recent
آخر المقالات

سُورَةُ الْفِيلِ مَكِّيَّةٌ (١)

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾؟ وَكَانَتْ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْفِيلِ -عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ -:


أَنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ كَانَ قَدْ بَعَثَ «أَرْيَاطَ» إِلَى أَرْضِ الْيَمَنِ فَغَلَبَ عَلَيْهَا، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهُ: «أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَاحِ» [أَبُو يَكْسُومَ]، (٢)، فَسَاخَطَ «أَرْيَاطَ» فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى انْصَدَعُوا صَدْعَيْنِ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ أَرْيَاطَ، وَطَائِفَةٌ مَعَ أَبْرَهَةَ، فَتَزَاحَفَا فَقَتَلَ أَبْرَهَةُ، أَرْيَاطَ، وَاجْتَمَعَتِ الْحَبَشَةُ لِأَبْرَهَةَ، وَغَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَأَقَرَّهُ النَّجَاشِيُّ، عَلَى عَمَلِهِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ رَأَى النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ إِلَى مَكَّةَ لِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ، فَبَنَى كَنِيسَةً بِصَنْعَاءَ وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ: إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ بِصَنْعَاءَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ لِمَلِكٍ مَثَلُهَا، وَلَسْتُ مُنْتَهِيًا حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ، فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ [فَخَرَجَ إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا] (٣) فَدَخَلَهَا لَيْلًا فَقَعَدَ فِيهَا وَتَغَوَّطَ بِهَا، وَلَطَّخَ بِالْعُذْرَةِ قِبْلَتَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ فَقَالَ: مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ وَلَطَّخَ كَنِيسَتِي بِالْعُذْرَةِ؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِالَّذِي قُلْتَ، فَحَلَفَ أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: لِيَسِيرَنَّ إِلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى يَهْدِمَهَا، فَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِفِيلِهِ، وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوَّةً، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ


(١) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل (ألم تر كيف فعل ربك) بمكة انظر: الدر المنثور: ٨ / ٦٢٧.
(٢) ما بين القوسين زيادة من «أ».
(٣) ما بين القوسين زيادة من «ب».

أَبْرَهَةُ مِنَ الْحَبَشَةِ سَائِرًا إِلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْفِيلُ، فَسَمِعَتِ الْعَرَبُ بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًا عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: ذُو نَفَرٍ، بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ قَوْمِهِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ وَأَخَذَ ذَا نَفَرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلَنِي فَإِنَّ اسْتِبْقَائِيَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ قَتْلِي، فَاسْتَحْيَاهُ وَأَوْثَقَهُ. وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا.
ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ بِلَادِ خَثْعَمَ، خَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي خَثْعَمَ وَمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمَهُمْ وَأَخَذَ نُفَيْلًا فَقَالَ نُفَيْلٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي دَلِيلٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَاسْتَبْقَاهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلُّهُ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُكَ، لَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ، نَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ، فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ، مَوْلًى لَهُمْ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ [بِالْمُغَمَّسِ] (١) مَاتَ أَبُو رِغَالٍ وَهُوَ الَّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ، وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ مِنَ الْمُغَمَّسِ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَلَى مُقَدِّمَةِ خَيْلِهِ، وَأَمْرَهُ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النَّاسِ، فَجَمَعَ الْأَسْوَدُ إِلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ، وَأَصَابَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ.
ثُمَّ إِنَّ أَبْرَهَةَ بَعَثَ حَبَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَالَ: سَلْ عَنْ شَرِيفِهَا ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَا أُرْسِلُكَ بِهِ إِلَيْهِ، أَخْبِرْهُ أَنِّي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَهْدِمَ هَذَا الْبَيْتَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فِلَقِيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأُخْبِرَكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِلَّا أَنْ تُقَاتِلُوهُ، إِنَّمَا جَاءَ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ ثُمَّ الِانْصِرَافِ عَنْكُمْ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَا لَهُ عِنْدَنَا قِتَالٌ وَلَا لَنَا بِهِ يَدٌ إِلَّا أَنْ نُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ مَا لَنَا بِهِ قُوَّةٌ.
قَالَ: فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَلِكِ، فَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَرْدَفَهُ عَلَى بَغْلَةٍ كَانَ عَلَيْهَا وَرَكِبَ مَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى قَدِمَ الْمُعَسْكَرَ، وَكَانَ ذُو نَفَرٍ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا ذَا نَفَرٍ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ [غَنَاءٍ] (٢) فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ: مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيًّا، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إِلَى أُنَيْسٍ، سَائِسِ الْفِيلِ، فَإِنَّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَصْنَعَ لَكَ عِنْدَ الْمَلِكِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ وَيُعَظِّمُ خَطَرَكَ وَمَنْزِلَتَكَ عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى أُنَيْسٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ صَاحِبُ


(١) موضع قرب مكة في طريق الطائف: انظر معجم البلدان.
(٢) في «أ» غنى وما أثبت موافق لما ورد في السيرة.

عِيرِ مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْفَعَهُ عِنْدَهُ فَانْفَعْهُ فَإِنَّهُ صَدِيقٌ لِي، أُحِبُّ، مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، فَدَخَلَ أُنَيْسٌ عَلَى أَبْرَهَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَصَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، يَسْتَأْذِنُ إِلَيْكَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَيُكَلِّمَكَ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرَ نَاصِبٍ لَكَ وَلَا مُخَالِفٍ عَلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ، فهبط إلى ٢٠٠/ب الْبِسَاطِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ إِلَى الْمَلِكِ؟ فَقَالَ لَهُ التُّرْجُمَانُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: حَاجَتِي إِلَى الْمَلِكِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ: لَقَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، وَقَدْ زَهِدْتُ فِيكَ، قَالَ [عَبْدُ الْمُطَّلِبِ]: (١) لِمَ؟ قَالَ: جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ وَهُوَ شَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ لِأَهْدِمَهُ لَمْ تُكَلِّمْنِي فِيهِ وَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا؟ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَنَا رَبُّ هَذِهِ الْإِبِلِ وَإِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رِبًّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنِّي، قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا رُدَّتِ الْإِبِلُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَيَتَحَرَّزُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ، فَفَعَلُوا، وَأَتَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْكَعْبَةَ، وَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا
إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا ... امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكَا
وَقَالَ أَيْضًا: لَا هُمَّ (٢) إِنَّ العَبْدَ يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ (٣)
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا (٤) مِحَالُكْ (٥)
جَرُّوا جُمُوعَ بِلَادِهِمْ ... وَالْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمَدُوا حِمَاكَ بِكَيْدِهِمْ ... جَهْلًا وَمَا رَقَبُوا جَلَالَكَ


(١) زيادة من «أ».
(٢) أصلها اللهم، والعرب تحذف الألف واللام منها وتكتفي بما بقي، تقول لاه أبوك، وهي تريد لله أبوك.
(٣) جمع حلة، وهي جماعة البيوت، ويريد هنا القوم الحلول. والحلال أيضا: متاع البيوت.
(٤) غدوا: غدا، وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك، فحذف لامه، ولم يستعمل تاما إلا في الشعر.
(٥) القوة والشدة.

إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْبَتَنَا ... فأمْرٌ ما بدَالَكْ
فَلَمْ أَسْمَعْ بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَالٍ ... أَرَادُوا الْغَزْوَ يَنْتَهِكُوا حَرَامَكَ (١)
ثُمَّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْحَلْقَةَ وَتَوَجَّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ، وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمَّسِ قَدْ تَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ وَعَبَّأَ جَيْشَهُ وَهَيَّأَ فِيلَهُ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ وَيُقَالُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ فِيلًا.
فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ [فَإِنَّكَ] (٢) فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى، فَضَرَبُوهُ بِالْمِعْوَلِ فِي رَأْسِهِ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَهُمْ تَحْتَ مِرَاقِهِ وَمَرَافِقِهِ فَنَزَعُوهُ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَصَرَفُوهُ إِلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ وَأَبَى أَنْ يَقُومَ.
وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدُّ حَتَّى [صَعِدَ] (٣) فِي الْجَبَلِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ مَعَ كُلِّ [طَائِرٍ] (٤) مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ، فَلَمَّا غَشَيْنَ الْقَوْمَ أَرْسَلْنَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ وَخَرَجُوا هَارِبِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ، يَتَسَاءَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْيَمَنِ، وَنُفَيْلٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْجِبَالِ، فَصَرَخَ الْقَوْمُ وَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلِّ [مَهْلِكٍ] (٥) .
وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ فَجَعَلَ يَتَسَاقَطُ أَنَامِلُهُ كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ اتَّبَعَتْهَا [مِدَّةٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ] (٦)، فَانْتَهَى إِلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّيْرِ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمَّ هَلَكَ (٧) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَمَّا مَحْمُودٌ، فِيلُ النَّجَاشِيِّ، فَرَبَضَ وَلَمْ [يَسِرْ] (٨) عَلَى الْحَرَمِ فَنَجَا، وَالْفِيلُ


(١) هذا البيت زيادة من «أ».
(٢) ساقط من «ب».
(٣) في «ب» أصعد.
(٤) في «ب» طير.
(٥) في «ب» مهل.
(٦) وهي الغليظه من القيح، أما الرقيقة فهي صديد.
(٧) أخرجه ابن هشام: ١ / ٤٤ - ٥٦. وأخرجه الطبري في التاريخ: ٢ / ١٢٨ - ١٣٩، من طريق ابن إسحاق.
(٨) في «ب» يشجع.

الْآخَرُ شَجَّعَ فَحُصِبَ.
وَزَعَمَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي جَرَّأَ أَصْحَابَ الْفِيلِ: أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّارًا إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَدَنَوْا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَثَمَّ بَيْعَةٌ لِلنَّصَارَى تُسَمِّيهَا قُرَيْشٌ «الْهَيْكَلَ»، فَنَزَلُوا فَأَجَّجُوا نَارًا وَاشْتَوُوا فَلَمَّا ارْتَحَلُوا تَرَكُوا النَّارَ كَمَا هِيَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَعَجَّتِ الرِّيحُ فَاضْطَرَمَ الْهَيْكَلُ نَارًا فَانْطَلَقَ الصَّرِيخُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَأَسِفَ غَضَبًا لِلْبَيْعَةِ، فَبَعَثَ أَبْرَهَةَ لِهَدْمِ الْكَعْبَةِ.
وَقَالَ فِيهِ: إِنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَبُو مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ مَكْفُوفَ الْبَصَرِ يُصَيِّفُ بِالطَّائِفِ وَيَشْتُو بِمَكَّةَ؛ وَكَانَ رَجُلًا نَبِيهًا نَبِيلًا تَسْتَقِيمُ الْأُمُورُ بِرَأْيهِ، وَكَانَ خَلِيلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: مَاذَا عِنْدَكَ هَذَا يَوْمٌ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ رَأْيِكَ؟ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: اصْعَدْ بِنَا إِلَى حِرَاءَ فَصَعِدَ الْجَبَلَ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: اعْمَدْ إِلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَاجْعَلْهَا لِلَّهِ وَقَلِّدْهَا نَعْلًا ثُمَّ أَرْسِلْهَا فِي الْحَرَمِ لَعَلَّ بَعْضَ هَذِهِ السُّودَانِ يَعْقِرُ مِنْهَا شَيْئًا، فَيَغْضَبَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَأْخُذَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَعَمَدَ الْقَوْمُ إِلَى تِلْكَ الْإِبِلِ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا وَعَقَرُوا بَعْضَهَا وَجَعَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: إِنْ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا يَمْنَعُهُ، فَقَدْ نَزَلَ تُبَّعُ، مَلِكُ الْيَمَنِ صَحْنَ هَذَا الْبَيْتِ وَأَرَادَ هَدْمَهُ فَمَنَعَهُ اللَّهُ وَابْتَلَاهُ، وَأَظْلَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا رَأَى تُبَّعُ ذَلِكَ كَسَاهُ الْقَبَاطِيَّ الْبِيضَ، وَعَظَّمَهُ وَنَحَرَ لَهُ جَزُورًا.
[ثُمَّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ] (١) فَانْظُرْ نَحْوَ الْبَحْرِ، فَنَظَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: أَرَى طَيْرًا بَيْضَاءَ نَشَأَتْ مِنْ شَاطِئِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: اُرْمُقْهَا بِبَصَرِكَ أَيْنَ قَرَارُهَا؟ قَالَ أَرَاهَا قَدْ دَارَتْ عَلَى رُءُوسِنَا، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُهَا؟ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْرِفُهَا مَا هِيَ بِنَجْدِيَّةٍ وَلَا تِهَامِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ وَلَا شَامِيَّةٍ، قَالَ: مَا قَدُّهَا؟ قَالَ: أَشْبَاهُ [الْيَعَاسِيبِ] (٢)، فِي مِنْقَارِهَا حَصًى كَأَنَّهَا حَصَى الْحَذْفِ، قَدْ أَقْبَلَتْ كَاللَّيْلِ يَكْسَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، أَمَامَ كُلِّ رُفْقَةٍ طَيْرٌ يَقُودُهَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ أَسْوَدُ الرَّأْسِ طَوِيلُ الْعُنُقِ، فَجَاءَتْ حَتَّى إِذَا حَاذَتْ بِعَسْكَرِ الْقَوْمِ [وَكَدَتْ] (٣) فَوْقَ رُءُوسِهِمْ، فَلَمَّا تَوَافَتِ الرِّجَالُ كُلُّهَا أَهَالَتِ الطَّيْرُ مَا فِي مَنَاقِيرِهِا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا، مَكْتُوبٌ فِي كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صَاحِبِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا انْصَاعَتْ رَاجِعَةً مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ، فَلَمَّا أَصْبَحَا انْحَطَّا مِنْ ذُرْوَةِ الْجَبَلِ فَمَشَيَا رَبْوَةً فَلَمْ يُؤْنِسَا أَحَدًا ثُمَّ دَنَوْا رَبْوَةً فَلَمْ يَسْمَعَا حِسًّا فَقَالَا بَاتَ الْقَوْمُ [سَاهِرِينَ] (٤)، فَأَصْبَحُوا نِيَامًا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ، وَكَانَ يَقَعُ


(١) ما بين القوسين زيادة من المطبوع وهي لازمة لتمام المعنى.
(٢) الجراد.
(٣) أقامت وقصدت ووأصابت.
(٤) في «ب» سامدين.

الْحَجَرُ عَلَى بَيْضَةِ (١) أَحَدِهِمْ فَيَخْرِقَهَا حَتَّى يَقَعَ فِي دِمَاغِهِ وَيَخْرِقَ الْفِيلَ وَالدَّابَّةَ وَيَغِيبَ الْحَجَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ وَقْعِهِ، فَعَمَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فأخذ فأسًا ٢٠١/أمن فؤسهم فَحَفَرَ حَتَّى أَعْمَقَ فِي الْأَرْضِ فَمَلَأَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْجَوْهَرِ، وَحَفَرَ لِصَاحِبِهِ حُفْرَةً فَمَلَأَهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي مَسْعُودٍ: هَاتِ فَاخْتَرْ إِنْ شِئْتَ حُفْرَتِي وَإِنْ شِئْتَ حُفْرَتَكَ، وَإِنْ شِئْتَ فَهُمَا لَكَ مَعًا، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: اخْتَرْ لِي عَلَى نَفْسِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِنِّي لَمْ آلُ أَنْ أَجْعَلَ أَجْوَدَ الْمَتَاعِ فِي حُفْرَتِي فَهُوَ لَكَ، وَجَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُفْرَتِهِ، وَنَادَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي النَّاسِ، فَتَرَاجَعُوا وَأَصَابُوا مِنْ فَضْلِهِمَا حَتَّى ضَاقُوا بِهِ ذَرْعًا، وَسَادَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِذَلِكَ قُرَيْشًا وَأَعْطَتْهُ الْمُقَادَةَ، فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو مَسْعُودٍ فِي أَهْلِيهِمَا فِي غِنًى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، وَدَفَعَ اللَّهُ عَنْ كَعْبَتِهِ وَبَيْتِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخِ عَامِ الْفِيلِ؛ فَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾؟ قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ مَعَهُمْ فِيلٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتِ الْفِيَلَةُ ثَمَانِيَةٌ. وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ، سِوَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ، وَإِنَّمَا وُحِّدَ لِأَنَّهُ نَسَبَهُمْ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ. وَقِيلَ: لِوِفَاقِ رُءُوسِ الْآيِ.
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣)
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾ «كَيْدَهُمْ» يَعْنِي مَكْرَهُمْ وَسَعْيَهُمْ فِي تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ: «فِي تَضْلِيلٍ» عَمَّا أَرَادُوا، وَأَضَلَّ كَيْدَهُمْ حَتَّى لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَعْبَةِ، وَإِلَى مَا أَرَادُوهُ بِكَيْدِهِمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فِي خَسَارَةٍ، وَقِيلَ: فِي بُطْلَانٍ. ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ كَثِيرَةً مُتَفَرِّقَةً يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَقِيلَ: أَقَاطِيعَ كَالْإِبِلِ الْمُؤَبَّلَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. أَبَابِيلُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ، يُقَالُ: جَاءَتِ الْخَيْلُ أَبَابِيلُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا.
قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا. وَقِيلَ: وَاحِدُهَا إِبَالَةٌ (٢) . وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ


(١) ما يلبس على الرأس لوقايته في القتال.
(٢) انظر: معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٩٢.

النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ: وَاحِدُهَا أَبُولُ، مِثْلُ عَجُولٌ وَعَجَاجِيلُ (١) .
وَقِيلَ: وَاحِدُهَا مِنْ [لَفْظِهَا] (٢) إِبِّيلٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الطَّيْرِ، وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ (٣) .
وَقَالَ عكرمة: لها رءوس كرءوس السِّبَاعِ. قَالَ الرَّبِيعُ: لَهَا أَنْيَابٌ كَأَنْيَابِ السِّبَاعِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: خُضْرٌ لَهَا مَنَاقِيرُ صُفْرٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: طَيْرٌ سُودٌ جَاءَتْ مِنْ قَبْلِ الْبَحْرِ فَوْجًا فَوْجًا مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ؛ حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، لَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا هَشَمَتْهُ.
﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)﴾
﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ﴾ قَالَ [ابْنُ عَبَّاسٍ] (٤) وَابْنُ مَسْعُودٍ: صَاحَتِ الطَّيْرُ وَرَمَتْهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَضَرَبَتِ الْحِجَارَةَ فَزَادَتْهَا شِدَّةً فَمَا وَقَعَ مِنْهَا حَجَرٌ عَلَى رَجُلٍ إِلَّا خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ. ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ كَزَرْعٍ وَتِبْنٍ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ فُرَاثَتْهُ فَيَبِسَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ. شَبَّهَ تَقَطُّعَ، أَوْصَالِهِمْ بِتَفَرُّقِ أَجْزَاءِ الرَّوْثِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: «الْعَصْفُ» وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ التِّبْنُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَالْحَبِّ إِذَا أُكِلَ فَصَارَ أَجْوَفَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْقِشْرُ الْخَارِجُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى حَبِّ الْحِنْطَةِ كَهَيْئَةِ الْغِلَافِ لَهُ.


(١) ذكر الفراء العبارة في الموضع السابق على النحو التالي: «وقد قال بعض النحويين وهو الكسائي: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العجول والعجاجيل».
(٢) ساقط من«أ».
(٣) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٩٧. وزاد السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٦٣٠ عزوه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.
(٤) ساقط من «ب».

 


google-playkhamsatmostaqltradent