(أَمْرُ
اللَّهِ لِرَسُولِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ):
فَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ، أَتَى
جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، كَمَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، مُعْتَجِرًا [٣]
بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ [٤]، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ [٥]،
عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ:
فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ
السِّلَاحَ بَعْدُ، وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إنَّ
اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،
فَإِنِّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ.
[١] المرط: الكساء.
[٢]
كَانَ دُخُول الرَّسُول ﷺ الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء، يَوْم مُنْصَرفه من
الخَنْدَق، لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب)
.
[٣]
الاعتجار: أَن يتعمم الرجل دون تلح، أَي لَا يلقى شَيْئا تَحت لحيته.
[٤]
الإستبرق: ضرب من الديباج غليظ.
[٥]
الرحالة: السرج.
(دَعْوَةُ الرَّسُولِ الْمُسْلِمِينَ
لِلْقِتَالِ):
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مُؤَذِّنًا، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا، فَلَا
يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إلَّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ.
(اسْتِعْمَالُ
ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ):
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ
ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
(تَقَدُّمُ
عَلِيٍّ وَتَبْلِيغُهُ الرَّسُولَ مَا سَمِعَهُ مِنْ سُفَهَائِهِمْ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،
وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ. فَسَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى إذَا دَنَا
مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، لَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ، قَالَ:
لِمَ؟ أَظُنُّكَ سَمِعْتُ مِنْهُمْ لِي أَذًى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمَّا دَنَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ حُصُونِهِمْ. قَالَ: يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ، هَلْ
أَخْزَاكُمْ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟ قَالُوا:
يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتُ
جَهُولًا.
(سَأَلَ
الرَّسُولُ عَمَّنْ مَرَّ بِهِمْ فَقِيلَ دِحْيَةُ فَعَرَفَ أَنَّهُ جِبْرِيلُ):
وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَفَرٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ بِالصَّوْرَيْنِ [١] قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،
فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَرَّ
بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ، عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا
رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ دِيبَاجٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ذَلِكَ
جِبْرِيلُ، بُعِثَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ،
وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي
قُرَيْظَةَ: نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا مِنْ نَاحِيَةِ أَمْوَالِهِمْ،
يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أُنَا [٢] .
[١] الصورين: مَوضِع قرب الْمَدِينَة. (عَن
مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٢]
أَنا (كهنا أَو كحتى أَو بِكَسْر النُّون الْمُشَدّدَة، ويروى بموحدة بدل
النُّون): من آبار بنى قُرَيْظَة. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب ومعجم
الْبلدَانِ) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِئْرُ أَنَّى.
(تَلَاحُقُ
الْمُسْلِمِينَ بِالرَّسُولِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ
بِهِ النَّاسُ، فَأَتَى رِجَالٌ مِنْهُمْ [١] مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ،
وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ
الْعَصْرَ إلَّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ
فِي حَرْبِهِمْ، وَأَبَوْا أَنْ يُصَلُّوا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: حَتَّى
تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ. فَصَلَّوْا الْعَصْرَ بِهَا، بَعْدَ الْعِشَاءِ
الْآخِرَةِ، فَمَا عَابَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَنَّفَهُمْ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [٢] . حَدَّثَنِي بِهَذَا الحَدِيث أَبى إسْحَاقَ بْنُ
يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ.
(حِصَارُهُمْ
وَمَقَالَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لَهُمْ):
(قَالَ)
[٣]: وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسًا وَعِشْرِينَ [٤] لَيْلَةً، حَتَّى
جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ.
وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ
دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ
وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى
يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ ابْن أَسَدٍ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ
نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا
ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: نُتَابِعُ
هَذَا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ،
وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ
وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ [٥]، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ
حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قَالَ: فَإِذَا
أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا،
[١] هَذِه الْكَلِمَة «مِنْهُم» سَاقِطَة فِي
أ.
[٢]
يُؤْخَذ من هَذَا أَنه لَا يعاب من أَخذ بِظَاهِر حَدِيث أَو آيَة وَلَا من استنبط
من النَّص معنى يخصصه، كَمَا يُؤْخَذ مِنْهُ أَن كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع
مُصِيب. (رَاجع الرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) .
[٣]
زِيَادَة عَن.
[٤]
وَقيل: خمس عشرَة لَيْلَة، وَقيل بضع عشرَة. (رَاجع الطَّبَقَات وَشرح
الْمَوَاهِب) .
[٥]
هَذِه الْكَلِمَة «ونسائكم» سَاقِطَة فِي أ.
ثُمَّ نَخْرُجُ إلَى مُحَمَّدٍ
وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا
ثَقَلًا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ
نَهْلِكُ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ
فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنَّ [١] النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، قَالُوا: نَقْتُلُ
هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: فَإِنْ
أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ
عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمَّنُونَا [٢] فِيهَا،
فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً، قَالُوا:
نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ
قَبْلَنَا إلَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مِنْ
الْمَسْخِ! قَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً
وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا.
(أَبُو
لُبَابَةَ وَتَوْبَتُهُ):
(قَالَ)
[٣]: ثُمَّ إنَّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا
أَبَا لُبَابَةَ [٤] بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرِّجَالُ،
وَجَهَشَ [٥] إلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ
لَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ
مُحَمَّدٍ [٦]؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ، إنَّهُ
الذَّبْحُ [٧] . قَالَ أَبُو لبَابَة: فول الله مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ
مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ
[١] فِي أ: «لنتخذن» .
[٢]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمنُوا» .
[٣]
زِيَادَة عَن أ.
[٤]
هُوَ أَبُو لبَابَة بن عبد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَاخْتلف فِي اسْمه،
فَقيل: رِفَاعَة، وَقيل:
مُبشر، وَقيل: بشير، وَهُوَ أحد
النُّقَبَاء، عَاشَ إِلَى خلَافَة على (رَاجع الِاسْتِيعَاب وَالرَّوْض وَشرح
الْمَوَاهِب) .
[٥]
جهش: بَكَى.
[٦]
قَالَ الزرقانى: «وَذَلِكَ أَنهم لما حوصروا حَتَّى أيقنوا بالهلكة، أنزلوا شأس بن
قيس فَكَلمهُ ﷺ أَن ينزلُوا على مَا نزل بَنو النَّضِير من ترك الْأَمْوَال
وَالْحَلقَة وَالْخُرُوج بِالنسَاء والذراري وَمَا حملت الْإِبِل إِلَّا الْحلقَة،
فَأبى رَسُول الله ﷺ، فَقَالَ: تحقن دماءنا وتسلم لنا النِّسَاء والذرية وَلَا
حَاجَة لنا فِيمَا حملت الْإِبِل، فَأبى ﷺ إِلَّا أَن ينزلُوا على حكمه، وَعَاد
شأس إِلَيْهِم بذلك» . (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٧]
كَأَن أَبَا لبَابَة فهم ذَلِك من عدم إِجَابَة الرَّسُول لَهُم بحقن دِمَائِهِمْ،
وَعرف أَن الرَّسُول سيذبحهم إِن نزلُوا على حكمه، وَبِهَذَا أَشَارَ لبني
قُرَيْظَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ ﷺ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ.
وَقَالَ:
لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتَّى
يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدَ اللَّهَ: أَنْ لَا أَطَأَ
بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فِيهِ أَبَدًا.
(مَا
نَزَلَ فِي خِيَانَةِ أَبَى لُبَابَةَ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا
أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٨: ٢٧.
(مَوْقِفُ
الرَّسُولِ مِنْ أَبِي لُبَابَةَ وَتَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا
بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدْ اَسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا
إنَّهُ [١] لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، فَأَمَّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا
فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِاَلَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ
عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قُسَيْطٍ: أَنَّ تَوْبَةَ أَبَى لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ
السَّحَرِ [٢]، وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ.
(فَقَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ [٣]): فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ السَّحَرِ وَهُوَ
يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَضْحَكَ
اللَّهُ سِنَّكَ، قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَفَلَا
أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى، إنْ شِئْتِ. قَالَ: فَقَامَتْ
عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ،
فَقَالَتْ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَتْ
[٤]: فَثَارَ النَّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى
يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَطْلَقَهُ.
[١] فِي أ: «أما إِن لَو كَانَ ... إِلَخ»
.
[٢]
هَذِه الْكَلِمَة «من السحر» سَاقِطَة فِي أ.
[٣]
زِيَادَة عَن أ.
[٤]
فِي م، ر: «قَالَ» .
(مَا نَزَلَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى
أَبِي لُبَابَةَ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ أَبُو
لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتَّ لَيَالٍ. تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي
كُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَتَحُلُّهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ
بِالْجِذْعِ، فِيمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ [١] الَّتِي
نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٩: ١٠٢.
(إسْلَامُ
نَفَرٍ مِنْ بَنِي هُدَلٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ
ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ،
وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُدَلٍ، لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا
النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ، أَسْلَمُوا
تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(أَمْرُ
عَمْرِو بْنِ سُعْدَى):
وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ
عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقَرَظِيُ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
وَعَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ:
مَنْ هَذَا؟
قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى-
وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ
بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدِ أَبَدًا- فَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ حِينَ عَرَفَهُ [٢]: اللَّهمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ
عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ.
فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى
أَتَى [٣] بَابَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ،
ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ تَوَجَّهَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى يَوْمِهِ هَذَا،
فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَأْنُهُ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللَّهُ
بِوَفَائِهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمَّةِ [٤]
فِيمَنْ أُوثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ
اللَّهِ
[١] فِي أ: «الْآيَات» .
[٢]
فِي م، ر: «طرفه» وَهُوَ تَحْرِيف.
[٣]
فِي أ: «حَتَّى بَات فِي مَسْجِد ... إِلَخ» .
[٤]
الرمة: الْحَبل الْبَالِي.
ﷺ، فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ
مُلْقَاةً، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ تِلْكَ
الْمَقَالَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ.
(نُزُولُ
بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ وَتَحْكِيمُ سَعْدٍ):
(قَالَ)
[١] فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَوَاثَبَتْ
الْأَوْسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُمْ [٢] مَوَالِينَا دُونَ
الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ
عَلِمْتُ- وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ
بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ،
فَسَأَلَهُ إيَّاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بن سَلُولَ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ-
فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَا تَرْضَوْنَ يَا
مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ [٣]،
يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ، فِي مَسْجِدِهِ، كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى،
وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ
السَّهْمُ بِالْخَنْدَقِ: اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودَهُ
مِنْ قَرِيبٍ. فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ،
أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ
أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ،
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إنَّمَا وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمَّا
أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: لقد أَنى لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ
لَوْمَةُ لَائِمٍ.
فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ
مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي
قُرَيْظَةَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ، عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ
مِنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢]
فِي م، ر: «إِنَّهُم كَانُوا» .
[٣]
وَقيل إِنَّهَا أنصارية. (رَاجع الْإِصَابَة وَشرح الْمَوَاهِب)
.
قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ- فَأَمَّا
الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: إنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
الْأَنْصَارَ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ، فَيَقُولُونَ: قَدْ عَمَّ بِهَا رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَدْ وَلَّاكَ أَمْرَ مَوَالِيكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنَّ الْحُكْمَ
فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ: وعَلى من هَا هُنَا؟
فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إجْلَالًا لَهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ
تُقْتَلَ الرِّجَالُ، وَتُقَسَّمُ الْأَمْوَالُ، وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ
وَالنِّسَاءُ.
(رِضَاءُ
الرَّسُولِ بِحُكْمِ سَعْدٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو ابْن
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ
فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ [١] .
(سَبَبُ
نُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فِي رَأْيِ ابْنِ هِشَامٍ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي
بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ،
وَتَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَذُوقَنَّ
مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ لَأُفْتَحَنَّ حِصْنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ،
نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
(مَقْتَلُ
بَنِي قُرَيْظَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ
اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ
الْحَارِثِ [٢]، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ
[١] الأرقعة: السَّمَوَات، الْوَاحِدَة: رقيع.
[٢]
قَالَ السهيليّ: «وَاسْمهَا: كيسة بنت الْحَارِث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس.
وَكَانَت تَحت مُسَيْلمَة الْكذَّاب، ثمَّ خلف عَلَيْهَا عبد الله بن عَامر بن
كريز» .
وَقَالَ الزرقانى: «هِيَ رَملَة بنت
الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن زيد، زَوْجَة معَاذ بن الْحَارِث ابْن
رِفَاعَة، تكَرر ذكرهَا فِي السِّيرَة. والواقدي يَقُول: رَملَة بنت الْحَدث
(بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة) . وَلَيْسَت هِيَ كيسة بنت الْحَارِث»
.
إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي
هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ،
فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ
أَرْسَالًا [١]، وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ
أَسَدٍ، رَأْسُ الْقَوْمِ، وهم ستّ مائَة أَو سبع مائَة، وَالْمُكْثِرُ لَهُمْ
يَقُولُ: كَانُوا بَين الثمان مائَة وَالتسع مائَة. وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ
أَسَدٍ، وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ،
مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ؟ أَلَا
تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ، وَأَنَّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا
يَرْجِعُ؟ هُوَ وَاَللَّهِ الْقَتْلُ! فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتَّى
فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
(مَقْتَلُ
ابْنِ أَخْطَبَ وَشِعْرُ ابْنِ جَوَّالٍ فِيهِ):
وَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ
عَدُوِّ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فَقَّاحِيَّةٌ [٢]- قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: فَقَّاحِيَّةٌ: ضَرْبٌ مِنْ الْوَشَى- قَدْ شَقَّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ
نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ (أُنْمُلَةٍ) [٣] لِئَلَّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ
يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ. فَلَمَّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ:
أَمَا وَاَللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ
اللَّهَ يُخْذَلْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ،
إنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا [٤]
اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ
الثَّعْلَبِيُّ [٥]:
لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ
نَفْسَهُ ... وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهُ يُخْذَلْ
لَجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ
عُذْرَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلَّ مُقَلْقَلِ [٦]
[١] أَرْسَالًا، أَي طَائِفَة بعد طَائِفَة.
[٢]
فقاحية: تضرب إِلَى الْحمرَة، أَي على لون الْورْد حِين هم أَن يتفتح (اللِّسَان)
.
[٣]
زِيَادَة عَن أ.
[٤]
فِي أ: «كتبت» .
[٥]
كَانَ ابْن جوال هَذَا من بنى ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان،
وَكَانَ يَهُودِيّا فَأسلم، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة. (رَاجع الرَّوْض والاستيعاب)
.
[٦]
قلقل: تحرّك.
١٦-
سيرة ابْن هِشَام- ٢
(قَتَلَ مِنْ نِسَائِهِمْ امْرَأَةً
وَاحِدَةً):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ
يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَتْ: وَاَللَّهِ
إِنَّهَا لعندي تحدّث مَعِي، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ
يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السُّوقِ، إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ
فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاَللَّهِ قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: وَيلك، مَالك؟
قَالَتْ: أُقْتَلُ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثِ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ:
فَانْطَلَقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا [١]، فَكَانَتْ عَائِشَة تَقول: فو الله
مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ
عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ الَّتِي
طَرَحَتْ الرَّحَا عَلَى خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ، فَقَتَلَتْهُ.
(شَأْنُ
الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ
ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ
الزُّهْرِيُّ، أَتَى الزُّبَيْرَ [٢] بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ- وَكَانَ الزُّبَيْرُ قَدْ مَنَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [٣] . ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزَّ
نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ- فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ،
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ
مِثْلِي مِثْلَكَ، قَالَ: إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْزِيَكَ بِيَدِكَ عِنْدِي،
قَالَ: إنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمَّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ كَانَتْ
لِلزُّبَيْرِ عَلَيَّ مِنَّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ
لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَكَ، فَهُوَ لَكَ، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ
لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ: فَأَتَى
ثَابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
[١] قَالَ أَبُو ذَر: «هِيَ امْرَأَة الْحسن
الْقرظِيّ» .
[٢]
قَالَ السهيليّ: «هُوَ الزبير، بِفَتْح الزاى وَكسر الْبَاء، جد الزبير بن عبد
الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي الْمُوَطَّأ فِي كتاب النِّكَاح. وَاخْتلف فِي الزبير
بن عبد الرَّحْمَن، فَقيل: الزبير، بِفَتْح الزاى وَكسر الْبَاء، كاسم جده، وَقيل
الزبير» .
[٣]
فِي أ: «ذكر» .
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَبْ [١] لِي
امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ، قَالَ: هُمْ لَكَ. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ
لِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ سلم أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ، فَهُمْ لَكَ، قَالَ:
أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا لَهُ، قَالَ:
هُوَ لَكَ. فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مَالَكَ، فَهُوَ لَكَ، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ، مَا فَعَلَ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ
مِرْآةٌ صِينِيَّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيِّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟
قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيُّ بْنُ
أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدِّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا،
وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا، عَزَّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ:
فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيَّ
عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قَالَ:
ذَهَبُوا قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنِّي
أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَكَ إلَّا ألحقتنى بالقوم، فو الله مَا فِي
الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ للَّه فَتْلَةَ
دَلْوٍ نَاضِحٍ [٢] حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ. فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ، فَضُرِبَ
عُنُقُهُ.
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ قَوْلَهُ «أَلْقَى الْأَحِبَّةَ» . قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللَّهِ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا (فِيهَا) [٣] مُخَلَّدًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قِبْلَةَ
دَلْوٍ [٤] نَاضِحٍ. (و) [٣] قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى فِي «قِبْلَةٍ»:
وَقَابِلٍ يَتَغَنَّى كُلَّمَا
قَدَرَتْ ... عَلَى الْعَرَاقَى يَدَاهُ قَائِما دفقا [٥]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَقَابِلٌ يُتَلَقَّى، يَعْنِي قَابِلَ الدَّلْوِ يَتَنَاوَلُ [٦]
.
[١] فِي أ: «يَا رَسُول الله، امْرَأَته
وَولده» .
[٢]
الناضح: الْحَبل الّذي يسْتَخْرج عَلَيْهِ المَاء من الْبِئْر بالسانية. وَأَرَادَ
بقوله لَهُ: فتلة دلو نَاضِح، مِقْدَار مَا يَأْخُذ الرجل الدَّلْو إِذا أخرجت
فيصبها فِي الْحَوْض، يفتلها أَو يردهَا إِلَى مَوْضِعه.
[٣]
زِيَادَة عَن أ.
[٤]
قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ: قبْلَة، بِالْقَافِ وَالْبَاء، فَهُوَ بِمِقْدَار
مَا يقبل الرجل الدَّلْو، ليصبها فِي الْحَوْض ثمَّ يصرفهَا، وَهَذَا كُله لَا
يكون إِلَّا عَن استعجال وَسُرْعَة» .
[٥]
الْقَابِل: الّذي يقبل الدَّلْو. ودفق المَاء صبه، والعراقي: جمع عرقوة، وَهِي
الْعود الّذي يكون فِي أدنى الدَّلْو.
[٦]
كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة الَّتِي تلى بَيت زُهَيْر مروية عَن ابْن هِشَام فِي
أَكثر الْأُصُول، وَهِي
(أَمْرُ عَطِيَّةَ وَرِفَاعَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلًّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي
شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ
الْقُرَظِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ كُلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، وَكُنْتُ غُلَامًا، فَوَجَدُونِي
لَمْ أُنْبِتْ، فَخَلَّوْا سَبِيلِي.
قَالَ (ابْنُ إسْحَاقَ) [١]:
وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ: أَنَّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ،
أُمَّ الْمُنْذِرِ، أُخْتَ سليط بن أُخْت سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ- وَكَانَتْ إحْدَى
خَالَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَدْ صَلَّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَبَايَعَتْهُ
بَيْعَةَ النِّسَاءِ- سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيَّ، وَكَانَ
رَجُلًا قَدْ بَلَغَ، فَلَاذَ [٢] بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ،
فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، هَبْ لِي رِفَاعَةَ،
فَإِنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّهُ سَيُصَلِّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ، قَالَ:
فَوَهَبَهُ لَهَا، فَاسْتَحْيَتْهُ.
(قَسْمُ
فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ
وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ
الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرِّجَالِ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ، فَكَانَ لِلْفَارِسِ
ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ، وَلِلرَّاجِلِ،
مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، سَهْمٌ. وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ
سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَكَانَ أَوَّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ
السُّهْمَانُ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ، فَعَلَى سُنَّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي
الْمَغَازِي.
[()] فِي «أ» على الْوَجْه الْآتِي:
«قَالَ ابْن هِشَام: هُوَ تَفْسِير بَيت زُهَيْر، ويعنى قَابل الّذي يتلَقَّى
الدَّلْو إِذا خرج من الْبِئْر. والناضح: الْبَعِير الّذي يستقى المَاء لسقي
النّخل، وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ» .
[١]
زِيَادَة عَن أ.
[٢]
لَاذَ بهَا: التجأ إِلَيْهَا.
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا
مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا
وَسِلَاحًا.
(شَأْنُ
رَيْحَانَةَ):
(قَالَ)
[١]: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ
رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ [٢]، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو
بْنِ قُرَيْظَةَ [٣]، فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى تُوُفِّيَ
عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَرَضَ عَلَيْهَا
أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ
تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِكَ، فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ، فَتَرَكَهَا.
وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصَّتْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَبَتْ إلَّا
الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ
مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ
خَلْفَهُ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي
بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَسْلَمَتْ
رَيْحَانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا.
(مَا
نَزَلَ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيَّ قُرَيْظَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٤]:
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ
مِنْ الْقُرْآنِ، الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا
نَزَلَ مِنْ الْبَلَاءِ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتِهِ إيَّاهُمْ حِينَ
فَرَّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَعْدَ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْها،
وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ٣٣: ٩.
وَالْجُنُودُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ
وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الَّتِي أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مَعَ الرِّيحِ الْمَلَائِكَةَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ
فَوْقِكُمْ وَمن أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ
الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» ٣٣: ١٠.
[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَشرح الْمَوَاهِب مضبوطة بالعبارة. وَفِي أ: «جنافة»
.
[٣]
وَقيل: كَانَت من بنى النَّضِير متزوجة فِي قُرَيْظَة رجلا يُقَال لَهُ الحكم.
(رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٤]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
فَاَلَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَاَلَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ
قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. يَقُولُ اللَّهُ (تَبَارَكَ و) [١] تَعَالَى: هُنالِكَ
ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُورًا ٣٣: ١١- ١٢ لِقَوْلِ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ إذْ يَقُولُ مَا قَالَ.
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ
فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ
بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرارًا ٣٣: ١٣
لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيٍّ وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ
«وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا»: أَيْ الْمَدِينَةِ.
(تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَقْطَارُ:
الْجَوَانِبُ، وَوَاحِدُهَا: قُطْرٌ، وَهِيَ الْأَقْتَارُ، وَوَاحِدُهَا: قَتَرٌ.
قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كَمْ مِنْ غِنًى فَتَحَ الْإِلَهُ
لَهُمْ بِهِ ... وَالْخَيْلُ مُقْعِيَةٌ عَلَى الْأَقْطَارِ [٢]
وَيُرْوَى: «عَلَى الْأَقْتَارِ» .
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
«ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ ٣٣: ١٤»:
أَيْ الرُّجُوعَ إلَى الشِّرْكِ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيرًا.
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ
مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ الله مَسْؤُلًا ٣٣: ١٤-
١٥، فَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمْ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ
أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلِمَةَ حَيْنَ هَمَّتَا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ
عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا أَبَدًا، فَذَكَرَ لَهُمْ
الَّذِي أَعْطَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَنْ
يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذًا
لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ
اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءًا، أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً، وَلا يَجِدُونَ
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ٣٣: ١٦- ١٨: أَيْ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْقائِلِينَ
لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ٣٣:
١٨:
[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢]
مقعية: أَي سَاقِطَة على أجنابها تروم الْقيام، كَمَا تقعى الْكلاب على أذنابها
وأفخاذها.
أَيْ إلَّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا [١]
«أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ٣٣: ١٩»: أَيْ لِلضَّغَنِ الَّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ «فَإِذا
جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ
كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ٣٣: ١٩»: أَيْ إعْظَامًا لَهُ وَفَرَقًا
مِنْهُ «فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ٣٣: ١٩»: أَيْ
فِي الْقَوْلِ بِمَا لَا تُحِبُّونَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً، وَلَا
تَحْمِلهُمْ حِسْبَةٌ [٢]، فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو
مَا بَعْدَهُ.
(تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَلَقُوكُمْ:
بَالَغُوا فِيكُمْ بِالْكَلَامِ، فَأَحْرَقُوكُمْ وَآذَوْكُمْ. تَقُولُ الْعَرَبُ:
خَطِيبٌ سَلَّاقٌ، وَخَطِيبٌ مُسْلِقٌ وَمِسْلَاقٌ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ
ابْنِ ثَعْلَبَةَ:
فِيهِمْ الْمجد والسّماحة والنجدة
... فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ السَّلَّاقُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ.
«يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ
يَذْهَبُوا ٣٣: ٢٠» قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ «وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا
لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ
كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ٣٣: ٢٠» .
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ
يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ٣٣: ٢١»: أَيْ لِئَلَّا يَرْغَبُوا
بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ
وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ
يَخْتَبِرُهُمْ [٣] بِهِ، فَقَالَ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ [٤]
قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ،
وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيمانًا وَتَسْلِيمًا ٣٣: ٢٢: أَيْ صَبْرًا عَلَى
الْبَلَاءِ وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقِّ، لَمَّا كَانَ
اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمْ وَرَسُولُهُ [٥] ﷺ
[١] التعذير: أَن يفعل الرجل الشَّيْء
بِغَيْر نِيَّة، وَإِنَّمَا يُرِيد أَن يُقيم بِهِ الْعذر عِنْد من يرَاهُ.
[٢]
كَذَا فِي «أ» . والحسبة (بِالْكَسْرِ): طلب الْأجر. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«حَسَنَة» .
[٣]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ليختبر» .
[٤]
هَذِه الْجُمْلَة: «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ ٣٣: ٢٢» من الْآيَة
سَاقِطَة فِي أ.
[٥]
فِي أ: «لما كَانَ الله وعدهم الله وَرَسُوله» .
ثُمَّ قَالَ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ»: أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَرَجَعَ إلَى رَبِّهِ، كَمَنْ [١]
اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ.
(تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَضَى
نَحْبَهُ: مَاتَ، وَالنَّحْبُ: النَّفْسُ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
وَجَمْعُهُ: نُحُوبٌ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَشِيَّةَ فرّ الحارثيّون بعد مَا
... قضى نحبه فِي [٢] ملتقى الْخَيل هوبر
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَهَوْبَرُ: مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، أَرَادَ: يَزِيدَ ابْن
هَوْبَرٍ. وَالنَّحْبُ (أَيْضًا): النَّذْرُ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطْفِيِّ:
بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا [٣]
الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا ... عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ
يَقُولُ: عَلَى نَذْرٍ كَانَتْ
نَذَرَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
وَبِسْطَامٌ: بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ ابْنُ
ذِي الْجَدَّيْنِ. حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّهُ كَانَ فَارِسَ رَبِيعَةَ
بْنِ نِزَارٍ. وَطِخْفَةُ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ [٤] وَالنَّحْبُ
(أَيْضًا): الْخِطَارُ، وَهُوَ: الرِّهَانُ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَإِذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى
النَّاسِ أَيُّنَا ... عَلَى النَّحْبِ أَعْطَى لِلْجَزِيلِ وَأَفْضَلُ
وَالنَّحْبُ (أَيْضًا): الْبُكَاءُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ. وَالنَّحْبُ (أَيْضًا): الْحَاجَةُ وَالْهِمَّةُ،
تَقُولُ: مَا لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ. قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِي:
وَمَا لِي نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ
أَنَّنِي ... تَلَمَّسْتُ مَا تَبْغِي من الشّدن الشّجر [٥]
وَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ،
أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللَّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.
[١] فِي أ: «لمن» .
[٢]
هَذِه الْكَلِمَة: «فِي» سَاقِطَة فِي أ. وَلَا يَسْتَقِيم الْوَزْن بِدُونِهَا.
[٣]
فِي أ: «خالدنا» .
[٤]
هَذِه الْعبارَة: «بطرِيق الْبَصْرَة» سَاقِطَة فِي أ.
[٥]
الشدن: الْإِبِل منسوبة إِلَى شدن، مَوضِع بِالْيمن. وَالشَّجر: الَّتِي فِي
أعينها حمرَة.
قَالَ ابْنُ هِشَام: هَؤُلَاءِ
موَالٍ بَنِي حَنِيفَةَ [١]:
وَنَجَّى يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ
رَكْضٌ ... دِرَاكٌ بَعْدَ مَا وَقَعَ اللِّوَاءُ [٢]
وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ
نَحْبًا [٣] ... بِهِ وَلِكُلِّ مُخْطَأَةٍ وِقَاءُ
وَالنَّحْبُ (أَيْضًا): السَّيْرُ
الْخَفِيفُ الْمُرُّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٤]:
«وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ٣٣: ٢٣»: أَيْ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنْ
نَصْرِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. يَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى: وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ٣٣: ٢٣: أَيْ مَا شَكُّوا وَمَا تَرَدَّدُوا
فِي دِينِهِمْ، وَمَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ. لِيَجْزِيَ اللَّهُ
الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ، أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ٣٣: ٢٤- ٢٥: أَيْ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَمْ يَنالُوا
خَيْرًا، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا
عَزِيزًا. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ٣٣: ٢٥- ٢٦:
أَيْ بَنِي قُرَيْظَةَ «مِنْ صَياصِيهِمْ ٣٣: ٢٦»، وَالصَّيَاصِي: الْحُصُونُ
وَالْآطَامُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سُحَيْمٌ
عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ، وَبَنُو الْحِسْحَاسِ مِنْ بَنِي أَسَدِ ابْن
خُزَيْمَةَ:
وَأَصْبَحَتْ الثِّيرَانُ صَرْعَى
وَأَصْبَحَتْ ... نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا [٥]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَالصَّيَاصِيُّ (أَيْضًا): الْقُرُونُ. قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
وِسَادَةَ رَهْطِي حَتَّى بَقِيتُ
... فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الْأَعْضَبِ [٦]
يَقُولُ: أَصَابَ الْمَوْتُ سَادَةَ
رَهْطِي [٧] . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو دَواُدَ
الْإِيَادِيُّ [٨]:
[١] فِي م، ر: «هُوَ مولى أَبى حنيفَة
الْفَقِيه» .
[٢]
الركض: الجرى. ودراك: متتابع.
[٣]
فِي م، ر: «وَلَو أَدْرَكته لقضيت» .
[٤]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[٥]
كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «يلتقطن» . وَزيد فيهمَا بعد هَذَا الْبَيْت: «ويروى
يبتدرون» .
[٦]
الأعضب: المكسور الْقرن.
[٧]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[٨]
فِي الْأُصُول: «أَبُو دَاوُد» وَهُوَ تَحْرِيف.
فَذَعَرْنَا سُحْمَ الصَّيَاصِي
بِأَيْدِيهِنَّ ... نَضْحٌ مِنْ الْكُحَيْلِ وَقَارُ [١]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ [٢] . وَالصَّيَاصِي (أَيْضًا): الشَّوْكُ الَّذِي لِلنَّسَّاجِينَ، فِيمَا
أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ
الْجُشَمِىِّ، جُشَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ:
نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالرِّمَاحُ [٣]
تَنُوشُهُ [٤] ... كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَالصَّيَاصِيُّ (أَيْضًا): الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْجُلِ الدِّيَكَةِ
نَاتِئَةً كَأَنَّهَا الْقُرُونُ الصِّغَارُ، وَالصَّيَاصِي (أَيْضًا):
الْأُصُولُ. أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: جَذَّ اللَّهُ
صِيصِيَتَهُ: أَيْ أَصْلَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ٣٣: ٢٦»: أَيْ
قَتَلَ الرِّجَالَ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، «وَأَوْرَثَكُمْ
أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُها ٣٣: ٢٧»: يَعْنِي
خَيْبَرَ «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ٣٣: ٢٧» .
(وَفَاةُ
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا
انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ،
فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٥]:
حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ
مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ
قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ
إسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ
[١] ذعرنا، من الذعر، وَهُوَ الْفَزع.
والسحم: السود. والصياصي: الْقُرُون. وَيُرِيد «بسحم الصَّيَاصِي» . الوعول
الَّتِي فِي الْجبَال. ونضح: لطخ. والكحيل: القطران. والقار: الزفت أَرَادَ مَا
فِي أيديها من السوَاد. فشبهه بالكحيل والقار.
[٢]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[٣]
فِي أ: «وَالرِّيح» وَهُوَ تَحْرِيف.
[٤]
تنوشه: تتناوله من قرب.
[٥]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ
لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ [١] الْعَرْشُ؟ قَالَ: فَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ إلَى سَعْدٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٢]:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَتْ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَافِلَةً مِنْ مَكَّةَ، وَمَعَهَا
أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَقِيَهُ مَوْتُ امْرَأَةٍ لَهُ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا بَعْضَ
الْحُزْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ [٣]: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا
يَحْيَى، أَتَحْزَنُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَدْ أُصِبْتُ بِابْنِ عَمِّكَ، وَقَدْ
اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ! قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ
عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا، فَلَمَّا
حَمَلَهُ النَّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفَّةً، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ
[٤]: وَاَللَّهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفَّ
مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: إنَّ لَهُ حَمَلَةً
غَيْرَكُمْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ
بِرُوحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي
مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو ابْن
الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا دُفِنَ سَعْدٌ
وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَبَّحَ النَّاسُ
مَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ
[١] قَالَ السهيليّ عِنْد الْكَلَام على
اهتزاز الْعَرْش: «وَقد تكلم النَّاس فِي مَعْنَاهُ وظنوا أَنه مُشكل. وَقَالَ
بَعضهم: الاهتزاز (هَاهُنَا): بِمَعْنى الاستبشار بقدوم روحه. وَقَالَ بَعضهم:
يُرِيد حَملَة الْعَرْش وَمن عِنْده من الْمَلَائِكَة، استبعادا مِنْهُم لِأَن
يَهْتَز الْعَرْش على الْحَقِيقَة. وَلَا بعد فِيهِ، لِأَنَّهُ مَخْلُوق، وَيجوز
عَلَيْهِ الْحَرَكَة والهزة، وَلَا يعدل عَن ظَاهر (اللَّفْظ) مَا وجد إِلَيْهِ
سَبِيل. وَحَدِيث اهتزاز الْعَرْش لمَوْت سعد صَحِيح. قَالَ أَبُو عمر: هُوَ ثَابت
من طرق متواترة. وَمَا روى من قَول الْبَراء بن عَازِب فِي مَعْنَاهُ: أَنه سَرِير
سعد اهتز، لم يلْتَفت إِلَيْهِ الْعلمَاء، وَقَالُوا: كَانَت بَين هذَيْن
الْحَيَّيْنِ من الْأَنْصَار ضغائن، وَفِي لفظ الحَدِيث: اهتز عرش الرَّحْمَن.
رَوَاهُ أَبُو الزبير عَن جَابر، يرفعهُ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن طَرِيق
الْأَعْمَش عَن أَبى صَالح وأبى سُفْيَان، كِلَاهُمَا عَن جَابر. وَرَوَاهُ من
الصَّحَابَة جمَاعَة غير جَابر، مِنْهُم أَبُو سعيد الخدريّ وَأسيد بن حضير ورميثة
بنت عَمْرو، ذكر ذَلِك التِّرْمِذِيّ، وَالْعجب لما روى عَن مَالك رحمه الله، من
إِنْكَاره للْحَدِيث، وكراهيته للتحدث بِهِ مَعَ صِحَة نَقله، وَكَثْرَة الروَاة
لَهُ. وَلَعَلَّ هَذِه الرِّوَايَة لم تصح عِنْد مَالك، وَالله أعلم»
.
[٢]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[٣]
فِي م، ر: «يَا عَائِشَة» وَهُوَ تَحْرِيف.
[٤]
كَذَا فِي أوالاستيعاب فِي تَرْجَمَة سعد بن معَاذ، وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«الْمُسلمين» .
فَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِمَّ سَبَّحْتُ؟ قَالَ: لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى
هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ، حَتَّى فَرَّجَهُ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ: إنَّ لِلْقَبْرِ لَضَمَّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ
سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ
مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إلَّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو
وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ، حِينَ
اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ وَهِيَ تَبْكِيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَهِيَ كُبَيْشَةُ بِنْتُ
رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ
الْأَبْجَرِ [١]، وَهُوَ خُدْرَةُ [٢] ابْن عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ:
وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدًا [٣] ...
صَرَامَةً وَحَدَّا [٤]
وَسُوْدُدًا وَمَجْدًا ...
وَفَارِسًا مُعَدَّا
سُدَّ بِهِ مَسَدَّا ... يَقُدُّ
هَامًا قَدَّا [٥]
يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ
نَائِحَةٍ تَكْذِبُ، إلَّا نَائِحَةَ [٦] سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
(شُهَدَاءُ
يَوْمِ الْخَنْدَقِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ
يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَّا سِتَّةُ نَفَرٍ.
(مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ):
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ:
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
(مِنْ
بَنِي جُشَمَ):
وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ
الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: الطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ،
وَثَعْلَبَةُ ابْن غَنْمَةَ. رَجُلَانِ.
[١] فِي الِاسْتِيعَاب: «كَبْشَة بنت رَافع
بن عبيد بن ثَعْلَبَة بن عبيد بن الأبجر» .
[٢]
فِي أ: «الأنجر وَهُوَ جدرة» وَهُوَ تَصْحِيف.
[٣]
كسرت اللَّام من «ويل» إتباعا لكسرة الْمِيم من «أم» .
[٤]
فِي أ: «وجدا» .
[٥]
هَذَا الشّطْر سَاقِط فِي أ.
[٦]
فِي أ: «نَاحيَة» وَهُوَ تَحْرِيف.
(مِنْ بَنِي النَّجَّارِ):
وَمِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ
مِنْ بَنِي دِينَارٍ: كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَقَتَلَهُ.
(تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَهْمُ غَرْبٍ
وَسَهْمٌ غَرْبٌ، بِإِضَافَةِ وَغَيْرِ إضَافَةٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ
مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَلَا مَنْ رَمَى بِهِ [١] .
(قَتْلَى
الْمُشْرِكِينَ):
وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ.
(مِنْ
بَنِي عَبْدِ الدَّارِ):
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ
قُصَيٍّ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ
الدَّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُثْمَانُ
بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ.
(عَرْضُ
الْمُشْرِكِينَ عَلَى الرَّسُولِ شِرَاءَ جَسَدِ نَوْفَلٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ، وَكَانَ اقْتَحَمَ
الْخَنْدَقَ، فَتَوَرَّطَ [٢] فِيهِ، فَقُتِلَ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
جَسَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَلَا
بِثَمَنِهِ، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْطَوْا
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِجَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ
الزُّهْرِيِّ.
(مِنْ
بَنِي عَامِرٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي
عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: عَمْرُو ابْن عَبْدِ
وُدٍّ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي
الثِّقَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ وَابْنَهُ
حِسْلَ بْنَ عَمْرٍو.
[١] هَذِه الْعبارَة: «قَالَ ابْن هِشَام ...
رمى بِهِ» سَاقِطَة فِي أ.
[٢]
تورط فِيهِ: انتشب.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ.
(شُهَدَاءُ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ
يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ: خَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، طُرِحَتْ
عَلَيْهِ رَحًى، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: إنَّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ.
وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مُحْصَنِ
بْنِ حَرْثَانَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الَّتِي
يَدْفِنُونَ فِيهَا الْيَوْمَ، وَإِلَيْهِ دَفَنُوا أَمْوَاتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ.
(بَشَّرَ
الرَّسُولُ الْمُسْلِمِينَ بِغَزْوِ قُرَيْشٍ):
وَلَمَّا انْصَرَفَ أَهْلُ
الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا بَلَغَنِي: لَنْ
تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُونَهُمْ.
فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَغْزُوهَا، حَتَّى
فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ.
.jpeg)