recent
آخر المقالات

سُورَةُ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ (١)

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: «مَا لَمْ يَعْلَمْ».


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ -اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، [قَالَ: فَأَخَذَنِي] (٢) فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فغطَّني الثَّالِثَةَ [حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ] (٣)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زمِّلُونِي زمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ: مَا لِي؟ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لِتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقِرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ


(١) أخرج ابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: أول ما نزل من القرآن بمكة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) . انظر: الدر المنثور: ٨ / ٥٦٠ - ٥٦٢.
(٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٣) ما بين القوسين ساقط من «ب».

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى -ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ -وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ مَا يَقُولُ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رسول الله ﷺ: أَوَ مُخْرِجيَّ [هُمْ] (١)؟ قَالَ: نعم لم ١٩٦/ب يَأْتِ [أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا] (٢) جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرَا، ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ (٣) وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ (٤) .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» حَتَّى بَلَغَ «مَا لَمْ يَعْلَمْ» وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ: وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ، ﷺ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا حَتَّى يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقَرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ«(٥) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَرَّاقُ أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ عز وجلاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ«(٦) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَجَازُهُ: اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ، يَعْنِي أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ، وَالْمَعْنَى: اذْكُرِ اسْمَهُ، أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقِرَاءَةَ بِاسْمِ اللَّهِ [تَأْدِيبًا] (٧) .


(١) زيادة من»أ«.
(٢) في»ب«(رجل قظ بما) . وهو موافق لرواية البخاري.
(٣) في»ب«ينشب.
(٤) أخرجه البخاري في بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ ١ / ٢٣.
(٥) أخرجه البخاري في التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة: ١٢ / ٣٥١ - ٣٥٢، ومسلم في الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ برقم: (١٦٠): ١ / ١٣٩ - ١٤٢.
(٦) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٥٢، وصححه الحاكم: ٢ / ٥٢٩ وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٥٦١ عزوه لابن مردويه والبيهقي في الدلائل.
(٧) في»ب" تأدبا.

﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْخَلَائِقَ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ يَعْنِي [خَلَقَ] (١) ابْنَ آدَمَ، ﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ جَمْعُ عَلَقَةٍ. ﴿اقْرَأْ﴾ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ فَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْحَلِيمُ عَنْ جَهْلِ الْعِبَادِ لَا يَعْجَلُ عَلَيْهِمْ بِالْعُقُوبَةِ.
﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)﴾
﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ يَعْنِي الْخَطَّ وَالْكِتَابَةَ. ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ مِنْ أَنْوَاعِ الْهُدَى وَالْبَيَانِ. وَقِيلَ: عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا. وَقِيلَ: الْإِنْسَانُ هَاهُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ بَيَانُهُ: «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ» (النِّسَاءَ -١١٣) . ﴿كَلَّا﴾ حَقًّا ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ لَيَتَجَاوَزُ حَدَّهُ وَيَسْتَكْبِرُ عَلَى رَبِّهِ. ﴿أَنْ﴾ لِأَنْ ﴿رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ أَنْ رَأَى نَفْسَهُ غَنِيًّا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَرْتَفِعُ عَنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ فِي اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، كَانَ إِذَا أَصَابَ مَالًا زَادَ فِي ثِيَابِهِ وَمَرْكَبِهِ وَطَعَامِهِ، فَذَلِكَ طُغْيَانُهُ. ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ أَيِ الْمَرْجِعَ فِي الْآخِرَةِ، [«الرُّجْعَى»: مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فُعلْىَ] (٢) . ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، نَهَى النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ (٣) .
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي نَعِيمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: [وَاللَّاتِ] (٤)


(١) ساقط من «ب».
(٢) ما بين القوسين ساقط من «أ».
(٣) انظر الطبري: ٣٠ / ٢٥٤، ابن كثير: ٤ / ٥٢٩.
(٤) زيادة من «ب».

وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لْأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، وَلِأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، [عَزَمَ] (١) لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ، عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ -لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٍ بَلَغَهُ-: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى» الْآيَاتِ (٢) .
وَمَعْنَى «أَرَأَيْتَ» هَاهُنَا تَعْجِيبٌ لِلْمُخَاطَبِ. وَكَرَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلتَّأْكِيدِ:
﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)﴾
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ إِلَى الْهُدَى يَعْنِي الْعَبْدَ الْمَنْهِيَّ وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ. ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ يَعْنِي بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ. ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ﴾ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، ﴿وَتَوَلَّى﴾ عَنِ الْإِيمَانِ.
وَتَقْدِيرُ نَظْمِ الْآيَةِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى [وَالْمَنْهِيُّ] (٣) عَلَى الْهُدَى، آمِرٌ بِالتَّقْوَى، وَالنَّاهِي مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ عَنِ الْإِيمَانِ، فَمَا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا! ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ﴾ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، ﴿بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ ذَلِكَ فَيُجَازِيهِ بِهِ. ﴿كَلَّا﴾ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ عَنْ إِيذَاءِ [نَبِيِّهِ] (٤) ﷺ وَتَكْذِيبِهِ، ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾ لَنَأْخُذُنَّ بِنَاصِيَتِهِ فَلْنَجُرَّنَّهُ إِلَى النَّارِ، كَمَا قَالَ «فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ» (الرَّحْمَنِ -٤١) يُقَالُ: سَفَعْتُ، بِالشَّيْءِ، إِذَا أَخَذْتُهُ وَجَذَبْتُهُ جَذْبًا شَدِيدًا، وَ«النَّاصِيَةُ»: شَعْرُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ. ثُمَّ قَالَ عَلَى الْبَدَلِ: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ أَيْ صَاحِبُهَا كَاذِبٌ خَاطِئٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَهَى أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ انْتَهَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ أَتَنْهَرُنِي [يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا بِهَا أَكْثَرُ نَادِيًا مِنِّي؟ ثُمَّ قَالَ]: (٥) فَوَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّ عَلَيْكَ هَذَا الْوَادِي إِنْ شِئْتَ خَيْلًا جُرْدًا وَرِجَالًا مُرْدًا (٦) .


(١) في «ب» زعم.
(٢) أخرجه مسلم في صفات المنافقين، باب قوله (إن الإنسان ليطغى) برقم: (٢٧٩٧): ٤ / ٢١٥٤.
(٣) في «ب» وهو.
(٤) في «ب» محمد.
(٥) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٦) انظر: الطبري: ٣٠ / ٢٥٥.

﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)﴾
قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ أَيْ قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ، أَيْ فَلْيَسْتَنْصِرْ بِهِمْ. ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ جَمْعُ زِبْنِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنَ الزِّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ زَبَانِيَةَ جَهَنَّمَ سَمُّوا بِهَا لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْهَا، قَالَ الزَّجَّاجُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ (١) ثُمَّ قَالَ: ﴿كَلَّا﴾ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ، ﴿لَا تُطِعْهُ﴾ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ، ﴿وَاسْجُدْ﴾ صِلِّ لِلَّهِ ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ مِنَ اللَّهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بن أحمد اللؤلؤي، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرَّاجِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا وَهْبٌّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ [فِيهَا] (٢)» (٣) .


(١) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٥٦.
(٢) ساقط من «ب».
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء في الركوع والسجود: ١ / ٤٢٠، ومسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم: (٤٨٢): ١ / ٣٥٠ والمصنف في شرح السنة: ٣ / ١٥١.

 


google-playkhamsatmostaqltradent