recent
آخر المقالات

٥٣ - كتاب الزهد والرقائق

 

١ - (٢٩٥٦) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يعني الدراوردي) عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال:
قال رسول الله ﷺ «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».



(الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) معناه أن كل مؤمن مسجون، ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة. مكلف بفعل الطاعات الشاقة. فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من المنغصات. وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا، مع قلته وتكديره بالمنغصات. فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد.

٢ - (٢٩٥٧) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ) عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛
أن رسول الله ﷺ مر بالسوق، داخلا من بعض العالية، والناس كنفته. فمر بجدي أسك ميت. فتناوله فأخذ بأذنه. ثم قال «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشئ. وما نصنع به؟ قال «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله! لو كان حيا، كان عيبا فيه، لأنه أسك. فكيف وهو ميت؟ فقال «فوالله! للدنيا أهون على الله، من هذا عليكم».


(كنفته) وفي بعض النسخ. كنفتيه. معنى الأول جانبه. والثاني، جانبيه. (جدي أسك) أي صغير الأذنين.

٢ - م - (٢٩٥٧) حدثني محمد بن المثنى العنزي وإبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي. قالا: حدثنا عبد الوهاب (يعنيان الثقفي) عن جعفر، عن أبيه، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بمثله. غير أن في حديث الثقفي: فلو كان حيا كان هذا السكك به عيبا.

٣ - (٢٩٥٨) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قتادة عن مطرف، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر. قال «يقول ابن آدم: مالي. مالي (قال) وهل لك، يا ابن آدم! من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟».

٣ - م - (٢٩٥٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة. وقالا جميعا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وحدثنا ابن الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كلهم عن قتادة، عن مطرف، عن أبيه، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ همام.

٤ - (٢٩٥٩) حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ ميسرة عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
إن رسول الله ﷺ قال «يقول العبد: مالي. مالي. إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى. أو لبس فأبلى. أو أعطى فاقتنى. وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس».


(أو أعطى فاقتنى) هكذا هو في معظم النسخ لمعظم الرواة: فاقتنى. ومعناها ادخر لآخرته. أي ادخر ثوابه. وفي بعضها: فأقنى، بحذف التاء، أي أرضى.

٤ - م - (٢٩٥٩) وحدثنيه أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بن عبد الرحمن، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

٥ - (٢٩٦٠) حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وزهير بن حرب. كلاهما عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
قَالَ رسول الله ﷺ «يتبع الميت ثلاثة. فيرجع اثنان ويبقى واحد. يتبعه أهله وماله وعمله. فيرجع أهله، وماله. ويبقى عمله».

٦ - (٢٩٦١) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (يعني ابن حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ). أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابن شهاب، عن عروة بن الزبير؛ أن المسور بن مخرمة أخبره؛ أن

٢٢٧٤
عمرو بن عوف، وهو حليف بن عامر بن لؤي، وكان شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أخبره؛
أن رسول الله ﷺ بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين. يأتي بجزيتها. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هو صالح أهل البحرين. وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي. فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين. فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة. فوافوا صلاة الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ انصرف. فتعرضوا له. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حين رآهم. ثم قال «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل. يا رسول الله! قال «فأبشروا وأملوا ما يسركم. فوالله! ما الفقر أخشى عليكم. ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم. فتنافسوها كما تنافسوها. وتهلككم كما أهلكتهم».

٦ - م - (٢٩٦١) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ. بإسناد يونس ومثل حديثه. غير أن في حديث صالح «وتلهيكم كما ألهتهم».

٧ - (٢٩٦٢) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بكر بن سوادة حدثه؛ أن يزيد بن رباح (هو أبو فراس، مولى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
عن رسول الله ﷺ؛ أنه قال «إذا فتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟» قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أو غير ذلك. تتنافسون. ثم تتحاسدون. ثم تتدابرون. ثم تتباغضون. أو نحو ذلك.

٢٢٧٥
ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض».


(نقول كما أمرنا الله) معناه نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله. (تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون .. الخ) قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها. والتدابر التقاطع. وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة، أو لا يكون مودة ولا بغض. وأما التباغض فهو بعد هذا. ولهذا رتبت في الحديث. (ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) أي ضعفائهم. فتجعلون بعضهم أمراء على بعض. هكذا فسروه.

٨ - (٢٩٦٣) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قال قتيبة: حدثنا. وقال يحيى: أخبرنا) المغيرة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرج، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله ﷺ قال «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه».

٨ - م - (٢٩٦٣) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حدثنا معتمر عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمِثْلِ حديث أبي الزناد. سواء.

٩ - (٢٩٦٣) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (واللفظ له). حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله ﷺ «انظروا إلى من أسفل منكم. ولا تنظروا إلى من هو فوقكم. فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله».
قال أبو معاوية «عليكم».


(انظروا إلى من أسفل منكم .. الخ) معنى أجدر أحق. وتزدروا تحتقروا. قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير. لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه. هذا هو الموجود في غالب الناس. وأما إذا ما نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله تعالى عليه، فشكرها وتواضع. وفعل فيه الخير.

١٠ - (٢٩٦٤) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة؛ أن أبا هريرة حدثه؛
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يقول «إن ثلاثة في بني إسرائيل. أبرص وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكا. فأتى

٢٢٧٦
الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شك إسحاق) - إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر البقر - قال فأعطى ناقة عشراء. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه. وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس. قال فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت.

٢٢٧٧
قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.
قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فوالله! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك».


(أبرص) قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله. (يبتليهم) أي يختبرهم. (ناقة عشراء) هي الحامل القريبة الولادة. (شاة والدا) أي وضعت ولدها، وهو معها. (فأنتج هذان وولد هذا) هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والناتج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء. (انقطعت بي الحبال) هي الأسباب. وقيل: الطرق. (إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر) أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة. (لا أجهدك اليوم) هكذا هو في رواية الجمهور: أجهدك، بالجيم والهاء. ومعناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه. أو تطلبه من مالي. والجهد المشقة. وفي هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم ما يطلبون مما يمكن، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم. وفيه التحدث بنعمة الله تعالى، وذم جحدها.

١١ - (٢٩٦٥) حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعباس بن عبد العظيم - واللفظ لإسحاق - (قال عباس: حدثنا. وقال إسحاق: أخبرنا) أبو بكر الحنفي. حدثنا بكير بن مسمار. حدثني عامر بن سعد قال:
كان سعد بن أبي وقاص في إبله. فجاءه ابنه عمر. فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فنزل. فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت. سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي».


(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) المراد بالغنى غني النفس. هذا هو الغني المحبوب، لقوله ﷺ «ولكن الغنى غنى النفس». وأما الخفي، فبالخاء المعجمة. هذا هو الموجود في النسخ، والمعروف في الروايات. ومعناه الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه. وفي هذا الحديث حجة لمن يقول: الاعتزال أفضل من الاختلاط.

١٢ - (٢٩٦٦) حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا المعتمر. قال: سمعت إسماعيل عن قيس، عن سعد. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير. حدثنا أبي وابن بِشْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ قَيْسٍ،

٢٢٧٨
قَالَ:
سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: والله! إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله. ولقد كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة، وهذا السمر. حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة. ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين. لقد خبت، إذا وضل عملي. ولم يقل ابن نمير: إذا.


(ورق الحبلة وهذا السمر) هما نوعان من شجر البادية. كذا قال أبو عبيد وآخرون. (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين) قالوا: المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى. قال الهروي: معنى تعزرني توقفني. والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض. قال ابن جرير: معناه تقومني وتعلمني. ومنه تعزير السلطان، وهو تقويمه بالتأديب.

١٣ - (٢٩٦٦) وحدثناه يحيى بن يحيى. أخبرنا وكيع عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وقال: حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع العنز. ما يخلطه بشئ.

١٤ - (٢٩٦٧) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المغيرة. حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير العدوي. قال:
خطبنا عتبة بن غزوان. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بعد. فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء. ولم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء. يتصابها صاحبها. وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم. فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعر. ووالله! لتملأن. أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة. وليأتين عليها يوم

٢٢٧٩
وهو كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ما لنا طعام إلا ورق الشجر. حتى تقرحت أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك. فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا.


(آذنت) أي أعلمت. (بصرم) الصرم الانقطاع والذهاب. (حذاء) مسرعة الانقطاع. (صبابة) البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء. (يتصابها) في القاموس: تصاببت الماء شربت صبابته. (قعرا) قعر الشيء أسفله. (كظيظ) أي ممتلئ. (قرحت) أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته. (سعد بن مالك) هو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رضي الله عنه.

١٤ - م - (٢٩٦٧) وحدثني إسحاق بن عمر بن سليط. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هلال عن خالد بن عمير. وقد أدرك الجاهلية. قال: خطب عتبة بن غزوان، وكان أميرا على البصرة. فذكر نحو حديث شيبان.

١٥ - (٢٩٦٧) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا وكيع عن قرة بن خالد، عن حميد بن هلال، عن خالد بن عمير قال: سمعت عتبة بن غزوان يقول:
لقد رأيتني سابع سبعة مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ما طعامنا إلا ورق الحبلة. حتى قرحت أشداقنا.

١٦ - (٢٩٦٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي هريرة قال:
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يوم القيامة؟ «قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال «فوالذي نفسي بيده! لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك،

٢٢٨٠
وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي رب! فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا رب! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا.
قال ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الذي يسخط الله عليه».


(أي فل) معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي. (أسودك) أي أجعلك سيدا على غيرك. (ترأس) أي تكون رئيس القوم وكبيرهم. (تربع) أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي، بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: اربع على نفسك، أي ارفق بها. (فإني أنساك كما نسيتني) أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي. (ههنا إذا) معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا. (ليعذر) من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.

١٧ - (٢٩٦٩) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النضر. حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري، عن عبيد المكتب، عن فضيل، عن الشعبي، عن أنس بن مالك قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فضحك فقال «هل تدرون مما أضحك؟» قال قلنا: الله ورسوله أعلم. قال «من مخاطبة العبد ربه. يقول: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟ قال يقول: بلى.

٢٢٨١
قال فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا. وبالكرام الكاتبين شهودا. قال فيختم على فيه. فيقال لأركانه: انطقي. قال فتنطق بأعماله. قال ثم يخلى بينه وبين الكلام. قال فيقول: بعدا لكن وسحقا. فعنكن كنت أناضل».


(لأركانه) أي جوارحه. (أناضل) أي أدافع وأجادل.

١٨ - (١٠٥٥) حدثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال:
قال رسول الله ﷺ «اللَّهُمَّ! اجْعَلْ رِزْقَ آل محمد قوتا».


(قوتا) قيل: هو كفايتهم من غير إسراف. وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى: كفافا. وقيل: هو سد الرمق.

١٩ - (١٠٥٥) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو الناقد وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وكيع. حدثنا الأعمش عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال:
قال رسول الله ﷺ «اللَّهُمَّ! اجْعَلْ رِزْقَ آل محمد قوتا». وفي رواية عمرو «اللهم! ارزق».

١٩ - م - (١٠٥٥) وحدثناه أبو سعيد الأشج. حدثنا أبو أسامة. قال: سمعت الأعمش، ذكر عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ «كفافا».

٢٠ - (٢٩٧٠) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَاق: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عائشة، قالت:
ما شبع آل محمد ﷺ، منذ قدم المدينة، من طعام بر، ثلاث ليال تباعا. حتى قبض.

٢١ - (٢٩٧٠) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا) أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:
ما شبع رسول الله ﷺ ثلاثة أيام تباعا، من خبز بر، حتى مضى لسبيله.

٢٢ - (٢٩٧٠) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود، عن عائشة؛ أنها قالت:
ما شبع آل محمد ﷺ من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

٢٣ - (٢٩٧٠) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
ما شبع آل محمد ﷺ من خبز بر، فوق ثلاث.

٢٤ - (٢٩٧٠) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قالت عائشة:
ما شبع آل محمد ﷺ من خبز البر، ثلاثا، حتى مضى لسبيله.

٢٥ - (٢٩٧١) حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ هلال بن حميد، عن عروة، عن عائشة قالت:
ما شبع آل محمد ﷺ يومين من خبز بر، إلا وأحدهما تمر.

٢٦ - (٢٩٧٢) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قال: ويحيى بن يمان حدثنا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، قالت:
إن كنا، آل محمد ﷺ، لنمكث شهرا ما نستوقد بنار. إن هو إلا التمر والماء.


(ويحيى بن يمان حدثنا) معنى هذا الكلام أن عمرا الناقد روى هذا الحديث عن عبدة ويحيى بن يمان. كلاهما عن هشام.

٢٦ - م - (٢٩٧٢) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: أَنّ كنا لنمكث. ولم يذكر آل محمد. وزاد أبو كريب في حديثه عن ابن نمير: إلا أن يأتينا اللحيم.

٢٧ - (٢٩٧٣) حدثنا أبو كريب، محمد بن العلاء بن كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ،

٢٢٨٣
عَنْ أبيه، عن عائشة قالت:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد. إلا شطر شعير في رف لي. فأكلت منه حتى طال علي. فكلته ففني.


(رفي) قال في القاموس: الرف شبه الطاق، عليه طرائف البيت كالرفرف. (شطر شعير) الشطر هنا معناه شيء من شعير. كذا فسره الترمذي. وقال القاضي: قال ابن أبي حازم: معناه نصف وسق.

٢٨ - (٢٩٧٢) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أبيه، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة؛ أنها كانت تقول:
والله! يا ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال. ثلاثة أهلة في شهرين. وما أوقد في أبيات رسول الله ﷺ نار. قال قلت: يا خالة! فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. إلا أنه قد كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جيران من الأنصار. وكانت لهم منائح. فكانوا يرسلون إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ من ألبانها، فيسقيناه.


(منائح) في المصباح: المنحة في الأصل، الشاة أو الناقة، يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها، ثم يردها إذا انقطع اللبن. ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل عطاء.

٢٩ - (٢٩٧٤) حدثني أبو الطاهر أحمد. أخبرنا عبد الله بن وهب. أخبرني أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن قسيط. ح وحدثني هارون بن سعيد. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ ابن قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ:
لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَا شبع من خبز وزيت، في يوم واحد، مرتين.

٣٠ - (٢٩٧٥) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن المكي العطار عن منصور، عن أمه، عن عائشة. ح وحدثنا سعيد بن منصور. حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار. حدثني منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه، صفية، عن عائشة، قالت:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حين شبع الناس من الأسودين: التمر والماء.


(التمر والماء) المراد حين شبعوا من التمر. وإلا فما زالوا شباعا من الماء.

٣١ - (٢٩٧٥) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سفيان، عن منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة، قالت:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقد شبعنا من الأسودين: الماء والتمر.

٣١ - م - (٢٩٧٥) وحدثنا أبو كريب. حدثنا الأشجعي. ح وحدثنا نصر بن علي. حدثنا أبو أحمد. كلاهما عن سفيان، بهذا الإسناد، غير أن في حديثهما عن سفيان: وما شبعنا من الأسودين.

٣٢ - (٢٩٧٦) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قالا: حدثنا مروان (يعنيان الْفَزَارِيُّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أبي حازم، عن أبي هريرة قال:
والذي نفسي بيده! (وقال ابن عباد: والذي نفس أبي هريرة بيده!) ما أشبع رسول الله ﷺ أهله ثلاثة أيام تباعا، من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا.

٣٣ - (٢٩٧٦) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو حازم قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مرارا يقول:
والذي نفس أبي هريرة بيده! ما شبع نبي الله ﷺ وأهله، ثلاثة أيام تباعا، من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا.

٣٤ - (٢٩٧٧) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سماك. قال: سمعت النعمان بن بشير يقول:
ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم ﷺ وما يجد من الدقل، ما يملأ به بطنه.
وقتيبة لم يذكر: به.


(الدقل) التمر الردئ.

٣٥ - (٢٩٧٧) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حدثنا زهير. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُلَائِيُّ. حدثنا إسرائيل. كلاهما عن سماك، بهذا الإسناد، نحوه. وزاد في حديث زهير: وما ترضون دون ألوان التمر والزبد.

٣٦ - (٢٩٧٨) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى). قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يخطب قال:
ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا. فقال: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يظل اليوم يلتوي، ما يجد دقلا يملأ به بطنه.

٣٧ - (٢٩٧٩) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ. سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول:
سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، وسأله رجل، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادما. قال: فأنت من الملوك.

٣٧ - م - (٢٩٧٩) قال أبو عبد الرحمن:
وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وأنا عنده، فقالوا: يا أبا محمد! إنا، والله! ما نقدر على شئ. لا نفقة، ولا دابة، ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم. إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم. وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان. وإن شئتم صبرتم. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء، يوم القيامة، إلى الجنة، بأربعين خريفا». قالوا: فإنا نصبر. لا نسأل شيئا.


(بأربعين خريفا) أي أربعين سنة.

١ - باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين
٣٨ - (٢٩٨٠) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيل. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حدثنا إِسْمَاعِيل بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عُمَرَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لأصحاب الحجر «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين. إلا أن تكونوا

٢٢٨٦
باكين. فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم».


(لأصحاب الحجر) أي في شأنهم. وكان هذا في غزوة تبوك. (أن يصيبكم) أي خشية أن يصيبكم. أو حذر أن يصيبكم.

٣٩ - (٢٩٨٠) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخبرني يونس عن ابن شهاب، وهو يذكر الحجر، مساكن ثمود. قال سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال:
مررنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ على الحجر. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين. حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثم زجر فأسرع حتى خلفها.


(ثم زجر) أي زجر ناقته. فحذف ذكر الناقة للعلم به. ومعناه ساقها سوقا شديدا حتى خلفها، أي جاوز المساكن.

٤٠ - (٢٩٨١) حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛
أن الناس نزلوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ على الحجر، أرض ثمود. فاستقوا من آبارها. وعجنوا به العجين. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين. وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.


(من آبارها) جمع بئر. ويجمع بئر على آبار، كحمل وأحمال. ويجوز قلبه فيقال: آبار. وهو جمع قلة. وفي الرواية الثانية: بئارها. وهو جمع كثرة.

٤٠ - م - (٢٩٨١) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عياض. حدثني عبيد الله، بهذا الإسناد، مثله. غير أنه قال: فاستقوا من بئارها واعتجنوا به.

٢ - باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم
٤١ - (٢٩٨٢) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حدثنا مالك عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ قال «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله

٢٢٨٧
- وأحسبه قال - وكالقائم لا يفتر؛ وكالصائم لا يفطر».


(الساعي) المراد بالساعي الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما. (الأرملة) من لا زوج لها. سواء كانت تزوجت قبل ذلك أم لا. وقيل: هي التي فارقت زوجها. قال ابن قتيبة: سميت أرملة. لما يحصل لها من الإرمال. وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج. يقال: أرمل الرجل، إذا فني زاده.

٤٢ - (٢٩٨٣) حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسحاق بن عيسى. حدثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي، قال: سمعت أبا الغيث يحدث عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله ﷺ «كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والوسطى.


(كافل اليتيم) القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك. وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية. (له أو لغيره) فالذي له أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته، وغيرهم من أقاربه. والذي لغيره أن يكون أجنبيا.

٣ - باب فضل بناء المساجد
٤٣ - (٥٣٣) حدثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابن الحارث)؛ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلَانِيَّ يَذْكُرُ؛
أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرسول اللَّهِ ﷺ: إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول «من بنى مسجدا - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - يَبْتَغِي بِهِ وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة».
وفي رواية هارون «بنى الله له بيتا في الجنة».

٤٤ - (٥٣٣) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كلاهما عن الضحاك. قال ابن المثنى: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ؛
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ المسجد. فكره الناس ذلك. وأحبوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الجنة مثله».

٤٤ - م - (٥٣٣) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. حدثنا أبو بكر الخفي وعبد الملك بن الصباح. كلاهما عن عبد الحميد بن جعفر، بهذا الإسناد، غير أن في حديثهما «بنى الله له بيتا في الجنة».

٤ - باب الصدقة في المساكين
٤٥ - (٢٩٨٤) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ) قَالَا: حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي سلمة عن وهب بن كيسان، عن عبيد بن عمير الليثي، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ قال «بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب. فأفرغ ماءه في حرة. فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله. فتتبع الماء. فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته. فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان. للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان. لاسمك. فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه».


(اسق حديقة فلان) الحديقة القطعة من النخيل. وتطلق على الأرض ذات الشجر. (فتنحى ذلك السحاب) معنى تنحى قصد. يقال: تنحيت الشيء وانتحيته ونحوته، إذا قصدته. ومنه سمي علم النحو. لأنه قصد كلام العرب. (حرة) الحرة أرض بها حجارة سود كثيرة. (شرجة) وجمعها شراج. وهي مسايل الماء في الحرار. (بمسحاته) قال في القاموس: سحا الطين يسحيه ويسحوه ويسحاه سحوا: قشره وجرفه. والمسحاة ما سحي به.

٤٥ - م - (٢٩٨٤) وحدثناه أحمد بن عبدة الضبي. أخبرنا أبو داود. حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة. حدثنا وهب بن كيسان، بهذا الإسناد، غير أنه قال «وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل».

٥ - باب من أشرك في عمله غير الله (وفي نسخة: باب تحريم الرياء)
٤٦ - (٢٩٨٥) حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم. أخبرنا روح بن القاسم عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رسول الله ﷺ «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه».


(تركته وشركه) هكذا وقع في بعض الأصول: وشركه. وفي بعضها: وشريكه. وفي بعضها: وشركته. ومعناه أنه غني عن المشاركة وغيرها. فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير. والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به.

٤٧ - (٢٩٨٦) حدثنا عمر بن حفص بن غياث. حدثني أبي عن إسماعيل بن سميع، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «من سمع سمع الله به. ومن راءى راءى الله به».


(من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به) قال العلماء: معناه من راءى بعمله وسمعه الناس - ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره، سمع الله به يوم القيامة الناس وفضحه. وقيل: معناه من سمع بعيوب الناس وأذاعها، أظهر الله عيوبه. وقيل: أسمعه المكروه. وقيل: أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه، ليكون حسرة عليه. وقيل: معناه من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس، وكان ذلك حظه منه.

٤٨ - (٢٩٨٧) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قال: سمعت جندبا العلقي قال:
قال رسول الله ﷺ «من يسمع يسمع الله به. ومن يرائي يرائي الله به».

٤٨ - م - (٢٩٨٧) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. حدثنا الملائي. حدثنا سفيان، بهذا الإسناد. وزاد: ولم أسمع أحدا غيره يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

٤٨ - م ٢ - (٢٩٨٧) حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي. أخبرنا سفيان عن الوليد بن حرب (قال سعيد: أظنه قال: ابن الحارث بن أبي موسى) قال: سمعت سلمة بن كهيل قال: سمعت جندبا (ولم أسمع أحدا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غيره) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول. بمثل حديث الثوري.

٤٨ - م ٣ - (٢٩٨٧) وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الصدوق الأمين، الوليد بن حرب، بهذا الإسناد.

٦ - باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (وفي نسخة: باب حفظ اللسان)
٤٩ - (٢٩٨٨) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مضر) عن ابن الهاد، عن محمد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ينزل بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب».

٥٠ - (٢٩٨٨) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ العزيز الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبي هريرة؛
أن رسول الله ﷺ قال «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب».


(ما يتبين ما فيها) معناه لا يتدبرها ويتفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها. وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة. وكالكلمة يقذف. أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك.

٧ - باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله
٥١ - (٢٩٨٩) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير وإسحاق بن إبراهيم وأبو كريب - واللفظ لأبي كريب - (قال يحيى وإسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا) أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن شقيق، عن أسامة بن زيد، قال:
قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله! لقد كلمته فيما بيني وبينه. ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه. ولا أقول لأحد،

٢٢٩١
يكون علي أميرا: إنه خير الناس. بعدما سمعت رسول الله ﷺ يقول «يؤتى بالرجل يوم القيامة. فيلقى في النار. فتندلق أقتاب بطنه. فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى. فيجتمع إليه أهل النار. فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه».


(أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم) معناه أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون. (ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه) يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، كما جرى لقتلة عثمان رضي الله عنه. (فتندلق أقتاب بطنه) قال أبو عبيد: الأقتاب الأمعاء. قال الأصمعي: واحدها قتبة. وقال غيره: قتب. وقال ابن عيينة: هي ما استدار في البطن، وهي الحوايا والأمعاء، وهي الأقصاب، واحدها قصب. والاندلاق خروج الشيء من مكانه.

٥١ - م - (٢٩٨٩) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عن الأعمش، عن أبي وائل. قال: كنا عند أسامة بن زيد. فقال رجل: ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع؟ وساق الحديث بمثله.

٨ - باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه
٥٢ - (٢٩٩٠) حدثني زهير بن حرب ومحمد بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبد: حَدَّثَنِي. وقَالَ الآخران: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابن شهاب عن عمه. قال: قال سالم: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول «كل أمتي معافاة إلا المجاهرين. وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه. فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه».
قال زهير «وإن من الهجار».


(معافاة) هكذا هو في معظم النسخ والأصول المعتمدة: معافاة. بالهاء في آخره، يعود إلى الأمة. (إلا المجاهرين) هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة. يقال. جهر بأمره وأجهر وجاهر. (وإن من الإجهار) كذا هو في جميع النسخ: الإجهار. من أجهر. (وإن من الهجار) قيل: إنه خلاف الصواب. وليس كذلك. بل هو صحيح. ويكون الهجار لغة في الإهجار الذي هو الفحش والخنا والكلام الذي لا ينبغي. ويقال في هذا: أهجر، إذا أتى به. كذا قاله الجوهري وغيره.

٩ - باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب
٥٣ - (٢٩٩١) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا حفص (وهو ابن غياث) عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قال:
عطس عند النبي ﷺ رجلان. فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر. فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني. قال «إن هذا حمد الله. وإنك لم تحمد الله».


(فشمت) يقال: شمت بالشين المعجمة والمهملة. لغتان مشهورتان. المعجمة أفصح. قال ثعلب: معناه بالمعجمة، أبعد الله عنك الشماتة. وبالمهملة هو من السمت وهو القصد والهدى.

٥٣ - م - (٢٩٩١) وحدثنا أبو كريب. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ (يَعْنِي الْأَحْمَرَ) عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي، عن أنس، عن النبي ﷺ. بمثله.

٥٤ - (٢٩٩٢) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن نمير (واللفظ لزهير). قالا: حدثنا القاسم بن مالك عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قال:
دخلت على أبي موسى، وهو في بيت بنت الفضل بن العباس. فعطست فلم يشمتني. وعطست فشمتها. فرجعت إلى أمي فأخبرتها. فلما جاءها قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته، وعطست فشمتها. فقال: إن ابنك عطس، فلم يحمد الله، فلم أشمته. وعطست، فحمدت الله، فشمتها. سمعت رسول الله ﷺ يقول «إذا عطس أحدكم فحمد الله، فشمتوه. فإن لم يحمد الله، فلا تشمتوه».


(بنت الفضل بن عباس) هذه البنت هي أم كلثوم بنت الفضل بن عباس، امرأة أبي موسى الأشعري. تزوجها بعد فراق الحسن بن علي لها. وولدت، لأبي موسى، ابنه موسى. ومات عنها فتزوجها بعده عمران بن طلحة. ففارقها وماتت بالكوفة ودفنت بظاهرها.

٥٥ - (٢٩٩٣) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن نمير. حدثنا وكيع. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سلمة بن الأكوع، عن أبيه. ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ؛ أَنَّ أباه حدثه؛
أَنَّهُ

٢٢٩٣
سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ، وعطس رجل عنده فقال له «يرحمك الله» ثم عطس أخرى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الرجل مزكوم».

٥٦ - (٢٩٩٤) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وعلي بن حجر السعدي. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله ﷺ قال «التئاؤب من الشيطان. فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع».


(إذا تثاءب أحدكم) وقع ههنا في بعض النسخ: تثاءب، بالمد مخففا. وفي أكثرها: تثاوب، الواو. وكذا وقع في الروايات الثلاث بعد هذه: تثاوب، بالواو. قال القاضي: قال ثابت: ولا يقال تثاءب، بالمد مخففا، بل تثأب، بتشديد الهمزة. قال ابن دريد أصله من تثأب الرجل بالتشديد، فهو متثئب، إذا استرخى وكسل. قال الجوهري: يقال تثاءبت، بالمد مخففا، على تفاعلت ولا يقال تثاوب. (فليكظم) الكظم هو الإمساك. قال العلماء: أمر بكظم التثاؤب ورده، ووضع اليد على الفم، لئلا يبلغ الشيطان مراده، من تشويه صورته، ودخوله فمه، وضحكه منه.

٥٧ - (٢٩٩٥) حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الواحد. حدثنا بشر بن المفضل. حدثنا سهيل بن أبي صالح، قال: سمعت ابنا لأبي سعيد الخدري يحدث أبي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إذا تثاوب أحدكم، فليمسك بيده على فيه. فإن الشيطان يدخل».

٥٨ - (٢٩٩٥) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عن سهيل، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبيه؛
أن رسول الله ﷺ قال «إذا تثاوب أحدكم، فليمسك بيده، فإن الشيطان يدخل».

٥٩ - (٢٩٩٥) حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وكيع عن سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ ابن أبي سعيد الخدري، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إذا تثاوب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع. فإن الشيطان يدخل».

٥٩ - م - (٢٩٩٥) حدثناه عثمان بن أبي شيبة. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، وعن ابن أبي سعيد، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. بمثل حديث بشر وعبد العزيز.

١٠ - باب في أحاديث متفرقة
٦٠ - (٢٩٩٦) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حميد (قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا) عبد الرزاق. أخبرنا معمر عن الزهري، عن عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم».


(الجان) الجن. (مارج) المارج اللهب المختلط بسواد النار.

١١ - باب في الفأر وأنه مسخ
٦١ - (٢٩٩٧) حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى العنزي ومحمد بن عبد الله الرزي. جميعا عن الثقفي (واللفظ لابن المثنى). حدثنا عبد الوهاب. حدثنا خالد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال:
قال رسول الله ﷺ «فقدت أمة من بني إسرائيل، لا يدري ما فعلت. ولا أراها إلا الفأر. ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه. وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته؟».
قال أبو هريرة: فحدثت هذا الحديث كعبا فقال: آنت سمعته من رسول الله ﷺ؟ قلت: نعم. قال ذلك مرارا. قلت: أأقرأ التوراة؟ قال إسحاق في روايته «لا ندري ما فعلت».


(ألا ترونها إذا وضعت لها ألبان الإبل) معنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل، دون لحوم الغنم وألبانها. فدل امتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل. (أأقرأُ التوراة؟) بهمزة الاستفهام. وهو استفهام إنكار. ومعناه: ما أعلم، ولا عندي شيء إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. ولا أنقل عن التوراة ولا غيرها من كتب الأوائل شيئا. بخلاف كعب الأحبار وغيره ممن له علم بعلم أهل الكتاب.

٦٢ - (٢٩٩٧) وحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قال «الفأرة مسخ. وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه. ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه» فقال له كعب: أسمعت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قال: أفأنزلت علي التوراة؟

١٢ - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
٦٣ - (٢٩٩٨) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن عقيل، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة،
عن النبي ﷺ، قال «لا يلدغ المؤمن، من جحر واحد، مرتين».


(لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) الرواية المشهورة: لا يلدغ، برفع الغين. وقال القاضي: يروى على وجهين: أحدهما بضم الغين، على الخبر، ومعناه المؤمن الممدوح، وهو الكيس الحازم، الذي لا يستغفل فيخدع مرة بعد أخرى ولا يفطن لذلك. وقيل: إن المراد الخداع في أمور الآخرة دون الدنيا. والوجه الثاني بكسر الغين، على النهي أن يؤتى من جهة الغفلة قال: وسبب الحديث معروف، وهو أن النبي ﷺ أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر. فمن عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه وأطلقه. فلحق بقومه. ثم رجع إلى التحريض والهجاء. ثم أسره يوم أحد. فسأله المن. فقال النبي ﷺ «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» وهذا السبب يضعف الوجه الثاني.

٦٣ - م - (٢٩٩٨) وحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالَا: أَخْبَرَنَا ابن وهب عَنْ يُونُسَ. ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابن شهاب عن عمه، عن ابن الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمِثْلِهِ.

١٣ - باب المؤمن أمره كله خير
٦٤ - (٢٩٩٩) حدثنا هداب بن خالد الأزدي وشيبان بن فروخ. جميعا عن سليمان بن المغيرة (واللفظ لشيبان). حدثنا سليمان. حدثنا ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عن صهيب، قال:
قال رسول الله ﷺ «عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له».

١٤ - باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح
٦٥ - (٣٠٠٠) حدثنا يحيى بن يحيى. حدثنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أبيه، قال:
مدح رجل رجلا، عند النبي ﷺ قال، فقال «ويحك! قطعت عنق صاحبك. قطعت عنق صاحبك» مرارا «إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا. والله حسيبه. ولا أزكي على الله أحدا. أحسبه، إن كان يعلم ذاك، كذا وكذا».


(مدح رجل رجلا) ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهي عن المدح. وقد جاءت أحاديث كثيرة، في الصحيحين، بالمدح في الوجه. قال العلماء: وطريق الجمع بينهما أن النهي محمول على المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح. وأما من لا يخاف عليه ذلك، لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه، إذا لم يكن فيه مجازفة. بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخبر والازدياد منه، أو الدوام عليه، أو الاقتداء به، كان مستحبا. (قطعت عنق صاحبك) وفي رواية: قطعتم ظهر الرجل. معناه أهلكتموه. وهذه استعارة من قطع العنق، الذي هو القتل، لاشتراكهما في الهلاك. لكن هلاك هذا الممدوح في دينه، وقد يكون من جهة الدنيا، لما يشتبه عليه، من حاله بالإعجاب. (ولا أزكى على الله أحدا) أي لا أقطع على عاقبة أحد ولا ضميره، لأن ذلك مغيب عني. ولكن أحسب وأظن، لوجود الظاهر المقتضى لذلك.

٦٦ - (٣٠٠٠) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وحدثني أبو بكر بن نافع. أخبرنا غندر قال: شعبة حدثنا عن خالد الحذاء، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أنه ذكر عنده رجل. فقال رجل: يا رسول الله! ما من رجل، بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَفْضَلُ منه في كذا وكذا. فقال النبي ﷺ «ويحك! قطعت عنق صاحبك» مرارا يقول ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إن كان أحدكم مادحا أخاه، لا محالة، فليقل: أحسب فلانا، إن كان يرى أنه كذلك. ولا أزكى على الله أحدا».

٦٦ - م - (٣٠٠٠) وحدثنيه عمرو الناقد. حدثنا هاشم بن القاسم. ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا

٢٢٩٧
شبابة بن سوار. كلاهما عن شعبة، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. وليس في حديثهما: فقال رجل: ما من رجل بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَفْضَلُ منه.

٦٧ - (٣٠٠١) حدثني أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن زكرياء عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي موسى، قَالَ:
سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يثني على رجل، ويطريه في المدحة. فقال «لقد أهلكتم، أو قطعتم، ظهر الرجل».


(ويطريه في المدحة) الإطراء مجاوزة الحد في المدح. والمدحة، بكسر الميم.

٦٨ - (٣٠٠٢) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى. جميعا عن ابن مهدي (واللفظ لابن الْمُثَنَّى) قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عن حبيب، عن مجاهد، عن أبي معمر، قال:
قام رجل يثني على أمير من الأمراء. فجعل المقداد يحثي عليه التراب، وقال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن نحثي في وجوه المداحين التراب.


(أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن نحثي في وجوه المداحين التراب) هذا الحديث، قد حمله على ظاهره المقداد، الذي هو راويه. ووافقه طائفة. وكانوا يحثون التراب في وجهه حقيقة. وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم.

٦٩ - (٣٠٠٢) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحارث؛
أن رجلا جعل يمدح عثمان. فعمد المقداد. فجثا على ركبتيه. وكان رجلا ضخما. فجعل يحثو في وجهه الحصباء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب».

٦٩ - م - (٣٠٠٢) وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار. قالا: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور. ح وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا الأشجعي، عبيد الله بن عبيد الرحمن عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن إبراهيم، عن همام، عن المقداد، عن النبي ﷺ. بمثله.

١٥ - باب منازلة الأكبر
٧٠ - (٣٠٠٣) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حدثنا صخر (يعني ابن جُوَيْرِيَةَ) عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ. فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ. أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ. فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا. فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فدفعته إلى الأكبر».

١٦ - باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم
٧١ - (٢٤٩٣) حدثنا هارون بن معروف. حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام، عن أبيه، قال: كان أبو هريرة يحدث ويقول:
اسمعي يا ربة الحجرة! اسمعي يا ربة الحجرة! وعائشة تصلي. فلما قضت صلاتها قالت لعروة: ألا تسمع إلى هذا ومقالته آنفا؟ إنما كان النبي ﷺ يحدث حديثا، لو عده العاد لأحصاه.


(اسمعي يا ربة الحجرة) يعني عائشة. ومراده بذلك تقوية الحديث بإقرارها ذلك وسكوتها عليه. ولم تنكر عليه شيئا من ذلك سوى الإكثار من الرواية في المجلس الواحد، لخوفها أن يحصل بسببه سهو ونحوه.

٧٢ - (٣٠٠٤) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
أَنّ رَسُولَ الله ﷺ قال «لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن

٢٢٩٩
فليمحه. وحدثوا عني، ولا حرج. ومن كذب علي - قال همام أحسبه قال - متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».


(لا تكتبوا عني) قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم. فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم. ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف. واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي. فقيل: هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة، إذا كتب. وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه. كحديث «اكتبوا لأبي شاه» وحديث صحيفة علي رضي الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات. وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين. وحديث أبي هريرة؛ أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب. وغير ذلك من الأحاديث وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث. وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن. فلما أمن ذلك، أذن في الكتابة وقيل: إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لئلا يختلط، فيشتبه على القارئ.

١٧ - باب قصة أصحاب الإخدود والساحر والراهب والغلام
٧٣ - (٣٠٠٥) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة. حدثنا ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عن صهيب؛
إن رسول الله ﷺ قال «كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت. فابعث إلي غلاما أعلمه السحر. فبعث إليه غلاما يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهب. فقعد إليه وسمع كلامه. فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني! أنت، اليوم، أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدل علي. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجئ بالغلام. فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه

٢٣٠٠
حتى دل على الراهب. فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار. فوضع المئشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جئ بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل. فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر. فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد. وتصلبني على جذع. ثم خذ سهما من كنانتي. ثم ضع السهم في كبد القوس. ثم قل: باسم الله، رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد. وصلبه على جذع. ثم أخذ سهما من كنانته. ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله، رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السهم. فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت

٢٣٠١
تحذر؟ قد، والله! نزل بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت. وأضرم النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري. فإنك على الحق».


(الأكمه) الذي خلق أعمى. (بالمئشار) مهموز في رواية الأكثرين: ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء. وروى: المنشار، بالنون. وهما لغتان صحيحتان. (ذروته) ذروة الجبل أعلاه، وهي بضم الذال وكسرها. (فرجف بهم الجبل) أي اضطرب وتحرك حركة شديدة. (قرقور) القرقور السفينة الصغيرة. وقيل: الكبيرة. واختار القاضي الصغيرة، بعد حكايته خلافا كثيرا. (فانكفأت بهم السفينة) أي انقلبت. (صعيد) الصعيد، هنا، الأرض البارزة. (كبد القوس) مقبضها عند الرمي. (نزل بك حذرك) أي ما كنت تحذر وتخاف. (بالأخدود) الأخدود هو الشق العظيم في الأرض، وجمعه أخاديد. (أفواه السكك) أي أبواب الطرق. (فأحموه فيها) هكذا هو في عامة النسخ: فأحموه، بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة. ونقل القاضي اتفاق النسخ على هذا. ووقع في بعض نسخ بلادنا: فأقحموه، بالقاف. وهذا ظاهر. ومعناه اطرحوه فيها كرها. ومعنى الرواية الأولى ارموه فيها. من قولهم: أحميت الحديدة وغيرها، إذا أدخلتها النار لتحمى. (فتقاعست) أي توقفت ولزمت موضعها، وكرهت الدخول في النار.

١٨ - باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر
٧٤ - (٣٠٠٦) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وتقاربا في لفظ الحديث) والسياق لهارون. قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد، أبي حزرة، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصامت، قال:
خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أول من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله ﷺ. ومعه غلام له. معه ضمامة من صحف. وعلى أبي اليسر بردة ومعافري. وعلى غلامه بردة ومعافري. فقال له أبي: يا عم! إني أرى

٢٣٠٢
في وجهك سفعة من غضب. قال: أجل. كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال. فأتيت أهله فسلمت. فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا. فخرج علي ابن له جفر. فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلت: اخرج إلي. فقد علمت أين أنت. فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا، والله! أحدثك. ثم لا أكذبك. خشيت، والله! أن أحدثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله ﷺ. وكنت، والله معسرا. قال قلت: آلله! قال: الله! قلت: آلله! قال: الله. قلت: آلله! قال: الله. قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني. وإلا، أنت في حل. فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله ﷺ وهو يقول «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظله الله في ظله».


(أبا اليسر) اسمه كعب بن عمرو. شهد العقبة وبدرا. وهو ابن عشرين سنة. وهو آخر من توفي من أهل بدر رضي الله عنهم. توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين. (ضمامة من صحف) بكسر الضاد المعجمة، أي رزمة يضم بعضها إلى بعض. هكذا وقع في جميع نسخ مسلم: ضمامة. وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ. قال القاضي: وقال بعض شيوخنا: صوابه إضمامة، بكسر الهمزة قبل الضاد. قال القاضي: ولا يبعد عندي صحة ما جاءت به الرواية هنا. كما قالوا: ضبارة وإضبارة لجماعة الكتب. ولفافة لما يلف فيه الشئ. هذا كلام القاضي. وذكر صاحب نهاية الغريب أن الضمامة لغة في الإضمامة. والمشهور في اللغة: إضمامة بالألف. (بردة) البردة شملة مخططة. وقيل: كساء مربع فيه صغر، يلبسه الأعراب. وجمعه برد. (ومعافري) نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر. وقيل: هي نسبة إلى قبيلة نزلت تلك القرية. والميم فيه زائدة. (سفعة من غضب) هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير. (جفر) الجفر هو الذي قارب البلوغ. وقيل: هو الذي قوي على الأكل. وقيل: ابن خمس سنين. (أريكة أمي) قال ثعلب: هي السرير الذي في الحجلة، ولا يكون السرير المفرد. وقال الأزهري. كل ما اتكأت عليه فهو أريكة. (قلت: آلله: قال الله) الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام. والثاني بلا مد. والهاء فيهما مكسورة. هذا هو المشهور. قال القاضي: رويناه بكسرها وفتحها معا. قال: وأكثر أهل العربية لا يجيزون غير كسرها. (بصر عيني هاتين) هو بفتح الصاد ورفع الراء هذه رواية الأكثرين. ورواه جماعة بضم الصاد وفتح الراء، عيناي هاتان. وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى. (سمع أذني هاتين) بإسكان الميم ورفع العين. هذه رواية الأكثرين. ورواه جماعة سمع بكسر الميم، أذناي هاتان. وكلاهما صحيح ولكن الأول أولى. (مناط قلبه) هو بفتح الميم. وفي بعض النسخ المعتمدة: نياط، بكسر النون. ومعناهما واحد. وهو عرق معلق بالقلب.

(٣٠٠٧) - قال فقلت له أنا:
يا عم! لم أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك، وأخذت

٢٣٠٣
معافريه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلة وعليه حلة. فمسح رأسي وقال: اللهم! بارك فيه. يا ابن أخي! بصر عيني هاتين، وسمع إذني هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله ﷺ وهو يقول «أطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون». وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة.


(وأخذت) هكذا هو في جميع النسخ: وأخذت، بالواو. وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ والروايات. ووجه الكلام وصوابه أن يقول: أو أخذت، بأو. لأن المقصود أن يكون على أحدهما بردتان، وعلى الآخر معافريان. (حلة) الحلة ثوبان: إزار ورداء. قال أهل اللغة: لا تكون إلا ثوبين. سميت بذلك لأن أحدهما يحل على الآخر وقيل: لا تكون الحلة إلا الثوب الجديد الذي يحل من طيه.

(٣٠٠٨) - ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يصلي في ثوب واحد، مشتملا به. فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة. فقلت: يرحمك الله! أتصلي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا. وفرق بين أصابعه وقوسها: أردت أن يدخل علي الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله.
أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في مسجدنا هذا. وفي يده عرجون ابن طاب. فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون. ثم أقبل علينا فقال «أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟» قال فخشعنا. ثم قال «أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟» قال فخشعنا. ثم قال «أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟» قلنا: لا أينا، يا رسول الله! قال «فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه. فلا يبصقن قبل وجهه. ولا عن يمينه. وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى. فإن عجلت به بادرة

٢٣٠٤
فليقل بثوبه هكذا» ثم طوى ثوبه بعضه على بعض فقال «أروني عبيرا» فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله. فجاء بخلوق في راحته. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فجعله على رأس العرجون. ثم لطخ به على أثر النخامة.
فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.


(مشتملا به) أي ملتحفا. اشتمالا ليس باشتمال الصماء المنهي عنه. (يدخل علي الأحمق مثلك) المراد بالأحمق، هنا، الجاهل. وحقيقة الأحمق من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه. (عرجون) هو الغصن. (ابن طاب) نوع من التمر. (فخشعنا) كذا رواية الجمهور: فخشعنا. ورواه جماعة فجشعنا. وكلاهما صحيح. والأول من الخشوع وهو الخضوع والتذلل والسكون. وأيضا غض البصر. وأيضا الخوف. وأما الثاني فمعناه الفزع. (قبل وجهه) قال العلماء: تأويله أي الجهة التي عظمها أو الكعبة التي عظمها قبل وجهه. (فإن عجلت به بادرة) أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه. (أروني عبيرا) قال أبو عبيد: العبير، عند العرب، هو الزعفران وحده. وقال الأصمعي: هو أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران. قال ابن قتيبة: ولا أرى القول إلا ما قاله الأصمعي. (يشتد) أي يسعى ويعدو عدوا شديدا. (بخلوق) هو طيب من أنواع مختلفة يجمع بالزعفران، وهو العبير على تفسير الأصمعي. وهو ظاهر الحديث. فإنه أمر بإحضار عبير فأحضر خلوقا. فلو لم يكن هو هو، لم يكن ممتثلا.

(٣٠٠٩) - سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غزوة بطن بواط. وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني. وكان الناضح يعقبه منا الخمسة والستة والسبعة. فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له. فأناخه فركبه. ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن. فقال له: شأ. لعنك الله. فقال رسول الله ﷺ «من هذا اللاعن بعيره؟» قال: أنا. يا رسول الله! قال «انزل عنه. فلا تصحبنا بملعون. لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم».


(بطن بواط) قال القاضي رحمه الله: قال أهل اللغة: هو بالضم، وهي رواية أكثر المحدثين. وكذا قيده البكري. وهو جبل من جبال جهينة. (الناضح) هو البعير الذي يستقى عليه. (يعقبه) هكذا هو في رواية أكثرهم: يعقبه. وفي بعضها: يعتقبه. وكلاهما صحيح. يقال: عقبه. واعتقبه. واعتقبنا. كله من هذا. (عقبة رجل) العقبة ركوب هذا نوبة وهذا نوبة. قال صاحب العين: هي ركوب مقدار فرسخين. (فتلدن عليه بعض التلدن) أي تلكأ وتوقف. (شأ لعنك الله) هكذا هو في نسخ بلادنا: شأ. وذكر القاضي عياض أن الرواة اختلفوا فيه. فرواه بعضهم بالشين المعجمة، كما ذكرناه، وبعضهم بالمهملة. قالوا: وكلاهما كلمة زجر للبعير. يقال: شأشأت بالبعير، بالمعجمة والمهملة إذا زجرته وقلت له شأ.

(٣٠١٠) - سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. حتى إذا كانت عشيشة ودنونا ماء من مياه العرب، قال رسول الله ﷺ «من رجل يتقدمنا فيمدر الحوض فيشؤب ويسقينا؟» قال جابر: فقمت فقلت: هذا رجل، يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أي رجل مع جابر؟» فقام جبار بن صخر. فانطلقنا إلى البئر. فنزعنا في الحوض سجلا أو سجلين. ثم مدرناه. ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه. فكان أول طالع عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فقال «أتأذن؟» قلنا: نعم. يا رسول الله! فأشرع ناقته فشربت. شنق لها فشجت فبالت. ثم عدل بها فأناخها. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الحوض فتوضأ منه. ثم قمت فتوضأت من متوضإ رسول الله ﷺ. فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ليصلي. وكانت علي بردة ذهبت أن أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي. وكانت لها ذباذب فنكستها ثم خالفت بين طرفيها. ثم تواقصت عليها. ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله ﷺ. فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه. ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ. ثم جاء فقام عن يسار رسول الله ﷺ.

٢٣٠٦
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بيدنا جميعا. فدفعنا حتى أقامنا خلفه. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يرمقني وأنا لا أشعر. ثم فطنت به. فقال هكذا، بيده. يعني شد وسطك. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال «يا جابر!» قلت: لبيك. يا رسول الله! قال «إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه. وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك».


(عشيشة) قال سيبويه: صغروها على غير تكبيرها. وكان أصلها عشية، فأبدلوا إحدى الياءين شينا. (فيمدر الحوض) أي يطينه ويصلحه. (فنزعنا في الحوض سجلا) أي أخذنا وجبلنا. والسجل الدلو المملوءة. (حتى أفهقناه) هكذا هو في نسخنا. وكذا ذكره القاضي عن الجمهور: ومعناه ملأناه. (شنق لها) يقال: شنقها وأشنقها. أي كففتها بزمامها وأنت راكبها. قال ابن دريد: هو أن تجذب زمامها حتى تقارب رأسها قادمة الرحل. (فشجت) يقال: فشج البعير إذا فرج بين رجليه للبول. وفشج أشد من فشج. قاله الأزهري وغيره. هذا الذي ذكرناه من ضبطه هو الصحيح الموجود في عامة النسخ. وهو الذي ذكره الخطابي والهروي وغيرهما من أهل الغريب. (ذباذب) أي أهداب وأطراف. واحدها ذبذب. سميت بذلك لأنها تتذبذب على صاحبها إذا مشى. أي تتحرك وتضطرب. (فنكستها) بتخفيف الكاف وتشديدها. قال في المصباح: نكسته نكسا، من باب قتل، قلبته. ومنه قيل ولد منكوس، إذا خرج رجلاه قبل رأسه. (تواقصت عليها) أي أمسكت عليها بعنقي وحنيته عليها لئلا تسقط. (يرمقني) أي ينظر إلي نظرا متتابعا. (فاشدده على حقوك) هو بفتح الحاء وكسرها. وهو معقد الإزار. والمراد هنا أن يبلغ السرة.

(٣٠١١) - سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وكان قوت كل رجل منا، في كل يوم، تمرة. فكان يمصها ثم يصرها في ثوبه. وكنا نختبط بقسينا ونأكل. حتى قرحت أشداقنا. فأقسم أخطئها رجل منا يوما. فانطلقنا به ننعشه. فشهدنا أنه لم يعطها. فأعطيها فقام فأخذها.


(وكنا نختبط بقسينا) معنى نختبط نضرب الشجر ليتحات ورقه فنأكله. والقسى جمع قوس. (حتى قرحت أشداقنا) أي تجرحت من خشونة الورق وحرارته. (فأقسم أخطئها) معنى أقسم أحلف. وقوله أخطئها أي فاتته. ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم. فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانا فلم يعطه تمرته، وظن أنه أعطاه. فتنازعا في ذلك. وشهدنا له أنه لم يعطها، فأعطيها بعد الشهادة. (ننعشه) أي نرفعه ونقيمه من شدة الضعف والجهد. وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له.

(٣٠١٢) - سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حتى نزلنا واديا أفيح. فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقضي حاجته. فاتبعته بإداوة من ماء. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال «انقادي علي بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش، الذي يصانع قائده. حتى أتى الشجرة الأخرى. فأخذ بغصن من أغصانها.

٢٣٠٧
فقال «انقادي علي بإذن الله» فانقادت معه كذلك. حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال «التئما علي بإذن الله» فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحش رسول الله ﷺ بقربي فيبتعد (وقال محمد بن عباد: فيتبعد) فجلست أحدث نفسي. فحانت مني لفتة، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مقبلا. وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كل واحدة منهما على ساق. فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثم أقبل. فلما انتهى إلي قال «يا جابر! هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم. يا رسول الله! قال «فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك».
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته. فانذلق لي. فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا. ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. أَرْسَلَتْ غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثم لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال «إني مررت بقبرين يعذبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين».


(واديا أفيح) أي واسعا. (بشاطئ الوادي) أي جانبه. (كالبعير المخشوش) هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد. وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئا. ولهذا قال: الذي يصانع قائده. (بالمنصف) هو نصف المسافة. (لأم) روى بهمزة مقصورة: لأم. وممدودة: لاءم. وكلاهما صحيح. أي جمع بينهما. (فخرجت أحضر) أي أعدوا وأسعى سعيا شديدا. (فحانت مني لفتة) اللفتة النظرة إلى جنب. (وحسرته) أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطعي الأغصان به. (فانذلق) أي صار حادا. (أن يرفه عنهما) أي يخفف.

(٣٠١٣) - قال فأتينا العسكر. فقال رسول الله ﷺ «يا جابر! ناد بوضوء» فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل

٢٣٠٨
من الأنصار يبرد لرسول الله ﷺ الماء، في أشجاب له، على حمارة من جريد. قال فقال لي «انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ؟» قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فقلت: يا رسول الله! إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها. لو أني أفرغه لشربه يابسه. قال «اذهب فأتني به» فأتيته به. فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو. ويغمزه بيديه. ثم أعطانيه فقال «يا جابر! ناد بجفنة» فقلت: يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله ﷺ بيده في الجفنة هكذا. فبسطها وفرق بين أصابعه. ثم وضعها في قعر الجفنة. وقال «خذ. يا جابر! فصب علي. وقل: باسم الله» فصببت عليه وقلت: باسم الله. فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله ﷺ. ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت. فقال «يا جابر! ناد من كان له حاجة بماء» قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا. قال فقلت: هل بقي أحد له حاجة. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يده من الجفنة وهي ملأى.


(في أشجاب له) الأشجاب جمع شجب. وهو السقاء الذي قد أخلق وبلى وصار شنا. يقال شاجب أي يابس. وهو من الشجب الذي هو الهلاك. (حمارة) هي أعواد تعلق عليها أسقية الماء. (إلا قطرة) أي يسيرا. (لشربه يابسه) معناه أنه قليل جدا. فلقلته، مع شدة يبس باقي الشجب، وهو السقاء، لو أفرغته لاشتفه اليابس منه ولم ينزل منه شئ. (ويغمز بيديه) أي يعصره. (ياجفنة الركب) أي يا صاحب جفنة الركب. فحذف المضاف للعلم بأنه المراد، وأن الجفنة لا تنادى. ومعناه يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها. أي من كان عنده جفنة بهذه الصفة، فليحضرها.

(٣٠١٤) - وشكا الناس إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الجوع. فقال «عسى الله أن يطعمكم» فأتينا سيف البحر.

٢٣٠٩
فزخر البحر زخرة. فألقى دابة. فأورينا على شقها النار. فاطبخنا واشتوينا، وأكلنا حتى شبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة، في حجاج عينها. ما يرانا أحد. حتى خرجنا. فأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه. ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفل في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه.


(فأتينا سيف البحر) سيف البحر هو ساحله. (فزخر البحر) أي علا موجه. (فأورينا) أي أوقدنا. (حجاج عينها) هو عظمها المستدير بها. (وأعظم كفل) قال الجمهور: المراد بالكفل، هنا، الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط. فيحفظ الكفل الراكب. قال الهروي: قال الأزهري: ومنه اشتقاق قوله تعالى: يؤتكم كفلين من رحمته، أي نصيبين يحفظانكم من الهلكة، كما يحفظ الكفل الراكب. يقال منه: تكفلت البعير وأكفلته، إذا أدرت ذلك الكساء حول سنامه ثم ركبته. وهذا الكساء كفل.

١٩ - باب في حديث الهجرة. ويقال له: حديث الرحل
٧٥ - (٢٠٠٩) حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أعين. حدثنا زهير. حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يقول:
جاء أبو بكر الصديق إلى أبي في منزله. فاشترى منه رحلا. فقال لعازب: ابعث معي ابنك يحمله معي إلى منزلي. فقال لي أبي: احمله. فحملته. وخرج أبي معه ينتقد ثمنه. فقال له أبي: يا أبا بكر! حدثني كيف صنعتما ليلة سريت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قال: نعم. أسرينا ليلتنا كلها. حتى قام قائم الظهيرة. وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد. حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل. لم تأت عليه الشمس بعد. فنزلنا عندها. فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا. ينام فيه النبي ﷺ في ظلها. ثم بسطت عليه فروة. ثم قلت: نم.

٢٣١٠
يا رسول الله! وأنا أنفض لك ما حولك. فنام. وخرجت أنفض ما حوله. فإذا أنا براعي غنم مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا. فلقيته فقلت: لمن أنت؟ يا غلام! فقال: لرجل من أهل المدينة. قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم. فأخذ شاة. فقلت له: انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى (قال فرأيت البراء يضرب بيده على الأخرى ينفض) فحلب لي، في قعب معه، كثبة من لبن. قال ومعي إدواة أرتوي فيها للنبي ﷺ، ليشرب منها ويتوضأ. قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ. وكرهت أن أوقظه من نومه. فوافقته استيقظ. فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله. فقلت: يا رسول الله! اشرب من هذا اللبن. قال فشرب حتى رضيت. ثم قال «ألم يأن للرحيل؟» قلت: بلى. قال فارتحلنا بعد ما زالت الشمس. واتبعنا سراقة بن مالك. قال ونحن في جلد من الأرض. فقلت: يا رسول الله! أتينا. فقال «لا تحزن إن الله معنا» فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فارتطمت فرسه إلى بطنها. أرى فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي. فادعوا لي. فالله لكما أن أرد عنكما الطلب. فدعا الله. فنجى. فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتكم ما ههنا. فلا يلقى أحدا إلا رده. قال ووفى لنا.


(ينتقد ثمنه) أي يستوفيه. (سريت) يقال: سرى وأسرى، لغتان، بمعنى. (قائم الظهيرة) نصف النهار. وهو حال استواء الشمس. سمي قائما لأن الظل لا يظهر، فكأنه واقف قائم. (رفعت لنا صخرة) أي ظهرت لأبصارنا. (ثم بسطت عليه فروة) المراد الفروة المعروفة التي تلبس. (وأنا أنفض لك ما حولك) أي أفتش، لئلا يكون هناك عدو. (من أهل المدينة) المراد بالمدينة، هنا، مكة. ولم تكن مدينة النبي ﷺ سميت بالمدينة، إنما كان اسمها يثرب. (قعب) القعب قدح من خشب مقعر. (كثبة) الكثبة هي قدر الحلبة. قاله ابن السكيت. وقيل: هي القليل منه. (إدواة) الإدواة كالركوة. وفي النجد: إناء صغير من جلد. (أرتوى) أستقي. (في جلد من الأرض) أي أرض صلبة. وروى: جدد، وهو المستوي. وكانت الأرض مستوية صلبة. (فارتطمت فرسه إلى بطنها) أي غاصت قوائمها في تلك الأرض الجلد.

٧٥ - م - (٢٠٠٩) وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عمر. ح وحَدَّثَنَاه إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. كلاهما عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء. قال:
اشترى أبو بكر من أبي رحلا بثلاثة عشر درهما. وساق الحديث. بمعنى حديث زهير عن أبي إسحاق. وقال في حديثه، من

٢٣١١
رواية عثمان بن عمر: فلما دنا دعا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه. ووثب عنه. وقال: يا محمد! قد علمت أن هذا عملك. فادع الله أن يخلصني مما أنا فيه. ولك علي لأعمين على من ورائي. وهذه كنانتي. فخذ سهما منها. فإنك ستمر على إبلي وغلماني بمكان كذا وكذا. فخذ منها حاجتك. قال «لا حاجة لي في إبلك» فقدمنا المدينة ليلا. فتنازعوا أيهم ينزل عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فقال «أنزل على بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك» فصعد الرجال والنساء فوق البيوت. وتفرق الغلمان والخدم في الطرق. ينادون: يا محمد! يا رسول الله! يا محمد! يا رسول الله!


(فساخ فرسه في الأرض) هو بمعنى ارتطمت. (لأعمين على من ورائي) يعني لأخفين أمركم عمن ورائي ممن يطلبكم، وألبسه عليهم حتى لا يتبعكم أحد.

 


google-playkhamsatmostaqltradent