطْلَقَ قيده. ثم أناخ وَقَعَدَ عَلَيْهِ. فَأَثَارَهُ.
فَاشْتَدَّ بِهِ الْجَمَلُ. فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ.
قَالَ سَلَمَةُ: وَخَرَجْتُ
أَشْتَدُّ. فَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَةِ. ثُمَّ تَقَدَّمْتُ. حَتَّى كُنْتُ
عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ. ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ
فَأَنَخْتُهُ. فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِي
فَضَرَبْتُ رَأْسَ الرَّجُلِ. فَنَدَرَ. ثُمَّ جِئْتُ بِالْجَمَلِ أَقُودُهُ،
عَلَيْهِ رَحْلُهُ وَسِلَاحُهُ. فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ
مَعَهُ. فَقَالَ (مَنْ قَتَلَ الرجل؟) قال: ابن الأكوع. قال: (له سلبه أجمع).
(نتضحى) أي نتغدى. مأخوذ من الضحاء، وهو بعد
امتداد النهار وفوق الضحى.
(انتزع
طلقا من حقبه) الطلق العقال من جلد. والحقب حبل يشد على حقو البعير. قال القاضي:
لم يرو هذا الحرف إلا بفتح القاف. قال: وكان بعض شيوخنا يقول: صوابه بإسكانها، أي
مما احتقب خلفه وجعله في حقيبته. وهي الرفادة في مؤخر القتب. ووقع هذا الحرف في
سنن أبي داود حقوه، وفسره مؤخره. قال القاضي: والأشبه عندي أن يكون حقوه في هذه
الرواية حجزته وحزامه. والحقو معقد الإزار من الرجل. وبه سمي الإزار حقوا. ووقع في
رواية السمرقندي رضي الله عنه، في مسلم، من جعبته. فإن صح، ولم يكن تصحيفا، فله
وجه. بأن علقه بجعبة سهامه وأدخله فيها.
(وفينا
ضعفة ورقة) ضبطوه على وجهين: الصحيح المشهور ورواية الأكثرين: بفتح الضاد وإسكامن
العين. أي حالة ضعف وهزال. قال القاضي: وهذا هو الصواب. والثاني بفتح العين، جمع
ضعيف. وفي بعض النسخ: وفينا ضعف، بحذف الهاء.
(في
الظهر) أي في الإبل.
(يشتد)
أي يعدو.
(فأثاره)
أي ركبه ثم بعثه قائما.
(ورقاء)
أي في لونها سواد كالغبرة.
(اخترطت
سيفي) أي سللته.
(فندر)
أي سقط.
١٤ - بَاب التَّنْفِيلِ وَفِدَاءِ
الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسَارَى
٤٦
- (١٧٥٥)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا
عكرمة بن عمار. حدثني إياس بن سلمة. حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا
أَبُو بَكْرٍ. أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْنَا. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا. ثُمَّ شَنَّ
الْغَارَةَ. فَوَرَدَ الْمَاءَ. فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ، وَسَبَى.
وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ. فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ. فَخَشِيتُ أَنْ
يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ. فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ.
فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا. فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ. وَفِيهِمُ
امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ. (قَالَ: الْقَشْعُ
النِّطَعُ) مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ. فَسُقْتُهُمْ حَتَّى
أَتَيْتُ بِهِمْ
⦗١٣٧٦⦘
أَبَا بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي أَبُو
بَكْرٍ ابْنَتَهَا. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا.
فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي السُّوقِ. فَقَالَ (يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي
الْمَرْأَةَ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي.
وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْغَدِ
فِي السُّوقِ. فَقَالَ لِي (يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ. لِلَّهِ
أَبُوكَ!) فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَوَاللَّهِ! مَا كَشَفْتُ
لَهَا ثَوْبًا. فَبَعَثَ بِهَا رسول الله ﷺ إلى أَهْلِ مَكَّةَ. فَفَدَى بِهَا
نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كانوا أسروا بمكة.
(فعرسنا) التعريس نزول آخر الليل.
(شن
الغارة) أي فرقها.
(عنق
من الناس) جماعة.
(فيهم
الذراري) يعني النساء والصبيان.
(قشع)
في القاف لغتان. فتحها وكسرها. وهما مشهورتان. وفسره في الكتاب بالنطع، وهو صحيح.
(وما
كشفت لها ثوبا) كناية عن الوقاع.
(لله
أبوك) كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها. مثل قولهم: لله درك. فإن الإضافة إلى
العظيم تشريف. فإذا وجد من الولد ما يحمد يقال: لله أبوك، حيث أتى بمثلك.
١٥ - بَاب حُكْمِ الْفَيْءِ
٤٧
- (١٧٥٦)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ:
هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أيما قرية
دخلتموها، وَأَقَمْتُمْ فِيهَا، فَسَهْمُكُمْ فِيهَا. وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هي لكم).
(أيما قرية دخلتموها) قال القاضي: يحتمل أن
يكون المراد بالأولى الفيء الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، بل جلا عنه
أهله أو صالحوا عليه. فيكون سهمهم فيها أي حقهم من العطايا كما يصرف الفيء. ويكون
المراد بالثانية ما أخذ عنوة فيكون غنيمة، يخرج منه الخمس وباقية للغانمين. وهو
معنى قوله: ثم هي لكم، أي باقيها.
٤٨ - (١٧٥٧) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وإسحاق بن
إبراهيم (واللفظ لابن أبي شيبة) (قال إسحاق: أَخْبَرَنَا. وقَالَ الْآخَرُونَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ
أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ. قَالَ:
كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ
مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ. مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ
الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً.
⦗١٣٧٧⦘
فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ
نَفَقَةَ سَنَةٍ. وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. عُدَّةً
فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(مما لم يوجف عليه المسلمون) الإيجاف هو
الإسراع أي لم يعدوا في تحصيله خيلا ولا إبلا. بل حصل بلا قتال. والركاب هي الإبل
التي يسافر عليها، لا واحد لها من لفظها، واحدة راحلة. وكذلك الخيل، لا واحد لها
من لفظها، واحده فرس.
(ينفق
على أهله نفقة سنة) أي يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في
وجوه الخير، فلا تتم عليه السنة.
(الكراع)
أي الدواب التي تصلح للحرب.
(عدة
في سبيل الله) هي ما أعد للحوادث أهبة وجهازا للغزو.
(١٧٥٧) - حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي.
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ،
بِهَذَا الإسناد.
٤٩ - (١٧٥٧) وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضبعي. حدثنا جويرية عن مالك، عن الزهري؛ أَنَّ مَالِكَ
بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ. قَالَ
أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ. فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ. قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِي
بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ. مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ. مُتَّكِئًا عَلَى
وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَقَالَ لِي: يَا مَالُ! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ
مِنْ قَوْمِكَ. وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ. فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ
بَيْنَهُمْ. قَالَ: قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي؟ قَالَ: خُذْهُ. يَا
مَالُ! قَالَ: فَجَاءَ يَرْفَا. فَقَالَ: هَلْ لَكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!
فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ فَقَالَ
عُمَرُ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ. فَدَخَلُوا. ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي
عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ
الْغَادِرِ الْخَائِنِ. فَقَالَ الْقَوْمُ: أَجَلْ. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!
فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ.
⦗١٣٧٨⦘
(فَقَالَ
مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ
لِذَلِكَ) فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدَا. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ! أَتَعْلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (لَا
نُورَثُ. مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى
الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ! أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال لا
نُورَثُ. مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ) قَالَا: نَعَمْ. فَقَالَ عمر: إن الله عز وجل كان
خص رسولهل ﷺ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ. قَالَ: مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
[٥٩ /الحشر /٧] (مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا)
قَالَ: فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ.
فَوَاللَّهِ! مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ. وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ. حَتَّى
بَقِيَ هَذَا الْمَالُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ
سَنَةٍ. ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ. ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ
بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ! أَتَعْلَمُونَ
ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثْلِ مَا نَشَدَ
بِهِ الْقَوْمَ: أَتَعْلَمَانِ
ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله ﷺ. فجتئما، تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ
أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: قال
⦗١٣٧٩⦘
رسول الله ﷺ (ما نورث. ما تركنا
صَدَقَةٌ) فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ
إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو
بَكْرٍ. وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله ﷺ وولي أبا بَكْرٍ. فَرَأَيْتُمَانِي
كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا. وَاللَّهُ يعلم إني بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ
لِلْحَقِّ. فَوَلِيتُهَا. ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا. وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ
وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا. فَقُلْتُ: إِنْ
شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ
تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَأَخَذْتُمَاهَا
بِذَلِكَ. قَالَ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي
لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا. وَلَا، وَاللَّهِ! لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ
ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إلي.
(تعالى النهار) أي ارتفع.
(مفضيا)
يعني ليس بينه وبين رماله شيء. وإنما قال هذا، لأن العادة أن يكون فوق الرمال فراش
أو غيره.
(رماله)
بضم الراء وكسرها. وهو ما ينسج من سعف النخل ونحوه، ليضطجع عليه.
(يا
مال) هكذا هو في جميع النسخ: يا مالك. وهو ترخيم مالك، بحذف الكاف. ويجوز كسر
اللام وضمها. وجهان مشهوران لأهل العربية. فمن كسرها تركها على ما كانت. ومن ضمها
جعله اسما مستقلا.
(دف
أهل أبيات) الدف المشي بسرعة. كأنهم جاءوا مسرعين، للضر الذي نزل بهم، وقيل: السير
اليسير.
(برضخ)
العطية القليلة.
(يرفا)
غير مهموز. هكذا ذكره الجمهور. ومنهم من همزه: يرفأ وهو حاجب عمر ن الخطاب.
(هل
لك) أي هل لهم إذن منك في الدخول عليك.
(اقض
بيني وبين هذا الكاذب) قال جماعة من العلماء: معناه هذا الكاذب إن لم ينصف، فحذف
الجواب. وقال القاضي عياض: قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره
بالعباس. وحاش لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف فضلا عن كلها. ولسنا نقطع بالعصمة
إلا للنبي ﷺ ولمن شهد له بها. ولكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين،
ونفي كل رذيلة عنهم. وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها قال: وقد حمل
هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته، تورعا عن إثبات مثل هذا.
ولعله حمل الوهم على رواته. قال المازري: وإن كان هذا اللفظ لابد من إثباته، ولم
نضف الوهم إلى رواته - فأجود ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على
ابن أخيه، لأنه بمنزلة ابنه. وقال ما لا يعتقده، وما يعلم براءة ذمة ابن أخته منه.
ولعله قصد بذلك ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه. وإن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان
يفعل ما يفعله عن قصد. ولا بد من هذا التأويل. لأن هذه القضية جرت في مجلس عمر رضي
الله عنه، وهو الخليفة. وعثمان وسعد وزيد وعبد الرحمن رضي الله عنهم لم ينكر أحد
منهم هذا الكلام، مع تشددهم في إنكار المنكر. وما ذلك إلا لأنهم قد فهموا، بقرينة
الحال، أنه تكلم بما لا يعتقد ظاهره. مبالغة في الزجر. قال المازري: وكذلك قول عمر
رضي الله عنه: إنكما
جئتما أبا بكر فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا. وكذلك ذكر عن نفسه أنهما رأياه
كذلك. وتأويل هذا على نحو ما سبق. وهو أن المراد أنكما تعتقدان أن الواجب أن نفعل
في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر. فنحن على مقتضى رأيكما لو أتينا ونحن
معتقدان ما تعتقدانه لكنا بهذه الأوصاف.
(اتئدا)
أي اصبرا وأمهلا.
(أنشدكم
بالله) أي أسالكم بالله. مأخوذ من النشيد، وهو رفع الصوت. يقال: أنشدتك، ونشدتك
بالله.
(وأنتما
جميع وأمركما واحد) أي متحد غير متنازع. وأمركما مطلوبكما واحد، وهو دفعي إياها
إليكما.
٥٠ - (١٧٥٧) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ:
حَدَّثَنَا. وقال الآخران: أخبرنا عبدج الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ. قَالَ: أَرْسَلَ
إِلَيَّ عمر ابن الْخَطَّابِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ من
قومك. بنحو حديث مالك. غير أنه فِيهِ: فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ
سَنَةً. وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً. ثُمَّ
يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مال الله عز وجل.
(مجعل مال الله) أي في مصرف ما جعل عدة في
سبيل الله من مصالح المسلمين.
١٦ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (لَا
نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ)
٥١
- (١٧٥٨)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عن عائشة؛ أَنَّهَا قَالَتْ:
إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ، حِينَ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَتْ
عَائِشَةُ لَهُنَّ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَا نُورَثُ. مَا
تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ)؟
٥٢ - (١٧٥٩) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
أَخْبَرَنَا حُجَيْنٌ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ:
أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. مما أفاء عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ. وَمَا بَقِيَ مِنْ
خُمْسِ خَيْبَرَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (لَا
نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذَا
الْمَالِ). وَإِنِّي وَاللَّهِ! لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رسول الله ﷺ،
عن حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا، بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَأَبَى أَبُو
بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا. فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَهَجَرَتْهُ. فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ.
وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ
دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلًا. وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا
أَبَا بَكْرٍ. وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ. وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ
وِجْهَةٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ
النَّاسِ. فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ. وَلَمْ يَكُنْ
بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أن ائتنا. ولا يأتنا
معك أحد (كرهية مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) فَقَالَ عُمَرُ، لِأَبِي
بَكْرٍ: وَاللَّهِ! لَا تَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي. إِنِّي، وَاللَّهِ! لَآتِيَنَّهُمْ.
فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ. فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ثُمَّ
قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا، يَا أَبَا بَكْرٍ! فَضِيلَتَكَ وَمَا أَعْطَاكَ
اللَّهُ. وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ. وَلَكِنَّكَ
اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ. وكنا نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ
عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ! لَقَرَابَةُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ
قَرَابَتِي. وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأموال،
فإني لم آل فيها عَنِ الْحَقِّ. وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ
⦗١٣٨١⦘
يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا
صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ
لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ. رَقِيَ عَلَى
الْمِنْبَرِ. فَتَشَهَّدَ. وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ
الْبَيْعَةِ. وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ.
وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ. وَأَنَّهُ
لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَلَا
إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ. وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي
الْأَمْرِ نَصِيبًا. فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ. فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا.
فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ. وَقَالُوا: أَصَبْتَ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ
إِلَى علي قريبا، حين راجع الأمر المعروف.
(فوجدت) أي غضبت.
(وَكَانَ
لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ) أي وجه وإقبال في مدة حياتها.
(ولم
ننفس) يقال نفست أنفس نفاسة، وهو قريب من معنى الحسد.
(شجر)
أي اضطرب واختلف واختلط.
(لم
آل) لم أقصر.
(العشية)
العشية والعشي، بحذف الهاء، هو من زوال الشمس.
٥٣ - (١٧٥٩) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ:
حَدَّثَنَا. وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق). أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة،
عن عائشة؛ أن فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ
مِيرَاثَهُمَا من رسول الله ﷺ. وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ
فَدَكٍ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. وساق الحديث بمعنى حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ. وَذَكَرَ
فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ. ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ.
فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. فَكَانَ
النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ.
٥٤ - (١٧٥٩) وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وحَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. قَالَا:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ). حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ،
عن ابن شهاب. أخبرني عروة ابن الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ
أَخْبَرَتْهُ؛
أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، آنْتَ
يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مِمَّا أَفَاءَ
اللَّهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال (لا
نُورَثُ. مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ).
قَالَ: وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ
نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ
⦗١٣٨٢⦘
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْبَرَ
وَفَدَكٍ. وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ. فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا
عَمِلْتُ بِهِ. إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ.
فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ.
فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ. وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ
وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي
تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ. وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ. قَالَ:
فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ.
(من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة) قال القاضي
عياض رضي الله عنه في تفسير صدقات النبي ﷺ المذكورة في هذه الأحاديث. قال: صارت
إليه بثلاثة حقوق: أحدها ما وهب له ﷺ، وذلك وصية مخيريق اليهودي له بعد إسلامه يوم
أحد، وكانت سبعة حوائط في بني النضير. وما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهو ما لا
يبلغه الماء، وكان هذا ملكا له ﷺ. الثاني حقه من الفيء من أرض بني النضير حين
أجلاهم، كانت له خاصة. لأنها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. وأما منقولات
بني النضير فحملوا منها ما حملته الإبل غير السلاح، كما صالحهم. ثم قسم الله
الباقي بين المسلمين. وكانت الأرض لنفسه ويخرجها في نوائب المسلمين. وكذلك نصف أرض
فدك، صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها وكان خالصا له. وكذلك ثلث أرض وادي
القرى، أخذ في الصلح حين صالح أهلها اليهود. وكذلك حصنان من حصون خيبر، وهما
الوطيح والسلالم، أخذهما صلحا. الثالث سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة.
فكانت هذه كلها ملكا لرسول الله ﷺ خاصة، لا حق فيها لأحد غيره. لكنه ﷺ كان لا
يستأثر بها بل ينفقها على أهله والمسلمين وللمصالح العامة. وكل هذه صدقات محرمات
التملك بعده.
(تعروه)
معناه ما يطرأ عليه من الحقوق الواجبة والمندوبة. ويقال: عروته واعترينه. وعررته
واعتررته إذا أتيته تطلب منه حاجة.
(ونوائبه)
النوائب ما ينوب على الإنسان، أي ينزل به من المهمات والحوادث.
٥٥ - (١٧٦٠) حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على
مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله ﷺ قَالَ (لَا
يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا. ما تركت، بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي، فهو صدقة).
(ومؤونة عاملي) أي نفقته. قال في المصباح:
المؤونة الثقل. وفيها لغات: أحدها على وزن فعولة والجمع مؤونات. ومأنت القوم
أمأنهم. واللغة الثانية مؤنة والجمع مؤن. مثل غرفة وغرف. والثالثة مونة والجمع مون
مثل سورة وسور. ويقال منه: مانه يمونه من باب قال. ومؤونة عامله، عليه الصلاة
والسلام. قيل هو
القائم على هذه الصدقات والناظر فيها.
(١٧٦٠) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
بِهَذَا الإسناد، نحوه.
٥٦ - (١٧٦١) وحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَلَفٍ.
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ
يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ النبي ﷺ قال (لا نُورَثُ. مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ).
١٧ - بَاب كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ
الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ
٥٧
- (١٧٦٢)
حَدَّثَنَا يحيي بن يحيي وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ
سُلَيْمٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر؛
أن رسول الله ﷺ قَسَمَ فِي
النَّفَلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سهما.
(قَسَمَ فِي النَّفَلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ
وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا) هكذا هو في أكثر الروايات: للفرس سهمين وللرجل سهما. وفي
بعضها: للفرس سهمين وللراجل سهما. وفي بعضها: للفارس سهمين. والمراد بالنفل، هنا،
الغنيمة: وأطلق عليها اسم النفل لكونها تسمى نفلا، لغة. فإن النفل، في اللغة،
الزيادة والعطية.
(١٧٦٢) - حدثناه ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا
أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ
يَذْكُرْ: فِي النَّفَلِ.
١٨ - بَاب الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ
فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ
٥٨
- (١٧٦٣)
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ
عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عمر ابن الْخَطَّابِ. قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ
بَدْرٍ. ح وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بن عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي
أَبُو زُمَيْلٍ (هُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ). حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ،
⦗١٣٨٤⦘
نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى
المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. فَاسْتَقْبَلَ
نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ الْقِبْلَةَ. ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ
(اللَّهُمَّ! أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ! آتِ مَا وَعَدْتَنِي.
اللَّهُمَّ! إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا
تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ،
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ. فَأَتَاهُ
أَبُو بَكْرٍ. فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. ثُمَّ
الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وقال: يا نبي الله! كذاك مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ.
فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:
﴿إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [٨ / الأنفال /٩] فَأَمَدَّهُ اللَّهُ
بِالْمَلَائِكَةِ.
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ
فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ. إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً
بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ. وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ
إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا
هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ.
⦗١٣٨٥⦘
فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ
الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فقال (صدقت. ذلك مَدَدِ
السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ) فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ. وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ (مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ. أَرَى أَنْ تَأْخُذَ
مِنْهُمْ فِدْيَةً. فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ. فَعَسَى اللَّهُ
أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَا تَرَى؟ يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ؟) قُلْتُ: لا. والله! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ.
وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. فَتُمَكِّنَ
عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ (نَسِيبًا
لِعُمَرَ) فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ
وَصَنَادِيدُهَا. فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ. وَلَمْ
يَهْوَ مَا قُلْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ. فَإِنْ وَجَدْتُ
بُكَاءً بَكَيْتُ. وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ
أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ. لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ) (شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز
وجل: ﴿مَا
كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثخن في الأرض. إلى قوله: فكوا
مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا﴾ [٨ /الأنفال /٦٧ - ٦٩] فَأَحَلَّ اللَّهُ
الغنيمة لهم.
(لما كان يوم بدر) اعلم أن بدرا هو موضع
الغزوة العظمى المشهورة. وهو ماء معروف وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من
المدينة. بينها وبين مكة. قال ابن قتيبة: بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرا. فسميت
باسمه. وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان في السنة الثانية للهجرة.
(فجعل
يهتف بربه) معناه يصيح وستغيث بالله في الدعاء.
(أن
تهلك) ضبطوا تهلك بفتح الهاء وضمها. فعلى الأول ترفع العصابة لأنها فاعل. وعلى
الثاني تنصب وتكون مفعوله.
(العصابة)
الجماعة.
(كذاك
مناشدتك ربك) المناشدة السؤال. مأخوذة من النشيد وهو رفع الصوت. هكذا وقع لجماهير
رواة مسلم: كذاك. ولبعضهم: كفاك. وكل بمعنى.
(مناشدتك)
ضبطوها بالرفع، والنصب وهو الأشهر. قال القاضي: من رفعه جعله فاعلا بكفاك. ومن
نصبه فعلى المفعول بما في كفاك وكذاك من معنى الفعل.
(ممدكم)
أي معينكم. من الإمداد.
(مردفين)
متتابعين.
(أقدم
حيزوم) ضبطوه بوجهين: أصحهما وأشهرهما، لم يذكر ابن دريد وكثيرون أو الأكثرون
غيره: أنه بهمزة قطع مفتوحة، وبكسر الدال. من الإقدام. قالوا: وهي كلمة زجر للفرس
معلومة في كلامهم. والثاني بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة، من التقدم. وحيزوم اسم
فرس الملك، وهو منادى بحذف حرف النداء. أي يا حيزوم.
(فإذا
هو قد خطم أنفه) الخطم الأثر على الأنف.
(وصناديدها)
يعني أشرافها. الواحد صنديد. والضمير في صناديدها يعود على أئمة الكفر أو مكة.
(فهوى)
أي أحب ذلك واستحسنه. يقال: هوى الشيء يهوي هوى. والهوى المحبة.
(ولم
يهو ما قلت) هكذا هو في بعض النسخ: ولم يهو. وفي كثير منها: ولم يهوي، بالياء. وهي
لغة قليلة بإثبات الياء مع الجازم. ومنه قراءة من قرأ: إنه من يتقي ويصبر، بالياء.
ومنه قول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
(حتى
يثخن في الأرض) أي يكثر القتل والقهر في العدو.
١٩ - بَاب رَبْطِ الْأَسِيرِ وَحَبْسِهِ،
وَجَوَازِ الْمَنِّ عَلَيْهِ.
٥٩
- (١٧٦٤)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلًا
قِبَلَ نَجْدٍ. فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ
بْنُ أُثَالٍ. سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ
سَوَارِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ (مَاذَا
عِنْدَكَ؟ يَا ثُمَامَةُ!) فَقَالَ: عِنْدِي، يَا مُحَمَّدُ! خَيْرٌ. إِنْ
تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وَإِنْ
كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ. حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ. فَقَالَ (مَا عِنْدَكَ؟ يَا ثُمَامَةُ!)
قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ. إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وَإِنْ تَقْتُلْ
تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا
شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى كان من الغد. فقال (ما عِنْدَكَ؟ يَا
ثُمَامَةُ!) فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى
شَاكِرٍ. وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ
فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَطْلِقُوا
ثُمَامَةَ) فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَاغْتَسَلَ.
ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ! مَا
كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ
وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَاللَّهِ! مَا كَانَ مِنْ دِينٍ
أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ. فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ
إِلَيَّ. وَاللَّهِ! مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إلي من بلدك. فأصبح يبدك
أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا
أُرِيدُ الْعُمْرَةَ. فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَأَمَرَهُ
أَنْ يَعْتَمِرَ. فَلَمَّا قَدِمَ
⦗١٣٨٧⦘
مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ:
أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا. وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَلَا،
وَاللَّهِ! لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ
فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
(ماذا عندك؟ يا ثمامة!) أي من الظن بي أن
أفعل بك؟.
(إن
تقتل تقتل ذا دم) اختلفوا في معناه. فقال القاضي عياض في المشارق، وأشار إليه في
شرح مسلم: معناه إن تقتل تقتل صاحب دم، لدمه موقع يشتفى بقتله قاتله، ويدرك قاتله
به ثأره، أي لرياسته وفضيلته. وحذف هذا لأنهم يفهمونه في عرفهم. وقال آخرون: معناه
تقتل من عليه دم مطلوب به، وهو مستحق عليه. فلا عتب عليك في قتله.
(فانطلق
إلى نخل) هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما: نخل بالخاء المعجمة. وتقديره: انطلق
إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه.
(أصبوت)
هكذا هو في الأصول: أصبوت. وهي لغة. والمشهور: أصبأت، بالهمز. وعلى الأول جاء
قولهم: الصباة. كقاض وقضاة. والمعنى: أخرجت من دينك.
٦٠ - (١٧٦٤) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ؛ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلًا لَهُ نَحْوَ
أَرْضِ نَجْدٍ. فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ
الْحَنَفِيُّ. سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ
اللَّيْثِ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ.
٢٠ - بَاب إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ
الْحِجَازِ
٦١
- (١٧٦٥)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد. حدثنا ليث عن سعيد بن أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ،
إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ (انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ)
فَخَرَجْنَا مَعَهُ. حَتَّى جِئْنَاهُمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَنَادَاهُمْ.
فَقَالَ (يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا). فَقَالُوا: قَدْ
بَلَّغْتَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (ذَلِكَ
أُرِيدُ. أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا) فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ!
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (ذَلِكَ أُرِيدُ) فَقَالَ لَهُمْ الثَّالِثَةَ.
فَقَالَ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَأَنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ
شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ. وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ورسوله).
(ذلك أريد) معناه: أريد أن تعترفوا أني بلغت.
وفي هذا الحديث استحباب تجنيس الكلام. وهو من بديع الكلام وأنواع الفصاحة.
٦٢ - (١٧٦٦) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ
وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وقَالَ إِسْحَاقُ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بن
عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛
أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ
⦗١٣٨٨⦘
وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ. فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بُنِيَ النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ
وَمَنَّ عَلَيْهِمْ. حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بعد ذلك. فقتل رجالهم. وقسم
نسائهم وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. إِلَّا أَنَّ
بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا. وَأَجْلَى
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعَ (وَهُمْ
قَوْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ). وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ. وَكُلَّ
يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ.
(١٧٦٦) - وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أخبرني حفص ابن مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، هَذَا الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ أَكْثَرُ
وَأَتَمُّ.
٢١ - بَاب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
٦٣
- (١٧٦٧)
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
يَقُولُ (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
حَتَّى لَا أَدَعَ إلا مسلما).
(١٧٦٧) - وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. ح
وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بن شبيب. حدثنا الحسن بن أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ
(وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ). كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
٢٢ - بَاب جَوَازِ قِتَالِ مَنْ نَقَضَ
الْعَهْدَ، وَجَوَازِ إِنْزَالِ أَهْلِ الْحِصْنِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ عَدْلٍ
أَهْلٍ لِلْحُكْمِ
٦٤
- (١٧٦٨)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
وَابْنُ بَشَّارٍ (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَة) (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ.
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
قَالَ:
نَزَلَ أَهْلُ
⦗١٣٨٩⦘
قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى سَعْدٍ. فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ.
فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْأَنْصَارِ
(قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ) (أَوْ خَيْرِكُمْ). ثُمَّ قَالَ (إِنَّ هَؤُلَاءِ
نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ) قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ. وَتَسْبِي
ذُرِّيَّتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ)
وَرُبَّمَا قَالَ (قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ
الْمُثَنَّى: وَرُبَّمَا قَالَ (قَضَيْتَ بِحُكْمِ الملك).
(١٧٦٨) - وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَقَدْ حَكَمْتَ
فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ). وَقَالَ مَرَّةً: (لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ
الْمَلِكِ).
٦٥ - (١٧٦٩) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بن العلاء الهمذاني. كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ. قَالَ
ابْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ. رَمَاهُ فِي
الْأَكْحَلِ. فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ
يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْخَنْدَقِ
وَضَعَ السِّلَاحَ. فَاغْتَسَلَ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ
مِنَ الْغُبَارِ. فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ.
اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (فَأَيْنَ؟) فَأَشَارَ إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ. فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ. قَالَ:
فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى
الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.
(الأكحل) هو عرق في وسط الذراع، إذا قطع لم
يرقأ الدم. قال النووي: وهو عرق الحياة، في كل عضو منه شعبة لها اسم.
٦٦ - (١٧٦٩) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: قَالَ أَبِي: فَأُخْبِرْتُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل.
٦٧ - (١٧٦٩) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ؛
أَنَّ سَعْدًا قَالَ، وَتَحَجَّرَ
كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ
أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ ﷺ
وَأَخْرَجُوهُ. اللَّهُمَّ! فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ
فَأَبْقِنِي أُجَاهِدْهُمْ فِيكَ. اللَّهُمَّ! فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ
وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. فَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ
مِنْ لَبَّتِهِ. فَلَمْ يَرُعْهُمْ (وَفِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي
غِفَارٍ) إِلَّا وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا: يَا أَهْلَ
الْخَيْمَةِ! مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ! فَإِذَا سَعْدٌ
جُرْحُهُ يغذ دما. فمات منها.
(تحجر كلمه للبرء) أي يبس جرحه وكاد أن يبرأ.
(فافجرها)
أي فشق الجراحة شقا واسعا، حتى أموت فيها وتتم لي الشهادة.
(لبته)
هكذا هو في أكثر الأصول المعتمدة: لبته. وهي النحر. وفي بعض الأصول: من ليته.
والليت صفحة العنق. وفي بعضها: من ليلته. قال القاضي: وهو الصواب، كما اتفقوا عليه
في الرواية التي بعد هذه. قال ابن حجر: وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى
صدره، فانفجر من ثم.
(فلم
يرعهم) أي لم يفجأهم ويأتهم بغتة.
(يغذ
دما) هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة: يغذ. ونقله القاضي عن جمهور الرواة. وفي
بعضها: يغدو. وكلاهما صحيح. ومعناه يسيل. يقال: غذ الجرح يغذ إذا دام سيلانه. وغذا
يغذو إذا سال. كما قال في الرواية الأخرى: فما زال يسيل حتى مات.
٦٨ - (١٧٦٩) وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ لَيْلَتِهِ.
فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: فَذَاكَ حِينَ
يَقُولُ الشَّاعِرُ:
أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي
مُعَاذٍ * فَمَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ
لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِي
مُعَاذٍ * غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ
⦗١٣٩١⦘
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ
فِيهَا * وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ
وَقَدْ قَالَ الْكَرِيمُ أَبُو
حُبَابٍ * أَقِيمُوا، قَيْنُقَاعُ، وَلَا تَسِيرُوا
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ
ثِقَالًا * كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيْطَانَ الصخور
(فما فعلت) هكذا هو في معظم النسخ. وكذا حكاه
القاضي عن المعظم. وفي بعضها: لما فعلت، باللام بدل الفاء، وقال: وهو الصواب،
والمعروف في السير.
(تركتم
قدركم) هذا مثل لعدم الناصر. وأراد بقوله: تركتم قدركم، الأوس. لقلة حلفائهم. فإن
حلفاءهم قريظة وقد قتلوا. وأراد بقوله: وقد القوم حامية تفور، الخزرج لشفاعتهم في
حلفائهم بني قينقاع حتى من عليهم النبي ﷺ، وتركهم لعبد الله بن أبي ابن سلول، وهو
أبو حباب المذكور في البيت الآخر.
(وقد
كانوا ببلدتهم ثقالا) أي بنو قريظة، وثقالا أي راسخين من كثرة ما لهم من القوة
والنجدة والمال، كما رسخت الصخور، وهي الحجارة الكبار، بتلك البلدة.
(كما
ثقلت بميطان الصخور) هو اسم جبل من أرض الحجاز في ديار بني مزينة. وهو بفتح الميم
على المشهور. وقال أبو عبيد البكري وجماعة: هو بكسرها. وإنما قصد هذا الشاعر تحريض
سعد على استبقاء بني قريظة حلفائه، ويلومه على حكمه فيهم، ويذكره بفعل عبد الله بن
أبي، ويمدحه بشفاعته في حلفائهم بني قينقاع.
٢٣ - باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم
الأمرين المتعارضين
٦٩
- (١٧٧٠)
وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ.
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
يَوْمَ انْصَرَفَ عَنْ الْأَحْزَابِ (أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ
إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ. فَصَلَّوْا
دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ. قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا
مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
٢٤ - بَاب رَدِّ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى
الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنَ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ حِينَ اسْتَغْنَوْا
عَنْهَا بِالْفُتُوحِ
٧٠
- (١٧٧١)
وحَدَّثَنِي أبو الطاهر وحرملة. قالا: أخبرنا ابن وهب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ، مِنْ
مَكَّةَ، الْمَدِينَةَ قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ. وَكَانَ
الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ. فَقَاسَمَهُمْ الْأَنْصَارُ عَلَى
أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ، كُلَّ عَامٍ.
⦗١٣٩٢⦘
ويكفونهم العمل والمؤونة. وكانت أم
أنس ابن مَالِكٍ، وَهِيَ تُدْعَى أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ أُمُّ عبد الله بن أبي
طلحة، وكان أَخًا لِأَنَسٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ عِذَاقًا لَهَا. فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمَّ أَيْمَنَ،
مَوْلَاتَهُ، أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي
أَنَسُ بْنُ مالك؛ أن رسول الله ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ.
وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ. رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ
مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ. قَالَ: فَرَدَّ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُمِّي عِذَاقَهَا. وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمَّ
أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ
شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، أُمِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَكَانَتْ مِنْ الْحَبَشَةِ. فَلَمَّا
وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ
أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ، حَتَّى كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَأَعْتَقَهَا.
ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بخمسة أشهر.
(العقار) أراد بالعقار، هنا، النخل. قال
الزجاج: العقار كل ما له أصل. قال: وقيل إن النخل، خاصة، يقال له العقار.
(عذاقا)
جمع عذق. وهي النخلة. ككلب وكلاب وبئر وبئار.
(منائحهم)
جمع منيحة. والمنيحة هي المنحة.
٧١ - (١٧٧١) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ الْمُعْتَمِرِ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ). حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنَّ رَجُلًا (وَقَالَ حَامِدٌ
وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: أَنَّ الرَّجُلَ) كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ
النَّخْلاتِ مِنْ أَرْضِهِ. حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرِ،
فَجَعَلَ، بَعْدَ ذَلِكَ، يَرُدُّ عَلَيِهِ مَا كَانَ أُعْطَاهُ.
قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ أَهْلِي
أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْأَلَهُ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ
أَوْ بَعْضَهُ. وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِيهِنَّ. فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ
الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَقَالَتْ: وَاللَّهِ! لَا نُعْطِيكَاهُنَّ وَقَدْ
أَعْطَانِيهِنَّ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ (يَا أُمَّ أَيْمَنَ! اتْرُكِيهِ
وَلَكِ
⦗١٣٩٣⦘
كَذَا وَكَذَا) وَتَقُولُ: كَلَّا.
وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! فَجَعَلَ يَقُولُ كَذَا حَتَّى أَعْطَاهَا
عَشْرَةَ أمثاله، أو قريبا من عشرة أمثاله.
(نعطيكاهن) هكذا هو في معظم النسخ: نعطيكاهن،
بالألف بعد الكاف. وهو صحيح. فكأنه أشبع فتح الكاف فتولدت منها ألف. وفي بعض
النسخ: والله، ما نعطاكهن. وفي بعضها: لا نعطيكهن.
٢٥ - باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في
دار الحرب
٧٢
- (١٧٧٢)
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ
الْمُغِيرَةِ). حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ، قَالَ:
أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ،
يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ. فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ
أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا. قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
متبسما.
(جرابا) بكسر الجيم وفتحها. لغتان. الكسر
أفصح وأشهر. وهو وعاء من جلد.
٧٣ - (١٧٧٢) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي
حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ:
رُمِيَ إِلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ
طَعَامٌ وَشَحْمٌ، يَوْمَ خَيْبَرَ. فَوَثَبْتُ لِآخُذَهُ. قَالَ: فَالْتَفَتُّ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَاسْتَحْيَيْتُ منه.
(فاستحييت منه) يعني لما رآه من حرصه على
أخذه. أو لقوله: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا.
(١٧٧٢) - وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ
الطَّعَامَ.
٢٦ - بَاب كِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى
هِرَقْلَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ
٧٤
- (١٧٧٣)
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ
وَمُحَمَّدُ ابن رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد (واللفظ لابن رافع) (قَالَ ابْنُ
رَافِعٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق)
أخبرنا معمر عن الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيهِ.
قَالَ:
انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي
كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ،
⦗١٣٩٤⦘
إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ من رسول الله ﷺ
إِلَى هِرَقْلَ: يَعْنِي عَظِيمَ الرُّومِ. قَالَ: وَكَانَ دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ
جَاءَ بِهِ. فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى. فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى
هِرَقْلَ. فَقَالَ هرقل: هل ها هنا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي
يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ. فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ. فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالَ:
أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ
نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ
يَدَيْهِ. وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي. ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ
لَهُ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ
نَبِيٌّ. فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. قَال: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ
اللَّهِ! لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ. ثُمَّ
قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ. كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ قُلْتُ: هُوَ
فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا
قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: وَمَنْ يتبعه؟ أشراف الناس أم ضعفائهم؟ قال قلت: بل
ضعفائهم. قال: أيزيدون أن يَنْقُصُونَ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ،
سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا. يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ: فَهَلْ
يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا. وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ
فِيهَا.
⦗١٣٩٥⦘
قَالَ: فَوَاللَّهِ! مَا أَمْكَنَنِي
مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ
أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي
سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ. وَكَذَلِكَ
الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِي
آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ
قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ،
أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. وَهُمْ
أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ
قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا. فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى
اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ
يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا
خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟
فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ:
هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ. فَتَكُونُ
الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا. يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ:
هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ. وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا
تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ
أَنْ لَا. فَقُلْتُ: لَوَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، قُلْتُ رَجُلٌ
ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟
قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ:
إِنْ يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ. وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ
أَنَّهُ خَارِجٌ. وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ. وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ
أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ. وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ
لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ. وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ.
⦗١٣٩٦⦘
قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأَهُ. فَإِذَا فِيهِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.
سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ. فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ
الْإِسْلَامِ. أَسْلِمْ تَسْلَمْ. وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ
مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ.
﴿وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد
إلى اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾. [٣ / آل
عمران/ الآية ٦٤]
⦗١٣٩٧⦘
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ
الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغْطُ. وَأَمَرَ بِنَا
فَأُخْرِجْنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ
أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ. إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ.
قَالَ: فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ، حتى
أدخل الله على الإسلام.
(فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ
بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ الله ﷺ يعني الصلح يوم الحديبية. وكانت الحديبية في
أواخر سنة ست من الهجرة.
(دحية)
هو بكسر الدال وفتحها. لغتان مشهورتان. اختلف في الراجحة منهما. وادعى ابن السكيت
أنه بالكسر لا غير. وأبو حاتم السجستاني، أنه بالفتح لا غير.
(عظيم
بصرى) هي مدينة حوران. ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف البرية التي بين الشام
والحجاز. والمراد بعظيم بصرى، أميرها.
(بترجمانه)
هو بضم التاء وفتحها. والفتح أفصح. وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى. والتاء فيه
أصلية. وأنكروا على الجوهري كونه جعلها زائدة.
(لولا
مخافة أن يؤثر علي الكذب) معناه: لولا خفت أن رفقتي ينقلون عني الكذب إلى قومي،
ويتحدثون به في بلادي، لكذبت عليه. لبغضي إياه ومحبتي نقصه. وفي هذا بيان أن الكذب
قبيح في الجاهلية. كما هو قبيح في الإسلام.
(أشراف
الناس) يعني بأشرافهم، كبارهم وأهل الاحساب فيهم. فيه إسقاط همزة الاستفهام.
(سجالا)
أي نوبا. نوبة لنا ونوبة له. قالوا. وأصله أن المستقيين بالسجل، وهي الدلو الملأى،
يكون لكل واحد منهما سجل.
(بشاشة
القلوب) يعني انشراح الصدور. وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور
برؤيته. يقال: بش به وتبشبش.
(وَكَذَلِكَ
الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ) معناه يبتليهم الله بذلك
ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم، وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى.
(والصلة
والعفاف) أما الصلة فصلة الأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل. وذلك بالبر والإكرام
وحسن المراعاة. وأما العفاف فالكف عن المحارم وخوارم المروءة. قال صاحب المحكم:
العفة الكف عما لا يحل ولا يحمد. يقال: عف يعف عفة وعفافا وعفافة. وتعفف واستعف.
ورجل عف وعفيف. والأنثى عفيفة. وجمع العفيف أعفة وأعفاء.
(بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في هذا
الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد. منها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل
قتالهم. وهذا الدعاء واجب. والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام.
ومنها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا.
ومنها التوقي في الكتابة واستعمال الورع فيها، فلا يفرط ولا يفرط. ولهذا قال
النَّبِيِّ ﷺ: إِلَى هِرَقْلَ عظيم الروم، ولم يقل: ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا
لغيره إلا بحكم دين الإسلام. ولم يقل: إلى هرقل فقط. بل أتى بنوع من الملاطفة
فقال: عظيم الروم، أي الذي يعظمونه ويقدمونه. وقد أمر الله تعالى بالإنة القول لمن
يدعى إلى الإسلام. فقال تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾. وقال
تعالى: ﴿فقولا له قولا لينا﴾. ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ
الجزلة في المكاتبة. ومنها البيان الواضح أن من كان سببا لضلالة، أو سبب منع من
هداية كان آثما. لقوله ﷺ: وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. ومنها استحباب أما
بعد في الخطب والمكاتبات.
(بدعاية
الإسلام) أي بدعوته، وهي كلمة التوحيد. وقال في الرواية الأخرى: أدعوك بداعية
الإسلام وهي بمعنى الأولى. ومعناها الكلمة الداعية إلى الإسلام. قال القاضي: ويجوز
أن تكون داعية هنا بمعنى دعوة، كما في قوله تعالى: ﴿ليس لها من دون الله كاشفة﴾.
أي كشف.
(الأريسيين)
هكذا وقع في هذه الرواية الأولى في مسلم: الأريسيين. وهو الأشهر في روايات الحديث
وفي كتب أهل اللغة. وعلى هذا اختلف في ضبطه على أوجه: أحدها بياءين بعد السين.
والثاني بياء واحدة بعد السين. وعلى هذين الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة
مخففة. والثالث: الإريسين، بكسر الهمزة وتشديد الراء وبياء واحدة بعد السين. ووقع
في الرواية الثانية في مسلم، وفي أول صحيح البخاري: إثم اليريسيين، بياء مفتوحة في
قوله وبياءين بعد السين. واختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها أنهم
الأكارون، أي الفلاحون والزراعون. ومعناه إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك
وينقادون بانقيادك. ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع
انقيادا. فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا. وهذا القول هو الصحيح. الثاني
أنهم اليهود والنصارى، وهم أتباع عبد الله بن أريس الذي تنسب إليه الأروسية من
النصارى، ولهم مقالة في كتب المقالات. ويقال لهم: الأروسيون. الثالث أنهم الملوك
الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها.
(اللغط)
هو بفتح الغين وإسكانها، وهي الأصوات المختلطة.
(لقد
أمر أمر ابن أبي كبشة) أما أمر بفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن
أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في
عبادتها. فشبهوا النبي ﷺ به لمخالفتهم إياهم في دينهم، كما خالفهم أبو كبشة.
(بني
الأصفر) بنو الأصفر هم الروم.
(١٧٧٣) - وحَدَّثَنَاه حَسَنٌ
الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ
ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا
كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ.
شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: (مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ). وَقَالَ (إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ). وَقَالَ (بِدَاعِيَةِ
الإسلام).
(مشى من حمص إلى إيلياء) أما حمص فغير
مصروفة، لأنها مؤنثة، علم، عجمية. وأما إيلياء فهو بيت المقدس. وفيه ثلاث لغات:
أشهرها إيلياء، بكسر الهمزة واللام، وإسكان اليا، بينهما، وبالمد. والثانية كذلك
إلا أنها بالقصر. والثالثة: إلياء. بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد. حكاهن
صاحب المطالع وآخرون.
٢٧ - بَاب كُتُبِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى
مُلُوكِ الْكُفَّارِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل
٧٥
- (١٧٧٤)
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ
إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ،
يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى
عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ.
(كسرى) بفتح الكاف وكسرها. وهو لقب لكل من
ملك من ملوك الفرس.
(قيصر)
لقب من ملك الروم.
(النجاشي)
لقب لكل من ملك الحبشة.
(١٧٧٤) - وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الرُّزِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ،
عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.
وَلَمْ يَقُلْ: وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ.
٢ م - (١٧٧٤) وحَدَّثَنِيهِ نَصْرُ
بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. أَخْبَرَنِي أَبِي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي
صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ.
٢٨ - بَاب فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ
٧٦
- (١٧٧٥)
وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ
بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ:
شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
يَوْمَ حُنَيْنٍ. فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَلَمْ نُفَارِقْهُ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى
بَغْلَةٍ لَهُ، بَيْضَاءَ. أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ
الْجُذَامِيُّ. فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى
الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يركض على بَغْلَتَهُ
قِبَلَ الْكُفَّارِ. قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ. وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ
بِرِكَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فقال رسول الله ﷺ (أَيْ عَبَّاسُ! نَادِ أَصْحَابَ
السَّمُرَةِ). فَقَالَ عَبَّاسٌ (وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا): فَقُلْتُ بِأَعْلَى
صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ! لَكَأَنَّ
عَطْفَتَهُمْ، حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي،
⦗١٣٩٩⦘
عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى
أَوْلَادِهَا. فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ! يَا لَبَّيْكَ! قَالَ: فَاقْتَتَلُوا
وَالْكُفَّارَ. وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ. يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ! يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ
عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. فقالوا: يا نبي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ! يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ! فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا، إِلَى قِتَالِهِمْ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ). قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ. ثُمَّ قَالَ
(انْهَزَمُوا. وَرَبِّ مُحَمَّدٍ!) قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ
عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى. قَالَ: فَوَاللَّهِ! مَا هُوَ إِلَّا أَنْ
رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ. فَمَا زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا.
(حنين) واد بين مكة والطائف، وراء عرفات،
بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا. وهو مصروف كما جاء به القرآن العزيز.
(أبو
سفيان بن الحارث) أبو سفيان هذا هو ابن عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قال جماعة من
العلماء: اسمه هو كنيته. وقال آخرون: اسمه المغيرة.
(على
بغلة له بيضاء) كذا قال في هذه الرواية ورواية أخرى بعدها إنها بغلة بيضاء. وقال
في آخر الباب على بغلته الشهباء. وهي واحدة. قال العلماء: لا يعرف له ﷺ بغلة
سواها، وهي التي يقال لها: دلدل.
(يركض
بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع.
(أصحاب
السمرة) هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان
يوم الحديبية.
(صيتا)
أي قوي الصوت. ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله تعالى عنه كان يقف على
سلع فينادي غلمانه في آخر الليل، وهم في الغابة، فيسمعهم. قال: وبين سلع وبين
الغابة ثمانية أميال.
(لَكَأَنَّ
عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ على أولادها) أي عودهم
لمكانتهم وإقبالهم إليه ﷺ عطفة البقر على أولادها. أي كان فيها انجذاب مثل ما في
الأمات حين حنت على الأولاد.
قال النووي: قال العلماء: في هذا
الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا. وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما
فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا
أسلموا. وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام. ولا
ختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمسلمين الدوائر.
وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم. فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت
أولاهم على أخراهم. إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في
القرآن.
(والكفار)
هكذا هو في النسخ، وهو بنصب الكفار. أي مع الكفار.
(والدعوة
في الأنصار) هي بفتح الدال. يعني الاستغاثة والمنادة إليهم.
(هذا
حين حمي الوطيس) قال الأكثرون: هو شبه تنور يسجر فيه. ويضرب مثلا لشدة الحرب التي
يشبه حرها حره. وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه. وقال ا لأصمعي: هي حجارة
مدورة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس. وقيل: هو
الضرب في الحرب. وقيل: هو الحرب الذي يطيس الناس، أي يدقهم. قالوا: وهذه اللفظة من
فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي ﷺ.
(فما
زلت أرى حدهم كليلا) أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
٧٧ - (١٧٧٥) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وَمُحَمَّدُ
بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: فَرْوَةُ بْنُ نُعَامَةَ الْجُذَامِيُّ. وَقَالَ (انْهَزَمُوا.
وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! انْهَزَمُوا. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!) وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى
النَّبِيِّ ﷺ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ.
(١٧٧٥) - وحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: أَخْبَرَنِي
كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ
حُنَيْنٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ يُونُسَ وَحَدِيثَ مَعْمَرٍ
أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَتَمُّ.
٧٨ - (١٧٧٦) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو خيثمة عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ:
يَا أَبَا عُمَارَةَ! أَفَرَرْتُمْ
يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا. وَاللَّهِ! مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ
عَلَيْهِمْ سِلَاحٌ، أَوْ كَثِيرُ سِلَاحٍ فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لَا يَكَادُ
يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ. جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ. فَرَشَقُوهُمْ رشقا ما
يكادون يخطئون. فقبلوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ
عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ. فَنَزَلَ فَاسْتَنْصَرَ. وَقَالَ:
(أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ * أَنَا
ابْنُ عبد المطلب).
ثم صفهم.
(شبان أصحابه) جمع شاب. كواحد ووحدان.
(وأخفاؤهم)
جمع خفيف. كطبيب وأطباء. وهم المسارعون المستعجلون.
(حسرا)
جمع حاسر. كساجد وسجد. أي بغير دروع. وقد فسره بقوله: ليس عليهم سلاح. والحاسر من
لا درع له ولا مغفر.
(لا
يكاد يسقط لهم سهم) يعني أنهم رماة مهرة، تصل سهامهم إلى أغراضهم، كما قال: ما
يكادون يخطئون.
(فرشقوهم
رشقا) هو بفتح الراء. وهو مصدر. وأما الرشق بالكر فهو اسم للسهام التي ترميها
الجماعة دفعة واحدة. وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر. وضبط غيره بالفتح، وهو
الأجود. وإن كانا جيدين. وأما قوله في الرواية التي بعد هذه: فرموه برشق من نبل،
فهو بالكسر لا غير. قال أهل اللغة: رشقه يرشقه وأرشقه. ثلاثي ورباعي. والثلاثي
أشهر وأفصح.
(فاستنصر)
أي طلب من الله تعالى النصرة، ودعا بقوله: اللهم! نزل نصرك.
(أنا
النبي لا كذب) أي أنا النبي حقا، فلا أفر ولا أزول.
٧٩ - (١٧٧٦) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ
الْمِصِّيصِيُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ.
فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ يَا أَبَا عُمَارَةَ! فَقَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ مَا وَلَّى. وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ
مِنَ النَّاسِ، وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ. وَهُمْ قَوْمٌ
رُمَاةٌ. فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ. كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ.
فَانْكَشَفُوا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَأَبُو سُفْيَانَ
بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ. فَنَزَلَ، وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ،
وَهُوَ يَقُولُ:
(أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ * أَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
اللَّهُمَّ! نَزِّلْ نَصْرَكَ)
قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا،
وَاللَّهِ! إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ. وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا
لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ. يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ.
(كأنها رجل من جراد) يعني كأنها قطعة من
جراد. قال في النهاية. الرجل، بالكسر، الجراد الكثير.
(فانكشفوا)
أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها.
(إذا
احمر البأس) احمرار البأس: كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة
فيها في العادة، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر.
٨٠ - (١٧٧٦) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار
(واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن حعفر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاق. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ:
أَفَرَرْتُمْ عَنْ رسول الله ﷺ يوم
حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ: وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ.
وَكَانَتْ هَوَازِنُ يَوْمَئِذٍ رُمَاةً. وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ
انْكَشَفُوا. فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ. فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ.
وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ على بغلته البيضاء. وإن أبا سفيان ابن
الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَهُوَ يَقُولُ:
(أَنَا النَّبِيُّ لا كذب * أنا ابن
عبد المطلب)
(فأكببنا على الغنائم) أي جعلنا وجوهنا
مكبوبة عليها، لا تلوي على شيء سواها.
(١٧٧٦) - وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ
الْبَرَاءِ. قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ أَتَمُّ حَدِيثًا.
٨١ - (١٧٧٧) وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
حُنَيْنًا. فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تَقَدَّمْتُ. فَأَعْلُو ثَنِيَّةً.
فاستقبلني رجل من العدو. فأميه بسهم. فتوارى عني. فلما دَرَيْتُ مَا صَنَعَ.
وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى.
فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ ﷺ. فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ ﷺ.
وَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا. وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ. مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا.
مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى. فَاسْتَطْلَقَ إِزَارِي. فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا.
وَمَرَرْتُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مُنْهَزِمًا. وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ
الشَّهْبَاءِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَقَدْ رَأَى ابْنُ الْأَكْوَعِ
فَزَعًا) فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ، ثُمَّ
قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الْأَرْضِ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ
وُجُوهَهُمْ. فَقَالَ (شَاهَتِ الْوُجُوهُ) فَمَا خلف اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا
إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا، بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلَّوْا
مُدْبِرِينَ. فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل. وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غنائمهم
بين المسلمين.
(فاستطلق إزاري) أي انحل لاستعجالي.
(منهزما)
قال العلماء: قوله منهزما؛ حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن
النبي ﷺ انهزم. وقد قالت الصحابة كلهم رضي الله عنهم: إنه ﷺ ما انهزم. ولم ينقل أحد قط أنه
انهزم ﷺ في موطن من المواطن. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد
انهزامه ﷺ، ولا يجوز ذلك عليه.
(فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
أي أتوه من كل جانب.
(شاهت
الوجوه) أي قبحت.
٢٩ - بَاب غَزْوَةِ الطَّائِفِ
٨٢
- (١٧٧٨)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ
نُمَيْرٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
⦗١٤٠٣⦘
قَالَ:
حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ
الطَّائِفِ. فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ (إِنَّا قَافِلُونَ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ) قَالَ أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ! فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ) فَغَدَوْا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُمْ
جِرَاحٌ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أنا قَافِلُونَ غَدًا) قَالَ:
فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ الله ﷺ.
(عبد الله بن عمرو) هكذا هو في نسخ صحيح
مسلم: عن عبد الله ابن عمرو، وهو ابن عمرو بن العاص. قال القاضي: كذا هو في رواية
الجلودي وأكثر أهل الأصول عن ابن هامان. قال: وقال لنا القاضي الشهيد أبو علي:
صوابه ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كذا ذكره البخاري، وكذا صوبه الدارقطني. وذكره
أبو مسعود الدمشقي في الأطراف عن ابن عمر بن الخطاب مضافا إلى البخاري ومسلم.
وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر. ورواه الإمام أحمد ابن حنبل
(عن ابن عمر رقم ٤٥٨٨) طبعة المعارف، بتحقيق شيخنا الشيخ أحمد شاكر. وقلت أنا
(محمد فؤاد عبد الباقي): لقد أخرجته في كتابي، جامع مسانيد صحيح البخاري، في مسند
عبد الله بن عمر بن الخطاب برقم ٢١٧.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في: ٦٤ -
كتاب المغازي، ٥٦ - باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان. وفي: ٧٨ - كتاب الأدب، ٦٨ -
باب التبسم والضحك. وفي: ٩٧ - كتاب التوحيد، ٣١ - باب في المشيئة والإرادة.
(فلم
ينل منهم شيئا) أي لم يصبهم بشيء من موجبات الفتح لمناعة حصنهم. وكانوا، كما ذكره
ابن حجر، قد أعدوا ما يكفيهم لحصار سنة.
(فقال:
إنا قافلون) أي نحن راجعون إلى المدينة. فثقل عليهم ذلك. فقالوا: نرجع غير
فاتحين!. فقال لهم ﷺ: اغدوا على القتال. أي سيروا أول النهار لأجل القتال. فغدوا
فلم يفتح عليهم وأصيبوا بالجراح. لأن أهل الحصن رموا عليهم من أعلى السور، فكانوا
ينالون منهم بسهامهم، ولا تصل سهام المسلمين إليهم. وذكر في الفتح: أنهم رموا على
المسلمين سكك الحديد المحماة. فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع. فلما أعاد، ﷺ،
عليهم القول بالرجوع أعجبهم حينئذ.
وقال الإمام النووي رضي الله تعالى
عنه: معنى الحديث أنه ﷺ قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف
لصعوبة أمره، وشدة الكفار الذين فيه، وتقويتهم بحصنهم مع أنه ﷺ علم أو رجا أنه
سيفتحه بعد هذا، بلا مشقة كما جرى. فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام
وجد في القتال. فلما أصابتهم الجراح رجع إلى ما كان قصده أولا من الرفق بهم.
ففرحوا بذلك لما رأوا من المشقة الظاهرة. ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي ﷺ أبرك
وأنفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم. فوافقوا على الرحيل فرحوا. فضحك النبي ﷺ تعجبا
من سرعة تغير رأيهم.
٣٠ - بَاب غَزْوَةِ بَدْرٍ
٨٣
- (١٧٧٩)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة. حدثنا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَاوَرَ،
حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ
⦗١٤٠٤⦘
عنه. فقام سعد ابن عُبَادَةَ
فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ!
لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا. وَلَوْ أَمَرْتَنَا
أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَالَ: فَنَدَبَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا. وَوَرَدَتْ
عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ. وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ.
فَأَخَذُوهُ. فَكَانَ أصحاب رسول الله ﷺ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ
وَأَصْحَابِهِ؟ فَيَقُولُ: مَا لي علمك بِأَبِي سُفْيَانَ. وَلَكِنْ هَذَا أَبُو
جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ،
ضَرَبُوهُ. فَقَالَ: نَعَمْ. أَنَا أُخْبِرُكُمْ. هَذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَإِذَا
تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ. وَلَكِنْ هَذَا
أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ.
فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يُصَلِّي.
فَلَمَّا رأى ذلك انصرف. وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَضْرِبُوهُ إِذَا
صَدَقَكُمْ. وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ).
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
(هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ) قَالَ: ويضع يده على الأرض، ها هنا وها هنا. قال: فما
أماط أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(شاور) قال العلماء: إنما قصد ﷺ اختيار
الأنصار، لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو وإنما بايعهم
على أن يمنعوه ممن يقصده. فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم
يوافقون على ذلك، فأجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة في هذه المرة وغيرها.
(إن
نخيضها البحر لأخضناها) يعني الخيل. أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا
إياها فيه لفعلنا.
(أن
نضرب أكبادها) كناية عن ركضها. فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه من
جانبيه، ضاربا على موضع كبده.
(برك
الغماد) أما برك فهو بفتح الباء وإسكان الراء. هذا هو المعروف المشهور في كتب
الحديث وروايات المحدثين. وكذا نقله القاصي عن رواية المحدثين. وأما الغماد فبغين
معجمة مكسورة ومضمومة لغتان مشهورتان. لكن الكسر أفصح وهو المشهور في روايات
المحدثين. والضم هو المشهور في كتب اللغة. وهو موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية
الساحل. وقيل: بلدتان. وقال القاضي وغيره: هو موضع بأقاصي هجر.
(روايا
قريش) أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها. فهي الإبل الحوامل للماء. واحدتها رواية.
(انصرف)
أي سلم من صلاته.
(لتضربوه
.. وتتركوه) هكذا وقع في النسخ: لتضربوه وتتركوه، بغير نون. وهي لغة سبق بيانها
مرات، أعني حذف النون بغير ناصب ولا جازم.
(فما
ماط أحدهم) أي تباعد.
٣١ - بَاب فَتْحِ مَكَّةَ
٨٤
- (١٧٨٠)
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.
حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. قَالَ:
وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. فَكَانَ يَصْنَعُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ الطَّعَامَ. فَكَانَ
أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَنَا إِلَى رَحْلِهِ. فَقُلْتُ:
أَلَا أَصْنَعُ طَعَامًا فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى رَحْلِي؟ فَأَمَرْتُ بِطَعَامٍ
يُصْنَعُ. ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ الْعَشِيِّ. فَقُلْتُ: الدَّعْوَةُ
عِنْدِي الليلة. فقال: سبقتني. قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَوْتُهُمْ. فَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ! ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ.
وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى. وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ
عَلَى الْحُسَّرِ. فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي
كَتِيبَةٍ. قَالَ: فَنَظَرَ فَرَآنِي. فَقَالَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) قُلْتُ:
لَبَّيْكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ (لَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيٌّ).
زَادَ غَيْرُ شَيْبَانَ: فَقَالَ
(اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ) قَالَ: فَأَطَافُوا بِهِ. وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ
أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا. فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ. فَإِنْ كَانَ
لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ. وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ)
ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. ثُمَّ قَالَ (حَتَّى
تُوَافُونِي بِالصَّفَا) قَالَ: فَانْطَلَقْنَا. فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ
يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ. وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ
⦗١٤٠٦⦘
يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا. قَالَ:
فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ
قُرَيْشٍ. لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. ثُمَّ قَالَ (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي
سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا
الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الْوَحْيُ. وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ لَا
يَخْفَى عَلَيْنَا. فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ. فَلَمَّا انْقَضَى الْوَحْيُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ!) قَالُوا: لَبَّيْكَ. يَا
رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ (قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي
قَرْيَتِهِ). قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ. قَالَ (كَلَّا. إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ
وَرَسُولُهُ. هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ. وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ.
وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ). فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ:
وَاللَّهِ! مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ
وَيَعْذِرَانِكُمْ) قَالَ: فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى دَارِ أَبِي سُفْيَانَ.
وَأَغْلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ. قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى أقبل
الْحَجَرِ. فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ. قَالَ: فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ
إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ. قَالَ: وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ
ﷺ قَوْسٌ. وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ. فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ
جَعَلَ
⦗١٤٠٧⦘
يَطْعُنُهُ فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ
(جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ). فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى
الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ. حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ. وَرَفَعَ يَدَيْهِ.
فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ.
(المجنبتين) هما الميمنة والميسرة، ويكون
القلب بينهما.
(الحسر)
أي الذين لا دروع لهم.
(فأخذوا
بطن الوداي) أي جعلوا طريقهم في بطن الوادي.
(في
كتيبة) الكتيبة القطعة العظيمة من الجيش.
(اهتف
لي بالأنصار) أي صح بهم وادعهم لي.
(فأطافوا
به) أي فجاءوا وأحاطوا به. وإنما خصهم لثقته بهم، ورفعا لمراتبهم، وإظهارا
لجلالتهم وخصوصيتهم.
(ووبشت
قريش أوباشا لها) أي جمعت جموعا من قبائل شتى.
(ثم
قال بيديه إحداهما على الأخرى) فيه إطلاق القول على الفعل. أي أشار إلى هيئتهم
المجتمعة.
(فما
شاء أحد منا .. الخ) أي لا يدفع أحد منهم عن نفسه.
(أبيحت
خضراء قريش) كذا في هذه الرواية: أبيحت. وفي التي بعدها: أبيت. وهما متقاربتان. أي
استؤصلت قريش بالقتل وأفنيت. وخضراؤهم بمعنى جماعتهم. ويعبر عن الجماعة المجتمعة
بالسواد والخضرة. ومنه السواد الأعظم.
(فقالت
الأنصار بعضهم لبعض) معنى هذا أنهم رأوا رأفة النبي ﷺ بأهل مكة وكف القتل عنهم،
فظنوا أنه يرجع إلى سكنى مكة والمقام فيها دائما، ويرحل عنهم ويهجر المدينة. فشق
ذلك عليهم. فأوحى الله تعالى إليه ﷺ فأعلمهم بذلك. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: قلتم كذا وكذا. قالوا: نعم. قد قلنا هذا.
(كلا)
معنى كلا، هنا، حقا. ولها معنيان أحدهما حقا والآخر النفي.
(هاجرت
إلى الله وإليكم .. الخ) معناه أني هاجرت إلى الله تعالى وإلى دياركم لاستيطانها.
فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى. بل أنا ملازم لكم. المحيا محياكم
والممات مماتكم. أي لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم. فلما قال لهم هذا بكوا
واعتذروا. وقالوا: والله! ما قلنا كلامنا السابق إلا حرصا عليك وعلى مصاحبتك
ودوامك عندنا. لنستفيد منك ونتبرك بك وتهدينا الصراط المستقيم.
(إلا
الضن) هو الشح.
(بسية
القوس) أي بطرفها المنحني. قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولا مها محذوفة. وترد
في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها. ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها
السفلى رجلها.
٨٥ - (١٧٨٠) وحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمّ قَالَ بِيَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى (احْصُدُوهُمْ حَصْدًا). وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: قَالُوا: قُلْنَا:
ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ (فَمَا اسْمِي إِذًا؟ كَلَّا إِنِّي عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ).
(فما اسمي إذا .. الخ) قال القاضي: يحتمل هذا
وجهين: أحدهما أنه أراد ﷺ أنه نبي لإعلامي إياكم بما تحدثتم به سرا. والثاني لو
فعلت هذا الذي خفتم منه، وفارقتكم، ورجعت إلى استيطان مكة لكنت ناقضا لعهدكم في
ملازمتكم، ولكان هذا غير مطابق لما اشتق منه اسمي وهو الحمد. فإني كنت أوصف حينئذ
بغير الحمد.
٨٦ - (١٧٨٠) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ.
قَالَ: وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَفِينَا أَبُو
هُرَيْرَةَ. فَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَصْنَعُ طَعَامًا يَوْمًا
لِأَصْحَابِهِ. فَكَانَتْ نَوْبَتِي. فقلت: يا أبا هريرة! اليوم نوبتي. فجاؤوا
إِلَى الْمَنْزِلِ، وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ!
لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا. فَقَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
يَوْمَ الْفَتْحِ. فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ
الْيُمْنَى. وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى. وَجَعَلَ
أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي. فَقَالَ (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ!
ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ) فَدَعَوْتُهُمْ. فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ. فَقَالَ (يَا
مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟) قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ (انْظُرُوا. إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا)
وَأَخْفَى بِيَدِهِ. وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ. وَقَالَ (مَوْعِدُكُمْ
الصَّفَا) قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ.
قَالَ: وَصَعِدَ
⦗١٤٠٨⦘
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّفَا. وجاءت
الأنصار. فأطافوا بالصفا. فجاء أبا سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ. لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ
آمِنٌ. وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ
آمِنٌ) فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ
بِعَشِيرَتِهِ. وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ. وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. قَالَ (قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ
بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ. أَلَا فَمَا اسْمِي إِذًا! (ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ) أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ
وَإِلَيْكُمْ. فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ). قَالُوا:
وَاللَّهِ! مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ (فإن الله
ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم).
(على البياذقة) هم الرجالة. وهو فارسي معرب. وأصله
بالفارسية أصحاب ركاب الملك ومن يتصرف في أموره. قيل: سموا بذلك لخفتهم وسرعة
حركتهم. هكذا الرواية في هذا الحرف. هنا وفي غير مسلم أيضا. قال القاضي: هكذا
روايتنا فيه.
(موعدكم
الصفا) يعني قال هذا لخالد ومن معه الذين أخذوا أسفل من بطن الوادي، وأخذ هو ﷺ ومن
معه أعلى مكة.
(فَمَا
أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ) أي ما ظهر لهم أحد إلا
قتلوه فوقع إلى الأرض، أو يكون بمعنى أسكنوه بالقتل كالنائم. يقال: نامت الريح إذا
سكنت. وضربه حتى سكن أي مات. ونامت الشاة وغيرها ماتت. قال الفراء: النائمة الميتة.
٣٢ - بَاب إِزَالَةِ الْأَصْنَامِ مِنْ
حَوْلِ الْكَعْبَةِ
٨٧
- (١٧٨١)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وعمرو بن النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي
عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ.
وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتُّونَ نُصُبًا. فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ
كَانَ بِيَدِهِ. وَيَقُولُ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ. إِنَّ الْبَاطِلَ
كان زهوقا [١٧ /الإسراء /٨١]. جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا
يُعِيدُ) [٣٤ /سبأ /٤٩]. زاد ابن أبي عمر: يوم الفتح.
(نصبا) قيل هو مفرد وجمعه أنصاب. وقيل جمع
واحدها نصاب. والمراد حجارة لهم يعبدونها ويذبحون عليها. قيل هي الأصنام وقيل
غيرها. فإن الأصنام صور منقوشة، والأنصاب بخلافها.
(وزهق
الباطل) أي زال وبطل. وزهقت نفسه أي خرجت من الأسف على الشيء.
(وما
يبدئ الباطل وما يعيد) قال الإمام الزمخشري رضي الله عنه: والحي إما أن يبدئ فعلا أو يعيده.
فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة. فجعلوا قولهم: لا يبدئ ولا يعيد، مثلا في
الهلاك. ومنه قول عبيد:
أقفر من أهله عبيد * فاليوم لا يبدي
ولا يعيد
والمعنى جاء الحق وزهق الباطل.
(١٧٨١) - وحَدَّثَنَاه حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إِلَى
قَوْلِهِ: زَهُوقًا. وَلَمْ يَذْكُرِ الْآيَةَ الْأُخْرَى. وَقَالَ: (بَدَلَ
نُصُبًا) صَنَمًا.
٣٣ - بَاب لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا
بَعْدَ الْفَتْحِ
٨٨
- (١٧٨٢)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عي بْنُ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ،
عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ،
يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ،
إِلَى يَوْمِ القيامة).
(لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ
هَذَا الْيَوْمِ إلى يوم القيامة) قال العلماء: معناه الإعلام بأن قريشا يسلمون
كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده ﷺ، ممن حورب وقتل صبرا. وليس المراد
أنهم لا يقتلون ظلما صبرا. فقد جرى على قريش، بعد ذلك، ما هو معلوم.
٨٩ - (١٧٨٢) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ.
حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَزَادَ:
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنْ عُصَاةِ قُرَيْشٍ، غَيْرَ مُطِيعٍ.
كَانَ اسْمُهُ الْعَاصِي. فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مطيعا.
(عصاة قريش) قال القاضي عياض في المشارق:
عصاة، هنا، جمع العاصي اسم لا صفة. أي أنه لم يسلم قبل الفتح حينئذ ممن يسمى بهذا
الاسم إلا العاصي بن الأسود.
٣٤ - بَاب صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي
الْحُدَيْبِيَةِ
٩٠
- (١٧٨٣)
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبي.
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق. قَالَ: سَمِعْتُ البراء بْنَ عَازِبٍ
يَقُولُ:
كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ.
فَكَتَبَ (هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَقَالُوا: لَا
تَكْتُبْ: رَسُولُ اللَّهِ. فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ
نُقَاتِلْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ (امْحُهُ) فَقَالَ: مَا أَنَا
بِالَّذِي أَمْحَاهُ.
⦗١٤١٠⦘
فَمَحَاهُ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ.
قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا، أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا
ثَلَاثًا. وَلَا يَدْخُلُهَا بِسِلَاحٍ، إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ.
قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا
جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فيه.
(الحديبية) لغتان: التخفيف وهو الأفصح،
والتشديد.
(ما
أنا الذي أمحاه) هكذا هو في جميع النسخ: بالذي أمحاه. وهي لغة في: أمحوه.
(جلبان
السلاح) هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدا، ويطرح فيه الراكب
سوطه وأداته ويعلقه في الرحل.
٩١ - (١٧٨٣) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن أبي
إسحاق. قال: سمعت البراء بن عازب يَقُولُ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ عَلِيٌّ كِتَابًا بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَكَتَبَ
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ). ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. غَيْرَ
أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ (هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ).
٩٢ - (١٧٨٣) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ. جَمِيعًا
عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ (واللفظ لإسحاق). أخبرنا عيسى ابن يُونُسَ. أَخْبَرَنَا
زَكَرِيَّاءُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ. قَالَ:
لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ
الْبَيْتِ، صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا
ثَلَاثًا. وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ. السَّيْفِ
وَقِرَابِهِ. وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا. وَلَا يَمْنَعَ
أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ. قَالَ لِعَلِيٍّ (اكْتُبْ الشَّرْطَ
بَيْنَنَا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ. وَلَكِنْ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا. وَاللَّهِ! لَا
أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَرِنِي مَكَانَهَا)
⦗١٤١١⦘
فَأَرَاهُ مَكَانَهَا. فَمَحَاهَا.
وَكَتَبَ (ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ) فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَلَمَّا
أَنْ كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالُوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ
صَاحِبِكَ. فَأْمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ. فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ (نَعَمْ)
فَخَرَجَ.
وقَالَ ابْنُ جَنَابٍ فِي روايته:
(مكان تابعناك) بايعناك.
(لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ ﷺ عند البيت)
هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: أحصر عند البيت. وكذا نقله القاضي عن رواية جميع
الرواة، سوى ابن الحذاء، فإن في روايته: عن البيت، وهو الوجه. والإحصار في الحج هو
المنع من طريق البيت. وقد يكون بالمرض، وهو منع باطن.
(ما
قاضى) قال العلماء: معنى قاضى، هنا، فاصل وأمضى أمره عليه. ومنه: قضى القاضي أي
فصل الحكم وأمضاه. ولهذا سميت تلك السنة عام المقاضاة، وعمرة القضية وعمرة القضاء.
كله من هذا. وغلطوا من قال: إنها سميت عمرة القضاء لقضاء العمرة التي صد عنها.
(فلما
أن كان اليوم الثالث) هكذا هو في النسخ كلها: يوم الثالث، بإضافة يوم إلى الثالث،
وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقد سيق بيانه مرات. ومذهب الكوفيين جوازه على
ظاهره. ومذهب البصريين تقدير محذوف منه، أي يوم الزمان الثالث.
وهذا الحديث فيه حذف واختصار.
والمقصود أن هذا الكلام لم يقع في عام صلح الحديبية، وإنما وقع في السنة الثانية،
وهي عمرة القضاء. وكانوا شارطوا النبي ﷺ في عام الحديية أن يجيء بالعام المقبل
فيعتمر ولا يقيم أكثر من ثلاثة أيام. فجاء في العام المقبل فأقام إلى أواخر اليوم
الثالث. فقالوا لعلي رضي الله عنه هذا الكلام. فاختصر هذا الحديث ولم يذكر أن
الإقامة وهذا الكلام كان في العام المقبل. واستغني عن ذكره بكونه معلوما.
٩٣ - (١٧٨٤) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا
النَّبِيَّ ﷺ. فيهم سهل بْنُ عَمْرٍو. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ (اكْتُبْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ،
فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَلَكِنْ اكْتُبْ مَا
نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ (اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ
اللَّهِ) قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رسول لَاتَّبَعْنَاكَ. وَلَكِنْ اكْتُبْ
اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ) فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنْ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ
نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ. وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا.
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ (نَعَمْ. إِنَّهُ مَنْ
ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ. وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ،
سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا).
٩٤ - (١٧٨٥) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد
الله بن نمير. ح وحدثنا ابن نُمَيْرٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ). حَدَّثَنَا
أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ. حَدَّثَنَا حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ:
قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ
صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ. لَقَدْ كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
⦗١٤١٢⦘
يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَلَوْ
نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا. وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ. فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَسْنَا عَلَى حق وهم
على باطل؟ قالا (بَلَى) قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ
فِي النَّارِ؟ قَالَ (بَلَى) قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا،
وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ (يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ! إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ. وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا)
قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا. فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ:
بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ
وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ! إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا. قَالَ:
فَنَزَلَ الْقُرْآنُ على رسول الله ﷺ بِالْفَتْحِ. فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ
فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ
(نعم) فطابت نفسه ورجع.
(قام سهل بن حنيف يوم صفين، الخ) أراد بهذا
تصبير الناس على الصلح، وإعلامهم بما يرجى بعده من الخير، وإن كان ظاهره في
الابتداء مما تكرهه النفوس. كما كان شأن صلح الحديبية.
(الدنية)
أي النقيصة والحالة الناقصة.
٩٥ - (١٧٨٥) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ
بْنُ الْعَلَاءِ وَمُحَمَّدُ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ،
بِصِفِّينَ:
أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا
رَأْيَكُمْ. وَاللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَنِّي
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَرَدَدْتُهُ. وَاللَّهِ! مَا
وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ، إِلَّا أَسْهَلْنَ
بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ. إِلَّا أَمْرَكُمْ هَذَا.
لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ نُمَيْرٍ: إِلَى
أمر قط.
(يوم أبي جندل) هو يوم الحديبية.
(إلا
أمركم هذا) يعني القتال الواقع بينهم وبين أهل الشام.
(١٧٨٥) - وحَدَّثَنَاه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَإسحاق. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح وحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ
الْأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وفي حديثهما: إلى أمر يفظعنا.
(يفظعنا) أي يوقعنا في أمر فظيع شديد.
٩٦ - (١٧٨٥) وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ،
عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بن حصين
بِصِفِّينَ يَقُولُ:
اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى
دِينِكُمْ. فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِي خُصْمٍ، إِلَّا انفجر
علينا منه خصم.
(ولو أستطيع) هكذا وقع هذا الحديث في نسخ
صحيح مسلم كلها. وفيه محذوف، وهو جواب لو تقديره: ولو أستطيع أن أرد أمره ﷺ
لرددته. ومنه قوله تعالى: ولو ترى إذ المجرمون، ولو ترى إذ الظالمون في غمرات
الموت، ولو ترى إذ الظالمون موقوفون، ونظائره. فكله محذوف جواب لو لدلالة الكلام
عليه
(ما
فتحنا منه في خصم) الضمير في منه عائد إلى قوله: اتهموا رأيكم. ومعناه: ما أصلحنا
من رأيكم وأمركم هذا ناحية إلا انفتحت أخرى. ولا يصح إعادة الضمير إلى غير ما
ذكرناه. وأما قوله: ما فتحنا منه في خصم، فكذا هو في مسلم. قال القاضي: وهو غلط أو
تغيير. وصوابه: ما سددنا منه خصما. وكذا هو في رواية البخاري: ما سددنا. وبه
يستقيم الكلام، ويتقابل سددنا بقوله: إلا انفجر. وأما الخصم فبضم الخاء، وخصم كل
شيء طرفه وناحيته. وشبهه بخصم الرواية وانفجار الماء من طرفها. أو بخصم الغرارة
والخرج وانصباب ما فيه بانفجاره.
٩٧ - (١٧٨٦) وحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا
لَكَ فَتْحًا مبينا ليغفر لك الله﴾ إلى قوله: فوزا عظيما. [٤٨ /الفتح /الآيات ١ -
٥] مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ.
وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ. فَقَالَ (لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ
آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جميعا).
(مرجعه من الحديبية) أي زمان رجوعه منها.
(والكآبة)
في النهاية: الكآبة تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن.
(١٧٨٦) - وحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ
التَّيْمِيُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وحَدَّثَنَا
عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ.
جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
٣٥ - بَاب الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ
٩٨
- (١٧٨٧)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ
الْوَلِيدِ ابن جُمَيْعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ. حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ
بْنُ اليمان. قال:
ما معنى أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا
إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي، حُسَيْلٌ. قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ
قُرَيْشٍ. قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ.
مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ
لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ. فَأَتَيْنَا رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ فأخبرناه الخبر. فقال (انصرفا. نفي بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ
عَلَيْهِمْ).
٣٦ - بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ
٩٩
- (١٧٨٨)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جميعا عَنْ
جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ. فَقَالَ
رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ.
فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ. وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ.
فَقَالَ رسول الله ﷺ (إلا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللَّهُ
مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) فَسَكَتْنَا. فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثم قال
(ألا برجل يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ؟) فَسَكَتْنَا. فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قال (ألا برجل
يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟)
فَسَكَتْنَا. فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. فَقَالَ (قُمْ. يَا حُذَيْفَةُ!
فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ) فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا، إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي،
أَنْ أَقُومَ. قَالَ (اذْهَبْ. فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ. وَلَا تَذْعَرْهُمْ
عَلَيَّ) فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي
حَمَّامٍ. حَتَّى أَتَيْتُهُمْ. فَرَأَيْتُ
⦗١٤١٥⦘
أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ
بِالنَّارِ. فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ. فَأَرَدْتُ أَنْ
أَرْمِيَهُ. فَذَكَرْتُ قَوْلَ رسول الله (وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ) وَلَوْ
رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ. فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ. فَلَمَّا
أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ، قُرِرْتُ.
فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي
فِيهَا. فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ
(قُمْ. يا نومان!).
(وأبليت) أي بالغت في نصرته. كأنه أراد
الزيادة على نصرة الصحابة.
(وقر)
القر هو البرد.
(ولا
تذعرهم علي) أي لا تفزعهم علي ولا تحركهم علي. وقيل: معناه لا تنفرهم. وهو قريب من
المعنى الأول. والمراد لا تحركهم عليك. فإنهم، إن أخذوك، كان ذلك ضررا علي، لأنك
رسولي وصاحبي.
(كأنما
أمشي في حمام) يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس، ولا من تلك الريح الشديدة
شيئا. بل عافاه الله منه ببركة إجابته للنبي ﷺ وذهابه فيما وجهه له، ودعائه ﷺ له.
واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي ﷺ. فلما عاد ووصل عاد
إليه البرد الذي يجده الناس. ولفظ الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو
الماء الحار.
(يصلي
ظهره) أي يدفئه ويدنيه منها، وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر. والصلاء، بكسرها والمد.
(كبد
القوس) هو مقبضها. وكبد كل شيء وسطه.
(قررت)
أي بردت. وهو جواب فلما أتيته.
(عباءة)
العباءة والعباية، بزيادة ياء، لغتان مشهورتان معروفتان. قال في المنجد: العباءة
كساء مفتوح من قدام يلبس فوق الثياب.
(أصبحت)
أي طلع علي الفجر.
(يا
نومان) هو كثير النوم. وأكثر ما يستعمل في النداء. كما استعمله هنا.
٣٧ - بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍ
١٠٠
- (١٧٨٩)
وحَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بن زيد وثابت البناتي، عن أنس بن مالك؛
أن رسول الله ﷺ أُفْرِدَ يَوْمَ
أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ. فَلَمَّا
رَهِقُوهُ قَالَ (مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي
فِي الْجَنَّةِ؟) فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا. فَقَالَ (مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ،
أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟) فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ، مِنْ الْأَنْصَارِ،
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِصَاحِبَيْهِ (مَا أنصفنا أصحابنا).
(فلما رهقوه) أي غشوه وقربوا منه. وأرهقه أي
غشيه. قال صاحب الأفعال: رهقته وأرهقته أي أدركته. قال القاضي في المشارق: قيل لا
يستعمل ذلك إلا في المكروه. قال وقال ثابت: كل شيء دنوت منه فقد رهقته.
(لصاحبيه)
هما ذانك القرشيان.
(ما
أنصفنا أصحابنا) الرواية المشهورة فيه: ما أنصفنا، بإسكان الفاء، وأصحابنا، منصوب
مفعول به. هكذا ضبطه جماهير العلماء من المتقدمين والمتأخرين. ومعناه ما أنصفت
قريش الأنصار. لكون القرشيين، لم يخرجا للقتال. بل خرجت الأنصار واحد بعد واحد.
وذكر القاضي وغيره أن بعضهم رواه: ما أنصفنا، بفتح الفاء، والمراد على هذا الذين
فروا من القتال، فإنهم لم ينصفوا لفرارهم.
١٠١ - (١٧٩٠) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي
التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ؛
أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رسول الله ﷺ، يوم أُحُدٍ؟
فَقَالَ:
جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ. فَكَانَتْ
فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَغْسِلُ الدَّمَ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ. فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ
الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى
صَارَ رَمَادًا. ثُمَّ أَلْصَقَتْهُ بالجرح. فاستمسك الدم.
(رباعيته) هي بتخفيف الياء، وهي السن التي
تلي الثنية من كل جانب. وللإنسان أربع رباعيات.
(وهشمت
البيضة) أي كسر ما يلبس تحت المغفر في الرأس. قال الفيومي: الهشم كسر الشيء اليابس
والأجوف.
(يسكب
عليها بالمجن) أي يصب عليها بالترس.
(فاستمسك
الدم) أي انحبس وانقطع.
١٠٢ - (١٧٩٠) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ) عَنْ أَبِي
حَازِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: أَمَ، وَاللَّهِ! إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ
جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ. وَبِمَاذَا دُووِيَ
جُرْحُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ:
وَجُرِحَ وَجْهُهُ. وَقَالَ (مكان هشمت): كسرت.
(دووي) هو مجهول داوى.
١٠٣ - (١٧٩٠) وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بن حرب وإسحاق ابن إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ.
جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ح وحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ
الْعَامِرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ
التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي
ابْنَ مُطَرِّفٍ). كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ: أُصِيبَ
وَجْهُهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُطَرِّفٍ: جرح وجهه.
١٠٤ - (١٧٩١) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أنس؛
أن رسول الله ﷺ كُسِرَتْ
رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ. فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ
عَنْهُ وَيَقُولُ (كَيْفَ يفلح قوم شجوا نبيهم وشجوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ
يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ
الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [٣ /آل عمران /١٢٨].
(وشج في رأسه) أي حصل جرح في رأسه الشريف.
والجراحة إذا كانت في الوجه أو الرأس تسمى شجة.
(يسلت)
أي يمسح.
١٠٥ - (١٧٩٢) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن شفيق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ
يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ (رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ).
(١٧٩٢) - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ يَنْضِحُ الدَّمَ عن جبينه.
(ينضح) أي يغسله ويزيله.
٣٨ - بَاب اشْتِدَادِ غَضَبِ اللَّهِ
عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رسول الله ﷺ
١٠٦
- (١٧٩٣)
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول
الله ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا:
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (اشْتَدَّ
غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ حِينَئِذٍ
يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ
عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ الله عز وجل.
(في سبيل الله) احتراز ممن يقتله في حد أو
قصاص. لأن من يقتله في سبيل الله، كان قاصدا قتل النبي ﷺ.
٣٩ - بَاب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ
أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
١٠٧
- (١٧٩٤)
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ
الْجُعْفِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ) عَنْ
زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاق، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ،
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جلوس، وقد نحوت
جَزُورٌ بِالْأَمْسِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إلى سلا جزور بني
فلان فيأخذه، فيضل فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى
الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ. فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ. وَأَنَا
قَائِمٌ أَنْظُرُ. لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. وَالنَّبِيُّ ﷺ سَاجِدٌ، مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. حَتَّى انْطَلَقَ
إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ. فَجَاءَتْ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ
عَنْهُ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ ﷺ
صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ. وَكَانَ إِذَا دَعَا، دَعَا
ثَلَاثًا. وَإِذَا سَأَلَ، سَأَلَ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ
بِقُرَيْشٍ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ
الضِّحْكُ. وَخَافُوا دَعْوَتَهُ. ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِأَبِي
جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ،
⦗١٤١٩⦘
وَعُتْبَةَ بْنِ ربيعة، وشيبة ابن
رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ
أَبِي مُعَيْطٍ) (وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ) فَوَالَّذِي بَعَثَ
مُحَمَّدًا ﷺ بِالْحَقِّ! لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ
بَدْرٍ. ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْوَلِيدُ
بْنُ عُقْبَةَ غلط في هذا الحديث.
(جزور) أي ناقة.
(سلا)
هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان. وهي من الآدمية
المشيمة.
(فانبعث
أشقى القوم) أي بعثته نفسه الخبيثة من دونهم فأسرع السير. وهو عقبة بن أبي معيط،
كما صرح به في الرواية الثانية.
(فاستضحكوا)
أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية. ثم أخذهم الضحك جدا، فجعلوا يضحكون ويميل
بعضهم على بعض من كثرة الضحك.
(لو
كانت لي منعة) هي بفتح النون، وحكي إسكانها، وهو شاذ ضعيف. ومعناه لو كان لي قوة
تمنع أذاهم، أو كان لي عشيرة بمكة تمنعني. وعلى هذا: منعه جمع مانع. ككاتب وكتبة.
قال الفيومي: هو في منعة أي في عز قومه فلا يقدر عليه من يريده. قال الزمخشري: وهي
مصدر مثل الأنفة والعظمة، أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة.
(جويرية)
هو تصغير جارية، بمعنى شابة. يعني أنها إذ ذاك ليست بكبيرة.
(تشتمهم)
الشتم وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص.
(وإذا
سأل) هو الدعاء. لكن عطفه لاختلاف اللفظ. توكيدا.
(والوليد
بن عقبة) هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: والوليد بن عقبة. واتفق العلماء على أنه
غلط - وصوابه: والوليد بن عتبة. كما ذكره مسلم في رواية أبي بكر بن أبي شيبة، بعد
هذا.
(ثم
سحبوا إلى القليب قليب بدر) القليب هي البئر التي لم تطو. وإنما وضعوا في القليب
تحقيرا لهم، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم. وليس هو دفنا، لأن الحربي لا يجب دفنه.
١٠٨ - (١٧٩٤) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (واللفظ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن
جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاق يُحَدِّثُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ. إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ. فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ
يَرْفَعْ رَأْسَهُ. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ. وَدَعَتْ عَلَى
مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ. فَقَالَ (اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ.
أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي
مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بْنَ
خَلَفٍ (شُعْبَةُ الشَّاكُّ» قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ
بَدْرٍ. فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ. غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيًّا تَقَطَّعَتْ
أَوْصَالُهُ. فَلَمْ يُلْقَ في البئر.
(اللهم عليك الملأ من قريش) أي خذهم وأهلكهم.
والملأ جماعة يجتمعون على رأي فيملأون العيون.
(تقطعت
أوصاله) الأوصال هي المفاصل.
(فلم
يلق) هكذا هو بعض النسخ بالقاف فقط. وفي أكثرها: فلم يلقى، بالألف، وهو جائز على
لغة. وقد سبق بيانه مرات، وقريبا.
١٠٩ - (١٧٩٤) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ ثَلَاثًا يَقُولُ
(اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ.
⦗١٤٢٠⦘
اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ.
اللَّهُمَّ! عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ) ثَلَاثًا. وَذَكَرَ فِيهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ
عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ. وَلَمْ يشك. قال أبو إسحاق: ونسيت السابع.
(يستحب) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: يستحب
بالباء الموحدة في آخره. وذكر القاضي أنه روى بها. وبالموحدة وبالمثلثة: يستحث.
قال: وهو الأظهر. ومعناه الإلحاح في الدعاء.
١١٠ - (١٧٩٤) وحدثني سلمة بن شبيب. حدثنا الحسن بن
أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
الْبَيْتَ. فَدَعَا عَلَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ
وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ
صَرْعَى عَلَى بَدْرٍ، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ. وَكَانَ يَوْمًا حارا.
١١١ - (١٧٩٥) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ
أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سرح، وحرملة ابن يَحْيَى، وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ
الْعَامِرِيُّ (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ) قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ.
قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شهاب. حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي ﷺ حَدَّثَتْهُ؛
أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ
ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ
أُحُدٍ؟ فَقَالَ (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ. وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ
مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ. إِذْ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بْنِ عَبْدِ
كُلَالٍ. فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ. فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ
عَلَى وَجْهِي. فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ
رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي. فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا
جِبْرِيلُ. فَنَادَانِي. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ سَمِعَ قَوْلَ
قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ
لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ
⦗١٤٢١⦘
وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ. وَأَنَا مَلَكُ
الْجِبَالِ. وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا
شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ). فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ
يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لا يشرك به شيئا).
(لقد لقيت من قومك) المراد من قومها قريش.
ومفعول لقيت محذوف، تقديره لقد لقيت منهم ما لقيت.
(يوم
العقبة) هو اليوم الذي وقف ﷺ عند العقبة التي بمنى، داعيا الناس إلى الإسلام. فما
أجابوه، وآذوه. وذلك اليوم صار معروفا.
(على
وجهي) أي على الجهة المواجهة لي. فالجار متعلق بانطلقت. أي انطلقت هائما لا أدري
أين أتوجه.
(فلم
أستفق إلا بقرن الثعالب) أي لم أفطن لنفسي وأنتبه لحالي، وللموضع الذي أنا ذاهب
إليه وفيه، إلا وأنا عمد قرن الثعالب. لكثرة همي الذي كنت فيه.
قال القاضي: قرن الثعالب هو قرن
المنازل. وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة. وأصل القرن كل جبل صغير
ينقطع من جبل كبير.
(فما
شئت) استفهام. أي فأمرني بما شئت.
(إن
شئت أن أطبق عليهم) شرط. وجزاؤه مقدر وهو: أطبقت. أي إن شئت ضممت الأخشبين
وجعلتهما كالطبق عليهم، حتى هلكوا تحته.
(الأخشبين)
هما جبلا مكة: أبو قبيس والجبل الذي يقابله.
١١٢ - (١٧٩٦) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كلاهما عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَالَ يَحْيَى:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ
سُفْيَانَ. قَالَ:
دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ. فَقَالَ:
(هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دميت *
وفي سبيل الله ما لقيت)
(دميت) أي جرحت وخرج منها الدم.
(ما
لقيت) لفظ ما هنا بمعنى الذي. أي الذي لقيته محسوب في سبيل الله.
١١٣ - (١٧٩٦) وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَإِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في غار.
فنكبت إصبعه.
(غار) كذا هو في الأصول: في غار. قال القاضي
عياض: قال أبو الوليد الكناني: لعله غازيا فتصحف. كما قال في الرواية الأخرى: في
بعض المشاهد. وكما جاء في رواية البخاري: بينما كان النبي ﷺ يمشي، إذ أصابه حجر.
قال القاضي: وقد يراد بالغار، هنا،
الجيش والجمع. لا الغار الذي هو الكهف. فيوافق رواية بعض المشاهد. ومنه قول علي رضي
الله عنه: ما ظنك
بامرئ جمع بين هذين الغارين، أي العسكرين والجمعين.
(فنكبت)
أي نالتها الحجارة. والنكبة المصيبة، والجمع نكبات.
١١٤ - (١٧٩٧) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ؛ أَنَّهُ
سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ:
أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ
⦗١٤٢٢⦘
وَجَلَّ: ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [٩٣ /الضحى /١ و٢ و٣].
(ودع) أي ترك ترك المودع. ومن ودع أحدا
مفارقا له فقد بالغ في تركه. وسمى الوداع وداعا لأنه فراق ومتاركة.
(وما
قلى) أي وما قلاك. يعني ما أبغضك.
١١٥ - (١٧٩٧) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (واللفظ لابن رافع) (قَالَ إِسْحَاق:
أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ آدَمَ). حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ
يَقُولُ:
اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَلَمْ
يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا
مُحَمَّدُ! إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ. لَمْ أَرَهُ
قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:
﴿وَالضُّحَى.
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
(قربك) بكسر الراء والمضارع يقربك، بفتحها،
أي دنا منك.
(سجى)
أي سكن وستر الأشياء بظلمته.
(١٧٩٧) - وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُلَائِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلَاهُمَا عَنْ
الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حديثهما.
٤٠ - باب فيف دعاء النبي ﷺ، وَصَبْرِهِ
عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ
١١٦
- (١٧٩٨)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ
وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ) (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ:
حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق). أخبرنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ؛
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَكِبَ حِمَارًا،
عَلَيْهِ إِكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ. وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ
أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ. وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ
أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ،
وَالْيَهُودِ. فِيهِمْ
⦗١٤٢٣⦘
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. وَفِي
الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ
عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ
بِرِدَائِهِ. ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ
ﷺ. ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ. فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ
الْقُرْآنَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! لَا
أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا فِي
مَجَالِسِنَا. وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ. فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ
عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا.
فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
وَالْيَهُودُ. حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا. فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ ﷺ
يُخَفِّضُهُمْ. ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ. فَقَالَ (أَيْ سَعْدُ! أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟
(يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ) قَالَ كَذَا وَكَذَا) قَالَ: اعْفُ عَنْهُ.
يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاصْفَحْ. فَوَاللَّهِ! لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الذي
أعطاك، ولقد اصطلح أهل الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ
بِالْعِصَابَةِ. فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ
شَرِقَ بِذَلِكَ. فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ النبي ﷺ.
(إكاف) هو للحمار بمنزلة السرج للفرس.
(قطيفة)
دثار مخمل - جمعها قطائف وقطف.
(فدكية)
منسوبة إلى فدك. بلدة. معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة.
(عجاجة
الدابة) هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(خمر
أنفه) أي غطاه.
(لا
تغبروا علينا) أي لا تثيروا علينا الغبار.
(لا
أحسن من هذا) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا
حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال
القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.
(إلى
رحلك) أي إلى منزلك.
(يخفضهم)
أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم.
(البحيرة)
بضم الباء، على التصغير. قال القاضي: وروينا في غير مسلم: البحيرة، مكبرة. وكلاهما
بمعنى. وأصلها القرية. والمراد بها، هنا، مدينة النبي ﷺ.
(فيعصبوه
بالعصابة) معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملكوا إنسانا،
أن يتوجوه ويعصبوه.
(شرق
بذلك) أي غص. ومعناه حسد النَّبِيِّ ﷺ.
(١٧٩٨) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ (يَعْنِي ابْنَ الْمُثَنَّى). حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: وذلك
قبل أن يسلم عبد الله.
(وذلك قبل أن يسلم) معناه قبل أن يظهر
الإسلام. وإلا فقد كان كافرا منافقا ظاهر النفاق.
١١٧ - (١٧٩٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لَوْ أَتَيْتَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ؟ قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ. وَرَكِبَ حِمَارًا.
وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ. وَهِيَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ. فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ
ﷺ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي. فَوَاللَّهِ! لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ. قَالَ:
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ! لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. قَالَ: فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ.
قَالَ: فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ. قَالَ: فَكَانَ
بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالْأَيْدِي وَبِالنِّعَالِ. قَالَ:
فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فأصلحوا بينهما﴾ [٤٩ /الحجرات /٩].
(سبخة) قال النووي هي بفتح السين والباء، وهي
الأرض التي لا تنبت لملوحتها. وذكر الفيومي أنها بكسر الباء.
٤١ - بَاب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ
١١٨
- (١٨٠٠)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي
ابْنَ عُلَيَّةَ). حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ
يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟) فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ. قَالَ: فَأَخَذَ
بِلِحْيَتِهِ. فَقَالَ: آنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ
قَتَلْتُمُوهُ (أَوَ قَالَ) قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟
⦗١٤٢٥⦘
قَالَ: وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ:
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غير أكار قتلني!
(مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو
جَهْلٍ) سبب السؤال عنه أنه يعرف أنه مات، ليستبشر المسلمون بذلك، وينكف شره عنهم.
(برك)
هكذا هو في بعض النسخ: برك. وفي بعضها: برد. فمعناه، بالكاف، سقط إلى الأرض،
وبالدال، مات. يقال: برد، إذا مات. قال القاضي: رواية الجمهور برد. ورواه بعضهم
بالكاف. قال: والأول هو المعروف. هذا كلام القاضي. واختار جماعة محققون الكاف وإن
ابني عفراء تركاه عقيرا. ولهذا كلم ابن مسعود.
(وهل
فوق رجل قتلتموه) أي لا عار علي في قتلكم إياي
(فلو
غير أكار قتلني) الأكار الزراع والفلاح. وهو عند العرب ناقص. وأشار أبو جهل إلى
ابني عفراء اللذين قتلاه، وهما من الأنصار، وهم أصحاب زرع ونخيل. ومعناه لو كان
الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلي وأعظم لشأني، ولم يكن علي نقص في ذلك.
٤٢ - بَاب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
طَاغُوتِ الْيَهُودِ
١١٩
- (١٨٠١)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن محمد
ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ الزُّهْرِيُّ. كِلَاهُمَا
عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَمْرٍو. سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (من
لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟
قَالَ (نَعَمْ) قَالَ: ائْذَنْ لِي فَلْأَقُلْ. قَالَ (قُلْ). فَأَتَاهُ فَقَالَ
لَهُ وَذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ
صَدَقَةً. وَقَدْ عَنَّانَا. فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ: وَأَيْضًا. وَاللَّهِ!
لَتَمَلُّنَّهُ. قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الْآنَ. وَنَكْرَهُ أَنْ
نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَالَ: وَقَدْ
أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا. قَالَ: فَمَا تَرْهَنُنِي؟ قَالَ: مَا
تُرِيدُ. قَالَ: تَرْهَنُنِي نِسَاءَكُمْ. قال: أنت أجمل العرب. أنرهنك
نِسَاءَنَا؟ قَالَ لَهُ: تَرْهَنُونِي أَوْلَادَكُمْ. قَالَ: يُسَبُّ ابْنُ
أَحَدِنَا. فَيُقَالُ: رُهِنَ
⦗١٤٢٦⦘
فِي وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ.
وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ (يَعْنِي السِّلَاحَ). قَالَ: فَنَعَمْ.
وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَعَبَّادِ
بْنِ بِشْرٍ. قَالَ: فَجَاءُوا فَدَعَوْهُ لَيْلًا. فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ. قَالَ
سُفْيَانُ: قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي لَأَسْمَعُ
صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ. قَالَ: إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ. إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ
لَيْلًا لَأَجَابَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّي إِذَا جَاءَ فَسَوْفَ أَمُدُّ يَدِي
إِلَى رَأْسِهِ. فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَدُونَكُمْ. قَالَ: فَلَمَّا
نَزَلَ، نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ. فَقَالُوا: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ.
قَالَ: نَعَمْ. تَحْتِي فُلَانَةُ. هِيَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ:
فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ. قَالَ: نَعَمْ. فَشُمَّ. فَتَنَاوَلَ
فَشَمَّ. ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ؟ قَالَ: فَاسْتَمْكَنَ مِنْ
رَأْسِهِ. ثُمَّ قَالَ: دونكم. قال: فقتلوه.
(من لكعب بن الأشرف) أي من كائن لقتله.
(ائذن
لي فلأقل) معناه ائذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره.
(قد
عنانا) أي أوقعنا في العناء وهو التعب والمشقة وكلفنا ما يشق علينا. قال النووي:
هذا من التعريض الجائز بل المستحب. لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع
التي فيها تعب. لكنه تعب في مرضاة الله تعالى. فهو محبوب لنا والذي فهم المخاطب
منه العناء الذي ليس بمحبوب.
(لتملنه)
أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر.
(بوسقين)
الوسق، بفتح الواو وكسرها. وأصله الحمل.
(كأنه
صوت دم) أي صوت طالب دم. أو صوت سافك دم.
(إِنَّمَا
هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نائلة) هكذا هو في جميع
النسخ: قال القاضي رحمه الله تعالى: قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقال:
إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة. وكذا ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد
بن مسلمة.
٤٣ - بَاب غَزْوَةِ خَيْبَرَ
١٢٠
- (١٣٦٥)
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حدثنا إسماعيل (يعني ابْنَ عُلَيَّةَ). عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَزَا
خَيْبَرَ. قال: فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس. فركب نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ. وَرَكِبَ
أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي
زُقَاقِ خَيْبَرَ. وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ.
وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ. وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ
فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ (اللَّهُ أَكْبَرُ!
خَرِبَتْ خَيْبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ
⦗١٤٢٧⦘
فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ)
قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ.
فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَالَ بعض أصحابنا: والخميس.
قال: وأصبناها عنوة.
(صلاة الغداة) يريد بها صلاة الفجر. والغداة
والغدوة والغدية ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
(فأجرى
نبي الله) في الكلام حذف. تقديره فأجرى نبي الله ركوبته وأجرينا ركوبتنا معه،
بقرينة، قوله: وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ.
(بساحة
قوم) الساحة الفناء. وأصلها الفضاء بين المنازل.
(والخميس)
روي بالرفع عطفا على محمد. وبالنصب على أنه مفعول معه. والخميس الجيش. وقيل: سمى
به لأنه خمسة أقسام: ميمنة وميسرة ومقدمة وساقة وقلب.
(عنوة)
هي بفتح العين. أي قهرا لا صلحا.
١٢١ - (١٣٦٥) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عفان. حدثنا حماد ابن سلمة. حدثنا ثابت عن أنس. قال:
كنت رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ
خَيْبَرَ. وَقَدَمِي تَمَسُّ قدم رسول الله ﷺ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ
بَزَغَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ أَخْرَجُوا مواشيهم. وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم.
فقالوا: محمد والخميس. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ.
إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) قَالَ:
فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل.
(وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم) الفؤوس جمع
فأس. وهي آلة يشق بها الحطب ونحوه. والمكاتل جمع مكتل، وهو الزنبيل والقفة.
والمرور جمع مر، وهي المساحي أي المجارف من حديد. أي أنهم لم يخرجوا للقائنا بل
خرجوا إلى أعمالهم غير عالمين بنا. وذكر القاضي أنه قيل: إن المرور هي حبالهم التي
يصعدون بها إلى النخل.
١٢٢ - (١٣٦٥) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاق بْنُ مَنْصُورٍ. قَالَا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ
شُمَيْلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
خَيْبَرَ قَالَ (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ).
١٢٣ - (١٨٠٢) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (والفظ لِابْنِ عَبَّادٍ). قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ
(وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيل) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى سَلَمَةَ
بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
إِلَى خَيْبَرَ. فَتَسَيَّرْنَا لَيْلًا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ
بْنِ الْأَكْوَعِ: أَلَا تسمعنا من هنياتك؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا.
فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يقول:
⦗١٤٢٨⦘
اللهم! لو أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا *
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ، فِدَاءً لَكَ، مَا
اقْتَفَيْنَا * وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *
إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رسول الله ﷺ (من هَذَا
السَّائِقُ؟) قَالُوا: عَامِرٌ. قَالَ (يَرْحَمُهُ اللَّهُ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْقَوْمِ: وَجَبَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ:
فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ. حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ.
⦗١٤٢٩⦘
ثُمَّ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ
فَتَحَهَا عَلَيْكُمْ) قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ
الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ (مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟) فَقَالُوا:
عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: (أَيُّ لَحْمٍ؟) قَالُوا: لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا) فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ
يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ فَقَالَ (أَوْ ذَاكَ) قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ
الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ. فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ
لِيَضْرِبَهُ. وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ. فَمَاتَ
مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ:
فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاكِتًا قَالَ (مالك؟) قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ
أَبِي وَأُمِّي! زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ (مَنْ قَالَهُ؟)
قُلْتُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ. فَقَالَ
(كذب من قاله. إن له لأجران) وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ (إِنَّهُ لَجَاهِدٌ
مُجَاهِدٌ. قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ) وَخَالَفَ قُتَيْبَةُ
مُحَمَّدًا في الحديث في حرفي. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّادٍ: وَأَلْقِ
سَكِينَةً عَلَيْنَا.
(فتسيرنا) أي فسرنا. أو سرنا سيرا بعد سير،
أو جماعة بعد جماعة.
(هنياتك)
وفي بعض النسخ: هنيهاتك. أي أراجيزك. والهنة تقع على كل شيء.
(فنزل
يحدو بالقوم) أي يحث إبلهم على السير، ويغني لها. وهذا الفعل يتعدى بنفسه وبالحرف.
فيقال: حدا المطية وحدابها. أي ساقها بالحداء.
(اللهم
لولا أنت ما اهتدينا) كذا الرواية. قالوا: وصوابه في الوزن: لاهم، أو تالله، أو
والله لولا أنت. كما في الحديث الآخر: والله لولا أنت.
(فاغفر
فداء لك ما اقتفينا) قال المازري: هذه اللفظة مشكلة. فإنه لا يقال: فدى الباري سبحانه
وتعالى. ولا يقال
له سبحانه وتعالى: فديتك.
لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص، فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به،
ويفديه منه. قال ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه. كما يقال: قاتله الله،
ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه. وكقوله ﷺ: تربت يداك وتربت يمينك ويل أمه. وفيه
كله ضرب من الاستعارة. لأن الفادي مبالغ في طلب رضا المفدى حين بذل نفسه عن نفسه
للمكروه. فكأن مراد الشاعر إني أبذل نفسي ورضاك وعلى كل حال فإن المعنى، وإن أمكن
صرفه إلى جهة صحيحة، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى ورود الشرع
بالإذن فيه. قال: وقد يكون المراد بقوله: فداء لك، رجلا يخاطبه. وفصل بين الكلام
بذلك. فكأنه قال: فاغفر ثم دعا إلى رجل ينبهه فقال: فداء لك ثم عاد إلى تمام
الكلام الأول فقال: ما اقتفينا. قال: وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى. لولا أن
فيه تعسفا اضطرنا إليه تصحيح الكلام. وقد يقع في كلام العرب من الفصل بين الجمل
المعلق بعضها ببعض ما يسهل هذا التأويل. ومعنى اقتفينا اكتسبنا. وأصله الاتباع.
(إنا
إذا صيح بنا أتينا) هكذا هو في نسخ بلادنا: أتينا. وقد ذكر القاضي أنه روىأبينا.
فمعنى أتينا: إذا صيح بنا للقتال ونحوه من المكارم أتينا. ومعنى الثانية أبينا
الفرار والامتناع.
(وبالصياح
عولوا علينا) أي استغاثوا بنا واستفزعونا للقتال. قيل: هي من التعويل على الشيء،
وهو الاعتماد عليه، وقيل: من العويل وهو الصوت.
(وجبت
يا رسول الله، لولا أمتعتنا به) معنى وجبت أي ثبتت له الشهادة. وستقع قريبا. وكان
هذا معلوما عندهم أن دعا له النبي ﷺ هذا الدعاء، في هذا الموطن، فاستشهد. فقالوا:
هلا أمتعتنا به. أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر لنتمتع بمصاحبته
ورؤيته مدة.
(مخمصة
شديدة) أي جوع شديد.
(لحم
الحمر الإنسية) هكذا هو هنا: حمر الإنسية. بإضافة حمر. وهو من إضافة الموصوف إلى
صفته. وسبق بيانه مرات. فعلى قول الكوفيين هو على ظاهره. وعند البصريين تقديره حمر
الحيوانات الإنسية. وأما الإنسية ففيها لغتان وروايتان حكاهما القاضي عياض وآخرون:
أشهرهما كسر الهمزة وإسكان النون. قال القاضي: هذه رواية أكثر الشيوخ. والثانية
فتحهما جميعا. وهما جميعا نسبة إلى الإنس، وهم الناس، لاختلاطها بالناس. بخلاف حمر
الوحش.
(إن
له لأجران) هكذا هو في معظم النسخ: لأجران. وفي بعضها لأجرين. وهما صحيحان. لكن
الثاني هو الأشهر الأفصح. والأول لغة أربع قبائل من العرب. ومنها قوله تعالى: ﴿إن
هذان لساحران﴾. وقد سبق بيانها مرات.
(إنه
لجاهد مجاهد) هكذا رواه الجمهور من المتقدمين والمتأخرين: لجاهد مجاهد. وفسروا
الجاهد بالجاد في علمه وعمله. أي أنه لجاد في طاعة الله. والمجاهد هو المجاهد في
سبيل الله تعالى، وهو الغازي. وقال القاضي: فيه وجه آخر إنه جمع اللفظين توكيدا.
قال ابن الأنباري: العرب، إذا بالغت في تعظيم شيء اشتقت له من لفظه لفظا آخر على
غير بنائه زيادة في التوكيد، وأعربوه بإعرابه. فيقولون: جاد مجد وليل لائل وشعر
شاعر ونحو ذلك.
(قل
عربي مشى بها مثله) ضبطنا هذه اللفظة، هنا، في مسلم بوجهين: وذكرهما القاضي أيضا.
الصحيح المشهور الذي عليه جماهير رواة البخاري ومسلم: مشى بها. ومعناه مشى بالأرض
أو في الحرب.
١٢٤ - (١٨٠٢) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ (وَنَسَبَهُ غَيْرُ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ)؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ
قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَارْتَدَّ عَلَيْهِ
سَيْفُهُ
⦗١٤٣٠⦘
فَقَتَلَهُ. فَقَالَ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ. وَشَكُّوا فِيهِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلَاحِهِ.
وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ. قَالَ سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ
خَيْبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَعْلَمُ مَا
تَقُولُ. قال فقلت:
والله! لولا الله ما هتدينا * وَلَا
تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
(صَدَقْتَ).
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا
عَلَيْنَا
قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي
قَالَ رسول الله ﷺ (من قَالَ هَذَا؟) قُلْتُ: قَالَهُ أَخِي. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ (يَرْحَمُهُ اللَّهُ) قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ
نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ. يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِ.
فقال رسول الله ﷺ (مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا).
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سألت
ابنا لسلمة ابن الأَكْوَعِ. فَحَدَثَنيِ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ (حِينَ قُلُتُ: إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (كَذَبُوا. مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا. فَلَهُ أَجْرُهُ
مَرَتَيْنِ) وَأَشَارَ بِإصبَعَيهِ.
٤٤ - بَاب غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَهِيَ
الْخَنْدَقُ
١٢٥
- (١٨٠٣)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ
الْمُثَنَّى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق.
قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ:
كان رسول الله ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ
يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ. وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ
يَقُولُ:
(وَاللَّهِ! لَوْلَا أَنْتَ مَا
اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *
إِنَّ الأُلى قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا)
⦗١٤٣١⦘
قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ:
(إِنَّ الْمَلَا قَدْ أبو علينا * إن
أرادوا فتنة أبينا)
ويرفع بها صوته.
(إن الملا قد أبوا علينا) الملأ مهموز مقصور.
وهم أشراف القوم. وقيل: هم الرجال ليس فيهم نساء. ومعنى أبوا علينا، امتنعوا من
إجابتنا إلى الإسلام.
(١٨٠٣) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاق. قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. إِلَّا
أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا).
١٢٦ - (١٨٠٤) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن مسلمة
القعنبي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ:
جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ
نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ، وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ (اللَّهُمَّ! لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ
لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ).
(لا عيش إلا عيش الآخرة) أي لا عيش باق، أو
لا عيش مطلوب.
١٢٧ - (١٨٠٥) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار
(واللفظ لِابْنِ الْمُثَنَّى). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ ابن مَالِكٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنَّهُ قَالَ:
(اللَّهُمَّ! لَا عَيْشَ إِلَّا
عَيْشُ الْآخِرَهْ * فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ)
١٢٨ - (١٨٠٥) حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار. قال
ابن المثنى: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ.
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ
يَقُولُ (اللَّهُمَّ! إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَ شُعْبَةُ: أَوَ
قَالَ
(اللَّهُمَّ! لَا عَيْشَ إِلَّا
عَيْشُ الْآخِرَهْ * فَأَكْرِمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ)
١٢٩ - (١٨٠٥) وحَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي
وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وقَالَ شَيْبَانُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ) عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ قَالَ:
كَانُوا يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ
اللَّهِ ﷺ معهم وهم يقولون:
⦗١٤٣٢⦘
اللَّهُمَّ! لَا خَيْرَ إِلَّا
خَيْرُ الآخِرَهْ * فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
وَفِي حَدِيثِ شَيْبَانَ (بَدَلَ
فَانْصُرْ): فَاغْفِرْ.
١٣٠ - (١٨٠٥) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ.
حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حماد بن سلمة. حدثنا ثابت عن أنس؛
أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانُوا
يَقُولُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا
مُحَمَّدًا * عَلَى الْإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدًا
أَوَ قَالَ: عَلَى الْجِهَادِ. شَكَّ
حَمَّادٌ. وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ
(اللَّهُمَّ! إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ
الْآخِرَهْ * فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ)
٤٥ - بَاب غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ
وَغَيْرِهَا
١٣١
- (١٨٠٦)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابن إسماعيل)
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ سلمة ابن الْأَكْوَعِ يَقُولُ:
خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ
بِالْأُولَى. وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ. قَالَ:
فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ
رسول الله ﷺ. فقلت: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ. قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ
صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ! قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ
الْمَدِينَةِ. ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِي
قَرَدٍ. وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ.
⦗١٤٣٣⦘
فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي.
وَكُنْتُ رَامِيًا. وَأَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ *
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَرْتَجِزُ. حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ
اللِّقَاحَ مِنْهُمْ. وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً. قَالَ: وَجَاءَ
النَّبِيُّ ﷺ وَالنَّاسُ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ حَمَيْتُ
الْقَوْمَ الْمَاءَ. وَهُمْ عِطَاشٌ. فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ. فَقَالَ
(يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ). قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا.
وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دخلنا المدينة.
(قبل أن يؤذن بالأولى) أي بالصلاة الأولى،
يريد بها صلاة الصبح.
(لقاح)
واحدها لقحة. وهي ذات اللبن، قربية العهد بالولادة.
(بذي
قرد) هو ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي غطفان.
(يا
صباحاه) كلمة يقولها المستغيث. والألف فيها عوض عن لام المستغاث. والهاء للسكت.
فهي منادى على وجه الاستغاثة. وتقال أيضا لاستنفار من كان غافلا عن عدوه ليتأهب
للقائه. قال في النهاية: هذه كلمة يقولها المستغيث. وأصلها إذا صاحوا للغارة.
لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح. ويسمون يوم الغارة يوم الصباح. فكأن
القائل: يا صباحاه، يقول قد غشينا العدو. وقيل: إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل
يرجعون عن القتال. فإذا عاد النهار عاودوه. فكأنه يريد بقوله: يا صباحاه، قد جاء
وقت الصباح فتأهبوا للقتال.
(اليوم
يوم الرضع) قالوا: معناه اليوم يوم هلاك اللئام، وهم الرضع. من قولهم: لئيم راضع.
أي رضع اللؤم. وقيل لأنه يمص حلمة الشاة والناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت
الحلاب فيقصدوه. وقيل معناه اليوم يعرف من رضع كريمة فأنجبته، أو لئيمة فهجنته.
(استنفذت)
أي أنقذت.
(استلبت)
أي سلبت.
(حميت
القوم) أي منعتهم الماء.
(فأسجح)
معناه فأحسن وارفق. والسجاحة السهولة. أي لا تأخذ بالشدة بل ارفق فقد حصلت
الننكاية في العدو ولله الحمد.
١٣٢ - (١٨٠٧) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا
أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. كِلَاهُمَا عَنْ عكرمة ابن عَمَّارٍ. ح وحَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. وَهَذَا حَدِيثُهُ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ.
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ). حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ
سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ونحن أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً
لَا تُرْوِيهَا. قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ.
فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاشَتْ. فَسَقَيْنَا
وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي
أَصْلِ الشَّجَرَةِ.
⦗١٤٣٤⦘
قَالَ فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ
النَّاسِ. ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ
قَالَ (بَايِعْ. يَا سَلَمَةُ!) قَالَ قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ
اللَّهِ! فِي أَوَّلِ النَّاسِ. قَالَ (وَأَيْضًا) قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ عَزِلًا (يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ). قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً. ثُمَّ بَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ
النَّاسِ قَالَ (أَلَا تُبَايِعُنِي؟ يَا سَلَمَةُ!) قَالَ: قُلْتُ: قَدْ
بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! فِي أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ
النَّاسِ. قَالَ (وَأَيْضًا) قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَالَ لِي
(يَا سَلَمَةُ! أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟) قَالَ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا. فَأَعْطَيْتُهُ
إِيَّاهَا. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ (إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ
الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ! أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي).
ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ. حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ.
وَاصْطَلَحْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
أَسْقِي فَرَسَهُ، وَأَحُسُّهُ، وَأَخْدِمُهُ. وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ. وَتَرَكْتُ
أَهْلِي وَمَالِي، مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ. قَالَ: فَلَمَّا
اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، أَتَيْتُ
شَجَرَةً فكسحت شوكها. فاضجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعو مِنَ الْمُشْرِكِينَ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَأَبْغَضْتُهُمْ. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى. وَعَلَّقُوا
⦗١٤٣٥⦘
سِلَاحَهُمْ. واضطجعوا. فبينما هم
كذلك إذ نادى منادي مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ! قُتِلَ ابْنُ
زُنَيْمٍ. قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي. ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ
الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ. فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ. فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي
يَدِي. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ! لَا يَرْفَعُ
أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ. قَالَ: ثُمَّ
جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي
عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنْ الْعَبَلَاتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ. يَقُودُهُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ. فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فقال (دعوهم. كن لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ
وَثِنَاهُ) فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿هو الَّذِي
كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [٤٨ /الفتح /٢٤] الْآيَةَ كُلَّهَا.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ
إِلَى الْمَدِينَةِ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي لَحْيَانَ
جَبَلٌ. وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ رَقِيَ
هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ. كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ
قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ
⦗١٤٣٦⦘
غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَأَنَا
مَعَهُ. وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ. أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى
ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ. وَقَتَلَ رَاعِيَهُ. قَالَ
فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ
اللَّهِ. وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى
سَرْحِهِ. قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ.
فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاهْ! ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ
أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ. وَأَرْتَجِزُ. أَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ *
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ.
فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ. حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ.
قَالَ قُلْتُ: خُذْهَا
وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ *
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَالَ: فَوَاللَّهِ! مَا زِلْتُ
أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ. فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً
فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا. ثُمَّ رَمَيْتُهُ. فَعَقَرْتُ بِهِ. حَتَّى إِذَا تضايق
الجبل دخلوا فِي تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الْجَبَلَ. فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ
بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ
اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا خَلَّفْتُهُ وراء
ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثم لتبعتهم أَرْمِيهِمْ. حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ
ثَلَاثِينَ
⦗١٤٣٧⦘
بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا.
يَسْتَخِفُّونَ. وَلَا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ
الْحِجَارَةِ. يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى إذا أَتَوْا
مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلَانُ بْنُ بَدْرٍ
الْفَزَارِيُّ. فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ (يَعْنِي يَتَغَدَّوْنَ). وَجَلَسْتُ
عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ. قَالَ الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا:
لَقِينَا، مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللَّهِ! مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ.
يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا. قَالَ: فَلْيَقُمْ
إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، أَرْبَعَةٌ. قَالَ: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ
أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ. قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلَامِ قَالَ
قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ قلت: أنا سلمة ابن
الْأَكْوَعِ. وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ ﷺ! لَا أَطْلُبُ رَجُلًا
مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ. وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي.
قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ. قَالَ: فَرَجَعُوا. فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى
رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ. قَالَ: فَإِذَا
أَوَّلُهُمْ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ. عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ
الْأَنْصَارِيُّ. وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الْأَخْرَمِ. قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قُلْتُ:
يَا أَخْرَمُ! احْذَرْهُمْ. لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
وَأَصْحَابُهُ. قَالَ: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ
بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ. قَالَ: فَخَلَّيْتُهُ. فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ. قَالَ: فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ. وَطَعَنَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ. وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ.
⦗١٤٣٨⦘
وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ، فَارِسُ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. فَوَالَّذِي
كَرَّمَ وَجْهَ محمد ﷺ! اتبعتهم أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ. حَتَّى مَا أَرَى
وَرَائِي، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا غُبَارِهِمْ، شَيْئًا. حَتَّى يَعْدِلُوا
قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ. يُقَالُ لَهُ ذا قَرَدٍ.
لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ. قَالَ: فَنَظَرُوا إلي أعدو ورائهم. فحليتهم
عَنْهُ (يَعْنِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ) فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً. قَالَ:
وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ. قَالَ: فأعدوا فَأَلْحَقُ رَجُلًا
مِنْهُمْ. فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ. قَالَ قُلْتُ: خُذْهَا
وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ. وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ. قَالَ: يَا ثَكِلَتْهُ
أُمُّهُ! أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ. قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ!
أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ. قَالَ: وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ. قَالَ:
فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: وَلَحِقَنِي
عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ. وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ.
فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ. ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الماء
الذي حلأتهم منه. فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الْإِبِلَ.
وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ.
وَإِذَا بِلَالٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الْإِبِلِ الَّذِي
⦗١٤٣٩⦘
اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ.
وَإِذَا هُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا. قَالَ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ
رَجُلٍ. فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ.
قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نواجذه في ضوء النهار. فَقَالَ
(يَا سَلَمَةُ! أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا؟) قُلْتُ: نَعَمْ. وَالَّذِي
أَكْرَمَكَ! فَقَالَ (إِنَّهُمُ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ) قَالَ:
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غطفان. فقال: نحر لهم جَزُورًا. فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا
رَأَوْا غُبَارًا. فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ. فَخَرَجُوا هَارِبِينَ.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رسول الله ﷺ (كان خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو
قَتَادَةَ. وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ) قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ سَهْمَيْنِ: سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ. فَجَمَعَهُمَا لِي
جَمِيعًا. ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ.
رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ. قَالَ: وَكَانَ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلَا
مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلَا
تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَالَ: لَا. إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. قَالَ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ
الرَّجُلَ. قَالَ (إِنْ شِئْتَ) قَالَ قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ. وَثَنَيْتُ
رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ. قَالَ: فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ
شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي. ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ. فَرَبَطْتُ عليه
شرفا أو شرفي. ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ.
⦗١٤٤٠⦘
قَالَ فَأَصُكُّهُ بَيْنَ
كَتِفَيْهِ. قَالَ قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ. وَاللَّهِ! قَالَ: أَنَا أَظُنُّ.
قَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَوَاللَّهِ! مَا لَبِثْنَا
إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ:
تَاللَّهِ! لَوْلَا اللَّهُ مَا
اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا
اسْتَغْنَيْنَا * فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ
هَذَا؟) قَالَ: أَنَا عَامِرٌ. قَالَ (غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ) قَالَ:
وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ. قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! لَوْلَا مَا
مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَالَ: خَرَجَ مَلِكُهُمْ
مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي
مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ
تَلَهَّبُ
قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي
عَامِرٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي
عَامِرٌ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
قَالَ: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ.
فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ. وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ.
فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ. فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ. فَكَانَتْ فِيهَا
نَفْسُهُ.
⦗١٤٤١⦘
قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فإذا أنا
نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ. قَتَلَ
نَفْسَهُ. قال: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي. فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ قَالَ
ذَلِكَ؟) قَالَ قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَالَ (كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.
بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ). ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ
أَرْمَدُ. فَقَالَ (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا
فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ، وَهُوَ أَرْمَدُ. حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ. فَبَسَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ. وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. وَخَرَجَ مَرْحَبٌ
فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي
مَرْحَبُ * شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ
تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا الذي سمتني أمي
حيدره * كليث الغابات كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ
السَّنْدَرَهْ
قَالَ: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ
فَقَتَلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ على يديه.
قال إبراهيم: حدنا مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عِكْرِمَةَ
بْنِ عَمَّارٍ، بِهَذَا الحديث بطوله.
(جبا الركية) الجبا ما حول البئر. والركي
البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها
الأصمعي وغيره.
(وإما
بسق) هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى.
والسين قليلة الاستعمال.
(فجاشت)
أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
(عزلا)
ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب
بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(حجفة
أو درقة) هما شبيهتان بالترس.
(إنك
كالذي قال الأول) الذي صفة لمحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول،
بالرفع، فاعل. والمراد به هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع ابن عمك يشبه
فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(أبغني)
أعطني.
(راسلونا)
هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في
أمر الصلح.
(مشى
بعضنا في بعض) في هنا بمعنى إلى. أي مشى بعضنا إلى بع. وربما كانت بمعنى مع. فيكون
المعنى مشى بعضنا مع بعض.
(كنت
تبيعا لطلحة) أي خادما أتبعه.
(وأحسه)
أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(فكسحت
شوكها) أي كنست ما تحتها من الشوك.
(فاخترطت
سيفي) أي سللته.
(شددت)
حملت وكررت.
(ضغثا)
الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال
في المصباح الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل
فيما يجمع.
(الذي
فيه عيناه) يريد رأسه.
(العبلات)
أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(يكن
لهم بدء الفجور وثناه) البدء وهو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في
النهاي: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(وهم
المشركون) هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره. أحدهما وهم المشركون على
الابتداء والخبر. والثاني وهم المشركون، أي هموا النبي ﷺ وأصحابه وخافوا غائلتهم.
يقال: همني الأمر وأهمني. وقيل: همني أذابني. وأهمني أغمني وقيل: معناه هم أمر
المشركين النبي ﷺ خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
(بظهره)
الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(أنديه)
معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد
قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(فأصك
سهما في رحله) أي أضرب.
(أرميهم
وأعقر بهم) أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. أصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة
بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي
نحرته.
(حَتَّى
إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ) التضايق ضد الاتساع. أي
تدانى. فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا
يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
(فجعلت
أرديهم بالحجارة) يعني لما امتنع على رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى
الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
(حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ
بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم.
وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن،
في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير
أخذوه من إبل رسول الله ﷺ.
(إلا
خلفته وراء ظهري) خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
(ثم
اتبعتهم) هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي
أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعنى مشى خلفه على
الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقعه. ومنه قوله تعالى:
﴿فأتبعهم فرعون بجنوده﴾ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة
للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما
جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت
عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
(يستخفون)
أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
(آراما
من الحجارة) الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها.
واحدها إرم كعنب وأعناب.
(حتى
أتوا متضايقا من ثنية) الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في
الجبل ضيقة.
(على
رأس قرن) هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
(البرج)
أي الشدة.
(يتخللون
الشجر) أي يدخلون من خلالها، أي بينها.
(ذا
قرد) هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد. وفي بعضها: ذو قرد، وهو الوجه.
(فحليتهم
عنه) أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي:
كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا
في الحديث.
(نغض)
هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثره تحركه. وهو الناغض أيضا.
(قال:
يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة) معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين،
أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون.
قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة، بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير
معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من
الظروف المتمكنة.
(وأرادوا)
قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما
متقارب المعنى. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذى الضعيف من كل شيء. وبالمهملة
معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما. ومنه المتردية. وأردت الفرس
الفارس أسقطته.
(بسطيحة
فيها مذقة من لبن) السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لبن
ممزوج بماء.
(حلأتهم)
كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم. وقد سبق بيانه قريبا.
(من
الإبل الذي) كذا هو في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه. لأن الإبل
مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من الآدميين. والأول صحيح أيضا. وأعاد الضمير إلى
الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل.
(نواجذه)
أي أنيابه.
(ليقرون)
أي يضافون، والقري الضيافة.
(العضباء)
هو لقب ناقة النبي ﷺ. والعضباء مشقوقة الأذن. ولم تكن ناقته ﷺ كذلك، وإنما هو لقب
لزمها.
(شدا)
أي عدوا على الرجلين.
(فطفرت)
أي وثبت وقفزت.
(فَرَبَطْتُ
عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي) معنى ربطت حبست نفسي عن
الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، لئلا يقطعني البهر.
(رفعت
حتى ألحقه) أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب
بأن مضمرة بعدها.
(أظن)
أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(فجعل
عمي) هكذا قال، هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي.
فلعله كان أخاه من الرضاعة، وكان عمه من النسب.
(يخطر
بسيفه) أي يرفعه مرة ويضمه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة
ووضعه أخرى.
(شاكي
السلاح) أي تام السلاح. يقال: شاكى السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من
الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى: ﴿وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم﴾.
(بطل
مجرب) أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع. يقال بطل الرجل يبطل بطالة
وبطولة، إذا صار شجاعا.
(بطل
مغامر) أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها.
(يسفل
له) أي يضربه من أسفله.
(كذب
من قال) كذب، هنا بمعنى أخطأ.
(وهو
أرمد) قال أهل اللغة: يقال رمد الإنسان يرمد رمدا فهو رمد وأرمد. إذا هاجت عينه.
(أنا
الذي سمتني أمي حيدرة) حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول
ولا دته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذره علي رضي الله عنه بذلك
ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا
الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
(غابات)
جمع غابة. وهي الشجر الملتف. وتطلق على عرين الأسد أي مأواه. كما يطلق العرين على
الغابة أيضا. ولعل ذلك لاتخاذه إياه داخل الغاب غالبا.
(أوفيهم
بالصاع كيل السندرة) معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع.
وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة: وهي شجرة الصنوبر يعمل
منها النبل والقسي.
(١٨٠٧) - وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ
الْأَزْدِيُّ السُّلَمِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
بْنِ عَمَّارٍ، بهذا.
٤٦ - باب قول الله تعالى: ﴿هو الذي كف
أيديهم عنكم﴾. الْآيَةَ
١٣٣
- (١٨٠٨)
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛
أن ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رسول الله ﷺ من جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ.
يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ. فَأَخَذَهُمْ سِلْمًا.
فَاسْتَحْيَاهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بعد أن أظفركم عليهم﴾ [٤٨ /الفتح
/٢٤].
(غرة) الغرة هي الغفلة. أي يريدون أن يصادفوا
منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(سلما)
ضبطوه بوجهين: أحدهما سلما. والثاني سلما. قال الحميدي: ومعناه الصلح. قال القاضي
في المشارق: هكذا ضبطه الأكثرون. قال: والرواية الأولى أظهر. والمعنى أسرهم.
والسلم الأسر. وجزم الخطابي بفتح اللام والسين. قال: والمراد به الاستسلام
والإذعان. كقوله تعالى: ﴿وألقوا إليكم السلم﴾، أي الانقياد. وهو مصدر يقع على
الواحد والاثنين والجمع. قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقصة. فإنهم لم يأخذوا
صلحا وإنما أخذوا قهرا، وأسلموا أنفسهم عجزا. قال: وللقول الآخر وجه. وهو أنه لما
لم يجر معهم قتال، بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم، فرضوا بالأسر، فكأنهم قد
صولحوا على ذلك.
٤٧ - بَاب غَزْوَةِ النِّسَاءِ مَعَ
الرِّجَالُ
١٣٤
- (١٨٠٩)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛
أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ
يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا. فَكَانَ مَعَهَا. فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ. فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ. فَقَالَ لَهَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟) قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ. إِنْ دَنَا
مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ يَضْحَكُ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ
الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ!
⦗١٤٤٣⦘
إِنَّ اللَّهَ قَدْ كفى وأحسن).
(خنجر) الخنجر سكين كبيرة ذات حدين.
(بقرت)
أي شققت بطنه.
(من
بعدنا) أي من سوانا.
(الطلقاء)
هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح. سموا بذلك لأن النبي ﷺ من عليهم وأطلقهم.
وكان في إسلامهم ضعف. فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل
بانهزامهم وغيره.
(انهزموا
بك) الباء في بك، هنا، بمعنى عن. أي انهزموا عنك. على حد قوله تعالى: ﴿فاسأل به
خبيرا﴾. أي عنه وربما تكون للسببية، أي انهزموا بسببك لنفاقهم.
(١٨٠٩) - وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ
حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فِي
قِصَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ.
١٣٥ - (١٨١٠) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ:
كَانَ رَسُولُ الله ﷺ يَغْزُو
بِأُمِّ سُلَيْمٍ. وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا فَيَسْقِينَ
الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى.
١٣٦ - (١٨١١) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. حدثنا عبد الله ابن عَمْرٍو (وَهُوَ أَبُو
مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يوم أحد انهزم ناس عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ. وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ مجوب عليه بجحفة.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ. وَكَسَرَ
يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ
الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ. فيقول: انثرها لأبي طلحة. قال: ويشرف النبي ﷺ
يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ. فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ!
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! لَا تُشْرِفْ لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ
الْقَوْمِ. نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ. أَرَى خَدَمَ
سُوقِهِمَا. تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا. ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي
أَفْوَاهِهِمْ. ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا.
⦗١٤٤٤⦘
ثُمَّ تَجِيئَانِ تُفْرِغَانِهِ فِي
أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أبي طلحة إما مرتين
أو ثلاثا، من النعاس.
(مجوب عليه بحجفة) أي مترس عنه ليقيه سلاح
الكفار. وأصل التجويب الاتقاء بالجوب، كثوب، وهو الترس.
(شديد
النزع) أي شديد الرمي بالسهام.
(الجعبة)
هي الكنانة التي تجعل فيها السهام.
(لا
تشرف) أي لا تتشرف من أعلى موضع أي لا تتطلع.
(نحري
دون نحرك) أي أقرب منه. والنحر أعلى الصدر وموضع القلادة منه، وقد يطلق على الصدر
أيضا. والجملة دعائية. أي جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك، لأصاب بها دونك.
(خدم
سوقهما) الواحدة خدمة، وهي الخلخال. والسوق جمع ساق.
(على
متونهما) أي على ظهورهما.
(من
النعاس) هو النعاس الذي من الله به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين يوم أحد.
فإنه تعالى لما علم ما في قلوبهم من الغم وخوف كره الأعداء، صرفهم عن ذلك بإنزال
النعاس عليهم لئلا يوهنهم الغم والخوف ويضعف عائمهم. قال تعالى: ﴿ثم أنزل عليكم من
بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم﴾.
٤٨ - بَاب النِّسَاءِ الْغَازِيَاتِ
يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهَمُ. وَالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ
الْحَرْبِ
١٣٧
- (١٨١٢)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
(يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ) عَنْ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ؛
أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ
أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا
بَعْدُ. فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ
كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى
يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه العباس: كَتَبْتَ
تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ
يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ.
وَأَمَّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ
يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ. فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. وَكَتَبْتَ
⦗١٤٤٥⦘
تَسْأَلُنِي متى: مَتَى يَنْقَضِي
يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ
لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ. ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا. فَإِذَا أَخَذَ
لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ،
وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كنا لنقول: هو لنا.
فأبى علينا قومنا ذاك.
(لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ
إِلَيْهِ) يعني إلى نجدة الحروري من الخوارج. معناه أن ابن عباس يكره نجدة لبدعته،
وهي كونه من الخوارج الذين يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ
الرَّمِيَّةِ. ولكن لما سأله عن العلم لم يمكنه كتمه. فاضطر إلى جوابه. وقال:
لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. أي لولا أنني إذا تركت
الكتابة أصير كاتما للعلم مستحقا لوعيد كاتمه، لما كتبت إليه.
(ويحذين)
أي يعطين الحذوة وهي العطية. وتسمى الرضخ. والرضخ العطية القليلة.
(متى
ينقضي يتم اليتيم) أي متى ينتهي حكم يتمه. أما نفس اليتم فينقضي بالبلوغ.
(فَإِذَا
أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ) أي فإذا صار حافظا لما له عارفا
بوجوه أخذه وعطائه.
(عن
الخمس) معناه خمس الغنيمة الذي جعله الله لذوي القربى.
(فأبى
علينا قومنا ذاك) أي رأوا أنه لا يتعين صرفه إلينا، بل يصرفونه في المصالح. وأراد
بقومه ولا ة الأمر من بني أمية.
١٣٨ - (١٨١٢) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق
بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلَاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيل، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ؛ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ
إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خِلَالٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ سليمان بنت
بِلَالٍ. غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ حَاتِمٍ: وَإِنَّ رسول الله ﷺ لم يَكُنْ
يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ. فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تَعْلَمُ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي قَتَلَ.
وَزَادَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ عن
حاتم: وتميز المؤمن. فتقل الكافر وتدع المؤمن.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مَا عَلِمَ
الْخَضِرُ ..) معناه أن الصبيان لا يحل قتلهم. ولا يحل لك أن تتعلق بقصة الخضر
وقتله صبيا. فإن الخضر ما قتله إلا بأمر الله تعالى على التعيين.
١٣٩ - (١٨١٢) وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هُرْمُزَ. قَالَ:
كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ
الْحَرُورِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ
يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ وَعَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ؟
وَعَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْيُتْمُ؟ وَعَنْ ذَوِي الْقُرْبَى،
مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ لِيَزِيدَ: اكْتُبْ إِلَيْهِ. فَلَوْلَا أَنْ يَقَعَ فِي
أُحْمُوقَةٍ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. اكْتُبْ: إِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ
الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا شَيْءٌ؟
وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ. إِلَّا أَنْ يُحْذَيَا. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي
عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ؟ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لم يقتلهم. وأنت في
تَقْتُلْهُمْ. إِلَّا أَنْ تَعْلَمَ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ صَاحِبُ مُوسَى مِنَ
الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى
يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ؟ وَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ
الْيُتْمِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ. وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ
ذَوِي الْقُرْبَى، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا زَعَمْنَا أنا هم. فأبى ذلك علينا قومنا.
(أحموقة) يعني فعلا من أفعال الحمقى ويرى
رأيا كرأيهم.
(ويؤنس
منه رشد) يعني لا ينقطع عنه حكم اليتم كما سبق. وأراد بالاسم الحكم.
(١٨١٢) - وحَدَّثَنَاه عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ ابن أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَالَ:
كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ،
بِطُولِهِ.
١٤٠ - (١٨١٢) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ بْنِ حَازِمٍ. حَدَّثَنِي أَبِي.
قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. ح وحَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ.
قَالَ:
كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إِلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَشَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ وَحِينَ
كَتَبَ جَوَابَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ! لَوْلَا أَنْ أَرُدَّهُ
عَنْ نَتْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ. وَلَا نُعْمَةَ عَيْنٍ. قَالَ:
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ سَأَلْتَ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي ذَكَرَ
اللَّهُ، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ قَرَابَةَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
هُمْ نَحْنُ. فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا. وَسَأَلْتَ عَنِ الْيَتِيمِ،
مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُهُ؟ وَإِنَّهُ إِذَا بَلَغَ النِّكَاحَ وَأُونِسَ مِنْهُ
رُشْدٌ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ، فَقَدِ انْقَضَى يُتْمُهُ. وَسَأَلْتَ: هَلْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْتُلُ مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ أَحَدًا؟ فَإِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَأَنْتَ، فَلَا
تَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا. إِلَّا أَنْ تَكُونَ تعلم منهم ما علم الخضر حِينَ
قَتَلَهُ. وَسَأَلْتَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ
مَعْلُومٌ، إِذَا حَضَرُوا الْبَأْسَ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ
مَعْلُومٌ. إِلَّا أن يحذيا من غنائم القوم.
(عن نتن يقع فيه) يعني بالنتن الفعل القبيح.
وكل مستقبح يقال له النتن والخبيث والرجس والقذر والقاذورة. وأصل النتن الرائحة
الكريهة، واتسع حتى صار يصح إطلاقه على القبيح من الفعل.
(ولا
نعمة عين) بضم النون وفتحها، أي مسرة عين. ومعناه لا تسر عينه. يقال نعمة عين،
ونعمة عين، ونعامة عين، ونعمى عين، ونعيم عين، ونعام عين بمعنى. وأنعم الله عينك
أي أقرها فلا يعرض لك نكد في شيء من الأمور. أي لم أجاوبه إرادة مسرة عينه أو
إرادة تنعمها وتمتعها.
(إذا
حضروا البأس) البأس هو الشدة. والمراد هنا الحرب.
١٤١ - (١٨١٢) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا زَائِدَةُ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
الْأَعْمَشُ
⦗١٤٤٧⦘
عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ صَيْفِيٍّ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُتِمَّ الْقِصَّةَ. كَإِتْمَامِ مَنْ
ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمْ.
١٤٢ - (١٨١٢) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ،
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ. قَالَتْ:
غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ. فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ،
وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى المرضى.
(١٨١٢) - وحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ.
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
٤٩ - بَاب عَدَدِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ ﷺ
١٤٣
- (١٢٥٤)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (واللفظ لابن المثنى)
قالا: حدثنا محمد بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ؛
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ
خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَسْقَى. قَالَ:
فَلَقِيتُ يَوْمَئِذٍ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. وَقَالَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
غير رجل، أو بيني وبيننه رَجُلٌ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ
عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ:
ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوْ الْعُشَيْرِ.
(قال ذات العسير أو العشير) هكذا هو في جميع
نسخ صحيح مسلم: العسير أو العشير. وقال القاضي في المشارق: هي ذات العشيرة. قال:
وجاء في كتاب المغازي، يعني من صحيح البخاري: عسير. قال: والمعروف فيها: العشيرة.
قال: وكذا ذكرها أبو إسحاق، وهي من أرض مذحج.
١٤٤ - (١٢٥٤) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
يَحْيَي بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، سَمِعَهُ مِنْهُ؛
إن رسول الله ﷺ غَزَا تِسْعَ
عَشْرَةَ غَزْوَةً. وَحَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا.
حَجَّةَ الْوَدَاعِ.
١٤٥ - (١٨١٣) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ. أَخْبَرَنَا أَبُو
الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً.
قَالَ جَابِرٌ: لَمْ أَشْهَدْ
بَدْرًا وَلَا أُحُدًا. مَنَعَنِي أَبِي. فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ
أُحُدٍ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رسول الله ﷺ في غزوة قط.
١٤٦ - (١٨١٤) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. ح وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ.
حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ. قَالَا جَمِيعًا: حدثنا حسين ابن وَاقِدٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِسْعَ
عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ.
وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ
مِنْهُنَّ. وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بريدة.
١٤٧ - (١٨١٤) وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَالَ:
غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِتَّ
عَشْرَةَ غَزْوَةً.
١٤٨ - (١٨١٥) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ.
حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيل) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي
عُبَيْدٍ) قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ:
غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
سَبْعَ غَزَوَاتٍ. وَخَرَجْتُ، فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ، تِسْعَ
غَزَوَاتٍ. مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ. وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ.
(١٨١٥) - وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ، فِي
كِلْتَيْهِمَا: سَبْعَ غزوات.
٥٠ - بَاب غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ
١٤٩
- (١٨١٦)
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ
وَمُحَمَّدُ بْنُ العلاء الهمذاني (وَاللَّفْظُ لِأَبِي عَامِرٍ). قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في
غَزَاةٍ. وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ. بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ. قَالَ:
فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا. فَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي. فكنا نلف على
أرجلنا الخرق. فسمت غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى
أَرْجُلِنَا مِنَ الْخِرَقِ.
قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثَ
أَبُو مُوسَى بِهَذَا الْحَدِيثِ. ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ. قَالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ
أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ.
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: وَزَادَنِي
غَيْرُ بريد: والله يجزي به.
(نعتقبه) أي يركبه كل وحد منا نوبة.
(فنقبت)
أي قرحت من الحفاء.
(فسميت
غزوة ذات الرقاع) هذا هو الصحيح في سبب تسميتها. وقيل: سميت بذلك بجبل هناك فيه
بياض وسواد وحمرة. وقيل: سميت باسم شجرة هناك. وقيل: لأنه كانت في ألويتهم رقاع.
ويحتمل أنها سميت بالمجموع.
٥١ - بَاب كَرَاهَةِ الِاسْتِعَانَةِ فِي
الْغَزْوِ بِكَافِرٍ
١٥٠
- (١٨١٧)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ
عَنْ مَالِكٍ. ح وحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنَّهَا قَالَتْ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ
بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ. قَدْ كَانَ
يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ. فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ
رَأَوْهُ. فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ
⦗١٤٥٠⦘
وَأُصِيبَ مَعَكَ. قَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (تومن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟) قَالَ: لَا. قَالَ (فَارْجِعْ.
فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ).
قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى. حَتَّى إِذَا
كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ
مَرَّةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. قَالَ
(فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ). قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ
بِالْبَيْدَاءِ. فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ (تُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ؟) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (فانطلق).
(بحرة الوبرة) هكذا ضبطناه بفتح الباء. وكذا
نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه بعضهم بإسكانها وهو موضع على نحو من
أربعة أميال من المدينة.
(حتى
إذا كنا بالشجرة) هكذا هو في النسخ: حتى إذا كنا. فيحتمل أن عائشة كانت مع
المودعين فرأت ذلك. ويحتمل أنها أرادت بقولها: كنا، كان المسلمون.