بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
﴿إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)﴾
﴿إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سهل السرخسي إملاءرأخبرنا أَبُو الْوَفَاءِ الْمُؤَمِّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
عِيسَى الْمَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْرٍ
الْقَاضِي قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ الصَّنْعَانِيَّ قَالَ
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ
يَنْظُرَ فِي أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ فَلْيَقْرَأْ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾
(٢)
قَوْلُهُ عز وجل ﴿إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَظْلَمَتْ،
وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: ذَهَبَ ضَوْءُهَا. وَقَالَ سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ: غُوِّرَتْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اضْمَحَلَّتْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
لُفَّتْ كَمَا تُلَفُّ الْعِمَامَةُ، يُقَالُ: كَوَّرْتُ الْعِمَامَةَ عَلَى
رَأْسِي، أُكَوِّرُهَا كُوَرًا وَكَوَّرْتُهَا تَكْوِيرًا، إذا لففتها ١٨٥/ب وَأَصْلُ التَّكْوِيرِ جَمْعُ
بَعْضِ الشَّيْءِ إِلَى بَعْضٍ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّمْسَ يُجْمَعُ بَعْضُهَا
إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ تُلَفُّ، فَإِذَا فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ ذَهَبَ ضَوْءُهَا (٣)
.
(١) أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه
والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة (إذا الشمس كورت) بمكة. انظر:
الدر المنثور ٨ / ٤٢٥.
(٢)
أخرجه الترمذي في التفسير - سورة التكوير - ٩ / ٢٥٢-٢٥٣، والإمام أحمد ٢ / ٣٧،
وصححه الحاكم: ٢ / ٥١٥ ووافقه الذهبي. وزاد السيوطي في الدر
المنثور: ٨ / ٤٢٦ عزوه لابن المنذر وابن مردويه.
(٣)
ذكر هذه الأقوال ابن جرير: ٣٠ / ٩٤-٩٥ ثم قال مرجحا:»والصواب من القول في ذلك
عندنا أن يقال: (كورت) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع
بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهو
جمع الثياب بعضها إلى بعض، لفها، وكذلك قوله: (إذا الشمس كرت) إنما معناه: جمع
بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأولناه
وبيناه لكلا القولين اللذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كورت
ورمي بها ذهب ضوءها".
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَوِّرُ
اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ يَوْمَ [الْقِيَامَةِ] (١) فِي
الْبَحْرِ، ثُمَّ يَبْعَثُ عَلَيْهَا رِيحًا دَبُورًا فَتَضْرِبُهَا فَتَصِيرُ
نَارًا (٢)
.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٣) .
﴿وَإِذَا
النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا
الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦)﴾
﴿وَإِذَا
النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ أَيْ تَنَاثَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَتَسَاقَطَتْ عَلَى
الْأَرْضِ، يُقَالُ: انْكَدَرَ الطَّائِرُ أَيْ سَقَطَ عَنْ عُشِّهِ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ وَعَطَاءٌ: تُمْطِرُ السَّمَاءُ يَوْمَئِذٍ نُجُومًا فَلَا يَبْقَى
نَجْمٌ إِلَّا وَقَعَ. ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ [قُلِعَتْ] (٤) عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ فَصَارَتْ هَبَاءً [مَنْثُورًا] (٥) . ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ﴾ وَهِيَ النُّوقُ الْحَوَامِلُ الَّتِي أَتَى عَلَى حَمْلِهَا عَشَرَةُ
أَشْهُرٍ، وَاحِدَتُهَا عُشَرَاءُ، ثُمَّ لَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى
تَضَعَ لِتَمَامِ سَنَةٍ، وَهِيَ أَنْفَسُ مَالٍ عِنْدَ الْعَرَبِ، «عُطِّلَتْ»
تُرِكَتْ [مُهْمَلَةً] (٦) بِلَا رَاعٍ أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا، وَكَانُوا
لَازِمِينَ لِأَذْنَابِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ أَعْجَبَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا،
لِمَا جَاءَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ﴾
يَعْنِي دَوَابَّ الْبَرِّ ﴿حُشِرَتْ﴾ جُمِعَتْ بَعْدَ الْبَعْثِ لِيُقْتَصَّ
لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَشْرُهَا: مَوْتُهَا. وَقَالَ: حَشْرُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ، غَيْرَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، فَإِنَّهُمَا يُوقَفَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ: اخْتَلَطَتْ. ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ
وَالْبَصْرَةِ بِالتَّخْفِيفِ، وقرأ الباقون بالشديد، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نَارًا تَضْطَرِمُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي
فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، الْعَذْبُ
(١) ساقط من «ب».
(٢)
عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٤٢٦ لابن أبي
الدنيا في«الأهوال» وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في «العظمة».
(٣)
أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر: ٦ / ٢٩٧، والمصنف في شرح السنة:١٥ / ١١٥-١١٦.
(٤)
زيادة من «ب».
(٥)
في «ب» منبثا.
(٦)
في «ب» هملا.
وَالْمِلْحُ، فَصَارَتِ الْبُحُورُ
كُلُّهَا بَحْرًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُلِئَتْ، وَهَذَا أَيْضًا
مَعْنَاهُ: «وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» (الطُّورِ-٦) وَالْمَسْجُورُ:
الْمَمْلُوءُ، وَقِيلَ: صَارَتْ مِيَاهُهَا بَحْرًا وَاحِدًا مِنَ الْحَمِيمِ لِأَهْلِ
النَّارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبِسَتْ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَهَبَ
مَاؤُهَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا قَطْرَةٌ.
وَرَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: بَيْنَمَا
النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، [فَبَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ] (١) فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ
وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ،
وَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ
الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، وَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَذَلِكَ
قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [اخْتَلَطَتْ] (٢) ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ
نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ: فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا هُوَ
نَارٌ تَأَجَّجُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ
صَدْعَةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى [وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ إِنْشِقَاقَةً وَاحِدَةً] (٣) وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ
الْعُلْيَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَأَمَاتَتْهُمْ
(٤) .
﴿وَإِذَا
النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧)﴾
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا
قَالَ: هِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلَةً، سِتَّةٌ فِي الدُّنْيَا وَسِتَّةٌ فِي
الْآخِرَةِ، وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عز وجل: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ وَرَوَى
النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
هَذِهِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ
الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، وَيُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ
السُّوءِ فِي النَّارِ (٥) وَهَذَا [مَعْنَى] (٦) قَوْلِ عِكْرِمَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ، الْيَهُودِيُّ بِالْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيُّ بِالنَّصْرَانِيِّ.
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ:
يُحْشَرُ الرَّجُلُ مَعَ صَاحِبِ عَمَلِهِ. وَقِيلَ: زُوِّجَتِ النُّفُوسُ
بِأَعْمَالِهَا.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ:
زُوِّجَتْ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحُورِ الْعِينِ، وَقُرِنَتْ نُفُوسُ
الْكَافِرِينَ بِالشَّيَاطِينِ.
(١) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٢)
ساقط من «ب».
(٣)
ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٤)
أخرجه الطبري: ٣٠ / ٦٣-٦٤ موقوفا على أُبَيٍّ. وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ /
٤٢٧ لابن أبي الدنيا في «الأهوال» وابن أبي حاتم.
(٥)
أخرجه الطبري: ٣٠ / ٦٩، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٨ / ٤٢٩ لابن مردويه.
(٦)
ساقط من «ب».
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ رُدَّتِ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ (١)
.
﴿وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا
الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (١١)﴾
﴿وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ وَهِيَ الْجَارِيَةُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً، سُمِّيَتْ
بِذَلِكَ لِمَا يُطْرَحُ عَلَيْهَا من التراب فيؤدها، أَيْ يُثْقِلُهَا حَتَّى
تَمُوتَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَدْفِنُ الْبَنَاتَ حَيَّةً مَخَافَةَ الْعَارِ
وَالْحَاجَةِ، يُقَالُ: [أَوَدُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ البناء لأن
الموؤدة مِنَ الْوَأْدِ لَا مِنَ الْأَوْدِ يُقَالُ] (٢) وَأَدَ يَئِدُ وَأْدًا،
فَهُوَ وائد، والمفعول مؤود.
رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا حَمَلَتْ وَكَانَ
أَوَانُ وِلَادَتِهَا حَفَرَتْ حُفْرَةً فَتَمَخَّضَتْ عَلَى رَأْسِ الْحُفْرَةِ،
فَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَةً رَمَتْ بِهَا فِي الْحُفْرَةِ، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا
حَبَسَتْهُ (٣) . ﴿بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ قَرَأَ الْعَامَّةُ عَلَى الْفِعْلِ
الْمَجْهُولِ فِيهِمَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ يَقْرَأُ: «قُتِّلَتْ» بِالتَّشْدِيدِ
ومعناه تُسْأل المؤودة، فَيُقَالُ لَهَا: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِّلَتْ؟ وَمَعْنَى
سُؤَالِهَا تَوْبِيخُ قَاتِلِهَا، لِأَنَّهَا تَقُولُ: قُتِلْتُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ
كان يقرأ: «وإذ المؤودة سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» وَمِثْلُهُ قَرَأَ
أَبُو الضُّحَى. ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
وَالشَّامِ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ: «نُشِرَتْ» بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّشْدِيدِ، كَقَوْلِهِ: «يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً» (الْمُدَّثِّرِ-٥٢)
يَعْنِي صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ تُنْتَشَرُ لِلْحِسَابِ. ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ
كُشِطَتْ﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ: نُزِعَتْ فَطُوِيَتْ (٤) . وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
قُلِعَتْ كَمَا يُقْلَعُ السَّقْفُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: تَكْشِفُ عَمَّنْ فِيهَا.
وَمَعْنَى «الْكَشْطِ» رَفْعُكَ شَيْئًا عَنْ شَيْءٍ قَدْ غَطَّاهُ، كَمَا
يُكْشَطُ الْجِلْدُ عَنِ السَّنَامِ.
(١) ساق ابن جرير ٣٠ / ٧٠-٧١ أقوالا في الآية
ثم قال: «وأولى التأولين في ذلك بالصحة الذي تأوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة
التي اعتل بها، وذلك قول الله تعالى ذكره: (وكنتم أزواجا ثلاثة) وقوله (احشروا
الذين ظلموا وأزواجهم) وذلك لا شك الأمثال والأشكال في الخير والشر، وكذلك قوله
(وإذا النفوس زوجت) بالقرناء والأمثال في الخير والشر».
(٢)
ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٣)
انظر: الدر المنثور: ٨ / ٤٢٨.
(٤)
معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٤١.
﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥)
الْجَوَارِي الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا
تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)﴾
﴿وَإِذَا
الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ: «سُعِّرَتْ» بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ:
أُوقِدَتْ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ. ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ قُرِّبَتْ
لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ. ﴿عَلِمَتْ﴾ عِنْدَ ذَلِكَ ﴿نَفْسٌ﴾ أَيْ: كُلُّ نَفْسٍ
﴿مَا أَحْضَرَتْ﴾ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: «إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» وَمَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ عز وجل: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ «لَا»
زَائِدَةٌ، مَعْنَاهُ: أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ قَالَ
قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ تَبْدُو بِاللَّيْلِ وَتَخْنَسُ بِالنَّهَارِ،
فَتُخْفَى فَلَا تُرَى.
وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: أَنَّهَا
الْكَوَاكِبُ تَخْنَسُ بِالنَّهَارِ فَلَا تُرَى، وَتَكْنَسُ تَأْوِي إِلَى
مَجَارِيهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ النُّجُومُ
الْخَمْسَةُ: زُحَلُ، وَالْمُشْتَرَي، وَالْمِرِّيخُ، وَالزُّهَرَةُ، وَعُطَارِدُ،
تَخْنَسُ فِي مَجْرَاهَا، أَيْ: تَرْجِعُ وَرَاءَهَا وَتَكْنَسُ: تَسْتَتِرُ
وَقْتَ اخْتِفَائِهَا وَغُرُوبِهَا، كَمَا تَكْنَسُ الظِّبَاءُ فِي مُغَارِهَا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى
«الْخُنَّسِ» أَنَّهَا تَخْنَسُ أَيْ: تَتَأَخَّرُ عَنْ مَطَالِعِهَا فِي كُلِّ
عَامٍ تَأَخُّرًا تَتَأَخَّرُهُ عَنْ تَعْجِيلِ ذَلِكَ الطُّلُوعِ، تَخْنَسُ
عَنْهُ. و«الكُنَّس» ١٨٦/أأَيْ تَكْنَسُ بِالنَّهَارِ فَلَا تُرَى. وَرَوَى الْأَعْمَشُ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا هِيَ الْوَحْشُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ
الظِّبَاءُ. وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَصْلُ الْخُنُوسِ: الرُّجُوعُ
إِلَى وَرَاءُ، وَالْكُنُوسُ: أَنْ تَأْوِيَ إِلَى مَكَانِسِهَا، وَهِيَ
الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا الْوُحُوشُ. ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾
قَالَ الْحَسَنُ: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: أَدْبَرَ. تَقُولُ
الْعَرَبُ: عَسْعَسَ اللَّيْلُ وَسَعْسَعَ: إِذَا أَدْبَرَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ
إِلَّا الْيَسِيرُ. ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ أَقْبَلَ وَبَدَا أَوَّلُهُ،
وَقِيلَ: امْتَدَّ ضَوْءُهُ وَارْتَفَعَ. ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿لَقَوْلُ
رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يَعْنِي جِبْرِيلَ أَيْ: نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ
تَعَالَى.
﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا
صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)﴾
﴿ذِي
قُوَّةٍ﴾ وَكَانَ مِنْ قُوَّتِهِ أَنَّهُ اقْتَلَعَ قَرْيَاتِ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ
الْمَاءِ الْأَسْوَدِ وَحَمَلَهَا عَلَى جَنَاحِهِ فَرَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ
ثُمَّ قَلَبَهَا، وَأَنَّهُ أَبْصَرَ إِبْلِيسَ يُكَلِّمُ عِيسَى عَلَى بَعْضِ
عُقَابِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَنَفَخَهُ بِجَنَاحِهِ نَفْخَةً أَلْقَاهُ
إِلَى [أَقْصَى] (١) جَبَلٍ بِالْهِنْدِ، وَأَنَّهُ صَاحَ صَيْحَةً بِثَمُودَ
فَأَصْبَحُوا جَاثِمِينَ، وَأَنَّهُ يَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ
وَيَصْعَدُ فِي أَسْرَعَ مِنَ [الطَّيْرِ] (٢) ﴿عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ فِي
الْمَنْزِلَةِ. ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ﴾ أَيْ فِي [السَّمَاوَاتِ] (٣) تُطِيعُهُ
الْمَلَائِكَةُ، وَمِنْ طَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ أَنَّهُمْ فَتَحُوا
أَبْوَابَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفَتَحَ
خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَبْوَابَهَا بِقَوْلِهِ، ﴿أَمِينٍ﴾ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ
وَرِسَالَتِهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ. ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ يَقُولُ
لِأَهْلِ مَكَّةَ: وَمَا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ بِمَجْنُونٍ. وَهَذَا
أَيْضًا مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ، أَقْسَمَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ مَجْنُونٌ، وَمَا يَقُولُ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ
نَفْسِهِ. ﴿وَلَقَدْ رَآهُ﴾ يَعْنِي رَأَى النَّبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى
صُورَتِهِ ﴿بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ وَهُوَ الْأُفُقُ الْأَعْلَى مِنْ نَاحِيَةِ
الْمَشْرِقِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ فَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُلَيْوَةَ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ [وَمُقَاتِلٍ] (٤) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِجِبْرِيلَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ فِي صُورَتِكَ
الَّتِي تَكُونُ فِيهَا فِي السَّمَاءِ» قَالَ لَنْ تَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، قَالَ:
بَلَى، قَالَ: فَأَيْنَ تَشَاءُ أَنْ أَتَخَيَّلَ لَكَ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ،
قَالَ: لَا يَسَعُنِي، قَالَ فَهَاهُنَا، قَالَ: لَا يَسَعُنِي، قَالَ:
فَبِعَرَفَاتٍ، قَالَ: ذَلِكَ بِالْحَرَى أَنْ يَسَعَنِي فَوَاعَدَهُ، فَخَرَجَ
النَّبِيُّ ﷺ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا هُوَ بِجِبْرِيلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ جِبَالِ
عَرَفَاتٍ بِخَشْخَشَةٍ وَكَلْكَلَةٍ، قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ، وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا
رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ كَبَّرَ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قَالَ: فَتَحَوَّلَ
جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ فَضَمَّهُ إِلَى
(١) زيادة من «ب».
(٢)
في «ب» من الطرف.
(٣)
في «ب» السماء.
(٤)
ساقط من «ب».
صَدْرِهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
لَا تَخَفْ فَكَيْفَ لَكَ لَوْ رَأَيْتَ إِسْرَافِيلَ وَرَأْسُهُ مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَإِنَّ الْعَرْشَ
لَعَلَى كَاهِلِهِ، وَإِنَّهُ لَيَتَضَاءَلُ أَحْيَانًا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ عز
وجل حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ [الصَّعْوِ] (١) يَعْنِي الْعُصْفُورَ، حَتَّى مَا
يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ إِلَّا عَظَمَتُهُ (٢) .
﴿وَمَا
هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ
رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ
(٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾
﴿وَمَا
هُوَ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ ﴿عَلَى الْغَيْبِ﴾ أَيِ الْوَحْيِ، وَخَبَرِ
السَّمَاءِ وَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ مِنَ
الْأَنْبَاءِ وَالْقَصَصِ، ﴿بِضَنِينٍ﴾ قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ
وَالْكِسَائِيُّ بِالظَّاءِ أَيْ بِمُتَّهَمٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَظِنُّ بِمَالٍ
وَيَزِنُّ أَيْ يُتَّهَمُ بِهِ: وَالظِّنَّةُ: التُّهْمَةُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالضَّادِ أَيْ يَبْخَلُ، يَقُولُ إِنَّهُ يَأْتِيهِ عِلْمُ الْغَيْبِ فَلَا
يَبْخَلُ بِهِ عَلَيْكُمْ بَلْ يُعَلِّمُكُمْ وَيُخْبِرُكُمْ بِهِ، وَلَا
يَكْتُمُهُ كَمَا يَكْتُمُ الْكَاهِنُ مَا عِنْدَهُ حَتَّى يَأْخُذَ عَلَيْهِ
حُلْوَانًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَنِنْتُ بِالشَّيْءِ بِكَسْرِ النُّونِ أَضِنُّ
بِهِ ضَنًّا وَضِنَانَةً فَأَنَا بِهِ ضَنِينٌ أَيْ بَخِيلٌ. ﴿وَمَا هُوَ﴾ يَعْنِي
الْقُرْآنَ ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ إِنَّ
الْقُرْآنَ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ. ﴿فَأَيْنَ
تَذْهَبُونَ﴾ أَيْ أَيْنَ تَعْدِلُونَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وَفِيهِ الشِّفَاءُ
وَالْبَيَانُ؟ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ
الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: ﴿إِنْ هُوَ﴾
أَيْ مَا الْقُرْآنُ ﴿إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ مَوْعِظَةٌ لِلْخَلْقِ
أَجْمَعِينَ. ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ أَيْ يَتْبَعَ الْحَقَّ
وَيُقِيمَ عَلَيْهِ. ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي التَّوْفِيقِ إِلَيْهِ
وَأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَفِيهِ
إِعْلَامٌ أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْمَلُ خَيْرًا إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَلَا
شَرًّا إِلَّا بِخِذْلَانِهِ.
(١) في «ب» الوضغ ولعله وقع تصحيف في
النسختين للا سم الصحيح للعصفور الصغير (الوصع) بمهملتين كما في المصباح.
(٢)
أخرجه ابن المبارك في الزهد: عن ابن شهاب أن رسول الله ﷺ سأل جبريل.. وهذا منقطع.
وذكره السيوطي في «الحبائك في أخبار الملائك» صفحة (٢٢) . وفيه إسماعيل بن عيسى
ضعيف، وكذلك إسحاق بن بشر. قال فيه ابن حبان: لا يحل حديثه إلا على جهة التعجب،
وقال الدارقطني: متروك، وقال الذهبي: يروي العظائم عن ابن إسحاق وابن جريج انظر:
الضعفاء لابن حبان: ١ / ٣٧، الميزان ١ / ١٨٤.