(شِعْرُ
ضِرَارٍ):
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ
بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
وَمُشْفِقَةٌ تَظُنُّ بِنَا
الظَّنُونَا ... وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونَا [١]
كَأَنَّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إذَا مَا
... بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنَّاظِرِينَا [٢]
تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا
مُسْبِغَاتٍ ... عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا [٣]
وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوَّمَاتٍ
... نَؤُمُّ بهَا الغواة الخاطئينا [٤]
[١] العرندسة: الشَّدِيدَة الْقُوَّة.
يُرِيد: كَتِيبَة. والطحون: الَّتِي تطحن كل مَا مرت بِهِ.
[٢]
زهاؤها: تَقْدِير عَددهَا.
[٣]
الْأَبدَان (هُنَا): الدروع: ومسبغات: كَامِلَة. واليلب: الترسة أَو الدرق.
[٤]
الجرد: الْخَيل الْعتاق. والقداح: السِّهَام. والمسومات: الْمُرْسلَة، وَيُقَال:
هِيَ الغالية الأسوام. ونؤم: نقصد.
كَأَنَّهُمْ إذَا صَالُوا وَصُلْنَا
... بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا [١]
أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا
... وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا
فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا
... وَكُنَّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا [٢]
نُرَاوِحُهُمْ وَنَغْدُو كُلَّ
يَوْمٍ ... عَلَيْهِمْ فِي السِّلَاحِ مُدَجَّجِينَا [٣]
بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ
... نَقُدُّ بهَا المفارق والشّؤنا [٤]
كَأَنَّ وَمِيضَهُنَّ مُعَرَّيَاتٍ
... إذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا [٥]
وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ
... تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا [٦]
فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ
... لَدَمَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا
وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ وَكَانُوا
... بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوِّذِينَا
فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنَّا قَدْ
تَرَكْنَا ... لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا
إذَا جَنَّ الظَّلَامُ سَمِعْتَ
نَوْحَى ... عَلَى سَعْدٍ يُرَجِّعْنَ الْحَنِينَا [٧]
وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمَّا قَرِيبٍ
... كَمَا زُرْنَاكُمْ مُتَوَازِرِينَا [٨]
بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرَ
عُزْلٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ قَدْ حَمَتِ الْعَرِينَا [٩]
(شِعْرُ
كَعْبٍ فِي الرَّدِّ على ضرار):
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ،
أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ:
وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِينَا
... وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صَابِرِينَا
[١] المصافحة: أَخذ الرجل بيد الرجل عِنْد
السَّلَام.
[٢]
أحجرناهم: حصرناهم. وشهرا كريتا: تَاما كَامِلا.
[٣]
المدجج (بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا): الْكَامِل السِّلَاح.
[٤]
الصوارم: السيوف. ومرهفات: قَاطِعَة. وَنقد: تقطع. والمفارق: جمع مفرق، وَهُوَ
حَيْثُ ينفرق الشّعْر فِي أَعلَى الْجَبْهَة. وَيُرِيد «بالشئون» . مجمع الْعِظَام
فِي أَعلَى الرَّأْس.
[٥]
الوميض: اللمعان. والمصلت: الّذي جرد سَيْفه من غمده.
[٦]
الْعَقِيقَة: السحابة الَّتِي تشق عَن الْبَرْق.
[٧]
النوحى: جمَاعَة النِّسَاء اللَّاتِي يَنحن.
[٨]
متوازرين: متعاونين.
[٩]
الْعَزْل: الَّذين لَا سلَاح مَعَهم، الْوَاحِد: أعزل. والغاب جمع غابة، وَهِي
الأجمة والعرين:
مَوضِع الْأسد.
صَبَرْنَا لَا نَرَى للَّه عَدْلًا
... عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكِّلِينَا
وَكَانَ لَنَا النَّبِيُّ وَزِيرَ
صِدْقٍ ... بِهِ نَعْلُو الْبَرِيَّةَ أَجْمَعِينَا
نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا
وَعَقُّوا ... وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا [١]
نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا
إلَيْنَا ... بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرِّعِينَا
تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ
... كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا [٢]
وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ
... بِهَا نَشْفِي مُرَاحَ الشَّاغِبِينَا [٣]
بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنَّ
أُسْدًا ... شَوَابِكُهُنَّ يحمين العرينا [٤]
فوارسنا إذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا ...
عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلَمِينَا [٥]
لِنَنْصُرَ أَحَمْدًا وَاَللَّهَ
حَتَّى ... نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا
وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ حِينَ
سَارُوا ... وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزِّبِينَا
بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ
... وَأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا
فَإِمَّا تَقْتُلُوا سَعْدًا
سَفَاهًا ... فَإِنَّ اللَّهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا
سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طَيِّبَاتٍ
... تَكُونُ مُقَامَةً لِلصَّالِحِينَا
كَمَا قَدْ رَدَّكُمْ فَلًّا
شَرِيدًا ... بِغَيْظِكُمْ خَزَايَا خَائِبِينَا [٦]
خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمَّ
خَيْرًا ... وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا [٧]
بِرِيحِ عَاصِفٍ هَبَّتْ عَلَيْكُمْ
... فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمِّهِينَا [٨]
(شِعْرُ
ابْنِ الزِّبَعْرَى):
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
[١] المرصد: الْمعد لِلْأَمْرِ عدته.
[٢]
الفضافض: الدروع المتسعة. وسابغات: كَامِلَة. والملا (مَقْصُور): المتسع من
الأَرْض.
ومتسربلون: لابسون للدروع.
[٣]
المراح: النشاط.
[٤]
الشوابك: الَّتِي يتشبث بهَا فَلَا يفلت.
[٥]
الشوس: جمع أشوس، وَهُوَ الّذي ينظر نظر المتكبر بمؤخر عينه. والمعلم (بِفَتْح
اللَّام وَكسرهَا): الّذي أعلم نَفسه بعلامة الْحَرْب ليشتهر بهَا.
[٦]
الفل: الْقَوْم المنهزمون. والشريد: الطريد.
[٧]
دامرين: هالكين.
[٨]
العاصف: الرّيح الشَّدِيدَة. والمتكمه: الْأَعْمَى الّذي لَا يبصر.
حَتَّى الدِّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ
رَسْمِهَا ... طُولُ الْبِلَى وتراوح الأحقاب [١]
فَكَأَنَّمَا كَتَبَ الْيَهُودُ
رُسُومَهَا ... إلَّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ [٢]
قَفْرًا كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ
تَلْهُو بِهَا ... فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ [٣]
فَاتْرُكْ تَذَكُّرَ مَا مَضَى مِنْ
عِيشَةٍ ... وَمَحِلَّةٍ خَلْقِ الْمَقَامِ يَبَابِ [٤]
وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ
وَاشْكُرْهُمْ ... سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الْأَنْصَابِ [٥]
أَنْصَابِ مَكَّةَ عَامِدِينَ
لِيَثْرِبِ ... فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ [٦]
يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا
مَعْلُومَةً ... فِي كُلِّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ [٧]
فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ
مَجْنُوبَةٌ ... قُبُّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ [٨]
مِنْ كُلِّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ
سَلْهَبٍ ... كَالسِّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرُّقَّابِ [٩]
جَيْشُ عُيَيْنَةَ قَاصِدٌ
بِلِوَائِهِ ... فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ
قَرْمَانُ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ
فِيهِمَا ... غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرَّابِ [١٠]
حَتَّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ
وَارْتَدَوْا ... لِلْمَوْتِ كُلَّ مُجَرَّبٍ قَضَّابِ [١١]
[١] الأحقاب: الدهور، الْوَاحِد: حقب.
[٢]
الكنيف: الحظيرة والزرب الّذي يصنع لِلْإِبِلِ، وسمى كنيفا، لِأَنَّهُ يكنفها، أَي
يَسْتُرهَا والأطناب: الحبال الَّتِي تشد بهَا الأخبية وبيوت الْعَرَب. وَيُرِيد
«بمعقدها»: الْأَوْتَاد الَّتِي ترْبط بهَا.
[٣]
الأتراب: جمع ترب وَهن المتساويات فِي السن.
[٤]
اليباب: القفر.
[٥]
قَالَ أَبُو ذَر: «الأنصاب هُنَا: الْحِجَارَة الَّتِي يعلم بهَا الْحرم. والأنصاب
(أَيْضا): حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا ويعظمونها» .
[٦]
يُرِيد «بِذِي غياطل»: جَيْشًا كثير الْأَصْوَات. والغياطل: جمع غيطلة، وَهِي
الصَّوْت هُنَا.
وجحفل: جَيش. وجبجاب: كثير.
[٧]
الحزون: جمع حزن، وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. والمناهج: جمع مَنْهَج، وَهُوَ
الطَّرِيق الْبَين.
والنشر: الْمُرْتَفع من الأَرْض،
وَيُقَال فِيهِ نشز أَيْضا. (وَهِي رِوَايَة) . والشعاب: جمع شعب، وَهُوَ المنخفض
بَين جبلين.
[٨]
الشوازب: الضامرة. والمجنوبة: المقودة. وَقب: ضامرة. ولواحق: ضامرة (أَيْضا)
.
والأقراب: جمع قرب، وَهُوَ الخاصرة
وَمَا يَليهَا.
[٩]
السلهبة: الطَّوِيلَة. وَالسَّيِّد: الذِّئْب.
[١٠]
قرمان: فحلان سيدان. وَمَعْقِل الهراب: ملجؤهم.
[١١]
ارْتَدُّوا: تقلدوا. وكل مجرب: أَي كل سيف قد جرب. والقضاب: الْقَاطِع.
١٧-
سيرة ابْن هِشَام- ٢
شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ
مُحَمَّدًا ... وَصِحَابُهُ فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ
نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ
قُلْتُمْ ... كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيَّابِ
لَوْلَا الْخَنَادِقَ غَادَرُوا مِنْ
جَمْعِهِمْ ... قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغَّبٍ [١] وَذِئَابِ
(شِعْرُ
حَسَّانَ):
فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ:
هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمَقَامِ
يَبَابِ [٢] ... مُتَكَلِّمٌ لِمُحَاوِرِ [٣] بِجَوَاب
قفر عفارهم السَّحَابِ رُسُومَهُ ...
وَهُبُوبُ كُلِّ مُطِلَّةٍ مِرْبَابِ [٤]
وَلَقَدْ رَأَيْت بهَا الحاول
يَزِينُهُمْ ... بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ [٥]
فَدَعْ الدِّيَارَ وَذِكْرَ كُلِّ
خَرِيدَةٍ ... بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ [٦]
وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ
وَمَا تَرَى ... مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرَّسُولَ غِضَابِ
سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ
وَأَلَّبُوا ... أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ [٧]
جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ حَرْبٍ
فِيهِمْ ... مُتَخَمِّطُونَ بِحَلَبَةِ الْأَحْزَابِ [٨]
حَتَّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ
وَارْتَجَوْا ... قَتْلَى الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ
وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ
بِأَيْدِهِمْ ... رُدُّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ [٩]
بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرِّقُ
جَمْعَهُمْ ... وَجُنُودِ رَبِّكَ سَيِّدِ الْأَرْبَابِ [١٠]
فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ
قِتَالَهُمْ ... وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ
[١] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وسغب: جائعة.
وَفِي أ: «شعب» .. وَهُوَ تَصْحِيف.
[٢]
اليباب: القفر.
[٣]
كَذَا فِي أ. والمحاور: الّذي يراجعك وَيتَكَلَّم مَعَك. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«لمحارب» .
[٤]
عَفا: تغير ودرس. ورهم: جمع رهمة، وَهِي الْمَطَر، ومطلة: مشرقة. ومرباب: دائمة
ثَابِتَة.
[٥]
الْحُلُول: الْبيُوت المجتمعة. وثواقب: مشرقة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
«النَّجْمُ الثَّاقِبُ ٨٦: ٣» .
[٦]
الخريدة: الْمَرْأَة الناعمة. والكعاب: الَّتِي نهد ثديها فِي أول مَا ينهد.
[٧]
ألبوا: جمعُوا.
[٨]
متخمطون: مختلطون. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُقَال: المتخمط: الشَّديد الْغَضَب
المتكبر» . والحلبة جمَاعَة الْخَيل الَّتِي تعد للسباق.
[٩]
الأيد: الْقُوَّة.
[١٠]
المعصفة: الرّيح الشَّدِيدَة.
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرَّقَ
جَمْعَهُمْ ... تَنْزِيلُ نَصْرٍ مَلِيكِنَا الْوَهَّابِ
وَأَقَرَّ عَيْنَ مُحَمَّدٍ
وَصِحَابِهِ ... وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرْتَابِ
عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقَّعٍ ذِي
رِيبَةٍ ... فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ [١]
عَلِقَ الشَّقَاءُ بِقَلْبِهِ
فَفُؤَادُهُ ... فِي الْكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الْأَحْقَابِ
(شِعْرُ
كَعْبٍ):
وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ
أَيْضًا، فَقَالَ:
أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ
بَقِيَّةً ... مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبِّنَا الْوَهَّابِ [٢]
بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذُّرَى
وَمَعَاطِنًا ... حُمُّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةُ الْأَحْلَابِ [٣]
كَاللُّوبِ يُبْذَلُ جَمُّهَا
وَحَفِيلُهَا ... لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْمُنْتَابِ [٤]
وَنَزَائِعًا مِثْلَ السَّرَاحِ
نَمَى بِهَا ... عَلَفُ الشَّعِيرِ وَجِزَّةُ الْمِقْضَابِ [٥]
عَرِيَ الشَّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ
نَحْضَهَا ... جُرْدُ الْمُتُونِ وَسَائِرُ الْآرَابِ [٦]
قُودًا تَرَاحُ إلَى الصِّيَاحِ إذْ
غَدَتْ ... فِعْلَ الضِّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلَّابِ [٧]
وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدِّيَارِ
وَتَارَةً ... تُرْدِي الْعِدَا وَتَئُوبُ بِالْأَسْلَابِ [٨]
[١] عاتى الْفُؤَاد: قاسيه. وموقع: ذُو هيب،
وَأَصله من التوقيع فِي ظهر الدَّابَّة، وَهُوَ انسلاخ يكون فِيهِ.
[٢]
النحلة: الْعَطاء.
[٣]
الذرى: الأعالي. ويعنى بهَا: الْآطَام. ويعنى «بالمطاعن»: منابت النّخل عِنْد
المَاء، تَشْبِيها لَهَا بمطاعن الْإِبِل، وَهِي مباركها حول المَاء. وحم: سود.
وَيُرِيد «بالجذوع»: أعناقها. والأحلاب:
مَا يحلب مِنْهَا.
[٤]
اللوب: جمع لوبة، وَهِي الْحرَّة، وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود. وجمها: مَا
اجْتمع من لَبنهَا.
والمنتاب: القاصد الزائر.
[٥]
النزائع: الْخَيل الْعَرَبيَّة الَّتِي حملت من أرْضهَا إِلَى أَرض أُخْرَى.
والسراح: الذئاب، الْوَاحِد سرحان. وجزة المقضاب: أَي مَا يجز لَهَا من النَّبَات
فتطعمه، والمقضاب: من القضب، وَهُوَ الْقطع.
[٦]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والشوى: القوائم. والنحض: اللَّحْم. وجرد الْمُتُون:
ملس الظُّهُور.
والآراب: جمع إرب، وَهُوَ كل عُضْو
مُسْتَقل بِنَفسِهِ. وَفِي أ «وَسَار فِي الْآرَاب» .
[٧]
قَود: طوال، الْوَاحِد: أَقُود وقوداء. وتراح: تنشط. وَالضَّرَّاء: الْكلاب
الضارية فِي الصَّيْد وَالْكلاب الصَّائِد صَاحب الْكلاب، الْوَاحِد: كالب.
[٨]
السَّائِمَة: الْمَاشِيَة الْمُرْسلَة فِي المرعى إبِلا كَانَت أَو غَيرهَا.
وتردى: تهْلك. وتئوب: ترجع.
حُوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةٌ عِنْدَ
الْوَغَى ... عُبْسُ اللِّقَاءِ مبينَة الإنجاب [١]
علقت عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ
بُدَّنًا ... دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ [٢]
يَغْدُونَ بِالزَّغْفِ الْمُضَاعَفِ
شَكَّةً ... وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثِّقَافِ صِيَابِ [٣]
وَصَوَارِمٌ نَزَعَ الصَّيَاقِلَ
غُلْبَهَا ... وَبِكُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدْ الْأَنْسَابِ [٤]
يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ
مُتَقَارِبٍ ... وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبَّابِ [٥]
وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ
كَأَنَّهُ ... فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ [٦]
وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ
قَتِيرُهَا ... وتردّ حدّ قواحز النُّشَّابِ [٧]
جَأْوَى مُلَمْلَمَةً كَأَنَّ
رِمَاحَهَا [٨] ... فِي كُلِّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ [٩]
يَأْوِي إلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ
كَأَنَّهُ ... فِي صَعْدَةِ الْخَطِّيِّ فَيْءُ عُقَّابِ [١٠]
أَعْيَتْ أَبَا كَرْبٍ وَأَعْيَتْ
تُبَّعًا ... وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ [١١]
وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى
بِهَا ... بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الْأَثْوَابِ [١٢]
عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا
ذِكْرَهَا ... مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ
حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ
بِزَعْمِهِمْ ... حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ [١٣]
[١] الحوش: النافرة. والمطارة: المستخفة.
والوغى: الْحَرْب. والإنجاب: الْكَرم وَالْعِتْق.
[٢]
الْبدن: السمان. ودخس: كَثِيرَة اللَّحْم. والبضيع: اللَّحْم. والأقصاب: الأمعاء،
الْوَاحِد:
قصب.
[٣]
الزغف: الدروع اللينة: والمترصات. الشديدات وصياب: صائبة.
[٤]
صوارم: سيوف قَاطِعَة. وغلبها: خشونتها وَمَا عَلَيْهَا من الصدأ. والأروع: الّذي
يروع بِكَمَالِهِ وجماله. والماجد: الشريف.
[٥]
المارن: الرمْح اللين. ووقيعته: صَنعته وتطريقه وتحديده. وخباب: اسْم قين.
[٦]
يعْنى بالأغر الْأَزْرَق: سِنَانًا. والطخية: شدَّة السوَاد.
[٧]
الْقرَان: تقارن النبل واجتماعه. والقتير: مسامير حلق الدرْع. وَيُرِيد الدروع.
وقواحز النشاب: النبال الَّتِي تصيب الأفخاذ.
[٨]
جأوى (الأَصْل فِيهِ الْمَدّ وَقصر للضَّرُورَة): يخالط سوادها خمرة. وململة:
مجتمعة.
[٩]
كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبي ذَر. والضريمة: اللهب المتوقد. وَفِي الْأُصُول:
«صريمة» بالصَّاد الْمُهْملَة.
[١٠]
الصعدة: الْقَنَاة المستوية. والخطى: الرماح. والفيء: الظل.
[١١]
أَبُو كرب وَتبع: ملكان من مُلُوك الْيمن. وبسالتها: شدتها.
[١٢]
الْأَزْهَر: الْأَبْيَض.
[١٣]
حرجا: حَرَامًا. والألباب: الْعُقُول.
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ
رَبَّهَا ... فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ [١]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي
مَنْ أَثِقُ بِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ
ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ
رَبَّهَا ... فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
لَقَدْ شَكَرَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِكَ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
مَنْ سَرَّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ
بَعْضُهُ ... بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ [٢]
فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تُسَنُّ
سُيُوفُهَا [٣] ... بَيْنَ الْمَذَادِ [٤] وَبَيْنَ جَزْعِ [٥] الْخَنْدَقِ
دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ
وَأَسْلَمُوا ... مُهُجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِرَبِّ الْمَشْرِقِ [٦]
فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ
نَبِيَّهُ ... بِهِمْ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفِقِ [٧]
فِي كُلِّ سَابِغَةٍ تَخُطُّ [٨]
فُضُولُهَا ... كَالنَّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ [٩]
بَيْضَاءُ مُحْكِمَةٌ كَأَنَّ
قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتُ شَكٍّ مُوثَقِ [١٠]
[١] سخينة: لقب قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَذكروا أَن قصيا كَانَ إِذا ذبح ذَبِيحَة أَو نحر نحيرة بِمَكَّة أَتَى بعجزها
فَصنعَ مِنْهُ خزيرة- وَهُوَ لحم يطْبخ ببر- فيطعمه النَّاس، فسميت قُرَيْش بهَا
سخينة. وَقيل:
إِن الْعَرَب كَانُوا إِذا أسنتوا
أكلُوا العلهز. وَهُوَ الْوَبر وَالدَّم، وتأكل قُرَيْش الخزيرة، فنفست عَلَيْهِم
ذَلِك، فلقبوهم سخينة. (رَاجع الرَّوْض) .
[٢]
المعمعة: صَوت التهاب النَّار وصريفها. والأباء: الْقصب، وَيُقَال. الأغصان
الملتفة.
[٣]
المأسدة: مَوضِع الْأسود، ويعنى بهَا هُنَا مَوضِع الْحَرْب.
[٤]
كَذَا فِي أ. والمذاد: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ حفر الخَنْدَق، وَقيل هُوَ
بَين سلع وَخَنْدَق الْمَدِينَة.
وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المزاد»
وَهُوَ تَحْرِيف.
[٥]
كَذَا فِي أ. والجزع: الْجَانِب. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْجذع» وَهُوَ
تَحْرِيف.
[٦]
المعلمون الَّذين: يعلمُونَ أنفسهم فِي الْحَرْب بعلامة يعْرفُونَ بهَا. والمهجات:
الْأَنْفس، الْوَاحِدَة: مهجة ولرب الْمشرق: يُرِيد لرب الْمشرق وَالْمغْرب،
فَحَذفهُ للْعلم بِهِ.
[٧]
الْعصبَة الْجَمَاعَة:
[٨]
فِي أ: «يحط» بِالْحَاء الْمُهْملَة.
[٩]
السابغة: الدروع الْكَامِلَة. وتخط فضولها: ينجر على الأَرْض مَا فضل مِنْهَا.
والنهى: الغدير من المَاء. والمترقرق: الّذي تصفقه الرّيح، فَيَجِيء وَيذْهب.
[١٠]
القتير: مسامير الدروع. وَالْجَنَادِب: ذُكُور الْجَرَاد. وَالشَّكّ: إحكام السرد.
جَدْلَاءُ يَحْفِزُهَا نِجَادُ
مُهَنَّدٍ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٌ ذِي رَوْنَقِ [١]
تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ
لِبَاسَنَا ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلَّ سَاعَةِ مَصْدَقِ
نَصِلُ السُّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ
بِخَطْوِنَا ... قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ
فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا
هَامَاتُهَا ... بَلْهَ الْأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ [٢]
نَلْقَى الْعَدُوَّ بِفَخْمَةٍ [٣]
مَلْمُومَةٍ ... تَنْفِي الْجُمُوعَ كَفَصْدِ رَأْسِ الْمَشْرِقِ [٤]
وَنُعِدُّ لِلْأَعْدَاءِ كُلَّ
مُقَلَّصٍ ... وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ [٥]
تُرْدِى بِفُرْسَانٍ كَأَنَّ
كُمَاتَهُمْ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلٍّ مُلْثِقِ [٦]
صُدَقٌ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ
حُتُوفَهُمْ ... تَحْتَ الْعِمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ [٧]
أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا
لِعَدُوِّهِ ... فِي الْحَرْبِ إنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ
لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ
وَحُيَّطَا ... لِلدَّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ [٨]
وَيُعِينُنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ
بِقُوَّةٍ ... مِنْهُ وَصِدْقِ الصَّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي
وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيِّنَا
وَنُجِيبُهُ ... وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ
وَمَتَى يُنَادِ إلَى الشَّدَائِدِ
نَأْتِهَا ... وَمَتَى نَرَ الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقْ [٩]
[١] الجدلاء: الدرْع المحكمة النسج. ويحفزها:
يرفعها ويشمرها. والنجاد: حمائل السَّيْف وصارم قَاطع. والرونق: اللمعان.
[٢]
الجماجم: الرُّءُوس. وضاحيا: بارزا للشمس. وبله: اسْم فعل بِمَعْنى اترك ودع،
وَيصِح نصب «الأكف» بِهِ، أَو جَرّه على أَنه مصدر مُضَاف لَهُ.
[٣]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَيُرِيد «بالفخمة»: الكتيبة. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«فَحْمَة» بِالْحَاء الْمُهْملَة.
[٤]
الملمومة: المجتمعة، والمشرق: جبل بَين الصريف والعصيم من أَرض ضبة (رَاجع مُعْجم
الْبلدَانِ) .
[٥]
المقلص: الْفرس الْخَفِيف.
[٦]
تردى: تسرع. والكماة: الشجعان. والطل: الضَّعِيف من الْمَطَر. والملثق: مَا يكون
عَن الطل من زلق وطين، والأسد أجوع مَا تكون وأجرأ فِي ذَلِك الْحِين.
[٧]
يُرِيد بالعماية: سَحَابَة الْغُبَار وظلمته. والوشيج: الرماح. والمزهق:
الْمَذْهَب للنفوس. وَقد وَردت هَذِه الْكَلِمَة بالراء الْمُهْملَة.
[٨]
حيط: جمع حَائِط، وَهُوَ اسْم الْفَاعِل من حاط يحوط. ودلفت: قربت. والنزق:
الغاضبون السيئو الْخلق، الْوَاحِد: نازق.
[٩]
الحومات: مَوَاطِن: الْقِتَال، الْوَاحِدَة: حومة. ونعنق: نسرع.
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ
فَإِنَّهُ ... فِينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ
فَبِذَاكَ يَنْصُرنَا وَيُظْهِرُ
عِزَّنَا ... وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ
إنَّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ
مُحَمَّدًا ... كَفَرُوا وَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَقِّي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي
بَيْتَهُ:
تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ
لِبَاسَنَا
وَبَيْتَهُ:
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ
أَبُو زَيْدٍ. وَأَنْشَدَنِي:
تَنْفِي الْجُمُوعَ كَرَأْسِ قُدْسِ
الْمَشْرِقِ [١]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ
تَأَلَّبُوا ... عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ [٢]
أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ أُصْفِقَتْ ... وَخِنْدِفُ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ [٣]
يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا
وَنَذُودُهُمْ ... عَنْ الْكُفْرِ وَالرَّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ [٤]
إذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ
أَعَانَنَا ... عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنْ اللَّهِ وَاسِعُ
وَذَلِكَ حِفْظُ اللَّهِ فِينَا
وَفَضْلُهُ ... عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ اللَّهُ ضَائِعُ
هَدَانَا لِدِينِ الْحَقِّ
وَاخْتَارَهُ لَنَا ... وللَّه فَوْقَ الصَّانِعِينَ صَنَائِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشًا أَنَّ
سَلْعًا ... وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصِّمَادِ [٥]
[١] أَشَارَ السهيليّ إِلَى أَن هَذِه
الرِّوَايَة أولى وَقَالَ: لِأَن قدس جبل مَعْرُوف من نَاحيَة الْمشرق.
[٢]
تألبوا: تجمعُوا. ونوادع: نصالح ونهادن.
[٣]
أضاميم: جماعات انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض. ويروى: أصاميم. والأصاميم: الخالصون
فِي أنسابهم وأصفقت: اجْتمعت وتوافقت على الْأَمر.
[٤]
يذودوننا: يدفعوننا ويمنعوننا.
[٥]
سلع: جبل بسوق الْمَدِينَة. والعريض: وَاد بِالْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو ذَر:
«وَيحْتَمل أَن يكون تَصْغِير عرض، وَاحِد الْأَعْرَاض، وَهِي أَوديَة خَارج
الْمَدِينَة فِيهَا النّخل وَالشَّجر» . والصماد (بِالْفَتْح وَالْكَسْر):
جبل. قَالَ أَبُو ذَر: «وَيُمكن أَن
يكون جمع صَمد، وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض» .
نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ
مُدَرَّبَاتٌ ... وَخَوْصٌ ثُقِّبَتْ مِنْ عَهْدِ عَادِ [١]
رَوَاكِدُ يَزْخَرُ الْمُرَّارُ
فِيهَا ... فَلَيْسَتْ بِالْجِمَامِ وَلَا الثِّمَادِ [٢]
كَأَنَّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيَّ
فِيهَا ... أَجَشُّ إذَا تَبَقَّعَ لِلْحَصَادِ [٣]
وَلَمْ نَجْعَلْ تِجَارَتَنَا
اشْتِرَاءَ ... الْحَمِيرِ لِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ مُرَادِ [٤]
بِلَادٌ لَمْ تَثُرْ إلَّا لِكَيْمَا
... نُجَالِدُ إنْ نَشِطْتُمْ لِلْجِلَادِ [٥]
أَثَرْنَا سِكَّةَ الْأَنْبَاطِ
فِيهَا ... فَلَمْ تَرَ مِثْلَهَا جَلَهَاتِ وَادِ [٦]
قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ
... عَلَى الْغَايَاتِ مُقْتَدِرٍ جَوَادِ [٧]
أَجِيبُونَا إلَى مَا نَجْتَدِيكُمْ
... مِنْ الْقَوْلِ الْمُبَيَّنِ وَالسَّدَادِ [٨]
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ
يَوْمٍ ... لَكُمْ مِنَّا إلَى شَطْرِ الْمَذَادِ [٩]
نُصَبِّحُكُمْ بِكُلِّ أَخِي حُرُوبٍ
... وَكُلِّ مُطَهَّمٍ [١٠] سَلِسِ الْقِيَادِ
[١] يعْنى بالنواضح: حدائق نخل تسقى بالنضح.
والخوص: الْآبَار الضيقة. وثقبت: حفرت.
[٢]
رواكد: ثَابِتَة دائمة. ويزخر: يَعْلُو ويرتفع. والمرار: نهر. قَالَ أَبُو ذَر:
وَمن رَوَاهُ «المداد» يعْنى المَاء الّذي يمدها. والجمام جمع جمة، وَهِي الْبِئْر
الْكَثِيرَة المَاء. والثماد: المَاء الْقَلِيل.
وَرِوَايَة الشّطْر الأول من هَذَا
الْبَيْت فِي أ: «
رواكد تزجر المران
إِلَخ» .
[٣]
الغاب: الشّجر الملتف. والبردي: نَبَات ينْبت فِي البرك تصنع مِنْهُ الْحصْر
الْغِلَاظ. وأجش عالى الصَّوْت. وتبقع: صَارَت فِيهِ بقع صفر.
[٤]
دوس وَمُرَاد: قبيلتان من الْيمن.
[٥]
لم تثر: لم تحرث.
[٦]
السِّكَّة: النّخل الْمُصْطَفّ، والأنباط: قوم من الْعَجم. أَي حرثناها وغرسناها
كَمَا تفعل الأنباط فِي أمصارها لَا تخَاف عَلَيْهَا كيد كائد. وجلهات الْوَادي:
مَا استقبلك مِنْهُ إِذا نظرت إِلَيْهِ من الْجَانِب الآخر، الْوَاحِد: جلهة.
وَقَالَ السهيليّ: «جلهات الْوَادي: مَا كشفت عَنهُ السُّيُول فأبرزته، وَهُوَ من
الجله.
وَهُوَ انحسار الشّعْر عَن مقدم
الرَّأْس» .
[٧]
الْحَضَر: الجرى. وَيُرِيد «بِذِي الْحَضَر»: الْخَيل. ويروى: «خطر» أَي قدر.
[٨]
نجديكم: نطلب ...
[٩]
الشّطْر: النَّاحِيَة وَالْقَصْد. والمذاد: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ حفر
الخَنْدَق، وَقيل هُوَ بَين سلع وَخَنْدَق الْمَدِينَة.
[١٠]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والمطهم: الْفرس التَّام الْخلق. وَفِي أ: «مطهر»
.
وَكُلِّ طِمِرَّةٍ خَفِقٌ حَشَاهَا
... تَدِفُّ دَفِيفَ [١] صَفْرَاءِ الْجَرَادِ [٢]
وَكُلِّ مُقَلَّصِ الْآرَابِ نَهْدٍ
... تَمِيمِ الْخَلْقِ مِنْ أُخْرٍ وَهَادِي [٣]
خُيُولٌ لَا تُضَاعُ إذَا أُضِيعَتْ
... خُيُولُ النَّاسِ فِي السَّنَةِ الْجَمَادِ [٤]
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ
مُصْغِيَاتٍ ... إذَا نَادَى إلَى الْفَزَعِ الْمُنَادِي [٥]
إذَا قَالَتْ لَنَا النُّذُرُ
اسْتَعِدُّوا ... تَوَكَّلْنَا عَلَى رَبِّ الْعِبَادِ
وَقُلْنَا لَنْ يُفَرِّجَ مَا
لَقِينَا ... سِوَى ضَرْبُ الْقَوَانِسِ وَالْجِهَادِ [٦]
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِيمَنْ
لَقِينَا ... مِنْ الْأَقْوَامِ مِنْ قَارٍ وَبَادِي [٧]
أَشَدَّ بَسَالَةً مِنَّا إذَا مَا
... أَرَدْنَاهُ وَأَلْيَنَ فِي الْوِدَادِ [٨]
إذَا مَا نَحْنُ أَشْرَجْنَا
عَلَيْهَا [٩] ... جِيَادَ الْجُدْلِ [١٠] فِي الْأُرَبِ الشِّدَادِ [١١]
قَذَفْنَا فِي السَّوَابِغِ كُلَّ
صَقْرٍ ... كَرِيمٍ غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزِّنَادِ [١٢]
[١] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَيُقَال: دف
الطَّائِر: إِذا حرك جناحيه ليطير. وَفِي أ «تذف ذفيف» .
بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
[٢]
صفراء الْجَرَاد: الخيفانة مِنْهَا، وَهِي الَّتِي أَلْقَت سرأها، أَي بيضها،
وَهِي أخف طيرانا.
[٣]
المقلص: المنشمر الشَّديد، والآراب: قطع اللَّحْم، الْوَاحِدَة: أربة (بِضَم
الْهمزَة) . والنهد:
الغليظ. وَالْهَادِي: الْعُنُق.
يُرِيد أَنه تَامّ الْخلق من مقدمه ومؤخره.
[٤]
السّنة الجماد: سنة الْقَحْط.
[٥]
مصغيات: مستمعات.
[٦]
القوانس: أعالى بيض الْحَدِيد.
[٧]
الْقَارِي: من كَانَ من أهل الْقرى. والبادي: من كَانَ من أهل الْبَادِيَة.
[٨]
البسالة: الشدَّة والشجاعة.
[٩]
أشرجنا: ربطنا.
[١٠]
الجدل: جمع جدلاء، وَهِي الدرْع المحكمة النسج.
[١١]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والأرب: جمع أربة، وَهِي الْعقْدَة الشَّدِيدَة.
ويروى: الأزب:
بالزاء، وَهُوَ الشَّديد الضّيق.
وَفِي أ: «الْأَدَب» وَهُوَ تَحْرِيف.
[١٢]
السوابغ: الدروع الْكَامِلَة. واعتلث الرجل زندا: أَخذه من شجر لَا يدرى أيوري أم
لَا.
يصفه بِحسن الاستعداد للحرب.
أَشَمَّ [١] كَأَنَّهُ أَسَدٌ
عَبُوسٌ ... غَدَاةَ بَدَا [٢] بِبَطْنِ الْجَزَعِ غَادِي [٣]
يُغَشِّي هَامَةَ الْبَطَلِ
الْمُذَكَّى ... صَبِيَّ السَّيْفِ مُسْتَرْخِي النِّجَادِ [٤]
لِنُظْهِرَ دِينَكَ اللَّهمّ إنَّا
... بِكَفِّكَ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرَّشَادِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بَيْتُهُ:
قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ
وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ،
وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ مِنْهُ، وَالْبَيْتُ الرَّابِعُ مِنْهُ، وَبَيْتُهُ:
أَشَمَّ كَأَنَّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ
وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ، عَنْ
أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ.
(شِعْرُ
مُسَافِعٍ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، يَبْكِي
عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إيَّاهُ:
عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ كَانَ أَوَّلَ
فَارِسٍ ... جَزَعَ الْمَذَادَ وَكَانَ فَارِسَ يَلْيَلِ [٥]
سَمْحُ الْخَلَائِقِ مَاجِدٌ ذُو
مِرَّةٍ ... يَبْغِي الْقِتَالَ بِشِكَّةِ لَمْ يَنْكُلْ [٦]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ حِينَ وَلَّوْا
عَنْكُمْ ... أَنَّ ابْنَ عَبْدٍ فِيهِمْ لَمْ يَعْجَلْ
حَتَّى تَكَنَّفَهُ الْكُمَاةُ
وَكُلُّهُمْ ... يَبْغِي مَقَاتِلَهُ وَلَيْسَ بِمُؤْتَلِي [٧]
وَلَقَدْ تَكَنَّفَتْ الْأَسِنَّةُ
فَارِسًا ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ غَيْرَ نَكْسٍ أَمْيَلِ [٨]
تَسَلُ النِّزَالَ عَلَيَّ فَارِسَ
غَالِبٍ ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ، لَيْتَهُ لَمْ يَنْزِلْ
[١] الأشم: الْعَزِيز، وَأَصله من الشمم،
وَهُوَ ارْتِفَاع قَصَبَة الْأنف.
[٢]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وبدا: ظهر. وَفِي أ: «ندي»، وندي الصَّوْت: ارْتَفع.
يُرِيد إِذا ارْتَفع صَوت غاد طَالب للغوث. ويروى: «يرى» .
[٣]
الْجزع: جَانب الْوَادي وَمَا انعطف مِنْهُ.
[٤]
المذكى: الّذي بلغ الْغَايَة فِي الْقُوَّة. وَصبي السَّيْف: وَسطه. والنجاد:
حمائل السَّيْف.
[٥]
جزع: قطع. والمذاد: مَوضِع. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم ٤ ص ٢٦١ من هَذَا الْجُزْء)
ويليل: وَاد ببدر.
[٦]
الْمرة: الشدَّة وَالْقُوَّة. والشكة: السِّلَاح. وَلم ينكل: لم يرجع من هَيْبَة
وَلَا خوف.
[٧]
تكنفه: أحَاط بِهِ: وَلَيْسَ بمؤتلى: لَيْسَ بمقصر.
[٨]
سلع: جبل بسوق الْمَدِينَة. قَالَ الْأَزْهَرِي: مَوضِع قرب الْمَدِينَة (رَاجع
مُعْجم الْبلدَانِ) .
والنكس: الضَّعِيف من الرِّجَال.
والأميل: الّذي لَا رمح مَعَه، وَقيل: الّذي لَا ترس مَعَه.
فَاذْهَبْ عَلَيَّ فَمَا ظَفِرْتُ
بِمِثْلِهِ ... فَخْرًا وَلَا لَاقَيْتَ مِثْلَ الْمُعْضِلِ [١]
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِفَارِسٍ مِنْ
غَالِبٍ ... لَاقَى حِمَامَ الْمَوْتِ لَمْ يَتَحَلْحَلْ [٢]
أَعْنِي الَّذِي جَزَعَ الْمَذَادَ
بِمُهْرِهِ ... طَلَبًا لِثَأْرِ مَعَاشِرٍ لَمْ يُخْذَلْ
(شِعْرُ
مُسَافِعٍ فِي تَأْنِيبِ الْفُرْسَانِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَمْرٍو):
وَقَالَ مُسَافِعٌ أَيْضًا يُؤَنِّبُ
فُرْسَانَ عَمْرٍو الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَأَجْلَوْا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ
عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَالْجِيَادُ
يَقُودُهَا ... خَيْلٌ تُقَادُ لَهُ وَخَيْلٌ تُنْعَلُ [٣]
أَجْلَتْ فَوَارِسُهُ وَغَادَرَ
رَهْطُهُ ... رُكْنًا عَظِيمًا كَانَ فِيهَا أَوَّلُ [٤]
عَجَبًا وَإِنْ أَعْجَبْ فَقَدْ
أَبْصَرْتُهُ ... مَهْمَا تَسُومُ عَلَيَّ عَمْرًا يَنْزِلُ [٥]
لَا تَبْعَدَنَّ فَقَدْ أُصِبْتُ
بِقَتْلِهِ ... وَلَقِيتُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَمْرًا يَثْقُلُ
وَهُبَيْرَةُ الْمَسْلُوبُ وَلَّى
مُدْبِرًا ... عِنْدَ الْقِتَالِ مَخَافَةً أَنَّ يُقْتَلُوا
وَضِرَارٌ كَأَنَّ الْبَأْسَ مِنْهُ
مُحْضَرًا ... وَلَّى كَمَا وَلَّى اللَّئِيمُ الْأَعْزَلُ [٦]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. وَقَوْلُهُ: «عَمْرًا يَنْزِلُ»
عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
(شِعْرُ
هُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو وَالِاعْتِذَارُ مِنْ فِرَارِهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ، وَيَبْكِي عَمْرًا،
وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيٍّ إيَّاهُ:
لَعَمْرِي مَا وَلَّيْتُ ظَهْرِي
مُحَمَّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنًا وَلَا خِيفَةَ الْقَتْلِ
وَلَكِنَّنِي قَلَّبْتُ أَمْرِي
فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي غَنَاءً إنْ ضَرَبْتُ وَلَا نَبْلِي
وَقَفْتُ فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِي
مُقَدَّمًا ... صَدَدْتُ كَضِرْغَامِ هِزَبْرٍ أَبِي شَبْلِ [٧]
[١] المعضل: الْأَمر الشَّديد.
[٢]
لم يَتَحَلْحَل: لم يبرح مَكَانَهُ.
[٣]
تنعل: تلبس النِّعَال من الْحَدِيد لتقوى.
[٤]
أجلت: تَفَرَّقت وَوَلَّتْ.
[٥]
تسوم: تطلب وتكلف.
[٦]
الأعزل: الّذي لَا سلَاح مَعَه.
[٧]
الضرغام: الْأسد. والهزير: الشَّديد. والشبل: ولد الْأسد.
ثَنَى عِطْفِهِ عَنْ قِرْنِهِ حِينَ
لَمْ يجد ... مكرّا وَقد مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي [١]
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو حَيًّا
وَهَالِكًا ... وَحُقَّ لِحُسْنِ الْمَدْحِ مِثْلُكَ مِنْ مِثْلِي
وَلَا تَبْعَدَنْ يَا عَمْرُو حَيًّا
وَهَالِكًا ... فَقَدْ بِنْتَ مَحْمُودَ الثَّنَا مَاجِدَ الْأَصْلِ [٢]
فَمَنْ لِطِرَادِ الْخَيْلِ تُقْدَعُ
بِالْقَنَا ... وَلِلْفَخْرِ يَوْمًا عِنْدَ قَرْقَرَةَ الْبَزْلِ [٣]
هُنَالِكَ لَوْ كَانَ ابْنُ عَبْدٍ
لَزَارَهَا ... وَفَرَّجَهَا حَقًّا فَتًى غَيْرُ مَا وَغْلِ [٤]
فَعَنْكَ عَلَيَّ لَا أَرَى مِثْلَ
مَوْقِفٍ ... وَقَفْتُ عَلَى نَجْدِ الْمُقَدَّمِ كَالْفَحْلِ [٥]
فَمَا ظَفِرَتْ كَفَّاكَ فَخْرًا
بِمِثْلِهِ ... أَمِنْتُ بِهِ مَا عِشْتُ مِنْ زَلَّةِ النَّعْلِ
(شِعْرٌ
آخَرُ لِهُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو):
وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي
وَهْبٍ يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدُ ودٍ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيٍّ إيَّاهُ:
لَقَدْ عَلِمْتُ عُلْيَا لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبٍ ... لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا نَابَ نَائِبُ
لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا مَا
يَسُومُهُ ... عَلِيٌّ وَإِنَّ اللَّيْثَ لَا بُدَّ طَالِبُ [٦]
عَشِيَّةَ يَدْعُوهُ عَلِيٌّ وإنّه
... لفارسها إِذا خَامَ عَنْهُ الْكَتَائِبُ [٧]
فَيَا لَهْفَ نَفْسِي إنَّ عَمْرًا
تَرَكْتُهُ ... بِيَثْرِبَ لَا زَالَتْ هُنَاكَ الْمَصَائِبُ
(شِعْرُ
حَسَّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَتْلِ عَمْرٍو):
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
يَفْتَخِرُ بِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ:
بَقِيَّتُكُمْ عَمْرٌو أَبَحْنَاهُ
بِالْقَنَا ... بِيَثْرِبَ نَحْمِي وَالْحُمَاةُ قَلِيلُ
وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِكُلِّ
مُهَنَّدٍ ... وَنَحْنُ وُلَاةُ الْحَرْبِ حِينَ نَصُولُ
وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِبَدْرٍ
فَأَصْبَحَتْ ... مَعَاشِرُكُمْ فِي الْهَالِكِينَ تَجُولُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ.
[١] الْعَطف: الْجَانِب. والقرن: الّذي
يقاومك فِي شدَّة أَو قتال.
[٢]
الثنا: الذّكر الطّيب. ويروى: النثا.
[٣]
تقدع: تكف. والقرقرة: من أصوات فحول الْإِبِل. والبزل: الْإِبِل القوية. وضربه
مثلا للمفاخرين إِذا رفعوا أَصْوَاتهم بالفخر.
[٤]
الوغل: الْفَاسِد من الرِّجَال.
[٥]
فعنك: اسْم فعل بِمَعْنى تبَاعد. والنجد: الشجاع.
[٦]
يسومه: يكلفه.
[٧]
خام: جبن وَرجع.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ:
أَمْسَى الْفَتَى عَمْرُو بْنُ
عَبْدٍ يَبْتَغِي ... بِجُنُوبِ يَثْرِبَ ثَأْرَهُ لَمْ يُنْظَرْ [١]
فَلَقَدْ وَجَدْتَ سُيُوفَنَا
مَشْهُورَةً ... وَلَقَدْ وَجَدْتَ جِيَادَنَا لَمْ تُقْصَرْ [٢]
وَلَقَدْ لَقِيتَ غَدَاةَ بَدْرٍ
عُصْبَةً ... ضَرَبُوكَ ضَرْبًا غَيْرَ ضَرْبِ الْحُسَّرِ [٣]
أَصْبَحْتُ لَا تُدْعَى لِيَوْمِ
عَظِيمَةٍ ... يَا عَمْرُو أَوْ لِجَسِيمِ أَمْرٍ مُنْكَرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسَّانَ [٤] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا هِدْمٍ
رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً تَخُبُّ بِهَا الْمَطِيُّ [٥]
أَكُنْتُ وَلِيَّكُمْ فِي كُلِّ
كُرْهٍ ... وَغَيْرِي فِي الرَّخَاءِ هُوَ الْوَلِيُّ
وَمِنْكُمْ شَاهِدٌ وَلَقَدْ رَآنِي
... رُفِعْتُ لَهُ كَمَا اُحْتُمِلَ الصَّبِيُّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى
هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِرَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ الدَّيْلِيُّ، وَيُرْوَى فِيهَا
آخِرُهَا
كَبَبْتَ الْخَزْرَجِيَّ عَلَى
يَدَيْهِ ... وَكَانَ شِفَاءَ نَفْسِي الْخَزْرَجِيُّ
وَتُرْوَى أَيْضًا لِأَبِي أُسَامَةَ
الْجُشَمِيِّ.
(شِعْرُ
حَسَّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبُكَاءُ ابْنِ مُعَاذٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ
وَيَذْكُرُ حُكْمَهُ فِيهِمْ:
لَقَدْ سَجَمَتْ مِنْ دَمْعِ عَيْنِي
عَبْرَةٌ ... وَحُقَّ لِعَيْنِي أَنْ تَفِيضَ عَلَى سَعْدٍ [٦]
قَتِيلٌ ثَوَى فِي مَعْرَكٍ فُجِعَتْ
بِهِ ... عُيُونٌ ذَوَارِي الدَّمْعِ دَائِمَةُ الْوَجْدِ [٧]
[١] لم ينظر: لم يُمْهل وَلم يُؤَخر.
[٢]
لم تقصر: لم تكف.
[٣]
الحسر: جمع حاسر، وَهُوَ الّذي لَا درع لَهُ، ويروى. «الخشر» بِالْخَاءِ والشين
المعجمتين، وهم الضُّعَفَاء من النَّاس، كَمَا يرْوى: «الخسر» بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ جمع خاسر.
[٤]
وَقد بحثنا عَنْهَا فِي ديوَان حسان فَلم نجدها.
[٥]
المغلغلة: الرسَالَة تحمل من بلد إِلَى بلد. وتخب: تسرع.
[٦]
سجمت: سَالَتْ.
[٧]
ثوى: أَقَامَ. والمعرك: مَوضِع الْقِتَال. وذوارى الدمع: تسكبه. والوجد: الْحزن.
عَلَى مِلَّةِ الرَّحْمَنِ وَارِثَ
جَنَّةٍ ... مَعَ الشُّهَدَاءِ وَفْدُهَا أَكْرَمُ الْوَفْدِ
فَإِنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتنَا
وَتَرَكْتنَا ... وَأَمْسَيْتُ فِي غَبْرَاءِ مُظْلِمَةِ اللَّحْدِ [١]
فَأَنْتَ الَّذِي يَا سَعْدُ أُبْتُ
بِمَشْهَدٍ ... كَرِيمٍ وَأَثْوَابِ الْمَكَارِمِ وَالْحَمْدِ
بِحُكْمِكَ فِي حَيَّيْ قُرَيْظَةَ
بِاَلَّذِي ... قَضَى اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَضَيْتُ عَلَى عَمْدِ
فَوَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ حُكْمَكَ
فِيهِمْ ... وَلَمْ تَعْفُ إذْ ذُكِرْتُ مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ
فَإِنْ كَانَ رَيْبُ الدَّهْرِ
أَمْضَاكَ فِي الْأُلَى ... شَرَوْا هَذِهِ الدُّنْيَا بِجَنَّاتِهَا الْخُلْدِ
فَنِعْمَ مَصِيرُ الصَّادِقِينَ إذَا
دُعُوا ... إلَى اللَّهِ يَوْمًا لِلْوَجَاهَةِ وَالْقَصْدِ
(شِعْرُ
حَسَّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ):
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
أَيْضًا، يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
ﷺ مِنْ الشُّهَدَاءِ، وَيَذْكُرُهُمْ بِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا
حُمَّ دَافِعُ ... وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ [٢]
تَذَكَّرْتُ عَصْرًا قَدْ مَضَى
فَتَهَافَتَتْ ... بَنَاتُ الْحَشَى وَانْهَلَّ مِنِّي الْمَدَامِعُ [٣]
صَبَابَةُ [٤] وَجْدٍ ذَكَّرَتْنِي
أَحِبَّةً [٥] ... وَقَتْلَى مَضَى [٦] فِيهَا طُفَيْلٌ [٧] وَرَافِعُ
وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ
وَأَوْحَشَتْ ... مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ [٨]
وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرَّسُولِ
وَفَوْقَهُمْ ... ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسُّيُوفُ اللَّوَامِعُ
دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقٍّ
وَكُلُّهُمْ ... مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَسَامِعُ
فَمَا نَكَلُوا [٩] حَتَّى
تَوَلَّوْا جَمَاعَةً ... وَلَا يَقْطَعَ الْآجَالَ إلَّا الْمَصَارِعُ [١٠]
[١] يُرِيد «بالغبراء»: الْقَبْر. واللحد:
مَا يشق للْمَيت فِي جَانب الْقَبْر.
[٢]
حم: قدر (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) .
[٣]
تهافتت: سَقَطت بِسُرْعَة. وَبَنَات الحشى: الْقلب وَمَا اتَّصل بِهِ. وانهل:
سَالَ وانصب.
[٤]
الصبابة: رقة الشوق.
[٥]
كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول: «أخوة» .
[٦]
فِي الدِّيوَان: «مضوا» .
[٧]
فِي الدِّيوَان «نفيع» . وَلم يسْبق لَهُ ذكر.
[٨]
بَلَاقِع: قفار خَالِيَة.
[٩]
فِي الدِّيوَان: ««
فَمَا بدلُوا حَتَّى توافوا جمَاعَة
» .
[١٠]
نكلوا: رجعُوا هائبين. والمصارع: أَي مصَارِع الْقَتْلَى
لِأَنَّهُمْ يَرْجُونَ مِنْهُ
شَفَاعَةً ... إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا النَّبِيُّونَ شَافِعُ
فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ
بَلَاؤُنَا [١] ... إجَابَتُنَا للَّه وَالْمَوْتُ نَاقِعُ [٢]
لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إلَيْكَ
وَخَلْفُنَا [٣] ... لِأَوَّلِنَا فِي مِلَّةِ [٤] اللَّهِ تَابِعُ
وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ للَّه
وَحْدَهُ ... وَأَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لَا بُدَّ وَاقِعُ
(شِعْرٌ
لِحَسَّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ):
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ [٥]:
لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا
سَآهَا ... وَمَا وَجَدَتْ لِذُلٍّ مِنْ نَصيرِ [٦]
أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ ...
سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ
غَدَاةَ أَتَاهُمْ يَهْوَى إلَيْهِمْ
... رَسُولُ اللَّهِ كَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ
لَهُ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ تَعَادَى
... بِفُرْسَانٍ عَلَيْهَا كَالصُّقُورِ [٧]
تَرَكْنَاهُمْ وَمَا ظَفِرُوا
بِشَيْءِ ... دِمَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ كَالْغَدِيرِ [٨]
فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ [٩]
الطَّيْرُ فِيهِمْ ... كَذَاكَ يُدَانُ [١٠] ذُو الْعَنَدِ الْفَجُورِ [١١]
فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا
قُرَيْشًا ... مِنْ الرَّحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِى [١٢]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ:
لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا
سَآهَا ... وَحَلَّ بِحِصْنِهَا ذُلٌّ ذَلِيلُ
[١] فِي الدِّيوَان: «ومشهدنا فِي الله»
.
[٢]
بلاؤنا: اختبارنا. وناقع: ثَابت.
[٣]
الْقدَم الأولى: أَي السَّبق إِلَى الْإِسْلَام. وخلفنا، أَي آخِرنَا.
[٤]
فِي الدِّيوَان «فِي طَاعَة» .
[٥]
هَذِه الْعبارَة: «فِي يَوْم بنى قُرَيْظَة» . سَاقِطَة فِي أ.
[٦]
مَا سآها: يُرِيد مَا ساءها، فَقلب. وَالْعرب تفعل ذَلِك فِي بعض الْأَفْعَال،
يَقُولُونَ: رأى وَرَاء، بِمَعْنى وَاحِد على جِهَة الْقلب.
[٧]
الْخَيل المجنبة، هِيَ الَّتِي تقاد وَلَا تركب. وتعادي: تجرى وتسرع.
[٨]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: العبير، وَهُوَ الزَّعْفَرَان.
[٩]
تحوم: تَجْتَمِع حَولهمْ محلقة.
[١٠]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. ويدان: يجزى. وَفِي أ: «يدين» .
[١١]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والعند: الْخُرُوج عَن الْحق. وَفِي أ:
«
كَذَلِك دين ذِي العند الفخور،
[١٢]
النذير: الْإِنْذَار.
وَسَعْدٌ كَانَ أَنْذَرَهُمْ
بِنُصْحٍ ... بِأَنَّ إلَهَكُمْ رَبٌّ جَلِيلُ
فَمَا بَرِحُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ
حَتَّى ... فَلَاهُمْ فِي بِلَادِهُمُ الرَّسُولُ [١]
أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ مِنَّا صُفُوفٌ
... لَهُ مِنْ حَرِّ وَقْعَتِهِمْ صَلِيلُ [٢]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ:
تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا
قُرَيْشًا ... وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ [٣]
هُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ
فَضَيَّعُوهُ ... وَهُمْ عُمْيٌ مِنْ التَّوْرَاةِ بُورُ [٤]
كَفَرْتُمْ بِالْقُرْانِ وَقَدْ
أَتَيْتُمْ ... بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ
فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ
... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ [٥]
(شِعْرُ
أَبِي سُفْيَانَ فِي الرَّدِّ عَلَى حَسَّانَ):
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ
... وَحَرَّقَ فِي طَرَائِقِهَا السَّعِيرُ [٦]
سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا
بِنُزْهِ [٧] ... وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ [٨]
فَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ بِهَا
رِكَابًا ... لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا
(شِعْرُ
ابْنِ جَوَّالٍ فِي الرَّدِّ عَلَى حَسَّانَ):
وَأَجَابَهُ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ
الثَّعْلَبِيُّ أَيْضًا، وَبَكَى النَّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ، فَقَالَ:
أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي
مُعَاذٍ ... لِمَا لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ
لَعَمْرُكَ إنَّ سَعْدَ بَنِي
مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ
فَأَمَّا الْخَزْرَجِيُّ أَبُو
حُبَابٍ ... فَقَالَ لِقَيْنُقَاعَ لَا تَسِيرُوا
[١] فلاهم: قَتلهمْ بِالسُّيُوفِ.
[٢]
الصليل: الصَّوْت.
[٣]
تفاقد معشر: فقد بَعضهم بَعْضًا، وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِم. وَفِي أ: «تعاهد»
.
[٤]
بور: ضلال، أَو هلكى
[٥]
سراة الْقَوْم: خيارهم، والبويرة: مَوضِع بنى قُرَيْظَة.
[٦]
الطرائق: النواحي. والسعير: النَّار الملتهبة.
[٧]
النزه: الْبعد.
[٨]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وتضير: تضر. وَفِي أ «تصير» أَي تشق وتقطع.
وَبُدِّلَتْ الْمَوَالِي مِنْ
حُضَيْرٍ ... أُسَيْدًا وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ [١]
وَأَقْفَرَتْ الْبُوَيْرَةُ مِنْ
سَلَامٍ ... وَسَعْيَةَ وَابْنِ أَخْطَبَ فَهِيَ بُورُ
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ
ثِقَالًا ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمِيطَانِ الصُّخُورِ [٢]
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو حَكَمٍ
سَلَامٌ ... فَلَا رَثُّ السِّلَاحِ وَلَا دَثُورُ [٣]
وَكُلُّ الْكَاهِنَيْنِ وَكَانَ
فِيهِمْ ... مَعَ اللِّينِ الْخَضَارِمَةُ الصُّقُورُ [٤]
وَجَدْنَا الْمَجْدَ قَدْ ثَبَتُوا
عَلَيْهِ ... بِمَجْدٍ لَا تُغَيِّبُهُ الْبُدُورُ [٥]
أَقِيمُوا يَا سَرَاةَ الْأَوْسِ
فِيهَا ... كَأَنَّكُمْ مِنْ الْمَخْزَاةِ عُورُ [٦]
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ
فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ
.jpeg)