١ - باب في التجارة يُخالطها الحلِف واللَّغو
٣٣٢٦
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو
معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي وائل
عن قيس بن أبي غَرَزةَ، قال: كنا في
عهد رسولِ الله ﷺ نُسمَّى السماسِرةَ، فمرَّ بنا رسولُ الله ﷺ فسمانا باسم هو
أحسنُ منه، فقال: «يا مَعشَرَ التجّار، إن البيعَ يحضُره اللغوُ والحلِفُ، فشُوبوه
بالصَّدَقة» (١).
٣٣٢٧
- حدَّثنا الحسنُ بن علي والحُسين بن
عيسى البَسطاميُّ وحامدُ بن يحيى وعَبدُ الله بن محمد الزهريُّ، قالوا: حدَّثنا
سفيانُ، عن جامعِ بن أبي راشدٍ وعبدِ الملك بن أَعْيَنَ وعاصمٍ، عن أبي وائلٍ
(١) إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة،
والأعمش: هو سليمان بن مِهران، وأبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، ومُسَدَّد:
هو ابن مُسرْهَد.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٤٥)، والترمذي
(١٢٥٠) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٦١٣٤).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي في «معالم السنن» ٣/ ٥٣:
السمسار أعجمي، وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجمًا، فتلقنوا هذا الاسم
عنهم، فغيره رسول الله ﷺ إلى التجارة التي ير من الأسماء العربية، وذلك معنى قوله:
فسمانا باسم هو أحسن منه.
وقال صاحب النهاية: السمسار: القيم
بالأمر الحافظ له". وهو اسم للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطًا لامضاء
البيع، والسمسرة: البيع والشراء.
عن قيس بن أبي غَرَزةَ، بمعناه، قال:
«يحضُره الحلف والكذبُ» وقال عبدُ الله الزهريُّ: «اللغوُ والكذبُ» (١).
٢
- باب في
استخراج المعادن
٣٣٢٨
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ
القَعنبيُّ، حدَّثنا عبدُ العزيز بنُ محمد-، عن عَمرٍو -يعني ابنَ أبي عَمرٍو-، عن
عِكرمةَ
عن ابن عباس: أن رجلًا لزم غَرِيمًا
له بعشرة دنانير، قال: والله ما أفارقُك حتى تقضيَني، أو تأتيَني بحَمِيلٍ، قال:
فتَحَمَّلَ بها النبيَّ ﷺ، فأتاه بقَدْر ما وعَدَه، فقال له النبيَّ ﷺ: «مِن أين
أصَبْتَ هذا الذهبَ؟» قال: من مَعْدِنٍ، قال: «لا حاجةَ لنا فيها، ليس فيها خيرٌ»
فقضاها عنه رسول الله ﷺ (٢).
(١) إسناده صحيح من طريق جامع بن أبي راشد.
عاصم: هو ابن أبي النَّجُود، المعروف بابن بهدَلة، وهو حسن الحديث، وعبد الملك بن
أعين ضعيف، لكن جامعًا متابعهما ثقة. عبد الله بن محمد الزهري: هو ابن عبد الرحمن
بن المسور بن مَخْرَمة، سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه النسائي (٣٧٩٨) من طريق سفيان
بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٢٤٩) من طريق عاصم
بن أبي النجود وحده، به.
وأخرجه النسائي (٣٧٩٧) من طريق عبد
الملك بن أعين وحده، به.
وأخرجه النسائي (٣٨٠٠) و(٤٤٦٣) من
طريق منصور بن المعتمر، و(٣٧٩٩) من طريق مغيرة بن مقسم، كلاهما عن أبي وائل، به.
وانظر ما قبله.
قلنا: وطريق الحسن بن علي -وهو
الخلال- زيادة أثبتناها من (هـ) وهي برواية ابن داسه.
(٢)
إسناده جيد من أجل عمرو بن أبي عمرو -وهو مولى المطّلب- فهو صدوق لا بأس به.
=
٣ - باب اجتناب الشبُهات
٣٣٢٩
- حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا أبو
شِهابٍ، حدَّثنا ابنُ عَونٍ، عن الشعبيِّ قال:
= وأخرجه ابن ماجه (٢٤٠٦) من طريق عبد
العزيز بن محمد الدراوردي، بهذا إلاسناد. قال الخطابي: في هذا الحديث إثبات
الحمالة والضمان، وفيه إثبات ملازمة الغريم، ومنعه من التصرف حتى يُخرِجَ الحقَّ
الذي عليه. وأما ردّه الذهب الذي استخرجه من المعدن، وقوله: «لا حاجة لنا فيه ليس
فيه خير» فيشبه أن يكون ذلك لسبب علمه فيه خاصة، لا من جهة أن الذهب المستخرج من
المعدن لا يباح تموله وتملكه، فإن عامة الذهب والورِق مستخرجة من المعادن، وقد
أقطع رسول الله ﷺ بلال بن الحارث المعادن القَبَليَّه، وكانوا يؤدون عنها الحق،
وهو عمل المسلمين وعليه أمر الناس إلى اليوم. ويُحتمل أن يكون ذلك من أجل أن أصحاب
المعادن يبيعون ترابها ممن يعالجه فيحصل ما فيه من ذهب أو فضة، وهو غرر، لا يدرى
هل يوجد فيه شيء منهما أم لا؟ وقد كره بيع تراب المعادن جماعة من العلماء منهم
عطاء والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وفيه وجه آخر: وهو أن معنى قوله: «لا
حاجة لنا فيها، وليس لنا فيها خير» أي: ليس لها رواج ولا لحاجتنا فيها نجاح، وذلك
أن الذي كان تحمله عنه دنانير مضروبة، والذي جاء به تِبْر غير مضروب، وليس بحضرته
من يضربه دنانير، وإنما كان تحمل إليهم الدنانير من بلاد الروم، وأول من وضع السكة
في الإسلام وضرب الدنانير عبدُ الملك ابن مروان.
وقد يحتمل ذلك أيضًا وجهًا آخر، وهو
أن يكون إنما كرهه لما يقع فيه من الشبهة، ويدخله من الغرر عند استخراجهم إياه من
المعدن، وذلك أنهم إنما استخرجوه بالعشر أو الخمس أو الثلث مما يصيبونه، وهو غرر
لا يُدرى هل يصيب العامل فيه شيئًا أم لا؟ فكان ذلك بمنزلة العقد على رد الآبق
والبعير الشارد، لأنه لا يُدرى أيظفر به أم لا؟ وفيه أيضًا نوع من الخطر والتغرير
بالأنفس، لأن المعدن ربما انهار على من يعمل فيه، فكره من أجل ذلك معالجته
واستخراج ما فيه.
سمعتُ النعمانَ بن بَشيرٍ -ولا أسمع
أحدًا بعده- يقول: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «إن الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرامَ
بَيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتَبِهات -أحيانًا يقول: مشتبهة- وسأضرِبُ لكم في ذلك
مثلًا: إن الله حَمَى حِمًى، وإن حِمى الله ما حَرَّمَ، وإنه مَن يَرْع حَول
الحِمى يُوشك أن يُخَالطَه، وإنَّه مَن يُخَالِطُ الريبةَ يُوشِكُ أن يَجسُرَ» (١).
٣٣٣٠
- حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ،
أخبرنا عيسى، حدَّثنا زكريا، عن عامرِ الشعبيِّ، قال: سمعتُ النعمان بن بَشير،
يقول:
سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول، بهذا
الحديث، قال: «وبينهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقَى
الشبهاتِ استبرأ عِرضَهُ ودينَهُ، ومن وقع في الشبهاتِ وقعَ في الحرامِ، (٢).
(١) إسناده صحيح. الشعبي: هو عامر بن
شَراحيل، وابن عون: هو عبد الله بن عون بن أرطبان، وأبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع
الحنّاط.
وأخرجه البخاري (٢٠٥١)، ومسلم
(١٥٩٩)، والترمذي (١٢٤٥)، والنسائي (٤٤٥٣) و(٥٧١٠) من طرق عن عامر الشعبي، به.
وهو في»مسند أحمد«(١٨٣٤٧)، و»صحيح
ابن حبان" (٧٢١) و(٥٥٦٩).
وانظر ما بعده.
(٢)
إسناده صحيح. زكريا: هو ابن أبي زائدة، وعيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي.
وأخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩)،
وابن ماجه (٣٩٨٤)، والترمذي (١٢٤٦) من طريق زكريا بن أبي زائدة، به.
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: هذا الحديث أصل في
الورع وفيما يلزم الإنسان اجتنابُه من الشبهة والريب. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
= ومعنى قوله: «وبينهما أمور مشتبهات»
أي: إنها تشتبه على بعض الناس دون بعض، وليس أنها في ذوات أنفسها مشتبهة لا بيان
لها في جملة أصول الشريعة، فإن الله تعالى لم يترك شيئا يجب له فيه حكم إلا وقد
جعل فيه بيانًا، ونصب عليه دليلًا، ولكن البيان ضربان: بيان جلي، يعرفه عامة الناس
كافة، وبيان خفي لا يعرفه إلا الخاص من العلماء الذين عُنوا بعلم الأصول فاستدركوا
معاني النصوص، وعرفوا طريق القياس والاستنباط ورد الشيء إلى المثل والنظير. ودليلُ
صحة ما قلناه، وأن هذه الأمور ليست في أنفسها مشتبهة: قوله: «لا يعرفها كثير من الناس»
وقد عقل ببيان فحواه أن بعض الناس يعرفونها، وإن كانوا قليلي العدد، فإذا صار
معلومًا عند بعضهم فليس بمشتبه في نفسه، ولكن الواجب على من اشتبه عليه أن يتوقف
ويستبرىء الشكَّ، ولا يُقدم إلا على بصيرة، فإنه إن أقدم على الشيء قبل التثبت
والتبيُّن لم يأمن من أن يقع في المحرم عليه، وذلك معنى الحمى، وضربه المثل به.
وقوله: «الحلالُ بينٌ والحرام بين»
أصل كبير في كثير من الأمور والأحكام إذا وقعت فيها الشبهة، أو عرض فيها الشك،
ومهما كان ذلك، فإن الواجبَ أن ينظرَ، فإذا كان للشيء أصل في التحريم والتحليل،
فإنه يتمسك به ولا يفارقه باعتراض الشك حتى يزيلَه عنه يقينُ العلم فالمثال في
الحلال الزوجة تكون للرجل والجارية تكون عنده يتسرى بها ويطؤها، فيشك هل طلق تلك،
أو أعتق هذه، فهما عنده على أصل التحليل حتى يتحقق وقوع طلاق أو عتق، وكذلك الماء
يكون عنده وأصله الطهارة، فيشك: هل وقعت فيه نجاسة أم لا؟ فهو على أصل الطهارة حتى
يتيقن أن قد حلته نجاسة وكالرجل يتطهر للصلاة ثم لك في الحدث، فإنه يصلي ما لم
يعلم الحدث يقينًا وعلى هذا المثال.
وأما الشيء إذا كان أصلُه الحظر
وإنما يستباح على شرائط وعلى هيئات معلومة كالفروج لا تحل إلا بعدَ نكاح أو ملك
يمين، وكالشاة لا يحِلُّ لحمها إلا بذكاة، فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط
وحصولها يقينًا على الصفة التي جعلت علمًا للتحليل كان باقيًا على أصل الحظر
والتحريم، وعلى هذا المثال فلو اختلطت امرأته بنساء أجنبيات أو اختلطت مذكاة
بميتات ولم يميزها بعينها، وحب عليه أن يجتنبها كلها ولا يقربها، وهذان القسمان
حكمهما الوجوب واللزوم. =
٣٣٣١ - حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا
هُشَيمٌ، أخبرنا عبَّاد بن راشدٍ، سمعت سعيد بن أبي خَيرةَ، حدَّثنا الحسنُ منذ
أربعين سنة، عن أبي هريرة، قال: قال النبي ﷺ. قال أبو داود: وحدَّثنا وهبُ بن
بقيةَ، أخبرنا خالدٌ، عن داودَ بنِ أبي هندٍ -وهذا لفظه- عن سعيد بن أبي خَيْرةَ،
عن الحسن
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال:
«لَيأتيننَّ على النَّاس زمانٌ لا يبقَى أحدٌ إلا أكل الرِّبا، فإن لم يأكله أصابه
من بُخارِه» قال ابن عيسى: «أصابه من غُبارِه» (١).
= وهاهنا قسم ثالث: وهو أن يوجد الشيء
ولا يُعرف له أصل متقدم في التحريم ولا في التحليل، وقد استوى وجه الإمكان فيه
حلًا وحرمة، فإن الورع فيما هذا سبيله الترك والاجتناب، وهو غير واجب عليه وجوب
النوع الأول، وهكذا كما روي عن النبي ﷺ أنه مرّ بتمرة ملقاة في الطريق، فقال:
«لولا أني أخاف أن تكون صدقة لأكلتها، وقدم له الضب فلم يأكله، وقال:»إن أمة مسخت
فلا أدري لعلها منها«أو كما قال، ثم إن خالد بن الوليد أكله بحضرته فلم ينكره،
ويدخل في هذا الباب معاملة من كان في ماله شبهةٌ أو خالطه الربا، فإن الاختيار
تركها إلى غيرها، وليس بمحرم عليك ذلك ما لم يتيقن أن عينه حرام أو مخرجه من الحرام،
وقد رهن رسول الله ﷺ درعه من يهودي على أصوعُ من شعير أخذها لقوت أهله، ومعلوم
أنهم يربون في تجاراتهم، ويستحِلُّون أثمان الخمور، ووصفهم الله تعالى بأنهم:
﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة:٤٢] فعلى هذه الوجوه
الثلاثة يجري الأمر فيما ذكرته لك.
وقوله:»فمن اتقى الشبهات استبرأ
لدينه وعرضه«أصل في باب الجرح والتعديل، وفيه دلالة على أن من لم يتوق الشبهات في
كسبه ومعاشه، فقد عرض دينه وعرضه للطعن، وأهدفهما للقول.
وقوله:»من وقع في الشبهات وقع في
الحرام" يريد أنه إذا اعتادها واستمر عليها أدته إلى الوقوع في الحرام بأن
يتجاسر عليه فيواقعه. يقول: فليتق الشبهة ليسلم من الوقوع في المحرم.
(١)
إسناده ضعيف. سعيد بن أبي خَيرَةَ لم يوثقه غير ابن حبان ولا يُعرف هذا الحديث إلا
به، والحسن -وهو البصري- لم يسمع من أبي هريرة. =
٣٣٣٢ - حدَّثنا محمدُ بن العلاء، أخبرنا
ابنُ إدريسَ، أخبرنا عاصمُ بن كُلَيب، عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: ْ خرجْنا
مع رسولِ الله ﷺ في جَنَازةٍ، فرأيتُ رسولَ الله ﷺ وهو على القبر يُوصي الحافرَ:
«أوْسِعْ من قِبَلِ رجلَيه، أوسِعْ من قِبَل رأسِه»، فلما رجع استقبلَه داعي
امرأةٍ، فجاء، وجيء بالطَّعام فوضَع يدَه، ثم وضع القومُ فأكلُوا، ففطِنَ آباؤنا
ورسولُ الله ﷺ يلوكُ لقمةَ في فمه، ثم قال: «أجِدُ لحمَ شاةٍ أُخِذَت بغير إذن
أهلها» فأرسلتِ المرأةُ: يا رسولَ الله، إني أرسلتُ إلى النقيع تُشتَرى لي شاةٌ،
فلم أجِدْ، فارسلتُ إلى جارٍ لي قد اشترى شاةً: أن أرسِلْ بها إليّ بثمنِها فلم
يوجَدْ، فأرسلتُ إلى امرأتِه، فأرسلتْ إليّ بها، فقال رسولُ الله ﷺ: «أطْعِمِيهِ
الأُسارَى» (١).
= وأخرجه ابن ماجه (٢٢٧٨)، والنسائي
(٤٤٥٥) من طريق داود بن أبي هند، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٤١٠).
وأخرج البخاري في «صحيحه» (٢٥٨٣) من
حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «لياتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ
من المال، أمِن الحلال أم من حرام.
(١)
إسناده قوي من أجل عاصم بن كليب - وهو ابن شهاب- فهو وأبوه صدوقان لا بأس بهما.
ابن إدريس: هو عَبد الله.
وأخرجه محمد بن الحسن الشيباني
في»الآثار«كما في»نصب الراية«٤/ ١٦٨، وأحمد (٢٢٥٠٩) و(٢٣٤٦٥)، والطحاوي في»شرح
مشكل الآثار«(٣٠٠٥) و(٣٠٠٦) وفي»شرح معاني الأثار«٤/ ٢٠٨، والدارقطنى (٤٧٦٣)
و(٤٧٦٤) و(٤٧٦٥)، والبيهقي في»السنن«٥/ ٣٣٥، وفي»الدلائل«٦/ ٣١٠ من طرق عن عاصم بن
كليب، به.
والنقيع: قال في»النهاية": موضع
قريب من المدينة، كان يَستنقعُ فيه الماءُ، أي: يجتمعُ.
٤ - باب في آكلِ الربا وموكلِه
٣٣٣٣
- حدَّثنا أحمدُ بن يونَس، حدَّثنا
زهيرٌ، حدَّثنا سماكٌ، حدَّثني عبدُ الرحمن بن عبد الله بن مَسعودِ
عن أبيه، قال: لعنَ رسولُ الله ﷺ
آكِلَ الربا وموكلَه وشاهدَه وكاتبَه (١).
(١) إسناده حسن من أجل سماك -وهو ابن حرب-.
زهير: هو ابن معاوية.
وأخرجه أحمد (٣٧٢٥)، وابن ماجه
(٢٢٧٧)، والترمذي (١٢٤٧)، وابن حبان (٥٠٢٥) من طريق سماك بن حرب، به.
وأخرجه أحمد (٣٨٨١)، والنسائي في
«الكبرى» (٥٥١٢) و(٨٦٦٦) من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن الحارث بن عبد
الله الأعور، عن عبد الله بن مسعود. والحارث الأعور ضعيف.
وأخرجه أحمد (٤٢٨٣) و(٤٤٠٣)، ومسلم
(١٥٩٧) من طريقين عن ابن مسعود.
وليس فيه: «وشاهده وكاتبه».
وله شاهد بتمامه من حديث جابر بن عبد
الله عند مسلم (١٥٩٨).
ويشهد لذكر آكل الربا وموكله حديث
أبي جحيفة عند البخاري (٢٠٨٦) قال: نهى النبي ﷺ عن ثمن الكلب، وثمن الدم، ونهى عن
الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصوّر.
قال المناوي في «فيض القدير» ٥/ ٢٦٨:
قال الحرالي: عبر بالأكل عن المتناولِ، لأنه أكبر المقاصد وأضرها، ويجري من
الإنسان مجرى الدم، و«موكله» معطيه ومطعمه، و«كاتبه وشاهده» واستحقاقهما اللعن من
حيث رضاهما به وإعانتهما عليه، وهم في حال أنهم يعلمون أنه ربا، لأن منهم المباشر
للمعصية والمتسبب فيها وكلاهما آثم، أحدهما بالمباشرة والآخر بالسببية، قال
الذهبي: وليس إثم من استدان محتاجًا لربا كإثم المرابي الغني، بل دونه، واشتركا في
الوعيد.
٥ - باب في وَضْعِ الربا
٣٣٣٤
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو
الأحوصِ، حدَّثنا شَبيبُ بن غَرقَدةَ، عن سليمانَ بن عَمرٍو
عن أبيه، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ في
حجةِ الوداعِ يقول: «ألا إنَّ كلَّ ربًا من ربا الجاهليةِ مَوضوعٌ، لكم رؤوسُ
أموالِكم لا تَظلِمونَ ولا تُظلَمونَ، ألا وإن كلَّ دمٍ من دمِ الجاهلية مَوضوعٌ،
وأولُ دمٍ أضعُ منها دَمُ الحارثِ بن عبد المطّلب» كان مُستَرْضَعًا في بني ليث،
فقَتلتْه هُذَيلٌ، قال: «اللهم هلْ بلَّغت»، قالوا: نعم، ثلاث مرات، قال: «اللهم
اشهد» ثلاث مرات (١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في الشواهد.
سليمان بن عمرو بن الأحوص، روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وهو ابن
صحابي، وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» في ترجمة أبيه عمرو بن الأحوص: وحديثه في
الخطبة عن النبي ﷺ صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (٣٠٥٥)، والترمذي
(٢٢٩٨) و(٣٣٤١)، والنسائي في «الكبرى» (٤٠٨٥) و(١١١٤٩) من طريق شبيب بن غرقدة، به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ويشهد له حديث جابر بن عبد الله
الطويل في حجة الوداع السالف عند المصنف برقم (١٩٠٥)، وهو عند مسلم (١٢١٨).
قال الخطابي: في هذا مِن الفقه أن ما
أدركه الإسلامُ من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالردِّ والنكير، وأن الكافر إذا
أربى في كفره ولم يقبضِ المالَ حتى أسلم، فإنه يأخذ رأس المال، ويضع الربا، فاما
ما كان قد مضى من أحكامهم فإن الإسلام يلقاها بالعفو، فلا يعترض عليهم في ذلك ولا
يتتبع أفعَالهم في شيء منه، فلو قَتَل في حال كفره وهو في دار الحرب ثم أسلم، فإنه
لا يُتتبع بما كان فيه في حال كفره، ولو أسلم زوجان من الكفار وتحاكما إلينا في
مهر مِن خمر أو خنزير أو ما أشبههما من المحرم =
٦ - باب كراهية اليمين في البيع
٣٣٣٥
- حدَّثنا أحمدُ بن عَمرِو بن
السَّرْح، حدَّثنا ابنُ وفبِ وحدَّثنا أحمدُ ابن صالح، حدَّثنا عَنبسةُ، عن يونسَ،
عن ابن شهابٍ، قال: قال ابنُ المسيَّب:
إن أبا هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله
ﷺ يقول: «الحَلِفُ مَنْفَقةٌ للسِّلعةِ مَمْحَقةٌ للبركة -قال ابن السَّرح:
للكَسْبِ-» وقال: عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرةَ، عن النبي ﷺ (١).
= فإنه يُنظر: فإن كانت لم تقبضه منه
كلَّه، فإنا نُوجب لها عليه مهر المثل. ولو قبضت نصفه وبقي النصفُ، فإنا نوجب عليه
الباقي من نصف المهر، ونجعل الفائت من النصف الآخر كأن لم يكن، وعلى هذا إن كان
نكاحًا يريدون أن يستأنفوا عقده فإنا لا نجيزُ من ذلك إلا ما أباحه حكمُ الإسلام،
فإن كان أمرًا ماضيًا فإنا لا نفسخه ولا نَعرِض له، وعلى هذا القياس جميعُ هذا
الباب.
وقوله: «دم الحارث بن عبد المطلب»
فإن أبا داود هكذا رواه، وإنما هو في سائر الروايات: «دم ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب». وحدثني عبد الله بن محمد المكي قال: حدَّثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي
عبيدة قال: وأخبرني ابن الكلبي: أن ربيعة بن الحارث لم يُقتل وقد عاش بعد النبي ﷺ
إلى زمن عمر، وإنما قُتل له ابن صغير في الجاهلية، فأهدر النبي ﷺ دمه فيما أهدر،
ونسب الدم إليه لأنه هو وليُّ الدم.
(١)
إسناده صحيح من جهة ابن وهب -وهو عبد الله-، فأما عنبسة -وهو ابن خالد بن يزيد
الأيلي- فضعيف.
وأخرجه البخاري (٢٠٨٧)، ومسلم
(١٦٠٦)، والنسائي (٤٤٦١) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٠٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٠٦) من طريق عبد الرحمن بن يعقوب الحُرقي مولاهم، عن أبي هريرة
مقيدًا باليمين الكاذبة.
تنبيه: من قوله: قال: «اللهم هل
بلّغت ...» إلى آخر الحديث أثتناه من (هـ) وحدها.
٧ - باب في الرجحان في الوزن، والوزن بالأجر
٣٣٣٦
- حدَّثنا عُبيد الله بن مُعاذٍ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا سفيانُ، عن سماكِ بن حَرْبٍ
حدَّثني سويدُ بن قيسِ، قال: جَلَبتُ
أنا ومَخْرَفَةُ العبْديُّ بَزًّا من
هَجَر، فأتينا به مكَّة، فجاءَنا
رسولُ الله ﷺ يمشي، فساومَنا بسراويلَ، فبعناه، وثمَّ رجلٌ يزِنُ بالأجْر، فقال له
رسولُ الله ﷺ: «زِنء وأَرْجِحْ» (١).
= وقوله: «الحلف» بفتح الحاء وكسر
اللام: اليمين الكاذبة على البيع، وفي رواية مسلم: «اليمين» ولأحمد «اليمين
الكاذبة». «منفقة»: مفعلة من: نفقَ البيعُ: راج ضد كسد. «للسلعة» بكسر السين:
البضاعة، أي: رواج لها. ممحقة: مفعلة من المحق، أي: مذهبة للبركة، أي: مَظنَّة
للمحق وهو النقص والمحو والإبطال.
قال الراغب: فحق المسلم أن يتحاشى من
الاستعانة باليمين في الحق، وأن يتحقق قدر المقسم به، ويعلم أن الأعراض الدنيوية
أخسُّ من أن يُفزع فيها إلى الحلف بالله، فإنه إذا قال: والله إنه لكذا تقديره: إن
ذلك حق كما أن وجود الله حق، وهذا الكلام يتحاشى منه من في قلبه حبة خردل من تعظيم
الله ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة:٤١]
(١)
إسناده حسن من أجل سماك بن حرب. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٢٠) و(٣٥٧٩)،
والترمذي (١٣٥٣)، والنسائي (٤٥٩٢) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد. وقال
الترمذي: حديث سويد حديث حسن صحيح. وأهل العلم يستحبون الرُّجحان في الوزن. ورواية
ابن ماجه الثانية مختصرة بلفظ: أتانا النبي ﷺ فسَاومنا سراويل.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٠٩٨).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «زن وأرجِح» فيه
دليل على جواز هبة المشاع، وذلك أن مقدار الرجحان هبة منه للبائع، وهو غير متميز
من جملة الثمن. وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وفي معناهما أجرة
القسام والحاسب، وكان سعيد بن المسيب ينهى عن أجرة القسام وكرهها أحمد بن حنبل.
=
٢٣٣٧ - حدَّثنا حفصُ بن عُمر ومسلمُ بن
إبراهيمَ -المعنى قريب-، قالا: حدَّثنا شُعبةُ، عن سماكِ بن حرب
عن أبي صفوانَ بن عَميرةَ، قال:
أتيتُ رسولَ الله ﷺ بمكة قبل أن يُهاجِر، بهذا الحديث، ولم يذكر: يزنُ بأجرٍ (١).
قال أبو داودَ: رواه قيسٌ كما قال
سفيانُ، والقولُ قولُ سفيانَ.
٣٣٣٨
- حدَّثنا ابنُ أبي رِزْمَةَ، سمعتُ
أبي يقول: قال رجلٌ لشعبةَ: خالفَك سفيانُ، قال: دمَغْتَني.
وبلَغني عن يحيى بن معين، قال: كل
مَن خالف سفيانَ، فالقول قولُ سفيان (٢).
٣٣٣٩
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
وكيع، قال: قال شعبةُ: كان سفيانُ أحفظَ مني (٣).
= قال الشيخ: وفي مخاطبة النبي ﷺ وأمره
إياه به كالدليل على أن وزن الثمن على المشتري، فإذا كان الوزن عليه، لأن الإبقاء
يلزمه، فقد دل على أن أجرة الوازن عليه، فإذا كان على المشتري فقياسه في السلعة
المبيعة أن تكون على البائع.
(١)
حديثٌ حسَنٌ، وهذا إسناد خالف فيه شعبةُ -وهو ابن الحجاج- سفيانَ الثوريَّ في
الإسناد السابق، حيث رواه شعبةُ عن سماك بن حرب، عن أبي صفوان بن عميرة، وقول
سفيان مقدم على قول شعبة فيما قاله شعبة نفسه كلما في الروايتين الآتيتين.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٢١)، والنسائي
(٤٥٩٣) من طريق شعبة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٠٩٩).
وانظر ما قبله.
(٢)
رجاله ثقات. ابن أبي رِزْمة: هو محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة.
(٣)
رجاله ثقات. وكيع: هو ابن الجرّاح الرؤاسي.
٨ - باب في قول النبي ﷺ: «المكيال مكيال أهل المدينة»
٣٣٤٠
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا ابن دُكَين، حدَّثنا سفيانُ، عن حنظلةَ، عن طاووسٍ
عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«الوزْنُ وزْنُ أهلِ مكةَ، والمكيالُ مكيالُ أهلِ المدينة» (١).
(١) إسناده صحيح. طاووس: هبر ابن كيسان
اليماني، وحنظلة: هو ابن أبي سفيان، وسفيان: هو الثوري. وابن دُكَين: هو أبو نعيم
الفضل بن دُكَين. وقد صحح هذا الحديث الدارقطني والنووي وابن دقيق العيد والعلائي
فيما نقله عنهم المناوي في «فيض القدير» ٦/ ٣٧٤.
وأخرجه النسائي (٢٥٢٠) و(٤٥٩٤) من
طريق أبي نعيم الفضل بن دُكين، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٢٨٣).
قال الخطابي: إنما جاء الحديث في نوع
ما يتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله سبحانه دون ما يتعامل به الناس في
بياعاتهم وأمور معاشهم، فقوله: «الوزن وزن أهل مكة» يريد وزن الذهب والفضة خصوصًا
دون سائر الأوزان، ومعناه أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة في النقود وزن أهل
مكة، وهي دراهم الإسلام المعدَّلة منها العشرة بسبعة مثاقيل، فإذا ملك رجل منها
مئتي درهم وجبت فيها الزكاة، وذلك أن الدراهم مختلفة الأوزان في بعض البلدان
والأماكن ... والدرهم الوزان الذي هو من دراهم الإسلام الجائزة بينهم في عامة
البلدان: ستة دوانيق. وهو نقد أهل مكة ووزنهم الجائز بينهم ...
قال: وأما الدنانير فمشهور من أمرها
أنها كانت تحمل إليهم من بلاد الروم، وكانت العرب تسميها الهِرَقْلية ... فلما
أراد عبدُ الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم سأل عن أوزان الجاهلية، فأجمعوا
له على أن المثقال اثنان وعشرون قيراطًا إلا حبة بالشامي، وأن العشرة دراهم وزن
سبعة مثاقيل، فضربها على ذلك.
قال: فأما أوزان الأرطال والأمناء،
فهو بمعزل عن هذا، وللناس فيها عادات مختلفة في البلدان قد أقِرَّوا عليها، مع
تباينها واختلافها، كالشامي والحجازي والعراقي ... وكل =
قال أبو داودَ: وكذا رواهُ
الفِريابيُّ وأبو أحمدَ عن سفيان، وافقَهما في المتن، وقال أبو أحمد -وأخطأ- عن
ابن عباس، مكانَ ابن عمر ورواه الوليد بن مسلم، عن حنظلةَ، قال: وزنُ المدينةِ
ومكيالُ مكةَ.
= من أهل هذه البلدان محمول على عرف
بلده وعادة قومة، لا يُنقَل عنها، ولا يُحمل على
سواها، وليست كالدراهم والدنانير
التي حُمل الناس فيها على عيارٍ واحدٍ وحكمٍ سواء ...
ثم قال: وأما قوله: «والمكيال مكيال
أهل المدينة» فإنما هو الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات، ويجب إخراج صدقة الفطر
به، ويكون تقدير النفقات وما في معناها بعياره، والله أعلم.
وللناس صيعان مختلفة: فصاع أهل
الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي.
وصاع أهل البيت -فيما يذكلره زعماء
الشيعة- تسعة أرطال وثلث، وينسبونه إلى جعفر بن محمد، وصاع أهل العراق ثمانية
أرطال، وهو صاع الحجاج الذي سعّر به على أهل الأسواق.
ولما ولي خالد بن عبد الله القسري
العراق ضاعف الصاع فبلغ به ستة عر رطلًا.
فإذا جاء باب المعاملات حملنا الصاع
العراقي على الصاع المتعارف المشهور عند أهل بلاده، والحجازي على الصاع المعروف
ببلاد الحجاز، وكذلك كل أهل بلد على عرف أهله.
وإذا جاءت الشريعة وأحكامها فهو صاع
المدينة، فهو معنى الحديث ووجهه عندي، والله أعلم.
قلنا: مقدار ما سبَق ذكره من
المكاييل والأوزان بالمقاييس المعاصرة كما سيأتى:
أما الدرهم فيساوي (٢.٩٧٥) غم.
وأما الدينار فيساوي (٤.٢٥) غم.
والقيراط يساوي (٠.٢٤٧٥) غم إذا
اعتبرنا المثقال مقسمًا إلى اثنين وعشرين قيراطا.
والحبة تساوي (٠.٠٥٩) غم من الذهب.
والعشرة دراهم تساوي (٢.٩٧٥ × ١٠) =
(٢٩.٧٥) غم.
والرطل البغدادي يساوي (٤٠٨) غم،
وعليه يكون الصالح البغدادي (٢١٧٦) غم وتحسب سائر الصيعان على أساس الرطل البغدادي.
واختُلِف في المتن في حديث مالك بن
دينارٍ، عن عطاءٍ، عن النبي ﷺ في هذا.
٩
- باب
التشديد في الدَّين
٣٣٤١
- حدَّثنا سعيدُ بن منصورٍ، حدَّثنا
أبو الأحوص، عن سعيدِ بن مَسروقٍ، عن الشعبيِّ، عن سَمعانَ
عن سمرةَ، قال: خَطَبَنا رسولُ الله
ﷺ، فقال:»ها هُنا أحدٌ من بني فلانِ؟ «فلم يُجبْه أحدٌ، ثم قال:»ها هنا أحدٌ من
بني فُلان؟ «فلم يُجبْه أحدٌ، ثم قال:، ها هنا أحدٌ من بني فُلان؟» فقام رجل،
فقال: أنا يا رسولَ الله، فقال ﷺ: «ما مَنَعكَ أنْ تُجيبَني في المرتينِ
الأولَيَينِ؟ إني لم أُنوِّة بكم إلا خيرًا، إنَّ صاحبكم مَأسورٌ بدَيْنهِ» فلقد
رأيتُه أُدِّي عنه حتى ما أحدٌ يطلبُه بشيءٍ (١).
(١) إسناده قوي من أجل سمعان -وهو ابن
مُشَنَّج- فقد وثقه ابن ماكولا والعجلي، وذكره ابن خلفون وابن حبان في «الثقات»،
ورواه غير واحد عن الشعبي -وهو عامر بن شَراحيل- عن سمرة بن جندب، دون ذكر سمعان
بن مُشَنَّج، وسماع الشعبي عن سمرة محتمل، فقد ولد الشعبي في حدود سنة عشرين،
وتوفي سمرة سنة ثمان وخمسين، بل قد وقع تصريحه بسماعه من سمرة عند الطيالسي (٨٩١)
عن شعبة، عن فراس بن يحيى، عنه، وعليه يكون إسناده صحيحًا إن شاء الله، ويكون
الشعبي سمعه على الوجهين، والله تعالى أعلم.
وأخرجه عبد الرزاق (١٥٢٦٣)، وأحمد
(٢٠٢٣١) و(٢٠٢٣٣)، وابنه عبد الله في زياداته على «المسند» (٢٠٢٣٤)، والنسائي
(٤٦٨٥)، والروياني في «مسنده» (٨٤٥) والطبراني في «الكبير» (٦٧٥٥)، والحاكم ٢/ ٢٦،
والمزي في «تهذيب الكمال» ١٢/ ١٣٦ - ١٣٧ في ترجمة سمعان، من طريق سعيد بن مسروق
الثوري، بهذا الإسناد. =
قال أبو داود: سَمعان: ابنُ
مُشَنَّجٍ.
٣٣٤٢
- حدَّثنا سليمانُ بن داودَ
المَهْرِيُّ، أخبرنا ابنُ وهبٍ، حدَّثني سعيدُ ابن أبي أيوبَ، أنه سمع أبا عبد
الله القُرشيَّ يقول: سمعت أبا بُردةَ بنَ أبي موسى الأشعريَّ يقول: عن أبيه، عن
رسول الله ﷺ أنه قال: «إنَّ من أعظمِ الذنوبِ عندَ الله أن يَلقاهُ بها عَبدٌ بعدَ
الكبائرِ التي نَهى الله عنها: أن يموتَ رجلٌ وعليه دَينٌ لا يَدَعُ له قَضاءً»
(١).
= وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٦٧٥٥)
من طريق سعيد الوراق، و(٦٧٥٦) من طريق وكيع، كلاهما عن سفيان الثوري، عن أبيه، عن
الشعبي، عن سمرة. دون ذكر سمعان.
وأخرجه الطيالسي (٨٩١) و(٨٩٢) وأحمد
(٢٠٢٣٢)، والطبراني (٦٧٥٠ - ٦٧٥٣)، والحاكم ٢/ ٢٥ من طريق فراس بن يحيى، وأحمد
(٢٠١٢٤)، والطبراني (٦٧٥٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» ٦/ ٧٦، وفي «شعب الإيمان»
(٥٥٤٥) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، والطبراني في «الأوسط» (٣٠٧٠) من طريق العلاء
بن عبد الكريم، ثلاثتهم عن الشعبي، عن سمرة بن جندب. دون ذكر سمعان في إسناده.
وفي باب حبس الميت بدينه عن أبي
هريرة عند ابن ماجه (٢٤١٣)، والترمذي (١١٠١) و(١١٠٢) وهو حديث صحيح، ولفظه: «نفس
المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه».
وعن سعد بن الأطول عند ابن ماجه
(٢٤٣٣)، وهو حديث صحيح. وانظر تمام شواهده في «مسند أحمد» (٢٠٠٧٦).
(١)
إسناده ضعيف لجهالة حال أبي عبد الله القُرشي.
وأخرجه أحمد (١٩٤٩٥)، والبيهقي في
«شعب الإيمان» (٥٥٤١) و(٥٥٤٢)، والمزي في ترجمة أبي عبد الله القرشي من «تهذيب
الكمال» من طريق سعيد بن أبي أيوب، بهذا الإسناد.
٣٣٤٣ - حدَّثنا محمدُ بن المتوكِّل
العَسقَلانيُّ، حدَّثنا عبدُ الرزَّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهري، عن أبي سلمةَ
عن جابر، قال: كان رسول الله ﷺ لا
يُصَلِّي على رجلٍ مات وعليه دَين، فَأُتي بميتٍ، فقال: «أعليه دين؟» قالوا: نعم
ديناران، قال: «صَلُّوا على صاحبكم» فقال أبو قتادةَ الأنصاريُّ: هما عليَّ يا
رسول الله، فصَلَّى عليه رسولُ الله ﷺ فلما فتحَ اللهُ على رسوله قال: «أنا أوْلَى
بكُلِّ مُؤمِنٍ من نفسِهِ، فمَن تَركَ دينًا فعَلَيَّ قَضاؤُهُ، ومَن ترك مالًا
فلِورثتِه» (١).
٣٣٤٤
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ وقتيبةُ
بن سعيدِ، عن شريكٍ، عن سماكٍ، عن عكرمةَ، رفعه.
(١) إسناده صحيح، وهو في «مصنف عبد الرزاق»
(١٥٢٥٧)، ومن طريقه أخرجه النسائي (١٩٦٢).
وهو في «صحيح ابن حبان» (٣٠٦٤).
وأخرجه البخاري (٥٣٧١)، ومسلم
(١٦١٩)، وابن ماجه (٢٤١٥)، والترمذي (١٠٩٣)، والنسائي (١٩٦٣) من طرق عن الزهري، عن
أبي سلمة، عن أبي هريرة.
ومثل هذا الاختلاف لا يضر، لأنه
اختلاف في تعيين صحابي، وهم كلهم عدول.
وهو في «مسند أحمد» (٧٨٩٩) و(٩٨٤٨)،
و«صحيح ابن حبان»، (٣٠٦٣).
والشطر الثاني منه سلف عند المصنف
برقم (٢٩٥٤) و(٢٩٥٦).
قال الخطابي: فيه من الففه جواز
الضمان عن الميت -ترك وفاء بقدر الدين أو لم يترك- وهذا قول الشافعي وإليه ذهب ابن
أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة: إذا ضمن عن الميت
شيئا لم يترك له وفاء لم يلزم الضامن، لأن الميت منه بريء، وإن ترك وفاء لزمه ذلك،
وإن ترك وفاء ببعضه لزمه بقدر ذلك.
وقال الحافظ في «الفتح» ٩/ ٥١٦:
وأراد المصنف (يعني الإِمام البخاري) بإدخاله في أبواب النفقات الإشارة إلى أن من
مات، وله أولاد، ولم يترك لهم -شيئًا، فإن نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين.
قال عثمانُ: وحدَّثنا وكيعٌ، عن
شريكٍ، عن سماك، عن عكرمةَ
عن ابن عبَّاسٍ، عن النبي ﷺ، مثله،
قال: اشترى من عِيرٍ بَيعًا، وليس عنده ثمنُه، فأُربِحَ فيه، فباعَه، فتصدَّق
بالربح على أرامل بني عبد المطّلب، وقال: «لا أشتري بعدَها شيئًا إلا وعندي ثمنُه»
(¬١).
١٠
- باب في
المَطْل
٣٣٤٥
- حدَّثنا عبد الله بن مَسلَمةَ
القَعْنَبيُّ: عن مالكٍ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرجِ عن أبي هريرة، أن رسولَ الله
ﷺ قال: «مَطْلُ الغنى ظُلمٌ، وإذا أُتبِعَ أحدُكم على مَليءٍ فليَتْبَعْ» (٢).
(١) إسناده ضعيف. شريك -وهو ابن عبد الله
النخعي- سيىء الحفظ، وسماك -وهو ابن حرب- في روايته عن عكرمة اضطراب. وقد ضعفه ابن
حزم في «المحلى» ٩/ ٦٤، وابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» ٣/ ٣٠١ -
٣٠٢، وصححه الحاكم ٢/ ٢٤! فلم يصب.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ١٨، وأحمد
(٢٠٩٣)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٢/ ٣ والطبر اني في «الكبير» (١١٧٤٣) وفي
«الأوسط» (٥٠٨٩)، والحاكم ٢/ ٢٤، والبيهقي ٥/ ٣٥٦ من طريق شريك النخعي، بهذا
الإسناد.
(٢)
إسناده صحيح، الأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمُز، وأبو الزناد: هو عبد الله ابن
ذكوان.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٧٤، ومن
طريقه أخرجه البخاري (٢٢٨٧)، ومسلم (١٥٦٤)، والترمذي (١٣٥٦)، والنسائي (٤٦٩١).
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٠٣)، والنسائي
(٤٦٨٨) من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، به. بلفظ: «الظلمُ مطلُ الغني،
وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع».
وأخرجه البخاري (٢٤٠٠)، ومسلم (١٥٦٤)
من طريق همام بن منبه، عن أبي هريرة. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وهو في «مسند أحمد» (٧٣٣٦) و(٧٥٤١)،
و«صحيح ابن حبان» (٥٠٥٣).
قال الخطابي: قوله: «مطل الغني ظلم»
دلالته أنه إذا لم يكن غنيًا يجد ما يقضيه لم يكن ظالمًا، وإذا لم يكن ظالمًا بم
يجز حبسُه، لأن الحبس عقوبة، ولا عقوبة على غير ظالم.
وقوله: «أُتبع» يريد: إذا أُحيل،
وأصحاب الحديث يقولون: «إذا اتُّبعَ» بتشديد التاء، وهو غلط، وصوابه: «أُتْبعَ»
ساكنة التاء على وزن أفعل، ومعناه: إذا أُحيل أحدكم على مليء فليحتل، يقال: تبعت
الرجل بحقى أتبعتُه تباعة: إذا طالبتَه، وأنا تبيعُه، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا
تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء:٦٩].
وفيه من الفقه إثبات الحوالة، وفيه
دليل على أن الحق يتحول بها إلى المحال عليه، ويسقط عن المُحيل، ولا يكون عليه
للمحتال سبيل عند موت المحال عليه أو إفلاسه، وذلك لأنه قد اشترط عليه الملاءمة،
والحوالة قد تصح حكمًا على المليء، فكان فائدة الشرط ما قلناه، والله أعلم.
وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى
أن له الرجوع على المحيل إذا مات أو أفلس المُحال عليه، ويتأوله على غير وجهه
الأول بأن يقول: إنما أمر بأن يتبعه إذا كان مليئًا، والمفلس غير مليء فليكن غير
متبع به.
قال الشيخ: والدلالة على الوجه الأول
هي الصحيحة، لأنه إنما اشترط له الملاءة وقت الحوالة لا فيما بعدها لأن (إذا) كلمة
شرط موفت فالحكم يتعلق بتلك الحال لا بما بعدها، والله أعلم.
وقوله: «فليتبع» معناه: فليحتل، وهذا
ليس على الوجوب، وإنما هو على الإذن له والإباحة فيه إن اختار ذلك وشاءه، وزعم
داود أن المحال عليه إن كان مليئًا كان واجبا على الطالب أن يحوّل ما له عليه
ويكره على ذلك إن أباه.
وقد اختلف العلماء في عود الحق إلى
ذمة الغريم إذا مات المحال عليه أو أفلس، فقال أصحاب الرأي: إذا مات ولم يترك وفاء
أو أفلس حيًا، فإن المحتال يرجع به على الغريم.
وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد
وأبو ثور: لا يرجع. واحتجوا كلهم بهذا الحديث. وفيه قول ثالث، ذكره ابن المنذر عن
بعضهم فلا أحفظه: أنه لا يرجع ما دام حيًا، فإن الرجل يُوسر ويُعسر ما دام حيًا،
فإذا مات ولم يترك وفاء رجع به عليه.
١١ - باب في حسن القضاء
٣٣٤٦
- حدَّثنا القَعْنَبيُّ: عن مالكِ، عن
زيدِ بن أسلمَ، عن عطاءِ بن يَسارِ
عن أبي رافعٍ، قال: اسْتسْلَفَ رسولُ
الله ﷺ بَكْرًا، فجاءتْه إبلٌ من الصدقةِ، فأمرني أن أقضيَ الرجلَ بكْرَهُ، فقلت:
لم أجد في الإبل إلا جملًا خِيارًا رَباعِيًَا، فقال النبيَّ ﷺ: «أعْطِه إياه، فإن
خِيارَ الناسِ أحسنُهم قضاء» (١).
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٨٠.
وأخرجه مسلم (١٦٠٠)، وابن ماجه
(٢٢٨٥)، والترمذي (١٣٦٦) والنسائي (٤٦١٧) من طريق زيد بن أسلم، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٧١٨١).
وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري
(٢٣٩٠): أن رجلًا تقاضى رسول الله ﷺ، فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال: دعوه، فإن
لصاحب الحق مقالًا، واشتروا له بعيرًا فأعطوه إياه، وقالوا: لا نجد إلا أفضل من
سنه، قال: «اشتروه فأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاة».
قال الحافظ: وفيه جواز وفاء ما هو
أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد، فيحرم حينئذ اتفاقًا وبه
قال الجمهور، وعن المالكية تفصيل في الزيادة، إن كانت بالعدد منعت، وإن كانت
بالوصف جازت.
وفيه أن الاقتراض في البر والطاعة
وكذا الأمور المباحة لا يُعاب، وأن للإمام أن يقترض على بيت المال لحاجة بعض
المحتاجين ليوفي ذلك من مال الصدقات.
قال الخطابي: (البَكْر) في الإبل
بمنزلة الغلام من الذكور. و(القلوص): بمنزلة الجارية من الإناث. و(الرباعي) من
الإبل: هو الذي أتت عليه ست سنين ودخل في السنة السابعة فإذا طلعت رباعيته قيل
للذكر: رباع والأنثى رباعية خفيفة الياء. =
٣٣٤٧ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
يحيى، عن مِسعَرٍ، عن محاربٍ، قال: سمعت جابرَ بن عبد الله قال: كان لي على
النبيِّ ﷺ دَين، فقضاني وزادَني (١).
= وفيه من الفقه: جواز تقديم الصدقة
قبل مَحِلِّها، وذلك أن النبي ﷺ لا يحلُّ له الصدقةُ، فلا يجوز أن يقضي من أهل
الصدقة شيئًا كان لنفسه، فدل أنه إنما استسلف لأهل الصدقة من أرباب الأموال، وهو
استدلال الشافعي.
وقد اختلف العلماء في جواز تقديم
الصدقة على محل وقتها، فأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهويه.
وقال الشافعي: يجوز أن يعجل صدقة سنة
واحدة، وقال مالك: لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول، وكرهه سفيان الثوري.
وقال الإِمام الثوري: يجوز للمقرض
أخذ الزيادة سواء زاد في الصفة أو في العدد، ومذهب مالك أن الزيادة في العدد منهي
عنها، وحجة أصحابنا عموم قوله ﷺ: «فإن خير الناس أحسنهم قضاءً».
وفي الحديث دليل على أن رد الأجود في
القرض أو الدين من السنة ومكارم الأخلاق وليس هو من قرض جر منفعة، لأن المنهي عنه
ما كان مشروطًا في عقد القرض.
(١)
إسناده صحيح. مِسعَر: هو ابن كدام، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٣٢).
وأخرجه البخاري (٤٤٣) و(٢٣٩٤)
و(٢٦٠٣)، والنسائي (٤٥٩١) من طريق مسعر
ابن كدام، ومسلم (٧١٥) من طريق سفيان
الثوري، كلاهما عن محارب بن دثار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٣٥)، و«صحيح
ابن حبان»، (٢٤٩٦).
وأخرجه بنحوه البخاري (٢٦٠٤)، ومسلم
بإثر (١٥٩٩)، والنسائي (٤٥٩٠) من طريق شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر قال:
وَزَنَ لي رسول الله ﷺ ثمن البعير فأرجح لي. لفظ مسلم.
وأخرجه بنحو رواية شعبة البخاري
(٢٥٩٧) من طريق وهب بن كيسان، ومسلم بإثر (١٥٩٩) من طريق سالم بن أبي الجعد، وبإثر
(١٥٩٩) من طريق أبي نضرة، وبإثر (١٥٩٩) كذلك من طريق أبي الزبير، أربعتهم عن جابر.
=
١٢ - باب في الصَّرْف
٣٣٤٨
- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة
القَعْنَبيُّ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن مالكِ بن أوسٍ
عن عمر، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«الذهبُ بالورِقِ رِبًا إلا هاءَ وهاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا إلا هاء وهاء،
والتمرُ بالتمرِ رِبًا إلا هاء وهاء، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاء وهاء» (١).
= وهو في «مسند أحمد» (١٤١٩٢)
و(١٤١٩٥)، و«صحيح ابن حبان» (٢٧١٥). قال البغوي في «شرح السنة» ٨/ ١٩٢ عند حديث
أبي رافع مولى رسول الله ﷺ حين قال له رسول الله ﷺ لما أخبره أنه لم يجد إلا أحسن
من الجمل الذي استسلفه رسول الله ﷺ من الأعرابي: «أعطِه إياه»، قال البغوي: فيه
دليل على أن من استقرض شيئًا فردَّه أحسن أو أكثر من غير شرط، كان محسنا، ويحل ذلك
للمُقرض، قال النبي ﷺ لبلال في قضاء ثمن جمل جابر: «اقضه وزده» واشترى رسول الله ﷺ
سراويل، وثمَّ رجل يزن بالأجر، فقال للوزان: «زن وأرجح».
قال: فأما إذا شرط في القرض أن يردَّ
أكثر أو أفضل، أو في بلد آخر فهو حرام ...
(١)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٣٦ - ٦٣٧،
ومن طريقه أخرجه البخاري (٢١٧٤) وقد جاء في روايات «صحيح البخاري» لطريق مالك عدا
روايةِ لأبي ذر الهروي: «الذهب بالذهب»، وفيه رد على ابن عبد البر في «التمهيد» ٦/
٢٨٢ فيما ادعاه من عدم الاختلاف عن مالك في هذا الحديث، لأن الراوي عن مالك عند
البخاري عبد الله ابن يوسف التِّنِّيسي، وهو من رواة «الموطأ»، وتابعه عبد الله بن
وهب -وهو من رواة «الموطأ» كذلك- عند أبي عوانة (٥٣٨٣)، وسويد بن سعيد عند أبي
يعلى (٢٣٤).
وأخرجه البخاري (٢١٣٤)، ومسلم
(١٥٨٦)، وابن ماجه (٢٢٥٣) و(٢٢٥٩)، والنسائي (٤٥٥٨) من طريق سفيان بن عيينة، عن
الزهري، به. وكذلك جاء في روايات «صحيح البخاري» غير رواية أبي ذر الهروي وأبي
الوقت: «الذهب بالذهب»، وهي الرواية التي شرح عليها العيني في «عمدة القاري»،
والقسطلاني في «إرشاد الساري». =
٣٣٤٩ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا
بشْرُ بن عمر، حدَّثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن أبي الخليل، عن مُسلمٍ المكيِّ، عنَ
أبي الأشعثِ الصنعانيِّ
عن عبادة بن الصامت، أن رسولَ الله ﷺ
قال: «الذهب بالذهبِ تِبْرُها وعَينُها، والفضةُ بالفضةِ تِبْرها وعَينُها،
والبُرُّ بالبُرُّ مُدْيٌ بمُدْيٍ، والشعيرُ بالشعيرِ مُدْي بمُديِ، والتمرُ
بالتمرِ مُدْي بمُديٍ، والملحُ بالملحِ مُدْي بمُدْيٍ، فمن زادَ أو ازداد -فقد
أربى، ولا بأس ببيع الذهبِ بالفضةِ والفضة أكثرُهما يدًا بيدِ، وأمَّا نسيئةَ فلا،
ولا بأس ببيع البُرِّ بالشعيرِ والشعيرُ أكثرُهما يدًا بيد، وأما النسيئةُ فلا»
(١).
= وأخرجه البخاري (٢١٧٠) -دون قوله:
«الذهب بالورق»-، ومسلم (١٥٨٦)، وابن ماجه (٢٢٦٠)، والترمذي (١٢٨٧) من طريق الليث
بن سعد، عن الزهري، به وهو في «مسند أحمد» (١٦٢) و(٣١٤)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠١٣).
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في
«سنن ابن ماجه» بتحقيقنا.
قال الخطابي: «هاء وهاء» معناه
التقابض، وأصحاب الحديث يقولون: (ها وها) مقصورين، والصواب مدهما ونصب الألف
منهما. وقوله: (هاء) إنما هو قول الرجل لصاحبه إذا ناوله الشيء: (هاك) أي: خذ،
فأسقطوا الكاف منه وعوضوه المدّ بدلًا من الكاف، يقال للواحد: هاء، والاثنين:
هاؤما، بزيادة الميم، وللجماعة: هاؤم، قال الله تعالى: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا
كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة:١٩]، وهذا قول الليث بن المظفر.
(١)
إسناده صحيح. أبو الأشعث الصنعاني: هو شراحيل بن آدَة، ومسلم المكي: هو ابن يسار،
وأبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم، وقتادة: هو ابن دعامة، وهمام: هو ابن يحيى
العوذي، والحسن بن علي: هو الخلال.
وأخرجه النسائي (٤٥٦٤) من طريق أبي
الخليل صالح بن أبي مريم، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٤/ ٤ من طريق أيوب
السختياني، عن محمد بن سيرين، كلاهما (أبو الخليل ومحمد بن سيرين) عن مسلم بن يسار
المكي، به. =
قال أبو داود: روى هذا الحديث سعيدُ
بن أبي عَروبةَ وهشامٌ الدَّستُوائيُّ، عن قتادةَ، عن مسلمِ بن يَسارٍ، بإسناده.
٣٣٥٠
- حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا سفيانُ، عن خالدِ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي الأشعثِ
الصَّنْعانىٍّ
= وأخرجه النسائي (٤٥٦٣) من طريق
قتادة، عن مسلم بن يسار، به. فأسقط من إسناده أبا الخليل!! وقال يحيى القطان ويحيى
بن معين: لم يسمع قتادة من مسلم بن يسار.
وأخرجه أحمد (٢٢٧٢٩)، وابن ماجه
(٢٢٥٤)، والنسائي (٤٥٦٠) و(٤٥٦١) و(٤٥٦٢) من طريق سلمة بن علقمة التميمي، عن محمد
بن سيرين، عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عُبيد، عن عبادة بن الصامت. ومسلم بن يسار
لم يسمع هذا الحديث من عبادة، بينه وبينه أبو الأشعث كما مضى، وكما في إسناد
المصنف.
وأخرجه أحمد (٢٢٧٢٤)، والنسائي
(٤٥٦٦) من طريق حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت. وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «تبرها وعينُها»
التبْر: قطع الذهب والفضة قبل أن تُضرب وتطبع دراهم ودنانير، واحدتها: تبرة، ومن
هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:
١٣٩]،
والله أعلم.
والعين: المضروب من الدراهم
والدنانير، والمدي: مكيال يعرف ببلاد الشام وبلاد مصر يتعاملون به، وأحسبه خمسة
عشر مكوكًا، والمكوك صاع ونصف. وحرَّم رسول الله ﷺ أن يباع مثقال ذهب عين بمثقال
ذهب وشيء من تبر غير مضروب، وكذلك حرَّم التفاوت بين المضروب من الفضة وغير
المضروب، وذلك معنى قوله: «تبرها وعينها» أي: كلاهما سواء، وهذا من باب معقول
الفحوى، ثم زاده بيانًا بما نسق عليه من قوله: «ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة
أكثرهما يدًا بيد» وكان ذلك من باب دليل الخطاب ومفهومه وكلا الوجهين بيان، وأهل
اللغة يتفاهمون بها، ثم هو قول عامة المسلمين إلا ما روي عن أسامة بن زيد وابن
عباس في جواز بيع الدرهم بالدرهمين، وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عنه.
عن عُبادة بن الصامتِ، عن النبي ﷺ،
بهذا الخبر يزيدُ ويَنقُصُ، وزاد: قال: «فإذا اختلفتْ هذه الأصنافُ فبيعوا كيف
شئتُم، إذا كان يدًا بيد» (¬١).
١٣
- باب في
حِلية السيف تُباع بالدراهم
٣٣٥١
- حدَّثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن
أبي شيبةَ وأحمدُ بن مَنيعٍ قالوا: حدَّثنا ابن المبارك (ح)
وحدَّثنا ابنُ العلاء، أخبرنا ابنُ
المبارك، عن سعيدِ بن يزيدَ، حدَّثني خالدُ ابن أبي عِمرانَ، عن حَنَشٍ
عن فَضَالة بن عُبيدِ، قال: أُتيَ
النبيَّ ﷺ عامَ خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز -قال أبو بكر وابنُ مَنيع: فيها خرزٌ
مُعَلَّقة بذهب، ثم اتففوا- ابتاعها رجلٌ بتسعةِ دنانيرَ أو بسبعةِ دنانيرَ، فقال
النبيَّ ﷺ: «لا، حتى تُمَيِّزَ بينه وبينه» فقال: إنما أردتُ الحجارةَ، فقال
النبيُّ ﷺ: «لا، حتى تُمَيِّزَ بينَهما» قال: فردَّه حتى ميَّز بينهما، وقال ابن
عيسى: أردتُ التجارة (٢).
(١) إسناده صحيح كسابقه. أبو الأشعث
الصنعاني: هو شراحيل بن آدَة، وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي، وخالد: هو
ابن مهران الحذاء، وسفيان: هو الثوري.
وأخرجه مسلم (١٥٨٧)، والترمذي (١٢٨٤)
من طريق أبي قلابة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٦٨٣)
و(٢٢٧٢٧)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠١٥).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح. حنش: هو ابن عبد الله -ويقال: ابن علي بن عمرو- السبئي الصنعاني،
وسعيد بن يزيد: هو الحِمْيَري القِتباني، وابن المبارك: هو عبد الله، وابن العلاء:
هو محمد بن العلاء أبو كريب مشهور بكنيته. =
قال أبو داود: وكان في كتابه؟
الحجارة.
٣٣٥٢
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
الليثُ، عن أبي شجاعٍ سعيدِ بن يزيدَ، عن خالد بن أبي عِمرانَ، عن حَنَشِ
الصَّنعانيِّ
= وأخرجه مسلم (١٥٩١)، والترمذي (١٣٠٠)
من طريق عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد.
وأخرج مسلم (١٥٩١) من طريق عامر بن
يحيى المعافري، عن حنش الصنعاني، قال: كنا مع فضالة بن عُبيد في غزوة، فطارت لي
ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورِق وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة بن عبيد
فقال: انزع ذهبها، فأجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلًا بمثل،
فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلًا
بمثل».
وأخرج نحو لفظ ابن المبارك مسلم
(١٥٩١) من طريق عُلَيّ بن موسى اللخمي، عن فضالة بن عُبيد، إلا أنه قال في روايته:
قال رسول الله ﷺ: «الذهب بالذهب وزنًا بوزن».
وهو في «شرح مشكل الآثار» (٦٠٩٦).
وانظر تالييه.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض
أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم: لم يروا أن يباع السيف محلَّى أو مِنطقة
مفضضة، أو مثل هذا، بدراهم حتى يُميَّز ويُفصَل، وهو قول ابن المبارك والشافعي
وأحمد وإسحاق.
وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك من
أصحاب النبي ﷺ وغيرهم.
وقال الخطابي: وقال أبو حنيفة: إن
كان الثمن أكثر مما فيه من الذهب جاز، وإن كان مثله أو أقل منه لم يجُز.
وذهب مالك إلى نحو من هذا في القلة
والكثرة إلا أنه حدّد الكثرة بالثلثين، والقلة بالثلث. وقال حماد بن أبي سليمان:
لا بأس بأن تشتريه بالذهب، كان الثمن أقل أو أكثر.
عن فَضَالةَ بن عُبيدٍ، قال: اشتريتُ
يومَ خيبرَ قلادةً باثني عشر دينارًا، فيها ذهبٌ وخَرَزٌ، ففَضَّلتُها، فوجدت فيها
أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فقال: «لا تُبَاع حتى تُفَصَّل» (١).
٣٣٥٣
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
الليثُ، عن ابن أبي جعفرِ، عن الجُلاح أبي كثيرِ، حدَّثني حنشٌ الصَّنعانيُّ
عن فَضَالةَ بن عُبيد، قال: كنا مع
رسول الله ﷺ يوم خيبرَ نُبَايع اليهودَ الأوقيةَ من الذهب بالدينار -قال غيرُ
قُتيبةَ: بالدينارين والثلاثة، ثم اتفقا- فقال رسولُ الله ﷺ: «لا تَبِيعُوا الذهبَ
بالذهب إلا وَزنًا بوَزن» (٢).
١٤
- باب
اقتضاء الذهب من الوَرِق
٣٣٥٤
- حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ ومحمدُ بن
مَحبوبٍ -المعنى واحد- قالا: حدَّثنا حمادٌ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن سعيد بن
جُبَيرٍ
(١) إسناده صحيح كسابقه الليث؟ هو ابن سعد.
وأخرجه مسلم (١٥٩١)، والترمذي
(١٢٩٩)، والنسائي (٤٥٧٣) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٤٥٧٤) من طريق هشيم
بن بشير، عن الليث، عن خالد بن أبي عمران، به فأسقط من إسناده سعيد بن يزيد!
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٩٦٢).
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢)
إسناده قوي من أجل الجُلاح أبي كثير، فهو صدوق لا بأس به. ابن أبي جعفر: هو عُبيد
الله، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه مسلم (١٥٩١) من طريق الليث بن
سعد، بهذا الإسناد.
وانظر سابقيه.
عن ابن عُمر، قال: كنتُ أبيعُ الإبلَ
بالبقيع، فأبيعُ بالدنانير وآخذُ الدراهمَ، وأبيعُ بالدراهمِ وآخذُ الدنانيرَ،
آخذُ هذه من هذه، وأُعطي هذه من هذه، فأتيتُ رسولَ الله ﷺ وهو في بيت حفصةَ، فقلت:
يا رسول الله، رُوَيْدَك أسألْك، إني أبيعُ الإبلَ بالبقيع، فأبيعُ بالدنانير
وآخذُ الدراهمَ، وأبيعُ بالدراهمِ وآخذُ الدنانيرَ، آخذُ هذه من هذه، وأُعطي هذه
من هذه، فقال رسولُ الله ﷺ: «لا بَأسَ أن تأخُذَها بسعْرِ يومِها، ما لم تَفْترِقا
وبينكُما شيءٌ» (١).
(١) إسناده ضعيف لتفرد سماك بن حرب برفعه،
وقد روى البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (١١٣٢٢) بسنده إلى شعبة بن الحجاج وقد
سئل عن هذا الحديث فقال: عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا قتادة
عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عمر، ولم يرفعه. وحدثنا يحيى بن أبي إسحاق، عن سالم، عن ابن عمر، ولم
يرفعه، ورفعه لنا سماك بن حرب، وأنا أفْرَقُه.
وقال الدارقطني في «العلل» ٤/ ورقة
٧٥: لم يرفعه غير سماك، وسماك سيىء الحفظ. حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٦٢) و(٢٢٦٢ م)،
والترمذي (١٢٨٦)، والنسائي (٤٥٨٢) و(٤٥٨٣) و(٤٥٨٩) من طريق سماك بن حرب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٨٨٣) و(٦٢٣٩)،
و«صحيح ابن حبان» (٤٩٢٠)، وصححه ابن الجارود (٦٥٥)، والحاكم ٢/ ٤٤ كذلك! وقال ابن
عبد البر في «التمهيد» ٦/ ٢٩٢: حديث ابن عمر ثابت صحيح!!
وأخرجه بنحوه موقوفًا ابن أبي شيبة
٦/ ٣٣٢، وأبو يعلى (٥٦٥٤) من طريق ابن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عمر. وإسناده صحيح.
قال الخطابي: اقتضاء الذهب من الفضة،
والفضة من الذهب عن أثمان السلعة هو في الحقيقة بيع ما لم يقبض، فدل جوازه على أن
النهي عن بيع ما لم يقبض إنما ورد في الأشياء التي يبتغى في بيعها وبالتصرف فيها
الربح كما روى: أنه نهى عن ربح =
٣٣٥٥ - حدَّثنا حُسين بن الأسودِ العجلي،
حدَّثنا عُبيد الله، أخبرنا إسرائيلُ،
عن سِمَاكٍ، بإسناده ومعناه، والأول
أتم، لم يذكر: «بِسعْرِ يومِها» (¬١).
١٥
- باب في
الحيوان بالحيوان نسيئةً
٣٣٥٦
- حدَّثنا موسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
حمادٌ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سمرةَ: أن النبي ﷺ نَهَى عن بيع
الحيوان بالحيوان نسيئةً (٢).
= ما لم يضمن، واقتضاء الذهب من الفضة
خارج عن هذا المعنى، لأنه إنما يراد به التقابض، والتقابض من حيث لا يَشُقُّ ولا
يتعذر دون التصارت والترابح، ويبين لك صحة هذا المعنى قوله: «لا بأس أن تأخذها
بسعر يومها» أي: لا تطلب فيها الربح ما لم تضمن، واشترط أن لا يتفرقا وبينهما شيء،
لأن اقتضاء الدراهم من الدنانير صرف، وعقد الصرف. لا يصح إلا بالتقابض.
وقد اختلف الناس في اقتضاء الدراهم
من الدنانير، فذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه، ومنع من ذلك أبو سلمة بن عبد الرحمن
وابن شبرمة، وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك إلا بسعر يومه، ولم يعتبر غيره السعر، ولم
يتأولوا كان ذلك بأغلى أو بأرخص من سعر اليوم، والصواب ما ذهبت إليه، وهو منصوص في
الحديث، ومعناه ما بينته لك فلا تذهب عنه، فإنه لا يجوز غير ذلك، والله أعلم.
(١)
إسناده ضعيف كسابقه. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، وعُبيد الله:
هو ابن موسى العَبْسي.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من
سمرة. قتادة: هو ابن دعامة، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٧٠)، والترمذي
(١٢٨١)، والنسائي (٤٦٢٠) من طريق قتادة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٤٣).
وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله
عند أحمد (١٤٣٣١)، وابن ماجه (٢٢٧١) وآخر من حديث ابن عُمر عند الطحاوي في «شرح
معاني الآثار» ٤/ ٦٠ وهو حسن في الشواهد. =
١٦ - باب في الرخصة فيه
٣٣٥٧
- حدَّثنا حفصُ بن عُمر، حدَّثنا حمادُ
بن سلمةَ، عن محمد بن إسحاقَ، عن يزيدَ بن أبي حبيبٍ، عن مُسلم بن جُبيرٍ، عن أبي
سفيانَ، عن عَمرو بن حَرِيش
عن عبد الله بن عمرو: أن رسولَ الله
ﷺ ﷺ أمره أن يجهِّز جيشًا، فنَفِدَتِ الإبلُ، فأمره أن يأخذَ في قِلاصِ الصدقةِ،
فكان ياخُذُ البَعيرَ بالبَعيرين إلى إبلِ الصدقة (١).
= وثالث من حديث ابن عباس عند ابن حبان
(٥٠٢٨). وإسناده صحيح.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند
أكثر أهل العلم من أصحاب النبي-ﷺ ﷺ وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول
سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد.
ورخَّص بعض أهل العلم من أصحاب النبي
ﷺ وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول الشافعي وإسحاق.
وقد ذكر البغوي في «شرح السنة» ٨/ ٧٤
أن ممن رخص في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة علي وابن عمر، وأنه إليه ذهب سعيد بن
المسيب وابن سيرين والزهري، وأنه قول الشافعي وإسحاق، سواء كان الجنس واحدًا أو
مختلفًا، مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، وسواء باع واحدًا بواحد أو باثنين فأكثر.
ونقل عن مالك أنه قال: إن كان الجنس
مختلفًا يجوز، وإن كان متفقًا فلا.
وذكر أن حجة القائلين بالجواز حديث
عبد الله بن عمرو بن العاص -وهو الآتي عند المصنف بعد هذا الحديث-.
(١)
حديث حسن، وهذا إسناد فيه ضعف واضطراب كما بيناه في «مسند أحمد» (٦٥٩٣). عَمرو بن
حريش مجهول، لكنه متابع. حفص بن عمر: هو أبو عمر الحوضي.
وأخرجه الدارقطني (٣٠٥٤) و(٣٠٥٥)،
والحاكم ٢/ ٥٦ - ٥٧، والبيهقي ٥/ ٢٨٧ - ٢٨٨ من طريق أبي عمر حفص بن عمر الحوضي،
بهذا الإسناد. =
١٧ - باب في ذلك إذا كان يدًا بيد
٣٣٥٨
- حدَّثنا يزيدُ بن خالدٍ الهَمْدانيُّ
وقتيبةُ بن سعيدِ الثقفيُّ، أن الليثَ حدَّثهم، عن أبي الزُّبير
عن جابر: أن النبي ﷺ اشترى عَبْدًا
بعبدَين (¬١).
١٨
- باب في
الثمَر بالتمْر
٣٣٥٩
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن
مالكِ، عن عَبد الله بن يزيدَ، أن زيدًا أبا عيَّاشٍ أخبرَه
= وأخرجه أحمد (٦٥٩٣)، والدارقطني
(٣٠٥٣) من طريق جرير بن حازم، وأحمد (٧٠٢٥) من طريق إبراهيم بن سعد، كلاهما عن
محمد بن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن جبير، عن عمرو بن الحريش، عن عبد الله بن
عمرو بن العاص. فأسقطا من الإسناد يزيد بن أبي حبيب، وقدّما أبا سفيان على مسلم بن
جبير.
وانظر تمام تخريجه وبيان الاختلاف
فيه في «المسند».
وله طريق أخرى يقوى بها أخرجها
الدارقطني (٣٠٥٢)، ومن طريقه البيهقي ٥/ ٢٨٧ - ٢٨٨ من طريق ابن وهب، عن ابن جريج،
أن عمرو بن شعيب أخبره، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو. وإسناده حسن، وقد قواه
الحافظ في «الفتح» ٤/ ٤١٩.
وانظر فقه الحديث عند الحديث السابق.
قوله: قِلاص: هو جَمعُ قلوص، وهي
الفتية من الإبل.
(١)
إسناده صحيح. وعنعنة أي الزبير هنا محمولة على الاتصال لأنها من رواية الليث -وهو
ابن سعد- عنه، ولم يرو عنه الليث بن سعد إلا ما ثبت لديه أنه سمعه من جابر كما
بينه ابن حزم في «المحلى» ٧/ ٣٩٦.
وأخرجه مسلم (١٦٠٢)، والترمذي (١٢٨٣)
و(١٦٨٦)، والنسائي (٤١٨٤) و(٤٦٢١) من طريق الليث بن سعد، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٧٧٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٥٥٠).
وانظر فقه الحديث في «تهذيب السنن»
٩/ ١٤٩ - ١٥٠.
أنه سأل سعْدَ بن أبي وَقَّاص، عن
البَيضاء بالسُّلْت، فقال له سعْدٌ: أيهما أفضلُ؟ قال: البيضاء، قال: فنهاه عن
ذلك». وقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يسأل عن شراءِ التمْر بالرطَب، فقال رسولُ الله ﷺ:
«أينقصُ الرطبُ إذا يبسَ؟» قالوا: نعم، فنهاه عن ذلك (١).
قال أبو داود: رواه إسماعيلُ بن
أُميةَ نحو حديث مالك.
٣٣٦٠
- حدَّثنا الربيعُ بن نافع أبو توبةَ،
حدَّثنا معاويةُ -يعني ابن سلاَّم- عن يحيى بن أبي كثيرِ، أخبرنا عَبد الله، أن
أبا عيّاشِ أخبره
أنه سمع سعد بن أبي وَقَّاص يقول:
نهى رسولُ الله ﷺ-ﷺ، عن بيعِ الرطبِ بالتمرِ نسيئةً (٢).
(١) إسناده قوي، زيد أبو عياش وثقه
الدارقطني، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وصحح له هو وشيخه ابن خزيمة، والحاكم.
والحديث في «الموطأ» ٢/ ٦٢٤. عبد
الله ابن يزيد: هو مولى الأسود بن سفيان.
ومن طريق مالك أخرجه ابن ماجه
(٢٢٦٤)، والترمذي (١٢٢٨) و(١٢٢٩)، والنسائي (٤٥٤٥). وقال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٥١٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٧). وانظر ما بعده.
البيضاء: الحسّنطة، والسلت: ضربٌ من
الشعير أبيض لا قشر له. أفأده في «النهاية».
(٢)
إسناده قوي كسابقه دون قوله: نسيئة، فقد قال الدارقطني في «سننه» بعد الحديث
(٢٩٩٤): وخالفه (يعني يحيى بن أبي كثير) مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك ابن عثمان
وأسامة بن زيد، رووه عن عبد الله بن يزيد، ولم يقولوا فيه: نسيئة، واجتماع هؤلاء
الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمام حافظ، وهو مالك
بن أنس.
وأخرجه النسائي (٤٥٤٦) من طريق
إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن يزيد، به.
ولم يقل فيه: نسيئة. كرواية مالك في
الحديث السابق.
قال أبو داود: رواه عِمرانُ بن أبي
أنَسٍ، عن مولًى لبني مخزوم، عن سعْدٍ، عن النبي-ﷺ نحوه.
١٩
- باب في
المزابنة (١)
٣٣٦١
- حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا ابن أبي زائدةَ، عن عُبيد الله، عن نافعٍ عن ابن عمر: أن النبي-ﷺ نهى عن
بيع الثَّمَر بالتمر كيلًا، وعن بيعِ العنبِ بالزبيبِ كيلًا، وعن بيعِ الزرعِ
بالحسّنطةِ كيلًا (٢).
(١) هذا التبويب أثبتناه من (هـ).
(٢)
إسناده صحيح. عُبيد الله: هوْ ابن عمر العمري، وابن أبي زائدة: هو يحيى ابن زكريا
بن أبي زائدة.
وأخرجه بنحوه البخاري (٢١٧١) و(٢١٧٢)
و(٢١٨٥) و(٢٢٠٥)، ومسلم (١٥٤٢)، وابن ماجه (٢٢٦٥)، والنسائي (٤٥٣٣) و(٤٥٣٤)
و(٤٥٤٩) من طرق عن نافع، به. وجاء عندهم جميعًا أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع
المزابنة، والمزابنة أن يبيع ...
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٩٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٨).
وأخرجه بنحوه كذلك أحمد (٤٥٤١)،
ومسلم (١٥٣٤)، والنسائي (٤٥٣٢) من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
قال البغوي في «شرح السنة» ٨/ ٨٣:
وأصل المزابنة من «الزبْن» وهو الدفع، وذلك أن أحد المتبايعين إذا وقف على غبن
فيما اشتراه أراد فسخ العقد، وأراد الغابن إمضاءه فتزابنا، أي: تدافعا، فكل واحد
منهما يدفع صاحبه عن حقه، وخصّ بيع الثمر على رؤوس النخل بجنسه بهذا الاسم، لأن
المساواة بينهما شرط، وما على الشجر لا يُحصر بكيل ولا وزن، وإنما يكون تقديره
بالخرص، وهو حدسٌ وظن، لا يؤمن فيه من التفاوت، فأما إذا باع الثمرة على الشجر
بجنس آخر من الثمار على الأرض، أو على الشجر، يجوز، لأن المماثلة يينهما غير شرط
والتقابض شرط في المجلس، فقبض ما على الأرض بالنقل، وقبض ما على الشجر بالتخلية.
وقال: العمل على هذا عند عامة أهل
العلم أن المزابنة باطلة.
٢٠ - باب في بيع العَرايا
٣٣٦٢
- حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
ابنُ وهبٍ، أخبرني يونسُ، عن ابن شهابٍ، أخبرني خارجةُ بن زيدِ بن ثابتٍ
عن أبيه: أن النبيَّ ﷺ رَخَّصَ في
بيعِ العَرايا بالتمْر والرطَب (١).
٣٣٦٣
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا ابنُ عُيينةَ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن بُشَير بن يسارٍ
(١) إسناده صحيح. ابن شهاب: هو محمد بن مُسلم
بن عُبيد الله الزهري، ويونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن وهب: هو عَبد الله.
وأخرجه النسائي (٤٥٣٧) من طريق عبد
الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢١٧٣) و(٢١٨٤)،
ومسلم (١٥٣٩)، وابن ماجه (٢٢٦٨) و(٢٢٦٩)، والترمذي (١٣٤٦) و(١٣٤٧) و(١٣٥٠)،
والنسائي (٤٥٣٢) و(٤٥٣٦) و(٤٥٣٨ - ٤٥٤٠) من طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن
زيد بن ثابت. ووقع عند البخاري في الموضع الثاني ومسلم في بعض طرقه والنسائي
(٤٥٤٠) زيادة: ولم يرحض في غير ذلك.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٩٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٠٤).
قال الخطابي: ذكروا في معنى اشتقاقها
قولين (يعني العرايا): أحدهما: أنها مأخوذة من قول القائل: أعريتُ الرجل النخلة،
أي: أطعمته ثمرها، يعروها متى شاء، أي: يأتيها فيكل رطبها، يقال: عروت الرجل: إذا
أتيته تطلب معروفه، كما يقال: طلب إلي فأطلبته. وسألني فأسالته.
والقول الآخر: إنما سميت عرية لأن
الرجل يُعريها من جملة نخله، أي: يستثنيها لا يبيعها مع النخل، فربما أكلها وربما
وهبها لغيره أو فعل بها ما شاء.
ثم قال الخطابي: وإنما جاء تحريم
المزابنة فيما كان من التمر موضوعًا على وجه الأرض، وجاءت الرخصة في بيع العرايا
فيما كان منها على رؤوس الشجر في مقدار معلوم منه بكمية لا يُزاد عليها، وذلك من
أجل ضرورة أو مصلحة فيس أحدهما مناقضًا للآخر أو مبطلًا له.
وانظر «فتح الباري» ٤/ ٣٩٠ - ٣٩٣.
عن سهْل بن أبي حَثْمَةَ: أن رسولَ
الله ﷺ ﷺ نهى عن بيع الثمَرِ بالتمْر، ورخَّصَ في العَرِيَّة أن تباعَ بخَرْصِها،
يأكلُها أهلُها رُطَبًا (١).
٢١
- باب في
مقدار العَريَّة
٣٣٦٤
- حدَّثنا عبد الله بن مَسْلَمةَ،
حدَّثنا مالك، عن داودَ بن الحُصَين، عن مولى ابنِ أبي أحمدَ -قال أبو داود: وقال
لنا القَعْنبيُّ فيما قرأ على مالك: عن أبي سفيانَ، واسفه قُزْمان مولى ابن أبي
أحمدَ-
عن أبي هريرة: أن رسولَ الله ﷺ
رَخَّصَ في بيعِ العرايا فيما دون خَمسةِ أَوْسُقٍ -أو في خَمسةِ أَوْسُقٍ- شك
داودُ بن الحُصَين (٢).
قال أبو داود: حديثُ جابر إلى أربعةِ
أوسقٍ.
(١) إسناده صحيح. ابن عُيينة: هو سفيان،
ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري.
وأخرجه البخاري (٢١٩١)، ومسلم
(١٥٤٠)، والنسائي (٤٥٤٢) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، به.
وأخرجه البخاري (٢٣٨٤)، ومسلم
(١٥٤٠)، والترمذي (١٣٥١)، والنسائي (٤٥٤٣) من طريق الوليد بن كثير، عن بُشير بن
يسار، عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة.
وأخرجه مسلم (١٥٤٠) من طريق الليث بن
سعد، ومن طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن بُشير
بن يسار، عن أصحاب رسول الله ﷺ-ﷺ وقال الثقفي: بعض أصحاب رسول الله ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠٩٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٠٢).
(٢)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٢٠، ومن
طريقه أخرجه البخاري (٢١٩٠)، ومسلم (١٥٤١)، والترمذي (١٣٤٨) و(١٣٤٩)، والنسائي
(٤٥٤١).
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٣٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٠٦).
٢٢ - باب تفسير العَرايا
٣٣٦٥
- حدَّثنا أحمدُ بن سعيد
الهَمْدَانيُّ، حدَّثنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرني عَمرو بن الحارث
عن عبدِ ربِّه بن سعيدٍ الأنصاريِّ،
أنه قال: العَرِيَّةُ: الرجلُ يُعْرِي الرَّجلَ النَّخلَةَ، أو الرجلُ يستثني من
ماله النخلةَ أو الاثنتَين يأكلُها، فيبيعُها بتمرِ (١).
٣٣٦٦
- حدَّثنا هنّادُ بن السَّريِّ، عن
عبدةَ
عن ابن إسحاقَ، قال: العرايا أن
يهَبَ الرجلُ للرجلِ النخَلات فيشُقُّ عليه أن يقُوم عليها، فيبيعُها بمثلِ
خَرْصِها (¬٢).
٢٣
- باب في
بيعِ الثمارِ قبل أن يَبْدُوَ صلاحُها
٣٣٦٧
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ
القَعْنبيُّ، عن مالكٍ، عن نافعِ
عن عبدِ الله بن عُمر: أن رسولَ الله
ﷺ نَهَى عن بيع الثمارِ حتى يَبدُوَ صلاحُها، نَهَى البائعَ والمشتريَ (٣).
(١) رجاله ثقات. ابن وهب: هو عبد الله.
وأخرجه البيهقي ٥/ ٣١٠ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح»
٤/ ٣٩١ صورًا أخرى للعرية.
(٢)
رجاله ثقات. ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم صاحب «السيرة
النبوية»، وعَبْدة: هو ابن سليمان.
وانظر ما قبله.
(٣)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦١٨.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . .
= وأخرجه البخاري (٢١٩٤)، ومسلم
(١٥٣٤)، وابن ماجه (٢٢١٤)، والنسائي (٤٥١٩) من طرق عن نافع، به.
وأخرجه البخاري (٢١٨٣) و(٢١٩٩) ومسلم
بإثر (١٥٣٨)، والنسائي (٤٥٢٠) من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، والبخاري (١٤٨٦)،
ومسلم (١٥٣٤) من طريق عبد الله بن دينار، كلاهما عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري (٢٢٤٧) و(٢٢٤٩) من
طريق أبي البختري، عن ابن عمر قال: نُهي عن بيع النخل حتى يصلح، وعن بيع الوَرِقِ
نَساءً بناجزِ، أي: عن بيع الوَرق وهو الفضة بالذهب نَساء: تاخيرًا.
هو في «مسند أحمد» (٤٥٢٥) و(٦٠٥٨)،
و«صحيح ابن حبان» (٤٩٨١) و(٤٩٨٩).
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم
(٣٤٦٧).
قال الخطابي: الثمرة إذا بدا صلاحها
أمنت العاهة غالبًا وما دامت وهي رخوة رَخْصة -أي: رطبة- قبل أن يشتد حبها أو يبدو
صلاحها فإنها بعرض الآفات، وكان نهيه البائع عن ذلك لأحد وجهين:
أحدهما: احتياطًا له بأن يدعها حتى
يتبين صلاحها، فيزداد قيمتها ويكثر نفعه منها. وهو إذا تعجّل ثمنها لم يكن فيها
طائل لقلّته، فكان ذلك نوعًا من إضاعة المال.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك مناصحة
لأخيه المسلم، واحتياطًا لمال المشتري لئلا ينالها الآفة، فيبور ماله، أو يطالبه
برد الثمن من أجل الحاجة، فيكون بينهما في ذلك الشر والخلاف، وقد لا يطيب للبائع
مال أخيه منه في الورع إن كان لا قيمة له في الحال، إذ لا يقع له قيمة فيصير كأنه
نوع من أكل المال بالباطل.
وأما نهيه المشتري: فمن أجل المخاطرة
والتغرير بماله، لأنها ربما تلفت بأن تنالها العاهة فيذهب ماله، فنهى عن هذا البيع
تحصينًا للأموال، وكراهة للتغرير.
ولم يختلف العلماء أنه إذا باعها أو
شرط عليه القطع جاز بيعها، وإن لم يبد صلاحها، وإنما انصرف النهي إلى البيع قبل
بدوّ الصلاح من التبقية، إلا أن الفقهاء اختلفوا فيما إذا باعها بعد بدوِّ الصلاح.
=
٣٣٦٨ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفَيليُّ،،، حدَّثنا ابن عُلَيةَ، عن أيوبَ، عن نافعٍ
عن ابن عمر: أن رسولَ الله ﷺ نهى عن
بيعِ النخْل حتى يَزْهُوَ، وعن السُّنبُلِ حتى يَبْيضَّ ويأمَنَ العاهَةَ، نهى
البائعَ والمشتريَ (١).
٣٣٦٩
- حدَّثنا حفصُ بن عُمر النَّمَريُّ،
حدَّثنا شعبةُ، عن يزيدَ بن خُمَيرِ، عن مولًى لقُريشٍ
عن أبي هريرة قال: نهى رسولُ الله ﷺ
عن بيعِ الغنائم حتى تُقْسَم، وعن بيعِ النخلِ حتى تُحْرَزَ من كلَّ عارِضٍ، وأن
يُصليَ الرجل بغير حِزامٍ (٢).
= فقال أبو حنيفة: البيع جائز على
الإطلاق. وعليه القطع. فيكون في معنى من شرط القطع.
وقال الشافعي: البيع جائز، وعلى
البائع تركها على الشجر حتى تبلغ إناها، وجعل العرف فيها كالشرط، واستدل بما روي
عن النبي-ﷺ من طريق حميد عن أنس: أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها. وقال:
أرأيت إن منع له الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ «قال: فدل ذلك على أن حكم
الثمرة التبقية، ولو كان حكمها القطع، لم يكن يقع معه منع الثمرة.
(١)
إسناده صحيح، أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني، وابن عُلية: هو إسماعيل بن
إبراهيم بن مقسم، المعروف بابن عُلية.
وأخرجه مسلم (١٥٣٥)، والترمذي
(١٢٧٠)، والنسائي (٤٥٢٠) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.
وهو في»مسند أحمد«(٤٤٩٣)، و»صحيح ابن
حبان«(٤٩٩٤). وانظر ما قبله.
قال في»القاموس": زها البُسر:
تلوَّن، كأزهى.
(٢)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الراوي عن أبي هريرة. =
٣٣٧٠ - حدَّثنا أبو بكر محمدُ بن خلاَّد
الباهليُّ، حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سليمِ بن حيّانَ، أخبرنا سعيدُ بن مِيناء،
قال:
سمعت جابرَ بن عبد اللهقول: نهى
رسولُ الله ﷺ أن تُباعَ الثمرةُ حتى تُشْقِحَ، قيل: وما تُشْقِحُ؟ قال: «تَحْمارُّ
وتَصْفارُّ، ويُؤكَل منها» (١).
= وأخرجه أحمد (٩٠١٧) و(٩٩٠٩)
و(١٠١٠٥)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ٢/ ٢٠ من طرق عن شعبة بن
الحجاج، بهذا الإسناد.
وأخرجه قطعة النهي عن بيع المغانم
حتى تُقسم: ابنُ أبي شيبة ١٢/ ٤٣٧ من طريق شعبة، به.
وأخرج قطعة الاحتزام: البيهقي ٢/ ٢٤٠
من طريق شعبة، به.
وأخرج مسلم (١٥٣٨) من طريق عبد
الرحمن بن أبي نُعم، ومسلم أيضًا بإثر (١٥٣٩) وابن ماجه (٢٢١٥)، والنسائي (٤٥٢١)
من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن أبي هريرة رفعه: «لا
تبتاعوا الثمر حتى يَبْدُوَ صلاحُه».
وسيأتي عند المصنف برقم (٣٣٧٦) من
طريق الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي-ﷺ نهى عن بيع الغرر. وهو في «صحيح مسلم»
(١٥١٣). وبيع الغرر يدخل فيه بيع الغنائم حتى تُقسم وبيع النخل حتى يُحرَزَ، لأن
كلاهما من بيوع الغرر التي فيها جهالة.
ويشهد لقطعة النهي عن الصلاة بغير
حزام حديث سلمة بن الأكوع السالف عند المصنف برقم (٦٣٢) قال: قلت: يا رسول الله ﷺ،
إني رجلٌ أصيدُ، أفأصلي في القميص الواحد؟، قال: «نعم» وازرُزه ولو بشوكة«.
وإسناده حسن.
وقوله: بغير حزام، أي: من غير أن يشد
ثوبه عليه، لأنهم كانوا قلّما يتسَرْولُون، وإذا لم يُشَدّ الوسط، ربما بدت
العورة. انظر»النهاية".
(١)
إسناده صحيح. يحيى بن سعيد: هو القطّان.
وأخرجه البخاري (٢١٩٦) من طريق يحيى
بن سعد، ومسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق بهز بن أسد، كلاهما عن سليم بن حيان، به. لكن
جاء في رواية بهز: قلت لسعيد: ما تُشقح؟ قال: تَحْمارُّ وتَصْفارُّ، ويؤكل منهما.
فجعل هذا التفسير من كلام سعيد بن ميناء. وهذا محتمل في رواية يحيى بن سعيد أيضًا.
=
٣٣٧١ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا
أبو الوليد، عن حماد بن سلمةَ، عن حميدٍ
عن أنس: أن النبيَّ- ﷺ ﷺ نهى عن بيعِ
العنَبِ حتى يَسْوَدَّ، وعن بيعِ الحبِّ حتى يَشتدَّ (١).
= وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق أبو
الوليد المكي وعطاء بن أبي رباح، عن جابر بلفظ: نهى رسول الله ﷺ-ﷺ أن يُشترى النخل
حتى يُشْقِه، والإشقاه أن يحمّر أو يصفّر أو يؤكل منه شيء، وهذا يحتمل أن يكون من
تفسيره ﷺ، ويحتمل أن يكون من جابر، وربما كان من عطاء أو من دونه.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٣٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٢).
وأخرجه مسلم (١٥٣٦) من طريق أبي
الزبير، ومسلم (١٥٣٦) والنسائي (٣٩٢١) من طريق عمرو بن دينار كلاهما عن جابر قال:
نهى رسول الله ﷺ-ﷺ عن بيع الثمر حتى يطيب. وقال عمرو بن دينار: حتى يبدوَ صلاحُه.
وسيأتي برقم (٣٣٧٣) بلفظ: أن النبي-ﷺ
نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه. وانظر تمام تخريجه هناك.
قال الخطابي: التشقيح: تغتر لونها
إلى الصفرة والحُمرة، والشقحة: لون غير خالص في الحمرة والصفرة، وإنما هي تغير
لونه في كُمودة، ومنه قيل: قبيح شقيح، أي: تغير اللون إلى السماجة والقُبح.
وإنما قال: تَحْمارُّ وتَصْفارُّ،
لأنه لم يُرد به اللون الخالص، وإنما يُستعمل ذلك في اللون المتميل، يقال: ما زال
يحْمارّ وجهه ويَصْفارّ، إذا كان يضرب مرة إلى الصفرة ومرة إلى الحمرة، فإذا
أرادوا أنه قد تمكن واستقر قالوا: تحمَّر وتصفَّر.
وفي قوله: «حتى تشقح» دليل على أن
الاعتبار في بدوّ الصلاح إنما هو بحدوث الحمرة في الثمرة دون إتيان الوقت الذي
يكون فيه صلاح الثمار غالبًا.
(١)
إسناده صحيح. حميد: هو ابن أبي حميد الطويل، وأبو الوليد: هو هشام ابن عبد الملك
الطيالسي، والحسن بن علي: هو الخلال.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢١٧)، والتر مذي
(١٢٧٢) من طرق عن حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٣١٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٣).
٣٣٧٢ - حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا
عنبسةُ بن خالدٍ، حدَّثني يونسُ، قال: سألتُ أبا الزنادِ عن بيعِ الثمر قبل أَن
يَبْدُوَ صلاحُه وما ذُكر في ذلك، فقال: كان عروةُ بن الزبير يُحدِّث عن سهْل بن
أبي حَثْمَةَ، عن زيدِ بن ثابتٍ، قال: كان الناسُ يتبايعون الثمارَ قبل أن يبدُوَ
صلاحُها، فإذا جَدَّ الناسُ وحضَر تقاضيهم، قال المُبتاعُ: قد أصاب الثمرَ
الدُّمَانُ، وأصابَه قُشام، وأصابَه مُرَاض، عاهات يحتجُّون بها، فلما كثُرت
خصومتُهم عند النبي ﷺ قال رسولُ الله ﷺ كالمَشورة يُشير بها: «فإمَّا لا، فلا
تَتبايَعوا الثمَرةَ حتى يَبدُوَ صلاحُها» لكثرةِ خُصومتِهم واختلافِهم (١).
(١) حديث حسن، عنبسة بن خالد -وهو الأيلي-
متابع. وقال أحمد بن صالح المصري فيما نقله الخطيب في «تاريخه» ٤/ ١٩٨: حدثت أحمد
بن حنبل بحديث زيد ابن ثابت في بيع الثمار، فأعجبه واستزادني مثله.
وأخرجه الدارقطني (٢٨٣٣)، والخطيب في
تاريخه، ٤/ ١٩٨ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو عوانة (٥٠٤١)، والطحاوي
في «شرح معاني الآثار» ٤/ ٢٨، والدارقطني (٢٨٣٣) و(٢٩٤٦)، والبيهقي ٥/ ٣٠١ من طريق
أبي زرعة وهب الله بن راشد الحَجْري، عن يونس بن يزيد، به. وأبو زرعة وهب الله بن
راشد حديثه حسن في المتابعات.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (٤٧٨٨)
من طريق محمد بن حميد الرازي، عن هارون بن المغيرة، والبخاري تعليقًا بإثر (٢١٩٣)
من طريق علي بن بحر، عن حكّام -هو ابن سَلْم- كلاهما عن عنبسة بن خالد، عن زكريا
بن خالد، عن أبي الزناد، به.
فذكرا زكريا بن خالد بدل: يونس بن
يزيد!
وأخرجه الذهلي في «الزهريات» كما في
«تغليق التعليق» ٣/ ٢٦١ عن أبي صالح -وهو عبد الله بن صالح كاتب الليث-، عن الليث
بن سعْد، عن أبي الزناد، به. وأبو صالح حسن الحديث في المتابعات، وقد علقه البخاري
في «صحيحه» (٢١٩٣) بصيغة الجزم. =
٣٣٧٣ - حدَّثنا إسحاقُ بن إسماعيلَ
الطالْقانيُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن ابن جُرَيجِ، عن عطاءٍ عن جابر: أن النبي ﷺ نهى
عن بيعِ الثمرِ حتى يبدوَ صلاحُه، ولا يباعُ إلا بالدينارِ أو الدرهمِ، إلا
العَرايا (١).
= قوله: الدَّمان: قال في «النهاية»:
هو بالفتح وتخفيف الميم: فساد الثمر وعفنُه قبل إدراكه، حتى يسودَّ، من الدِّمْن
وهو السِّرْقين -وهو ما تُدمَلُ به الأرض- ... قال: ويقال: الدِّمال باللام أيضًا
بمعناه، هكذا قيدهُ الجوهري وغيره بالفتح، والذي جاء في «غريب الخطابي» بالضم،
وكأنه أشبه، لأن ما كان من الأدواء والعاهات فهو بالضم كالسُّعال والنُّحاز
والزُّكام، وقد جاء في الحديث: القُشام والمُراض، وهما من آفات الثمرة، ولا خلاف
في ضمهما، وقيل: هما لغتان.
والقشام: شيء يصيبه حتى لا يرطب،
وقال الأصمعي: هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن تصير بلحًا.
وقوله: جدَّ الناسُ، أي: قطعوا
الثمار.
(١)
إسناده صحيح. عطاء: هو ابن أبي رباح، وابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن
جُريج، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢١٨٩) و(٢٣٨١)،
ومسلم بإثر (١٥٤٣)، وابن ماجه (٢٢١٦)،والنسائي (٣٨٧٩) و(٤٥٢٣) و(٤٥٢٤) و(٤٥٥٠) من
طريق ابن جريج، به. وقرن البخاري في الموضع الأول ومسلم في إحدى رواياته، والنسائي
في الموضعين الأول والثالث بعطاء أبا الزبير، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي.
وأخرجه البخاري (١٤٨٧)، ومسلم بإثر
(١٥٤٣) من طريقين عن عطاء بن أبي رباح، به. ولفظ رواية مسلم كرواية سعيد بن ميناء
السالفة عند المصنف برقم (٣٣٧٠).
وأخرج مسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق أبي
الزبير وسعيد بن ميناء والنسائي (٤٦٣٤) من طريق أبي الزبير، كلاهما، عن جابر ...
ورَخَّص في العرايا. قلنا: يعني رسول الله ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٥٨)
و(١٤٨٧٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٩٩٢).
وانظر ما سلف برقم (٣٣٧٠).
٢٤ - باب في بيع السِّنين
٣٣٧٤
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل ويحيى بنُ
معَينٍ، قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن حميدٍ الأعرج، عن سليمانَ بن عتيقٍ
عن جابر بن عبد الله: أن النبيَّ ﷺ
نهى عن بيع السِّنين، ووَضَعَ الجوائح (١).
(١) إسناده صحيح. حُميد الأعرج:. هو ابن قيس
المكي، وسفيان: هو ابن عُيينة.
وأخرج الشطر الأول منه وهو النهي عن
بيع السنين: مسلم بإثر (١٥٤٣)، وابن ماجه (٢٢١٨)، والنسائي (٤٥٣١) و(٤٦٢٧) من طرق
عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق
عطاء بن أبي رباح، عن جابر.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٢٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٥).
وانظر ما بعده.
وأخرج الشطر الثاني منه، وهو وضع
الجوائح: مسلم بإثر (١٥٥٥)، والنسائي (٤٥٢٩) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٢٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٣١).
وسيأتي ذكر وضع الجوائح بلفظ آخر عند
المصنف برقم (٣٤٧٠).
قال الخطابي: بيع السنين: هو أن يبيع
الرجل ما تثمره النخلة أو النخلات بأعيانها سنين ثلاثًا أو أربعًا أو أكثر منها،
وهذا غرر، لأنه يبيع شيئًا غير موجود ولا مخلوق حال العقد، ولا يُدرى هل يكون ذلك
أم لا، وهل يتم النخل أم لا؟ وهذا في بيوع الأعيان فأما في بيوع الصفات فهو جائز
مثل أن يسُلف في الشيء إلى ثلاث سنين أو أربع أو أكثر ما دامت المدة معلومة إذا
كان الشيء المُسلَف فيه غالبًا وجوده عند وقت محل السلف.
وأما قوله: وضع الجوائح، هكذا رواه
أبو داود، ورواه الشافعي عن سفيان بإسناده فقال: وأمر بوضع الجوائح، والجوائح: هي
الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال: جاحهم الدّهر يجوحهم واجتاحهم الزمان إذا
أصابهم بمكروه عظيم. =
قال أبو داود: لم يصحَّ، عن النبي ﷺ
في الثلث شيء، وهو رأي أهل المدينة (١).
٣٣٧٥
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حماد، عن
أيوبَ، عن أبي الزبير وسعيدِ بن مِيناء عن جابر بن عبد الله: أن النبيَّ ﷺ نَهى عن
المُعاومة، وقال أحدُهُما: بيعِ السنين (٢).
= قال الشيخ [هو الخطابي]: وأمره بوضع
الجوائح عند أكثر الفقهاء أمر ندب واستحباب من طريق المعروف والإحسان، لا على سبيل
الوجوب والإلزام.
وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد في
جماعة من أهل الحديث: وضع الجائحة لازم للبيع إذا باع الثمرة فأصابته الآفة فهلكت.
وقال مالك: يوضع في الثلث فصاعدًا،
ولا يوضع فيما هو أقل من الثلث. قال أصحابه: ومعنى هذا الكلام أن الجائحة إذا كانت
دون الثلث كان من مال المشتري، وما كان أكثر من الثلث فهو من مال البائع.
واستدل من تأول الحديث على معنى
الندب والاستحباب دون الإيجاب بأنه أمر حدث بعد استقرار ملك المشتري عليها، فلو
أراد أن يبيعها أو يهبها لصح ذلك منه فيها، وقد نهى رسول الله ﷺ عن ربح ما لم
يُضمن، فإذا صح بيعها ثبت أنها من ضمانه، وقد نهى رسول الله ﷺ عن بيع الثمرة قبل
بدوِّ صلاحها، فلو كانت الجائحة بعد بدوِّ لصلاح من مال البائع لم يكن لهذا النهي
فائدة.
(١)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من رواية أبي عيسى
الرملي. ولبيان معناها انظر كلام الخطابي المذكور في التعليق السابق.
(٢)
إسناده صحيح. أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- وإن لم يصرح بالسماع
متابع كما في الطريق السابق، وكما سيأتي. أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني.
وحماد: هو ابن زيد، ومسدَّد: هو ابنُ مُسرهَد.
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق
حماد بن زيد، بهذا الإسناد، بلفظ: نهى رسول الله ﷺ عن المحاقلة والمزابنة
والمعاومة والمخابرة. وسيأتي ذكر هذه البيوع بهذا الإسناد عند المصنف (٣٤٠٤).
=
٢٥ - باب في بيع الغَرر
٣٣٧٦
- حدَّثنا أبو بكر وعثمانُ ابنا أبي
شيبةَ، قالا: حدَّثنا ابنُ إدريس، عن عُبيد الله، عن أبي الزناد، عن الأعرجِ
عن أبي هريرة: أن النبيَّ ﷺ نَهى عن
بيعِ الغَرر، زادَ عثمانُ: والحصَاةِ (١).
= وأخرجه الترمذي (١٣٦٠) من طريق عبد
الوهاب الثففي، والنسائي (٤٦٣٤) من طريق إسماعيل ابن علية، كلاهما عن أيوب، عن أبي
الزبير وحده، به. وزادا البيوع الآنفة الذكر.
وأخرجه النسائي (٤٦٢٦) من طريق سفيان
بن عيينة، عن أبي الزبير وحده كذلك، به بلفظ: نهى رسول الله ﷺ عن بيع السنين.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٥٨)
و(١٤٩٢١)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٠٠). وانظر ما قبله.
وسيتكرر ضمن البيوع المذكورة آنفًا
برقم (٣٤٠٤).
بيع السنين: جمع سنة، وهو أن يبيع
الإنسان ما تحمله هذه الشجرة سنة أو أكثر، وهو بيع المعاومة أيضًا، والمعاومة
مأخوذة من العام الذي هو السنة.
(١)
إسناده صحيح. الأعرج: هو عبد الرحمن بن هُرمز، وأبو الزناد: هو عبد الله ابن
ذكوان، وعُبيد الله: هو ابن عمر العُمري، وابن إدريس: هو عَبد الله.
وأخرجه مسلم (١٥١٣)، وابن ماجه
(٢١٩٤)، والترمذي (١٢٧٤)، والنسائي (٤٥١٨) من طريق عُبيد الله بن عمر، بهذا
الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٤١١)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٥١).
قال الخطابي: أصل الغرر هو ما طوي
عنك علمه، وخفي عليك باطنُه وسرُّه، وهو مأخوذ من قولك: طويت الثوب على غرِّه، أي:
على كسر الأول. وكل بيع كان المقصود منه مجهولًا غير معلوم، ومعجوزًا عنه غير
مقدور عليه فهو غرر، وذلك مثل أن يبيعه سمكًا في الماء أو طيرًا في الهواء، أو
لؤلؤة في البحر، أو عبدًا آبقا، أو جملًا شاردًا أو ثوبًا في جراب لم يره ولم
ينشره، أو طعامًا في بيت لم يفتحه، أو ولد بهيمة =
٣٣٧٧ - حدَّثنا قتيبةُ بن سَعيدٍ وأحمدُ بن
عَمرو بن السَّرْحِ، -وهذا لفظُه- قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريِّ، عن عطاص بن
يزيدَ اللَّيثيِّ
عن أبي سعيد الخدري: أن النبي ﷺ نهى
عن بَيعتَين وعن لبستَين: أما البَيعتان فالمُلامسةُ والمُنابذةُ، وأمَّا
اللِّبستان فاشتمال الصَّمَّاء، وأن يَحْتبي الرجلُ في ثوبٍ واحدٍ كاشفًا عن
فَرجِه، أو ليس على فرجِه منه شيءٌ (١).
= لم يُولد، أو ثمر شجر لم تثمر في
نحوها من الأمور التي لا تُعلَم، ولا يُدرَى هل تكون أم لا؟ فإن اليع فيها مفسوخ.
وإنما نهى ﷺ عن هذه البيوع تحصينًا
للأموال أن تضيع وقطعًا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها.
وأبواب الغرر كثيرة، وجماعها ما دخل
في المقصود منه بالجهل.
وأما بيع الحصاة فإنه يفسر على وجهين:
أحدهما: أن يرمي بحصاة ويجعل رميها
إفادة للعقد فإذا سقطت وجب البيع، ثم لا يكون للمشتري فيه الخيار.
والوجه الآخر: أن يعترض الرجل القطيع
من الغنم فيرمي فيها بحصاة، فأية شاة منها أصابتها الحصاة فقد استحقها بالبيع،
وهذا من جملة الغرر المنهي عنه.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٦٢٨٤)، وابن ماجه
(٢١٧٠) و(٣٥٥٩)، والنسائي (٤٥١٢) و(٥٣٤١) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وفرق ابن ماجه والنسائي اللبستين عن البيعتين.
وأخرجه مختصرًا بذكر اللبستين
البخاري (٣٦٧) و(٥٨٢٢)، والنسائي (٥٣٤٠) من طريق عُبيد الله بن عبد الله، والبخاري
(١٩٩١) من طريق يحيى بن عمارة المازني، كلاهما عن أبي سعيد الخدري.
وهو في «مسند أحمد» (١١٠٢٢) و(١١٠٢٣).
وانظر تالييه. =
٣٣٧٨ - حدَّثنا الحسنُ بن عليٍّ، حدَّثنا
عبدُ الرزَّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن عطاءِ بن يزيدَ الليثيٌ
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ،
بهذا الحديث، زاد: واشتمالُ الصَّمَّاء: أن يشتملَ في ثوبٍ واحدٍ يضعُ طرفَي
الثوبِ على عاتقِه الأيسرِ ويُبرِزُ شقَّه الأيمنَ، والمنابذةُ: أن يقولَ: إذا
نَبذْتُ إليك هذا الثوبَ فقد وَجَبَ البيعُ، والمُلامسةُ: أن يَمسَّه بيدِه ولا
ينشرَه ولا يُقلِّبه، وإذا مسَّه وجبَ البيعُ (١).
= قال الخطابي: الملامسة: أن تلمس
الثوب الذي تريد شراءه، أي: يمسه بيده ولا ينشره ولا يتأمله، ويقول: إذا لمسته
بيدي فقد وجب البيع، ثم لا يكون له فيه خيار إن وجد فيه عيبًا، وفي نهيه عن بيع
الملامسة مستدل لمن أبطل بيع الأعمى وشراءه، لأنه إنما يَستدِلُّ ويتأملُ باللمس
فيما سبيلة أن يستدرك بالعيان وحسن البصيرة.
والمنابذة: أن يقول: إذا نبذت إليك
الثوب فقد وجب البيع، وقد جاء بهذا التفسير في الحديث. وقال أبو عبد الله:
المنابَذة أن ينبذ الحجر، ويقول: إذا وقع الحجر فهو لك وهذا نظير بيع الحصاة.
وأما اشتمال الصماء: فهو أن يشتمل في
ثوب واحد يضع طرفي الثوب على عاتقه الأيسر ويسدل شقه الأيمن، هكذا جاء تفسيره في
الحديث.
وأما الاحتباء في الثوب الواحد ليس
على فرجه منه شيء، فهو أن يقعد على أليتيه، وقد نصب ساقيه وهو غير متزر، ثم يحتبي
بثوب بجمع بين طرفيه ويشدهما على ركبتيه، وإذا فعل ذلك بقيت فرجة بينه وبين الهواء
تنكثف منها عورته.
(١)
إسناده صحيح. معمر: هو ابن راشد، وعبد الرزاق: هو ابن همام، والحسن ابن علي: هو
الخلال.
وأخرجه البخاري (٢١٤٧)، والنسائي
(٤٥١٥) من طريق معمر بن راشد، بهذا الإسناد. واقتصرا على ذكر اللبستين مع البيعتين
لكن دون بيان اللبستين.
وهو في «مسند أحمد» (١١٠٢٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٧٦) و(٥٤٣٧).
وانظر ما قبله وما بعده.
٣٣٧٩ - حدَّثنا أحمدُ بن صالحِ، حدَّثنا
عنبسةُ، حدَّثنا يونسُ، عن ابنِ شهابِ، قال: أخبرني عامرُ بن سعْدِ بن أبي وقاصِ
أن أبا سعيد الخدري قال: نَهى رسولُ
الله ﷺ، بمعنى حديث سفيانُ وعبدِ الرزاق جميعًا (١).
٣٣٨٠
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن
مالكِ، عن نافع
عن عبد الله بن عمر: أنْ رسولَ الله
ﷺ نهى عن بيع جَبَلِ الحَبَلةِ (٢).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناده ضعيف لضعف
عَنْبسة -وهو ابن خالد الأيلي- ولكنه متابع. يونس: هو ابن يزيد الأيلي:
وأخرجه البخاري (٢١٤٤)، والنسائي
(٤٥١٠) من طريق عقيل بن خالد الأيلي، والبخاري (٥٨٢٠)، ومسلم (١٥١٢)، والنسائي
(٤٥١١) من طريق يونس بن يزيد، ومسلم (١٥١٢)، والنسائي (٤٥١٤) من طريق صالح بن
كيسان، ثلاثتهم عن الزهري، به.
ولم يذكر أحدٌ منهم اللبستين سوى
البخاري في رواية يونس بن يزيد.
وهو في «مسند أحمد» (١١٨٩٩) و(١١٩٥٢).
وانظر سابقيه.
(٢)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٥٣ وفيه
زيادة: وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج
الناقة ثم تنتج التي في بطنها.
وأخرجه البخاري (٢١٤٣) و(٢٢٥٦)،
ومسلم (١٥١٤)، والترمذي (١٢٧٣)، والنسائي (٤٦٢٤) و(٤٦٢٥) من طرق عن نافع، به. وعند
البخاري والنسائي في الموضع الثاني -وهما من طريق مالك- الزيادة المشار إليها.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٩٧)، والنسائي
(٤٦٢٣) من طريق أيوب السَّختياني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر.
=
٣٣٨١ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
يحيى، عن عُبيدِ اللهِ، عن نافع
عن ابن عمر، عن النبيِّ ﷺ، نحوه،
قال: وحَبَلُ الحبَلةِ: أن تُنتَجِ الناقةُ بطنَها ثم تحملَ التي نُتِجَت (١).
٢٦ - باب في بيع المضطر
٣٣٨٢
- حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا
هُشَيمٌ، أخبرنا صالحُ بن عامر -كذا قال محمد- حدَّثنا شيخٌ من بني تَميمٍ، قال:
خطبنا علي بن أبي طالب -أو قال: قال
عليٌّ، قال ابنُ عيسى: هكذا حدَّثنا هشيمٌ- قال: سيأتي على الناس زمانٌ عَضُوضٌ،
يَعَض
_________
= وأخرجه النسائي (٤٦٢٢) من طريق شعبة،
عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. فجعله من مسند ابن عباس. وهذا لا يضر، لأن
الاختلاف في ذكر الصحابي لا يؤثِّر، إذ كلهم عُدُولٌ.
وهو في «مسند أحمد» (٣٩٤) و(٤٤٩١).
وانظر ما بعده.
قال ابن الأثير في «النهاية»:
الحَبَل الأول يُراد به ما في بطون النوق من الحمل، والثاني حَبَل الذي في بطون
النوق، وإنما نُهي عنه لمعنيين: أحدهما: أنه غرر وبيع شيء لم يُخلَق بعد، وهو أن
يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، على تقدير أن تكون أنثى، فهو بيع
نِتاج النِّتاج، وقيل: أراد بحبل الحبلة أن يبيعه إلى أجل يُنتَج فيه الحمل الذي
في بطن الناقة، فهو أجل مجهول ولا يصح.
(١)
إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر العمري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان كما في
«الأطراف» (٨١٤٩).
وأخرجه البخاري (٣٨٤٣)، ومسلم (١٥١٤)
من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن عُبيد الله بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٥١٠) (٤٦٤٠) عن
يحيى بن سعيد القطان، و(٥٥١٠) عن يحيى بن سعيد الأموي مختصرًا، كلاهما عن عُبيد
الله.
وانظر ما قبله.
المُوسر على ما في يدَيه، ولم يُؤمَر
بذلك، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٨]، ويُبايَع المُضطرون، وقد نهى النبي ﷺ عن
بيع المُضطر، وبيع الغَررِ، وبيع الثمرة قبل أن تُدرِكَ (١).
٢٧
- باب في
الشركة
٣٣٨٣
- حدَّثنا محمد بن سليمان المِصِّيصيُّ
لُوَين، حدَّثنا محمد بن الزِّبرِقانِ، عن أبي حيَّانَ التَّيْميِّ، عن أبيه
(١) إسناده ضعيف لضعف صالح بن عامر -والصواب
صالح أبو عامر، وهو صالح بن رستم المزني- وجهالة الشيخ التميمي. وقد ضعفه ابن حزم
في «المحلى» ٩/ ٢٢، والخطابي والمنذري في كتابيهما على «السنن» لأبي داود.
وأخرجه أحمد في «مسنده» (٩٣٧)،
والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (٣٥٦)، والبيهقي ٦/ ١٧ من طريق هثيم بن بشير، بهذا
الإسناد. وقد جاء اسمُ صالح على الصواب عندهم.
وأخرجه أبو بكر بن مردويه في تفسيره
«كلما في»تفسير ابن كثير" ١/ ٤٢٦ - ٤٢٧ من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي،
عن عبد الله بن عُبيد، عن علي بن أبي طالب.
فسمى الرجل عبدَ الله بن عُبيد -هو
ابن عمير-، وهذا الرجل وإن كان ثقة، لكن عُبيد الله ابن الوليد انفرد بتسمته، وهو
ضعيف الحديث.
قال الخطابي: بيع المضطر يكون من
وجهين: أحدهما: أن يضطر إلى العقد من طريق الإكراه عليه، فهذا فاسد لا ينعقد.
والوجه الآخر: أن يضطر إلى البيع
لدين يركبه أو مؤنة ترهقه، فيبيع ما في يده بالوكس من أجل الضرورة، فهذا سبيله في
حق الدين والمروءة أن لا يبايع على هذا الوجه، وأن لا يفتات عليه بماله، ولكن
يُعان ويمُرض ويُستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له بلاغ، فإن عقد البيع مع الضرورة
على هذا الوجه جاز في الحكم ولم يفسخ.
وفي إسناد الحديث رجل مجهول لا ندري
من هو؟ إلا أن عامة أهل العلم قد كراهوا البيع على هذا الوجه.
قلنا: وزمان عضوض، هو الزمان الذي
فيه عسف وظلم، كأنه يَعضُّهم عضًَّا.
عن أبي هريرة، رفعه، قال: «إن الله
يقول: أنا ثالثُ الشريكَين، ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحبَه، فإذا خانَه خرجْتُ من
بينهما» (١).
٢٨
- باب في
المُضارِب يخالِفُ
٣٣٨٤
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا سفيانُ،
عن شَبيبِ بن غَرْقَدةَ، حدَّثني الحيُّ
(١) إسناده ضعيف لجهالة والد أبي حيان
التيمي، واسم أبي حيان يحيى بن سعيد ابن حيان، وبذلك أعله ابنُ القطان «بيان الوهم
والإيهام» ٤/ ٤٩٠، وأعله الدارقطني في «العلل» ١١/ ٧ بعلة أخرى، وهي أنه لم يُسنده
عن أبي هريرة إلا محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي، وأنه خالفه جرير بن عبد
الحميد وغيره، فرووه عن أبي حيان، عن أبيه مرسلًا، قال: وهو الصواب.
وقد صحح إسناده الحاكم ٢/ ٥٢، وجوّد
إسنادَه ابنُ الملقن في «البدر المنير» ٦/ ٧٢١ فلم يُصيبا، وحجة ابن الملقن أن
سعيد بن حيان ارتفعت جهالته برواية الحارث بن سويد وشريح القاضي عنه أيضًا،
والصحيح أنه هو الذي يروي عنهما، كما ذكره البخاري
في «تاريخه الكبير»، وكما في «تهذيب
الكمال» للمزي في ترجمة سعيد بن حيان.
وأخرجه الدارقطني (٢٩٣٣)، والحاكم ٢/
٥٢، والبيهقي ٦/ ٧٨، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» ٤/ ٣١٦، والمزي في «تهذيب
الكمال» في ترجمة سعيد بن حيان ١٠/ ٤٠٠ - ٤٠١ من طريق محمد بن سليمان المِصِّيصي
الملقب بلُوين، بهذا الإسناد.
وأخرجه الدارقطني (٢٩٣٤) من طريق
جرير بن عبد الحميد، عن أبي حيان،
عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: «يد
الله على الشريكين ...» هكذا رواه مرسلًا، وهو الذي صوبه الدارقطني في «العلل».
قال المناوي في «فيض القدير» ٢/ ٣٠٨:
«ثالث الشركين» أي: بالمعونة وحصول البركة والنماء، ما لم يخن أحدهما صاحبه بترك
أداء الأمانة، وعدم التحرز من الخيانة، فإذا خانه بذلك خرجت البركة من بينهما،
يعني نزعت البركة من مالهما، قال الطيبي: فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة
بمنزلة المال المخلوط، فسمى ذاته ثالثًا لهما، وقوله: خرجت ترشيح للاستعارة، وفيه
ندبُ الشركة، وأن فيها البركة بشرط الأمانة، وذلك لأن كلًا منهما يسعى في نفع
صاحبه، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
عن عُروةَ -يعني البارقيَّ- قال:
أعطاه النبي ﷺ دينارًا يشتري به أُضحيةً أو شاةً، فاشترى شاتَين، فباع إحداهما
بدينار، فأتاه بشاةٍ ودينارٍ، فدعا له بالبركةِ في بيعِه، فكان لو اشترى تُرَابا
لربح فيه (١).
(١) إسناده صحيح.
وتضعيف الخطابي والبيهقي وغيرهما هذا
الحديث بإبهام الحيِّ الذين حدّثوا شبيب ابن غرقدة، غير صحيح، فقد أخرجه البخاري،
وقال الحافظ في «الفتح» ٦/ ٦٣٥: ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا ما يحطُّه عن شرط
البخاري، لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب، ويضاف إلى ذلك ورود الحديث
من الطريق التي هي الشاهد لصحة الحديث. قلنا: هي الطريق الآتية بعده. ونقل الحافظ
أن الشافعي توقف فيه، فتارة قال: لا يصح، وهذه رواية المزني عنه، وتارة قال: إن صح
الحديث قلت به وهذه رواية البويطي.
وأخرجه البخاري (٣٦٤٢) عن علي ابن
المديني، عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٠٢) عن أبي بكر
بن أبي شيبة، عن ابن عيينة، عن شبيب، عن عروة -فأسفط من إسناده الحيِّ الذين حدثوا
شبيبا. لكن قال سفيان بن عيينة- فيما نقله الحميدي (٨٤٣)، وحكاه البخاري بإثر
روايته -: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه قال: سمعه شبيب من عروة،
فأتيتُه فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة قال: سمعت الحي يخبرونه عنه. قال الحافظ:
وهذا هو المعتمد.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٥٦).
وانظر ما بعده.
قال الترمذي: وقد ذهب بعض أهل العلم
إلى هذا الحديث وقالوا به، وهو قول أحمد وإسحاق ولم يأخذ بعض أهل العلم بهذا
الحديث. منهم الشافعي.
وقال الخطابي: هذا الحديث مما يحتج
به أصحاب الرأي. لأنهم يجيزون بيع مال زيد من عمرو بغير إذن منه وتوكيل، ويتوقف
البيع على إجازة المالك، فإذا أجازه صح، إلا أنهم لم يجيزوا الشراء بغير إذنه.
وأجاز مالك بن أنس الشراء والبيع معًا.
وكان الشافعي لا يجيز شيئًا من ذلك،
لأنه غرر لا يُدرى: هل يجيزه أم لا؟ وكلذلك لا يجيز النكاح الموقوف على رضا
المنكوحة أو اجازة الولي. =
٣٣٨٥ - حدَّثنا الحسنُ بن الصبَّاح، حدَّثنا
أبو المُنذرِ، حدَّثنا سعيدٌ أخو حماد بن زَيد، حدَّثنا الزبير بن الخِرِّيت، عن
أبي لَبيد، حدَّثني عروة البارقي، بهذا الخبر، ولفظُه مختلف (١).
٣٣٨٦
- حدَّثنا محمدُ بن كثير العبْديُّ،
أخبرنا سفيانُ، حدَّثني أبو حُصَينٍ، عن شيخٍ من أهل المدينة
عن حكيم بن حِزَام: أن رسولَ الله ﷺ
بعث معه بدينار يشتري له أُضحيةً، فأشتراها بدينارٍ، وباعها بدينارَين، فرجع
فاشترى له أُضحيةً بدينار، وجاء بدينار إلى النبي ﷺ، فتصدق به النبي ﷺ، ودعا له أن
يبارَك له في تجارته (٢).
= وقوله: باب في المضارب يخالف. قال
صاحب «عون المعبود» ٩/ ١٧٢: والحديث لا يدل صريحا على ما ترجم به المؤلف رحمه الله،
لأن القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كلما لا يخفى، وأدرجه صاحب «المنتقى»
تحت باب: من وكل في شراء شيءٍ فاشترى بالثمن أكثر منه، وتصرف في الزيادة.
(١)
حديث صحح، وهذا إسناد حسن من أجل سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد، وأبي لبيد -وهو
لمازة بن زبّار- فهما صدوقان لكنهما متابعان كما في الطريق السالفة. أبو النذر: هو
إسماعيل بن عمر الواسطي. وهذه هي الطريق التي أشار إليها الحافظ في «الفتح» ٦/
٦٣٥، وقد حسّن الحديث من هذا الطريق المنذري في «اختصار السنن» ٥/ ٥١.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٠٢/ م)، والترمذي
(١٣٠٣) و(١٣٠٤) من طريقين عن الزبير بن الخِرِّيت، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٣٦٢).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده ضعيف لإبهام الشيخ الراوي عن حكيم بن حزام. أبو حَصين: هو عثمان بن عاصم،
وسفيان: هو ابن سعيد الثوري. =
٢٩ - باب في الرجل يَتّجرُ في مال الرجل
بغير إذنه
٣٣٨٧
- حدَّثنا محمدُ بن العَلاء، حدَّثنا
أبو أُسامةَ، حدَّثنا عُمر بن حمزةَ، أخبرنا سالمُ بن عبد الله
عن أبيه، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ
يقول: «من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فَرَقِ الأرزِّ فليكن مثلَه» قالوا: ومن
صاحب فَرَقِ الأرزِّ يا رسول الله؟ فذكر حديث الغار حين سَقَط عليهم الجبلُ، فقال
كلُّ واحد منهم: اذكروا أحسنَ عملِكم، قال: وقال الثالث: اللهم إنك تعلم أني
استاجرت أجيرًا بفَرَقِ أرز، فلما أمسيتُ عرضتُ عليه حقَّه فأبى أن يأخُذَه،
وذهبَ، فثمَّرتُه له حتى جمعتُ له بقرًا ورِعاءها، فلقيني، فقال: أعْطِني حقي،
فقلت: اذهب إلى تلك البقر ورِعائها فخُذها، فذهب فأستَاقَها (١).
= وأخرجه الترمذي (١٣٠٢) من طريق أبي
بكر بن عياش، عن أبي حَصِين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن حكيم بن حزام. وقال الترمذي:
حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من
حكيم بن حزام.
وقد صحت هذه القصة عن عروة بن أبي
الجعد البارقي كما في الحديث السالف.
(١)
حديث صحيح. وهذا إسناد حسن في المتابعات. عمر بن حمزة -وهو ابن عبد الله بن عمر بن
الخطاب- ضعيف يعتبر به، وقد توبع. أبو أسامة: هو حماد بن أسامة.
وأخرجه بنحوه مطولًا البخاري (٢٢٧٢)،
ومسلم (٢٧٤٣) من طريق الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، به. وساق مسلم من
الحديث المطول قصة الرجل الذي كان له أبوان شيخان كبيران.
وأخرجه بنحوه مطولًا كذلك البخاري
(٢٢١٥) و(٢٣٣٣) و(٣٤٦٥) و(٥٩٧٤)، ومسلم (٢٧٤٣) من طريق نافع مولى ابن عمر، عن ابن
عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٥٩٧٣) و(٥٩٧٤)،
و«صحيح ابن حبان» (٨٩٧). =
٣٠ - باب في الشركة على غير رأس مال
٣٣٨٨
- حدَّثنا عُبيد الله بن معاذ، حدَّثنا
يحيى، حدَّثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدَة
عن عبد الله قال: اشتركتُ أنا وعمارٌ
وسعْدٌ فيما نُصيبُ يوم بدرِ، قال فجاء سعدٌ بأسيرَين ولم أَجِىء أنا وعمار بشيءٍ
(١).
= قال في «النهاية»: الفَرَق، بالتحريك
(قلنا: وبالتسكين، والفتح أفصح): مكيال يسع سة عشر رِطْلًا، وهي اثنا عشر مُدًّا،
أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز. وقيل: الفَرَق خمسة أقساط، والقِسط، نصف صاع.
قلنا: الرِّطْل يساوي بالموازين
المعاصرة (٤٠٨) غم تقريبًا، وعليه يكون الفرق -على مقتضى كلام ابن الأثير في
«النهاية»- يساوي (٦٥٢٨) غم تقريبًا، أي: (٦.٥٢٨)
كيلو غرام، والله أعلم.
(١)
إسناده ضيف، لأن أبا عُبيدة -وهو ابن عبد الله بن مسعود- لم يسمع من أبيه. أبو
إسحاق: هو عَمرو بن عَبد الله السَّبِيعي، وسفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن سعيد
القطان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٨٨)، والنسائي
(٣٩٣٧) و(٤٦٩٧) من طريقين عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: شركلة الأبدان صحيحة في
مذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وهذا الحديث حجة لهم، وقد احتج به أحمد بن حنبل
وأثبت شركة الأبدان، وهو أن يكون خياطين وقصَّارين فيعملان أو يعمل كل واحد منهما
منفردًا، أو يكون أحدهما خياطًا والآخر خرازًا أو حدادًا سواء اتفقت الصناعات أو
اختلفت، فكل ما أصاب أحدُهما من أجرة عن عمله كان صاحبه شريكه فيها، أو يشتركان
على أن ما يكتسبه كل واحد منهما إن لم يكن العمل معلومًا، إلا أن بعضهم قال: لا
يدخل فيها الاصطياد والاحتشاش.
وحكي عن أحمد أنه قال: يدخل فيها
الصيد والحشيش ونحوهما وقاسوها على المضاربة، إذا كان العمل فيها أحد رأسي المال
جاز أن يكون في الشقين مثل ذلك، وأبطلها الشافعي وأبو ثور. =
٣١ - باب في المزارعة
٣٣٨٩
- حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، عن عَمرو بن دينارٍ، قال:
سمعتُ ابن عُمر يقول: ما كنَّا نرى
بالمُزَارعة بأسًا، حتى سمعتُ رافعَ بن خَديج يقول: إن رسولَ الله ﷺ نهى عنها،
فذكرتُه لطاووسِ فقال: قال ابنُ عباسِ: إن رسولَ الله ﷺ لم يَنْهَ عنها، ولكن قال:
«لأن يمنحَ أحدُكم أرضَه خيرٌ من أن يأخذ خَراجًا مَعلومًا» (١).
= فأما شركة المفاوضة، فهي عند الشافعي
رضي الله عنه فاسدة، ووافقه في ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وجوزها الثوري وأصحاب
الرأي، وهو قول الأوزاعي وابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة وسفيان وأبو يوسف: لا يكون
شركة مفاوضة حتى يكون رأس أموالهما سواء.
قلنا: عمار: هو ابن ياسر، وسعد: هو
ابن أبي وقاص.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العَبْدي.
وأخرج حديث ابن عمر عن رافع بن خديج:
مسلم (١٥٤٧)، وابن ماجه (٢٤٥٠)، والنسائي (٣٩١٧) و(٣٩١٩) من طرق عن عمرو بن دينار،
عن ابن عمر. وقد عبروا عن المزارعة بالمخابرة، وهما شيء واحد. وهو في «مسند أحمد»
(٢٠٨٧).
وأخرج حديث ابن عباس البخاري (٢٣٣٠)،
ومسلم (١٥٥٠)، وابن ماجه (٢٤٥٦)، والنسائي (٣٨٧٣) من طريق عمرو بن دينار، ومسلم
(١٥٥٠)، وابن ماجه (٢٤٥٧) من طريق عبد الله بن طاووس، كلاهما عن طاووس، به.
وأخرجه مسلم (١٥٥٠) من طريق أبي زيد
عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عباس بلفظ: «من كانت له أرض فإنه إن منحها
أخاه خير له».
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٨٧) و(٢٥٤١)،
و«صحح ابن حبان» (٩١٩٥).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٣٣٩٠)
و(٣٣٩٢ - ٣٤٠٢). =
٣٣٩٠ - حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا ابن عُلَيةَ. وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا بِشرٌ -المعنى- عن عبد الرحمن بن
إسحاق، عن أبو عُبيدة بن محمد بن عمار، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عُروة بن
الزبير، قال:
قال زيدُ بن ثابتِ: يغفرُ الله
لرافعِ بن خَديجِ، أنا والله أعلمُ بالحديث منه، إنما أتاهُ رجلان -قال مسدَّدٌ:
من الأنصار، ثم اتَّفقا- قد اقتتلا، فقال رسولُ الله ﷺ: «إنْ كان هذا شأنكم فلا
تُكرُوا المزارعَ» زاد مُسددٌ: فسمع قولَه: «لا تُكروا المَزارعَ» (١).
= قال الخطابي: خبر رافع بن خديج من
هذا الطريق خبر مجمل يفسّره الأخبار التي رويت عن رافع بن خديج وعن غيره من طرق
أُخَر، وقد عقل ابن عباس معنى الخبر، وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما
تخرجه الأرض، وإنما أريد بذلك أن يتمانحوا أرضهم، وأن يرفق بعضهم بعضًا، وقد ذكر
رافع بن خديج -في رواية أخرى عنه- النوع الذي حرم منها، والعلة التي من أجلها نهى
عنها، وذكره أبو داود في هذا الباب.
وانظر فقه الحديث فيما يليه.
(١)
إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن إسحاق -وهو المدني- فهو صدوق حسن الحديث. وأبو
عبيدة بن محمد بن عمار وثقه ابن معين وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والوليد بن أبو
الوليد وثقه أبو زرعة وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وأثنى عليه أبو داود
خيرًا. بشر: هو ابن المفضل، وابن عليه: هو إسماعيل بن إبراهيم ابن مقسم.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٦١)، والنسائي
(٣٩٢٧) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥٨٨)
وانظر ما سيأتي برقم (٣٤٠٧).
قال الخطابي: وضعف أحمد بن حنبل حديث
رافع وقال: هو كثير الألوان -يريد هذا الحديث، واختلاف الروايات عنه- نمرة يقول:
سمعت رسول الله ﷺ، ومرة يقول: حدثني عمومتي. قلنا: لكن جاء في «مسنده» بإثر الحديث
(١٧٢٩٠) أن ابنه =
٣٣٩١ - حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا يزيدُ بن هارونَ، أخبرنا إبراهيمُ ابن سعْدٍ، عن محمدِ بن عكرمةَ بن عبدِ
الرحمن بن الحارث بن هشام، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لَبيبةَ، عن سعيد بن
المسيب
عن سعْدٍ، قال: كنا نُكري الأرضَ بما
على السَّوَاقي من الزرع، وما سَعِدَ بالماء منها، فنهانا رسولُ الله ﷺ عن ذلك،
وأمرنا أَن نُكريها بذهبٍ أو فضةٍ (١).
= عبد الله سأله عن أحاديث رافع بن
خديج، مرة يقول: نهانا النبي ﷺ، ومرة يقول: عن عميه، فقال: كلها صحاح، وأحبها إليّ
حديث أيوب.
قال الخطابي: وجوز أحمد بن حنبل
المزارعة، واحتج بأن النبي ﷺ أعطى اليهود أرض خيبر مزارعة، ونخلها مساقاة، وأجازها
ابن أبي ليلى ويعقوب ومحمد، وهو قول ابن المسيب وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد
العزيز. وأبطلها أبو حنيفة ومالك والشافعي.
قال الشيخ [يعني الخطابي]: إنما صار
هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع ابن خديج، ولم يقفوا على علته كما وقف عليه
أحمد. وقد أنعم بيان هذا الباب محمد ابن إسحاق بن خزيمة وجوزه وصنف في المزارعة
مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها، فالمزارعة على النصف والثلث والربع،
وعلى ما تراضيا به الشريكان جائزة إذا كانت الحصصُ معلومة والشروطُ الفاسدة
معدومةً، وهي عمل المسلمين من بلدان الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها، أعلم أني
رأيت أو سمعت أهل بلد أو صقع من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل
بها.
ثم ذكر أبو داود على إثر هذه
الأحاديث بابًا في تشديد النهي عن المزارعة، وذكر فيه طرقًا لحديث رافع بن خديج
بألفاظ مختلفة كرهنا ذكرها لئلا يطول الكتاب، وسبيلها كلها أن يردَّ المُجمَل فيها
إلى المفسَّر من الأحاديث التي مر ذكرها، وقد بينا عللها.
(١)
حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وجهالة محمد بن
عكرمة بن عبد الرحمن.
وأخرجه النسائي (٣٨٩٤) من طريق
إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٤٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٢٠١). =
٣٣٩٢ - حدَّثنا إبراهيمُ بن موسى الرازيُّ،
أخبرنا عيسى، حدَّثنا الأوزاعيُّ. وحدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا ليثٌ، كلاهما
عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن -واللفظ للأوزاعي-، حدَّثني حنظلةُ بن قَيسٍ
الأنصاري، قال:
= وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم
(٣٣٩٣) و(٣٤٠٠).
قال الخطابي: فقد أعلمك رافع في هذا
الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عاداتهم أن يشترطوا
فيها شروطًا فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول فيكون خاصًا لرب
المال. والمزارعة شركة، وحصة الشريك لا تجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما على
السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له، وهذا غرر وخطر. وإذا اشترط رب
المال على المضارب دراهم لنفسه زيادة على حصة الربح المعلومة فسدت المضاربة، وهذا
وذاك سواء، وأصل المضاربة في السنة والمزارعة والمساقاة، فكيف يجوز أن يصح الفرع
ويبطل الأصل.
والماذيانات: الأنهار، وهي من كلام
العجم صارت دخيلًا في كلامهم. قال الشيخ: وقد ذكر زيد بن ثابت العلة والسبب الذي
خرج عليه الكلام في ذلك وبين الصفة التي وقع عليها النهي، ورواه أبو داود في هذا
الباب.
قلنا: حديث زيد بن ثابت هو الحديث
السالف برقم (٣٣٩٠).
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن» من
تأمل حديث رافع وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسرها ومطلقها على
مقيدها، علم أن الذي نهى عنه النبي ﷺ من ذلك أمر بين الفساد، وهو المزارعة الظالمة
الجائرة، فإنه قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم
تخرج هذه، وفي لفظ له: كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله ﷺ على الماذيانات،
وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، وقوله: ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر
عنه، وأما بشيءٍ معلوم مضمون فلا بأس، وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما
فيها من مجمل أو مطلق أو مختصر، فيحمل على هذا المفسر المبين المتفق عليه لفظا
وحكمًا.
قال الليثُ بن سعد: الذي نهى عنه
رسول الله ﷺ أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز.
وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن
رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك «العلل».
سالت رافعَ بن خَديجِ عن كِراء الأرض
بالذهبِ والوَرِق، فقال: لا بأس بها، إنما كان الناس يُؤاجِرون على عهد رسول الله
ﷺ بما على الماذِيَانَاتِ وأَقبالِ الجَداول وأَشياءَ من الزرع، فيهلِك هذا
ويَسلَم هذا، ويَسلَم هذا ويهلِك هذا، ولم يكن للناس كِرَاء إلا هذا، فلذلك زَجَرَ
عنه، فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به (١).
وحديث إبراهيمَ أتمُّ، وقال قتيبةُ:
عن حنظلة، عن رافع.
قال أبو داود: رواية يحيى بن سعيد،
عن حنظلة نحوه.
٣٣٩٣
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، عن مالكٍ،
عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلةَ بن قيس
(١) إسناداه صحيحان. ليث: هو ابن سعْد،
وعيسى: هو ابن يونُس بن أبي إسحاق السَّبيعي. وذكْر الكراء بالذهب والورق من فتوى
رافع بن خديج.
وأخرجه بنحوه البخاريُّ (٢٣٢٧)،
ومسلمٌ (١٥٤٧)، وابنُ ماجه (٢٤٥٨)، والنسائي (٣٩٠٢) من طريق يحيى بن سعيد
الأنصاري، ومسلمٌ (١٥٤٧)، والنسائي (٣٨٩٩) من طريق الأوزاعي، عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن، كلاهما (يحيى بن سعيد وربيعة) عن حنظلة بن قيس، به، وأخرجه النسائي (٣٩٠١)
من طريق سفيان الثوري، عن رببعة،؛ به ولم يرفعه.
وأخرجه مرفوعًا البخاري (٢٣٤٧)،
والنسائي (٣٨٩٨) من طريق الليث بن سعد، بهذا الإسناد إلا أنه قال: عن رافع بن
خَديج، قال: حدثني عَمَّي، وهذا لا يضر، لانه تكون بذلك روايةُ رافع مُرسلَ
صحابيٍّ، ومراسيلُ الصحابةِ يحتج بها.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٠٩)، و«صحيح
ابنُ حبان» (٥١٩٦) و(٥١٩٧). وانظر ما بعده.
وسيأتي نحوه من طريق سالم بن عبد
الله بن عمر، عن أبيه، عن رافع بن خديج، عن عَمَّيه برقم (٣٣٩٤).
أنه سال رافعَ بن خَديجِ عن كراء
الأرض، فقال: نَهَى رسولُ الله ﷺ عن كراء الأرض، فقلتُ: أبالذهب والوَرِقِ؟ فقال:
أما بالذهب والوَرِقِ فلا بأس به (١).
٣٢
- باب
التشديد في ذلك
٣٣٩٤
- حدَّثنا عبدُ الملك بن شُعيبِ بن
الليثِ، حدَّثني أبي، عن جدي الليث، حدَّثني عُقَيلٌ، عن ابنِ شهاب، أخبرني سالم
بن عبد الله
أن ابن عمر كان يُكري أبى أرضَه حتى
بلغه أن رافعَ بن خَديجٍ
الأنصاريَّ كان ينهى عن كراء الأرض،
فلقيه عبد الله، فقال: يا ابن خَديج، ماذا تُحدِّث عن رسول الله ﷺ في كراء الأرض؟
قال رافع لعبد الله بن عمر: سمعتُ عمَّيَّ -وكلانا قد شهدا بدرًا- يُحدِّثانِ أهلَ
الدارِ أن رسولَ الله ﷺ نهى عن كراء الأرض.
قال عبدُ الله: والله لقد كنت أعلمُ
في عهدِ رسولِ الله ﷺ أن الأرضَ تُكرى، ثم خشيَ عبدُ الله أن يكون رسولُ الله أحدث
في ذلك شيئًا لم يكن علِمَه، فترك كراء الأرض (٢).
(١) إسناده صحيح كسابقه.
وهو في «موطا مالك» ٢/ ٧١١، ومن
طريقه أخرجه مسلم (١٥٤٧)، والنسائي (٣٩٠٥).
وهو في «مسند أحمد» (١٧٢٥٨).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح. عُقَيل: هو ابن خالد بن عَقيل الأيلي، والليث: هو ابن سعْد.
وأخرجه البخاري (٤٠١٢) و(٤٠١٣)،
ومسلم (١٥٤٧)، والنسائي (٣٩٥٣) و(٣٩٠٤) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وانظر سابقيه وما سلف برقم (٣٣٨٩).
وانظر ما بعده.
قال أبو داود: رواه أيوب وعُبيد الله
وكثيرُ بن فَرْقَدِ ومالكٌ، عن نافع، عن رافع، عن النبي ﷺ. ورواه الأوزاعيُّ، عن
حفص بن عِنانٍ الحنفي، عن نافع، عن رافع، قال: سمعت رسولَ الله ﷺ. وكذلك رواه زيدُ
بن أبي أُنيسةَ عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر أنه أتى رافعًا، فقال: سمعتَ رسول
الله ﷺ؟ فقال: نعم. وكذلك رواه عكرمةُ بن عمار، عن أبي النجاشىّ، عن رافع بن خَديج
قال: سمعتُ النبي ﷺ. ورواه الأوزاعيُّ، عن أبي النجاشي، عن رافع بن خديج، عن عمه
ظُهَير بن رافعِ، عن النبي ﷺ.
قال أبو داود: أبو النجاشي: عطاء بن
صهيب.
٣٣٩٥
- حدَّثنا عُبيد الله بن عُمر بن
مَيسرةَ، حدَّثنا خالدُ بن الحارثِ، حدَّثنا سعيدٌ، عن يَعْلَى بن حكيم، عن
سليمانَ بن يسارٍ
أن رافع بن خديج قال: كنا نُخَابر
على عهدِ رسولِ الله -، فذكر أن بعضَ عمومتِه أتاه فقال: نهى رسولُ الله ﷺ عن أمرِ
كان لنا نافعًا، وطَوَاعِيَةُ اللهِ ورسوله أنفعُ لنا وأنفعُ، قال: قلنا: وما ذاك؟
قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن كانت له أرضٌ فليَزرَعْها، أو فليُزْرِعْها أخاه، ولا
يُكارِها بثلثِ ولا بربعٍ، ولا بطعامِ مُسَمًّى» (١).
(١) إسناده صحيح. سعيد: هو ابن أبي عَروبة.
وأخرجه مسلم (١٥٤٨)، وابن ماجه
(٢٤٦٥)، والنسائي (٣٨٩٧) من طريق يعلى بن حكيم، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٢٣).
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٣٣٨٩).
٣٣٩٦ - حدَّثنا محمدُ بن عُبيدٍ، حدَّثنا
حمادُ بن زيدٍ، عن أيوبَ، قال: كتب إليَّ يعلى بن حكيمٍ: أني سمعتُ سليمان بن
يسار، بمعنى إسناد عُبيد الله، وحديثِه (١).
٣٣٩٧
- حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا عُمر بن ذَرٍّ، عن مُجاهِدٍ، عن ابن رافع بن خديج
عن أبيه، قال: جاءنا أبو رافعِ من
عند رسولِ الله ﷺ، فقال: نهانا رسولُ الله ﷺ عن أمر كان يَرْفُقُ بنا، وطاعةُ الله
وطاعةُ رسوله أرفقُ بنا، نهانا أن يزرع أحدُنا إلا أرضًا يملِك رَقَبَتَها، أو
منيحةً يُمْنَحُها رَجُلٌ (٢).
(١) إسناده صحيح كسابقه. أيوب: هو ابن أبي
تميمة السختياني، ومحمد بن عُبيد، هو ابن حساب الغُبَري.
وأخرجه مسلم (١٥٤٨)، والنسائي (٣٨٩٥)
و(٣٨٩٦) من طريق أيوب السختياني، به. وقال النسائي بإثر الطريق الأول: أيوب لم
يسمعه من يعلى. لكن نقل الطبراني في «الكبير» (٤٢٨٥) عنه قوله: وسمعتُه منه بعدُ.
وانظر ما قبله.
(٢)
حديث صحيح. ابن رافع بن خديج غير مسمى، ذكره الذهبي في «الميزان»، وقال: لا يُعرف،
وقد رقم له المزي في «التهذيب» برمز أبي داود، وتابعه الحافظ في «تهذيبه» غير أنه
رقم له في «التقريب» برقم مسلم والنسائي، وبالتأمل نجد أنه إنما أورده مسلم ضمن
سياق قصة حيث قال (١٥٥٠): إن مجاهدًا قال لطاووس: انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج،
فاسمع منه الحديث عن أبيه، عن النبي ﷺ، قال: فانتهره، قال: إني والله لو أعلم أن
رسول الله ﷺ نهى عنه ما فعلته، ولكن حدثني من هو أعلم به منهم (يعني ابن عباس)
وعليه يكون الصواب أن يرقم له بأبي داود والنسائي لأنه جاء عندهما في إسناد
الحديث، وهو -وإن كان غير مُسمّى- تابعه أسيد ابن ظُهير ابن عمٍّ -وقيل: ابن أخي-
رانع بن خديج كما في الطريق الآتي بعده. =
٣٣٩٨ - حدَّثنا محمدُ بن كثيرِ، أخبرنا
سفيانُ، عن منصور، عن مُجاهد، أن أُسَيد بن ظُهَير قال:
جاءنا رافعُ بن خَديجِ، فقال: إن
رسولَ الله ﷺ ينهاكم عن أمر كان لكم نافعًا، وطاعةُ اللهِ وطاعةُ رسولِ الله ﷺ
أنفعُ لكم، إن رسولَ الله ﷺ ينهاكُم عن الحَقْلِ، وقال: «مَنِ اسْتَغنى عن أرضه
فليَمنحْها أخاه أو لِيَدَعْ» (١).
= مجاهد: هو ابن جبْر المكي. والمقصود
بأبي رافع هنا عم رافع كما بيناه في تعليقنا على «المسند» (١٥٨٢٢).
وأخرجه ابن أبي شيبة ٦/ ٣٤٧، وأحمد
(١٥٨٢٢) عن وكيع بن الجراح، بهذا الإسناد. لكن جاء في «مسند أحمد»: عن ابن رافع بن
خديج، عن أبيه، قال: جاءنا من عند رسول الله ﷺ .. فلم يذكر في إسناده أبا رافع.
وأخرجه النسائي (٣٨٦٧)، والطحاوي في
«شرح معاني الآثار» ٤/ ١٠٦، والطبراني في «الكبير» (٤٣٥٨) من طريق عبد الكريم
الجزري، والطبراني (٤٣٥٧) من طريق خصيف، كلاهما عن مجاهد قال: أخذت بيد طاووس حتى
أدخلته على ابن رافع بن خديج، فحدثه عن أبيه، عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن كراء
الأرض، فأبى طاووس، فقال: سمعت ابن عباس لا يرى بذلك باسًا.
وأخرجه مسلم (١٥٥٠)، والنسائي (٣٨٧٣)
من طريق عمرو بن دينار، أن مجاهدًا قال لطاووس: انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج
... سلف ذكره قريبًا.
وأخرجه بمعناه الترمذي (١٤٤٠)،
والنسائي (٣٨٦٨) من طريق أبي حصين، والنسائي (٣٨٦٩) من طريق إبراهيم بن مهاجر،
و(٣٨٧٠) من طريق الحكم، و(٣٨٧١) و(٣٨٧٢) من طريق عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد،
أربعتهم عن مجاهد -وقرن به عبد الملك في الموضع الثاني عطاةً وطاووسًا- عن رافع بن
خديج. وهذا منقطع كما قال النسائي بإثر (٣٨٦٧) لأن مجاهدًا لم يسمع من رافع.
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٣٣٨٩)
و(٣٣٩٢).
(١)
إسناده صحيح. مجاهد: هو ابن جبْر المكي، ومنصُور: هو ابن المعتمر، وسفيان: هو
الثوري. =
قال أبو داود: وهكذا رواه شعبةُ
ومفضَّل بن مُهلهِل، عن منصورٍ. قال شعبة: أُسيد ابنُ أخي رافع بن خَديج.
٣٣٩٩
- حدَّثنا محمدُ بن بشَّارِ، حدَّثنا
يحيى، حدَّثنا أبو جعفرِ الخَطْمِيُّ، قال: بَعَثَنِي عمي أنا وغلامًا له إلى سعيد
بن المسيب، قال: فقلنا له: شيء بلغنا عنك في المزارعة، قال:
كان ابن عمر لا يَرى بها بأسًا، حتى
بلغه عن رافعِ بن خَديجٍ حديثٌ، فأتاه فأخبره رافعٌ: أن رسولَ الله ﷺ أتى بني
حارثةَ، فرأى زرْعًا في أرض ظُهيرٍ، فقال: «ما أحسنَ زرعَ ظُهَيْرٍ!» قالوا: ليس
لظُهير، قال: «أليس أرضَ ظُهير؟» قالوا: بلى، ولكنه زرْعُ فلان، قال: «فخُذوا
زرعَكم، ورُدُّوا عليه النَّفَقَة»: قال رافعٌ: فأخذنا زرْعَنا وردَدْنا إليه
النفقةَ. قال سعيدٌ: أفْقِر أخاك، أو أكرِهِ بالدراهم (١).
= وأخرجه ابن ماجه (٢٤٦٠)، والنسائي
(٣٨٦٤) و(٣٨٦٥) من طريق منصور بن المعتمر، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٣٨٦٦) من طريق سعيد
بن عبد الرحمن، عن مجاهد قال: حدثني أُسيد بن رافع بن خديج، قال: قال رافع بن
خديج. فجعل أُسيدًا ابنًا لرافع وإنما هو ابنٌ لظهر بن رافع.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨٠٨)
و(١٥٨١٥)، و«صحيح ابن حبان» (٥١٩٨).
وأخرجه النسائي (٣٨٦٢) من طريق جعفر
بن عبد الله بن الحكم الأنصاري، عن رافع بن أُسيد بن ظهير، عن أبيه أُسيد بن ظهير
أنه قال ... نهى رسول الله ﷺ عن كراء الأرض فجعله من مسند أُسيد بن ظهير!
وانظر ما قبله.
وما سلف برقم (٣٣٨٩) و(٣٣٩٢).
(١)
إسناده صحيح. يحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه النسائي (٣٨٨٩) عن محمد بن
المثنى، عن يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد. =
٣٤٠٠ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو
الأحوصِ، حدَّثنا طارقُ بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المُسيَّب
عن رافع بن خَديج، قال: نهى رسولُ
الله ﷺ عن المُحاقَلَةِ والمُزابَنةِ، وقال: «إنما يزرعُ ثلاثة: رجل له أرضٌ فهو
يزرعُها، ورجل مُنِحَ أرضًا فهو يزرعُ ما مُنح، ورجل استكرى أرضًا بذهبِ أو فضةٍ»
(١).
= وانظر ما سلف برقم (٣٣٨٩) و(٣٣٩٤).
وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم
(٣٤٠٣).
قوله: أفقر أخاك: أي: أعطه أرضك
عارية ليزرعها، وأصل الإفقار: إعارة البعير ونحوه للركوب.
(١)
إسناده قوي من أجل طارق بن عبد الرحمن - وهو الأحمسي البجلي، لكن قوله: «إنما يزرع
ثلاثة ...» إلى آخر الحديث، فهو من قول سعيد بن المسيب، بين ذلك إسرائيلُ بن يونس
بن أبي إسحاق السبيعي وسفيان الثوري، كلاهما عن طارق بن عبد الرحمن.
أبو الأحوص: هو سلاّم بن سُليم.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٦٧) و(٢٤٤٩)،
والنسائي (٣٨٩٠) و(٤٥٣٥) من طريق أبي الأحوص، بهذا الإسناد. واقتصر ابن ماجه في
الموضع الأول والنسائي في الموضع الثاني على حكاية النهي.
وأخرج الشطر الأول منه مرفوعًا وهو
حكايته النهي: النسائي (٣٨٨٦) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، و(٣٨٨٧) من طريق
القاسم بن محمد، كلاهما عن رافع ابن خديج.
وأخرج الشطر الأول منه أيضًا النسائي
(٣٨٩١) من طريق إسرائيل بن يونس، عن طارق بن عبد الرحمن، و(٣٨٩٣) من طريق ابن شهاب
الزهري، كلاهما عن سعيد بن المسيب، عن النبي ﷺ مرسلًا.
وأخرج الشطر الثاني منه موقوفًا من
قول سعيد بن المسيب: النسائي (٣٨٩١) من طريق إسرائيل بن يونس، و(٣٨٩٢) من طريق
سفيان الثوري، كلاهما عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب. قوله.
٣٤٠١ - قرأتُ على سعيدِ بن يعقوبَ
الطالْقاني: حدَّثكم ابنُ المُبارَك، عن سعيدِ أبي شُجاعٍ، حدَّثني عثمانُ بن
سَهْل بن رافع بن خَديجِ، قال:
إني ليتيم في حِجر رافع بنْ خَديج
وحججتُ معه، فجاءه أخي عمران بن سَهْل، فقال: أكرينا أرضنَا فلانةً بمئتي درهمٍ،
فقال: دَعْهُ، فإن النبيَّ ﷺ نَهى عن كِراء الأرض (١).
٣٤٠٢
- حدَّثنا هارونُ بن عَبد الله،
حدَّثنا الفَضْل بن دُكَينِ، حدَّثنا بُكيرٌ -يعني ابنَ عامرِ- عن ابن أبي نُعْمٍ
حدَّثني رافعُ بن خَديج: أنه زرع
أرضًا فمر به النبي ﷺ وهو يسقيها، فسأله: لمن الزرعُ؟ ولمن الأرض؟» فقال: زرعي
ببَذْرِي وعملي، ليَ الشَّطْرُ ولبني فلانٍ الشَّطرُ، فقال: «أربَيتُما، فرُدَّ
الأرضَ على أهلِها وخُذ نفقتَك» (٢).
(١) ضعيف لشذوذه، فقد خالف فيه عثمان بن سهل
-والصواب في اسمه عيسى ابن سهل كما في رواية النسائي، وما صوبه المزي والذهبي
وتبعهما ابنُ حجر- من هو أوثق منه، وهو حنظلة بن قيس عند البخاري ومسلم، وسلف عند
المصنف برقم (٣٣٩٢) و(٣٣٩٣)، إذ سأل رافعَ بنَ خديج عن كراء الأرض بالذهب
والرَرقِ، فقال: لا بأس بها. سعيد أبو شجاع: هو ابن يزيد الإسكندراني.
وأخرجه النسائي (٣٩٢٦) من طريق حبان
بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن عيسى بن سهل بن رافع بن
خديج، به. فسماه على الصواب.
(٢)
إسناده ضعيف. بكير بن عامر -وهو البجلي الكوفي- ضعيف.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار
٤/ ١٠٦، والطبراني في»الكبير«(٤٤٤٣)، والحاكم ٢/ ٤١، والبيهقي ٦/ ١٣٣ و١٣٦ من طريق
بكير بن عامر، به.
وصححه الحاكم، لكن تعقبه الذهبي
في»تلخيصه" بقوله: بكير ضعيف.
وانظر ما بعده.
٣٣ - باب إذا زرع الرجلُ في الأرض بغير
إذن صاحبها
٣٤٠٣
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، حدَّثنا
شريكٌ، عن أبي إسحاقَ، عن عطاءٍ عن رافع بن خديج قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَن
زَرَعَ في أرضِ قومٍ بغيرِ إذنِهم، فليس لهُ مِن الزَّرعِ شي، ولهُ نفقتُه» (١).
(١) حديث صحيح شَريك -وهو ابن عبد الله
النخعي، وإن كان سىء الحفظ- يعتبر به في المتابعات، وقد توبع، وقد حسنه البخاري
فيما حكاه عنه الترمذي بإثر (١٤١٨) وقال الترمذي: حديث حسن غريب. عطاء: هو ابن أبي
رباح، وأبو إسحاق: هو عَمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٦٦)، والترمذي
(١٤١٨) من طريق شريك النخعي، بهذا الإسناد.
وأخرجه يحيى بن آدم في «الخراج»
(٢٩٦)، ومن طريقه البيهقي ٦/ ١٣٦ عن قيس
ابن الربيع، عن أبي إسحاق السبيعي،
به. وقيل بن الربيع حسن الحديث في المتابعات.
وأخرجه الترمذي بإثر (١٤١٨) من طريق
معقل بن مالك البصري، عن عقبة بن الأصم، عن عطاء، به.
وقد سلف نحوه من طريق سعيد بن المسيب
عن رافع بن خديج برقم (٣٣٩٩) وإسناده صحيح. ومن طريق عبد الرحمن بن أبي نُعم، عن
رافع بن خديج في الحديث السالف. ولا يُعارض هذا الحديثُ قوله ﷺ: «ليس لعرق ظالم
حقٌ» السالف عند المصنف برقم (٣٠٧٣)، فقد جمع بينهما أبو عبيد جمعًا حسنًا فقال:
وإنما اختلف حكم الزرع والنخل، فقضى بقلع النخل، ولم يقض بقلع الزرع، لأنه قد
يُوصَل في الزرع إلى أن ترجع الأرضُ إلى ربّها من غير فساد ولا ضرر يتلف به الزرع،
وذلك أنه إنما يكون في الأرض سنتَه تلك، وليس له أصلٌ باقٍ في الأرض فإذا انقضت
السنة رجعت الأرض إلى ربّها، وصار للآخر نفقتُه، فكان هذا أدنى إلى الرشاد من قطع
الزرع بقلًا، والله لا يحب الفسادَ، وليس النخل كذلك، لأن أصله مُخَلَّدٌ في الأرض
لا يوصل إلى ردّ الأرض إلى ربّها بوجه من الوجوه، وإن تطاول مكث النخل فيها إلا
بنزعها، فلما لم يكن هناك وقت يُنتظر لم يكن لتاخير نزعها وجه، فلذلك كان الحكم
فيها تعجيلَ قلعها عند الحكم. فهذا الفرق بين الزرع والنخل، والله أعلم بما أراد
رسول الله ﷺ بذلك.
٣٤ - باب في المُخابَرة
٣٤٠٤
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
إسماعيلُ. وحدَّثنا مُسدَّدٌ، أن حمادًا وعبدَ الوارث حدثاهم، كلُّهم عن أيوبَ، عن
أبي الزبير -قال عن حمادٍ: وسعيدِ ابن ميناء، ثم اتَّفقوا-
عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسولُ
الله ﷺ يكوَنِ عن المحاقَلةِ، والمُزابَنةِ، والمُخابرةِ، والمُعاومَةِ -قال عن
حماد: وقال أحدُهما: والمُعاومةِ، وقال الآخر: بيعِ اْلسنين، ثم اتفقوا- وعن
الثُّنْيَا، ورخَّص في العَرايا (١).
(١) إسناده صحيح. أبو الزبير -وهو محمد بن
مسلم بن تدرس المكي- وإن لم يصرح بسماعه من جابر تابعه سعيد بن ميناء كما هو واضح
هنا. وعطاء بن أبي رباح وغيره كما سيأتي.
حماد: هو ابن زيد، وعبد الوارث: هو
ابن سعيد العنبري، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني.
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣)، وابن ماجه
(٢٢٦٦) من طريق حماد بن زيد وحده، بهذا الإسناد. ولم يذكر ابن ماجه سوى المحاقلة
والمزابنة.
وأخرجه الترمذي (١٣٦٠)، والنسائي
(٤٦٣٤) من طريق أيوب السختياني، عن أبي الزبير وحده، به. ولم يذكر الترمذي
الثُّنْيا.
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣)، والنسائي
(٣٨٧٩) و(٤٥٢٤) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، به. وقرن بأبي الزبير عطاء بن
أبي رباح. ولم يذكر النسائي في روايته المعاومة والثنيا.
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٤٣) من طريق
سليمان بن حيان، عن سعيد بن ميناء وحده، به دون ذكر المعاومة والثنيا والعرايا.
وأخرجه مسلم (١٥٣٦) من طريق أبي
الوليد المكي، والنسائي (٣٨٨٣) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، و(٣٩٢٠) من طريق
عمرو بن دينار، ثلاثتهم عن =
٣٤٠٥ - حدَّثنا أبو حفصٍ عُمر بن يزيدَ
السَّيَّاري، حدَّثنا عبَّاد بن العَوَّامِ، عن سفيانَ بن حُسينٍ، عن يونَس بن
عُبيدِ، عن عطاءٍ
عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسولُ
الله ﷺ عن المُزَابنةِ، والمُحاقلَة، وعن الثُّنْيَا إلا أن تُعلَم (١).
= جابر بن عبد الله. ولم يذكروا في
رواياتهم المعاومة، وبعضهم لا يذكر الثنيا. وبعضهم لا يذكر العرايا، ولفظ أبي
سلمة: نهى عن المخاضرة والمزابنة.
وأخرج النسائي (٣٨٨٢) من طريق يزيد
بن نعيم، عن جابر: أن النبي ﷺ عن الحقل، وهي المزابنة.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٥٨): و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٩٢).
وقد سلف ذكر النهي عن بيع المعاومة
-وهو بيع السنين- بهذا الإسناد برقم (٣٣٧٥).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: «المحاقلة» بيع الزرع
بالحب، و«المخابرة» هي المزارعة، والخبير: الأكّار، و«المزابنة» بيع الرطب بالتمر،
وأما «المعاومة» فهي بيع السنين، ومعاه أن يبيعه سنة أو سنتين أو أكثر ثمرة نخلة
بعينها أو نخلات، وهو بيع فاسد، لأنه بيع ما لم يوجد ولم يخلق ولا يدري هل يثمر أو
لا يثمر؟ وبيع «الثنيا» المنهي عنه أن يبيعه ثمر حائطه ويستثني منه جزءًا غير
معلوم، فيبطل، لأن المبيع حينئذٍ يكون مجهولًا، فإذا كان ما يستثنيه شيئًا
معلومًا. كالثلث والربع ونحوه ان جائزًا، وكذلك إذا باعه صُبْرة طعام جزافًا،
واستثنى منها قفيزًا أو قفيزين كان جائزًا، لأنه استثنى معلومًا من معلوم.
وقال ابن القيم في «حاشيته على
السنن»: المخابرة التي نهاهم عنها رسول الله ﷺ هي التي كانوا يفعلونها من المخابرة
الظالمة الجائرة، وهي التي جاءت مفسّرة في أحاديثهم، ومطلق النهي ينصرف إليها دون
ما فعله هو وخلفاؤه وأصحابه من بعده، كما بيناه.
(١)
إسناده صحيح. عطاء: هو ابن أبي رباح. =
٣٤٠٦ - حدَّثنا يحيى بنُ معين، حدَّثنا ابن
رجَاءٍ -يعني المَكيَّ- قال: ابنُ خُثَيمٍ حدَّثني، عن أبي الزبير
عن جابر بن عبد الله، قال: سمعتُ
رسولَ الله ﷺ يقول: «من
لم يَذَرِ المُخابرةَ، فليؤذن بحرب
من الله ورسوله» (١).
٣٤٠٧
- حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا عُمر بن أيوبَ، عن جعفرِ بن بُرْقانَ، عن ثابتِ بن الحجّاج
= وأخرجه الترمذي (١٣٣٦)، والنسائي
(٣٨٨٠) و(٤٦٣٣) من طريق عباد بن العوام، بهذا الإسناد. وزادا ذكر المخابرة.
وأخرجه البخاري (٢٣٨١)، ومسلم بإثر
(١٥٤٣)، والنسائي (٣٨٧٩) و(٤٥٢٣) و(٤٥٢٤) و(٤٥٥٠) من طريق ابن جريج، ومسلم بإثر
(١٥٤٣) من طريق زيد بن أبي أنيسة، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح، به. وزادا في
روايتهما: المخابرة ولم يذكرا الثنيا.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٨٧٦).
وانظر ما قبله.
(١)
رجاله ثقات، إلا أن أبا الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- لم يصرح بسماعه
من جابر. ابن خُثَيم: هو عبد الله بن عثمان بن خثيم، وابن رجاء المكي: اسمُه عبد
الله.
وأخرجه الترمذي في «العلل الكبير» ١/
٥٢٦، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٤/ ١٠٧، وابن حبان (٥٢٠٠)، وأبو نعيم في
«الحلية» ٩/ ٣٢٦، والبيهقي ٦/ ١٢٨ من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، به. قال
الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، قلت له: روى هذا عن ابن خثيم غير يحيى بن
سُليم؟ قال: نعم، رواه مسلم بن خالد وداود بن عبد الرحمن العطار، قلت له: ما معنى
هذا الحديث؟ قال: إنما نهى رسول الله ﷺ عن تلك الشروط الفاسدة التي كانوا يشترطون،
فقال: من لم ينته عن الذي نهيت عنه فليأذن بحرب من الله ورسوله.
عن زيد بن ثابت، قال: نهى رسولُ الله
ﷺ عن المُخابرةِ، قلت:
وما المخابرةُ؟ قال: أن تأخذ الأرضَ
بنصفٍ أو ثلثٍ أو ربعٍ (١).
٣٥
- باب في
المُسَاقاة
٣٤٠٨
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، حدَّثنا
يحيى، عن عبيدِ الله، عن نافع عن ابن عمر: أن النبي ﷺ عامَلَ أهلَ خيبرَ بشَطْرِ
ما يخرُج من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٦/ ٣٤٦، وأحمد
(٢١٦٣١)، وعبد بن حميد (٢٥٣)، والطبراني (٤٩٣٨)، والبيهقي ٦/ ١٣٣ من طريق جعفر بن
برقان، به.
(٢)
إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر العُمري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان. وأخرجه
البخاري (٢٣٢٩)، ومسلم (١٥٥١)، وابن ماجه (٢٤٦٧)، والترمذي (١٤٣٩) من طريق يحيى بن
سعيد القطان، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٦٣).
وانظر ما بعده، وما سلف برقم (٣٠٠٦)
و(٣٠٠٨).
قال الخطابي: في هذا إثبات المزارعة
..، وإنما صار ابن عمر إلى حديث رافع ابن خديج تورُّعًا واحتياطًا، وهو راوي خبر
أهل خيبر، وقد رأى رسول الله ﷺ أقرهم عليها أيام حياته، ثم أبا بكر ثم عمر إلى أن
أجلاهم عنها.
وفيه إثبات المساقاة، وهي التي
يُسميها أهل العراق المعاملة، وهي: أن يدفع صاحب النخل نخله إلى الرجل ليعمل بما
فيه صلاحها أو صلاح ثمرها، ويكون له الشطر من ثمرها وللعامل الشطر، فيكون من أحد
الشقين: رقاب الشجر، ومن الشق الآخر: العمل، كالمزارعة يكون فيها من قِبل رب المال
الدراهمُ والدنانير، ومن العامل التصرف فيها، وهذه كلها في القياس سواء. والعمل
بالمساقاة ثابت في قول أكثر الفقهاء. ولا أعلم أحدًا منهم أبطلها إلا أبا حنيفة،
وخالفه صاحباه، فقالا بقول جماعة أهل العلم.
٣٤٠٩ - حدَّثنا قتيبةُ بن سعيدٍ، عن الليثِ،
عن محمد بن عبد الرحمن -يعني ابن عَنْج- عن نافع
عن ابن عمر: أن النبيَّ ﷺ دَفَعَ إلى
يهودِ خيبرَ نخلَ خيبرَ وأرضَها على أن يَعْتَمِلوهَا من أموالِهم، وأنَّ لرسولِ
الله ﷺ شَطرَ ثمرتها (١).
٣٤١٠
- حدَّثنا أيوبُ بن محمد الرَّقِّيُّ،
حدَّثنا عُمر بن أيوبَ، حدَّثنا جعفرُ ابن بُرقانَ، عن ميمون بن مِهران، عن
مِقْسَمٍ
عن ابن عباس، قال: افتتح رسولُ الله
ﷺ خَيبَرَ، واشترطَ أن له الأرضَ وكلَّ صفراءَ وبيضاء، قال أهلُ خيبر: نحن أعلمُ
بالأرضِ منكم فأَفعطِناها على أن لكم نصفَ الثمرة ولنا نصفٌ، فزعم أنه أعطاهم على
ذلك، فلما كان حين يُصْرَمُ النخلُ بعثَ إليهم عبدَ الله بن رواحةَ فحَزَرَ عليهم
النخلَ، وهو الذي يسميه أهلُ المدينةِ الخِرْصَ، فقال: في ذِهْ كذا وكذا، قالوا:
أكثرتَ علينا يا ابنَ رواحةَ، فقال: فأنا ألي حَزْرَ النَّخْلِ وأعطيكم نصفَ الذي
قلتُ، قالوا: هذا الحق وبه تقوم السماءُ والأرضُ، قد رضينا أن نأخذَهُ بالذي قلت
(٢).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد
بن عبد الرحمن بن عَنَج، فهو صدوق حسن الحديث، وهو متابع. الليث: هو ابن سعْد.
وأخرجه مسلم (١٥٥١)، والنسائي (٣٩٢٩)
و(٣٩٣٠) من طريق الليث بن سعْد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٣٠٠٦)
و(٣٠٠٨).
(٢)
إسناده صحيح. مِقسَم: هو ابن بُجْرة - ويقال: نَجْدة.
وأخرجه ابن ماجه (١٨٢٠) من طريق عمر
بن أيوب، بهذا الإسناد. =
٣٤١١ - حدَّثنا علي بن سَهْلٍ الرَّمْلي،
حدَّثنا زَيدُ بن أبي الزَّرقاء عن جعفرِ بن بُرْقانَ، بإسناده ومعناه، قال:
فحَزَر، وقال عند قوله: «وكل صفراء وبيضاء»: يعني الذهبَ والفضة (١).
٣٤١٢
- حدَّثنا محمد بن سليمانَ الأنباريُّ،
حدَّثنا كثير -يعني ابنَ هشامٍ- عن جعفرِ بن بُرقانَ، حدَّثنا ميمونٌ
عن مِقسمٍ: أن النبيَّ ﷺ حين افتتح
خيبرَ، فذكر نحو حديث زيدٍ، قال: فحَزَرَ النخلَ، وقال: فأنا ألي جِذَاذَ النخلِ،
وأعطيكم نصفَ الذي قلتُ (٢).
= وأخرجه مختصرًا ابن ماجه (٢٤٦٨) من
طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ أعطى خيبر أهلها على النصف، نخلها وأرضها. وإسناده ضعيف لسوء حفظ
ابن أبي ليلى.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥٥) من طريق
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ويشهد له بتمامه حديث ابن عمر عند
البيهقي ٦/ ١١٤، وإسناده صحيح.
وانظر تالييه.
قوله: يُصَرم النخْل، أي: يُقطَع، من
الصَّرْم، وهو القطْع.
والخَرْص: من خَرَصَ يخرُصُ خَرْصًا،
يقال: خَرَصَ النخلة والكرمة إذا حَزَرَ ما عليها من الرطب تمرًا، ومن العنب
زبيبًا، فهو من الخَرْص الظَّن، لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظن، والاسم الخِرص
بالكسر.
(١)
إسناده صحيح كسالفه.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل، وقد وصله عن جعفر ابن بُرقان عمرُ
بن أيوب العبْدي وزيد بن أبي الزرقاء التغلبي كما في الطريقين السابقين، وهما
ثقتان، فصح وصله.
قوله: جذاذ، أي: قطْع الثمر.
٣٦ - باب في الخَرص
٣٤١٣
- حدَّثنا يحيى بن مَعين، حدَّثنا
حجاجٌ، عن ابن جُريج قال: أُخبِرتُ عن ابن شهابِ، عن عُروةَ
عن عائشةَ قالت: كانَ النبيَّ ﷺ
يبعثُ عبدَ الله بن رَوَاحةَ فيَخْرُصُ
النَّخلَ حين يَطيبُ قبل أن يؤكَلَ
منه، ثم يُخَيِّر يهودَ: يأخذونَه بذلك الخرصِ أو يدفعونه إليهم بذلك الخرصِ، لكي
تُحصى الزكاةُ قبل أن تُؤكَل الثمارُ وتُفرَّق (١).
٣٤١٤
- حدَّثنا ابن أبي خَلَفٍ، حدَّثنا
محمدُ بن سابقٍ، عن إبراهيمَ بن طَهمانَ، عن أبي الزبير
عن جابر أنه قال: أفاءَ اللهُ على
رسوله خيبرَ، فأقرَّهم رسولُ الله ﷺ كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبدَ
الله بن رواحةَ فخَرَصها عليهم (٢).
(١) إسناده ضعيف لانقطاعه، ابن جريج -وهو عبد
الملك بن عبد العزيز- لم يسمعه من الزهري كما صرح هو بذلك في هذا الإسناد.
وقد سلف برقم (١٦٠٦).
(٢)
حديث صحح، وهذا إسناد قوي من أجل محمد بن سابق، فهو صدوق لا بأس به، ولكنه متابع
وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- بسماعه من جابر في الإسناد
الآتي بعده، ابن أبي خلف: هو محمد بن أحمد بن أبي خلف.
وهو في «مشيخه ابن طهمان» (٣٧)
مطولًا يتضمن نحو الحديث الآتي بعده.
وأخرجه أحمد (١٤٩٥٣)، والطحاوي في
«شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٤٧ و٤/ ١١٣ والدارقطي (٢٠٥٠)، والبيهقي ٤/ ١٢٣، وابن عبد
البر في «التمهيد» ٦/ ٤٦١ و٩/ ١٤٣ من طريق محمد بن سابق، والطحاوي ٢/ ٣٨ - ٣٩ و٣/
٢٤٧ و٤/ ١١٣ من طريق أبي عون محمد بن عون الزيادي، كلاهما عن إبراهيم بن طهمان،
به. ومحمد ابن عون ثقة. وعندهم زيادة بنحو الحديث الآتي بعده.
٣٤١٥ - حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا عبدُ
الرزاق ومحمد بن بكرٍ، قالا؟ أخبرنا ابنُ جُريجٍ، أخبرني أبو الزبير
أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
خرَصَها ابنُ رواحةَ أربعين ألفَ وَسْقٍ، وزعم أن اليهودَ لما خيَّرهم ابنُ رواحةَ
أخذُوا الثمرَ وعليهم عشرون ألف وَسْقٍ (١).
٣٧
- باب في
كَسْبِ المُعلِّم
٣٤١٦
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ وحميدُ بن عبد الرحمن الرُّؤَاسيُّ، عن مغيرةَ بن زيادٍ، عن عبادةَ
بن نُسَيٍّ، عن الأسودِ بن ثعلبةَ عن عبادةَ بن الصامتِ، قال: عَلَّمتُ ناسًا من
أهل الصُّفَّةِ الكتابَ والقرآنَ، فأهْدَى إليَّ رجلٌ منهم قَوْسًا، فقلت: ليست
بمالٍ وأرمي عنها في سبيلِ الله عز وجل، لأتِيَنَّ رسولَ الله فلأسألَنَّهُ،
فأتيتُه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، رجلٌ أهدى إلي قوسًا ممن كنت أُعلِّمُه الكتابَ
والقرآنَ، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله؟ قال: «إن كنتَ تُحبُّ أن تُطَوَّقَ
طَوقًا من نارٍ فاقبَلْها» (٢).
(١) إسناده صحيح. وقد صرح بالسماع كلٌ من أبي
الزبير -وهو محمد بن مسلم ابن تدرس المكي- وابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز
المكي- فانتفت شبهة تدليسهما.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٧٢٠٥)،
وعنه أحمد (١٤١٦١).
وأخرجه ابن أبي شيبة ٣/ ١٩٤ - ١٩٥ عن
محمد بن بكر، وأبو عُبيد في «الأموال» (١٩٣) عن حجاج بن محمد المِصِّيصي، كلاهما
عن ابن جريج، به.
وانظر ما قبله.
والوسق من المكاييل القديمة، يُساوي
(٦٥٣) كغ.
(٢)
حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف، الأسود بن ثعلبة مجهول، ومغيرة بن
=
٣٤١٧ - حدَّثنا عَمرو بن عثمانَ وكثيرُ بن
عُبيدِ، قالا: حدَّثنا بقيةُ، حدَّثني بشْر ابن عَبد الله بن يَسارِ -قال عمرو:
حدَّثني عُبادةُ بن نُسَيٍّ، عن جُنادةَ بن أبي أُميَةَ
= مقسم فيه كلام، وقد خالفه بشْر بن
عَبد الله السّلمي، وهو حسن الحديث، فرواه عن عبادة بن نُسيٍّ، عن جنادة بن أبي
أمية، عن عبادة بن الصامت.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٥٧) من طريق وكيع
وحده، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٦٨٩).
وانظر ما بعده.
وفي الباب عن أبي الدرداء عند
البيهقي ٦/ ١٢٦. وقال ابن التركماني: إسناده جيد.
وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه (٢١٥٨)،
وإسناده ضعيف.
قال الخطابي: اختلف الناس في معنى
هذا الحديث وتأويله، فذهب قوم من العلماء إلى ظاهره، فرأوا أن أخذ الأجرة والعوض
على تعليم القرآن غير مباح، وإليه ذهب الزهري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة: لا بأس به ما لم يشترط،
وهو قول الحسن البصري وابن سيرين والشعبي. وأباح ذلك آخرون، وهو مذهب عطاء ومالك
والشافعي وأبي ثور، واحتجوا بحديث سهْل بن سعد: أن النبي ﷺ قال للرجل الذي خطب
المرأة فلم يجد لها مهرًا: «زوجتكها على ما معك من القرآن» [سلف عند المصنف برقم
(٢١١١)]، وتأولوا حديث عبادة على أنه أمران تبرع به، ونوى الاحتساب فيه، ولم يكن
قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع، فحذره النبي ﷺ إبطالَ أجره وتوعده عليه، وكان
سبيلُ عبادة في هذا سبيلَ من رد ضالة الرجل أو استخرج له متاعًا قد غرق في بحر
تبرعًا وحسبة، فليس له أن يأخذ عليه عوضا ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة
كان ذلك جائزًا.
وأهل الصفة: قوم فقراء، كانوا يعيشون
بصدقة الناس، فأخذُ الرجلِ المالَ منهم مكروه، ودفعه إليهم مستحب.
وقال بعض العلماء: أخذ الأجرة على
تعليم القرآن له حالات:
فإن كان في المسلمين غيره ممن يقوم
به حلَّ له أخذ الأجرة عليه، لأن فرض ذلك لا يتعين عليه. وإذا كان في حال أو موضع
لا يقوم به غيره لم يحل له أخذ الأجرة.
وعلى هذا تأول اختلاف الأخبار فيه.
عن عبادة بن الصامتِ، نحو هذا الخبر،
والأول أتم- فقلتُ: ما ترى فيها يا رسولَ اللهِ؟ فقال: «جَمرَةٌ بين كتفَيك
تَقَلّدْتَها -أو تعلقْتَها-» (١).
٣٨
- باب في
كسْب الأطباء
٣٤١٨
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو
عوانةَ، عن أبي بِشْرِ، عن أبي المُتوكِّل
عن أبي سعيد الخدري: أن رَهْطًا من
أصحاب رسول الله ﷺ انطلقُوا في سَفْرةِ سافروها، فنزلوا بحيٍّ من أحياء العرب،
فاستضافوهم، فأبَوا أن يُضيِّفوهم، قال: فَلُدِغ سيِّدُ ذلك الحي، فَشَفَوْا له
بكل شيء، لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتُم هؤلاء الرهطَ الذين نزلوا بكم
لعل أن يكونَ عند بعضِهم شيءٌ ينفَعُ صاحبَكم، فقال بعضُهم: إن سيدَنا لُدِغَ
فَشَفَينَا له بكل شيء لا ينفعُه شيٌ، فهل من شيءٍ ينفع صاحبَنا عند أحدٍ منكم؟
يعني رُقْيَةً، فقال رجلٌ من القوم: إني لأرقي، ولكن استضفناكم، فأبَيتُمْ أن
تُضيِّفونا، ما أنا براقٍ حتى تجعلوا لي جُعْلًا، فجعلوا له قطيعًا مِن الشاء
فأتاه فقرأ عليه بأمِّ الكتاب، ويَتْفُلُ حتى بَرَأ كأنما أُنْشِطَ من عِقالٍ،
فأوفاهم جُعْلَهُمُ الذي صالحهم عليه،
(١) حديث حسن. بشر بن عبد الله بن يسار صدوق
حسن الحديث، وبقية -وهو ابن الوليد- تابعه أبو المغيرة عبد القدوس الخولاني، وهو
ثقة.
وأخرجه أحمد (٢٢٧٦٦)، والبخاري في
«تاريخه الكبير» ١/ ٤٤٤، والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٢٣٧)، والحاكم ٣/ ٣٥٦ من
طريق أبي المغيرة عبد القدوس ابن الحجاج الخولاني، والبيهقي ٦/ ١٢٥ من طريق بقية
بن الوليد، كلاهما عن بشْر ابن عبد الله السُّلمي، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
فقالوا: اقتسِمُوا، فقال الذي رَقَى:
لا تفعلوا حتى نأتيَ رسولَ الله ﷺ فنستأمِرَه، فغَدَوْا على رسول الله ﷺ،فذكروا
له، فقال رسولُ الله ﷺ: «مِن أين علمتم أنها رُقْيَةٌ؟ أحسنتم، واضْرِبُوا لي معكم
بسهم» (١).
(١) إسناده صحح. أبو المتوكّل: هو علي بن
داود -ويقال: ابن دؤاد- الناجي، وأبو بشر: هو جعفر بن إياس، وأبو عوانة: هو الوضاح
بن عبد الله اليشكري، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه بنحوه البخاري (٢٢٧٦) و(٥٧٣٦)
و(٥٧٤٩)، ومسلم (٢٢٠١)، وابن ماجه (٢١٥٦/ م)، والترمذي (٢١٩٣)، والنسائي في
«الكبرى» (٧٤٩١) و(١٥٨٠٠) و(١٠٨٠١) من طرق عن أبي بشر جعفر بن إياس، به. وهو في
«مسند أحمد» (١٥٩٨٥) و(١١٣٩٩).
وأخرجه ابن ماجه (٢١٥٦)، والترمذي
(٢١٩٢)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٧٩٩) و(١٠٨٠٢) من طريق الأعمش، عن أبي بشر جعفر
بن إياس، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد الخدري. فذكر أبا نضرة
بدل أبي المتوكل، وهذا لا يُعلُّ الحديثَ لأن كليهما ثقة، لكن الترمذي وابن ماجه
صوبا رواية الجماعة عن أبي بشر جعفر بن إياس، وأما الدارقطني فنقل عنه الحافظ في
«الفتح» ٤/ ٤٥٥ أنه رجح رواية الأعمش، ثم قال الحافظ: والذي يترجح في نقدي أن
الطريقين محفوظان لاشتمال طريق الأعمش على زيادات في المتن ليست في رواية شعبة ومن
تابعه، فكأنه كان عند أبي بشر عن شيخين، فحدث به تارة عن هذا، وتارة عن هذا، ولم
يُصب ابن العربي في دعواه أن هذا الحديث مضطرب، فقد رواه عن أبي سعيد أيضًا معبد
بن سيرين وسليمان بن قَتَّة. قلنا: رواية معبد ستأتي عند المصنف بعده، وأما رواية
سليمان بن قتة فهي في «المسند» (١١٤٧٢).
وهو في «مسند أحمد»«(١١٠٧٠)، و»صحيح
ابن حبان" (٦١١٢) من طريق الأعمش.
وسيتكرر عند المصنف من طريق أبي
المتوكل برقم (٣٩٠٠). وانظر ما بعده. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= قال الخطابي: وفي هذا بيان جواز أخذ
الأجرة على تعليم القرآن. ولو كان ذلك حرامًا لأمرهم النبي ﷺ برد القطيع، فلما
صوّب فعلهم، وقال لهم: «أحسنتم» ورضي الأجرة التي أخذوها لنفسه، فقال: «اضربوا لي
معكم بسهم» ثبت أنه طِلْق مباح، وأن المذهب الذي ذهب إليه مَن جمع بين أخبار
الأباحة والكراهة في جواز أخذ الأجرة على ما لا يتعين الفرض فيه على معلمه، ونفى
جوازه على ما يتعين فيه التعليم مذهب سديد، وهو قول أبي سعيد الأصطخرى (قلنا: وقال
المانعون من أخذ الأجرة: إن التَّطبُّب بالقرآن وأخذ الأجرة عليه حلال، وأما قراءة
القرآن وأخذ الأجرة على تعليمه فغير جائز، لأنه عبادة وأخذ الأجرة على العبادة لا
يجوز، وحجتهم حديث عبادة بن الصامت السالف برقم (٣٤١٦) وحديث عبد الرحمن بن شبل
«اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به» وهو
حديث صحيح أخرجه أحمد في «المسند» (١٥٥٢٩) وانظر تمام تخريجه فيه، وحديث عثمان بن
أبي العاص قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم،
واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا«أخرجه أحمد (١٦٢٧٠) وإسناده صحيح.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في
تعليقه على»مختصر سنن أبي داود" للمنذري ٥/ ٧١: ليس في الحديث دلالة على أخذ
الأجرة، لا على قراءة القرآن، ولا على تعليمه، فإن أهل الحي ما طلبوا أبا سعيد
ليقرأ لهم قرآنًا، ولا ليعلمهم، وإنما طلبوه ليعالج مريضَهم، فطلبوه طبيبًا لا
قارئًا ولا معلمًا؟ وهو لم يجهر بما قرأ، ولا يعلمهم ما قرأ، ولم يكن يعلم أن في
ذلك شفاء المريض. ولكنه أيقنَ أن الله عاقَب أهلَ الحي على منعهم أبا سعيد ورفقته
حقهم من الضيافة. فسلط على رئيسهم ما لسعه مِن الهوام، ليلجئهم إلى أبي سعيد
ورفقته، ويضطرهم إلى أن يرضخوا لحكمه فيما يطلب من الجعل، لأنه ورفقته بأشد الحاجة
إلى الطعام. كل هذا فهمه أبو سعيد وصحبه، وعلى ذلك لم يقع من أبي سعيد ولا غيره من
صحبه أنهم فعلوا ذلك مرة أخرى. ولو أنهم فهموا ذلك على أنه قاعدة مضطردة لفعلوه،
وتتابعوا على فعله، ولاشتهر ذلك. والله أعلم. ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في
الدين.
٣٤١٩ - حدَّثنا الحسن بن علي، حدَّثنا يزيدُ
بنُ هارون، أخبرنا هشامُ بنُ حسَّان، عن محمد بنِ سيرين، عن أخيه معبدِ بنِ سيرين،
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ،بهذا الحديث (١).
٣٤٢٠
- حدَّثنا عُبيد الله بن معاذ، حدَّثنا
أبي، حدَّثنا شعبةُ، عن عبد الله بن أبي السفَرِ، عن الشعبي، عن خارجة بن الصَّلْت
= قال الخطابي وفي الحديث دليل على
جواز بيع المصاحف، وأخذ الأجرة على كتْبها، وفيه إباحة الرقية بذكر الله، وفيه
إباحة أجر الطبيب والمعالج، وذلك أن القراءة والرقية والنفْث فعل من الأفعال
المباحة، وقد أباح له أخذ الأجرة عليها، فكذلك ما يفعله الطبيب من قول ووصف علاج:
فعلٌ لا فرق بينهما.
وقد تكلم الناس في جواز بيع المصاحف.
فكرهت طائفة بيعها، وروي عن ابن عمر
أنه كان يقول: ودِدْت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف. وكره بيعها شريح وابن سيرين.
ورخصت طائفة في شرائها، روي ذلك عن
ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقال أحمد بن حنبل: الأمر في شرائها
أهون، قال: وما أعلم في البيع رخصة.
ورخص أكثر الفقهاء في بيعها وشرائها،
وهو قول الحسن والشعبي وعكرمة والحكم وسفيان الثوري وأصحاب الرأي والنخعي.، وكرهته
طائفة وإليه ذهب مالك والشافعي.
وقوله: فشفوا له بكل شيء، معناه:
عالجوه بكل شيء مما يُستشفى به، والعرب تضع الشفاء موضع العلاج، قال الشاعر:
جعلتُ لعرّاف اليمامة حُكمه ...
وعرّاف نجد إن هما شفياني
وقوله: أنشط من عقال، أي: حُل من
وَثاق، يقال: نشطتُ الشيء: إذا شددته
وأنشطتُه: إذا فككتَه، والأنشوطة:
الحبل الذي يُشدُّ به الشيء.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٥٠٠٧)، ومسلم (٢٢٠١)
من طريق هشام بن حسان، بهذا الاسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١١٧٨٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٦١١٣).
وانظر ما قبله.
عن عمه: أنه مرَّ بقوم فأتوْهُ،
فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارْقِ لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوهٍ
في القيود، فرقاه بأمِّ القرآن ثلاثة أيام غُدْوَةَ وعشيةً كلما ختمها جمع
بُزَاقَه، ثم تَفَلَ، فكأنما أُنْشِطَ مِن عِقال، فأعطَوه شيئًا، فأتى النبيَّ ﷺ
فذكره له، فقال النبي ﷺ: «كُلْ، فَلَعَمْري لَمَنْ أكَلَ برقْيَةِ باطل، لقد أكلتَ
برقْيَةِ حق» (١).
٣٩
- باب في
كسْب الحجام
٣٤٢١
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
أبان، عن يحيى، عن إبراهيمَ ابنِ عبد الله -يعني ابن قارظٍ-، عن السائب بن يزيد
عن رافع بن خديج، أن رسولَ الله ﷺ
قال: «كَسْبُ الحَجَّامِ خبيث، وثمنُ الكلب خبيث، ومهر البَغِىِّ خبيثٌ» (٢).
(١) إسناده حسن من أجل خارجة بن الصَّلْت،
فقد روى عنه الشعبي وعبد الأعلى ابن الحكم وقيس بن أبي حازم، وذكره ابن حبان وابن
خلفون في «الثقات»، وقال ابن معين: إذا روى الحسن والشعبي عن رجل فسمياه فهو ثقة
يحتج به، وقال الذهبي: محله الصدق. فهو كما قال الذهبي.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٨٣٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٦١١٠) و(٦١١١). وسيأتي برقم (٣٨٩٦) و(٣٨٩٧) وانظر تمام تخريجه هناك.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (٢٦٩١) عن محمد بن أبي عمر العدني، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن
أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عن خارجة بن الصلت قال: مر رجل بأهل ماء ... فذكر
نحو الحديث. وجعله من مسند خارجة بن الصلت والصحيح رواية الشعبي، لأن خارجة أدرك
النبي ﷺ ولم يره، وإنما الصحبة لعمه.
(٢)
إسناده صححِح. يحيى: هو ابن أبي كثير، وأبان: هو ابن يزيد العطار.=
٣٤٢٢ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ
القعنبيُّ، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن مُحَيِّصَةَ عن أبيه: أنه استأذن رسولَ
الله ﷺ في إجَارة الحجامِ، فنهاه عنها، فلم يَزَلْ يسألُه ويستأذِنُه حتى أمره: أن
اعْلِفهُ ناضِحَكَ ورقيقَك (١).
= وأخرجه مسلم (١٥٦٨)، والترمذي
(١٣٢٢)، والنسائي في «الكبرى» (٤٦٦٨) و(٤٦٦٩) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، بهذا
الإسناد. إلا أن النسائي في الموضع الثاني قلب اسم إبراهيم بن عبد الله إلى: عبد
الله بن إبراهيم، والصحيح الأول.
وأخرجه مسلم (١٥٦٨)، والنسائي في
«الكبرى» (٤٦٦٣) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن يوسف ابن أخت نمر،
والنسائي (٤٦٦٥) من طريق يزيد ابن عبد الله بن خُصيفة، كلاهما عن السائب بن يزيد.
وأخرجه النسائي (٤٦٦٤) من طريق حاتم
بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف ابن أخت نمر، عن السائب بن يزيد قال: قال رسول الله
ﷺ. فجعله من مسند السائب، والسائب صحابي صغير، ولا يؤثر ذلك بصحة الحديث، لأنه
قصارى أمره أن يكون مرسلَ صحابي، ومراسيل الصحابة حجة.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٨١٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٥٢).
وانظر ما بعده لبيان فقه الحديث.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه اختُلف نيه على الزهري في وصله وإرساله
كما هو مبين في «المسند» (٢٣٦٩٠) و(٢٣٦٩٢) و(٢٣٦٩٣) و(٢٣٦٩٥) وأصح طرقه ما رواه
محمد بن إسحاق وسفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حرام بن سعد -أو ساعدة- بن محيصة،
عن أبيه، عن جده. قال ابن عبد البر في «التمهيد» ١١/ ٧٩: ولا يتصل هذا الحديث عن
ابن شهاب إلا من رواية ابن إسحاق هذه، ورواية ابن عيينة مثلها.
وهو في «موطأ مالك» برواية أبي مصعب
الزهري (٢٠٥٣)، ومن طريقه أخرجه التر مذي (١٣٢٣).
وهو في «الموطأ» بِرواية يحيى الليثي
٢/ ٩٧٤ عن ابن شهاب، عن ابن محيصة، أنه استأذن رسول الله ﷺ ... فذكره. ولم يتابع
يحيى الليثيَّ على هذا من رواة «الموطأ» =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= سوى ابن القاسم فيما قاله ابن عبد
البر في «التمهيد» ١١/ ٧٧، قال: وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من أهل
العلم، وليس لسعْد بن محيصة صحبة، فكيف لابنه حرام، ولا يختلفون أن الذي روى عنه
الزهري هذا الحديث وحديث ناقة البراء هو حرام بن سند بن مُحيِّصة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٦٩٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٥٤).
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في
«المسند».
قال الخطابي: حديث محيصة يدل على أن
أجرة الحجام ليست بحرام، وأن خبثها من قبل دناءة مَخرجها، وقال ابن عباس: احتجم
رسول الله ﷺ وأعطى الحجام أجره. ولو علمه محرما لم يعطه.
قال الخطابي: وقوله: «اعلفه ناضحك
ورقيقك» يدل على صحة ما قلناه، وذلك أنه لا يجوز له أن يطعم رقيقه إلا من مال قد
ثبت له ملكه، وإذا ثبت له ملكه فقد ثبت أنه مباح، وإنما وجهه التنزيه على الكسب
الدنيء والترغيب في تطهير الطعم والإرشاد فيها إلى ما هو أطيب وأحسن، وبعض الكسب
أعلى وأفضل، وبعضه أدنى وأوكح.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن كسب
الحجام إن كان حرًا فهو محرم، واحتج بهذا الحديث بقوله: إنه خبيث، وإن كان عبدًا
فإنه يعلفه ناضحه وينفقه على دوابه.
قال الخطابي: وهذا القائل يذهب في
التفريق بينهما مذهبا ليس له معنى صحيح، وكل شيء حل من المال للعبيد حل للاحرار،
والعبد لا ملك له ويده يد سيده وكسبه كسبه، وإنما وجه الحديث ما ذكرته لك، وإن
الخبيث معناه الدنيء، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ
تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة:
٢٦٧] أي:
الدون.
فأما قوله: «ثمن الكلب خبيث ومهر
البغي خبيث» فإنهما على التحريم، وذلك أن الكلب نجس الذات محرم الثمن، وفعل الزنى
محرم، وبدل العوض عليه وأخذه على التحريم مثله، لأنه ذريعة إلى التوصل إليه،
والحجامة مباحة، وفيها نفع وصلاح الأبدان.
وقد يجمع الكلام بين القرائن في
اللفظ الواحد، ويفرق بينهما في المعاني، وذلك على حسب الأغراض والمقاصد فيها، وقد
يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على الوجوب وبعضه على الندب وبعضه على الحقيقة
وبعضه على المجاز، وإنما يُعلم ذلك بدلائل الأصول وباعتبار معانيها.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= والبغي: الزانية، وفعلها البغاء،
ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور:٣٣].
فقال ابن عبد البر في «التمهيد» ٨/
٣٩٨ وما بعدها تعليقًا على حديث «نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن»:
في هذا الحديث ما اتفق عليه وما اختلف فيه، فاما مهر البغي -والبغي: الزانية
ومهرها ما تأخذ على زناها- فمجتمع على تحريمه وأما حُلوان الكاهن فمجتمع أيضًا على
تحريمه. قال مالك: وهو ما يعطى الكاهن على كهانته، والحلوان في كلام العرب: الرشوة
والعطية.
وأما ثمن الكلب فمختلف فيه.
وقال الحافظ في «الفتح» ٤/ ٤٢٦
تعليقًا على النهي عن ثمن الكلب: ظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عام في كل كلب معلمًا
كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه،
وبذلك قال الجمهور، وقال مالك: لا يجوز بيعه، وتجب القيمة على متلفه، وعنه
كالجمهور، وعنه: كقول أبي حنيفة: يجوز وتجب القيمة، وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع
كلب الصيد دون غيره، ونقل عن القرطبي: أن مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب،
وكراهية بيعه، ولا يفسخ إن وقع.
ونقل العيني في «البداية» ٨/ ٣٧٨ عن
صاحب «الإيضاح»: أن بيع كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير جائز معلمًا كان
أو غير معلم في رواية الأصل، أما الكلب المعلم، فلا شك في جواز بيعه، لأنه آلة
الحراسة والاصطياد (وكشف الجريمة) فيكون محلًا للبيع، لكونه منتفعًا به حقيقة
وشرعًا فيكون مالًا، وأما غير المعلم، فلأنه يمكن أن ينتفع به بغير الاصطياد، فإن
كل كلب يحفظ بيت صاحبه ويمنع الأجانب عن الدخول فيه، ويخبر عن الجاني بنباحه،
فساوى المعلم في الانتفاع به.
وقال أبو يوسف: لا يجوز بيع الكلب
العقور، لأنه غير منتفع به.
قلنا: والضابط عندهم: أن كل ما فيه
منفعة يحل شرعًا، فإن بيعه يجوز لأن الأعيان خلقت لمنفعة الإنسان بدليل قوله
تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:٢٩].
=
٣٤٢٣ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يزيد بنُ
زُرَيع، حدَّثنا خالد، عن عِكرمة عن ابن عباس، قال: احتجم رسولُ الله ﷺ، وأعطى
الحجامَ أجرَه، ولو علِمَه خبيثًا لم يُعطِه (١).
٣٤٢٤
- حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالك، عن
حُمَيدٍ الطويلِ
= وقال صاحب «التمهيد» ٨/ ٤٠٣: وأجاز
الشافعي بيع كل ما فيه منفعة في حياته نحو الفهد والجوارح المعلمة حاشا الكلب.
وقال ابن القاسم: يجوز بيع الفهود
والنمور والذئاب إذا كانت تذكى لجلودها، لأن مالكًا يجيز الصلاة عليها إذا ذُكيت.
وفي «الاستذكار» ٢٠/ ١٢٤: وبيع الفهد والصقر جائز، وكذلك بيع الهر، وكل ما فيه
منفعة، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين في بيع كل ما ينتفع به أنه جائز ملكه
وشراؤه وبيعه.
وقال أبو بكر بن العربي في «عارضة
الأحوزي»: وأما ثمن الكلب، فكل ما جاز اقتناؤه وانتفع به، صار مالًا، وجاز بذل
العوض عنه، واختلف أصحابنا -يعني المالكية- في بيعه: هل هو محرم أو مكروه؟، وصرح
بالمنع مالك في مواضع، والصحيح في الدليل جواز البيع، وبه قال أبو حنيفة
(١)
إسناده صحيح. خالد: هو ابن مِهران الحذَّاء، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (٢١٠٣) و(٢٢٧٩) من
طريق خالد الحذاء، به.
وهو في «مسند أحمد» (٣٢٨٤).
وأخرجه البخاري (٢٢٧٨)، ومسلم بإثر
(١٥٧٧)، وبإثر (٢٢٠٨)، وابن ماجه (٢١٦٢)، والنسائي في «الكبرى» (١٥٨٠) من طريق
طاووس اليماني، عن ابن عباس. دون قوله: ولو كان خبيثًا لم يعطه.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٤٩) و(٢٣٣٧)،
و«صحيح ابن حبان» (٥١٥٠).
وأخرجه مسلم بإثر (١٥٧٧) من طريق
الشعبي، عن ابن عباس قال: حجم النبي ﷺ عبدٌ لبني بياضة، فأعطاه النبي ﷺ أجره،
وكلّم سيّده فخفف عنه من ضريبته، ولو كان سحتًا لم يعطه النبي ﷺ.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥٥) و(٣٤٥٧).
عن أنس بن مالك أنه قال: حَجَمَ أبو
طيبة رسول الله ﷺ فأمر له بصاعٍ من تمر، وأمر أهله أن يُخَفَّفُوا عنه مِن خَرَاجه
(١).
٤٠
- باب في
كسب الإماء
٣٤٢٥
- حدَّثنا عُبيد الله بنُ معاذ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعبة، عن محمد بن جُحَادة، قال: سمعت أبا حازم
سمع أبا هريرة قال: نهى رسولُ الله ﷺ
عن كسبِ الإماء (٢).
(١) إسناده صحيح. حميد الطويل: هو ابن أبي
حميد، والقعنبي: هو عبد الله ابن مسلمة بن قعنب.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٩٧٤.
وأخرجه البخاري (٢١٠٢) و(٢٢١٠)
و(٢٢٧٧) و(٢٢٨١)، ومسلم (١٥٧٧)، والترمذي (١٣٢٤) من طرق عن حميد الطويل، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٩٦٦).
وأخرجه البخاري (٢٢٨٠)، ومسلم بإثر
(٢٢٠٨) من طريق عمرو بن عامر، عن أنس، قال: احتجم رسول الله ﷺ، وكان لا يظلم أحدًا
أجره.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٢٠٦).
وأخرجه ابن ماجه (٢١٦٤) من طريق محمد
بن سيرين، عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ احتجم وأعطى الحجام أجره.
وهو في «صحيح ابن حبان»، (٥١٥١).
(٢)
إسناده صحيح. معاذ: هو ابن معاذ العَنْبري، وأبو حازم: هو سلمان الأشجعي.
وأخرجه البخاري (٢٢٨٣) و(٥٣٤٨) من
طريقين عن شعبة، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧٨٥١)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٥٨) و(٥١٥٩) زاد ابن حبان في روايته الثانية: مخافة أن يبغين، وهذه
زيادة مُدرجة من قول شعبة كما هو مصرح به في حديث رافع بن خديج في «مسند أحمد»
(١٧٢٦٨). =
٣٤٢٦ - حدَّثنا هارونُ بنُ عبد الله،
حدَّثنا هاشم بن القاسم، حدَّثنا عِكرِمَةُ، حدَّثني طارق بن عبد الرحمن القرشي،
قال:
جاء رافع بن رفاعة إلى مجلس الأنصار،
فقال: لقد نهانا نبي الله ﷺ اليوم، فذكرَ أشياء، ونَهَى عن كسب الأمة إلا ما
عَمِلَتْ بيدها، وقال هكذا بأصابِعِه نحو الخَبز والغَزْل والنَّفش (١).
٣٤٢٧
- حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا ابن
أبي فُدَيكِ، عن عُبيد الله -يعني ابن هُرَير- عن أبيه
= قال الخطابي: كان لأهل مكة ولأهل
المدينة إماء عليهن ضرائب تخدُمن الناسَ، تَخبِزْن، وتسقين الماء، وتصنعن غير ذلك
من الصناعات، ويُؤدين الضريبةَ إلى ساداتهن، والإماء إذا دخلن تلك المداخل وتبذّلن
ذلك التبذُّل، وهُنَّ مخارجات وعليهن ضرائب لم يؤمن أن يكون منهن أو من بعضهن
الفجور وأن يكسبن بالسفاح، فأمر ﷺ بالتنزه عن كسبهن ومتى لم يكن لعملهن وجه معلوم
يكتسبن به، فهو أبلغ في النهي وأشد في الكراهة.
وقد جاءت الرخصة في كسب الأمة إذا
كانت في يدها عمل. ورواه أبو داود في هذا الباب - قلنا: يعني الحديث الآتي بعده.
(١)
إسناده ضعيف لجهالة طارق بن عبد الرحمن القرشي، ورافع بن رفاعة هذا قال عنه ابن
عبد البر في «الاستيعاب» (٧٤٠): لا تصح صحبته، وقال المزي في «تهذيب الكمال، في
ترجمة رافع بن رفاعة: رافع هذا غير معروف، والمحفوظ في هذا حديث هريرة بن عبد
الرحمن بن رافع بن خديج، عن جده رافع بن خديج. قلنا: يعني الحديث الأتي بعده عند
المصنف. عكرمة: هو ابن عمار اليمامي.
وأخرجه أحمد (١٨٩٩٨)، والحاكم ٢/ ٤٢،
والبيهقي ٦/ ١٢٦، وابن الأثير في»أسد الغابة" ٢/ ١٩١ من طريق هاشم بن القاسم،
بهذا الإسناد. ووقع اسم رافع بن رفاعة عند الحاكم: رفاعة بن رافع. وصححه الحاكم
لكن تعقبه الذهبي: طارق فيه لين، ولم يذكر أنه سمع من رفاعة.
عن جده رافع -هو ابن خديجٍ- قال: نهى
رسول الله ﷺ عن كَسْبِ الأمةِ حتى يُعْلَمَ مِن أين هو (١).
٤١
- باب في
حُلْوان الكاهن
٣٤٢٨
- حدَّثنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن
الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن
عن أبي مسعود، عن النبي ﷺ أنه نهى عن
ثمن الكلب، ومهر البَغِيِّ، وحُلوان الكاهن (٢).
(١) إسناده ضعيف لجهالة عُبيد الله بن هُرير
-وهو ابنُ عبد الرحمن بن رافع بن خديج- وأبوه هريرة، وإن وثقه ابن معين وذكره ابن
حبان في «الثقات»، لم يذكر أحدٌ ممن ترجمه أنه سمع من جده، ولكنهم قالوا: روى عن
أبيه عن جده، وعليه يكون الإسناد منقطعًا أيضًا. ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل
بن مسلم بن أبي فُديك المدني.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٢، والبيهقي ٦/
١٢٧، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة عُبيد الله بن هُرير ١٩/ ١٧١ من طريق محمد
بن إسماعيل ابن أبي فديك، بهذا الاسناد.
(٢)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة، وقتيبة: هو ابن سعيد البغلاني.
وأخرجه البخاري (٢٢٣٧)، ومسلم
(١٥٦٧)، وابن ماجه (٢١٥٩)، والترمذي (١١٦٤) و(١٣٢١) و(٢٢٠١)، والنسائي (٤٢٩٢)
و(٤٦٦٦) من طرق عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٠٧٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٥٧).
تنبيه: هذا الحديث أثبتناه من (هـ)
وهي برواية ابن داسه، وعليه شرح الخطابي.
وسيتكرر برقم (٣٤٨١) مبوبًا عليه
بقوله: باب في أثمان الكلاب.
قال الخطابي: «حلوان الكاهن» هو ما
يأخذه المتكهن عن كهانته، وهو محرم وفعله محرم باطل.
قال الخطابي: وحلوان العَرَّافِ حرام
كذلك، والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الخبر عن الكوائن في
مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، والعراف:
هو الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق
ومكان الضالة ونحوهما من الأمور.
٤٢ - باب في عَسْبِ الفحل
٣٤٢٩
- حدَّثنا مُسَدَّدُ بن مُسَرْهَدِ،
حدَّثنا إسماعيلُ، عن علي بن الحكم، عن نافع
عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله ﷺ عن
عَسْبِ الفحل (١).
٤٣
- باب في
الصائغ
٣٤٣٠
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
حماد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن
عن أبي ماجدة، قال: قطعتُ مِن أذن
غلام، أو قَطَعَ مِن أذني، فقدم علينا أبو بكر حاجًا، فاجتمعنا إليه، فرفعَنا إلى
عمر بن الخطاب،
(١) إسناده صحيح. إسماعيل: هو ابن إبراهيم بن
مقسم، المعروف بابن عُلَيّة.
وأخرجه البخاري (٢٢٨٤)، والترمذي
(١٣١٩)، والنسائي (٤٦٧١) من طريقين عن علي بن الحكم، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٣٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٥٦).
قال الخطابي: «عسب الفحل» الذكر الذي
يؤخذ على ضِرابه وهو لا يحل، وفيه غرر لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب، وقد تلقح
الأنثى وقد لا تلقح، فهو أمر مظنون، والغرر فيه موجود.
وقد اختلف في ذلك أهل العلم، فروي عن
جماعة من الصحابة تحريمه، وهو قول أكثر الفقهاء.
وقال مالك: لا بأس به إذا استأجروه
ينزونهُ مدة معلومة، وإنما يبطل إذا شرطوا أن ينزوه حتى تعلق الرَّمكة، وشبهه بعض
أصحابه بأجرة الرضاع وإبار النخل، وزعم أنه من المصلحة، ولو منعنا منه لانقطع
النسل.
قال الخطابي: وهذا كله فاسد لمنع
السُّنَّة منه، وإنما هو من باب المعروف، فعلى الناس أن لا يتمانعوا منه. فأما أخذ
الأجرة عليه فمحرم وفيه قبح وترك مروءة.
وقد رخص فيه أيضًا الحسن وابن سيرين،
وقال عطاء: لا بأس به إذا لم يجد من يطرقه.
فقال عمر: إن هذا قد بلغ القِصاصَ،
ادعوا لي حجامًا ليقتصَ منه، فلما دُعِيَ الحجامُ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول:
«إني وهبتُ لخالتي غُلامًا، وأنا أرجو أن يبارَكَ لها فيه، فقلت لها: لا تُسْلِميه
حجامًا ولا صائِغًا ولا قَصَّابًا» (١).
قال أبو داود: روى عبد الأعلى، عن
ابن إسحاق، قال: ابنِ ماجدة.
(١) إسناده ضعيف لجهالة أبي ماجدة -كذا جاء
اسمه في روايتي ابن العبد وابن داسه كما في (هـ) و«تهذيب الكمال» ٣٤/ ٢٤٤، وجاء في
رواية اللؤلؤي: ابن ماجدة، وقيل: علي بن ماجدة-، ونقل الذهبي في «الميزان» أن
البخاري ذكره في «الضعفاء» وقد اختُلِفَ في إسناده عن محمد بن إسحاق، فمرة يروى
عنه عن العلاء، عن أبي ماجد هذا، ومرة يُروى عنه عن العلاء، عن رجل من بني سهم، عن
أبي ماجدة، ومرة يروى عنه عن رجل عن أبي ماجدة، بيّن ذلك الدارقطني في «العلل» ٢/
٢٤٩ - ٢٥٠ وقال البخاري في «تاريخه الكبير» ٦/ ٢٩٨: لم يصح إسناده.
وأخرجه البخاري تعليقًا في «تاريخه
الكبير» ٦/ ٢٩٨، والبيهقي ٦/ ١٢٧ و١٢٨ من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٠٢) عن محمد بن يزيد،
و(١٠٣) من طريق إبراهيم بن سعد، والبخاري في «تاريخه» تعليقًا ٦/ ٢٩٨ من طريق محمد
بن سلمة الحراني، ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن رجل من
بني سهم، عن ابن ماجدة. فزادوا في الإسناد رجلًا مبهمًا. وسمى البخاري في روايته
ابن ماجدة عليًا.
وأخرج ابن أبي شيبة ٩/ ٢٨٤، والبخاري
في «تاريخه» ٦/ ٢٩٨ من طريق حفص ابن غياث، عن حجاج بن أرطًاة، عن القاسم بن أبي
بزة -واسم أبي بزة نافع- عن علي بن ماجدة قال: قاتلت غلامًا فجدعت أنفه، فأتي بي
إلى أبي بكر فلم يجد فيَّ قصاصًا فجعل على عاقلتي الدية.
وانظر تالييه.
٣٤٣١ - حدَّثنا يوسف بن موسى، حدَّثنا
سَلَمَةُ بنُ الفضل، حدَّثنا ابنُ إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن الحُرقي، عن
ابنِ ماجدة السهمي، عن عمر، عن النبي ﷺ، نحوه (١).
٣٤٣٢
- حدَّثنا الفضل بن يُعقوب، حدَّثنا
عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، حدَّثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن ابن ماجدة
السهمي، عن عمر بنِ الخطاب، عن النبي ﷺ، مثله (٢).
٤٤
- باب في
العبد يُباع وله مال
٣٤٣٣
- حدَّثنا أحمد بنُ حنبل، حدَّثنا
سفيان، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، عن النبي ﷺ، قال: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وله
مال، فمالُه للبائع إلا أن يشترطَ المبتاعُ، ومن باع نخلًا مُؤَبَّرًا فالثمرةُ
للبائع إلا أن يَشتَرِطَ المبتاعُ» (٣).
(١) إسناده ضعيف كسابقه.
وأخرجه الطبري في «تاريخه ٢/ ٣٢٩ من
طريق سلمة بن الفضل، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده ضعيف كسابقيه. عبد الأعلى: هو ابنُ عبد الأعلى السامي.
(٣)
إسناده صحيح. سالم: هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢٣٧٩)، ومسلم
(١٥٤٣)، وابن ماجه (٢٢١١)، والترمذي (١٢٨٨)، والنسائي في»المجتبى«(٤٦٣٦) من طرق عن
ابن شهاب الزهري، به.
وهو في»مسند أحمد«(٤٥٥٢)، و»صحيح ابن
حبان«(٤٩٢٢).
وأخرجه النسائي في»الكبرى، (٤٩٧١) من
طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر قال: قال رسول الله ﷺ
.. فجعله من مسند عمر.
قال أبو بكر البزار بعد أن أخرجه
(١١٢): أخطأ فيه سفيان بن حسين، والحفاظ يروونه عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر عن
النبي ﷺ، وهو الصواب.=
٣٤٣٤ - حدَّثنا القعنبيُّ، عن مالك، عن
نافع، عن ابنِ عمر عن عمر، بقصة العبد (١).
٣٤٣٤/
١
- وعن نافع عن ابن عمر، عن النبي ﷺ،
بقصة النخل (٢).
= وانظر ما بعده.
قال مالك والشافعي وأحمد: الثمرة تبع
للنخلة ما لم يؤبر (أي: يلقح)، فإذا أبر لم يدخل في البيع إلا بشرط قولًا بظاهر
الحديث، وقال أصحاب الرأي: الثمر للبائع أُبِّر أو لم يُؤبر إلا إذا اشترطها
المبتاع كالزرع.
(١)
إسناده صحيح. قال ابن القيم في «تهذيب السنن»: اختلف سالم ونافع على ابن عمر في
هذا الحديث، فسالم رواه عن أبيه، عن النبي ﷺ مرفوعًا في القصتين: قصة العبد وقصة
النخل كما سلف برقم (٣٤٣٣)، ورواه نافع عنه ففرق بين القصتين، كما في هذه الرواية
فجعل قصة النخل عن النبي ﷺ وقصة العبد عن ابن عمر، عن عمر. فكان مسلم والنسائي
وجماعة من الحفاظ يحكمون لنافع ويقولون: ميَّز وفرَّق بينهما، ان كان سالم أحفظ
منه، وكان البخاري والإمام أحمد وجماعة من الحفاظ يحكمون لسالم، ويقولون: هما
جميعًا صحيحان عن النبي ﷺ.
وقصة العبد في «مرطا مالك» ٢/ ٦١١.
وأخرج قصة العبد النسائي في «الكبرى»
(٤٩٦٦) من طريق الليث بن سعد و(٤٩٦٧) من طريق عبيد الله بن عمر، و(٤٩٦٨) من طريق
أيوب السختياني، ثلاثتهم عن نافع، به.
وانظر ما بعده.
(٢)
إسناده صحيح. وانظر ما قبله.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦١٧.
وأخرجه البخاري (٢٢٠٤) و(٢٧١٦)،
ومسلم (١٥٤٣)، وابن ماجه (٢٢١٠) من طريق مالك، والبخاري (٢٢٠٦) و(٢٣٧٩)، ومسلم
(١٥٤٣) وابن ماجه (٢٢١٠/ م)، والنسائي (٤٦٣٥) من طريق الليث بن سعد، ومسلم (١٥٤٣)
من طريق عُبيد الله بن عمر، ثلاثتهم عن نافع، به.=
قال أبو داود: واختلف الزهري ونافع
في أربعة أحاديث هذا أحدُها (١).
= وهو في «مسند أحمد» (٤٥٠٢) و(٥٣٠٦)،
و«صحيح ابن حبان» (٤٩٢٤).
وأخرج القصتين جميعًا مرفوعتين عن
ابن عمر كرواية سالم في الحديث السابق: ابنُ ماجه (٢٢١٢)، والنسائي في «الكبرى»
(٤٩٦٣) من طريق شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجهما كذلك النسائي (٤٩٧٠) من
طريق محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رفعه. فجعله من مسند عمر
مرفوعًا. وقال النسائي كما في «التحفة» (١٠٥٥٨): هذا خطأ، والصواب حديث ليث بن سعد
وعُبيد الله وأيوب.
وأخرج قصة العبد وحدها كذلك مرفوعة
كرواية سالم النسائي (٤٩٦٤) من طريق سليمان بن موسى الأشدق، عن نافع، به. وكذلك
رواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع عند البيهقي ٥/ ٣٢٥.
وستأتي قصة العبد مرفوعة عند المصنف
(٣٩٦٢) من طريق بكير بن الأشج عن نافع، عن ابن عمر.
وانظر ما قبله.
(١)
قول أبي داود: واختلف الزهري ونافع في أربعة أحاديث، هذا أحدها. أثبتناه من (أ)
وهامش (هـ)، وأشار في (أ) إلى أنها في رواية ابن العبد، وأشار في هامش (هـ) إلى
أنها في رواية أبي عيسى الرملي وابن الأعرابي. قلنا: والثاني هو: «فيما سقت السماء
والعيون أو كان عثريًا العشر، وما سُقي بالنضج نصف العشر» أخرجه البخاري (١٤٨٣)،
وقد سلف عند المصنف برقم (١٥٩٦)، والثالث: «ستخرج نار من حضرموت، أو من بحر حضرموت
قبل يوم القيامة، تحشر الناسَ» قالوا: يا رسول الله ﷺ، فما تأمرنا، قال: «عليكم
بالشام». أخرجه الترمذي (٢٣٦٤)، والرابع: «إنما الناس كالإبل المئة، لا تكاد تجد
فيها راحلة».
أخرجه البخاري (٦٤٩٨)، ومسلم (٢٥٤٧).
وانظر لزامًا كلام الحافظ ابن رجب في «شرح العلل» ٢/ ٤٧٢ - ٤٧٣.
٣٤٣٥ - حدَّثنا مسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
سفيان، حدَّثني سلمةُ بن كُهيل حدَّثني مَنْ سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول
الله ﷺ: «من باع عبدا وله مال، فمالُه للبائع، إلا أن يشترط المبتاعُ» (١).
٤٥
- باب في
التلقي
٣٤٣٦
- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة
القعنبيُّ، عن مالك، عن نافع عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: «لا يَبعْ
بَغضُكُم على بَيعِ بعض، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ حتى يُهبَطَ بها الأسواقَ» (٢).
(١) حديث صحح، وهذا إسناد ضعيف لابهام الراوي
عن جابر، ولكنه متابع.
سفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن
سعيد القطان، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهد.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ١١٢ و١٤/
٢٢٦، وأحمد (١٤٢١٤)، وأبو يعلى (٢١٣٩)، والبيهقي ٥/ ٣٢٦ من طريق سفيان الثوري،
بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٤٣٢٥)، والنسائي في
«الكبرى» (٤٩٦٤)، وابن حبان (٤٩٢٤) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر.
وأخرجه أبو حنيفة (٣٣٨)، وعنه أبو
يوسف في «الآثار» (٨٢٩)، والبيهقي ٥/ ٣٢٦ عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا بلفظ:
«من باع نخلًا مؤبرًا أو عبدًا له مال، فالثمرة والمال للبائع، إلا أن يثشرط
المشتري».
(٢)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» برواية أبي مصعب
الزهري (٢٧٠١).
وهو كذلك في «الموطأ» برواية يحيى بن
يحيى الليثي ٢/ ٦٨٣ دون ذكر تلقي السلع. وفي «الموطأ» برواية محمد بن الحسن
الشيباني (٧٧٢) و(٧٨٤) مفرَّقًا بين المساومة وتلقي السلع.
وأخرجه البخاري (٢١٦٥) عن عبد الله
بن يوسف، عن مالك، به. تامًا.
وأخرج الشطر الأول منه وهو المساومة
البخاري (٢١٣٩) عن إسماعيل بن أبي أويس، ومسلم بإثر (١٥١٤) عن يحيى بن يحيى
النيسابوري، وابن ماجه (٢١٧١) عن سويد بن سعيد، ثلاثتهم عن مالك، به.=
٣٤٣٧ - حدَّثنا الربيعُ بنُ نافع أبو
تَوبةَ، حدَّثنا عُبيد الله -يعني ابن عمرو الرقي- عن أيوبَ، عن ابنِ سيرين
عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ نهى عن
تَلَقِّي الجَلَبِ، فإن تَلَقَّاهُ مُتلَقٍّ فاشتراه، فصاحبُ السلعةِ بالخيار، إذا
وردت السوقَ (١).
= وأخرج الشطر الأول أيضًا البخاري
(٥١٤٢)، ومسلم (١٤١٢)، وبإثر (١٥١٤)، والترمذي (١٣٣٨)، والنسائي (٣٢٤٣) من طرق عن
نافع، به.
وأخرج الشطر الثاني منه، وهو تلقي
السلع، مسلم (١٥١٧) وابن ماجه (٢١٧٩)، والنسائي (٤٤٩٨) و(٤٤٩٩) من طريق عُبيد الله
بن عمر، ومسلم (١٥١٧) من طريق مالك بن أنس، كلاهما عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥٣١)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٥٩) و(٤٩٦٥).
قال الخطابي: قوله: «لا يبع بعضكم
على بيع بعض» هو أن يكون المتبايعان قد تواجبا الصفقة، وهما في المجلس لم يتفرقا
وخيارهما باق، فيجيء الرجل فيعرض عليه مثل سلعته أو أجود منها بمثل الثمن أو أرخص
منه، فيندم المشتري فيفسخ البيع، فيلحق البائع منه الضرر، فأما ما دام التبايعان
يتساومان ويتراودان البيع ولم يتواجباه بعدُ، فإنه لا يضيق ذلك، وقد باع رسول الله
ﷺ الحِلْس والقدح فيمن يزيد.
(١)
إسناده صحيح. ابن سيرين: هو محمد، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السخياني.
وأخرجه الترمذي (١٢٦٤) من طريق عُبيد
الله بن عمرو الرقي، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٥١٩)، وابن ماجه
(٢١٧٨)، والنسائي (٤٥٠١) من طريق هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، به.
وأخرجه البخاري (٢٧٢٧)، ومسلم
(١٥١٥)، والنسائي (٤٤٩١) من طريق أبي حازم سلمان الأشجعي، والبخاري (٢١٦٢) من طريق
سعيد المقبري، كلاهما عن أبي هريرة وهو في «مسند أحمد» (٧٨٢٥) و(١٠٣٢٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٦١).
وسيأتي ضمن الحديث (٣٤٤٣).
قال الخطابي: كره التلقي جماعة من
العلماء، منهم مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ولا أعلم أحدًا منهم أفسد
البيع غير أن الشافعي أثبت الخيار قولًا =
قال أبو علي اللؤلؤي: سمعت أبا داود
يقول: قال سفيانُ: لا يبع بعضُكم على بَيع بعض: أن يقول: عندي خيرًا منه بعشرة.
٤٦
- باب في
النهي، عن النَّجْشِ
٣٤٣٨
- حدَّثنا أحمدُ بن عمرو بنِ السرح،
حدَّثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بنِ المُسَيِّب
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «لا تَنَاجَشُوا» (١).
= بظاهر الحديث؟ وقال الحنفية: يكره
التلقي في حالتين: أن يضر بأهل البلد، وأن يلتبس السعر على الواردين. وقال صاحب
«المغني» ٦/ ٣١٢: فإن تُلُقوا واشتري منهم، فهم بالخيار إذا دخلوا السوق، وعرفوا
أنهم قد غبنوا إن أحبوا أن يفسخوا البيع فسخوا.
(١)
إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢١٤٠)، ومسلم
(١٤١٣)، وابن ماجه (٢١٧٤)، والترمذي (١٣٥٢)، والنسائي (٣٢٣٩) و(٤٥٠٢). و(٤٥٠٦)
و(٤٥٠٧) من طرق عن الزهرى،
وأخرجه البخاري (٢١٥٠) و(٦٠٦٦)،
ومسلم (١٥١٥)، والنسائي (٤٤٩٦) من طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والبخاري
(٢٧٢٧)، ومسلم (١٥١٥)، والنسائي (٤٤٩١) من طريق أبي حازم سلمان الأشجعي، ومسلم
(٢٥٦٣) من طريق أبي صالح السمان، و(٢٥٦٤) من طريق أبي سعيد مولى عامر بن كريز،
والنسائي (٤٥٠٦) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، خمستهم عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٤٨).
قال الخطابي: «النجش» أن يرى الرجلُ
السلعة تباعُ، فيزيد في ثمنها وهو لا يُريد شراءها، وإنما يُريد بذلك ترغيبَ
السُّوَّام فيها ليزيدوا في الثمن، وفيه تغرير للراغب فيها، وترك لنصيحته التي هي
مأمور بها.
ولم يختلفوا أن البيع لا يفسدُ عقدُه
بالنَّجشِ، ولكن ذهبَ بعضُ أهل العلم إلى أن الناجِش إذا فعل ذلك بإذن البائع،
فللمشتري فيه الخيار.
٤٧ - باب النهي أن يبيعَ حاضرٌ لِبادٍ
٣٤٣٩
- حدَّثنا محمد بن عُبَيدٍ، حدَّثنا
محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه
عن ابن عباس، قال: نهى رسول الله ﷺ
أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، فقلت: ما يبيعُ حاضرٌ لبادٍ؟ قال: لا يكونُ له سِمسارا» (١).
٣٤٤٠
- حدَّثنا زهيرُ بن حَربٍ، أن محمد بن
الزِّبْرقَانِ أبا همام حدَّثهم -قال زهير: وكان ثقة- عن يونس، عن الحسن
(١) إسناده صحيح. ابنُ طاووس: هو عبدُ الله
بن طاووس بن كيسان اليماني.
ومعمر: هو ابن راشد، ومحمد بن عبيد:
هو ابن حِساب.
وأخرجه البخاري (٢١٥٨)، ومسلم
(١٥٢١)، وابن ماجه (٢١٧٧)، والنسائي (٤٥٠٠) من طريق معمر بن راشد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٣٤٨٢).
والسمسار: هو في الأصل القيم بالأمر
والحافظ له، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيْرِهِ.
قال النووي في «شرح مسلم» ١٠/ ١٤١
هذه الأحاديث (أي التي أوردها مسلم في تحريم بيع الحاضر للبادي وهي حديث ابن عباس
وحديث جابر، وحديث أنس) تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي وبه قال الشافعي والأكثرون،
قال أصحابنا: والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة
إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول البلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى. قال
أصحابنا: وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكون عالمًا بالنهي، فلو لم يعلم النهي
أو كان المتاع مما لا يحتاج في البلد ولا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو
خالف، وباع الحاضر للبادي، صح البيع مع التحريم هذا مذهبنا، وبه قال جماعة من
المالكية وغيرهم، وقال بعض المالكية: يفسخ البيع ما لم يفت، وقال عطاء ومجاهد وأبو
حنيفة: يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا لحديث الدين النصيحة وحديث النهي عن بيع
الحاضر للبادي منسوخ. وذهب بعضهم إلى أن النهي عنه بمعنى الإرشاد دون الايجاب.
عن أنس بن مالك، أن النبي ﷺ قال: «لا
يَبِيعُ حاضرٌ لبادِ، وإن كان أخاه أو أباه» (١).
قال أبو داود: سمعتُ حفصَ بن عمر
يقول: حدَّثنا أبو هلالِ، حدَّثنا محمد، عن أنس بن مالك، قال: كان يقال: لا يبيعُ
حاضرٌ لباد، وهي كلمةٌ جامعةٌ لا يَبيعُ له شيئًا، ولا يَبتاعُ له شيئًا
٣٤٤١
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
حمَّاد، عن محمد بن اسحاقَ، عن سالمٍ المكيِّ، أن أعرابيًا، حدَّثه، أنه قدم
بِجَلُوبةٍ له على عهدِ رسولِ الله ﷺ، فنزل على طلحة بنِ عُبيد الله، فقال:
إن النبي ﷺ نهى أن يبيعَ حاضرٌ
لبادِ، ولكنِ اذْهَبْ إلى السوقِ، فانظر من يُبايعُك، فشاوِرْني حتى أمُرَك أو
أنهاك (٢).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات والحسن
-وهو البصري- وإن لم يصرح بسماعه من أنس، متابع. يونس: هو ابن عُبيد.
وأخرجه النسائي (٤٤٩٢) من طريق محمد
بن الزِّبرقان، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢١٦١)، ومسلم
(١٥٢٣)، والنسائي (٤٤٩٣) و(٤٤٩٤) من طريق محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك، بلفظ:
نُهينا أن يبيع حاضر لباد.
وقوله في الحديث: «لا يبيعُ» نفيٌ
بمعنى النهي.
(٢)
حديث حسن، وهذا إسناد أخطأ فيه حماد -وهو ابن سلمة- حيث نسب سالمًا شيخَ ابن إسحاق
مكيًا، وإنما هو سالم بن أبي أمية أبو النضر المدني الثقة، جاء على الصواب في
رواية إبراهيم بن سعد ويزيد بن زريع عن ابن إسحاق، وفي روايتهما صرح ابن إسحاق
بسماعه من سالم أبي النضر، وبينا فيها أيضًا أن هذا الأعرابي قدم على النبي ﷺ هو
وأبوه، وأنه كتب لهما كتابًا: أن لا يُتعدَّى عليهم في صدقاتهم، فيكون الإسناد من
طريقهما حسن.
وأخرجه البزار في «مسنده» (٩٥٧)،
وأبو يعلى (٦٤٣) من طريقين عن حماد بن سلمة، به. =
٣٤٤٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفَيليُّ، حدَّثنا زُهير، حدَّثنا أبو الزبير
عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا
يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادِ، وَذَرُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمْ مِن بَعضٍ»
(١).
٤٨
- باب من
اشترى مُصَرَّاةً فكرهها
٣٤٤٣
- حدَّثنا القعنبيُّ عبدُ الله بن
مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج
= وأخرجه البزار (٩٥٦) من طريق مؤمل بن
إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سالم المكي، عن أبيه قال: قدمت
المدينة بجلوبة ...
الحديث. قال البزار: لا نعلم أحدًا
قال: عن سالم، عن أبيه عن طلحة غير مؤمل عن حماد، وغير مؤمل يرويه عن رجل. قلنا:
مؤمل بن إسماعيل سيئ الحفظ.
وأخرجه أحمد (١٤٠٤) من طريق إبراهيم
بن سعد، وأبو يعلى (٦٤٤)، والشاشي في «مسنده» (٢١) من طريق يزيد بن زريع، كلاهما
عن محمد بن إسحاق، حدَّثنا سالم بن أبي أمية أبو النضر، قال: جلس إليَّ شيخ من بني
تميم في مسجد البصرة ... فذكر الحديث بطوله. وفيه بيان واضح أن هذا الشيخ التميمي
وأباه صحابيان، وهذا إسناد حسن.
وقوله: بجَلُوبة، يعني: ما يُجلَبُ
من الإبل، قال صاحب «النهاية»: والذي قرأناه في «سنن أبي داود»: بجَلُوبة، وهي
الناقة التي تُجلَبُ.
(١)
إسناده صحيح. وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- بسماعه من
جابر عند أحمد والنسائي، فانتفت شبهة تدليسه. زهير: هو ابن معاوية الجعفي.
وأخرجه مسلم (١٥٢٢)، وابن ماجه
(٢١٧٦)، والترمذي (١٢٦٦)، والنسائي (٤٤٩٥) من طريقين عن أبي الزبير، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٩١)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٦٠) و(٤٩٦٣) و(٤٩٦٤).
عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال:
«لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلبَيعِ، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيع بَعض، ولا
تَصُرُّوا الإبِلَ والغنمَ، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخيرِ النَّظَرَينِ بعد أن
يَحْلُبَها: فإن رضيها أمسكها، وإن سَخِطَها رَدَّها وصاعًا مِن تمر» (١).
(١) إسناده صحيح. الأعرج: هو عبد الرحمن بن
هُرمز، وأبو الزناد: هو عبد الله ابن ذكوان.
وأخرجه البخاري (٢١٤٨) و(٢١٥٠)،
ومسلم (١٥١٥)، والنسائي (٤٤٨٧) و(٤٤٩٦) من طريق أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، به.
ولم يذكر النسائي في المرضع الثاني المصراة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٠٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٧٠).
وأخرج قصة المصراة وحدها مسلم
(١٥٢٤)، والنسائي (٤٤٨٨) من طريق موسى بن يسار، ومسلم (١٥٢٤) من طريق أبي صالح
السمان، و(١٥٢٤) من طريق همام بن منبه، والترمذي (١٢٩٥) من طريق محمد بن زياد،
أربعتهم عن أبي هريرة.
وجاء في رواية أبي صالح السمان
زيادة: فهو بالخيار ثلاثة أيام. وهذه الزيادة في رواية محمد بن سيرين أيضًا،
وستأتي بعده.
وانظر ما سيأتي برقم (٣٤٤٥).
وقد سلف ذكر بيع الركبان عند المصنف
برقم (٣٤٣٧).
قال الخطابي: اختلف أهل العلم واللغة
في تفسير المصراة، ومن أين اشتقت، فقال الشافعي: التصرية: أن تربط أخلاف الناقة
والشاة، وتترك من الحلب اليومين والثلاثة حتى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها
كثيرًا، ويزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها، فإذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبة أو
اثنتين عرف أن ذلك ليس بلبنها، وهذا غرور للمشتري.
وقال أبو عبيد: المصراة الناقة أو
البقرة أو الشاة التي قد صرِّي اللبن في ضرعها يعني حُقن فيه، وجُمع أيامًا، فلم
يُحلَب، وأصل التصرية حبس الماء وجمعه، يقال منه: صريت الماءَ، ويقال: إنما سميت
المصَّراةَ، لأنها مياه اجتمعت. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= ثم قال الخطابي: وقد اختلف الناس في
حكم المصراة:
فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه يردها
ويرد معها صاعًا من تمر، قولًا بظاهر الحديث، وهو قول مالك والشافعي والليث بن سعد
وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وأبي ثور.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: يرد
قيمة اللبن.
وقال أبو حنيفة: إذا حلب الشاة فليس
له أن يردها، ولكن يرجع على البائع بأرشها ويمسكها.
واحتج من ذهب إلى هذا القول بأنه خبر
مخالف للاصول، لأن فيه تقويم المتلف بغير النقود، وفيه إبطال رد المثل فيما له
مثل، وفيه تقويم القليل والكثير من اللبن بقيمة واحدة، وبمقدار واحد.
واحتجوا بقوله ﷺ: «الخراج بالضمان».
قال الشيخ [يعني الخطابي]: والأصل أن
الحديث إذا ثبت عن رسول الله ﷺ وجب القول به، وصار أصلًا في نفسه، وعلينا قبولُ
الشريعة المبهمة، كما علينا قبول الشريعة المفسرة، والأصول إنما صارت أصولًا لمجيء
الشريعة بها. وخبر المصراة قد جاء به الشرع من طرق جياد أشهرها هذا الطريق، فالقول
به واجب، وليس تركه لسائر الأصول بأولى من تركها له.
على أن تقويم المتلف بغير النقد
موجود في بعض الأصول. منها: الدية في النفس: مئة من الإبل، ومنها: الغرة في الجنين.
وقد جاء أيضًا تقويم القليل والكثير
بالقيمة الواحدة، كأرش الموضحة، فإنها ربما أخذت أكثر من مساحة الرأس، فيكون فيها
خمسٌ من الإبل، وربما كانت قدر الأنملة فيجب الخمس من الإبل سواء، وكذلك الدية في
الأصابع سواء، على اختلاف مقادير جمالها ومنفعتها.
وجاءت السنة بالتسوية بين دية اللسان
والعينين واليدين والرجلين.
ثم قال: وأما خبر «الخراج بالضمان»
فمخرجه مخرج العموم، وخبر المصراة إنما جاء خاصًا في حكم بعينه، والخاص يقضي على
العام. =
٣٤٤٤ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا
حماد، عن أيوبَ وهشام وحبيبٍ، عن محمد بنِ سيرين
عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: «من
اشترى شَاةً مُصَرَّاةَ، فهو بالخِيار ثلاثة أيام، إن شاء ردَّها وصاعًا من طعامٍ
لا سمراءَ» (١).
٣٤٤٥
- حدَّثنا عبد الله بن مَخلَدٍ
التميمي، حدَّثنا المكيُّ -يعني ابن إبراهيم- حدَّثنا ابنُ جريج، حدثني زياد بن
سعْد الخُراساني، أن ثابتًا مولى عبد الرحمن بن زيدِ أخبره أنه
سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله
ﷺ: «من اشترى غَنَمًا مُصَرَّاةً احْتَلَبَها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي
حَلْبتِهاْ صاعٌ من تمر» (٢).
= قال: وقد اختلف الناس في مدة الخيار
المشروط في البيع:
فقال أبو حنيفة: لا يجوز أكثر من
ثلاث، وهو قول الشافعي.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد:
قليله وكثيره جائز.
وقال مالك: هو على قدر الحاجة إليه.
فخيار الثوب يوم ويومان، وفي الحيوان أسبوع ونحوه. وفي الدور: شهر وشهران. وفي
الضيعة. سنة ونحوها.
قلنا: قال ابن الأثير في «النهاية»
تعليقًا على قوله: «لا تصروا» إذا كان من الصَّرَّ فهو بفتح التاء وضم الصاد، وان
كان من الصَّرْي فيكون بضم التاء وفتح الصاد. وإنما نهى عنه لأنه خداع وغش.
(١)
إسناده صحيح. حبيب: هو المُعلم، هشام: هو ابن حسان القردوسي.
وأخرجه مسلم (١٥٢٤)، وابن ماجه
(٢٢٣٩)، والترمذي (١٢٩٦)، والنسائي (٤٤٨٩) من طرق عن محمد بن سيرين، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٨٠).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح. ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد: هو ابن عياض الأحنف الأعرج.
=
٣٤٤٦ - حدَّثنا أبو كامل، حدَّثنا عبدُ
الواحد، حدَّثنا صدقةُ بنُ سعيد، عن جُميع بن عُمَير التَّيمي، قال:
سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال
رسولُ الله ﷺ: «من ابتاع مُحَفَّلَةً، فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن رَدَّها رَدَّ
معها مثْل -أوْ مِثْلَيْ- لبَنِها قَمْحًا» (١).
٤٩
- باب
النهي عن الحُكْرَةِ
٣٤٤٧
- حدَّثنا وهبُ بن بقية، أخبرنا خالد،
عن عمرو بن يحيى، عن محمد بنِ عمرو بنِ عطاء، عن سعيد بن المسيِّب
عن مَعمَر بن أبي معمر أحَدِ بني عدي
بن كعب، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يَحْتكِرُ إلا خَاطِىءٌ».
فقلت لسعيد بن المسيِّب:. فإنك
تحتكِرُ؟! قال: ومعَمرٌ كان يحتكرُ (٢).
= وأخرجه البخاري (٢١٥١) عن محمد بن
عمرو السوَّاق البلخي، عن مكي بن إبراهيم، بهذا الإسناد.
وانظر سابقيه.
(١)
إسناده ضعيف لضعف جُميع بن عمير التَّيمي. وقد قال الخطابي في «معالم السنن»: يشير
إسناده بذاك، ووافقه الحافظ المنذرى، عبد الواحد: هو ابن زياد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٤٠) من طريق عبد
الواحد بن زياد، بهذا الإسناد.
قوله: مُحفَّلة: الشاة أو البقرة أو
الناقة، لا يحلُبُها صاحبُها أياما حتى يجتمع لبنُها في ضرعها، فإذا احتلبَها
المُشتري حسِبَها غزيرة، فزاد في ثمنها، ثم يظهر له بعد ذلك نقصُ لبنِها عن أيام
تحفيلِها، سُميتْ محفَّلة، لأن اللبنَ حُفِّل في ضرْعها، أي: جمع. قاله في
«النهاية».
(٢)
إسناده صحيح. عمرو بن يحيى: هو ابن عمارة المازني، وخالد؟ هو ابن عبد الله الواسطي
الطحان.=
قال أبو داود: كان سعيد بن المسيِّب
يحتكر النَّوَى والخَبَطَ والبزر (١).
قال أبو داود: سمعت أحمد بن يونس
قال: سألت سفيان عن كَبْس القَتّ (٢)، فقال: كانوا يكرهون الحُكرة، وسألت أبا بكر
بنَ عياش، فقال: اكبسه.
٣٤٤٨
- حدَّثنا محمد بن يحيى بن فياض،
حدَّثنا أبي. وحدَّثنا ابن المثنى، حدَّثنا يحيى بن الفياض، حدَّثنا همام، عن
قتادة، قال: ليَ في التمر حُكرةٌ (٣).
قال ابن المثنى: قال (٤): عن الحسن،
فقلنا له: لا تقل عن الحسن.
= وأخرجه مسلم (١٦٠٥)، وابن ماجه
(٢١٥٤)، والترمذي (١٣١٣) من طرق عن سعيد بن المسيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٧٥٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٣٦).
والخاطئ: الآثم المذنب، يقال: خَطِئ
يَخطَاُ، فهو خاطئ: إذا أذنب، وأخطأ يُخطئ فهو مخطئ: إذا فعل ضد الصواب قال في
«شرح السنة» ٨/ ١٧٩: وكره مالك والثوري الاحتكار في جميع الأشياء، قال مالك: يمتنع
من احتكار الكتان والصوف والزيت وكل شيء أضر بالسوق.
وذهب قوم إلى أن الاحتكار في الطعام
خاصة، لأنه قوت الناس، وأما في غيره، فلا بأس به، وهو قول ابن المبارك وأحمد.
وانظر «المغني» ٦/ ٣١٥ - ٣١٧ لابن قدامة.
(١)
المثبت من (ب) و(ج): والبزر، وكذا هو في النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي. وجاء
في (أ): والبُرّ وصحح عليها، وأشار هناك إلى أنه في رواية ابن داسه: والزيت: كذا
أشار مع أن نسخة (هـ) التي عندنا بروايته وليس فيها مقالة أبي في داود هذه أصلًا،
وإنما ذكرت في الهامش دون ذكر الزيت، وأشار هناك إلى أنها من رواية ابن الأعرابي.
(٢)
القت: الفِصفصة، وهي الرطبة من علف الدواب.
(٣)
أثر مقطوع إسناده ضعيف، يحيى بن الفياض لين الحديث.
(٤)
الضمير في «قال» يعود إلى: يحيى بن فياض، والضمير في: «فقلنا» يعود إلى محمد بن
المثنى.
قال أبو داود: هذا الحديث عندنا باطل.
قال أبو داود: قلتُ لأحمد: ما
الحُكْرة؟ قال: ما فيه عيش الناسِ والبهائم.
قال الأوزاعي: المحتكر مَنْ يعترض
السوق.
٥٠
- باب كسر
الدراهم
٣٤٤٩
- حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد بن حنبل،
حدَّثنا معتمِرٌ، سمعتُ محمد بنَ فضاء يُحدث، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله
عن أبيه، قال: نهى رسولُ الله ﷺ أن
تُكْسَرَ سِكَّةُ المسلمين الجائزة بينهم إلا مِن بأس (١).
قال أبو داود: وكانت الدراهم إذ ذاك
إذا كُسِرت لم تَجُز (٢).
٥١
- باب في
التسعير
٣٤٥٠
- حدَّثنا محمدُ بنُ عثمان الدمشقيُّ،
أن سليمانَ بنَ بلال حدَّثهم، حدَّثني العلاءُ بن عبد الرحمن، عن أبيه
(١) إسناده ضعيف لضعف محمد بن فضاء، وجهالة
أبيه فضاء بن خالد الجهضمي. معتمر: هو ابن سليمان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٦٣) من طريق
معتمر بن سليمان، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٤٥٧).
قال الخطابي: أصل السكة: الحديدة
التي يطبع عليها الدراهم، والنهي إنما وقع عن كسر الدراهم المضروبة على السكة.
(٢)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (أ) وأشار هناك إلى أنها في رواية ابن العبد وليست
عند اللؤلؤي.
عن أبي هريرة: أن رجلًا جاء فقال: يا
رسول الله ﷺ، سَعِّرْ، فقال: «بل أدعو» ثم جاءه رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله،
سَعِّرْ، فقال: «بل الله يخفِضُ ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي
مَظْلِمَةٌ» (١).
(١) إسناده صحيح. عبد الرحمن: هو ابن يعقوب
مولى الحُرَقة، ومحمد بن عثمان الدمشقي: هو التَّنُوخي أبو الجُماهِر.
وأخرجه أحمد (٨٤٤٨)، وأبو يعلى
(٦٥٢١)، والطبراني في الأوسط، (٤٢٧)، والبيهقي ٦/ ٢٩ من طريق العلاء بن عبد
الرحمن، به.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار»
(٢٩٣٢٠): وقال الليث بن سعد، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد: لا بأس بالتسعير على
البائعين للطعام إذا خيف منهم أن يُفسدوا أسواق المسلمين، ويُغلوا أصعارهم، وحقٌ
على الوالي أن ينظر للمسلمن فيما يُصلحهم، ويعُمُّهم نفعه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في
«مجموع الفتاوى» ٢٨/ ٧٦ - ٧٧: من هنا يتبين أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه
ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلمَ الناس وإكراهَهم بغير حق على البيع بثمن لا
يرضونه، أو منعَهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل
إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ
زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب.
فأما الأول: فمثل ما روى أنس ...
[فذكر حديث أنس الآتي عند المصنف بعد هذا الحديث] فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على
الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق
فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حقٍّ.
وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب
السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب
عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن
يلتزموا بما ألزمهم الله به.
وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد
التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون، لا تباع تلك السلع إلا لهم،
ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع، إما =
٣٤٥١ - حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا عفانُ، حدَّثنا حمادُ بن سلمةَ، أخبرنا ثابتٌ، عن أنس بن مالك وقتادة
وحميد
عن أنس: قال الناس: يا رسول الله ﷺ
غَلا السعْرُ فَسَعِّرْ لنا، فقال رسولُ الله ﷺ: إن الله هُوَ المُسَعِّرُ،
القابِضُ الباسِطُ الرازق، وإني لأرجو أن ألقى اللهَ عز وجل وليس أحد منكم
يُطالبُني بمظلِمَةِ في دمٍ ولا مالٍ» (١).
= ظلمًا لوظيفة تؤخذ من البائع أو غير
ظلم، لما في ذلك من الفساد. فهاهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا ييعون إلا بقيمة
المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من
العلماء، لأنه إذا كان قد مُنع غيرُهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه: فلو سوّغ لهم
أن يبيعوا بما اختاروا أو اشتروا بما اختاروا كان ذلك ظلمًا للخلق من وجهين: ظلمًا
للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال، وظلمًا للمشترين منهم، والواجب إذا لم
يمكن دفع جميع الظلم أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع،
وحقيقته: إلزامهم أن لا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل.
وقال ابن العربي: الحق جواز التسعير،
وضبط الأمر على قانون ليس فيه مَظلَمَةٌ لأحدٍ من الطائفتين، وما قاله المصطفى ﷺ
حق، وما فعله حُكمٌ، لكن على قومٍ صحت نياتهم وديانتهم، أما قوم قصدوا أكل مال
الناس، والتضييق عليهم، فباب الله أوسع، وحكمه أمضى.
(١)
إسناده صحيح. حميد: هو ابن أبي حميد الطويل، وقتادة: هو ابن دعامة السَّدوسي،
وثابت: هو ابن أسلم الطويل، وعفان: هو ابن مسلم.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٠٠)، والترمذي
(١٣٦١) من طريق حماد بن سلمة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٢٥٩١).
والقابض: هو الذي يُمسك الرزق وغيره
من الأشياء عن العباد بلطفه وحكمته ويقبض الأرواح عند الممات.
والباسط: هو الذي يبسط الرزق لعباده
ويوسعه عليهم بجوده ورحمته، ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة. قاله ابن الأثير
في «النهاية».
٥٢ - باب في النهي عن الغِشّ
٣٤٥٢
- حدَّثنا أحمد بن محمد بن حنبلِ،
حدَّثنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن العلاء، عن أبيه
عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ مرَّ
برجل يبيعُ طعامًا، فسأله «كيف تبيعُ؟» فأخبره، فأُوحيَ إليه: أَدخِل يدَك فيه،
فأدخَلَ يدَه فيه، فإذا هو مبلُولٌ، فقال رسول الله ﷺ: «ليس منَّا مَن غَشَّ» (١).
٣٤٥٣
- حدَّثنا الحسنُ بنُ الصبَّاح، عن
علي، عن يحيى، قال: كان سفيانُ يكره هذا التفسيرَ ليس منا: ليس مثلَنا (٢).
(١) إسناده صحيح. العلاء: هو ابن عبد الرحمن
بن يعقوب الحُرَقي مولاهم.
وأخرجه مسلم (١٠٢)، وابن ماجه
(٢٢٢٤)، والترمذي (١٣٦٢) من طريق العلاه بن عبد الرحمن، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧٢٩٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٠٥).
وأخرج مسلم (١٠١) من طريق سهيل بن
أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا
فليس منا».
وهو في «مسند أحمد» (٩٣٩٦).
قال الخطابي: قوله: «ليس منا من غش»
معناه: ليس على سيرتنا ومذهبا، يريد أن من غش أخاه، وترك مناصحته، فإنه قد ترك
اتباعي والتمسك بسنتي.
وقد ذهب بعضهم إلى أنه أراد بذلك
نفيه عن دين الإسلام، وليس هذا التأويل بصحيح، وإنما وجهه ما ذكرت لك، وهذا كما
يقول الرجل لصاحبه: أنا منك وإليك، يريد بذلك المتابعة والموافقة، ويشهد بذلك قوله
تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم:٣٦]
(٢)
رجاله ثقات. سفيان: هو ابن عيينة، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، وعلي: هو ابن
المديني.
قال النووي عند شرح الحديث (٩٨):
وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا، ويقول: بئس هذا
القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزَّجْر، والله
أعلم.
٥٣ - باب خِيار المتبايعين
٣٤٥٤
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلَمةَ، عن
مالك، عن نافعِ
عن عبد الله بِن عمر، أن رسول الله ﷺ
قال: «المتبايعانِ كُلُّ واحدٍ منهما بالخِيارِ على صاحبه ما لم يتَفرَّقا، إلا
بيعَ الخِيار» (١).
(١) إسناده صحح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٧١.
وأخرجه البخاري (٢١٠٧)، ومسلم
(١٥٣١)، وابن ماجه (٢١٨١)، والترمذي (١٢٨٩)، والنسائي (٤٤٦٥ - ٤٤٦٨) و(٤٤٧١ -
٤٤٧٤) من طرق عن نافع، به.
وأخرجه بنحوه البخاري (٢١١٣)، ومسلم
(١٥٣١)، والنسائي (٤٤٧٥) و(٤٤٧٦) و(٤٤٧٨ - ٤٤٨٠) من طريق عبد الله بن دينار،
والنسائي (٤٤٧٧) من طريق عمرو بن دينار، كلاهما عن عبد الله بن عمر.
وهو في «مسند أحمد» (٣٩٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩١٥) و(٤٩١٦).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: اختلف الناس في التفرق
الذي يصح بوجوده البيع:
فقالت طائفة: هو التفرق بالأبدان،
وإليه ذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو برزة الأسلمي، رضي الله عنهم، وبه قال
شريح وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والزهري وهو قول الأوزاعي
والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور.
وقال النخعي وأصحاب الرأي: إذا
تعاقدا صح البيع، وإليه ذهب مالك.
قال الشيخ [يعني الخطابي]: وظاهر
الحديث يشهد لمن ذهب إلى أن التفرق هو تفرق البدن، وعلى هذا فسّره ابن عمر وهو
راوي الخبر، وكان إذا بايع رجلًا فأراد أن يستحق الصفقة مش خطوات حتى يفارقه،
وكذلك تأوله أبو برزة في شأن الفرس الذي باعه الرجل من صاحبه، وهما في المنزل، وقد
ذكر القصة في هذا الباب أبو داود [برقم (٣٤٥٧)]. =
٣٤٥٥ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
حمادٌ، عن أيوبَ، عن نافعٍ عن ابنِ عمر، عن النبي ﷺ، بمعناه، قال: «أو يقول أحدهما
لصاحبه: اخْتَرْ» (١).
٣٤٥٦
- حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد، حدَّثنا
الليثُ، عن ابنِ عجلانَ، عن عَمرو ابنِ شعيب، عن أبيه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن
رسولَ الله ﷺ قال: «المُتَبايعانِ بالخِيار ما لَمْ يَفترِقَا، إلا أن تكون صَفقةَ
خِيارٍ، ولا يحل له أن يفارِقَ صاحبَه خَشْيةَ أن يستقِيلَه» (٢).
= قال الشيخ [يعني الخطابي]: وعلى هذا
وجدنا أمر الناس في عرف اللغة وظاهر الكلام إذا قيل: تفرق الناس كان المفهوم منه
التمييز بالأبدان، وإنما يعقل ما عداه من التفرق في الرأي والكلام بقيد وصلة.
وحكى أبو عمر الزاهد: أن أبا موسى
النحوي سأل أبا العباس أحمد بن يحيى: هل بين يتفرقان ويفترقان فرق؟ قال: نعم.
أخبرنا ابن الأعرابي عن المفضل (هو ابن سلمة) قال: يفترقان بالكلام ويتفرقان
بالأبدان.
قلنا: قال الحافظ في «الفتح» ٤/ ٣٢٧:
الحق حمل كلام المفضل على الاستعمال في الحقيقة، وإنما استُعمل أحدُهما في موضع
الآخر اتساعًا.
(١)
إسناده صحيح كسابقه. أيوب: هو ابن أبي تميمة السَّختِياني، وحماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه البخاري (٢١٠٩)، ومسلم
(١٥٣١)، والنسائي (٤٤٦٩) و(٤٤٧٠) من طريق أيوب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٨٤).
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده حَسَنٌ. ابن عجلان: هو محمد، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه الترمذي (١٢٩١)، والنسائي
(٤٤٨٣) عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد.=
٣٤٥٧ - حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا حمادٌ، عن
جَميل بن مُرَّةَ
عن أبي الوضيء، قال: غزونا غَزْوَةً
لنا، فنزلْنا منزلًا، فباع صاحبٌ لنا فرسًا بغلامٍ، ثم أقاما بقيةَ يومِهما
وليلتِهما، فلما أصبحا مِن الغد حضر الرحيلُ، قام إلى فرسه يُسرِجُه فندِمَ، فأتى
الرجلَ وأخذه بالبيع، فأبى الرجلُ أن يدفعَه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزةَ
صاحبُ النبي ﷺ، فأتيا أبا برزة في ناحية العَسْكَر، فقالا له هذه القصة، فقال:
أترضَيان أن أقضيَ بينكما بقضاءِ رسولِ الله ﷺ؟ قال رسول الله ﷺ: «البيِّعَانِ
بالخِيار ما لم يتفرّقا». قال هشام بن حسان: حدَّث جَميلٌ أنه قال: ما أراكُما
افترقْتُما (١).
٣٤٥٨
- حدَّثنا محمد بن حاتِمٍ
الجرْجَرَائيُّ، قال: مروانُ الفزاريُّ أخبرنا، عن يحيى بنِ أيوبَ، قال: كان أبو
زُرْعَةَ إذا بايع رجلًا خيَّرَهُ، قال: ثم يقول: خَيِّرْني، ويقول:
= قال الخطابي: هذا قد يحتج به من يرى
أن التفرق إنما هو بالكلام، قال: وذلك أنه لو كان له الخيار في فسخ البيع لما
احتاج إلى أن يستقيله.
قال الشيخ [أي الخطابي]: هذا الكلام
وإن خرج بلفظ الاستقالة فمعناه الفسخ، وذلك أنه قد علقه بمفارقته، والاستقالةُ قبل
المفارقة وبعدها سواء، لا تأثير لعدم التفرق بالأبدان فيها، والمعنى أنه لا يحل أن
يفارقه خشية أن يختار فسخ البيع فيكون ذلك بمنزلة الاستقالة، والدليلُ على ذلك ما
تقدم من الأخبار.
(١)
إسناده صحيح. أبو الوضيء: هو عبّاد بن نُسيَب، وحماد: هو ابن زيد، ومسدَّد: هو ابن
مُسَرْهَدٍ.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٨٢) من طريق حماد
بن زيد، بهذا الإسناد. واقتصر على المرفوع من الحديث.
وهو في «مسند أحمد» (١٩٨١٣).
سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله
ﷺ: «لا يفترِقَنَّ اثنان إلا عَنْ تراضٍ» (١).
٣٤٥٩
- حدَّثنا أبو الوليد الطيالسيُّ،
حدَّثنا شعبةُ، عن قتادةَ، عن أبي الخَليلِ، عن عبدِ الله بن الحارثِ
عن حكيم بن حزامِ، أن رسول الله ﷺ
قال: «البَيِّعان بالخِيار ما لم يفْتَرِقا، فإن صَدَقا وبيَّنا، بورِكَ لهما في
بيعهما، وإن كَتَما وكذَبا مُحقَتِ البركةُ من بَيعهما» (٢).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد قوي من أجل يحيى
بن أيوب -وهو حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير- فهو صدوق لا بأس به.
وأخرجه الترمذي (١٢٩٢) من طريق يحيى
بن أيوب، به.
وأخرجه بنحوه موقوفًا عبد الرزاق
(١٤٢٦٧)، وابن أبي شيبة ٧/ ٨٣ من طريق سفيان الثوري، عن أبي غياث -وهو طلْق بن
معاوية-[وتحرف في المطبوع من الكتابين إلى: أبي عتّاب] لم عن أبي زرعة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٠٩٢٢).
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند
ابن ماجه (٢١٨٥). وإسناده حسن.
وعن سمرة بن جندب عند أحمد (٢٠٢٥٢).
وعن أنس بن مالك عند البيهقي ٥/ ٢٧١
وإسناده ضعيف.
ويشهد له قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٢٩]
قال القاري: والمراد بالحديث -والله
أعلم- أنهما لا يتفارقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بعطاء الثمن وقبض المبيع،
وإلا فقد يحصل الضرر والضرار وهو منهي في الشرع، أو المراد منه أن يشاور مريد
الفراق صاحبه: ألك رغبة في المبيع فإن أراد الإقالة أقاله، وهذا نهي تنزيه للأجماع
على حل المفارقة من غير إذن الآخر ولا علمه.
(٢)
إسناده صحيح. أبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم، وقتادة: هو ابن دعامة السدوسي،
وشعبة: هو ابن الحجاج، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك.
=
قال أبو داود: وكذلك رواه سعيدُ بن
أبي عَروبةَ وحمادٌ، وأما همامٌ فقال: «حتى يتفرَّقا أو يختارا» ثلاث مِرار.
٥٤
- باب في
فضل الإقالة
٣٤٦٠ حدَّثنا
يحيى بُن مَعينِ، حدَّثنا حفْصٌ، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: من أقال مسلمًا أقاله اللهُ عَثْرتَهُ«(١).
٥٥
- باب فيمن
باع بَيعتَين في بَيعةٍ
٣٤٦١
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، عن
يحيى بن زكريا، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
= وأخرجه البخاري (٢٠٧٩)، ومسلم
(١٥٣٢)، والترمذي (١٢٩٠)، والنسائي (٤٤٥٧) و(٤٤٦٤) من طريق قتادة بن دعامة، بهذا
الإسناد.
وأخرجه مسلم (١٥٣٢) من طريق أبي
التياح يزيد بن حميد، عن عبد الله بن الحارث، به.
وهو في»مسند أحمد«(١٥٣١٤)، و»صحيح
ابن حبان«، (٤٩٠٤).
(١)
إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، والأعمش: هو سُليمان بن مهران، وحفص: هو
ابن غياث.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٩٩) من طريق
الأعمش، به.
وهو في»مسند أحمد«(٧٤٣١)، و»صحيح ابن
حبان«(٥٠٢٩) و(٥٠٣٠).
قال ابن الأثير في»النهاية«:»أقال
نادمًا«أي: وافقه على نقض البيع وأجابه إليه، يقال: أقاله يُقيله إقالة، وتقايلا،
إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه، والثمن إلى المشتري إذا كان قد ندم أحدهما
أو كلاهما، وتكون الإقالة في البيعة والعهد.
وقال العز بن عبد السلام
في»الشجرة": إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن، لما له من الغرض
فيما ندم عليه سيما في بيع العقار وتمليك الجوار.
عن أبي هريرة، قال: قال النبي ﷺ: من
باع بَيْعَتْين في بَيْعةٍ فله أوكَسُهُما أو الربا» (١).
(١) حديث ضعيف شاذ بهذا اللفظ، والمحفوظ عنه
ﷺ أنه نهى عن بيعتين في بيعة.
وهو في «مصنف ابن أبي شيبة، ٦/ ١٢٠،
ومن طريقه أخرجه ابن حبان (٤٩٧٤)، والحاكم ٢/ ٤٥، والبيهقي ٣/ ٣٤٣.
ويحيى بن زكريا -وهو ابن أبي زائدة-
وإن كان ثقة - قد خالفه جمع من الحفاظ الأثبات، وهم عبدة بن سليمان عند الترمذي
(١٢٧٥)، وابن حبان (٤٩٧٣)، ويحيى ابن سعيد القطان عند أحمد (٩٥٨٤)، والنسائي
(٤٦٣٢)، وابن الجارود (٦٠٠)، والبيهقي ٥/ ٣٤٣، ويزيد بن هارون عند أحمد (١٠٥٣٥)،
والبغوي (٢١١١)، وعبد الوهاب بن عطاء عند أبي يعلى (٦١٢٤)، والبيهقي ٥/ ٣٤٣، رووه
عن محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، بلفظ. نهى عن بيعتين في
بيعة.
قال البيهقي: وكذلك رواه إسماعيل بن
جعفر وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ومعاذ ابن معاذ، عن محمد بن عمرو.
قلنا: وكذلك رواه من الصحابة عبد
الله بن عمرو بن العاص عند أحمد (٦٦٢٨)، والبيهقي ٥/ ٣٤٣ و٣٤٨، بلفظ: نهى عن
بيعتين في بيعة، وإسناده حسن.
وكذا رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود، عن أبيه موقوفًا عليه عند أحمد
(٣٧٢٥)،
وعبد الرزاق (١٤٦٣٦)، والبزار في مسنده، (٢٠١٦)، وابن خزيمة (١٧٦)، وابن حبان
(١٠٥٣)، والطبراني في»الكبير" (٩٦٠٩) وإسناده حسن، وهو وإن كان موقوفًا له
حكم الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي.
ورواه كذلك يونس بن عبيد، عن نافع،
عن ابن عمر مرفوعًا عند أحمد (٥٣٩٥)، والبزار (١٢٧ - كشف الأستار)، وابن الجارود
(٥٩٩)، والبيهقي ٦/ ٧٠، والخطيب البغدادي ١٢/ ٤٨ ورجاله ثقات، لكن أعله بعض أهل
العلم بالانقطاع بين يونس بن عبيد وبين نافع! مع أن يونس قد عاصر نافعا بل قاربه
في الطبقة، ولا يُعرف بتدليس. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= فهؤلاء جميعًا رووه كرواية جماعة
الحفاظ عن محمد بن عمرو بن سلمة، وليس في شيء من رواياتهم ذكر الأوكس من البيعتين
أو الربا مرفوعًا، وإنما صحت بهذا اللفظ عن شُريح القاضي. فقد رواه عبد الرزاق
(١٤٦٢٩) عن معمر والثوري، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن شُريح قال: بن باع بيعتين في
بيعة فله أوكسهما أو الربا.
وقد قال الخطابي في «معالم السنن»:
لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين إلا
شيء يُحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذا العقد من الغرر
والجهالة، وإنما المشهور من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي
ﷺ نهى عن بيعتين في بيعة.
وقال الحافظ المنذري في «مختصر
السنن» ٥/ ٩٨: في إسناده محمد بن عمرو ابن علقمة، وقد تكلم فيه غير واحد، والمشهور
عن محمد بن عمرو من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه ﷺ نهى عن
بيعتين في بيعة.
وقال صاحب «عون المعبود» تعليقًا على
قول الحافظ المنذري: قلت: وكذا رواه إسماعيل بن جعفر ومعاذ بن معاذ وعبد الوهاب بن
عطاء عن محمد بن عمرو المذكور، ذكره البيهقي في «السنن» وعبدة بن سليمان في
الترمذي ويحيى بن سعيد في «المجتبى»، وبهذا يُعرف أن رواية يحيى بن زكريا فيها
شذوذ كما لا يخفى.
وقال المباركفوري بعدما ذكر هذه
الرواية بهذا اللفظ: روي هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم، ليس في واحد
منها هذا اللفظ، فالظاهر أن هذه الرواية«بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج.
تنبيه: وقد فاتنا أن ننبه إلى شذوذ
هذه المتن في تعليقنا على»صحيح ابن حبان«(٤٩٧٤) فليستدرك من هنا.
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية
في»فتاواه" ٢٩/ ٤٩٩ - ٥٠٠ الإجماع على جواز بيع الاجل وهو التقسيط، فقد سئل
عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش، فقال: أعطنى هذه القطعة، فقال التاجر: مشتراها
بثلاثين، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل، فهل يجوز ذلك؟ أم لا؟ فأجاب: المشتري على
ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل والشرب واللبس
والركوب، وغير ذلك. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= والثاني: أن يكون مقصوده التجارة
فيها، فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع، كما قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة:٢٧٥]، وقال تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٢٩]، لكن لا بد من مراعاة الشروط الشرعية، فإذا
كان المشتري مضطرًا لم يجز أن يباع إلا بقيمة المثل، مثل أن يضطر الإنسان إلى
مشترى طعام لا يجده إلا عند شخص، فعليه أن يبيعه إياه بالقيمة، قيمة المثل، وإن لم
يبعه إلا بأكثر فللمشتري أن يأخذه بغير اختياره بقيمة المثل، وإذا أعطاه إياه لم
يجب عليه إلا قيمة المثل، وإذا باعه إياه بالقيمة إلى ذلك الأجل، فإن الأجل يأخذ
قسطًا من الثمن.
النوع الثالث: أن يكون المشتري إنما
يريد به دراهم مثلًا ليوفي به دينًا، واشترى بها شيئًا، فيتفقان على أن يعطيه
مثلًا المئة بمئة وعشرين إلى أجل، فهذا كله منهي عنه. فإن اتفقا على أن يعيد
السلعة إليه، فهو بيعتين في بيعة، وإن أدخلا ثالثًا يشتري منه السلعة، ثم تعاد
إليه، فكذلك، وإن باعه وأقرضه فكذلك، وقد نهى عنه النبي ﷺ.
وإن كان المشتري يأخذ السلعة فيبيعها
في موضع آخر: يشتريها بمئة، ويبعها بسبعين لأجل الحاجة إلى دراهم، فهذه تسمى:
«مسألة التورق» وفيها نزاع بين العلماء والأقوى أيضًا أنه منهي عنها، وأنها أصل
الربا، كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز وغيره، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار»
٢٠/ ١٧٨ (٢٩٧٠٩) ولا يجوز عند مالك والشافعي وأبي حنيفة إن افترقا على ذلك
بالالتزام حتى يفترقا على وجه واحد. قال: وهو قول الثوري.
قلنا: وهذا يعني أنهم أجازوا بيع
الأجل أعني بيع التقسيط.
قال الخطابي: وتفسير ما نهي عنه من
بيعتين في بيعة على وجهين:
إحداهما: أن يقول: بعتك هذا الثوب
نقدًا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر، فهذا لا يجوز، لانه لا يُدري أيهما الثمن الذي
يختاره منهُما، فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع. =
٥٦ - باب في النهي عن العِينة
٣٤٦٢
- حدَّثنا سليمانُ بن داودَ
المَهْريُّ، أخبرنا ابنُ وهبِ، أخبرني حَيوةُ ابن شُريحِ. وحدَّثنا جعفرُ بن
مُسافِرِ التِّنِّيسيُّ، حدَّثنا عبدُ الله بنُ يحيى البُرُلُّسِيُّ، أخبرنا حَيوة
بنُ شُريح، عن إسحاق أبي عبد الرحمن -قال سليمان بن داود أبو الربيع-: عن أبي عبدِ
الرحمنِ الخُراسانيِّ، أن عطاءً الخراسانيَّ حدَّثه، أن نافعًا حدَّثه
عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ
يقول: «إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع،
وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم»
(١).
= والوجه الآخر: أن يقول: بعتك هذا
العبد بعشرين دينارًا على أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير، فهذا أيضًا فاسد، لأنه
جعل ثمن العبد عشرين دينارًا، وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير، وذلك لا
يلزمه، وإذا لم يلزمه سقط بعض الثمن، وإذا سقط بعض الثمن صار الباقي مجهولًا.
وهذه النقول المتضافرة تفيد مشروعية
بيع الأجل أو التقسيط بالإجماع، ولا نعلم أحدًا قال بتحريمه قبل الشيخ ناصر الدين
الألباني في «صحيحته» (٢٣٢٦) وبعض من يقلده، وقد ردَّ عليه ردًّا مفصلًا محكمًا
الأستاذ الفاضل أبو الزبير دحان أبو سلمان في رسالة قيمة تنبئ عن رسوخ قدمه في
الحديث والفقه زادت صفحاتها على المئة سماها: «الوهم والتخليط عند الشيخ الألباني
في البيع بالتقسيط»، فانظرها لزامًا واقرأها بإمعان، فإنه سيتبين لك أن الشيخ رحمه
الله ينفرد في بعض فتاويه ويخرق بها إجماع العلماء، وهذا شأن من يتكلم في غير فنه.
(١)
إسحاق أبو عبد الرحمن -وهو إسحاق بن أَسيد الأنصاري- قال عنه الذهبي في «الميزان»:
جائز الحديث، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: يخطئ، وقال أبو حاتم: شيخ ليس
بالمشهور، لا يُشتغل به، وقال أبو أحمد الحاكم: مجهول. وقد روى من طريق آخر عن
عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر كما سيأتي. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الدولابي في «الكنى» ٢/ ٦٥،
والطبراني في «مسند الشاميين» (٢٤١٧)، وابن عدي في «الكامل» ٥/ ١٩٩٨، وأبو نعيم في
«الحلية»، ٥/ ٢٠٨ - ٢٠٩، والبيهقي
٥/
٣١٦ من طريق
حيوة بن شُريح، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٤٨٢٥)، وأبو أمية
الطرسوسي في «مسند ابن عمر» (٢٢)، والطبراني في «الكبير» (١٣٥٨٣)، والبيهقي في
«الشعب» (٤٢٢٤) من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، وأبو يعلى (٥٦٥٩)، والطبراني
(١٣٥٨٥)، والبيهقي في الشعب«(١٠٨٧١)، وأبو نعيم في»الحلية"، ١/ ٣١٣ - ٣١٤ و٣/
٣١٨ - ٣١٩ من طريق ليث بن أبي سُليم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، كلاهما (الأعمش
وعبد الملك) عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر. ولم يذكر أبو نعيم في روايته عبد
الملك بن أبي سليمان. وقال بإثر الحديث: هذا حديث غريب من حديث عطاء، عن ابن عمر.
قلنا: أبو بكر بن عياش كبر فساء
حفظه، وإنما انتقى البخاري من حديثه، وقد ضعفه محمد بن عبد الله بن نمير في الأعمش
وغيره وضعفه عثمان بن سعيد الدارمي مطلقًا، ولم يخرج له البخاري من روايته عن
الأعمش شيئًا. وليث بن أبي سليم سيئ الحفظ، ثم إن علي ابن المديني قال عن عطاء بن
أبي رباح: رأى عبد الله بن عمر، ولم يسمع منه. ولهذا قال ابن القيم في تهذيب
السنن،: إنما يُخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء، أو أن عطاء لم يسمعه من ابن
عمر. قلنا: وعلى أي حال فطريق عطاء هذه تصلح للاعتبار، فيكون الحديث حسنًا إن شاء
الله.
وأخرجه أحمد (٥٠٠٧) من طريق أبي جناب
الكلبي، عن شهر بن حوشب، عن ابن عمر. وأبو جناب الكلبي وشهر ضعيفان.
قال ابن الأثير: العينة: هو أن يبيع
من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها
به، فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب
العينة بثمن أكثر مما اشتراها إلى أجل مسبى ثم باعها المشتري من البائع الأول
بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضًا عينة، وهي أهون من الأولى.=
قال أبو داود: الإخبارُ لجعفرٍ، وهذا
لفظُه.
٥٧
- باب في
السلف
٣٤٦٣
- حدَّثنا عبد الله بن محمد
النُّفَيْليُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن عَبد الله بن كَثير، عن أبي
المِنهال
عن ابن عباس، قال: قَدِمَ رسولُ الله
ﷺ المدينةَ وهم يُسْلِفُون في الثمَر (١) السنةَ والسنتَين والثلاث (٢)، فقال
رسولُ الله ﷺ: «من
= قال: وسميت عينةً لحصول النقد لصاحب
العينة، لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين
حاضرة تصل إليه معجلة.
وقال المناوي في»فيض القدير«١/ ٣١٣:
هذا دليل قوي لمن حرَّم العينة، ولذلك اختاره بعض الشافعية، وقال: أوصانا الشافعي
باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه.
وانظر كلام ابن قيم الجوزية في»تهذيب
السنن«٥/ ١٠٠ - ١٠٩ فإنه شافٍ وافٍ.
وقوله: وأخذتم أذناب البقر ورضيتم
بالزرع. قال صاحب»عون المعبود«: حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه
الجهاد.
(١)
المثبت من (أ) ونسخة على هامش (ب)، ومن نسخة الخطابي التي شرح عليها، [وقد تحرّف
في مطبوعة الطبَّاخ ومطبوعة أحمد شاكر والفقي كلمة الثمر إلى التمر مع أن شرح
الخطابي يدل على أن الذي عنده هو الثمر، لأن التمر اسم لليابس فقط بإجماع أهل
اللغة]. وهذا الموافق لروايات البخاري كما في»شرح القسطلاني«٤/ ١١٦ و١١٧ و١٢١.
(٢)
المثبت من (ب) و(ج)، وعليه يدل شرح الخطابي. وجاء في (أ): السنتين
والثلاث، وفي (هـ) السنتين والثلاثة.
يعني دون ذكر السنة. وقد جاء ذكر السنة. في»صحيح مسلم«و»مسند الشافعي" ٢/ ١٦١
وغيرهما.
أسلفَ في تَمرٍ (١) فليُسْلفِ في
كَيْلٍ معلوم، ووَزْنٍ معلومٌ إلى أجلٍ معلوم» (٢).
٣٤٦٤
- حدَّثنا حفصُ بنُ عمر، حدَّثنا شعبة.
وحدَّثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة، أخبرني محمد أو عبدُ الله بن (٣) مُجَالدِ،
قال:
(١) في نسخة على هامش (ب): «في ثَمَر».
بالمثلثة، وهذا موافق ما جاء في رواية البخاري (٢٢٥٣) عن أبي نعيم الفضل بن دكين
عن ابن عيينة ورواية أحمد (٣٣٧٠) عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري، عن ابن
أبي نجيح بلفظ «أسلفوا في الثمار ...» قال القسطلاني في «شرح البخاري» ٤/ ١١٦ عند
شرح الحديث (٢٢٣٩) عند قوله: «من سلف في تمر» بالمثناة وسكون الميم، وفي رواية ابن
عيينة: من «أسلف في شيء»، وهو أشمل، وقال البرماوي والعيني كالكرماني، وفي بعضها
(أي نسخ البخاري أو رواياته): «ثمر» بالمثلثة، والظاهر أنهم تبعوا في ذلك قول النووي
في «شرح مسلم»، وفي بعضها بالمثلثة، وهو أعم، لكن الكلام في رواية البخاري هل فيها
بالمثلثة، والله أعلم.
(٢)
إسناده صحيح. أبو المنهال: هو عبد الرحمن بن مطعم البُناني المكي، وابن أبي نجيح:
هو عبد الله بن أبي نجيح، وسفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢٢٣٩) و(٢٢٤٠)،
ومسلم (١٦٠٤)، وابن ماجه (٢٢٨٠)، والترمذي (١٣٥٨)، والنسائي (٤٦١٦) من طريق عبد
الله بن أبي نجيح، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٦٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٢٥).
والسلف: هو عقد على موصوف في الذمة
مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. والسلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز.
(٣)
كذا وقع في أصولنا الخطية، وفي النسخ المطبوعة، وكذلك جاء في «تحفة الأشراف»
للحافظ المزي (٥١٧١)، ومن ذلك يتبيّن أن رواية أبي داود كذلك، دون شكَّ، وهذا ما
عناه أبو داود بقوله بإثر الحديث التالي: الصواب ابن أبي مجالد، وشعبة أخطأ فيه.
قلنا: يعني أخطأ في إسقاط كلمة «أبي» من اسمه في رواية عمر بن حفص ومحمد بن كثير.
على أن البخاري قد أخرج هذا الحديث
في «صحيحه» (٢٢٤٣) عن حفص بن عمر الحوضي شيخ أبي داود في هذا الحديث، فقال فيه: عن
محمد أو عبد الله بن أبي =
اختلف عبدُ الله بنُ شداد وأبو بُردة
في السَّلَفِ، فبعثوني إلى ابن أبي أوفى، فسألتُه، فقال: إنْ كنا نُسْلِفُ على
عهدِ رسول الله ﷺ وأبي بكرٍ وعمر، في الحنطة والشعير والتمر والزبيب -زاد ابن
كثير: إلى قوم ما هو عندهم، ثماتفقا- وسألت ابن أبْزَى فقال مثلَ ذلك (١).
= مجالد. وقد أخرجه البيهقي في «سننه
الكبرى» ٦/ ٢٠ من طريق أبي بكر ابن داسه، عن أبي داود، به. لكنه قال: ابن أبي
مجالد، ثم أشار إلى أن البخاري أخرجه عن حفص بن عمر. ولو كان هناك خطأ في تسمية
هذا الرجل عند أبي داود لذكره ونبه عليه، فالله تعالى أعلم.
(١)
إسناده صحيح. وقد اختلف فيه قولُ شعبة في تسمية ابن أبي مجالد كما يظهر في هذا
الطريق والطريقين التاليين، والصحيح في اسمه محمد، كما نصَّ عليه البخاري في
«تاريخه الكبير» ١/ ٢٣١ حيث نقل المُعلِّمي في تحقيقه عن نسخة القسطنطينية أن
البخاري قال فيه بعد أن ذكر الخلاف في اسمه: والصحيح محمد، وهي الرواية التي
اعتمدها الحافظ مغلطاي في «كمال تهذيب الكمال» ٨/ ١٦٤ حيث نقل نص البخاري هذا،
ونقل عن مسلم بن الحجاج قوله في «الطبقات»: محمد بن أبي المجالد، وقال شعبة: عبد
الله بن أبي المجالد، أخطأ فيه. قلنا: وقال يحيى بن معين في رواية الدوري (٤٠٢٣):
شعبة يقول: عبد الله بن أبي المجالد، وغير شعبة، هشيم يقول عن أشعث والشيباني: عن
محمد بن أبي المجالد. ففي قول ابن معين هذا إشارة إلى ترجيح محمد بن أبي المجالد،
والله أعلم.
وذكر مُغلْطاي أيضًا وتبعَه الحافظ
ابن حجر في «تهذيب التهذيب» ٢/ ٤١٨ بأن أبا إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان
قد روى هذا الحديث عن ابن أبي مجالد أيضًا وسماه محمدًا دون اختلاف عنه في تسميته.
قلنا: روايته في «صحيح البخاري» بالأرقام (٢٢٤٤) و(٢٢٥٤، ٢٢٥٥).
وكذلك سماه إسماعيل بن عبد الرحمن
السُّدِّي عند الطبري في «تفسيره» ٢/ ١٤٦ وابن أبي حاتم في «تفسيره» عند تفسير
قوله تعالى: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وكذلك الجرّاح بن مَليح الرؤاسي عند
الطبراني في «الكبير» (١٣٤٧٨)، وفي «الأوسط» (٤٢٩٧)، وأبي نعيم في «الحلية» ٩/ ٢٢٣
- ٢٢٤. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= ولهذا اقتصر عليه أبو نصر الكلاباذي
في «رجال صحيح البخاري» (١١٢٤)، وكذا أبو الوليد الباجي في «التعديل والتجريح لمن
خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح» (١٤١)، وكذلك ابن الأثير الجزري في «جامع
الأصول» في قسم التراجم ٢/ ٨٩٠.
وقد فرق ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» بين محمد بن أبي المجالد وعبد الله بن أبي المجالد، وأن الذي روى عنه
شعبة والشَّيباني، وروى عنه ابن أبي أوفى وابن أبزى وعبد الله بن شداد إنما هو
محمد بن أبي المجالد، وأنه هو الذي سُمِّي ليحيى بن معين وأبي زرعة فوثّقاه.
قلنا: وهو الذي سُمِّي للدارقطني
فوثقه كذلك. لكن تفريق ابن أبي حانم غير صحيح لأنهما واحدٌ كما بيّنه الخطيب
البغدادي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ٢/ ٢٠٠ - ٢٠٣، وإنما من سماه عبد الله
فقد أخطأ، والله تعالى أعلم.
وفي هذا كله ردٌّ على ما قاله أبو
داود فيما نقله عنه الآجري في «سؤالاته» (٣٦٩): شعبة يحدِّث عن محمد بن أبي
المجالد، والصواب عبد الله بن أبي المجالد، شعبة يخطئ فيه.
وأخرجه البخاري (٢٢٤٣) عن حفص بن عمر
الحوضي، بهذا الإسناد. على الشك في اسم ابن أبي المجالد.
وأخرجه أيضًا (٢٢٤٢) من طريق وكيع بن
الجراح، عن شعبة، عن محمد بن أبي المجالد، به فسماه محمدًا دون شك.
وأخرجه كذلك (٢٢٤٢) عن أبي الوليد
-وهو الطيالسي-، عن شعبة، عن ابن أبي المجالد، به فلم يعينه، وهذا لا يعارض رواية
من سماه محمدًا.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٤٦١٥)
من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن ابن أبي المجالد، وقال مرة: عبد الله،
وقال مرة: محمد. كذا جاء عند النسائي، مع أن الذي في «مسند الطيالسي» (٨١٥) عن
شعبة، عن محمد بن أبي المجالد. دون شك، ومن طريق الطيالسي أخرجه أبو نعيم في
«الحلية» ٧/ ١٦٢ والبيهقي في السنن الصغير«(٢٠٠٢) فقالا: محمد بن أبي المجالد
أيضًا.
وممن رواه عن شعبة أيضًا فسماه
محمدًا: عبد الرحمن بن مهدي عند أبي نعيم في»الحلية" ٧/ ١٦٣.
وانظر ما بعده.
٣٤٦٥ - حدَّثنا محمد بن بشار، حدَّثنا يحيى
وابنُ مهديّ، قالا: حدَّثنا شعبةُ، عن عبد الله بن أبي مُجالِد، وقال عبد الرحمن
بن مهدي: عن ابن أبي المجالد، بهذا الحديث، قال: عندَ قوم ما هو عندهم (١).
قال أبو داود: الصوابُ ابنُ أبي
المجالد، وشعبة أخطأ فيه (٢).
٣٤٦٦
- حدَّثنا محمد بنُ المصفَّى، حدَّثنا
أبو المغيرة، حدَّثنا عبدُ الملك ابن أبي غَنِيَّةَ، حدَّثني أبو إسحاق
عن عبدِ الله بن أبي أوفى الأسلمي،
قال: غزونا مع رسول الله ﷺ الشامَ، فكان يأتينا أنباطٌ من أنباط الشام فنُسْلِفُهم
في البُرّ والزَّيت سِعْرًا معلومًا، وأجلًا معلومًا، فقيل له: مِمن له ذلك؟ قال:
ما كنا نسألُهم (٣).
(١) إسناده صحيح كسابقه. يحيى: هو ابن سعيد
القطان، وابن مَهدي: هو عبد الرحمن وأخرجه ابن ماجه (٢٢٨٢) عن محمد بن بشار، بهذا
الإسناد.
وأخرجه النسائي (٤٦١٤) عن عبيد الله
بن سعيد، عن يحيى القطان وحده، به. وانظر ما قبله.
(٢)
انظر بيان مقصود أبي داود عند التعليق (٣) على الحديث (٣٤٦٤) في الصفحة (٣٣٥).
(٣)
إسناده قوي من أجل محمد بن المصفّى. أبو إسحاق: هو سُليمان بن أبي سليمان
الشيباني، وأبو المغيرة: هو عبد القدوس بن الحجاج الخَولاني.
وأخرجه البخاري (٢٢٥٤) و(٢٢٥٥) من
طريق عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق سليمان الشيباني، عن
محمد بن أبي مجالد، قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن
أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف، فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول
الله ﷺ، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى
أجل مسمى، قال: قلت: أكان لهم زرع، أو لم يكن لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن
ذلك؟ وانظر ما قبله. =
٥٨ - باب في السَّلَم في ثمرة بعينها
٣٤٦٧
- حدَّثنا محمدُ بنُ كثير، أخبرنا
سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل نَجْرانيّ
عن ابن عمر: أن رجلًا أسلف رجلًا في
نخل، فلم تُخرج تلك السنةَ شيئًا، فاختصما إلى النبي ﷺ، فقال: بِمَ تستحلُّ ماله؟
ارْدُدْ عليه ماله» ثم قال: «لا تسلفوا في النخل حتى يَبْدُوَ صلاحه» (١).
٥٩
- باب من
أسلفَ في شيء ثم حوّله إلى غيره (٢)
٣٤٦٨
- حدَّثنا محمدُ بن عيسى، حدَّثنا أبو
بدر، عن زياد بنِ خَيثَمةَ، عن سعد -يعني الطائيَّ- عن عطيةَ بنِ سعد
عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول
الله ﷺ: «من أسلفَ في شيءِ فلا يصرِفْه إلى غيره» (٣).
= الأنباط: جمع نبيط، وهم قوم معروفون
كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين قاله الجوهري. وأصلهم قوم من العرب دخلوا في
العجم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، ويقال لهم: النبي ﷺ، سموا بذلك لمعرفتهم
بإنباط الماء، أي: استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة.
(١)
إسناده ضعيف لإبهام الرجل النجراني. أبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي،
وسفيان: هو الثوري، ومحمد بن كثير: هو العبْدي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٨٤) من طريق أبي
الأحوص، عن أبي إسحاق، به.
وقد صح عن ابن عمر النهي عن بيع
الثمار قبل بدوِّ صلاحها فيما سلف عند المصنف برقم (٣٣٦٧) و(٣٣٦٨).
(٢)
هذا العنوان أثبتناه من (هـ)، وأشار في (أ) إلى أنه كذلك في رواية ابن العبد.
(٣)
إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعْد -وهو العوفي- وقد ضعف هذا الحديث أبو حاتم والبيهقي
وعبد الحق الإشبيلي وابن القطان كلما بينه ابنُ الملقن في «البدر المنير» ٦/ ٥٦٣ -
٥٦٤. أبو بدر: هو شجاع بن الوليد. =
٦٠ - باب في وضع الجائحة
٣٤٦٩
- حدَّثنا قتيبةُ بنُ سعيد، حدَّثنا
الليثُ، عن بُكَيْرٍ، عن عياض بن عبد الله
عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: أصيب
رجلٌ في عهدِ رسول الله ﷺ في ثمارِ ابتاعَها، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فقال رسول الله
ﷺ: «تصدَّقُوا عليه» فتصدَّق الناسُ عليه، فلم يبلغْ ذلك وَفَاءَ دينه، فقال رسول
الله ﷺ: «خُذُوا ما وجدتُم، وليس لكم إلا ذلك» (١).
٣٤٧٠
- حدَّثنا سليمانُ بنُ داود
المَهْرِيُّ وأحمدُ بن سعيد الهَمْدَاني، قالا: أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني ابنُ
جريج. وحدَّثنا محمدُ بن مَعْمَرٍ، حدَّثنا أبو عاصم، عن ابنِ جُريج -المعنى- أن
أبا الزُّبير المكي أخبره
= وأخرجه ابنُ ماجه (٢٢٨٣)، والترمذي
في «العلل الكبير» ١/ ٥٢٤، والدارقطني (٢٩٧٧)، والبيهقي ٦/ ٣٠ من طريق أبي بدر
شجاع بن الوليد، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: لا أعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من
هذا الوجه، وهو حديث حسن.
وحسنه كذلك السيوطي في «الجامع
الصغير»، وقال البيهقي: الاعتماد على حديث النهي عن بيع الطعام قبل أن يُستوفَى،
فإن عطية العوفي لا يحتج به.
وفي الباب عن عبد الله بن عمر من
قوله وفتواه عند ابن أبي شيبة ٦/ ١٥، والبيهقي ٦/ ٣٠ - ٣١. قال الحافظ في
«الدراية» ٢/ ١٦٠ عن إسناد ابن أبي شيبة: جيد. وقوله: فلا يصرفه، أي: بالبيع
والهبة قبل أن يقبضه.
(١)
إسناده صحيح. عياض بن عبد الله: هو ابن سعْد بن أبي سّرْح، وبكير: هو ابن عبد الله
بن الأشج، والليث: هو ابن سعد.
وأخرجه مسلم (١٥٥٦)، وابن ماجه
(٢٣٥٦)، والترمذي (٦٦١)، والنسائي (٤٥٣٠) و(٤٦٧٨) من طريق بكير بن عبد الله بن
الأشج، به.
وهو في «مسند أحمد» (١١٣١٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٣٣).
ولفقه الحديث انظر ما سلف برقم
(٣٣٧٤).
عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ
قال: «إن بعتَ مِن أخيك تمرًا، فأصابتها جائحةٌ، فلا يَحِلُّ لك أن تأخذَ منه
شيئًا، بِمَ تأخذُ مالَ أخيكَ بغيرِ حقٍّ؟» (١).
٦١
- باب
تفسير الجائحة
٣٤٧١
- حدَّثنا سليمانُ بن داود المَهْرِيّ،
أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني عثمانُ ابن الحكم، عن ابنِ جُريج
عن عطاء، قال: الجوائحُ كُلُّ ظاهرٍ
مُفسدٍ مِن مطر أو بردٍ أو جَرَادٍ (٢) أو رحٍ أو حَريقٍ (٣).
٣٤٧٢
- حدَّثنا سليمانُ بن داودَ، أخبرنا
ابنُ وهب، أخبرني عثمانُ بنُ الحكم
(١) إسناده صحيح. وقد صرح بالسماع كلٌّ من
ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- وأبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس
المكي- عند مسلم وغيره.
وأخرجه مسلم (١٥٥٤)، وابن ماجه
(٢٢١٩)، والنسائي (٤٥٢٧) و(٤٥٢٨) من طريق ابن جريج، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥٠٣٤)
و(٥٠٣٥).
وقد سلف ذكر وضع الجوائح عند المصنف
برقم (٣٣٧٤) بلفظ: إن النبي ﷺ أمر بوضع الجوائح.
(٢)
في رواية ابن العبد: أو حرٍّ، بدل: أو جَراد، أشار إليه في (أ).
(٣)
مقطوع رجاله ثقات. ورواية ابن جريج -وهو عبد الملك بن عبد العزيز- عن عطاء -وهو
ابن أبي رباح- محمولة على الاتصال، وإن لم يصرح بالسماع، صرح هو بذلك فيما حكاه
عنه يحيى بن سعيد القطان كما في «تاريخ ابن أبي خيثمة» (٨٥٨). ابن وهب: هو عبد
الله.
وأخرجه البيهقي ٥/ ٣٠٦ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
عن يحيى بنِ سعيد، أنه قال: لا جائحة
فيما أُصيبَ دون ثلث رأسِ المال، قال يحيى: وذلك في سُنَّةِ المسلمين (١).
٦٢
- باب في
منع الماء
٣٤٧٣
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالح
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «لا يُمْنَعُ فضلُ الماءِ ليُمنعَ به الكلأُ» (٢).
٣٤٧٤
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا الأعمشُ، عن أبي صالح
(١) مقطوع رجاله ثقات. يحيى بن سعيد: هو
الأنصاري.
(٢)
إسناده صحيح. أبو صالح: هو ذكوان السمان، والأعمش: هو سُليمان بن مِهران، وجرير:
هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه البخاري (٢٣٥٣)، ومسلم
(١٥٦٦)، وابن ماجه (٢٤٧٨)، والترمذي (١٣١٨)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧٤٢) من طريق
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والبخاري (٢٣٥٤) ومسلم (١٥٦٦) من طريق سعيد بن المسيب
وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن أبي هريرة.
وهو في «مسند أحمد» (٧٣٢٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٥٤). وانظر ما بعده.
قال الخطابي: الماء إذا جمعه صاحبه
في صهريج أو بركة أو خزنه في جُبّ أو
قراه في حوض ونحوه، فإن له أن يمنعه
وهو شيء قد حازه على سبيل الاختصاص لا يشركه فيه غيره، وهو مخالف لماء البئر، لأنه
لا يستخلف استخلاف ماء الآبار ولا يكون له فضل في الغالب كفضل مياه الآبار،
والحديث إنما جاء في منع الفضل دون الأصل، ومعناه ما فضل عن حاجته، وعن حاجة عياله
وماشيته وزرعه، والله أعلم.
عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله
ﷺ: «ثَلاثَة لا يكلِّمهمُ الله يومَ القيامة: رجلٌ مَنَعَ ابنَ السَّبيل فَضلَ
ماءٍ عندَهُ، ورَجُل حَلَفَ على سِلعة بعد العصر -يعني كاذبًا-، ورجل بايَع إمامًا
فإن أعطاه وَفَّى له وإن لم يُعطِهِ لم يفِ» (١).
٣٤٧٥
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة،
حدَّثنا جريرٌ، عن الأعمش، بإسناده ومعناه، قال:
«ولا يزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم»، وقال
في السلعة: «بالله لقد أُعْطِيَ بها كذا وكذا، فصدَّقَة الآخَرُ فأخَذَها» (٢).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٣٥٨)، ومسلم (١٠٨)،
وابنُ ماجه (٢٢٠٧) و(٢٨٧٠)، والترمذي (١٦٨٥) من طرق عن الأعمش، به. ولفظ الترمذي
مختصر بذكر البيعة.
وأخرجه بنحوه البخاري (٢٣٦٩)
و(٧٤٤٦)، ومسلم (١٠٨) من طريق عمرو ابن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، إلا أنه
قال: «ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم» وزاد البخاري:
«فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضلَ ما لم تعمل يداك».
وهو في «مسند أحمد» (٧٤٤٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٠٨). وانظر ما بعده.
وقوله: بعد العصر. قال القسطلاني:
ليس بقيد، بل خرج مخرج الغالب، لأن الغالب، أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث
يريدون الفراغ من معاملتهم.
(٢)
إسناده صحيح كسابقه.
وأخرجه البخاري (٢٦٧٢)، ومسلم (١٠٨)،
والنسائي (٤٤٦٢) من طريق جرير ابن عبد الحميد، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
٣٤٧٦ - حدَّثنا عُبَيدُ الله بنُ معاذ،
حدَّثنا أبي، حدَّثنا كَهْمَسٌ، عن سيار بنِ منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه، عن
امرأةِ يقال لها بُهَيْسَةُ
عن أبيها، قالتْ: استأذن أبي النبيَّ
ﷺ، فدخل بينه وبين قميصِه، فجعل يقبّل ويلتزِمُ، ثم قالَ: يا نبيَّ الله، ما
الشيءُ الذي لا يَحِلُّ منعه؟ قال: «الماءُ»، قال: يا نبيَّ الله، ما الشيءُ الذي
لا يَحِلُّ منعُه؟ قال: «المِلحُ» قال: يا نبيَّ الله، ما الشيءُ الذي لا يَحِلُّ
منعُه؟ قال: «أن تفعلَ الخيرَ خيرٌ لك» (١).
٣٤٧٧
- حدَّثنا علي بنُ الجَعْدِ اللؤلؤيُّ،
أخبرنا حَرِيزُ بنُ عثمانَ، عن حِبَّانَ ابن زَيدٍ الشَّرْعَبيِّ، عن رجل مِن
قَرْنٍ (ح)
وحدَّثنا مسدَّدٌ، حدَّثنا عيسى بن
يونس، حدَّثنا حَريزُ بن عثمان، حدَّثنا أبو خِداشٍ -وهذا لفظ عليٍّ-
عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي
ﷺ، قال: غزوتُ مع النبي ﷺ ثلاثًا أسمعه يقولُ: المسلمون شُركاءُ في ثَلاثٍ: في
الكلأِ، والماءِ، والنارِ«(٢).
(١) إسناده ضعيف مسلسل بالمجاهيل، على اضطراب
في إسناده فبعضهم يذكر فيه والد سيار بن منظور، وبعضهم لا يذكره كلما بينا ذلك
في»المسند«(١٥٩٤٥).
وهو مكرر الحديث السالف برقم (١٦٦٩).
(٢)
إسناده صحيح. أبو خِدَاش كنية حِبّان بن زيد الشَّرْعبي.
وأخرجه أبو عُبيد القاسم بن سلاّم
في»الأموال«(٧٢٩)، وابن أبي شيبة ٧/ ٣٠٤، وأحمد (٢٣٠٨٢)، وابن عدي في»الكامل«٢/
٨٥٧، والبيهقي ٦/ ١٥٠ من طريق حَريز بن عثمان، به.
وأخرجه يحيى بن آدم في»الخراج"
(٣١٥)، والبيهقي ٦/ ١٥٠ من طريق سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد الشامي، يرفعه إلى
النبي ﷺ. قال البيهقي: أرسله الثوري عن ثور، وإنما أخذه ثور عن حريز.
=
٦٣ - باب في بيع فضل الماء
٣٤٧٨
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد
النُّفيلي، حدَّثنا داودُ بن عبد الرحمن العطار، عن عمرِو بنِ دينار، عن أبي
المنهال
عن إياسِ بنِ عبدِ: أن رسولَ الله ﷺ
نهى عن بيعِ فضلِ الماء (١).
= وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي عبيد
(٧٣١)، وابن ماجه (٢٤٧٣) وإسناده صحيح.
قال الخطابي: معناه: الكلأ ينت في
موات الأرض يرعاه الناس ليس لأحد أن يختصَّ به دون أحد، ويحجزه عن غيره، وكان أهل
الجاهلية إذا غزا الرجلُ منهم حَمى بقعة من الأرض لماشيته ترعاها يذود الناسَ
عنها، فأبطل النبي ﷺ ذلك وجعل الناسَ فيها شِرعًا يتعاورونه بينهم، فأما الكلأ إذا
نبت في أرض مملوكة لمالك بعينه، فهو مال له ليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه.
وأما قوله: «والنار» فقد فسره بعض
العلماء وذهب إلى أنه أراد به الحجارة التي تُوري النار، يقول: لا يُمنع أحدٌ أن
يأخذ منها حجرًا يقتدح به النار، فأما التي يوقدها الإنسان فله أن يمنع غيره من
أخذها.
وقال بعضهم: ليس له أن يمنع من يريد
أن يأخذ منها جذوة من الحطب الذي قد احترق فصار جمرًا، وليس له أن يمنع من أراد أن
يستصبح منها مصباحًا، أو أن يُدني منها ضِغْثًا يشتعِل به، لأن ذلك لا يَنقُص من
عينها شيئًا. والله أعلم.
(١)
إسناده صحيح. أبو المنهال: هو عبد الرحمن بن مُطعِم البُناني.
وأخرجه الترمذي (١٣١٧)، والنسائي
(٤٦٦٢) من طريق داود بن عبد الرحمن، والنسائي (٤٦٦٣) من طريق ابن جريج، كلاهما عن
عمرو بن دينار، به. زاد النسائي في رواية داود: وباع قيِّمُ الوَهَط فضل ماءِ
الوهط، فكرهه عبدُ الله بنُ عمرو. والوَهَط: مال كان لعمرو بن العاص بالطائف على
ثلاثة أميال من وَجٍّ، وهو كرْمٌ موصوف كان يُعرش على ألف ألف خشبة، شراء كل خشبة
بدرهم، قال ياقوت: حج سليمان بن عبد الملك فمر بالوهط فقال: أحب أن انظر إليه،
فلما رآه، قال: هذا أكرم مال وأحسنه، ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في
وسطه، فقيل له: ليست بحرة، ولكنها مسطاح الزبيب، وكان زبيبه جمع في وسطه، فلما رآه
من البعد ظنه حرة سوداء. =
٦٤ - باب في ثمن السِّنَّوْر
٣٤٧٩
- حدَّثنا إبراهيمُ بنُ موسى الرازيُّ،
أخبرنا. وحدَّثنا الربيع بنُ نافع أبو توبة وعلىُّ بنُ بحر، قالا: حدَّثنا عيسى،
عن الأعمش، عن أبي سفيان
عن جابر بن عبد الله: أن النبي ﷺ نهى
عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر (١).
= وأخرجه ابن ماجه (٢٤٧٦)، والنسائي
(٤٦٦١) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، به أن إياس بن عبدٍ المزني رأى
أناسًا يبيعون الماء، فقال: لا تبيعوا الماء، فإني سمعت رسول الله ﷺ نهى أن يُباع.
هذا لفظ ابن ماجه.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٤٤٤)
و(١٧٢٣٦)، و«صحيح ابن حبان» (٤٩٥٢).
(١)
حديث صحيح. وهذا إسناد قوي من أجل أبي سفيان -واسمه طلحة بن نافع- فهو صدوق لا بأس
به، ولكنه متابع. عيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، والأعمش: هو سليمان
بن مهران.
وأخرجه الترمذي (١٣٢٥) من طريق عيسى
بن يونس، به. وضعف هو وابن عبد البر في «التمهيد» ٨/ ٤٠٢ - ٤٠٣ طريق أبي سفيان هذه
للاختلاف فيها على الأعمش، وهذا غير مُسلَّم لهما، لأن الحديث لم ينفرد أبو سفيان
به، بل تابعه أبو الزبير محمد ابن مسلم المكي، على أنه صححه من طريق أبي سفيان:
ابنُ الجارود (٥٨٠)، والحاكمُ ٢/ ٣٤، والبيهقي ٦/ ١١.
وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (٣٨٠٧).
قال الخطابي: النهي عن بيع
السَّنَّور متأوَّل على أنه إنما كره من أجل أحد معنيين: إما لأنه كالوحشي الذي لا
يملك قياده، ولا يصح التسليمُ فيه، وذلك لأنه ينتابُ الناسَ في دورهم ويطوفُ عليهم
فيها، ثم يكاد ينقطع عنهم، وليس كالدوابّ التي تربط على الأَواري [الأَواري: جمع
الآري، وهو عُروة تثبّت في حائط أو وتِد، تُشَدُّ فيها الدابة]، ولا كالطير الذي
يحبس في الأقفاص، وقد يتوحش بعد الأنوسة، ويتأبَّد حتى لا يُقربَ ولا يُقدرَ عليه،
فإن صار المشتري له إلى أن يحبسه في بيته أو يشدَّه في خيط أو سلسلة لم ينتفع به.
=
٣٤٨٠ حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا
عبدُ الرزاق، حدَّثنا عمر بنُ زيد الصنعانيُّ، أنه سمع أبا الزبير
عن جابر: أن النبي ﷺ نهى عن ثمن
الهرِّ (١).
= والمعنى الآخر: أن يكون انما نهى عن
بيعه لئلا يتمانع الناس فيه، وليتعاوروا ما يكون منه في دورهم فيرتفقوا به ما أقام
عندهم، ولا يتنازعوه إذا انتقل عنهم إلى غيرهم تنازع الملاك في النفيس من الأعلاق،
وقيل: انما نهى عن بيع الوحشي منه دون الإنسي.
وممن أجاز بيع السِّنَّور ابن عباس،
وإليه ذهب الحسن البصري وابن سيرين والحكم وحماد، وبه قال مالك بن أنس وسفيان
الثوري وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وكره بيعه أبو هريرة وجابر
وطاووس ومجاهد.
(١)
حديث صحيح. وهذا إسناد ضعيف لضعف عمر بن زيد الصنعاني ولكنه متابع. أبو الزبير: هو
محمد بن مُسلم بن تدرُس المكي، وقد صرح بالسماع عند مسلم وغيره فانتفت شبهة تدليسه.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (٨٧٤٩)،
ومن طريقه أخرجه ابنُ ماجه (٣٢٥٠)، والترمذي (١٣٢٦). ولفظه: نهى رسول الله ﷺ عن
أكل الهر وثمنها. وقال الترمذي حديث غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٦٦).
وأخرجه مسلم (١٥٦٩) من طريق معقل بن
عُبيد الله، والنسائي (٤٢٩٥) و(٤٦٦٨) من طريق حماد بن سلمة وابن ماجه (٢١٦١) من
طريق ابن لهيعة، كلاهما عن أبي الزبير، به. زاد النسائي في روايته: «إلا كلب صيد»
وقال: هذا منكر. ولفظ معقل عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب
والسِّنَّور؟ فقال: زجر النبي ﷺ عن ذلك.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٤٩٤٠).
وانظر ما قبله.
وسيتكرر برقم (٣٨٠٧)، وزاد هناك في
روايته من غير طريق أحمد بن حنبل:
أن النبي ﷺ عن ثمن الهر.
٦٥ - باب في أثمان الكلاب
٣٤٨١
- حدَّثنا قُتيبة بنُ سعيدٍ، حدَّثنا
سفيانُ، عن الزهري، عن أبي بكر ابنِ عبد الرحمن
عن أبي مسعود، عن النبي ﷺ: أنه نهى
عن ثمنِ الكلبِ، وَمَهْرِ البَغيِّ، وحُلوانِ الكاهِنِ (١).
٣٤٨٢
- حدَّثنا الربيعُ بن نافعِ أبو توبةَ،
حدَّثنا عُبيد الله -يعني ابنَ عَمرو- عن عبد الكريم، عن قَيس بن حَبْتَرٍ
عن عبد الله بنِ عباس، قال: نهى
رسولُ الله ﷺ عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمنَ الكلبِ، فاملأ كفَّه تُرابًا (٢).
(١) إسناده صحيح. وهو مكرر الحديث السالف
برقم (٣٤٢٨) وحلوان الكاهن: ما يعطاه على الكهانة، والكاهن: هو الذي يتعاطى
الاخبار عن الكائنات في المستقبل، ويدعي معرفة الأسرار.
(٢)
إسناده صحيح. عبد الكريم: هو ابن مالك الجزري.
وأخرجه أحمد (٢٥١٢)، وأبو يعلى
(٢٦٠٠) من طريق عُبيد الله بن عمرو، بهذا الإسناد. ولفظه: «ثمن الكلب خبيث، فإذا
جاءك يطلب ثمن الكلب، فاملأ كفيه ترابًا» فجعله من قول رسول الله ﷺ.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٦/ ٢٤٥ و١٤/
٢٠٢، وأحمد (٢٠٩٤) من طريق إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، عن عبد
الكريم الجزري، به دون قوله: «وإن جاء يطلب ثمن الكلب».
وأخرجه الطيالسي (٢٧٥٥) عن أبي
الأحوص سلاَّم بن سُليم، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٤/ ٥٢ من طريق زهير بن
معاوية، والطبراني في «الكبير» (١٢٦٠١)، والدارقطني (٢٨١٤) من طريق معقل بن عُبيد
الله، ثلاثتهم عن عبد الكريم الجزري، به بلفظ: «ثمن الكلب حرام» ولم يذكر أبو
الأحوص ولا زهير في روايتهما قوله: «وإن جاء يطلب ثمن الكلب» ... ووقع اسم معقل
عند الطبراني مقلوبًا إلى عبيد الله ابن معقل. =
٣٤٨٣ - حدَّثنا أبو الوليد الطيالسيُّ،
حدَّثنا شعبة أخبرني عونُ ابن أبي جُحَيفةَ أن أباه قال: إن رسولَ الله ﷺ نهى عن
ثمنِ الكلِب (١).
٣٤٨٤
- حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحٍ، حدَّثنا
ابنُ وهب، حدَّثني معروفُ بن سُوَيدٍ الجُذاميُّ أن عُلَّي بنَ رباح اللخميَّ
حدَّثه
أنه سَمِعَ أبا هريرة يقولُ: قال
رسول الله ﷺ: «لا يَحِل ثمنُ الكلب، ولا حُلوانُ الكاهِنِ، ولا مَهْرُ البغى» (٢).
= وأخرجه النسائي (٤٦٦٧) من طريق عطاء
بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ في أشياء حرَّمها: وثمن الكلب.
(١)
إسناده صحيح. أبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك.
وأخرجه البخاري (٢٠٨٦) عن أبي الوليد
الطيالسي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٧٥٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٣٩).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل معروف بن سويد الجذامي،
لكن للحديث طرق أخرى كما سيأتي. ابنُ
وهب: هو عَبد الله.
وأخرجه النسائي في «المجتبى» (٤٢٩٣)
من طريق عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
وأخرج ابن ماجه (٢١٦٠)، والنسائي في
«الكبرى» (٤٦٨٠) و(٤٦٨١) و(٦٢٢٦) و(٦٢٢٧) من طريق أبي حازم سلْمان الأشجعي، عن أبي
هريرة قال: نهى رسول الله ﷺ عن ثمن الكلب وعسب الفحل، وعند النسائي قال: التيس،
بدل: الفحل، وجاء في رواية النسائي الثانيَة وحدها ذكر مهر البغي، ولم يرد ذكر
حلوان الكاهن في شيء.
وأخرجه الترمذي (١٣٢٧) من طريق أبي
المهزَّم، عن أبي هريرة قال: نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد. وقال: هذا حديث لا
يصح من هذا الوجه.
وأخرجه النسائي في «المجتبى» (٤٦٧٣)
من طريق عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله ﷺ عن كسب الحجام
وعن ثمن الكلب، وعن عسب الفحل. وإسناده صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٧٩٧٦) و(١٠٤٩٠)،
و«صحيح ابن حبان» (٤٩٤١).
وفي الباب عن أبي مسعود سلف عند
المصنف برقم (٣٤٢٨).
٦٦ - باب في ثمن الخمر والميتة
٣٤٨٥
- حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحِ، حدَّثنا
عبدُ الله بنُ وهْبٍ، حدَّثنا معاويةُ ابن صالحِ، عن عبد الوهَّاب بن بُخْتٍ، عن
أبي الزناد، عن الأَعرج
عن أبي هريرة، أن رسولَ - الله ﷺ
قال: «إن الله حَرَّمَ الخمرَ
وثمنَها، وحَرمَ الميتة وثمنَها،
وحَزَمَ الخِنزيرَ وثمنَه» (١).
٣٤٨٦
- حدَّثنا قتيبةُ بن سعيد، حدَّثنا
الليثُ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح
عن جابر بن عبد الله، أنه سَمعَ
رسولَ الله ﷺ يقول عامَ الفتح وهو بمكَة: إنَّ الله عز وجل حرّم بَيْعَ الخمرِ
والميتةِ والخنزيرِ والأصنامِ «فقيل: يا رسول الله ﷺ، أرأيتَ شُحومَ الميتة، فإنه
يُطْلى بها السُفُن ويُدْهَنُ بها الجُلودُ، ويَستصبِحُ بها الناسُ؟ فقال:»لا، هو
(١) إسناده صحيح. الأعرج: هو عبد الرحمن بن
هُرمز، وأبو الزناد: هو عبد الله ابن ذكوان.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط»
(١١٦)، وفي «مسند الشاميين» (٢٠٧٤)، وابن عدي في «الكامل» ٦/ ٢٤٠١، والدارقطني
(٢٨١٦)، والبيهقي ٦/ ١٢ من طريق عبد الله بنِ وهب، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: فيه دليل على أن من
أراق خمر النصراني أو قتل خنزيرًا له، فإنه لا غرامة عليه لانه لا ثمن لها في حكم
الدين.
وفيه دليل على فساد بيع السرقين،
وبيع كل شيء نجس العين، وفيه دليل على أن بيع شعر الخنزير لا يجوز.
واختلفوا في جواز الانتفاع به فكرهت
طائفة ذلك وممن منع منه ابن سيرين والحكم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال أحمد
وإسحاق: الليف أحب إلينا، وقد رخص فيه الحسن والأوزاعي ومالك وأصحاب الرأي.
حرام«ثم قال رسولُ الله ﷺ عند
ذلك:»قَاتَلَ الله اليهود! إن الله لما حَرَّمَ عليهم شحُومَها، أجْمَلُوُه ثم
باعُوه، فأكلوا ثَمَنَه (١).
٣٤٨٧
- حدَّثنا محمدُ بنُ بشار، حدَّثنا أبو
عاصم، عن عبدِ الحميد بن جعفر، عن يزيدَ بنِ أبي حبيب، قال:
كتب إليَّ عطاء، عن جابر، نحوه، لم
يقل: «هو حَرامٌ» (٢).
(١) إسناده صحيح. الليث: هو ابن سعْد.
وأخرجه البخاري (٢٢٣٦)، ومسلم
(١٥٨١)، وابن ماجه (٢١٦٧)، والترمذي (١٣٤٣)، والنسائي (٤٢٥٦) و(٤٦٦٩) من طريق يزيد
بن أبي حبيب، به.
وهو في مسند أحمد (١٤٤٧٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٣٧).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: قوله: «جملوها» معناه:
أذابوها حتى تصير ودكًا، فيزول عنها اسم الشحم، يقال: جملتُ الشحم، وأجملتُه إذا
أذبتَه، قال لبيد:
فاشتوى ليلةَ رِيح واجتمل
وفي هذا بيان بطلان كل حيلة يُحتال
بها توصل إلى محرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.
وفيه دليل على جواز الاستصباح بالزيت
النجس، فإن بيعه لا يجوز.
وفي تحريمه ثمن الأصنام دليل على
تحريم بيع جميع الصور المتخذة من الطين والخشب والحديد والذهب والفضة، وما أشبه
ذلك من اللُّعب ونحوها.
وفي الحديث دليل على وجوب العبْرة
واستعمال القياس، وتعدية معنى الاسم إلى المثل أو النظير، خلاف قول من ذهب من أهل
الظاهر إلى إبطالها. ألا تراه كيف ذم من عدل عن هذه الطريقة، حتى لعن من كان عدوله
عنها تذرُّعًا إلى الوصول به إلى محظور؟
(٢)
إسناده صحيح كسابقه. أبو عاصم: هو الضحاك بن مَخْلد.
وأخرجه البخاري تعليقًا (٢٢٣٦)،
ومسلم (١٥٨١) من طريق عبد الحميد بن جعفر، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله.
٣٤٨٨ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، أن بِشر بن
المُفَضلِ وخالدَ بنَ عبد الله الطّحان حدثاهم -المعنى- عن خالد الحذاء، عن بركة
-قال مسدَّدٌ في حديثه: عن خالد بن عبد الله: عن بركة أبي الوليد، ثم اتفقا-
عن ابنِ عباس، قال: رأيت رسولَ الله
ﷺ جالسًا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء فَضَحِكَ، فقال: «لَعَنَ الله
اليهودَ! -ثلاثًا- إن الله حرم عليهم الشحومَ فباعُوها وأكلوا أثمانها، وإن الله
إذا حرَّم على قومٍ أكلَ شيءٍ حَرّم عليهم ثمنَه» ولم يقل في حديث خالد بن عبد
الله الطّحّان: رأيت، وقال: «قاتلَ الله» (١).
٣٤٨٩
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة،
حدَّثنا ابنُ إدريسَ ووكيعٌ، عن طُعمة ابنِ عَمرو الجعفريِّ، عن عُمَرَ بنِ بيانٍ
التَّغْلِبِيِّ، عن عروةَ بن المغيرةِ بن شعبةَ
عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول
الله ﷺ: «مَنْ بَاعَ الخَمرَ فَلْيُشَقِّصِ الخَنازيرَ» (٢).
(١) إسناده صحيح. بركة: هو ابنُ العريان
المُجاشعي، وخالد الحذاء: هو ابن مِهران، ومُسدَّد: هو ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه أحمد (٢٢٢١) و(٢٦٧٨) و(٢٩٦١)،
والبخاري في «التاريخ الكبير» ٢/ ١٤٧، وابن حبان (٤٩٣٨)، والطبراني في «الكبير»
(١٢٨٨٧)، والبيهقي ٦/ ١٣ - ١٤
من طرق عن خالد بن مهران الحذاء، به.
وأخرجه الطبراني (١٢٣٧٨) من طريق
سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وأخرجه أحمد (١٧٠)، والبخاري (٢٢٢٣)
و(٣٤٦٠)، ومسلم (١٥٨٢)، وابن ماجه (٣٣٨٣)، والنسائي (٤٢٥٧) من طريق عمرو بن دينار،
عن ابن عباس، عن عمر. دون قوله: إن الله إذا حرَّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم
ثمنه«.
(٢)
إسناده ضعيف لجهاله حال عمر بن بيان التغلبي، فقد روى عنه اثنان، ولم يذكره
في»الثقات«غير ابن حبان، وقول أبي حاتم فيه: معروف، يعي معروف العين، وقال أحمد
في»العلل"، ١/ ٢٠٨: لا أعرفه. =
٣٤٩٠ - حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا
شعبةُ، عن سليمانَ، عن أبي الضُحى، عن مسروق
عن عائشة، قالت: لما نرلَت الأياتُ
الأواخِرُ مِن سورة البقرة، خرج رسولُ الله ﷺ فقرأهُنَ علينا، وقال: «حُرِّمَتِ
التجارةُ في الخمرِ» (١).
٣٤٩١
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، بإسنادِه ومعناه، قال: الأياتُ الأواخِرُ في
الربا (٢).
= وأخرجه الطيالسي (٧٠٠)، وابن أبي
شيبة ٦/ ٤٤٥، وأحمد (١٨٢١٤)، والحميدي (٧٦٠)، والد ارمي (٢١٠٢)، والطبر اني في
«الكبير» ٢٠/ (٨٨٤)، وفي «الأوسط» (٨٥٢٧)، والبيهقي ٦/ ١٢ من طريق طعمة بن عمرو،
بهذا الإسناد. وقال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن المغيرة إلا بهذا الإسناد،
تفرد به طعمة بن عمرو.
(١)
إسناده صحيح. مسروق: هو ابن الأجدع، وأبو الضحى: هو مسلم بن صُبيح، وسليمان: هو
ابن مهران الأعمش، مشهور بلقبه.
وأخرجه البخاري (٤٥٩)، ومسلم (١٥٨٠)،
والنسائي (٤٦٦٥) من طريق أبي الضحى مسلم بن صبيح، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٩٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٤٣).
وانظر ما بعده.
قال الحافظ في «الفتح» ١/ ٥٥٤: قال
القاضي عياض: كان تحريم الخمر قبل نزول آية الربا بمدة طويلة، فيحتمل أنه أخبر
بتحريمها مرة بعد أخرى تأكيدًا. ثم قال الحافظ: ويحتمل أن يكون تحريم التجارة فيها
تأخر عن وقت تحريم عينها، والله أعلم.
(٢)
إسناده صحيح كسابقه. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير.
وأخرجه مسلم (١٥٨٠)، وابن ماجه
(٣٣٨٢) من طريق أبي معاوية الضرير، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٩٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٤٣).
وانظر ما قبله.
٦٧ - باب في بيع الطعام قبل أن يُستَوفَى
٣٤٩٢
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمةَ، عن
مالك، عن نافع
عن ابنِ عمر، أن رسول الله ﷺ قال:
«من ابتاع طعامًا، فلا يَبِعْهُ حتى يستوفيَه (١).
٣٤٩٣
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلمةَ، عن
مالك، عن نافع
عن ابنِ عمر أنه قال: كنا في زَمَنِ
رسولِ الله ﷺ نبتاع الطعامَ، فيبعث علينا مَن يأمُرنا بانتقاله مِن المكان الذي
ابتعناه فيه إلى مكانٍ سواهُ قبلَ أن نبيعَه، يعني جِزَافًا (٢).
(١) إسناده صحيح.
وهو في»موطأ مالك«٢/ ٦٤٠.
وأخرجه البخاري (٢١٢٦)، ومسلم
(١٥٢٦)، وبإثر (١٥٢٧)، وابن ماجه (٢٢٢٦)، والنسائي (٤٥٩٥) من طرق عن نافع، به.
وهو في»مسند أحمد«(٣٩٦)، و»صحيح ابن
حبان" (٤٩٨٦).
وأخرجه البخاري (٢١٣٣)، ومسلم
(١٥٢٦)، والنسائي (٤٥٩٦) من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
وانظر ما بعده وما سيأتي برقم (٣٤٩٤)
و(٣٤٩٥) و(٣٤٩٨) و(٣٤٩٩)
قال الخطابي: أجمع أهل العلم على أن
الطعام لا يجوز بيعه قبل القبض.
واختلفوا فيما عداه من الأشياء، فقال
أبو حنيفة وأبو يوسف: ما عدا الطعام بمنزلة الطعام، إلا الدور والأرضون، فإن بيعها
قبل قبضها جائز.
وقال الشافعي ومحمد بن الحسن: الطعام
وغير الطعام من السلع والدور والعقار في هذا سواء، لا يجوز بيع شيء منها حتى تقبض،
وهو قول ابن عباس.
وقال مالك بن أنس: ما عدا المأكول
والمشروب جائز أن يباع قبل أن يقبض، وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق: يجوز بيع
كل منها ما خلا المكيل والموزون، وروي ذلك عن ابن المسيب والحسن البصري والحكم
وحماد.
(٢)
إسناده صحيح. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٤١.
وأخرجه البخاري (٢١٢٣) و(٢١٦٦)،
ومسلم (١٥٢٧)، والنسائي (٤٦٠٥) و(٤٦٥٧) من طرق عن نافع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٣٩٥) و(٤٦٣٩).
وانظر تالييه، وما سيأتي برقم (٣٤٩٨)
و(٣٤٩٩).
قال الخطابي: القبوض تختلف في
الأشياء حسب اختلافها في أنفسها وحسب اختلاف عادات الناس فيها، فمنها ما يكون بأن
يوضع المبيع في يد صاحبه، ومنها ما يكون بالتخلية بينه وبين المشتري، ومنها ما
يكون بالنقل من موضعه، ومنها ما يكون بأن يكتال وذلك فيما بيع من المكيل كيلًا،
فأما ما يباع منه جزافًا صبرة مضمومة على الأرض فالقبض فيه أن ينقل ويُحوَّل من
مكانه، فإن ابتاع طعامًا كيلًا ثم أراد أن يبيعه بالكيل الأول لم يجز حتى يكيله
على المشتري ثانيًا، وذلك لما روي عن النبي ﷺ أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه
الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري.
وممن قال: إنه لا يجوز بيعه بالكيل
الأول حتى يكال ثانيًا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق، وهو مذهب
الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وقال مالك: إذا باعه نسيئة فهو المكروه،
فأما إذا نقدًا فلا بأس أن يبيعه بالكيل الأول. وروي عن عطاء أنه أجاز بيعه نسيئة
كان أو نقدًا.
وقال ابن القيم: قال ابن المنذر:
أجمع العلماء على أن من اشترى طعامًا، فليس له بيعه حتى يقبضه، وحكي ذلك عن غير
واحد من أهل العلم إجماعًا.
فأما غير الطعام، فاختلف فيه الفقهاء
على أقوال عديدة:
أحدها: أنه يجوز بيعه قبل قبضه
مكيلًا كان أو موزونًا، وهذا مشهور مذهب مالك، واختاره أبو ثور وابن المنذر.
والثاني: أنه يجوز بيع الدور والأرض
قبل قبضها، وما سوى العقار، فلا يجوز بيعه قبل القبض وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي
يوسف.
والثالث: ما كان مكيلًا أو موزونًا،
فلا يصح بيعه قبل القبض سواء أكان مطعومًا أم لم يكن، وهذا يروى عن عثمان رضي الله
عنه، وهو مذهب ابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق وهو المشهور من
مذهب أحمد بن حنبل.
والرابع: أنه لا يجوز بيع شيء من
المبيعات قبل قبضه بحال، وهذا مذهب ابن عباس، ومحمد بن الحسن وهو إحدى الروايات عن
أحمد.
٣٤٩٤ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا
يحيى، عن عُبيد الله، أخبرني نافع عن ابن عمر، قال: كانوا يتبايَعُون الطعامَ
جِزَافًا بأعلى السوقِ، فنهى رسولُ الله ﷺ أن يبيعُوه حتى ينقُلُوه (١).
٣٤٩٥
- حدَّثنا أحمدُ بنُ صالحْ، حدَّثنا
ابنُ وهب، حدَّثنا عَمرو، عن المُنذر بن عُبَيد المديني، أن القاسمَ بن محمد
حدَّثه
أن عبدَ الله بن عمر حدَّثه: أن
رسولَ الله ﷺ نهى أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه بكيلٍ حتى يستوفيَه (٢).
٣٤٩٦
- حدَّثنا أبو بكرٍ وعثمانُ ابنا أبي
شيبةَ، قالا: حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن ابن طاووسِ، عن أبيه
عن ابن عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«من ابتاعَ طَعامًا فلا يَبِعْه حتى يكتاله» زاد أبو بكر قال: قلتُ لابن عباس: لم؟
قال: ألا ترى أنهم يتبايعون بالذهبِ والطعامِ مُرْجًى (٣).
(١) إسناده صحيح. عُبيد الله: هو ابن عمر
العمري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان. وأخرجه البخاري (٢١٦٧)، ومسلم بإثر (١٥٢٧)،
وابن ماجه (٢٢٢٩)، والنسائي (٤٦٠٦) من طريق عُبيد الله بن عمر، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٣٩).
وانظر سابقيه.
(٢)
حديث صحيح. وهذا إسناد حسن من أجل المنذر بن عُبيد المديني، لكن روي الحديث من
وجوه أخرى صحيحة كما في الأحاديث الثلاثة السالفة قبله، وكما سيأتي برقم (٣٤٩٨)
و(٣٤٩٩). ابن وهب: هو عبد الله، وعمرو: هو ابن الحارث.
وأخرجه النسائي (٤٦٠٤) من طريق عبد
الله بن وهب، بهذا الإسناد.
(٣)
إسناده صحيح. ابن طاووس: هو عبد الله، وسفيان: هو الثوري، ووكيع: هو ابن الجراح.=
٣٤٩٧ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ وسُليمان بنُ
حَربٍ، قالا: حدَّثنا حمادٌ، وحدَّثنا مسدَّدٌ، حدَّثنا أبو عوانة، وهذا لفظ
مُسَدَّدٍ، عن عمرو بن دينار، عن طاووس
عن ابن عباس، قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إذا اشترى أحدُكُم طعامًا فلا يَبِعْه حتى يَقبِضَه» قال سليمانُ بن حرب: «حتى
يستوفيَه» زاد مسدَّدٌ قال: وقال ابنُ عباس: وأحسب أن كلَّ شيء مثلَ الطعام (١).
٣٤٩٨
- حدَّثنا الحسنُ بن علي، حدَّثنا عبدُ
الرزاق، حدَّثنا مَعْمَرٌ، عن الزهري، عن سالم
= وأخرجه البخاري (٢١٣٢)، ومسلم
(١٥٢٥)، والنسائي (٤٥٩٧) و(٤٥٩٩) و(٤٦٠٠) من طريق عبد الله بن طاووس، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٧٥).
وانظر ما بعده.
وانظر ما سلف بالأرقام (٣٤٩٢ - ٣٤٩٥).
قال الخطابي: قوله: والطعام مُرْجىً،
أي: مؤجَّل، وكل شيء أخّرتَه فقد أرجيتَه، يقال: أرجَيتُ الشيء ورجّيتُه أي:
أخرته، وقد يتكلم به مهموزًا وغير مهموز. وليس هذا من باب الطعام الحاضر، ولكنه من
باب السلف وذلك مثل أن يشتري منه طعامًا بدينار إلى أجل فيبيعه قبل أن يقبضه منه
بدينارين، وهو غير جائز.
(١)
إسناده صحيح كسابقه. أبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وحماد: هو ابن زيد.
وأخرجه البخاري (٢١٣٥)، ومسلم
(١٥٢٥)، وابن ماجه (٢٢٢٧)، والترمذي (١٣٣٧)، والنسائي (٤٥٩٨) من طريق عمرو بن
دينار، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٤٧)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٨٠).
وانظر ما قبله.
عن ابن عمر، قال: رأيت الناس
يُضْرَبونَ على عهدِ رسولِ الله ﷺ إذا اشتروا الطعام جزَافًا أن يبيعوه حتى
يُبلغَه إلى رَحلِه (١).
٣٤٩٩
- حدَّثنا محمدُ بنُ عَوفٍ الطائيُّ،
حدَّثنا أحمدُ بنُ خالد الوهبيُّ، حدَّثنا محمدُ بن إسحاقَ، عن أبي الزّنادِ، عن
عبيد بن حنين
عن ابن عمر، قال: ابتعت زيتًا في
السوق، فلما استوجبته لقِيني رجلٌ، فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردتُ أن أضرِبَ على
يدِه، فأخذ رجلٌ من خَلْفي بذراعي، فالتفتُّ فإذا زيدُ بن ثابت، فقال: لا تَبِعْهُ
حيث ابتعتَه حتى تَحُوزَهُ إلى رَحْلِكَ، فإن رسول الله ﷺ نهى أن تُباع السلعُ حيث
تُبتاعُ حتى يَحُوزَهَا التجارُ إلى رَحالهم (٢).
(١) إسناده صحيح. سالم: هو ابن عبد الله بن
عمر بن الخطاب، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عُبيد الله بن عَبد الله بن شهاب،
ومعمر: هو ابن راشد البصري، وعبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، والحسن بن علي: هو
الخلاّل.
وأخرجه البخاري (٢١٣١) و(٢١٣٧)
و(٦٨٥٢)، ومسلم بإثر (١٥٢٧)، والنسائي (٤٦٠٨) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (٤٥١٧).
وانظر ما سلف برقم (٣٤٩٢) و(٣٤٩٣).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع عند أحمد في
«المسند» وغيره، فانتفت شبهة تدليسه، وقد توبع. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان.
وأخرجه أحمد (٢١٦٦٨)، وابن حبان
(٤٩٨٤)، والطبراني في «الكبير» (٤٧٨٢)، والدارقطني (٢٨٣١)، والحاكم ٢/ ٤٠،
والبيهقي ٥/ ٣١٤ من طريق ابن إسحاق، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني (٤٧٨١)، والدارقطني
(٢٨٢٩) من طريق جرير بن حازم، والدارقطني (٢٨٣٠) من طريق إسحاق بن حازم، كلاهما عن
أبي الزناد، به. بإسناد طريق جرير بن حازم صحيح.
٦٨ - باب في الرجل يقول عند البيع: «لا
خِلَابَةَ»
٣٥٠٠
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمةَ، عن
مالك، عن عبد الله بن دينار
عن ابن عمر: أن رجلًا ذكر لرسولِ
الله ﷺ أنه يُخْدَعُ في البيع، فقال رسول الله ﷺ: «وإذا بايعتَ فقل: لا خِلابَة»
فكان الرجلُ إذا بايع يقولُ: لا خِلابَةَ (١).
(١) إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٨٥.
وأخرجه البخاري (٢١١٧)، ومسلم
(١٥٣٣)، والنسائي (٤٤٨٤) من طريق عبد الله بن دينار، به.
وهو في «مسند أحمد» (٥٠٣٦) و(٥٩٧٠)،
و«صحيح ابن حبان» (٥٠٥١).
قال الخطابي: الخلابة مصدر خلبتُ
الرجل: إذا خدعتهَ، وأخلُبه خلبًا وخلابة، قال الشاعر:
شر الرجال الخالب المخلوب
قال التوربشتي: لقنه النبي ﷺ هذا
القول ليتلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أن ليس من ذوي البصائر في معرفة
السلع ومقادير القيمة فيهن ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك أحقاء لا
يغبنون أخاهم المسلم، وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم.
وقال الخطابي: ويستدل بهذا الحديث
على أن الكبير لا يحجر عليه، إذ لو كان إلى الحجر عليه سبيل، لحجر عليه ولأمر أن
لا يبايع ولم يقتصر على قوله: «لا خلابة».
قال الخطابي: والحجر على الكبير إذا
كان سفيهًا مفسدًا لماله واجب كهو على الصغير، وهذا الحديث إنما جاء في قصة حبان
بن منقذ ولم يذكر صفة سفه ولا إتلافًا لماله، وإنما جاء أنه كان يُخدع في البيع،
وليس كل غبن في شيء يجب أن يحجر عليه، وللحجر حدٌّ فإذا لم يبلغ ذلك الحدَّ لم
يستحق الحجر.
وقد اختلف الناس في تأويل هذا
الحديث: فذهب بعضهم إلى أنه خاصٌّ في أمر حَبَّان بن منقذ، وأن النبي ﷺ جعل هذا
القول شرطًا له في بيوعه ليكون له الرد به إذا =
٣٥٠١ - حدَّثنا محمد بنُ عبد الله
الأَرُزِّيُّ وإبراهيمُ بنُ خالد أبو ثور الكَلْبي -المعنى- قالا: حدَّثنا عبدُ
الوهَّاب -قال محمد: عبد الوهَّاب بنُ عطاء- أخبرنا سعيد، عن قتادة
عن أنس بنِ مالك: أن رجلًا على
عَهْدِ رسول الله ﷺ كان يبتاعُ وفي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فأتى أهلُه نبيَّ الله،
فقالوا: يا نبي الله، احْجُرْ على فلانٍ فإنه يبتاعُ وفي عُقْدَتِهِ ضعفٌ، فدعاهُ
النبي ﷺ، فنهاه عن البيع، فقال: يا نبي الله، إني لا أصْبِرُ عن البيع، فقال رسول
الله ﷺ: «إن كنتَ غَيرَ تاركٍ البيع فقل: هاء وهاء ولا خِلابَةَ» (١).
قال أبو ثور: عن سعيد.
= تبين الغبن في صفقته، فكان سبيله
سبيل من باع أو اشترى على شرط الخيار، وقال غيره: الخبر على عمومه في حبان وغيره.
وقال مالك بن أنس في بيع المغابنة:
إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة كان له فيه الخيار. وقال أحمد في بيع المسترسل: يكره
غابنه، وعلى صاحب السلعة أن يستقصي له، وقد حكي عنه أنه قال: إذا بايعه وقال: لا
خلابة، فله الرد، وقال أبو ثور: البيع -إذا غُبن فيه أحدُ المتابعين غبنًا لا
يتغابن الناس فيما بينهم بمثله- فاسد، كان المتبايعان خابري الأمر أو محجورًا
عليهما.
وقال أكثر الفقهاء: إذا تصادر
المتبايعان عن رضًا -وكانا عاقلين غير محجورين- فغبن أحدهما فلا يرجع فيه.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل عبد الوهاب بن عطاء، فهو صدوق لا باس، وقد توبع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٥٤)، والترمذي
(١٢٩٤)، والنسائي (٤٤٨٥) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، عن سعيد بن أبي
عروبة، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٣٢٧٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٤٩) و(٥٠٥٠).
وفي تفسير قوله: «هاء وهاء» انظر
كلام الخطابي عند الحديث السالف برقم (٣٣٤٨).
٦٩ - باب في العُرْبانِ
٣٥٠٢
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسلمةَ، قال:
قرأتُ على مالك بن أنس أنه بلغَه، عن عَمرو بن شُعيب، عن أبيه
عن جده، أنه قال: نهى رسولُ الله ﷺ
عن بيع العُربان (١).
(١) هو في «الموطأ» برواية يحيى بن يحيى ٢/
٦٠٩، ورواية أبي مصعب الزهري (٢٤٧٠) عن مالك، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده.
قال الحافظ ابن عبد البر في
«التمهيد» ٢٤/ ١٧٦: وقال القعنبيُّ والتِّنِّيسيُّ وجماعة عن مالك أنه بلغه، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وسواء قال: عن الثقة عنده أو بلغه، لأنه كان لا
يأخذ ولا يحدّث إلا عن ثقة عنده، وقد تكلم الناسُ في الثقة عنده في هذا الموضع،
وأشبه ما قيل فيه: إنه أخذه عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة ... وما
رواه عنه ابن المبارك وابن وهب، فهو عند بعضهم صحيح، ومنهم من يضعِّف حديثه كله.
قلنا: وقد رواه كذلك قتيبة بن سعيد، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده. وقتيبة ممن يصحح العلماء حديث ابن لهيعة من طريقه.
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل» ٤/
١٤٧١: والحديث عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب مشهور.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٩٢) عن هشام بن
عمار، والبيهقي ٥/ ٣٤٢ من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن
مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٢٣) عن إسحاق
بن عيسى بن الطباع، عن مالك، عن الثقة، عن عمرو بن شعيب،
وأخرجه ابن ماجه (٢١٩٣) من طريق حبيب
بن أبي حبيب، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمرو بن شعيب، به وحبيب متروك
الحديث، وشيخه ضعيف.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» ٤/
١٧٧ من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن مالك، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب،
به.
وأخرجه ابن عدي ٤/ ١٤٧١، ومن طريق
البيهقي ٥/ ٣٤٣ عن محمد بن حفص، عن قتيبة بن سعيد، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده. =
قال مالك: وذلك -فيما نُرى، والله
اعلمُ- أن يشتريَ الرجلُ العبدَ أو يتكارَى الدابةَ ثم يقول: أُعطيك دينارًا على
أني إن تركتُ السِّلعةَ أو الكِراء فما أعطيتُك لك.
٧٠
- باب في
الرجل يبيع ما ليس عنده
٣٥٠٣
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا أبو
عوانةَ، عن أبي بِشرٍ، عن يوسف بنَ ماهَك عن حكيم بن حزام، قال: يا رسول َاللهِ،
يأتيني الرجلُ فيريد مني البيعَ ليس عندي، أفأبتاعُه له مِن السوق؟ فقال: «لا
تَبِعْ ما لَيسَ عندَك َ» (١).
= وأخرجه الدارقطني والبيهقي في
كتابيهما «الرواة عن مالك» كما في «التلخيص الحبير» ٣/ ١٧ من طريق الهيثم بن
اليمان أبي بشرالرازي، عن مالك، عن عمرو بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده. والهيثم بن اليمان قال عنه أبو حاتم الرازي: صالح صدوق. وهو من شيوخه. وكلمة
صدوق عند أبي حاتم بالنسبة إلى شيوخه يعني أنه ثقة كما هو معروف عند حذَّاق هذا
الفن.
قال الخطابي: هكذا تفسير بيع العربان
[قلنا: يعني كما فسرهُ مالك بإثر الحديث] وفيه لغتان: عُربان وأُربان، ويقال
أيضًا: عربون وأُربون.
وقد اختلف الناس في جواز هذا البيع،
فأبطله مالك والشافعي للخبر، ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر، ويدخل ذلك في اكل
المال بالباطل، وأبطله أصحاب الراي.
وقد روي عن ابن عمر أنه أجاز هذا
البيع، ويروى ذلك أيضًا عن عمر.
ومال أحمد بن حنبل إلى القول
بإجازته، وقال: أي شيء أقدر أن أقول وهذا عمر رضي الله عنه، يعني أنه أجازه، وضعف
الحديث فيه لأنه منقطع، وكأن رواية مالك فيه عن بلاغ.
وفي «المغني» ٦/ ٣٣١: قال أحمد: لا
بأس به، وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فإن يوسف بن ماهك لم يسمع من
حكيم بن حزام فيما نقله الحافظ العلائي، عن الإمام أحمد، وقال: بينهما
=
٣٥٠٤ - حدَّثنا زهيرُ بن حَرْبٍ، حدَّثنا
إسماعيلُ، عن أيوبَ، حدَّثني عَمرو بنُ شُعيب، حدَّثني أبي، عن أبيه
= عبد الله بن عصمة الجُشَمي، وإلى ذلك
أشار البخاري في ترجمة عبد الله بن عصمة في «تاريخه»، وابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل»، وابن حبان في «الثقات». وهو الذي صححه الحافظان العلائي وابن عبد
الهادي لكن لفظ الرواية المتصلة: «إذا اشتريت بيعًا، فلا تبعْه حتى تقبضَه»،
فالحديث بهذا اللفظ متصل، وللفظ المصنف هنا شاهد سيأتي ذكره. أبو بشر: هو جعفر بن
إياس أبي وحشية.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٨٧)، والترمذي
(١٢٧٦)، والنسائي (٤٦١٣) من طريق أبي بشر جعفر بن إياس، والترمذي (١٢٧٧) و(١٢٧٩)
من طريق أيوب السختياني، كلاهما عن يوسف بن ماهك، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٣١١).
وأخرجه أحمد كما في «أطراف المسند»
للحافظ ابن حجر ٢/ ٢٨٣ من طريق سفيان الثوري، والنسائي في «الكبرى» كما في
«التحفة» (٣٤٢٨) من طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير،
عن يعلى بن حكيم، عن يوسف ابن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام بلفظ:
«إذا اشتريت بيعًا، فلا تبعه حتى تقبضَه». وإسناده حسن. فإن عبد الله بن عصمة روى
عنه جمع وذكره ابن حبان في «الثقات». وقد حسن هذا الإسناد الحافظ البيهقي في
«السنن الكبرى» ٥/ ٣١٣.
ويشهد للفظ رواية المصنف هنا حديثُ
عبد الله بن عمرو الآتي بعده وإسناده حسن، وبه يصح الحديث.
وقد سلفت شواهد الرواية المتصلة عند
المصنف بالأرقام (٣٤٩٢ - ٣٤٩٩).
قال الخطابي: قوله: «لا تبع ما ليس
عندك» يريد بيع العين دون بيع الصفة، ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع
ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر،
وذلك مثل أن يبيعه عبده الأبق أو جملَه الشارد ويدخل في ذلك كل شيء ليس بمضمون
عليه مثل أن يشتري سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها، ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره
موقوفًا على إجازة المالك، لأنه يبيع ما ليس عنده ولا في ملكه، وهو غرر، لأنه لا
يدري هل يجيزه صاحبه أم لا؟ والله أعلم.
حتى ذكر عبد الله بن عمرو، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «إلا يَحِلُّ سَلفٌ وبَيْعٌ، ولا شرطانِ في بَيعٍ، ولا رِبحُ ما لم
يُضمَن، ولا بيعُ ما ليسَ عندك» (١).
(١) إسناده حسن. أيوب: هو ابن أبي تيمة
السختياني، وإسماعيل: هو ابن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن عُلَيَّه. والمقصود
بقوله في الإسناد: عن أبيه: هو عبد الله ابن عمرو بن العاص، لأن شعيبًا إنما يروي
عن جده عبد الله بن عمرو إذ مات أبوه محمد وهو صغير، فكفله جده، وعنه روى الحديث،
وما جاء في هذا الإسناد من قوله: حتى ذكر عبد الله بن عمرو يؤيد ذلك، لأنه بيان
لقوله: عن أبيه، لا أن شعيبًا يرويه عن أبيه محمد ومحمد يرويه عن عبد الله بن
عمرو، ومما يؤكد ذلك أن أحدًا ممن خرج الحديث لم يزد في الإسناد على قوله عن عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده. والله أعلم.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٨٨)، والترمذي
(١٢٧٨)، والنسائي في «المجتبى» (٤٦١١) و(٤٦٢٩ - ٤٦٣١) من طريق عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده عبد الله بن
عمرو بن العاص. وقال الترمذي: حديث
حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٢٨).
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٠١٠)،
وابن حبان (٤٣٢١) من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن عبد الله بن عمرو بن
العاص. ونقل المزي في «التحفة» (٨٨٨٥) أن النسائي قال فيه: هذا الحديث حديث منكر،
وهو عندي خطأ، والله أعلم.
قلنا: قد روى هذا الحديث الحاكم ٤/
١٧: من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن يزيد بن زُريع، حدَّثنا عطاء الخراساني، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال الخطابي: أما الحديث الأول
وقوله: «لا يحل سلف وبيع» فهو من نوع ما تقدم بيانه فيما مضى من نهيه عن بيعتين في
بيعة، وذلك مثل أن يقول: أبيعك هذا العبد بخمسين دينارًا على أن تسلفني ألف درهم
في متاع أبيعه منك إلى أجل، أو يقول: أبيعك بكذا على أن تقرضني ألف درهم، ويكون
معنى السلف: القرض، وذلك فاسد لأنه إنما يقرضه على أن يُحابيه في الثمن، فيدخل
الثمن في حدِّ الجهالة، ولأن كل قرض جر نفعًا فهو ربا. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأما «ربح ما لم يُضمن» فهو أن يبيعه
سلعة قد اشتراها، ولم يكن قبضها فهي من ضمان البائع الأول ليس من ضمانه، فهذا لا
يجوز بيعه حتى يقبضه، فيكون من ضمانه.
وأما قوله: «لا تبع ما ليس عندك» فقد
فسّرناه قبل.
وأما قوله: «ولا شرطان في بيع» فإنه
بمنزلة بيعتين. وهو أن يقول: بعتك هذا الثوب حالًا بدينار، ونسيئة بدينارين، فهذا
بيع تضمن شرطين يختلف المقصود منه باختلافهما، وهو الثمن، ويدخله الغرر والجهالة.
ولا فرق في مثل هذا بين شرط واحد،
وبين شرطين، أو شروط ذات عدد في مذاهب أكثر العلماء.
وفرق أحمد بن حنبل بين شرط واحد،
وبين شرطين اثنين، فقال: إذا اشترى منه ثوبًا واشترط قصارته صح البيع، فإن شرط
عليه مع القصارة الخياطة فسد البيع.
قال الشيخ [هو الخطابي]: ولا فرق بين
أن يشترط عليه شيئًا واحدًا أو شيئين لأن العلة في ذلك كله واحدة، ذلك لأنه إذا
قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقصر لي العشرة التي هي الثمن تنقسم على
الثوب وعلى أجر القصارة، فلا يُدرى حينئذٍ كم حصة الثوب من حصة الإجارَة؟ وإذا صار
الثمن مجهولًا بطل البيع، وكذلك هذا في الشرطين والأكثر.
وكل عقد جَمَعَ تجارة وإجارة فسبيله
في الفساد هذا السبيل.
وفي معناه أن يبتاع منه قفيز حنطة
بعشرة دراهم على أن يطحنها أو أن يشتري منه حمل حطب على أن ينقله إلى منزله، وما
أشبه ذلك مما يجمع بيعًا وإجارة.
والمشروط على ضروب: فمنها ما ينقض
البيوع ويُفسدها، ومنها ما لا يلائمها ولا يفسدها، وقد روي: «المسلمون عند شروطهم»
وثبت عن النبي ﷺ:كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل«.
فعُلِم أن بعض الشروط يصح بعضها
ويبطل، وقال:»من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، فهذه
الشروط قد أثبتها رسول الله ﷺ في عقد البيوع، ولم يَرَ العقد يفسُد بها، فعلمت أن
ليس كل شرط مبطلًا للبيع. =
٧١ - باب في شرطٍ في بيع
٣٥٠٥
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا يحيى
-يعني ابنَ سعيد- عن زكريا، حدَّثنا عامر
= وجماع هذا الباب أن يُنظر، فكل شرط
كان من مصلحة العقد أو من مقتضاه، فهو جائز، مثل أن يبيعه على أن يرهنه داره، أو
يقيم له كفيلًا بالثمن، فهذا من مصلحة العقد والشرط فيه جائز.
وأما مقتضاه: فهو مثل أن يبيعه عبدًا
على أن يُحسن إليه وأن لا يكلّفه من العمل ما لا يطيقه، وما أشبه ذلك من الأمور
القي يجب عليه أن يفعلها. وكذلك لو قال له: بعتك هذه الدار على أن تَسكُنها أو
تُسكِنها من شئت وتكريها، وتتصرف فيها بيعًا وهبة، وما أشبه ذلك مما يفعله في
ملكه. فهذا شرط لا يقدح في العقد، لأن وجوده ذكرًا له، وعدمه سكوتًا عنه في الحكم
سواء.
وأما ما يفسد البيع من الشروط فهو كل
شرط يُدخل الثمن في حدِّ الجهالة، أو يوقع في العقد أو في تسليم المبيع غررًا، أو
يمنع المشتري من اقتضاء حق الملك في المبيع.
فأما ما يُدخل الثمن في حدّ الجهالة
فهو أن يشتري منه سلعة ويشترط عليه نقلها إلى بيته، أو ثوبًا ويشترط عليه خياطته،
في نحو ذلك من الأمور.
وأما ما يجلب الغرر: فمثل أن يبيعه
دارًا بألف درهم، ويشترط فيه رضا الجيران، أو رضا زيد أو عمرو، أو يبيعه دابة على
أن يسلمها إليه بالرَّي أو بأصبهان، فهذا غرر، لا يُدرى: هل يَسلمُ الحيوان إلى
وقت التسليم؟ وهل يرض الجيران أم لا؟ أو المكان الذي يشترط تسليمه فيه أو لا؟
وأما منع المشتري من مقتضى العقد،
فهو أن يبيعه جارية على أن لا يبيعها أو لا يستخدمها أو لا يطاها ونحو ذلك من
الأمور.
فهذه شروط تُفسِد البيع، لأن العقد
يقتضي التمليك، إطلاق التصرف في الرقبة والمنفعة. وهذه الشروط تقتضي الحجر، الذي
هو مناقض لموجب الملك، فصار كأنه لم يبعه منه أو لم يملكه إياه.
وانظر «المغني» ٦/ ٣٢١ - ٣٢٧ لابن
قدامة المقدسي.
عن جابر بن عبد الله، قال: ْ
بِعْتُهُ -يعني بعيرَهُ- من النبي ﷺ، واشترطْتُ حُملانَه إلى أهلي، قال في آخره:
«تُراني إنما ماكَسْتُكَ لأذْهَبَ بجملِكَ؟! خُذْ جملَكَ وثمنَه، فهما لَكَ» (١).
٧٢
- باب في
عُهدَة الرقيق
٣٥٥٦
- حدَّثنا مُسلمُ بن إبراهيمَ، حدَّثنا
أبانُ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن عُقبة بنِ عامرٍ، أن رسولَ الله ﷺ
قال: «عُهدةُ الرقِيقِ ثلاثةُ أيام» (٢).
(١) إسناده صحيح. عامر: هو اين شراحيل
الشعبي، وزكريا: هو ابن أبي زائدة، ومسدَّد: هو ابن مُسرهد.
وأخرجه البخاري (٢٧١٨)، ومسلم بإثر
(١٥٩٩)، والترمذي (١٢٩٧)، والنسائي (٤٦٣٧) من طريق زكريا بن أبي زائدة، به. ورواية
الترمذي مختصرة بلفظ: أن جابرًا باع من النبي ﷺ بعيرًا واشترط ظهره إلى أهله.
وأخرجه بأطول مما ها هنا البخاري
(٢٩٦٧)، ومسلم بإثر (١٥٩٩) من طريق مغيرة بن مقسم الضبي، عن الشعبي، به. ولفظ
الاشتراط فيه فبعتُه إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة.
وأخرجه بنحره مسلم بإثر (١٥٩٩) من
طريق أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، عن جابر، ولفظ الاشتراط فيه كلفظ مغيرة.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٩٥).
(٢)
إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن الحسن -وهو البصري- لم يسمع من عقبة بن عامر فيما قاله
علي ابن المديني، وأحمد فيما نقله عنه الخطابي، وأبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في
«العلل» ١/ ٣٥٥، وغيرهم. وقد اختلف فيه أيضًا عن الحسن، فمرة يروى عنه عن عقبة كما
هو عند المصنف هنا، ومرة يروى عنه عن سمرة بن جندب، واختلف في لفظه كذلك.
وأخرجه أحمد (١٧٢٩٢)، وابن ماجه
(٢٢٤٥) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عقبة بن عامر أن رسول الله ﷺ قال: «لا
عهدة بعد أربع». =
٣٥٠٧ - حدَّثنا هارونُ بن عبد الله، حدَّثني
عبدُ الصمدِ، حدَّثنا هَمَّامٌ، عن قتادةَ، بإسناده ومعناه، زاد:
إن وَجَدَ داءً في الثلاثِ ليالٍ
رَدَّ بغير بينة، وإن وجد داء بعدَ الثلاث، كُلِّفَ البينةَ أنه اشتراه وبه هذا
الداءُ (١).
قال أبو داود: هذا التفسيرُ مِن
كلامِ قتَادةَ.
٧٣
- باب فيمن
اشترى عبدًا فاستعمله، ثم وجد به عيبًا
٣٥٠٨
- حدَّثنا أحمدُ ابنُ يونس، حدَّثنا
ابنُ أبي ذئب، عن مَخْلد بن خُفافِ، عن عُروة
عن عائشة قالت: قال رسولُ الله ﷺ:
«الخَرَاجُ بالضَّمَانِ» (٢).
= وأخرجه ابن ماجه (٢٢٤٤) من طريق عبدة
بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب. كلفظ
المصنف. لكن الحسن لم يصرح بسماعه له من سمرة. وانظر تمام تخريجه والكلام عليه عند
أحمد (١٧٢٩٢)، وابن ماجه (٢٢٤٤).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: معنى «عهدة الرقيق» أن
يشتري العبد أو الجارية، ولا يشترط البائع البراءة من العيب، فما أصاب المشتري من
عيب بالمبيع في الأيام الثلاثة لم يُردَّ إلا ببينة وهكذا فسره قتادة فيما ذكره
أبو داود عنه [يعني في الطريق الآتي بعده].
ثم نقل الخطابي بعد ذلك تضعيف الإمام
أحمد بن حنبل للحديث، وقوله: لا يثبت في العُهدة حديث.
(١)
إسناده ضعيف كسابقه. همام: هو ابن يحيى العوذي، وعبد الصمد: هو ابن عبد الوارث،
وهارون بن عبد الله: هو الجمال.
وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده حسن. مخلد بن خُفاف وثفه ابن وضاح فيما نقله ابن القطان والذهبي، وذكره ابن
حبان في «الثقات»، وحسّن حديثه هذا الترمذي والبغوي، وصححه ابن القطان
=
٣٥٠٩ - حدَّثنا محمودُ بن خالد، حدَّثنا
الفِريابىُّ، عن سفيانَ، عن محمد ابن عبد الرحمن عن مَخلَدِ بنِ خُفافٍ الغِفاري،
قال: كان بيني وبَينَ أُناسٍ شركةٌ في عبدٍ فاقتَوَيْتُهُ وبعضُنا غائب، فاغَلَّ
علَيَّ غَلةً، فخاصمني في نصيبه إلى بعضِ القضاة، فأمرني أن أرد الغَلَّةَ، فأتيتُ
عروةُ بنَ الزبير فحدَّثتُه، فأتاه عروةُ، فحدَّثه عن عائشة، عن رسول الله ﷺ قال:
«الخَرَاجُ بالضمَانِ» (١).
= في «الوهم والايهام» ٥/ ٢١١ - ٢١٢،
وقد تابعه عمر بن علي المقدَّمي عند الترمذي (١٣٣٢)، ومسلم بن خالد الزنجي في
الحديث الآتي برقم (٣٥١٠)، وخالد بن مهران عند الخطيب في «تاريخه» ٨/ ٢٩٧، فالحديث
صحيح بهذه المتابعات، لا سيما أن أهل العلم تلقَّوه بالقبول، وعملوا به كما قال
الترمذي.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٤٢)، والترمذي
(١٣٣١)، والنسائي (٤٤٩٠) من طريق ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٢٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٢٨).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: معنى «الخراج»: الدخْل
والمنفعة، ومن هذا قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ
خَيْرٌ﴾ [المؤمنون:٧٢]،ويقال للعبد -إذا كان لسيده عليه ضريبة- مُخارج. ومعنى
قوله: «الخراج بالضمان» المبيع إذا كان مما له دخل وغلة، فإن مالك الرقبة -الذي هو
ضامن الأصل- يملك الخراج بضمان الأصل، فإذا ابتاع الرجل أرضًا فأشغلها أو ماشية
فنتجها أو دابة فركبها أو عبدًا فاستخدمه، ثم وجد به عيبًا فله أن يردّ الرقبة ولا
شيء عليه فيما انتفع به، لأنها لو تلفت ما بين مدة العقد والفسخ لكانت من ضمان
المشتري، فوجب أن يكون الخراج من حقه.
(١)
إسناده حسن كسابقه. محمد بن عبد الرحمن: هو ابن أبي ذئب، وسفيان: هو الثوري،
والفريابي: هو محمد بن يوسف.
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: اقتويتُه، معناه:
استخدمتُه.
٣٥١٠ - حدَّثنا إبراهيمُ بن مروانَ، حدَّثنا
أبي، حدَّثنا مُسْلِمُ بن خالد الزنجيُّ، حدَّثنا هشامُ بنُ عُروةَ، عن أبيِه
عن عائشة: أن رجلًا ابتاع غلامًا،
فأقام عنده ما شاء اللهُ أن يُقيم، ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبيَّ ﷺ، فردّة
عليه، فقال الرجلُ: يا رسولَ الله قد استغلَّ غلامي، فقال رسولُ الله ﷺ:
«الخَرَاجُ بالضمَانِ» (١).
قال أبو داود: هذا إسناد ليس بذاك.
٧٤
- باب إذا
اختلف البيِّعان والبَيْعُ قائم
٣٥١١
- حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن فارس،
حدَّثنا عُمَرُ بن حفص بن غِياث، حدَّثنا أبي، عن أبي عُميسِ، أخبرني عبدُ الرحمن
بنُ قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه
عن جده، قال: اشترى الأشعثُ بن قيسٍ
رقيقًا مِن رقيق الخُمْسِ مِن عبد الله بعشرين ألفًا، فأرسلَ عبدُ الله إليه في
ثمنِهم، فقال: إنما أخذتُهم بعشرة آلاف، فقال عبدُ الله: فاخترْ رجلًا يكونُ بيني
وبينَك،
(١) حديث حسن. مسلم بن خالد الزنجي متابع في
الطريقين السابقين.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٤٣) من طريق مسلم
بن خالد الزنجي، بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (١٣٣٢) من طريق عمر
بن علي المقدَّمي، عن هشام بن عروة، به. وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن
عروة، واستغرب محمد ابن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي، وقد روى مسلم بن
خالد الزنجي هذا الحديث عن هشام بن عروة. ورواه جرير -يعني ابن عبد الحميد- عن
هشام أيضًا، وحديث جرير، يقال: تدليس دلّس فيه جرير، لم يسمعه من هشام بن عروة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥١٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٢٧)، وانظر سابقيه.
قال الأشعثُ: أنت بيني وبينَ نفسِك،
قال عبدُ الله: فإني سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إذا اختلف البيِّعَان ولَيْسَ
بينَهما بينة، فهو ما يقولُ ربُّ السِّلعة، أو يتتاركان» (١).
(١) حسن بطرقه. وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد
الرحمن بن قيس بن محمد.
وأخرجه النسائي (٤٦٤٨) من طريق عمر
بن حفص بن غياث، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٤٤٤٤)، والترمذي (١٣١٦)
من طريق محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأحمد (٤٤٤٢)،
والنسائي (٤٦٤٩) من طريق أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، كلاهما عن عبد الله بن
مسعود. وعون لم يسمع من عم أبيه عبد الله بن مسعود، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وسيأتي عند المصنف بعده من طريق
القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده.
قال الخطابي: قوله: «أو يتتاركان»
معناه: أو يتفاسخان العقد. واختلف أهل العلم في هذه المسألة:
فقال مالك والشافعي: يقال للبائع:
احلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف البائع، قيل للمشتري: إما أن تأخذ
السلعة بما قال البائع، وإما أن تحلف ما اشتريتها إلا بما قلت، فإن حلف برئ منها
ورُدَّت السلعةُ على البائع. وسواء عند الشافعي كانت السلعة قائمة أو تالفة،
فإنهما يتحالفان ويترادان.
وكذلك قال محمد بن الحسن، ومعنى
«يترادان» أي: قيمة السلعة عند الاستملاك.
وقال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو
حنيفة وأبو يوسف: القول قول المشتري مع يمينه بعد الاستملاك، وقول مالك قريب من
قولهم بعد الاستملاك في أشهر الروايتين عنه. واحتج لهم بأنه قد روي في بعض
الأخبار: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، فالقول ما يقول البائع. ويترادان،
قالوا: فدل اشتراطه قيام السلعة على أن الحكم عند استهلاكها بخلاف ذلك.
قال الشيخ [يعنى الخطابي]: وهذه
اللفظة لا تصح من طريق النقل، إنما جاء بها ابن أبي ليلى، وقيل: إنها من قول بعض
الرواة، وقد يحتمل أن يكون إنما ذكر قيام =
٣٥١٢ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفيليُّ، حدَّثنا هُشيمٌ، أخبرنا ابنُ أبي ليلى، عن القاسم بنِ عبد الرحمن
= السلعة بمعنى التغليب لا من أجل
التفريق، لأن كثر ما يعرض فيه النزاع ويجب معه التحالف هو حال قيام السلعة، وهذا
كقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ
اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ﴾ [النساء:٢٣]، فذكره الحجور ليس بشرط يتغير به الحكم،
ولكنه غالب الحال. وكقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ﴾ [البقرة:٢٢٩] ولم يجر ذكر الخوف من مذهب أكثر الفقهاء للفرق، ولكن لأنه
الغالب ولم يفرقوا في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف منها فيما يجب من رد
السلعة إن كانت قائمة والقيمة إن كانت تالفة، وهذا البيع مصيره إلى الفساد، لأنا
نرفعه من أصله إذا تحالفا ونجعله كأنه لم يقع ولسنا نثبته ثم نفسخه، ولو كنا فعلنا
ذلك لكان في ذلك تكذيب أحد الحالفَين ولا معنى لتكذيبه مع إمكان تصديقه، ويخرج ذلك
على وجه يعذر فيه مثل أن يحمل أمره على الوهم وغلبة الظن في نحو ذلك.
واحتجوا فيه أيضًا بقوله: «اليمين
على المدّعَى عليه وهذا لا يخالف حديث التحالف، لأن كل واحد منهما مدّع من وجه
ومدّعى عليه من وجه آخر، وليس اقتضاء أحد الحكمين منه بأولى من الآخر، وقد يُجمع
بين الخبرين أيضًا بأن يجعل اليمين على المدعى عليه إذ كانت يمين نفي، وهذه يمين
فيها إثبات.
قال الشيخ: [يعني الخطابي] وأبو
حنيفة لا يرى اليمين في الأثبات، وقد قال به ها هنا مع قيام السلعة، وقد خالف أبو
ثور جماعة الفقهاء في هذه المسألة، فقال: القول قول المشتري مع قيام السلعة،
ويقال: إن هذا خلاف الإجماع مع مخالفته الحديث، والله أعلم.
وقد اعتذر له بعضهم أن في إسناد هذا
الحديث مقالًا، فمن أجل ذلك عدل عنه.
قال الشيخ: هذا حديث قد اصطلح
الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلًا، كما اصطلحوا على قبول قوله:»لا وصية
لوارث" وفي إسناده ما فيه.
قال الشيخ: وسواء عند الشافعي كان
اختلافهما في الثمن أو في الأجل أو في خيار الشرط أو في الرهن أو في الضمين،
فإنهما يتحالفان قولًا بعموم الخبر وظاهره، إذ ليس فيه ذكر حال من الاختلاف دون
حال. وعند أصحاب الرأي: لا يتحالفان إلا عند الاختلاف في الثمن.
عن أبيه، أن ابنَ مسعودِ باع من
الأشعث بنِ قيس رقيقًا، فذكر معناه، والكلام يزيدُ ويَنقُصُ (١).
٧٥
- باب في
الشفعة
٣٥١٣
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
إسماعيل بنُ إبراهيم، عن ابن جُرَيج، عن أبي الزبير
عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ:
«الشُفعةُ في كل شِرْكٍ رَبْعَةٍ أو حائِطِ، لا يَصْلُحُ أن يبيعَ حتى يُؤْذِنَ
شريكَه، فإن باع فهو أحقُّ به حتى يُؤْذِنَه» (٢).
(١) حديث حسن بطرقه، وهذا إسناد ضعيف لسوء
حفظ ابن أبي ليلى -واسمه محمد بن عبد الرحمن-. القاسم بن عبد الرحمن: هو ابن عبد
الله بن مسعود، وهشيم: هو ابن بشير.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٨٦) من طريق هشيم
بن بشير، بهذا الإسناد.
وأخرجه الدارقطني (٢٨٦٠) من طريق عمر
بن قيس الماصر، و(٢٨٦١) من طريق الحسن بن عمارة، كلاهما عن القاسم بن عبد الرحمن
بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده. قال الحافظ في «التلخيص الحبير» ٣/ ٣١ عن
الطريق الأول: ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه.
وأخرجه أحمد (٤٤٤٣) عن هشيم بن بشير،
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم، عن ابن مسعود. دون ذكر عبد الرحمن
بن عبد الله بن مسعود.
ولم يدرك القاسم جده.
وأخرجه أحمد (٤٤٤٦) و(٤٤٤٧) من طريق
معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، و(٤٤٤٥) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله
بن عتبة بن مسعود المسعودي، كلاهما عن القاسم، عن ابن مسعود. والقاسم لم يُدرك جده
كما قلنا.
وانظر ما قبله.
وانظر تمام تخريجه في «مسند أحمد»
(٤٤٤٢ - ٤٤٤٧).
(٢)
إسناده صحيح. وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي
=
٣٥١٤ - حدَّثنا أحمد بن حنبلٍ، حدَّثنا عبدُ
الرزاق، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن جابر بن عبد الله، قال: إنما
جَعَلَ رسولُ الله ﷺ الشفعةَ في كل ما لم يُقْسَم، فإذا وقَعَتِ الحُدُودُ،
وصُرِّفَت الطرقُ، فلا شُفعةَ (١).
=- بسماعه وكذلك ابنُ جريج -وهو عبد
الملك بن عبد العزيز- عند مسلم وغيره فانتفت شبهة تدليسهما.
وأخرجه مسلم (١٦٠٨)، والنسائي (٤٦٤٦)
و(٤٧٠١) من طريق ابن جريج، ومسلم (١٦٠٨) من طريق زهير بن معاوية وابن ماجه (٢٤٩٢)
من طريق سفيان بن عيينة، ثلاثتهم عن أبي الزبير، به.
وأخرجه النسائي (٤٧٠٥) من طريق حسين
بن واقد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قضى رسولُ الله ﷺ بالشفعة والجوار.
وأخرجه الترمذي (١٣٥٩) من طريق
سليمان اليشكري، عن جابر بن عبد الله أن نبي الله ﷺ قال: «من كان له شريك في حائط،
فلا يبيع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه». وفي إسناده انقطاع.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٩٢)
و(١٤٤٠٣)، و«صحيح ابن حيان» (٥١٧٨) و(٥١٧٩).
قال الخطابي: الربع والربعة: المنزل
الذي يربع به الإنسان ويتوطنه، يقال: هذا ربع، وهذه ربعة بالهاء كما قالوا: دار،
ودارة، وفي الحديث إثبات الشفعة في الشركة، وهو اتفاق من أهل العلم، وليس فيه عن
المقسوم من جهة اللفظ، ولكن دلالته من طريق المفهوم أن لا شفعة في المقسوم كقوله:
«الولاء لمن أعتق» دلالته أنه لا ولاء إلا للمعتق، وفيه دليل على أن الشفعة لا تجب
إلا في الأرض والعقار دون غيرهما من العروض والأمتعة والحيوان ونحوهما.
(١)
إسناده صحيح.
وهو في «مصف عبد الرزاق» (١٤٣٩١) ومن
طريقه أخرجه البخاري (٢٢١٣)، وابن ماجه (٢٤٩٩)، والترمذي (١٤٢٢).
=
٣٥١٥ - حدَّثنا محمد بنُ يحيى بنِ فارس،
حدَّثنا الحسنُ بن الربيع، حدَّثنا ابنُ إدريسَ، عن ابنِ جُريج، عن ابنِ شهاب، عن
أبي سلمة، أو عن سعيد بن المسيِّب، أو عنهما جميعًا
عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إذا قُسِمَتِ الأرضُ وحُدَّتْ، فلا شُفعَة فيها (١).
= وأخرجه مرسلًا النسائي (٤٧٥٤) من
طريق صفوان بن عيسى، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة أن رسول الله ﷺ قال:
...
وهو في»مسند أحمد«(١٤١٥٧) و»صحيح ابن
حبان«(٥١٨٤) و(٥١٨٧). وانظر ما بعده.
قال الخطابي: هذا الحديث أبين في
الدلالة على نفي الشفعة لغير الشريك من مثبته من الحديث الأول.
وقال: في هذا بيان أن الشفعة تبطل
بنفس القسمة والتمييز بين الحصص بوقوع الحدود، ويشبه أن يكون المعنى الموجب للشفعة
دفع الضرر بسوء المشاركة والدخول في ملك الشريك، وهذا المعنى يرتفع بالقسمة،
وأملاك الناس لا يجوز الاعتراض عيها بغير حجة.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٩٧) و(٢٤٩٧ م) من
طرق عن أبي عاصم، وابن حبان (٥١٨٥) من طريق عبد الملك بن الماجشون، كلاهما عن مالك
بن أنس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. قال
أبو عاصم: سعيد بن المسيب مرسل، وأبو سلمة عن أبي هريرة متصل.
قلنا: هو في»موطأ مالك«برواية يحيى
الليثي ٢/ ٧١٣ عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة، عن النبي ﷺ فجعله عن
كليهما مرسلًا.
وأخرجه الطحاوي في»شرح المعاني"
٤/ ١٢٢ من طريق ابن جريج، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
وانظر ما قبله.
٣٥١٦ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمد
النُّفيليُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن ابراهيمَ بن مَيسَرةَ، سمع عَمرو بن الشَّريدِ
سمع أبا رافع، سَمِعَ النبيَّ ﷺ
يقول: «الجارُ أحقُّ بِسَقَبِهِ» (١).
٣٥١٧
- حدَّثنا أبو الوليد الطيالسيُّ،
حدَّثنا شعبةُ، عن قتادةَ، عن الحسن
عن سمرةَ، عن النبيِّ ﷺ قال: «جارُ
الدَّارِ أحقُّ بدارِ الجار أو الأرضِ» (٢).
(١) إسناده صحيح. سفيان: هو ابن عيينة.
وأخرجه البخاري (٢٢٥٨)، وابن ماجه
(٢٤٩٥) و(٢٤٩٨)، والنسائي (٤٧٠٢) من طريق إبراهيم بن ميسرة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٨٧١)
و(٢٧١٨٠)، و«صحيح ابن حبان» (٥١٨١) و(٥١٨٣).
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٩٦)، والنسائي
(٤٧٠٣) من طريق عمرو بن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد. قال
البخاري فيما نقله عنه الترمذي بإثر الحديث (١٤٢٠): كلا الحديثين عندي صحيح. قلنا:
يعني رواية عمرو بن الشريد عن أبي رافع، وعن أبيه.
وقوله: بسقبه، قال الخطابي: السقب:
القربُ، يقال ذلك بالسين والصاد جميعًا وقد يحتج بهذا من يرى الشفعة بالجوار وإن
كان مقاسمًا إلا أن هذا اللفظ مبهم يحتاج إلى بيان، وليس في الحديث ذكر للشفعة،
فيحتمل أن يكون أراد الشفعة ويحتمل أن يراد به أحق بالبر والمعونة وما في معناهما،
وقد يحتمل أن يجمع بين الخبرين، فيقال: إن الجار أحق بسقبه إذا كان شريكًا، فيكون
معنى الخبرين على الوفاق دون الاختلاف.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من
سمرة.
وأخرجه الترمذي (١٤٢٠)، والنسائي في
«الكبرى» كما في «تحفة الأشراف» (٤٥٨٨)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، والنسائي في
«الكبرى» من طريق شعبة بن الحجاج، كلاهما عن قتادة، به. =
٣٥١٨ - حدَّثنا أحمدُ بنُ حنبل، حدَّثنا
هُشَيْمٌ، أخبرنا عبدُ الملك، عن عطاء
عن جابر بنِ عبد الله، قال: قال
رسولُ الله ﷺ: «الجارُ أحَقُّ بِشُفعة جَارِه: يُنْتَظَر بها وإن كان غائبًا، إذا
كان طريقُهما واحدًا» (١).
= وأخرجه النسائي في «الكبرى» كما في
«التحفة» (٤٦١٠) من طريق شعبة بن الحجاج، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن، عن سمرة.
وأخرجه النسائي كما في «التحفة»
(٤٦١٠) من طريق يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن قال: قضى النبي ﷺ بالجوار هكذا
رواه مرسلًا.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠٨٨).
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥١٨٢) من
طريق عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي ﷺ ونقل ابن
حجر في «إتحاف المهرة» ٢/ ٢٠٧ و٢٠٨ عن البزار وابن القطان في «الوهم والإيهام» ٥/
٤٤٣ - ٤٤٤ أنهما صححا رواية عيسى بن يونس هذه، وقال ابن القطان: روايته للوجهين
دليل على أنه كان عند سعيد كذلك، ولا يُعلَّل أحدهما بالآخر.
لكنه نقل عن الدارقطني أنه وهَّم
عيسى بن يونس في روايته عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
وجزم الحافظ بما ذهب إليه الدارقطني
فقال: وهو معلول، وإنما المحفوظ عن قتادة عن الحسن، عن سمرة.
قلنا: وكذلك أعلَّ البخاري الرواية
عن أنس فيما نقله عنه الترمذي في «علله الكبير» ١/ ٥٦٨، قال: الصحيح حديث الحسن عن
سمرة، وحديث قتادة عن أنس غير محفوظ، ولم يُعرف أن أحدًا رواه عن ابن أبي عروبة عن
قتادة، عن أنس غير عيسى بن يونس.
وعلى كل فيشهد له حديث أبي رافع
السالف، فهو صحيح به.
(١)
إسناده صحيح، رجاله ثقات، إلا أن بعضهم أعله بعبد الملك -وهو ابن أبي سليمان- وعده
من أخطائه، منهم شعبة والشافعي وأحمد وابن معين والبخاري والخطابي، وقالوا: إن
حديثه هذا ينافي حديث جابر المشهور: «الشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود
فلا شفعة». =
٧٦ - باب في الرجل يُفْلِسُ فيجدُ الرجلُ
مالَه بعينِه عندَه
٣٥١٩
- حدَّثنا عبدُ الله بن مَسلمةَ، عن
مالك (ح)
وحدَّثنا النُّفيليُّ، حدَّثنا زُهير
-المعنى- عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُمَرَ بنِ عبد
العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن
= وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن
الحديث صحيح -وهو الصواب- وأنه لا منافاة بين الحديثين، منهم الترمذي وابن عبد
الهادي والزيلعي، قال ابن عبد الهادي في «التنقيح» ٣/ ٥٨: اعلم أن حديث عبد الملك
حديث صحيح، ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، فإن في حديث عبد الملك:
«إذا كان طريقهما واحدًا»، وحديث جابر المشهور لم ينفِ فيه استحقاق الشفعة إلا
بشرط تصرُّف الطرق، قاله الحنابلة. فنقول: إذا اشترك الجاران في المنافع كالبئر أو
السطح أو الطريق، فالجار أحق بسقب جاره كحديث عبد الملك، وإذا لم يشتركا في شيء من
المنافع فلا شبهة لحديث جابر المشهور، وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره.
وطَعْنُ شعبةَ في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك؟ فإن عبد الملك
ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحُذَّاقِ في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر
تعارضها، وإنما كان إمامًا في الحفظ، وطعْن مَن طَعَن فيه إنما هو اتباعًا لشعبة،
وقد احتج مسلم في «صحيحه» بعبد الملك، وخرج له أحاديث، واستشهد به البخاري، وكان
سفيان يقول: حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان، وقد وثقه أحمد وابن معين
والنسائي وغيرهم.
هشيم: هو ابن بشير الواسطي، وعطاء:
هو ابن أبي رباح.
وأخرجه ابن ماجه (٢٤٩٤)، والترمذي
(١٤٢١)، والنسائي في «الكبرى» (٧٢٦٤) و(١١٧١٤) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان،
به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٥٣).
وقد سلف حديث جابر: «الشُفعة في كل
ما لم يُقسم ...» برقم (٣٥١٤).
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال:
أيُّما رجلٍ أفلَسَ فأدرك الرَّجُلُ متاعَه بعينه، فهو أحقُّ بهِ مِن غيره» (١).
(١) إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية
الجعفي، والنُّفيلي: هو عبد الله بن محمد بن علي بن نُفيل.
وهو في«موطأ مالك» ٢/ ٦٧٨.
وأخرجه البخاري (٢٤٠٢)، ومسلم
(١٥٥٩)، وابن ماجه (٢٣٥٨)، والترمذي (١٣٠٨)، والنسائي (٤٦٧٦) و(٤٦٧٧) من طريق أبي
بكر بن محمد، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٢٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٠٣٦) و(٥٠٣٧).
وأخرجه مسلم (١٥٥٩) من طريق بشير بن
نهيك، و(١٥٥٩) من طريق عراك بن مالك، كلاهما عن أبي هريرة.
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٣٥٢٠ -
٣٥٢٣).
تنبيه: جاء بعد هذا الحديث في رواية
ابن العبد: حدَّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام، أن رسول الله ﷺ قال: «أيما رجل أفلس فأدرك متاعه بعينه
فهو أحق به من غيره» وأشار إليه الحافظ في نسخته المرموز لها بـ (أ).
قال الخطابي: وهذه سنة النبي ﷺ قد
قال بها كثير من أهل العلم، وقد قضى بها عثمان رضي الله عنه، وروي ذلك عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه. ولا يُعلم لهما مخالف في الصحابة، وهو قول عروة
بن الزبير، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وابن
شُبرمة: هو أسوة الغرماء.
ونقل ابن قدامة في «المغني» ٦/ ٥٣٨
أن ممن قال أيضًا بأن الغريم أحق بعين ماله إذا أصابها: أبا هريرة والعنبري وأبا
ثور وابن المنذر، وممن قال كذلك بأنه أسوة الغرماء الحسن البصري.
والمفلس شرعًا: من تزيد ديونه على
موجوده، سمي مفلسًا، لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه
صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك، لأنه يمنع التصرف إلا نن
الشيء التافه كالفلوس، لأنهم ما كانوا =
٣٥٢٠ - حدَّثنا عبدُ الله بنُ مسلمَةَ، عن
مالك، عن ابنِ شهاب
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
بنِ هشام، أن رسولَ الله قال: «أيُّما رجلِ باعَ متاعًا فأفلسَ الذي ابتاعَه ولم
يَقْبِض الذي باعه من ثمنه شيئًا، فوجد متاعَه بعينه، فهو أحقُّ به، وإن مات
المشتري فصاحبُ المتاعِ أسوةُ الغُرماء» (١).
= يتعاملون بها إلا في الأشياء الحقيرة
وقوله: «فهو أحق بها من غيره» أي: كائنا من كان وارثًا أو غريمًا وبهذا قال جمهور
العلماء، وخالف الحنفية فتأولوه لكونه خبر واحد خالف الأصول، لأن السلعة صارت
بالبيع ملكًا للمشتري ومن ضمانه، واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه، وحملوا
الحديث على صورة وهي ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة، وتعقب بأنه لو كان
كذلك لم يقيد بالفلس ولا جعل أحق بها لما يقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك وأيضًا فما
ذكروه ينتقض بالشفعة، وأيضًا قد ورد التنصيص في حديث الباب على أنه في صورة المبيع
وذلك فيما رواه سفيان الثوري في «جامعه» وأخرجه من طريقه ابن خزيمة وابن حبان
(٥٠٣٧) عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد بلفظ: «إذا ابتاع الرجل سلعة، ثم أفلس وهي
عنده بعينها، فهو أحق بها من الغرماء» ولابن حبان (٥٠٣٨) من طريق هشام بن يحيى
المخزومي عن أبي هريرة بلفظ «إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها، فهو أحق
بها دون الغرماء» ولمسلم (١٥٥٩) (٣٩٨٨) «إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه فإنه
لصاحبه الذي باعه». «فتح الباري» ٥/ ٦٢ - ٦٥.
(١)
رجاله ثقات، لكلنه اختلف في وصله وإرساله عن الزهري، فرواه إسماعيل ابن عياش، عن
موسى بن عقبة ومحمد بن الوليد الزُّبيدي، عن الزهري، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن،
عن أبي هريرة موصولًا. وخالفهما مالك ويونس بن يزيد الأيلي وصالح بن كيسان ومعمر
بن راشد، فرووه عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلًا، ولا يُعرف أحد رواه
عن موسى بن عقبة ومحمد بن الوليد إلا إسماعيل بن عياش، وهو دون الثقة، على أن موسى
بن عقبة مدني وإسماعيل حمصي، ورواية إسماعيل عن غير أهل بلده فيها تخليط.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= قال الحافظ محمد بن يحيى الذهلي فيما
نقله ابن الجارود بإثر الحديث (٦٣٣): رواه مالك وصالح بن كيسان ويونس، عن الزهري،
عن أبي بكر مطلقٌ عن رسول الله ﷺ، وهم أولى بالحديث -يعني طريق الزهري- وقال
الدارقطني بإثر الحديث (٢٩٠٣): إسماعيل بن عياش مضطرب الحديث، ولا يثبت هذا عن
الزهري مسندًا، انما هو مرسل، وقال البيهقي ٦/ ٤٧: لا يصح موصولًا عن الزهري،
وذكره ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والايهام» (١٦٧٤) فيما سكت عنه عبد الحق
مصححًا له وليس بصحيح. وسيأتي بإثر (٣٥٢٢) ترجيح المصنف لرواية مالك يعني الرواية
المرسلة.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٦٧٨. قال ابن
عبد البر في «التمهيد» ٨/ ٤٠٦: هكذا وفي جميع «الموطآت» التي رأينا، وكذلك رواه
جميع الرواة عن مالك فيما علمنا مرسلًا، إلا عبد الرزاق، فقد رواه عن مالك، عن ابن
شهاب، عن أبي بكر، عن أبي هريرة فأسنده، وقد اختلف في ذلك عن عبد الرزاق، فرواه
محمد بن علي وإسحاق ابن إبراهيم بن جوتي الصنعانيان، عن عبد الرزاق مسندًا، ورواه
محمد بن يوسف الحُذاقي وإسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق مرسلًا كما في
«الموطأ» قال: وذكر الدارقطني أنه قد تابع عبدَ الرزاق على إسناده عن مالك أحمدُ
بن موسى وأحمد ابن أبي طيبة. وإنما هو في «الموطأ» مرسل. قال: ورواه صالح بن كيسان
ويونس بن يزيد ومعمر بن راشد، عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلًا. قلنا:
وكذلك
رواه الشافعي عن مالك مرسلًا كما في
«السنن الكبرى» للبيهقي ٦/ ٤٦.
وأما ما جاء في رواية مالك هذه
ورواية يونس بن يزيد الآتية بعده من قوله: «وإن مات المشتري، فصاحب المتاع أسوة
الغُرماء» فقد جزم أبو بكر بن العربي في «عارضة الأحوذي» ٦/ ١٩ بأن ما زيد من
الأسوة في الموت من قول الراوي.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٥١٥٨) عن
مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلًا. وقد جزم الحافظ في «الفتح»
٥/ ٦٣ أن عبد الرزاق وصله في «المصنف»!! ويؤيد ما جاء في المطبوع قول ابن عبد البر
السالف ذكره بأن إسحاق الدبري رواه عن عبد الرزاق مرسلًا. =
٣٥٢١ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود، حدَّثنا
عبدُ الله -يعني ابنَ وهب- أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهاب، قال:
أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام: أن رسول الله ﷺ، فذكر معنى حديث مالك، زاد: «وإن كان قد قضى من
ثمنها شيئًا، فهو أُسوةُ الغرماء».
قال أبو بكر: وقضى رسولُ الله ﷺ أنه
من تُوفيَ وعنده سلعة رجلٍ بعينها، لم يقضِ من ثمنها شيئًا، فصاحب السِّلعة أسوةُ
الغُرَماء فيها (١).
٣٥٢٢
- حدَّثنا محمدُ بنُ عوف الطائي،
حدَّثنا عبدُ الله بنُ عبد الجبار الخبائريُّ حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عيَّاش -عن
الزبيدي، عن الزهري، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن
= وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار»
(٤٦٠٦) من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، عن عبد الرزاق، عن مالك،
عن ابن شهاب، عن أبي بكر، عن أبي هريرة فوصله، ونقل عن ابن خزيمة قوله في عبد
الرحمن بن بشر: وكان هذا من علماء نيسابور وثقاتهم. قلنا: وعلى أي حال فرواة
«الموطأ» رووه بالإرسال، ولا شك أن روايتهم أثبت، على أنه اختُلف على عبد الرزاق
في وصله وإرساله!
وانظر ما قبله، وما بعده.
قال الخطابي: ذهب مالك إلى جملة ما
في هذا الحديث، وقال: إن كان قبض شيئًا من ثمن السلعة فهو أسرة الغرماء، وقال
الشافعي: لا فرق بين أن يكون قبض شيئًا أو لم يقبضه في أنه إذا وجد عين ماله كان
أحق به. وقال مالك: إذا مات المبتاع فوجد البائع عين سلعته لم يكن أحق بها، وعند
الشافعي: إذا مات المبتاع مُفلسًا والسلعة قائمة فلصاحبها الرجوع فيها.
(١)
رجاله ثقات كسابقه. يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وسليمان بن داود: هو المَهري المصري.
وقد سلف الكلام على إسناده عند
الحديث السالف قبله.
وانظر ما سلف برقم (٣٥١٩).
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحوه، قال:
«فإن كان قضاه من ثمنها شيئًا فما بقي هو أسوةُ الغرماء، وأيُّما امرئٍ هلك وعنده
متاعُ امرئٍ بعينه، اقتضى منه شيئًا أو لم يفتض، فهو أسوةُ الغرماء» (١).
قال أبو داود: حديث مالك أصلح.
٣٥٢٣
- حدَّثنا محمدُ بنيُ بشار، حدَّثنا
أبو داود، حدَّثنا ابنُ أبي ذئب، عن أبي المُعْتَمِرِ، عن عمر بن خَلدَةَ قال:
أتينا أبا هريرة في صاحبِ لنا قد
أفلسَ، فقال: لأقضينَّ فيكم بقضاء رسولِ الله ﷺ: «مَنْ أفْلَسَ أو ماتَ، فوجد
رَجُلٌ متَاعَهُ بعينه فهو أحق به» (٢).
(١) قد اختلف في وصل هذا الحديث إرساله عن
الزهري كما بيناه عند الحديث السالف برقم (٣٥٢٠). الزبيدي: هو محمد بن الوليد
الحمصي.
وأخرجه ابن الجارود في «منتقى» (٦٣١)
و(٦٣٣)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٦٠٧)، والدارقطني (٢٩٥٣) و(٤٥٤٩)،
والبيهقي ٦/ ٤٧ - ٤٨، من طريق إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وأخرجه ابن
الجارود (٦٣٢)، والطحاوي (٤٦٠٨)، والدارقطني (٢٩٠٤) و(٤٥٥٠)، والبيهقي ٦/ ٤٧ من
طريق إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزُّبيدي الحمصي، كلاهما عن الزهري، به.
وانظر ما قبله، وما سلف بوقم (٣٥١٩) و(٣٥٢٠).
(٢)
صحيح دون قوله: «أو مات»، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي المعتمر - وهو ابن عمرو بن
نافع. ابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن، وأبو داود: هو سليمان ابن داود
الطيالسي. وقد ضعف هذا الحديث الطحاوي في «شرح المشكل» (٤٦٠٩)، وابن العربي في
«عارضة الأحوذي» ٦/ ١٩.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٦٠) من طريق ابن
أبي ذئب، بهذا الإسناد.
قال أبو بكر بن العربي في «عارضة
الأحوذي» ٦/ ١٩: اختلف العلماء في ذلك على أقوال، أمهاتها ثلاثة: أحدها: أحق في
الفلس والموت، قاله الشافعي، الثاني: أنه أسوة الغرماء، قاله أبو حنيفة، الثالث:
الفرق بين الفلس والموت، قاله مالك. =
٧٧ - باب فيمن أحيا حَسيرًا
٣٥٢٤
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيل، حدَّثنا
حماد وحدَّثنا موسى، حدَّثنا أبان، عن عُبيدِ الله بنِ حُميد بن عبد الرحمن
الحِمَيريِّ، عن الشعبي -قال عن أبان:
إن عامرًا الشعبي حدَّثه- أن رسولَ
الله ﷺ قال: «مَنْ وجد دَابةً قد عَجَزَ عنها أهْلُها أن يَعْلِفُوهَا فسيَّبوها
فأخذها، فأحياها، فهي له». قال أبو داود في حديث أبان: قال عُبيد الله: فقلت:
عَمَّنْ؟ قال: عن غير واحدٍ من أصحاب النبي ﷺ (١).
قال أبو داود: وهذا حديثُ حمادٍ، وهو
أبينُ وأتمُّ.
٣٥٢٥
- حدَّثنا محمدُ بن عُبيدِ، عن حماد
-يعني ابنَ زيدٍ- عن خالدٍ الحذاء عن عُبيد الله بن حُميد بن عبد الرحمن
= وقد سلف من حديث أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث، عن أبي هريرة دون ذكر الموت برقم (٣٥١٩).
(١)
إسناده حسن من طريق أبان -وهو ابن يزيد العطار- من أجل عُبيد الله بن حُميد بن عبد
الرحمن الحِمْيري، فقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في«الثقات»، وإبهام جماعة
الصحابة الذين حدثوا الشعبي -وهو عامر بن شراحيل- لا تضرُّ، لأنهم جميعًا عدول.
حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه الدارقطني (٣٠٥٠)، والبيهقي ٦/
١٩٨ من طريق
أبي داود السجستاني، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي ٦/ ١٩٨ من طريق منصور
بن زاذان، عن عُبيد الله بن حميد، عن الشعبي قال: من فاتت عليه دابته فتركها فهي
لمن أحياها، قلت: عمن هذا يا أبا عمرو، فقال: إن شئت عددت لك كذا وكذا من أصحاب
رسول الله ﷺ.
وأخرج البيهقي ٦/ ١٩٨ بإسناد صحيح
إلى الأوزاعي قوله في رجل سيب دابته، فأخذها رجل فأصلحها، فقال: هذا قد قضي فيه:
إن كان سيّبها في كلأ وماء وأمن فصاحبها أحق بها، وإن كان سيبها في مفازة ومخافة
فالذي أخذها أحق بها.
وانظر ما بعده.
عن الشعبي، يرفع الحديث إلى النبي ﷺ
أنه قال:»مَنْ تَرَكَ دابةً بِمهَلِكِ، فأحْيَاها رجُلٌ، فهي لمن أحياها، (١).
٧٨
- باب في
الرهن
٣٥٢٦
- حدَّثنا هنادٌ، عن ابنِ المبارك، عن
زكريا، عن الشعبي
عن أبي هريرة، عن النبيِّ ﷺ قال:
«لَبَن الدَّرِّ يُحْلَبُ بِنَفَقَتِه، إذا كانَ مَرْهونًا، والظهْرُ يُرْكَبُ
بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يَرْكبُ ويَحْلُبُ النفقَة» (٢).
(١) حديث حسن كسابقه، وهذا إسناد رجاله ثقات
إلا أنه مرسل، لكنه اتصل من طرق أخرى عن عُبيد الله بن حميد كما في الحديث السابق.
خالد الحذاء: هو ابن مِهْران، ومحمد بن عُبيد: هو ابن حِسَاب.
وأخرجه البيهقي ٦/ ١٩٨ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ٧٥ من طريق
هشام الدَّستُوائي، عن عُبيد الله بن حميد، به. وانظر ما قبله.
(٢)
إسناده صحيح كما قال أبو داود بإثره. الشعبي: هو عامر بن شَراحيل، وزكريا: هو ابن
أبي زائدة، وابن المبارك. هو عبد الله، وهناد: هو ابن السَّرِيّ.
وأخرجه البخاري (٢٥١١)، وابن ماجه
(٢٤٤٠)، والترمذي (١٢٩٨) من طريق زكريا بن أبي زائدة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٢٥)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٩٣٥).
قال الخطابي: قوله: «وعلى الذيْ
يحَلُب ويركَب النفقة» كلام مبهم، ليس في نفس اللفظ منه بيانُ مَن يركب ويحلب: من
الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرَّهن.
وقد اختلف أهل العلم في تأويله، فقال
أحمد بن حنبل: للمرتهن أن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقه، وكذلك قال
إسحاق بن راهويه.
وقال أحمد بن حنبل: ليس له أن ينتفع
بشيء غيرهما. =
قال أبو داود: وهو عندنا صحيح.
٣٥٢٧
- حدَّثنا زهير بنُ حرب وعثمانُ بنُ
أبي شيبةَ، قالا: حدَّثنا جريرٌ، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زُرعة بنِ عمرو بن
جرير
= وقال أبو ثور: إذا كان الراهن ينفق
عليه لم ينتفع به المرتهن، وإن كان الراهن لا ينفق عليه وتركه في يد المرتهن فأنفق
عليه فله ركوبه واستخدام العبد، قال: وذلك لقوله: «وعلى الذي يحلُب ويركب النففة.
وقال الشافعي: منفعة الرهن للراهن،
ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن، خلا الاحتفاظ به للوثيقة.
وعلى هذا تأوّل قوله:»الرهن مركوب
ومحلوب«يرى أنه منصرف إلى الراهن الذي هو مالك الرقبة. وقد روى نحو هذا عن الشعبي
وابن سيرين.
وفي قوله:»الرهن مركوب ومحلوب«دليل
على أنه من أعار الرهن، أو أكراهُ من صاحبه لم يفسخ الرهن.
قال الشيخ رحمه الله [يعني الخطابي]:
وهذا أولى وأصح، لأن الفروع متابعة لأصولها، والاصل ملك الراهن. ألا ترى أنه لو
رهنه وهو يسوى مئة، ثم زاد حتى صار يسوى مئتين، ثم رجعت قيمته إلى عشرة أن ذلك كله
في ملك الراهن؟ ولم يختلفوا أن للمرتهن مطالبة الراهن بحقه مع قيام الرهن في يده،
ولأنه لا يجوز للمرتهن أن يجحد المال في هذه الحال، ولو كان الرهن عبدًا فمات كان
على الراهن كفنه، فدل ذلك على ثبوت ملكه عليه، وإن ان ممنوعًا من إتلافه لما يتعلق
به من حق المرتهن. ولو جاز للمرتهن أن يركب ويحلُب بقدر النفقة لكان ذلك معاوضة
مجهول بمجهول، وذلك غير جائز. فدل على صحة تأوُّل من تأوله على الراهن. وقد روى
الشافعي في هذا ما يؤكد قوله: حديثَ الأصم.
قال: أخبرنا الربيع، قال: حدَّثنا
الشافعي، قال: حدَّثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري،
عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله ﷺ قال:»لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له
غنمه، وعليه غرمه«قال: ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة من حديث ابن أبي أُنيسة.
ففي هذا ما دل على صحة قول من ذهب
إلى أن دَرَّه وركوبه للراهن دون المرتهن.
قلنا: وكذلك هو عند الحنفية كما حكاه
المرغيناني في»الهداية".
أن عمر بن الخطاب قال: قال النبيَّ
ﷺ: «إن مِنْ عِبادِ الله لأناسًا ما هُمْ بأنبياء، ولا شُهَداء، يَغبِطُهُم
الأنبياءُ والشهداء يَوْمَ القيامة لِمكانهم من الله» قالوا: يا رسولَ الله
تُخبرنا مَنْ هم، قال: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بروُحِ الله على غيرِ أرحامٍ بينهم،
ولا أموالٍ يتعاطَونْها، فواللهِ إن وجوهَهُمْ لنورٌ، وإنهم لعَلى نُور: لا
يخافونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يحزنُون إذا حَزِنَ الناسُ» وقرأ هذه الآية ﴿أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
[يونس:٦٢] (١).
(١) حديث صحيح، وهذا إسناد فيه انقطاع، فإن
أبا زرعة بن عمرو بن جرير لم يُدرك عمر بن الخطاب، ولهذا قال البيهقي في «شعب
الإيمان» (٨٥٨٤): أبو زرعة عن عمر مرسلًا، وكذلك قال المزي في «تهذيب الكمال»،
وابن كثير في «تفسيره» ٤/ ٢١٤.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»
كما في «تخريج أحاديث الكشاف» للحافظ الزيلعي ٢/ ١٣٠، والطبري في «تفسيره»
(١٧٧١٤)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٨٥٨٥)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب
والترهيب» كما في «تخريج أحاديث الكشاف»، وابن قدامة المقدسي في «المتحابين في
الله» (٤٨) من طريق جرير ابن عبد الحميد، والطيالسي في «مسنده» كما في «تخريج
أحاديث الكشاف»، وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ٥، والواحدي في «الوسيط» ٢/ ٥٥٢ - ٥٥٣،
وابنُ مردَويه في «تفسيره» كما في «تخريج أحاديث الكشاف» من طريق قيس بن الربيع،
كلاهما (جرير وقيس) عن عمارة بن القعقاع، بهذا الإسناد.
وأخرجه هنّاد في «الزهد» (٤٧٥) عن
إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرة، عن طلق بن
حبيب، عن عمر بن الخطاب. وهذا منقطع أيضًا، فإن طلقا لم يدرك عمر بن الخطاب.
وأخرجه أبو يعلى (٦١١٠)، وابن حبان
(٥٧٣) من طريق محمد بن فُضَيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (١١١٧٢)
من طريق محمد بن فضيل، عن أبيه وعمارة بن القعقاع، كلاهما عن أبي زرعة، به.
=
٧٩ - باب في الرجل يأكل من مال ولده
٣٥٢٨
- حدَّثنا محمدُ بن كثير، أخبرنا
سفيانُ، عن منصورِ، عن إبراهيمَ، عن عُمارة بن عُمير، عن عمته
أنها سألت عائشة: في حَجْرِي يتيم،
أفآكُلُ مِن ماله؟ فقالت: قال رسول الله ﷺ: «إن مِن أطيبِ ما أكلَ الرجُلُ من
كَسْبه، وَوَلدُهُ من كَسْبِهِ» (١).
= وأخرجه الطبري في «تفسيره» (١٧٧١٣)
من طريق محمد بن فضيل، عن أبيه، عن عمارة، به.
وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند
الطيالسي (٥٧١)، وأحمد (٢٢٠٠٢) و(٢٢٠٨٠)، والطحاوي (٣٨٩٢) و(٣٨٩٤) و(٣٨٩٥)،
والشاشي في «مسنده» (١٣٨٢)، والطبراني في «الكبير» ٢٠/ (١٤٥) - (١٤٩) و(١٥١)،
والحاكم ٤/ ١٧٠، وأبو نعيم في «الحلية» ٥/ ٢٠٦. وهو حديث صحيح.
وآخر من حديث عبد الله بن عمر عند
الحاكم ٤/ ١٧٠ - ١٧١. وصححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي: قلنا: إسناده حسن.
ونالت من حديث أبي الدرداء أورده
المنذرى في «الترغيب والترهيب» ٤/ ٢١، وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. ورابع من
حديث أبي أمامة أورده المنذري ٤/ ٢٠، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد، وكذلك قال
الهيثمي في «مجمع الزوائد» ١٠/ ٢٧٧.
تنبيه: هذا الحديث أثبتاه من (هـ)،
وهي برواية أبي بكر ابن داسه. وأشار إليه المزي في «الأطراف» (١٠٦٦١).
قال الخطابي: قوله: «تحابوا بروح
الله» أي: بالقرآن، لأن القلوب تحيا به كما تكون حياة النفوس والأبدان بالأرواح.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمة عمارة بن عمير، فإنه لا يُؤثر توثيقها عن
أحد، لكلنها قد توبعت.=
٣٥٢٩ - حدَّثنا عُبيدُ الله بنُ عمرَ بن
ميسرةَ وعثمانُ بن أبي شيبةَ -المعنى- قالا: حدَّثنا محمدُ بنُ جعفر، عن شعبةَ، عن
الحكمِ، عن عُمارةَ بن عُمَيرٍ، عن أمه
= وأخرجه ابن ماجه (٢٢٩٠)، والترمذي
(١٤٠٨)، والنسائي (٤٤٤٩) و(٤٤٥٠) من طريق عمارة بن عمير، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢١٣٧)، والنسائي
(٤٤٥١) و(٤٤٥٢) من طريق الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة. وهذا
إسناد صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٤٨)، و«صحيح
ابن حيان» (٤٢٦٠) و(٤٢٦١) من طريق الأسود.
وأخرجه الدارقطني في «العلل» ٥/ ورقة
٦٠، وابن حزم في «المحلى» ٨/ ١٠٢ من طريق يحيى بن سعيد القطان، والدارقطني من طريق
عمرو بن علي الفلاس، عن عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سفيان الثوري، عن إبراهيم
بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، عن عائشة، وهذا إسناد صحيح أيضًا.
وانظر تمام تخريجه والكلام عليه في
«سنن ابن ماجه» (٢١٣٧).
قال الخطابي: فيه من الفقه أن نفقة
الوالدين واجبة على الولد إذا كان واجدًا لها، واختلفوا في صفة من تجب لهم النفقة
من الآباء والأمهات، فقال الشافعي: إنما يجب ذلك للأب الفقير الزمن، فإن كان له
مالٌ أو كان صحيح البدن غير زَمِنٍ فلا نفقة له عليه.
وقال سائر الفقهاء: نفقة الوالدين
واجبة على الولد، ولا أعلم أحدًا منهم اشترط الزمانة كما اشترطها الشافعي.
قلنا: وما أشار إليه المصنف بإثر
الحديث بأن حماد بن أبي سليمان قد روى هذا الحديث وزاد فيه: «إذا احتجتم» وأنها
زيادة منكرة، بينا في «سنن ابن ماجه» (٢١٣٧) أنها ليست من حماد بن أبي سليمان،
ولكنها ممن دونه، والله تعالى أعلم.
وهذه الزيادة أثبتناها من هامش (ج)
مصححا" عليها، ومن النسخة التي شرح عليها العظيم آبادي.
عن عائشة، عن النبيَّ ﷺ أنه قال:
«وَلَدُ الرّجُلِ مِن كسْبِهِ، مِن أطيبِ كسْبِه، فكلوا مِن أموالهم» (١).
قال أبو داود: حمادُ بن أبي سليمان
زاد فيه: «إذا احتَجتُمْ، وهو منكر.
٣٥٣٠
- حدَّثنا محمدُ بنُ المِنهال، حدَّثنا
يزيدُ بنُ زُرَيع، حدَّثنا حبيبٌ المعلمُ، عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده: أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال:
يا رسولَ اللهِ، إن لي مالًا وولدًا، وإن والدي يجتاجُ مالي، قال:»أنت ومالُكَ
لِوالدك، إنَّ أولادَكم مِن اْطيبِ كَسْبِكُم، فَكُلُوا مِن كَسْبِ أولادِكم«(٢).
(١) حديث صحيح كسابقه، وقد أخطأ الحكم -وهو
ابن عُتيبة- في تعيين الراوي عن عائشة، فقال: عن عمارة بن عمير، عن أمه، وإنما هي
عمته لا أمه، كما صححه الدارقطني في»العلل«٥/ ورقة ٦٠، وسواء كانت عمته أو أمه،
فكلتاهما لا تعرفان فيما قاله ابن القطان في»بيان الوهم والإيهام «٤/ ٥٤٦.
وهو في»مسند أحمد«(٢٤٩٥١).
وانظر ما قبله.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن ماجه (٢٢٩٢) من طريق حجاج
بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، به.
وهو في»مسند أحمد" (٦٦٧٨) من
طريق عُبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب.
ويشهد له حديث جابر بن عبد الله عند
ابن ماجه (٢٢٩١) وهو حديث صحيح، وانظر تمام تخريجه فيه.
وحديث عائشة عند ابن حبان (٤١٠)، وهو
حديث صحيح كذلك. وانظر تمام شواهده عنده. =
٨٠ - باب الرجل يجد عينَ ماله عندَ رجل
٣٥٣١
- حدَّثنا عَمرو بنُ عَونِ، أخبرنا
هُشيم، عن موسى بنِ السائب، عن قتادةَ، عن الحسن
عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله
ﷺ: «مَن وجَدَ عَينَ مالِه عندَ رَجُلٍ، فهو أحَقُّ به ويتّبع البيِّعُ مَن باعه»
(١).
= قال الخطابي: قوله: «يجتاح مالي»
معناه: يستأصله ويأتي عليه، والعرب تقول: جاحهم الزمان، واجتاحهم، إذا أتى على
أموالهم، ومنه الجائحة، وهي الأفة التي تصيب المال فتهلكله.
ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من
اجتياح والده مالَه، إنما هو بسبب النفقة عليه، وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة
عليه شيء كثير، لا يسعه عفوُ مالِه والفَضلُ منه، إلا بأن يجتاح أصلَه، ويأتي
عليه، فلم يعذره النبي ﷺ، ولم يرخص له في ترك النفقة عليه، وقال له: «أنت ومالُك
لأبيك» على معنى: أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة، كما يأخذ من مال
نفسه، وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسْب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه، فأما أن يكون
أراد به إباحةَ ماله وخلاه واعتراضه حتى يجتاحه ويأتي عليه، لا على هذا الوجه، فلا
أعلم أحدًا ذهب إليه من الفقهاء، والله أعلم.
(١)
حديث حسن، الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من سمرة، لكن للحديث طريق آخر يشدُّه
كما سيأتي. وهشيم -وهو ابن بشير- صرح بالسماع عند ابن الجارود (١٠٢٦)، والدارقطني
(٢٨٩٦) وغيرهما.
وأخرجه النسائي (٤٦٨١) من طريق عمرو
بن عون، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٤٨).
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٣١) من طريق حجاج
بن أرطاة، عن سعيد بن عُبيد بن زيد بن عقبة، عن أبيه، عن سمرة قال: قال رسول الله:
«إذا ضاع للرجل متاعٌ -أو سُرق له متاع- فوجده في يد رجل يبيعه، فهو أحق به، ويرجع
المشتري على البائع بالثمن» وحجاج مدلس وقد عنعن. لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن
إن شاء الله تعالى. =
٨١ - باب في الرجل يأخُذُ حقه مِن تحت يده
(١)
٣٥٣٢
- حدَّثنا أحمدُ ابنُ يونُس، حدَّثنا
زُهَير، حدَّثنا هشام بنُ عُروة، عن عُروة
عن عائشة: أن هندًا أُم معاوية جاءت
رسولَ الله ﷺ، فقالت: إن أبا سفيانَ رجُل شَحِيحٌ، وإنه لا يُعطيني ما يكفيني
وبَنِيَّ، فهل عليَّ من جُناح أن آخذ مِن ماله شيئًا؟ قال: «خُذِي ما يكْفِيكِ
وبَنِيكِ بالمعروفِ» (٢).
= وهو في «مسند أحمد» (٢٠١٤٦).
قال الخطابي: هذا في الغُصُوب ونحوها
إذا وجد ماله المغصوب والمسروق عند رجل كان له أن يخاصمه فيه ويأخذ عين ماله منه
ويرجع المأخوذ منه على من باعه إياه.
(١)
قوله «من تحت يده» أي: من تحت يد الآخَر، ويفسِّره الحديث.
(٢)
إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية الجُعفي، وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن
يونس، معروف بالنسبة إلى جدهِ. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام.
وأخرجه البخاري (٢٢١١) و(٥٣٦٤)
و(٥٣٧٥) و(٧١٨٠)، ومسلم (١٧١٤).
وابن ماجه (٢٢٩٣)، والنسائي في
«المجتيى» (٥٤٢٠) من طرق عن هشام بن عروة، وهو في «مسند أحمد» (٢٤١١٧)، و«صحيح ابن
حبان» (٤٢٥٦).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: فيه من الفقه وجوب نفقة
النساء على أزواجهن، ووجوب نفقة الأولاد على الآباء. وفيه أن النفقة إنما هي على
قدر الكفاية، وفيه جواز أن يحكم الحاكم بعلمه، وذلك أنه لم يكلفها البينة فيما
ادعته من ذلك إذ كان قد علم رسولُ الله ﷺ ما بينهما من الزوجية، وأنه كان
كالمستفيض عندهم بخل أبي سفيان، وما كان نسب إليه من الشح. =
٣٥٣٣ - حدَّثنا خُشَيشُ بنُ أصْرَمَ،
حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريٌ، عن عُروة
عن عائشة، قالت: جاءت هندٌ إلى
النبيَّ - فقالت: يا رسولَ الله، إن أبا سفيانَ رجل مُمسِكٌ، فهل عليَّ من حَرَجٍ
أن أُنفق على عيالِه مِن ماله بغيرِ إذنه؟ فقال النبي ﷺ: «لا حَرَجَ عليكِ أن
تُنفقي عليهم بالمعروف» (١).
٣٥٣٤
- حدَّثنا أبو كاملٍ، أن يزيدَ بن
زُريع، حدَّثَهم، حدَّثنا حُميدٌ -يعني الطويلَ- عن يوسفَ بنِ ماهَك المكيِّ، قال:
كنتُ أكتب لفلان نفقةَ أيتام كان
وليَّهُمْ، فغالَطُوه بألفِ درهم،
= وفيه جواز الحكم على الغائب، وفيه
جواز ذكر الرجل ببعض ما فيه من العيوب إذا دعت الحاجة إليه، وفيه جواز أن يقضي
الرجل حقه من مال عنده لرجل له عليه حق يمنعه منه، وسواء كان ذلك من جنس حقه أو من
غير جنس حقه، وذلك لأن معلومًا أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه من
النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه لهم، ثم أطلق إذنها في أخذ كفايتها
وكفاية أولادها من ماله، ويدل على صحة ذلك قولها في غير هذه الرواية: إن أبا سفيان
رجل شحيح وإنه لا يُدخل على بيتي ما يكفيني وولدي.
وانظر لزاما في فقه هذا الحديث «شرح
السنة» للإمام البغوي ٨/ ٢٠٤ - ٢٠٦.
(١)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوام، ومعمر: هو ابن راشد.
وهو في مصنف عبد الرزاق، (١٦٦١٢).
وأخرجه البخاري (٢٤٦٠) و(٣٨٢٥)
و(٦٦٤١) و(٧١٦١)، والنسائي في «الكبرى» (٩١٤٦) من طريق الزهري، به.
وانظر ما قبله.
فأدَّاها إليهم، فأدركْتُ لهم من
مالِهم مِثلَها (١)، قال: قلت: أقْبِضُ الألفَ الذي ذهبُوا به منك؟ قال: لا، حدثني
أبي أنه سَمعَ رسولَ الله ﷺ يقول: «أدِّ الأمانَةَ إلى مَنِ ائتَمَنَكَ، ولا
تَخُنْ مَنْ خَانَك» (٢).
(١) المثبت من (أ) و(هـ)، وهو الموافق لمعنى
رواية أحمد (١٥٤٢٤).
(٢)
مرفوعه حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام ابن الصحابي الذي روى عنه يوسف بن ماهك.
حميد الطويل: هو ابن أبي حميد، وأبو كامل: هو فضيل بن حُسين الحَجْدَري.
وأخرجه البيهقي ١٠/ ٢٧٠ من طريق أبي
داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (١٥٤٢٤) عن محمد بن أبي
عدي، عن حميد الطويل، عن رجل من أهل مكة يقال له: يوسف قال ...
ويشهد للمرفوع منه حديث أبي هريرة
الآتي بعده، وسنده حسن.
وحديث أنس بن مالك عند الطبراني في
«الكبير» (٧٦٠)، وفي «الصغير» (٤٧٥)، والدارقطني (٢٩٣٧) وابن عدي في «الكامل» ١/
٣٥٤، والحاكم ٢/ ٤٦، وأبي نعيم في «الحلية» ٦/ ١٣٢، والضياء المقدسي في «المختارة»
(٢٧٣٨). وإسناده ضعيف.
وآخر من حديث أبي أمامة عند الطبراني
في «الكبير» (٧٥٨٠)، وفي إسناده ضعفاء ومجاهيل.
قال الخطابي: وهذا الحديث يُعدُّ في
الظاهر مخالفًا لحديث هند، وليس بينهما في الحقيقة خلاف، وذلك لأن الخائن هو الذي
يأخذ ما ليس له أخْذه ظلمًا وعدوانًا، فأما من كان مأذونًا له في أخذ حقه من مال
خصمه واستدراك ظلامته منه فليس بخائن، وإنما معناه: لا تخن من خانك بأن تقابله
بخيانة مثل خيانته، وهذا لم يخنه لأنه يقبض حقًا لنفسه، والأول يغتصب حقا لغيره،
وكان مالك بن أنس يقول: إذا أودع رجل رجلًا ألف درهم فجحدها المودع ثم أودعه
الجاحد ألفا لم يجُز له أن يجحده. قال ابن القاسم صاحبه: أظنه ذهب إلى هذا الحديث،
وقال أصحاب الرأي: يسعُه أن يأخذ الألف قصاصًا عن حقه، ولوان بدله حنطةً أو شعيرًا
لم يسعْه ذلك، لأن هذا بيع، وأما إذا كان مثله فهو قصاص. وقال الشافعي: يسعُه أن
يأخذه عن حقه في الوجهين جميعًا واحتج بخبر هند.
٣٥٣٥ - حدَّثنا محمدُ بنُ العَلاء وأحمدُ بن
إبراهيمَ، قالا: حدَّثنا طَلْقُ بن َغَنَّامٍ، عن شَريكٍ -قال ابنُ العلاء: وقيسٍ-
عن أبي حَصين، عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«أدِّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتمَنكَ، ولا تَخُن مَنْ خَانَك»َ (١).
٨٢
- باب في
قَبول الهدايا
٣٥٣٦
- حدَّثنا عليُّ بنُ بحر وعبدُ الرحيم
بن مُطَرِّف الرؤاسيُّ، قالا: حدَّثنا عيسى بنُ يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي - عن
هشام بنِ عُروة، عن أبيه عن عائشة: أن النبي ﷺ كان يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ ويُثِيبُ
عليها (٢).
(١) إسناده حسن. شريك -وهو ابن عبد الله
النخعي- وقيس -وهو ابن الربيع- وإن كانا ضعيفين، يشدُّ أحدُهما الآخر، فيحسن
الحديث. أبو صالح: هو ذكوان السمّان، وأبو حَصين: هو عثمان بن عاصم.
وأخرجه الترمذي (١٣١٠) عن أبي كريب
محمد بن العلاء، بهذا الإسناد.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
قال القاضي في «شرح المشكاة»: أي: لا
تخن الخائن بمعاملته، ولا تقابل خيانته بالخيانة، فتكون مثله، ولا يدخل فيه أن
يأخذ الرجل مثل حقه من مال الجاحد، فإنه استيفاء وليس بعدوان، والخيانة عدوان.
قال الطيبي: الأولى أن ينزل الحديث
على معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت:٣٤] يعني إذا خانك صاحبك، فلا تقابله بجزاء خيانته
وإن كان ذلك حسنًا، بل قابله بالأحسن الذي هو عدم المكافأة، والإحسان إليه، أي:
أحسِن إلى من أساء إليك.
وانظر «شرح مشكل الآثار» ٥/ ٩١ - ٩٨
للطحاوي بتحقيقنا.
(٢)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام.
وأخرجه البخاري (٢٥٨٥)، والترمذي
(٢٥٦٨) من طرق عن عيسى بن يونس، بهذا الإسناد. =
٣٥٣٧ - حدَّثنا محمدُ بن عَمرو الرازيُّ،
حدَّثنا سلمةُ بنُ الفضْل حدَّثني محمدُ بنُ إسحاق، عن سعيد بنِ أبي سعيد
المقبِرُيِّ، عن أبيه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«وَايْمُ اللهِ، لا أقبلُ بَعْدَ يَوْمِي هذا مِن أحدِ هدِيّةً، إلاَّ أن يكون
مُهاجِرًا قُرَشِيًّا، أو أنْصَارِيًّا، أو دَوْسِيًا، أو ثَقَفيًّا» (١).
٨٣
- باب
الرجوع في الهبة
٣٥٣٨
- حدَّثنا مسلمُ بنُ إبراهيم، حدَّثنا
أبانُ وهمَّام وشعبةُ، قالوا: حدَّثنا قتادة، عن سعيدِ بنِ المسيب
= وهو في «مسند أحمد» (٢٤٥٩١).
قال الخطابي: قبول النبي ﷺ الهدية
نوع من الكرامة، وباب من حسن الخلق ويتألف به القلوب، وكان أكل الهدية شعارًا له،
وأمارة من أماراته، ووصف في الكتب المتقدمة بأنه يقل الهدية، ولا يأكل الصدقة،
لأنها أوساخ الناس، وكان إذا قبل الهدية أثاب عليها لئلا يكون لأحد عليه يد، ولا
يلزمه لأحد مِنَّة.
(١)
حديث صحيح، وهذا سند حسن لولا عنعنة محمد بن إسحاق، وهو متابع.
وأخرجه الترمذي (٤٢٩٠) من طريق محمد
بن إسحاق، بهذا الإسناد، وقال: حسن غريب صحيح من هذا الوجه.
وأخرجه أحمد (٧٣٦٣)، والنسائي (٣٧٥٩)
من طريق محمد بن عجلان، والترمذي (٤٢٨٩) من طريق أيوب بن أبي مسكين أبي العلاء،
وابن أبي شيبة ١٢/ ٢٠١ من طريق مسعر بن كدام، ثلاثتهم عن سعيد المقبري، عن أبي
هريرة. دون ذكر أبي سعيد المقبري وسعيد المقبري سمع أبا هريرة. وإسناده عند ابن
أبي شيبة وأحمد صحيح.
وأخرجه ابن حبان (٦٣٨٣) من طريق محمد
بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وإسناده حسن.
قال التوربشتي رحمه الله:
كره ﷺ قبول الهدية ممن كان الباعثُ
له عليها طلبَ
الاستكثار، إنما خص المذكورين فيه
بهذه الفضيلة لما عرف فيهم من سخاوة النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض.
عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال:
«العائدُ في هبتِهِ كالعائِدِ في قَيئه» (١).
قال همام: قال قتادة: ولا نعلم القيء
إلا حرامًا.
٣٥٣٩
- حدَّثنا مسدّدٌ، حدَّثنا يزيد -يعني
ابنَ زُريع- حدَّثنا حسينٌ المعلمُ، عن عَمرو بن شُعيب، عن طاووسِ
عن ابن عُمَرَ وابنِ عباس، عن النبي
ﷺ قال: «لا يَحل لِرَجُلٍ أن يُعطِيَ عَطِيَّةً أو يَهَبَ هِبَةً فيَرْجِعَ فيها،
إلا الوالِدَ فيما يُعْطِي وَلَدَه، ومَثَلُ الذي يُعطي العطيةَ، ثم يَرْجِعُ فيها
كمَثَلِ الكلبِ يأكلُ، فإذا شبعَ قاء َثم عاد في قيئهِ» (٢).
(١) إسناده صحح. قتادة: هو ابن دعامة
السدوسي، وشعبة: هو ابن الحجاج، وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي، وأبان: هو ابن يزيد
العطار.
وأخرجه البخاري (٢٦٢١)، ومسلم
(١٦٢٢)، وابن ماجه (٢٣٨٥)، والنسائي (٣٦٩٦) و(٣٦٩٧) من طريق قتادة، به.
وأخرجه البخاري (٢٦٢٢) و(٦٩٧٥)،
والترمذي (١٣٤٤)، والنسائي (٣٦٩٨)، من طريق عكرمة، عن ابن عباس. ولفظه: «ليس لنا
مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه».:
وهو في «مسند أحمد» (١٨٧٢) و(٢٥٢٩)،
و«صحيح ابن حبان» (٥١٢١).
وانظر ما بعده.
قال الخطابي: هذا الحديث لفظه في
التحريم عام، ومعناه خاصٌ، وتفسيره في حديث ابن عمر الذي عقبه أبو داود بذكره.
(٢)
إسناده صحيح. حسين المُعلِّم: هو ابن ذكوان، ومُسدَّد: هو ابن مسرهد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٧٧)، والترمذي
(١٣٤٥) و(٢٢٦٦)، والنسائي (٣٦٩٠) و(٣٧٠٣) من طريق حسين المعلم، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١١٩) و(٤٨١٠)،
و«صحيح ابن حبان» (٥١٢٣). =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه البخاري (٢٥٨٩)، ومسلم
(١٦٢٢)، والنسائي (٣٧٠١) من طريق عبد الله ابن طاووس، والنسائي (٣٧٠٢) و(٣٧١٠) من
طريق أبي الزبير، كلاهما عن طاووس، عن ابن عباس وحده، رفعه ولفظه: «العائد في هبته
كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه».
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٥٠) و(٣٠١٣).
وانظر ما قبله.
قال الخطابي: وإنما استثنى الوالد
لأنه ليس غيره من الأجانب والأباعد، وقد جعل رسول الله ﷺ للأب حقًا في مال ولده،
قال: «أنت ومالك لأبيك» وهو إذا سرق ماله مع الغنى عنه لم يُقطع، ولو وطئ جاريته
لم يُحدَّ، وجعلت يده في ولاية مال الولد كيده، ألا ترى أنه يلي عليه البيع
والشراء ويقبض له، وإذا كان كذلك صار في الهبة منه والاسترجاع عنه في معنى من وهب
ولم يقبض، إذ كانت يده كيده وهو مأمون عليه غير متهم فيما يسترده منه، فأمره محمول
في ذلك على أنه نوع من السياسة وباب من الاستصلاح، وليس كذلك الأجنبي، ومن ليس باب
من ذوي الأرحام، فقد يُظن به التهمة والعداوة، وأن يكون إنما دعا إلى ارتجاعها عتب
أو موجدة، في نحوها من الأمور.
وقد اختلف الناس في هذا:
فقال الشافعي بظاهر الحديث، وجعل
للأب الرجوع فيما وهب لابنه، ولم يجعل له الرجوع فيما وهب للأجنبي.
وقال مالك: له الرجوع فيما وهب، إلا
أن يكون الشيء قد تغير عن حاله، فإن تغير لم يكن له أن يرتجعه.
وقال أبو حنيفة: ليس للأب الرجوج
فيما وهب لولده، ولكل ذي رحم من ذوي أرحامه، وله الرجوع فيما وهب للأجانب.
وتأولوا خبر ابن عمر على أن له
الرجوع عند الحاجة إليه.
والمعنى في ذلك عند الشافعي: أنه جعل
ذلك بحق الأبوة والشركة التي له في ماله.
وقال الرازي في «مختصر اختلاف
العلماء» ٤/ ١٥٢: قال أصحابنا: إذا وهب لذي رحم محرم، لم يرجع، وكذلك المرأة
لزوجها وإن وهب لأجنبي رجع إن شاء ما لم يثب منها أو يزيد في نفسه. وانظر «مختصر
الطحاوي» ص ١٣٨ - ١٣٩.
٣٥٤٠ - حدَّثنا سليمانُ بنُ داود المَهريُّ،
أخبرنا ابنُ وهب، أخبرني أسامةُ ابنُ زيد، أن عمرو بن شعيب، حدَّثه، عن أبيه
عن عبد الله بن عمرو، عن رسولِ الله
ﷺ قال: «مَثَلُ الذي يَسْترِدُّ ما وهَب كمثل الكلبِ يَقيءُ فيأكلُ قيئَهُ، فإذا
اسْتَرَدَّ الواهِبُ فليوَقَّفْ فَلْيُعَرَّفْ بما استرَدَّ، ثم ليُدْفَعْ إليه ما
وَهَبَ» (١).
٨٤
- باب
الهدية لقضاء الحاجة
٣٥٤١
- حدَّثنا أحمدُ بنُ عمرو بن
السَّرْحِ، حدَّثنا ابنُ وهب، عن عُمر بنِ مالك، عن عُبيد الله بنِ أبي جعفر، في
خالد بن أبي عِمرانَ، عن القاسم
عن أبي أُمامةَ، عن النبيَّ ﷺ قال:
«مَنْ شَفَعَ لأخيه شَفَاعةً، فأهدى له هديةً عليها فَقَبِلَهَا، فقد أتى بابًا
عظيمًا من أبواب الرِّبا» (٢).
(١) إسناده حسن. ابن وهب: هو عبد الله،
وأسامة بن زيد: هو الليثي.
وأخرجه أحمد (٦٦٢٩)، والبيهقي ٦/ ١٨١
من طريق أسامة بن زيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٧٨)، والنسائي
(٣٦٨٩) من طريق عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، به بلفظ: «لا يرجع أحد في هبته إلا
والد من ولده، والعائد في هبته كالعائد في قيئه». واقتصر ابن ماجه على شطره الأول.
وهو في «مسند أحمد» (٦٧٠٥) من طريق
عامر الأحول.
(٢)
منكر. القاسم -وهو ابن عبد الرحمن الدمشقي- ان كان ثقة يُغرب كثيرًا كما قال
الحافظ، وهذا الحديث من أفراده، ؤقد جاء في حديث ابن عمر ما يخالفه، ففيه: «من آتى
إليكم معروفا فكافئوه» أخرجه أحمد (٥٣٦٥) وسيأتي عند المصنف برقم (٥١٠٩)، وإسناده
صحيح. وقد أورد ابنُ القطان الفاسي هذا الحديث في «الوهم والإيهام» ٤/ ٥١٩ في باب
الأحاديث التي سكت عنها عبد الحق الإشبيلي مصححًا لها وليست بصحيحة. وأخطأ الشيخ
ناصر الألباني، فحسنه في «صحيحته» (٣٤٦٥).
وأخرجه أحمد (٢٢٢٥١) من طريق ابن
لهيعة، عن عُبيد الله بن أبي جعفر، بهذا الإسناد.=
٨٥ - باب في الرجل يُفَضِّلُ بعض ولده على
بعضٍ في النُّحْلِ
٣٥٤٢
- حدَّثنا أحمد بنُ حنبل، حدَّثنا
هُشَيْمٌ أخبرنا سيَّار. وأخبرنا مغيرةُ. وأخبرنا داود، عن الشعبي. وأخبرنا. مجالد
وإسماعيلُ بنُ سالم، عن الشعبي
عن النعمان بن بَشير، قال: أنْحَلَني
أبي نُحْلًا -قال إسماعيلُ بنُ سالمِ من بَيْنِ القومِ: نَحلَه غُلامًا له- قال:
فقالت له أمي عَمْرةُ بنتُ رواحةَ: ائتِ رسولَ الله ﷺ فأشهِدْهُ، فأتى النبي ﷺ
فذكر ذلك له، فقال: إني نَحَلْتُ ابني النعمانَ نُحْلًا، وإن عَمرَةَ سألتْني أن
أُشْهِدَكَ على ذلك، قال: فقال: «ألكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟» قال: قلتُ: نعم، قال:
«فَكُلَّهُمْ أعطَيْتَ مِثلَ ما أعطَيْتَ النعمانَ؟» قال: لا، قال: فقال بعضُ
هؤلاء المحدَّثين: «هذا جَوْرٌ» وقال بعضهم: «هذا تَلْجِئةٌ، فأشهِدْ على هذا
غَيرِي». قال مغيرةُ في حديثه: «أليسَ يَسُرُّكَ أن يكونوا لَكَ في البِرِّ
واللُّطفِ سواءَ؟» قال: نَعَمْ، قال: «فأشهدْ على هذا غيري» وذكر مجالد في حديثه:
«إنَّ لهُم عليكَ منَ الحق أن تَعدِلَ بَينَهُم، كما أن لَكَ عليَهِم من الحقِّ أن
يَبَرُّوكَ» (١).
= وأخرجه الطبراني في الكبير (٧٩٢٨)،
ومن طريقه الشجري في «أماليه» ٢/ ٢٣٦
من طريق أسد بن موسى، عن ابن لهيعة،
عن عُبيد الله بن زحْر، عن خالد بن أبي عمران، به فذكر عُبيد الله بن زَحْر بدل
عُبيد الله بن أبي جعفر!
وأخرجه الطبراني (٧٨٥٣) من طريق يحيى
بن أيوب، عن عُبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة.
(١)
إسناده صحيح. الشعبي: هو. عامر بن شراحيل، وداود: هو ابن أبي هند، ومغيرة: هو ابن
مِقسَم الضبي، اسماعيل بن سالم: هو الأسدي الكوفي، ومجالد: هو ابن سعيد، وسيار: هو
أبو الحكم العنزي، وهشيم: هو ابن بشير الواسطي. وبيان =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
= هذا الإسناد أن سيارًا وداود بن أبي
هند ومغيرة بن مقسم ومجالدًا وإسماعيل بن سالم، هؤلاء الخمسة رووا الحديث عن
الشعبي، وروى عنهم الحديث جميعًا هشيم بن بشير.
وأخرجه البخاري (٢٥٨٧) و(٢٦٥٠)،
ومسلم (١٦٢٣)، وابن ماجه (٢٣٧٥)، والنسائي (٣٦٧٩ - ٣٦٨٢) من طرق عن الشعبي، عن
النعمان.
وأخرجه البخاري (٢٥٨٦)، ومسلم
(١٦٢٣)، وابن ماجه (٢٣٧٦)، والترمذي (١٣٦٧) والنسائي (٣٦٧٢ - ٣٦٧٤) من طريق
الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان بن بشير، والنسائي (٣٦٨٥) و(٣٦٨٦)
من طريق فطر بن خليفة، عن مسلم بن صبيح، كلهم عن النعمان بن بشير.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٣٦٣)
و(١٨٣٨٢)، و«صحيح ابن حبان» (٥٠٩٧) و(٥٠٩٨) و(٥١٠٢).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: واختلف أهل العلم في
جواز تفضيل بعض الأبناء على بعض في النحل والبر، فقال مالك والشافعي: التفضيل
مكروه، فإن فعل ذلك نفذ، وكذلك قال أصحاب الرأي.
وعن طاووس أنه قال: إن فعل ذلك لم
ينفذ، وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وهو قول داود.
وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز التفضيل،
ويُحكى ذلك أيضًا عن سفيان الثوري.
واستدل بعض من منع ذلك بقوله: «هذا
جور» وبقوله: «هذا تلجئة» والجور مردود، والتلجئة غير جائزة، ويدل على ذلك حديثه
الآخر.
قلنا: وقول الأمام أحمد: لا يجوز
التفضيل، ليس هو على إطلاقه، فقد قال ابن قدامة في «المغني» ٨/ ٢٥٨: فإن خص بعض
أولاده لمعنى يقضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو
اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو
لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على
جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف. لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان
على سبيل الأثرة، =
قال أبو داود في حديث الزهري: قال
بعضُهم؟ «أكلَّ بَنِيك؟» وقال بعضهم: «ولَدِكَ؟» وقال ابنُ أبي خالد، عن الشعبي
فيه: «ألَكَ بَنُونَ سِواه؟» وقال أبو الضحى، عن النعمان بن بشير: «ألَكَ ولَدٌ
غَيرُهُ؟».
٣٥٤٣
- حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَرير، عن هشامِ بنِ عُروة، عن أبيه
حدَّثني النعمان بن بشير، قال: أعطاه
أبوهُ غلامًا، فقال له رسولُ الله ﷺ: «ما هذا الغُلامُ؟ قال: غلامي أعطانيه أبي،
قَالَ: فَكُلَّ إخوَتِك أعطَى كما أعْطَاكَ؟» قال: لا، قال: «فارْدُدْهُ» (١).
= والعطية في معناه. ثم قال الخطابي:
فأما قوله: «هذا جور» فمعناه: هذا ميل عن بعضهم إلى بعض، وعدول عن الفعل الذي هو
أفضل وأحسن، ولا خلاف أنه لو آثر بجميع ما له أجنبيًا وحرمه أولاده أن فعله ماضٍ،
فكيف يُردُّ فعلُه في إيثار بعض أولاده على بعض؟ وقد فضل أبو بكر عائشة رضي الله
عنهما بجذاذ عشرين وسقا ونحلها إياه دون أولاده وهم عدد، فدل ذلك على جوازه وصحة
وقوعه.
وقد قال بعض أهل العلم: إنما كره ذلك
لأنه يقع في نفس المفضول بالبر شيء فيمنعه ذلك من حسن الطاعة والبر، وربما كان
سببا لعقوق الولد وقطيعة الرحم بينه وبين إخوته.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يسوي
بين أولاده الذكران والإناث في البر والصلة أيام حياته، ولكن يفضل ويقسم على سهام
الميراث وروي ذلك عن شريح. وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، واحتج من رأى
التسوية بين الذكر والأنثى بقوله: «أليس يسرُّك أن يكونوا في البر واللطف سواء»
قال: نعم، أي: فسوِّ كذلك في العطية بينهم، وقالوا: لم يستثن ذكرًا من أنثى.
(١)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام، وجرير: هو ابن عبد الحميد.
وأخرجه مسلم (١٦٢٣)، والنسائي (٣٦٧٦)
من طريق هشام بن عروة، به وهو في «مسند أحمد» (١٨٣٥٤).
وانظر ما قبله.
٣٥٤٤ - حدَّثنا سليمانُ بنُ حرب، حدَّثنا
حماد، عن حاجبِ بنِ المفضّل ابن المُهَلَّبِ، عن أبيه، قال:
سمعت النعمانَ بنَ بشيرِ يقول: قال
رسولُ الله ﷺ: «اعدِلُوا بينَ أبنائِكم، اعدِلُوا بينَ أبنائِكم» (١).
٣٥٤٥
- حدَّثنا محمدُ بنُ رافع، حدَّثنا
يحيى بنُ آدمَ، حدَّثنا زهيرٌ، عن أبي الزبير
عن جابر، قال: قالت امرأةُ بشيرِ:
انْحَلِ ابني غلامك، وأشهدْ لي رسولَ الله ﷺ، فأتى رسولَ الله ﷺ فقال: إن ابنةَ
فلانِ سألتْني أن أنْحَلَ ابنَها غلامًا، وقالت لي: أشهدْ رسولَ الله ﷺ، فقال: له
إخوةٌ؟ «فقال: نعم، قال: فكُلَّهم أعطَيتَ ما أعطيتَه؟» قال: لا، قال: «فَلَيْسَ
يَصْلُحُ هذا، وإني لا أشهَدُ إلا على حَقٍّ» (٢).
(١) إسناده حسن من أجل المفضل بن المهلب -وهو
ابن أبي صُفرة- حماد: هو ابن زيد.
وأخرجه النسائي (٣٦٨٧) من طريق
سليمان بن حرب، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٤٢٢).
وانظر سابقيه.
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس
المكي- لم يصرح بسماعه من جابر. وقد روي هذا الحديث عن النعمان بن بشير نفسه كما
سلف عند المصنف برقم (٣٥٤٢) و(٣٥٤٣) وهو في «الصحيحين»، زهير: هو ابن معاوية.
وأخرجه مسلم (١٦٢٤) من طريق زهير بن
معاوية، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٩٢)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٠١).
٣٥٤٥/ ١ - حدَّثنا أحمد ابن يونس، حدَّثنا زهير، حدَّثنا
عبد اللهِ بنُ عطاءٍ، عن عبد الله بن بُريدة
عن أبيه بريدة: أن امرأة أتت رسول
الله ﷺ فقالت: كنت تصدّقْتُ على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة، قال:
وذكر الحديث (١).
٨٦
- باب عطية
المرأةِ بغَير إذنِ زَوجِها
٣٥٤٦
- حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا
حمادٌ، عن داود بنِ أبي هند وحبيبٍ المعلّمِ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه
عن جده، أن رسول الله ﷺ قال: «لا
يجوز لامرأةٍ أمْرٌ في مالها إذا مَلَكَ زوجُها عصمتَها» (٢).
(١) إسناده صحيح. وهو مكرر الحديث السالف
بالأرقام (١٦٥٦) و(٢٨٧٧) و(٣٣٠٩).
(٢)
إسناده حسن. حماد: هو ابن سلمة.
وأخرجه النسائي (٣٧٥٦) من طريق حماد
بن سلمة، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٨٨) من طريق
المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، به.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٨١)، وانظر ما
بعده.
قلنا: يغلب على ظننا أن زيادة: «في
مالها» مدرجة من بعض الرواة، ظن أن قوله ﷺ: «لا يجوز للمرأة عطية إلا بإذن زوجها»
أن هذه العطية من مالها، كما التبس على بعض الرواة الأمر في حديث: «إن الله خلق
آدم على صورته» فظن أن الضمير يعود على الله، فأبدل المكني بالاسم المظهر، فقال:
إن الله خلق آدم على صورة الرحمن.
وقد ذكر البيهقي في «السنن الكبرى»
٦/ ٦٠ - ٦١ من طريق أبي العباس الأصم، أنبأنا الربيع قال: قال الشافعي (يعني في
هذا الحديث): سمعناه وليس بثابت فيلزمنا أن نقول به والقرآن يدل على خلافة، ثم
السنة، ثم الأثر، ثم المعقول، وقال في =
٣٥٤٧ - حدَّثنا أبو كاملٍ، حدَّثنا خالدٌ
-يعني ابنَ الحارث- حدَّثنا حسينٌ، عن عَمرو بن شُعيب، أن أباه أخبره
عن عبد الله بن عمرو، أن رسولَ الله
ﷺ قال: «لا يَجُوُز لامْرأةٍ عَطيَّةٌ إلا بإذنِ زوجها» (١).
٨٧
- باب في
العُمْرى
٣٥٤٨
- حدَّثنا أبو الوليدِ الطيالسيُّ،
حدَّثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن النضْر ابن أنسٍ، عن بَشِير بن نَهِيكٍ
= «مختصر البويطي والربيع»: قد يمكن أن
يكون هذا في موضع الاختيار، كما قيل: ليس لها أن تصوم يومًا وزوجها حاضر إلا
بإذنه، فإن فعلت فصومها جائز، وإن خرجت بغير إذنه فباعت فجائز، وقد اعتقت ميمونة رضي
الله عنها قبل أن يعلم النبي ﷺ، فلم يَعب ذلك عليها، فدل هذا مع غيره على أن قول
النبي ﷺ -إن كان قاله- أدب واختيار لها.
قال البيهقي: الطريق في هذا الحديث
إلى عمرو بن شعيب صحيح، ومن أثبت أحاديث عمرو بن شعيب لزمه إثبات هذا، إلا أن
الأحاديث التي مضت في الباب قبله أصح إسنادًا، وفيها وفي الآيات التي احتج بها
الشافعي رحمه الله دلالة على نفوذ تصرفها في مالها دون الزوج، فيكون حديث عمرو بن
شعيب محمولًا على الأدب والاختيار كما أشار إليه في كتاب البويطي، وبالله التوفيق.
وانظر لزاما «الأم» للشافعي ٣/ ٢١٦،
و«شرح معاني الآثار» ٤/ ٣٥١ - ٣٥٤.
(١)
إسناده حسن كسابقه. حسين: هو المُعلِّم، وأبو كامل: هو فضيل بن حسين الجَحْدري.
وأخرجه النسائي (٢٥٤٠) و(٣٧٥٧) من
طريق حسين المعلم، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٦٦٨١).
وانظر ما قبله.
وقوله: «لامرأة عطية» قال السندي أي:
من مال الزوج، وإلا فالعطية من مالها لا يحتاج إلى إذن عند الجمهور.
عن أبي هُريرة، عن النبي ﷺ قال:
«العُمرى جائزةٌ» (١).
٣٥٤٩
- حدَّثنا أبو الوليد، حدَّثنا
هَمَّامٌ، عن قتادةَ، عن الحسن عن سمرة، عن النبيَّ ﷺ، مثله (٢).
(١) إسناده صحيح. قتادة: هو ابن دعامة،
وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي، وأبو الوليد الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك.
وأخرجه البخاري (٢٦٢٦)، ومسلم
(١٦٢٦)، والنسائي (٣٧٥٤) من طريق قتادة، به. وجاء عند مسلم في إحدى روايتيه:
«العمرى ميراث لأهلها» أو قال: «جائزة».
وهو في «مسند أحمد» (٨٥٦٧).
وأخرج ابن ماجه (٢٣٧٩)، والنسائي
(٣٧٥٣) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه: «لا عمرى،
فمن أُعمر شيئًا فهو له».
هذا لفظ ابن ماجه.
قوله: «عُمرى» قال الخطابي: هي أن
يقول الرجل لصاحبه: أعمرتك هذه الدار، ومعناه: جعلتها لك مدة عمرك، فهذا إذا اتصل
به القبض كان تمليكًا لرقبة الدار، وإذا ملكها في حال حياته وجاز له التصرت فيها
ملكلها بعده وارثُه الذي يرث سائر أملاكه، وهذا قول الشافعي وقول أصحاب الرأي.
وقال في «المغني» ٨/ ٢٨٣: قال جابر
بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وشُريح ومجاهد وطاووس والثوري والشافعي وأصحاب
الرأي: إن العُمرى تَنفُلُ الملك إلى المُعْمَر، وروي ذلك عن علي.
وقال مالك والليث: العمرى تمليك
المنافع، ولا تُملك بها رقبة المُعمرَ بحال، ويكون للمُعمَر السكنى، فإذا مات عادت
إلى المُعمَر. وإن قال: له ولعقبه، كان سكناها لهم، فإذا انقرضوا عادت إلى
المُعمِر.
(٢)
صحيح لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من
سمرة -وهو ابن جندب-. قتادة: هو ابن دعامة، وهمام: هو ابن يحيى.
وأخرجه الترمذي (١٣٩٩) من طريق قتادة
بن دعامة، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠٨٤).
٣٥٥٠ - حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا
أبانُ، عن يحيى، عن أبي سلمةَ عن جابر، أن نبيَّ الله ﷺ كان يقول: «العُمْرَى
لِمَنْ وُهِبَتْ له» (١).
٣٥٥١
- حدَّثنا مؤمَّل بنُ الفضل
الحَرَّانيُّ، حدَّثنا محمد بن شُعيبِ، أخبرني الأوزاعي، عن الزهري، عن عُروة
عن جابر، أن النبي ﷺ قال: «من
أُعْمِرَ عُمْرَى فهىَ لهُ ولِعَقِبهِ يَرِثُها من يرثُهُ من عقِبهِ» (٢).
٣٥٥٢
- حدَّثنا أحمدُ بنُ أبي الحَواريّ،
حدَّثنا الوليدُ، عن الأوزاعيِّ، عن الزهري، عن أبي سلمةَ وعروة
عن جابر، عن النبي ﷺ، بمعناه (٣).
(١) إسناده صحيح. أبو سلمة: هو ابن عبد
الرحمن بن عوف، ويحيى: هو ابن أبي كثير، وأبان: هو ابن يزيد العطَّار.
وأخرجه البخاري (٢٦٢٥)، ومسلم
(١٦٢٥)، والنسائي (٣٧٥٠) و(٣٧٥١) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٤٣)
و(١٤٢٧٠)، و«صحيح ابن حبان»، (٥١٣٠).
وانظر ما سيأتي بالأرقام (٣٥٥١ -
٣٥٥٨).
(٢)
إسناده صحيح. عروة: هو ابن الزبير بن العوّام، والأوزاعي: هو عبد الرحمن ابن عمرو،
ومحمد بن شعيب: هو ابن شابور الدمشقي.
وأخرجه النسائي (٣٧٤٠) من طريق
الأوزاعي، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وما سيأتي برقم
(٣٥٥٣).
(٣)
حديث صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- وإن لم يصرح بالسماع في جميع طبقات
الإسناد، متابع كما في الحديث الآتي بعده، وكما في الحديث السالف.
=
قال أبو داود: وهكذا رواهُ الليثُ
بنُ سعْد عن الزهري عن أبي سلمة، عن جابرٍ.
٨٨
- باب من
قال فيه: ولِعَقِبه
٣٥٥٣
- حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ فارسِ
ومحمدُ بنُ المثنّى، قالا: حدَّثنا بِشْرُ بنُ عمر، حدَّثنا مالكٌ -يعني ابنَ
أنسِ- عن ابنِ شهاب، عن أبي سَلَمَة
عن جابر بن عبد الله، أن رسولَ الله
ﷺ: «أيّما رجلٍ أُعْمِرَ عُمرى له ولعقبهِ، فإنها للذي يُعطاها لا تَرجع إلى الذي
أعطاها، لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريثُ» (١).
= وأخرجه النسائي (٣٧٤٢) من طريق أبي
عمرو الأوزاعي، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٣٧٤١) من طريق
الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة وحده، به.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥١٣٥).
وانظر سابقيه، وما سيأتي بعده.
(١)
إسناده صحيح.
وهو في «موطأ مالك» ٢/ ٧٥٦، ومن
طريقه أخرجه مسلم (١٦٢٥)، والترمذي (١٤٠٠)، والنسائي (٣٧٤٥).
وأخرجه مسلم (١٦٢٥)، والنسائي (٣٧٤٧)
من طريق ابن أبي ذئب، ومسلم (١٦٢٥) من طريق ابن جريج، والنسائي (٣٧٤٦) من طريق
شعيب بن أبي حمزة، ومسلم (١٦٢٥)، وابن ماجه (٢٣٨٠)، والنسائي (٣٧٤٤) من طريق الليث
بن سعد، والنسائي (٣٧٤٩) من طريق يزيد بن أبي حبيب، خمستهم عن الزهري، به.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٣١) و(١٤٨٧١)
و(١٥٢٩٠)، و«صحيح ابن حبان» (٥١٣٧) و(٥١٣٨) و(٥١٣٩).
وانظر تالييه، وما قبله، وما سلف
برقم (٣٥٥٠).
ْ٣٥٥٤ - حدَّثنا حجاجُ بنُ أبي
يعقوب، حدَّثنا يعقوبُ بن إبراهيم بن سعد، حدَّثنا أبي، عن صالح، عن ابنِ شهاب
بإسناده ومعناه (١).
قال أبو داود: وكذلك رواه يزيدُ بن
أبي حبيب -قال أبو داود: لم يسمع من الزهري، إنما كتَب إليه- (٢)، وكذلك رواه
عُقَيلٌ، عن ابن شهاب على هذا اللفظ على قول أهل المدينة، واختلف عن الأوزاعي، عن
ابن شهاب، ورواه فُليح بن سُليمان مثل رواية مالكٍ.
٣٥٥٥
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا عبدُ
الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة
عن جابر بن عبد الله، قال: إنما
العُمْرَى التي أجازَ رسولُ الله ﷺ أن يقول: هِيَ لَكَ وَلعَقبِكَ، فأمَّا إذا
قال: هي لك ما عِشْتَ، فإنها تَرْجِعُ إلى صاحبها (٣).
٣٥٥٦
- حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيلَ،
حدَّثنا سفيانُ، عن ابن جُريج، عن عطاء
(١) إسناده صحيح. صالح: هو ابن كيسان.
وأخرجه النسائي (٣٧٤٨) من طريق صالح
بن كيسان، بهذا الإسناد.
وانظر ما قبله، وما بعده.
(٢)
ما بين معترضين من رواية ابن الأعرابي وأبي عيسى الرملي. أشار إليه في هامش (هـ).
(٣)
إسناده صحيح.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٦٨٨٧)،
ومن طريقه أخرجه مسلم (١٦٢٥)
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٣١)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٣٩).
وانظر ما سلف برقم (٣٥٥٠) و(٣٥٥٣)
و(٣٥٥٤).
عن جابر، أن النبي ﷺ قال: «لا
تُرْقِبُوا، ولا تُعْمِرُوا، فمن أُرْقِبَ شيئًا أو أُعمِره، فهو لِورثَته» (١).
٣٥٥٧
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا معاويةُ بنُ هشام، حدَّثنا سفيانُ، عن حبيبٍ -يعني ابنَ أبي ثابتِ- عن
حُمَيدٍ الأعرجِ، عن طارقي المكيِّ
عن جابر بن عبد الله، قال: قَضَى
رسولُ الله ﷺ في امرأةٍ من الأنصارِ أعطاها ابنُها حديقةً مِن نخل، فماتت، فقال
ابنها: إنما أَعطَيْتَها حَيَاتَها، وله إخوة، فقال رسولُ الله ﷺ: «هي لها حياتَها
وموتَها» قال: كنتُ تصدقتُ بها عليها، قال: «ذلك أبعدُ لك» (٢).
(١) إسناده صحيح. ورواية ابن جريج -وهو عبد
الملك بن عبد العزيز- وإن لم يصرح بسماعه من عطاء -وهو ابن أبي رباح- محمولة على
الاتصال، كما صرح هو نفسه بذلك فيما رواه ابنُ أبي خيثمة في «تاريخه» (٨٥٨).
سفيان: هو ابن عيينة، وإسحاق بن إسماعيل: هو الطالقاني.
وأخرجه النسائي (٣٧٣١) من طريق سفيان
بن عيينة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٢٦٢٦)، ومسلم
(١٦٢٥)، والنسائي (٣٧٢٩) و(٣٧٥٥) من طريق قتادة بن دعامة، والنسائي (٣٧٢٧) من طريق
مالك بن دينار، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح، به. بلفظ: «العمرى جائزة»، وفي رواية
لمسلم: «العُمرى ميراث لأهلها» وأخرجه النسائي (٣٧٢٨) من طريق عبد الكريم بن مالك
الجزري، و(٣٧٣٠) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، كلاهما عن عطاء بن أبي رباح
مرسلًا.
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٧٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٢٩).
وانظر ما سلف برقم (٣٥٥٠).
(٢)
حديث صحيح، وهذا إسناد اضطرب فيه معاوية بن هشام على سفيان -وهو الثوري-، والمحفوظ
عن سفيان الثوري، روايته هذا الحديث عن حميد الأعرج -وهو ابن قيس- عن محمد بن
إبراهيم، عن جابر - يعني منقطعا، لأن محمد بن إبراهيم -وهو التيمي- لم يسمع من
جابر بن عبد الله. =
٨٩ - باب في الرُّقْبَى
٣٥٥٨
- حدَّثنا أحمدُ بن حنبل، حدَّثنا
هُشيمٌ، أخبرنا داود، عن أبي الزبير
عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ:
«العُمرَى جائِزَةٌ لأهلِها، والرُّقبَى جائزةٌ لأهلِها» (١).
= أخرجه أحمد (١٤١٩٧) عن يحيى القطان
وروح بن عبادة عن سفيان الثوري قال ابن عدي عن معاوية بن هشام: قد أغرب عن الثوري
بأشياء، وأرجو أنه لا بأس به.
وأما حبيب بن أبي ثابت، فالمحفوظ عنه
أنه رواه عن حميد الكندي، عن جابر كما أخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ١٦٧، والطحاوي ٤/ ٩٣
عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن حميد الكندي، عن
جابر. قلنا: وإسناده إلى حبيب صحيح، وأما حميد الكندي فقد ذكره ابن أبي حاتم في
«الجرح والتعديل» ٣/ ٢٣٢، وسكت عنه.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ١٨٣،
والبيهقي ٦/ ١٧٤ عن معاوية بن هشام، بهذا الإسناد.
وأخرج عبد الرزاق (١٦٨٨٦)، ومن طريقه
مسلم (١٦٢٥)، والبيهقي ٦/ ١٧٣ عن ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أَعْمَرت
امرأة بالمدينة حائطا لها ابنًا لها، ثم توفي وتوفيت بعده، وله إخوة بنو
المُعمِرة، فقال: ولد المُعمِرة: رجع الحائط إلينا، وقال بنو المُعمَرة: بل كان
لأبينا حياتَه وموتَه، فاختصموا إلى طارق مولى عثمان، فدعا جابرًا فشهد على النبي
ﷺ بالعمرى لصاحبها، فقضى بذلك، ثم كتب إلى عبد الملك: صدق جابر. وأمضى ذلك طارق،
فإن ذلك الحائط لبني المُعمَر حتى اليوم.
وأخرج الشافعي ٢/ ١٦٩، وابن أبي شيبة
٧/ ١٣٧، وأحمد (١٥٠٧٧)، ومسلم (١٦٢٥)، وأبو يعلى (١٨٣٥)، والطحاوي ١/ ٩١، والبيهقي
٦/ ١٧٣ - ١٧٤ من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سليمان بن يسار: أن
طارقًا كان أميرًا بالمدينة، فقضى بالعمرى للوارث عن قول جابر بن عبد الله عن
النبي ﷺ.
وانظر ما سلف بالأرقام (٣٥٥٠ - ٣٥٥٦).
(١)
إسناده صحيح. وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرُس المكي- بسماعه من
جابر عند النسائي (٣٧٣٥) و(٣٧٣٦). داود: هو ابن أبي هند، وهشيم، هو ابن بشير
الواسطي. =
٣٥٥٩ - حدَّثنا عبدُ الله بن محمد
النُّفيليُّ، قال: قرأت على مَعقِلٍ، عن عَمرو بنِ دينارٍ، عن طاووسٍ، عن حُجْر
= وأخرجه ابن ماجه (٢٣٨٣)، والترمذي
(١٤٠١)، والنسائي (٣٧٣٨) (٣٧٣٩) من طريق داود بن أبي هند، به. وقال الترمذي: حديث
حسن. واقتصر النسائي في الموضع الأول على ذكر الرقبى.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٢٥٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٣٦). لكن لفظ رواية ابن حبان: «لا تعمروا أموالكم، فمن أُعمِر شيئًا
حياتَه، فهو له ولورثته إذا مات».
وأخرجه مسلم (١٦٢٥)، والنسائي (٣٧٣٦)
و(٣٧٣٧) من طرق عن أبي الزبير، عن جابر، ولفظه: «أمسكوا عليكم أموالكم ولا
تفسدوها، فإنه من أعمر عُمرى فهي للذي أُعمِرها، حيًا وميتًا ولعقبه».
وأخرجه النسائي (٣٧٣٥) من طريق ابن
جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يقول: قال رسول الله ﷺ: «من أعمر
شيئًا فهو له حياته ومماته».
وهو في «مسند أحمد» (١٤١٢٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٤٠) و(٥١٤١).
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض
أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم: أن الرقبى جائزة مثل العُمرى، وهو قول أحمد
وإسحاق.
وفرق بعض أهل العلم من أهل الكوفة
وغيرهم بين العُمرى والرُّقبى، فأجازوا العُمرى، ولم يجيزوا الرُّقبى.
وتفسير الرقبى: أن يقول: هذا الشيء
لك ما عشتَ، فإن متَّ قبلي فهي راجعة إليَّ.
وقال أحمد وإسحاق: الرقبى مثل
العُمرى، وهي لمن أُعطيها، ولا ترجع إلى الأول.
قلنا: وقال الخطابي: والرقبى: أن
يرقب كل واحد منهما موت صاحبه، فتكون الدار التي جعلها رقبى لآخر من بقي منهما.
وقال أبر حنيفة: العمرى موروثة،
والرقبى عاريّة، وعند الشافعي: الرقبى موروثة كالعُمرى، وهو حكم ظاهر الحديث.
وانظر ما سيأتي عند المصنف برقم
(٣٥٦٠).
عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله
ﷺ: «مَن أَعْمَرَ شيئًا، فهو لِمُعْمَرِهِ محياه ومماتَهُ، ولا تُرقِبوا، فمن
أرقَبَ شيئًا فهو سبيلُه» (١).
٣٥٦٠
- حدَّثنا عبدُ الله بن الجرّاحِ، عن
عُبيدِ الله بن موسى، عن عثمانَ بن الأسود
عن مجاهد، قال: العمرى أن يقولَ
الرجل للرجل: هو لك ما عشتَ، فإذا قال ذلك فهو له ولورثته، والرقبى: أن يقول:
الإنسان: هو للآخِرِ مني ومنك (٢).
(١) حديث صحبح. وهذا إسناد حسن من أجل معقل
-وهو ابن عُبيد الله الجزري- وهو متابع. حُجْر: هو ابن قيس الهمْداني الحَجُوري
المَدَرى.
وأخرجه النسائي (٣٧٢٣) من طريق معقل
بن عُبيد الله، بهذا الإسناد. لكن لم يذكر في إسناده طاووسًا!
وأخرجه أحمد (٢١٦٥١)، والطبراني في
«الكبير» (٤٩٤٨)، والبيهقي ٦/ ١٧٥ من طريق عبد الله بن الحارث، عن شبل بن عباد
المكي، عن عمرو بن دينار، به.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٨١)، والنسائي
(٣٧١٩) و(٣٧٢١) و(٣٧٢٢) من طريق عمرو بن دينار، به. بلفظ: أن النبي ﷺ جعل العُمرى
للوارث.
وأخرجه بهذا اللفظ النسائي (٣٧١٥)
و(٣٧١٨) و(٣٧٢٠) من طريقين عن طاووس، عن زيد - دون ذكر حجر المدري، والصحيح ذكره:
فقد أخرجه النسائي (٣٧١٦) و(٣٧١٧) من طريقين عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن
حُجر المدري، عن زيد بن ثابت.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥٨٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٥١٣٢ - ٥١٣٤) باللفظ المذكور آنفًا.
(٢)
رجاله ثقات. مجاهد: هو ابن جبْر المكي.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» ٦/
١٧٦ من طريق أبي داود، به.
٩٠ - باب في تضْمين العاريَّة
٣٥٦١
- حدَّثنا مُسَدَّدُ بن مُسَرْهَدٍ،
حدَّثنا يحيى، عن ابنِ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، عن الحسنِ
عن سمرة، عن النبي ﷺ قال: «على
اليَدِ ما أخذت حتى تُؤَدِّيَ». ثم إن الحسن نسِيَ، فقال: هُوَ أمِينُكَ، لا
ضَمَانَ عَلَيهِ (١).
٣٥٦٢
- حدَّثنا الحسنُ بن محمدٍ وسلمةُ بن
شَبيبٍ، قالا: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، حدَّثنا شَريكٌ، عن عبدِ العزيز بنِ
رُفَيع، عن أُميَّةَ بن صفوان بن أمية
عن أبيه أن رسول الله ﷺ استعار منه
أدْراعًا يَومَ حُنَينٍ، فقال: أغَصْبٌ يا محمد؟ فَقَالَ: «لا، بل عاريَّةٌ
مضمونَةٌ» (٢).
(١) حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن
الحسن -وهو البصري- لم يصرح بسماعه من سمرة. قتادة: هو ابن دعامة السَّدوسي، وابن
أبي عَروبة: هو سعيد، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه ابنُ ماجه (٢٤٠٠)، والترمذي
(١٣١٢)، والنسائي في «الكبرى» (٥٧٥١) من طريق سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢٠٠٨٦).
ويشهد له حديث صفوان بن أمية وحديث
أبي أمامة الآتيان بعده.
قال الخطابي: في هذا الحديث دليل على
أن العارية مضمونة، وذلك أن «على» كلمة إلزام، وإذا حصلت اليد آخذة صار الأداء
لازمًا لها، والأداء قد يتضمن العين إذا كانت موجودة والقيمة إذا صارت مُستهلكة،
ولعله أملكُ بالقيمة منه بالعين.
وانظر كلام الخطابي في خلاف أهل
العلم في تضمين العارية عند الحديث (٣٥٦٥).
(٢)
حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- وجهالة حال أمية
بن صفوان، فإنه لم يوثقه أحد ولم يرو عنه غيْر اثنين، ولاضطرابه كما سيأتي.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٤٧)
من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٥٣٠٢).
وأخرجه النسائي كذلك (٥٧٤٨) من طريق
إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن صفوان بن
أمية مرسلًا.
وسيأتي عند المصنف بعده من طريق جرير
بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان، مرسلًا.
وبرقم (٣٥٦٤) من طريق أبي الأحوص، عن
عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء، عن ناس من آل صفوان، مرسلًا كذلك.
وأخرجه النسائي (٥٧٤٦) من طريق حجاج
بن أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا أيضًا.
وانظر تمام الاختلاف فيه وتخريجه في
«مسند أحمد» (١٥٣٠٢).
وانظر ما سيأتي برقم (٣٥٦٦).
ويشهد له حديث جابر بن عبد الله عند
الحاكم ٣/ ٤٨ - ٤٩، والبيهقي ٦/ ٨٩، وفيه: ثم بعث رسول الله ﷺ إلى صفوان بن أمية،
فسأله أدراعًا مئة درع، وما يُصلحها من عدتها، فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: «بل
عارية مضمونة حتى نؤديها إليك» ثم خرج رسول الله ﷺ سائرًا. وإسناده حسن وصححه
الحاكم، وسكت عنه الذهبي.
قال الخطابي: وهذا يؤكد ضمان
العارية، وفي قوله: «عارية مضمونة» بيان ضمان قيمتها إذا تلفت، لأن الأعيان لا
تضمن، ومن تأوله على أنها تؤدّى ما دامت باقية فقد ذهب عن فائدة الحديث. وقال قوم:
إذا اشترط ضمانها صارت مضمونة، فإن لم يشترط لم يضمن، وهذا القول غير مطابق لمذاهب
الأصول، والشيء إذا كان حكمه في الأصل على الأمانة فإن الشرط لا يغيره عن حكم
أصله، ألا ترى أن الوديعة لما كانت أمانة كان شرط الضمان فيها غير مخرج لها عن حكم
أصلها، وإنما كان ذكر الضمان في حديث صفوان لأنه كان حديث العهد بالإسلام جاهلًا
بأحكام الدين فأعلمه رسول الله ﷺ أن من حكم الإسلام أن العواري مضمونة ليقع له
الوثيقة بأنها مردودة عليه غير ممنوعة منه في حالٍ.
قال أبو داود: وهذه رواية يزيدَ
ببغدادَ، وفي روايته بواسطٍ على غير هذا (١).
٣٥٦٣
- حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ،
حدَّثنا جريرٌ، عن عبدِ العزيز بنُ رفيع عن أُناس من آلِ عبدِ الله بنِ صفوان: أن
رسولَ ال ﷺ قال: «يا صَفوانُ، هل عندَكِ من سلاحٍ؟» قال: عَارِيَّةً أم غصبًا؟
قال: «لا، بَلْ عاريَّةٌ» فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين دِرعًا، وغزا رسولُ
الله ﷺ حُنينًا، فلما هُزِمَ المشركون جُمِعَتْ درُوعُ صفوانَ، ففَقَدَ منها
أدراعًا، فقال رسولُ الله ﷺ لصفوان: «إنَّا قَدْ فقَدْنا مِنْ أدراعِكَ أدراعًا،
فهل نَغْرَمُ لكَ؟» قال: لا يا رسولَ الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ (٢).
(١) ذكر أبو نعيم في «الحلية» ٩/ ١٦٣ خبرًا
مفادُه أن يزيد بن هارون كان يرى أن العاريّة ليست بمضمونة، وأنه حينما التقى
بالإمام أحمد بن حنبل ودار الحديث فيما بينهما عن العارية أنه صار إلى قول أحمد بن
حنبل بأنها مؤداة. وهاك النص في ذلك، قال أبو نعيم: حدَّثنا سليمان بن أحمد،
حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني محمد بن عبد الملك بن زنجويه، قال:
رأيت يزيد بن هارون يصلي، فجاء إليه أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فلما سلم يزيد من
الصلاة، التفت إلى أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في العارية؟ قال: مؤداة،
فقال له يزيد: أخبرنا حجاج عن الحكم قال: ليست بمضمونة، فقال له أحمد بن حنبل: قد
استعار النبي ﷺ من صفوان بن أمية أدرُعًا، فقال: عاريَّة مؤداة؟ فقال النبي ﷺ:
«العارية مؤداة» فسكت يزيد وصار إلى قول أحمد بن حنبل.
(٢)
حديث حسن كسابقه. وهذا إسناد مرسلٌ. جرير: هو ابن عبد الحميد الضبّي.
وهو في «مصنف ابنُ أبي شيبة» ٦/ ١٤٣
- ١٤٤، ومن طريقه أخرجه الدارقطني (٢٩٥٧) والبيهقي ٦/ ٨٩ و٧/ ١٨، وأخرجه الطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (٤٤٥٩) من طريق أسد بن موسى، كلاهما عن جرير بن عبد الحميد،
به. وقد أُقحم عند الدارقطني اسم عطاء بعد عبد العزيز.
وانظر ما قبله.
قال أبو داود: وكان أعاره قبل أن
يُسلم، ثم أسلم (١).
٣٥٦٤ حدَّثنا
مُسدَّدٌ، حدَّثنا أبو الأحوص، حدَّثنا عبد العزيز بنُ رَفيعٍ، عن عطاء، عن ناسٍ
مِنْ آلِ صفوان، قال: استعار النبي ﷺ، فذكر معناه (٢).
٣٥٦٥ حدَّثنا
عبدُ الوهَّاب بن نجْدةَ الحَوْطيُّ، حدَّثنا ابنُ عيّاشٍ، عن شُرحبيلَ بن مسلم
سمعتُ أبا أُمامة، قال: سمعتُ رسولَ
الله يقول: «إنَّ الله عز وجل قد أعطى كلَّ ذي حق حقهُ، فلا وصيةَ لِوارثٍ. لا
تُنفِقِ المرأةُ شيئًا مِن بيتها إلاَّ بإذن زوجها» قيل: يا رسولَ الله ولا
الطعامَ؟ قال: «ذَلكَ أفضَلُ أموالنا» ثم قال: «العاريَّةُ مؤدَّاةٌ»، والمِنْحَةُ
مردُودةٌ، والدَّينُ مَقْضِي، والزَّعِيم غارمٌ«(٣).
(١) مقالة أبي داود هذه أثبتناها من (هـ) وهي
برواية ابن داسه.
(٢)
حديث حسن، هذا إسناد كسابقه. عطاء: هو ابن أبي رباح، وأبو الأحوص: هو سلاَّم بن
سُلَيم، ومُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَد.
وأخرجه الطحاوي في»شرح مشكل
الآثار«(٤٤٥٧)، والبيهقي ٦/ ٨٩ من طريق مُسدَّدٌ، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطحاوي (٤٤٥٨) من طريق
مسدّد، عن أبي الأحوص، عن عبد العزيز، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفوان، به.
وأخرجه النسائي في»الكبرى"
(٥٧٤٦) من طريق حجاج بن أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح، مرسلًا.
وانظر ما قبله، وما سلف برقم (٣٥٦٢)
و(٣٥٦٣).
(٣)
صحح لغيره، هذا إسناد حسن من أجل ابن
عياش -وهو إسماعيل- فهو حسن الحديث فيما يرويه عن. أهل بلده، وهذا منها، وقد توبع
على بعض الحديث.
وأخرجه الترمذي (٢٢٥٣) من طريق
إسماعيل بن عياش، به. وقال: حديث حسن. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وقد سلف الشطر الأول من الحديث في
الوصية للوارث عند المصنف برقم (٢٨٧٠) وذكرنا هناك متابعة لإسماعيل بن عياش
إسنادها صحيح.
وأخرج الشطر الثاني منه، وهو إنفاق
المرأة من مال زوجها بإذنه: ابن ماجه (٢٢٩٥)، والترمذي (٦٧٦) من طريق إسماعيل بن
عياش، به.
وأخرج الشطر الثالث منه، وهو قوله:
«العارية مؤداة، والمنحة مردودة ...» ابن ماجه (٢٣٩٨)، والترمذي (١٣١١) من طريق
إسماعيل بن عياش، به.
وأخرجه أيضًا النسائي في «الكبرى»
(٥٧٤٩) من طريق أبي عامر لقمان بن عامر الحمصي، و(٥٧٥٠) من طريق حاتم بن حريث،
كلاهما عن أبي أمامة وإسناداهما حسنان. وزاد النسائي في رواية أبي عامر: قال رجل:
يا رسول الله، أرأيت عهدَ الله عز وجل؟ قال: «عهد الله عز وجل أحقُّ ما أُدِّي».
وهو في «مسند أحمد» بتمامه (٢٢٢٩٤).
وفي «صحيح ابن حبان» (٥٠٩٤) مقتصرًا
على ذكر العارية والمنحة.
ويشهد للشطر الثاني: حديث عبد الله
بن عمرو بن العاص السالف عند المصنف برقم (٣٥٤٧). وإسناده حسن.
ويشهد لقوله: «الزعيم غارم، والدين
مقضي» حديث سعيد بن أبي سعيد عمن سمع النبي ﷺ عند أحمد (٢٢٥٠٧). هو حديث حسن لغيره.
قال الخطابي: قوله: «مؤداة» قضية
إلزام في أدائها عينًا حال القيام، وقيمة عند التلف.
وقوله: «المنحة مردودة» فإن المنحة:
هي ما يمنحه الرجل صاحبه من أرض يزرعها مدة ثم يردُّها أو شاة يشربُ درَّها ثم
يردُّها على صاجها أو شجرة يأكل ثمرها.
وجملتها أنها تمليك المنفعة دون
الرقبة، وهي من معنى العواري، وحكمها الضمان كالعارية.
قال: «والزعيم»: الكفيل، والزعامة:
الكفالة، ومنه قيل لرئيس القوم: الزعيم، لأنه هو المتكفل بأمورهم.
=
٣٥٦٦ - حدَّثنا إبراهيمُ بن المُستَمِرِّ
العُصْفُريّ، حدَّثنا حَبّان بن هلال، حدَّثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن عطاء بن أبي
رباح، عن صفوان بن يعلى
عن أبيه، قال: قال لي رسول الله ﷺ:
«إذا أتتك رُسُلي، فأعطِهِم ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا» قال: قلت: يا رسول الله
ﷺ، أعارِيَّةٌ مضمونةٌ أو عاريَّةُ مؤدَّاة؟ قال: «بل مُؤدَّاة» (١).
قال أبو داود: حَبَّان خالُ هلال
الرأي (٢).
= وقد اختلف الناس في تضمين العارية،
فروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما سقوط الضمان فيها، وقال شريح والحسن
وإبراهيم: لا ضمان لها، وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق بن راهويه.
وروي عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما
قالا: هي مضمونة، وبه قال عطاء والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال مالك بن أنس: ما ظهر
هلاكه كالحيوان ونحوه غير مضمون، وما خفي هلاكه من ثوب ونحوه فهو مضمون.
قلنا: قد خالف ابنُ قدامة في
«المغني» ٧/ ٣٤١ الخطابيَّ في نسبة القول بعدم ضمان العارية لإسحاق بن راهويه، فقد
ذكر ابنُ قدامة إسحاق فيمن يقول بضمانها، والقول قول ابن قدامة، فقد ذكر إسحاق بن
منصور الكوسج في «مسائله» (٢٥٦١) أن إسحاق يقول كقول أحمد بن حنبل.
وأضاف ابنُ قدامة قيدًا مهمًا لم
يذكره الخطابيّ للفريق الثاني القائل بعدم الضمان، وهو أن لا يكون تلفُ العاريّة
بتَعدٍّ من المُستعير، وهو قيد مهم للغاية.
(١)
إسناده صحيح. قتادة: هو ابن دعامة، وهمام: هو ابن يحيى العَوذي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٤٤)
و(٥٧٤٥) من طريق حبان بن هلال، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٩٥٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٧٢٠).
وانظر ما سلف برقم (٣٥٦٢).
(٢)
مقالة أبى داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من روايتي أبي
عيسى الرملي وابن الأعرابي.
٩١ - باب فيمن أفسد شيئًا يضمن مثلَه
٣٥٦٧
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى.
وحدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، حدَّثنا خالد، عن حميد
عن أنس بن مالك: أن رسولَ الله ﷺ كان
عندَ بعضِ نسائِه، فأرسلتْ إحدى أمَّهات المؤمنين مع خادمها قَصْعَةً فيها طعام،
قال: فضَرَبَتْ بيدِها، فكسرتِ القَصْعةَ، قال ابنُ المثنى: فأخذ النبي ﷺ
الكِسرتَين، فضمَّ إحداهما إلى الأخرى، فجعل يَجْمَعُ فيها الطعامَ ويقول:
«غَارَتْ أمُّكُم» زاد ابنُ المثنى، «كُلُوا» فأكلوا حتى جاءت قصعتُها التي في
بيتها -ثم رجعْنا إلى لفظ حديث مسدَّدٌ، قال: «كُلُوا» وحَبَسَ الرسولَ والقصعةَ
حتى فرغوا، فدفع القصعةَ الصحيحةَ إلى الرسولِ وحَبسَ المكسورة في بيتِه (١).
٣٥٦٨
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
سفيانَ، حدَّثني فُلَيْتٌ العامِريُّ، عن جَسْرَةَ بنتِ دَجاجة، قالت:
قالت عائشة: ما رأيتُ صانعًا طعامًا
مِثْلَ صَفِيَّة، صَنَعَتْ لرسول الله ﷺ طعامًا، فبعثَتْ به، فأخذني أفكَلٌ،
فكسرتُ الإناءَ، فقلتُ:
(١) إسناده صحيح. حميد: هو ابن أبي حميد
الطويل، وخالد: هو ابن الحارث الهُجَيمي، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومسدَّد: هو
ابن مُسَرْهَد.
وأخرجه البخاري (٢٤٨١)، و(٥٢٢٥)،
وابن ماجه (٢٣٣٤)، والترمذي (١٤٠٩)، والنسائي (٣٩٥٥) من طرق عن حميد الطويل، به.
ورواية الترمذي مختصرة. وهو في «مسند أحمد» (١٢٠٢٧).
قال المنذري في «مختصر السنن»: والتي
كان النبي ﷺ في بيتها عائشة، والتي أرسلت للنبي ﷺ الصحفة هي زينب بنت جحش، وقيل:
غيرها، والله أعلم.
يا رسول الله ﷺ، ما كفَّارَةُ ما
صَنَعْتُ؟ قال: «إناءٌ مثلُ إناءٍ، وطعامٌ مِثلُ طَعامٍ» (١).
٩٢
- باب
المواشي تُفْسِدُ زَرْع قومٍ
٣٥٦٩
- حدَّثنا أحمدُ بنُ محمد بن ثابت
المروزيُّ، حدَّثنا عبدُ الرزاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزهريِّ، عن حَرام بنِ
مُحَيِّصة
عن أبيه أن ناقةً للبراء بن عازبٍ
دخلت حائِطَ رجل فأفسدته، فقضى رسولُ الله ﷺ على أهلِ الأموالِ حفظَها بالنهار،
وعلى أهل المَواشي حفظَها بالليل (٢).
(١) إسناده حسن. جسرة بنت دجاجة روى عنها
جمع، ووثقها العجلي، وذكرها ابن حبان في «الثقات»، وفُليت -ويقال: أفلت- ابن خليفة
العامري صدوق حسن الحديث. سفيان: هو الثوري، ويحيى: هو ابن سعيد القطان.
وأخرجه النسائي (٣٩٥٧) من طريق سفيان
الثوري، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢٥١٥٥).
قال الخطابي: «الأفكَل»: الرِّعدة من
برد أو خوف، والمراد ها أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة.
(٢)
رجاله ثقات، لكن عبد الرزاق تفرد بوصل هذا الحديث، والصحيحُ فيه أنه عن حرام بن
مُحيِّصة: أن ناقة للبراء الحديث يعني مرسلًا. قال ابن عبد البر في «التمهيد» ١١/
٨١: ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك، وأنكروا عليه قوله فيه: «عن أبيه»، وأسند ابنُ
عبد البر هذا القول عن أبي داود، ثم قال: هكذا قال أبو داود: لم يتابَع عبدُ
الرزاق، وقال محمد بن يحيى الذهلي: لم يتابَع معمر على ذلك، وذكر الدارقطني بإثر
الحديث (٣٣١٣)، والبيهقي ٨/ ٣٤٢ أن وهيب بن خالد وأبا مسعود الزجاج قد خالفا عبد
الرزاق، فروياه عن معمر، فلم يقولا: عن أبيه.
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ١١/
٨٢: هذا الحديث وإن كان مرسلًا، فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة، وحدّث به الثقات،
واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقّوه بالقبول، وجرى في المدينة به العملُ.
=
٣٥٧٠ - حدَّثنا محمودُ بن خَالدٍ، حدَّثنا
الفِريابيُّ، عن الأوزاعيِّ، عن الزهريِّ، عن حَرام بن مُحَيَّصة الأنصاريِّ
= وهو في «مصنف عبد الرزاق» (١٨٤٣٧)
ومن طريق أخرجه أحمد (٢٣٦٩٧)، وابن حبان (٦٠٠٨).
وأخرجه مالك في «الموطأ» ٢/ ٧٤٧ -
٧٤٨ - ومن طريقه الشافعي في «المسند» ٢/ ١٠٧، وفي «السنن المأثورة» (٥٢٦)،
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» ٣/ ٢٠٣، وفي «شرح مشكل الآثار» (٦١٥٩)، والدارقطني
(٣٣١٩)، والبيهقي ٨/ ٢٧٩ و٣٤١، والبغري (٢١٦٩) وقرن الدارقطني بمالك يونس بن يزيد
الأيلي- عن الزهري، عن حرام مرسلًا.
وأخرجه الشافعي في «السنن المأثورة»
(٥٢٥)، وابن أبي شيبة ٩/ ٤٣٥ - ٤٣٦، وأحمد (٢٣٦٩٤)، وابن الجارود (٧٩٦)، والطحاوي
في «شرح المشكل» (٦١٦٠)، والبيهقي ٨/ ٣٤٢، وابن عبد البر في «التمهيد» ٨٩/ ١١ من
طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد، مرسلًا. ومراسيل
سعيد قوية عند أهل العلم.
وانظر ما بعده.
قال البغوي في «شرح السنة» ٨/ ٢٣٦ -
٢٣٧: ذهب إلى هذا بعض أهل العلم أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير، فلا
ضمان على ربها، وما أفسدت بالليل، يضمنه ربها لأن في عرف الناس، أن أصحاب الحوائط
والبساتين يحفظونها بالنهار، وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار، ويردونها بالليل
إلى المراح، فمن خالف هذه العادة، كان خارجًا عن رسوم الحفظ إلى حد التضييع، هذا
إذا لم يكن مالك الدابة معها، فإن كان معها، فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها
أو سائقها أو قائدها، أو كانت واقفة، وسواء أتلفت بيدها أو رجلها، أو فمها، وإلى
هذا ذهب مالك والشافعي.
وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إن
لم يكن معها، فلا ضمان عليه ليلًا كان أو نهارًا، واحتجوا بقول النبي ﷺ: «جرح
العجماء جبار» وهذا حديث عام خصه حديث البراء. وإن كان المالك معها قالوا: إن كان
يسوقها، فعليه ضمان ما أتلفت بكل حال، وإن كان قائدها أو راكبها، فعليه ضمان ما
أتلفت بفمها أو يدها، ولا يجب عليه ضمان ما أتلفت برجلها.
عن البراءِ بنِ عازبِ قال: كانت له
ناقةٌ ضاريَةٌ، فدخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فكُلِّمَ رسولُ الله ﷺ فيها، فقضى أن
حفظَ الحوائطِ بالنهار على أهلِها، وأن حفظ الماشيةِ بالليل على أهلِها، وأن على
أهل الماشية ما أصابت ماشيَتُهُم بالليل (١).
آخر كتاب البيوع
(١) إسناده ضعيف لانقطاعه، والصحيح أنه مرسل
كما سلف قبله. وحرام بن محيّصة لم يسمع من البراء بن عازب.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٧٥٣)
من طريق الأوزاعي، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٣٢ م)، والنسائي
(٥٧٥٢) من طريق معاوية بن هشام القصار، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عيسى
-وقرن به النسائي إسماعيل بن أمية- عن الزهري، به. ومعاوية بن هشام -وإن كان حسن
الحديث-، لكنه يغرب عن الثوري بأشياء كما قال ابن عدي.
وأخرجه النسائي (٥٧٥٥) من طريق محمد
بن ميسرة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن البراء. وقال: محمد بن ميسرة: هو محمد
بن أبي حفصة، وهو ضعيف.
وانظر ما قبله.