recent
آخر المقالات

النحل

 

لَمَّا اسْتَبْطَأَ الْمُشْرِكُونَ الْعَذَاب نَزَلَ ﴿أَتَى أَمْر اللَّه﴾ أَيْ السَّاعَة وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعه أَيْ قَرُبَ ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ تَطْلُبُوهُ قَبْل حِينه فَإِنَّهُ وَاقِع لَا مَحَالَة ﴿سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ ﴿وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ غَيْره

﴿يُنَزِّل الْمَلَائِكَة﴾ أَيْ جِبْرِيل ﴿بِالرُّوحِ﴾ بِالْوَحْيِ ﴿مِنْ أَمْره﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده﴾ وَهُمْ الْأَنْبِيَاء ﴿أَنْ﴾ مُفَسِّرَة ﴿أَنْذِرُوا﴾ خَوِّفُوا الْكَافِرِينَ بِالْعَذَابِ وَأَعْلِمُوهُمْ ﴿أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا أَنَا فاتقون﴾ خافون

﴿خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَيْ مُحِقًّا ﴿تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ مِنْ الْأَصْنَام

﴿خَلَقَ الْإِنْسَان مِنْ نُطْفَة﴾ مَنِيّ إلَى أَنْ صَيَّرَهُ قَوِيًّا شَدِيدًا ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيم﴾ شَدِيد الْخُصُومَة ﴿مُبِين﴾ بَيَّنَهَا فِي نَفْي الْبَعْث قَائِلًا ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم﴾

﴿وَالْأَنْعَام﴾ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَنَصْبه بِفِعْلٍ مُقَدَّر يُفَسِّرهُ ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ مِنْ جُمْلَة النَّاس ﴿فِيهَا دِفْء﴾ مَا تَسْتَدْفِئُونَ بِهِ مِنْ الْأَكْسِيَة وَالْأَرْدِيَة مِنْ أَشْعَارهَا وَأَصْوَافهَا ﴿وَمَنَافِع﴾ مِنْ النَّسْل وَالدَّرّ وَالرُّكُوب ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ قَدَّمَ الظَّرْف لِلْفَاصِلَةِ

﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال﴾ زِينَة ﴿حِين تُرِيحُونَ﴾ تَرُدُّونَهَا إلَى مَرَاحهَا بِالْعَشِيِّ ﴿وَحِين تَسْرَحُونَ﴾ تُخْرِجُونَهَا إلَى المرعى بالغداة

﴿وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ﴾ أَحْمَالكُمْ ﴿إلَى بَلَد لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ﴾ وَاصِلِينَ إلَيْهِ عَلَى غَيْر الْإِبِل ﴿إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُس﴾ بِجَهْدِهَا ﴿إنَّ رَبّكُمْ لَرَءُوف رَحِيم﴾ بِكُمْ حَيْثُ خَلَقَهَا لَكُمْ

﴿وَ﴾ خَلَقَ ﴿الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة﴾ مَفْعُول لَهُ وَالتَّعْلِيل بِهِمَا بِتَعْرِيفِ النَّعَم لَا يُنَافِي خَلْقهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْأَكْلِ فِي الْخَيْل الثَّابِت بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ ﴿وَيَخْلُق مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ مِنْ الْأَشْيَاء الْعَجِيبَة الْغَرِيبَة

﴿وَعَلَى اللَّه قَصْد السَّبِيل﴾ أَيْ بَيَان الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم ﴿وَمِنْهَا﴾ أَيْ السَّبِيل ﴿جَائِر﴾ حَائِد عَنْ الِاسْتِقَامَة ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ هِدَايَتكُمْ ﴿لَهَدَاكُمْ﴾ إلَى قَصْد السَّبِيل ﴿أَجْمَعِينَ﴾ فَتَهْتَدُونَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْكُمْ

١ -

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء لَكُمْ مِنْهُ شَرَاب﴾ تَشْرَبُونَهُ ﴿وَمِنْهُ شَجَر﴾ يَنْبُت بِسَبَبِهِ ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ تَرْعَوْنَ دَوَابّكُمْ

١ -

﴿يُنْبِت لَكُمْ بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون وَالنَّخِيل وَالْأَعْنَاب وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَات إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿لَآيَة﴾ دَالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فِي صُنْعِهِ فَيُؤْمِنُونَ

١ -

﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْله وَالرَّفْع مُبْتَدَأ ﴿وَالْقَمَر وَالنُّجُوم﴾ بِالْوَجْهَيْنِ ﴿مُسَخَّرَات﴾ بِالنَّصْبِ حَال وَالرَّفْع خَبَر ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتدبرون

١ -

﴿وَ﴾ سَخَّرَ لَكُمْ ﴿مَا ذَرَأَ﴾ خَلَقَ ﴿لَكُمْ فِي الْأَرْض﴾ مِنْ الْحَيَوَان وَالنَّبَات وَغَيْر ذَلِكَ ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانه﴾ كَأَحْمَر وَأَصْفَر وَأَخْضَر وَغَيْرهَا ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ يَتَّعِظُونَ

١ -

﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ ذَلَّلَهُ لِرُكُوبِهِ وَالْغَوْص فِيهِ ﴿لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هُوَ السَّمَك ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَة تَلْبَسُونَهَا﴾ هِيَ اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان ﴿وَتَرَى﴾ تُبْصِر ﴿الْفُلْكَ﴾ السُّفُن ﴿مَوَاخِر فِيهِ﴾ تَمْخُر الْمَاء أَيْ تَشُقّهُ بِجَرْيِهَا فِيهِ مُقْبِلَة وَمُدْبِرَة بِرِيحٍ وَاحِدَة ﴿وَلِتَبْتَغُوا﴾ عَطْف عَلَى لِتَأْكُلُوا تَطْلُبُوا ﴿مِنْ فَضْله﴾ تَعَالَى بِالتِّجَارَةِ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ اللَّه على ذلك

١ -

﴿وألقى في الأرض رواسي﴾ جبالا ثوابت ل ﴿أن﴾ لا ﴿تميد﴾ تتحرك ﴿بكم و﴾ جَعَلَ فِيهَا ﴿أَنْهَارًا﴾ كَالنِّيلِ ﴿وَسُبُلًا﴾ طُرُقًا ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلَى مَقَاصِدكُمْ

١ -

﴿وَعَلَامَات﴾ تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطُّرُق كَالْجِبَالِ بِالنَّهَارِ ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ بِمَعْنَى النُّجُوم ﴿هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ إلَى الطُّرُق والقبلة بالليل

١ -

﴿أَفَمَنْ يَخْلُق﴾ وَهُوَ اللَّه ﴿كَمَنْ لَا يَخْلُق﴾ وَهُوَ الْأَصْنَام حَيْثُ تُشْرِكُونَهَا مَعَهُ فِي الْعِبَادَة لَا ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ هَذَا فَتُؤْمِنُونَ

١ -

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه لَا تُحْصُوهَا﴾ تَضْبِطُوهَا فَضْلًا أَنْ تُطِيقُوا شُكْرهَا ﴿إنَّ اللَّه لَغَفُور رَحِيم﴾ حَيْثُ يُنْعِم عَلَيْكُمْ مَعَ تَقْصِيركُمْ وَعِصْيَانكُمْ

١ -

﴿والله يعلم ما تسرون وما تعلنون﴾

٢ -

﴿وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَعْبُدُونَ ﴿مِنْ دُون اللَّه﴾ وَهُمْ الْأَصْنَام ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ يُصَوَّرُونَ مِنْ الْحِجَارَة وَغَيْرهَا

٢ -

﴿أَمْوَات﴾ لَا رُوح فِيهِمْ خَبَر ثَانٍ ﴿غَيْر أَحْيَاء﴾ تَأْكِيد ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ الْأَصْنَام ﴿أَيَّانَ﴾ وَقْت ﴿يُبْعَثُونَ﴾ أَيْ الْخَلْق فَكَيْفَ يُعْبَدُونَ إذْ لَا يَكُون إلَهًا إلَّا الْخَالِق الْحَيّ الْعَالِم بالغيب

٢ -

﴿إلَهكُمْ﴾ الْمُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ مِنْكُمْ ﴿إلَه وَاحِد﴾ لَا نَظِير له في ذاته ولا صِفَاته وَهُوَ اللَّه تَعَالَى ﴿فَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبهمْ مُنْكِرَة﴾ جَاحِدَة لِلْوَحْدَانِيَّةِ ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ مُتَكَبِّرُونَ عَنْ الْإِيمَان بِهَا

٢ -

﴿لَا جَرَم﴾ حَقًّا ﴿أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فَيُجَازِيهِمْ بِذَلِكَ ﴿إنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقِبهُمْ

٢ -

وَنَزَلَ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَا﴾ اسْتِفْهَامِيَّة ﴿ذَا﴾ مَوْصُولَة ﴿أَنْزَلَ رَبّكُمْ﴾ عَلَى مُحَمَّد ﴿قَالُوا﴾ هُوَ ﴿أَسَاطِير﴾ أَكَاذِيب ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ إضلالا للناس

٢ -

﴿لِيَحْمِلُوا﴾ فِي عَاقِبَة الْأَمْر ﴿أَوْزَارهمْ﴾ ذُنُوبهمْ ﴿كَامِلَة﴾ لَمْ يُكَفَّر مِنْهَا شَيْء ﴿يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْ﴾ بَعْض ﴿أَوْزَار الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْم﴾ لِأَنَّهُمْ دَعَوْهُمْ إلَى الضَّلَال فَاتَّبَعُوهُمْ فَاشْتَرَكُوا فِي الْإِثْم ﴿أَلَا سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ يَحْمِلُونَهُ حَمْلهمْ هذا

٢ -

﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ وَهُوَ نَمْرُوذ بَنَى صَرْحًا طَوِيلًا لِيَصْعَد مِنْهُ إلَى السَّمَاء لِيُقَاتِل أَهْلهَا ﴿فَأَتَى اللَّه﴾ قَصَدَ ﴿بُنْيَانهمْ مِنْ الْقَوَاعِد﴾ الْأَسَاس فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الرِّيح وَالزَّلْزَلَة فَهَدَمَتْهُ ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْف مِنْ فَوْقهمْ﴾ أَيْ هُمْ تَحْته ﴿وَأَتَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ مِنْ جِهَة لَا تَخْطِر بِبَالِهِمْ وَقِيلَ هَذَا تَمْثِيل لِإِفْسَادِ مَا أَبْرَمُوهُ مِنْ الْمَكْر بِالرُّسُلِ

٢ -

﴿ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يُخْزِيهِمْ﴾ يُذِلّهُمْ ﴿وَيَقُول﴾ اللَّه لَهُمْ عَلَى لِسَان الْمَلَائِكَة تَوْبِيخًا ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ بِزَعْمِكُمْ ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ﴾ تُخَالِفُونَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿فِيهِمْ﴾ فِي شَأْنهمْ ﴿قَالَ﴾ أَيْ يَقُول ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم﴾ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿إنَّ الْخِزْيَ الْيَوْم وَالسُّوء عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ يَقُولُونَهُ شَمَاتَة بِهِمْ

٢ -

﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ﴾ بِالْكُفْرِ ﴿فَأَلْقَوْا السَّلَم﴾ انْقَادُوا وَاسْتَسْلَمُوا عِنْد الْمَوْت قَائِلِينَ ﴿مَا كُنَّا نَعْمَل مِنْ سُوء﴾ شِرْك فَتَقُول الْمَلَائِكَة ﴿بَلَى إنَّ اللَّه عَلِيم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ

٢ -

وَيُقَال لَهُمْ ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى﴾ مَأْوَى ﴿الْمُتَكَبِّرِينَ﴾

٣ -

﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشِّرْك ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ بِالْإِيمَانِ ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ حَيَاة طَيِّبَة ﴿وَلَدَار الْآخِرَة﴾ أَيْ الْجَنَّة ﴿خَيْر﴾ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ تَعَالَى فِيهَا ﴿وَلَنِعْمَ دَار الْمُتَّقِينَ﴾ هِيَ

٣ -

﴿جَنَّات عَدْن﴾ إقَامَة مُبْتَدَأ خَبَره ﴿يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كذلك﴾ الجزاء ﴿يجزئ الله المتقين﴾

٣ -

﴿الَّذِينَ﴾ نَعْت ﴿تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة طَيِّبِينَ﴾ طَاهِرِينَ مِنْ الْكُفْر ﴿يَقُولُونَ﴾ لَهُمْ عِنْد الْمَوْت ﴿سَلَام عَلَيْكُمْ﴾ وَيُقَال لَهُمْ فِي الْآخِرَة ﴿اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كنتم تعملون

٣ -

﴿هَلْ﴾ مَا ﴿يَنْظُرُونَ﴾ يَنْتَظِر الْكُفَّار ﴿إلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿الْمَلَائِكَة﴾ لِقَبْضِ أَرْوَاحهمْ ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْر رَبّك﴾ الْعَذَاب أَوْ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ مِنْ الْأُمَم كَذَّبُوا رُسُلهمْ فَأُهْلِكُوا ﴿وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه﴾ بِإِهْلَاكِهِمْ بِغَيْرِ ذَنْب ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بِالْكُفْرِ

٣ -

﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا عَمِلُوا﴾ أَيْ جَزَاؤُهَا ﴿وَحَاقَ﴾ نَزَلَ ﴿بِهِمْ مَا كَانُوا به يستهزءون﴾ أي العذاب

٣ -

﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ مِنْ أَهْل مَكَّة ﴿لَوْ شَاءَ اللَّه مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونه مِنْ شَيْء نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونه مِنْ شَيْء﴾ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب فَإِشْرَاكنَا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به قال تعالى ﴿كَذَلِك فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ أَيْ كَذَّبُوا رسلهم فيما جاؤوا بِهِ ﴿فَهَلْ﴾ فَمَا ﴿عَلَى الرُّسُل إلَّا الْبَلَاغ المبين﴾ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ الْهِدَايَة

٣ -

﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا﴾ كَمَا بَعَثْنَاك فِي هَؤُلَاءِ ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿اُعْبُدُوا اللَّه﴾ وَحِّدُوهُ ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ الْأَوْثَان أَنْ تَعْبُدُوهَا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّه﴾ فَآمَنَ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ﴾ وَجَبَتْ ﴿عَلَيْهِ الضَّلَالَة﴾ فِي عِلْم اللَّه فَلَمْ يُؤْمِن ﴿فَسِيرُوا﴾ يَا كُفَّار مَكَّة ﴿فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ﴾ رُسُلهمْ من الهلاك

٣ -

﴿إنْ تَحْرِص﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَلَى هُدَاهُمْ﴾ وَقَدْ أَضَلَّهُمْ اللَّه لَا تَقْدِر عَلَى ذَلِكَ ﴿فَإِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِلْفَاعِلِ ﴿مَنْ يُضِلّ﴾ مَنْ يُرِيد إضْلَاله ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مَانِعِينَ مِنْ عَذَاب اللَّه

٣ -

﴿وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ﴾ أَيْ غَايَة اجْتِهَادهمْ فِيهَا ﴿لا يبعث الله من يموت﴾ قَالَ تَعَالَى ﴿بَلَى﴾ يَبْعَثهُمْ ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ مَصْدَرَانِ مُؤَكِّدَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّر أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَحَقَّهُ حَقًّا ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ

٣ -

﴿لِيُبَيِّن﴾ مُتَعَلِّق بِيَبْعَثهُمْ الْمُقَدَّر ﴿لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ﴾ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿فِيهِ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين بِتَعْذِيبِهِمْ وَإِثَابَة الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَلِيَعْلَم الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ فِي إنْكَار الْبَعْث

٤ -

﴿إنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ﴾ أَيْ أَرَدْنَا إيجَاده وَقَوْلنَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ﴿أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾ أَيْ فَهُوَ يَكُون وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَقُول وَالْآيَة لِتَقْرِيرِ الْقُدْرَة على البعث

٤ -

﴿وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّه﴾ لِإِقَامَةِ دِينه ﴿مِنْ بَعْد مَا ظُلِمُوا﴾ بِالْأَذَى مِنْ أَهْل مَكَّة وَهُمْ النَّبِيّ ﷺ وَأَصْحَابه ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ نُنْزِلهُمْ ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ دَارًا ﴿حَسَنَة﴾ هِيَ الْمَدِينَة ﴿وَلَأَجْر الْآخِرَة﴾ أَيْ الْجَنَّة ﴿أَكْبَر﴾ أَعْظَم ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ الْكُفَّار أَوْ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ الْهِجْرَة مَا لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ الْكَرَامَة لَوَافَقُوهُمْ

٤ -

هُمْ ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْهِجْرَة لِإِظْهَارِ الدِّين ﴿وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فَيَرْزُقهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ

٤ -

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك إلَّا رِجَالًا نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ لَا مَلَائِكَة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر﴾ الْعُلَمَاء بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل ﴿إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَنْتُمْ إلَى تَصْدِيقهمْ أَقْرَب مِنْ تَصْدِيق الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ

٤ -

﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَة ﴿وَالزُّبُر﴾ الْكُتُب ﴿وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْر﴾ الْقُرْآن ﴿لِتُبَيِّن لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ﴾ فِيهِ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فِي ذَلِكَ فَيَعْتَبِرُونَ

٤ -

﴿أفأمن الذين مكروا﴾ المكرات ﴿السَّيِّئَات﴾ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي دَار النَّدْوَة مِنْ تَقْيِيده أَوْ قَتْله أَوْ إخْرَاجه كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَنْفَال ﴿أَنْ يَخْسِف اللَّه بِهِمْ الْأَرْض﴾ كَقَارُونَ ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْث لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ مِنْ جِهَة لَا تَخْطِر بِبَالِهِمْ وَقَدْ أُهْلِكُوا بِبَدْرٍ وَلَمْ يَكُونُوا يُقَدِّرُونَ ذَلِكَ

٤ -

﴿أَوْ يَأْخُذهُمْ فِي تَقَلُّبهمْ﴾ فِي أَسْفَارهمْ لِلتِّجَارَةِ ﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بِفَائِتِي الْعَذَاب

٤ -

﴿أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف﴾ تَنَقُّص شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَهْلِك الْجَمِيع حَال مِنْ الْفَاعِل أَوْ الْمَفْعُول ﴿فَإِنَّ رَبّكُمْ لَرَءُوف رَحِيم﴾ حَيْثُ لَمْ يعاجلهم بالعقوبة

٤ -

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إلَى مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شيء﴾ له ظل كشجرة وجبل ﴿يتفيؤا﴾ تَتَمَيَّل ﴿ظِلَاله عَنْ الْيَمِين وَالشَّمَائِل﴾ جَمْع شِمَال أَيْ عَنْ جَانِبَيْهِمَا أَوَّل النَّهَار وَآخِره ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ حَال أَيْ خَاضِعِينَ لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهُمْ ﴿وَهُمْ﴾ أَيْ الظِّلَال ﴿دَاخِرُونَ﴾ صَاغِرُونَ نُزِّلُوا منزلة العقلاء

٤ -

﴿وَلِلَّهِ يَسْجُد مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِنْ دَابَّة﴾ أَيْ نَسَمَة تَدِبّ عَلَيْهَا أَيْ تَخْضَع لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهَا وَغَلَبَ فِي الْإِتْيَان بِمَا لَا يَعْقِل لِكَثْرَتِهِ ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يَتَكَبَّرُونَ عن عبادته

٥ -

﴿يَخَافُونَ﴾ أَيْ الْمَلَائِكَة حَال مِنْ ضَمِير يَسْتَكْبِرُونَ ﴿رَبّهمْ مِنْ فَوْقهمْ﴾ حَال مِنْ هُمْ أَيْ عَالِيًا عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ بِهِ

٥ -

﴿وَقَالَ اللَّه لَا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ تَأْكِيد ﴿إنَّمَا هُوَ إلَه وَاحِد﴾ أَتَى بِهِ لِإِثْبَاتِ الْإِلَهِيَّة وَالْوَحْدَانِيَّة ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ خَافُونِ دُون غَيْرِي وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة

٥ -

﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا ﴿وَلَهُ الدِّين﴾ الطَّاعَة ﴿وَاصِبًا﴾ دَائِمًا حَال مِنْ الدِّين وَالْعَامِل فِيهِ مَعْنَى الظَّرْف ﴿أَفَغَيْر اللَّه تَتَّقُونَ﴾ وَهُوَ الْإِلَه الْحَقّ وَلَا إلَه غَيْره وَالِاسْتِفْهَام لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخ

٥ -

﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنْ اللَّه﴾ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْره وَمَا شَرْطِيَّة أَوْ مَوْصُولَة ﴿ثُمَّ إذَا مَسَّكُمْ﴾ أَصَابَكُمْ ﴿الضُّرّ﴾ الْفَقْر وَالْمَرَض ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ تَرْفَعُونَ أَصْوَاتكُمْ بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالدُّعَاء وَلَا تدعون غيره

٥ -

﴿ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون

٥ -

﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ مِنْ النِّعْمَة ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ بِاجْتِمَاعِكُمْ عَلَى عِبَادَة الْأَصْنَام أَمْر تَهْدِيد ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة ذلك

٥ -

﴿وَيَجْعَلُونَ﴾ أَيْ الْمُشْرِكُونَ ﴿لِمَا لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَهِيَ الْأَصْنَام ﴿نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام بِقَوْلِهِمْ هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ سُؤَال تَوْبِيخ وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة ﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ عَلَى اللَّه مِنْ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ

٥ -

﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات﴾ بِقَوْلِهِمْ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه ﴿سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا زَعَمُوا ﴿وَلَهُمْ مَا يشتهون﴾ هـ أَيْ الْبَنُونَ وَالْجُمْلَة فِي مَحَلّ رَفْع أَوْ نَصْب بِيَجْعَل الْمَعْنَى يَجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَات الَّتِي يَكْرَهُونَهَا وَهُوَ مُنَزَّه عَنْ الْوَلَد وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ الْأَبْنَاء الَّذِينَ يَخْتَارُونَهُمْ فَيَخْتَصُّونَ بِالْأَسْنَى كَقَوْلِهِ ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّك الْبَنَات وَلَهُمْ الْبَنُونَ﴾

٥ -

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالْأُنْثَى﴾ تُولَد لَهُ ﴿ظَلَّ﴾ صَارَ ﴿وَجْهه مُسْوَدًّا﴾ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّر مُغْتَمّ ﴿وَهُوَ كَظِيم﴾ مُمْتَلِئ غَمًّا فَكَيْفَ تُنْسَب الْبَنَات إلَيْهِ تعالى

٥ -

﴿يَتَوَارَى﴾ يَخْتَفِي ﴿مِنْ الْقَوْم﴾ أَيْ قَوْمه ﴿مِنْ سُوء مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ خَوْفًا مِنْ التَّعْيِير مُتَرَدِّدًا فِيمَا يَفْعَل بِهِ ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ يَتْرُكهُ بِلَا قَتْل ﴿عَلَى هُون﴾ هَوَان وَذُلّ ﴿أَمْ يَدُسّهُ فِي التُّرَاب﴾ بِأَنْ يَئِدهُ ﴿أَلَا سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾ حُكْمهمْ هَذَا حَيْثُ نَسَبُوا لِخَالِقِهِمْ الْبَنَات اللَّاتِي هُنَّ عِنْدهمْ بِهَذَا الْمَحَلّ

٦ -

﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿مَثَل السَّوْء﴾ أَيْ الصِّفَة السُّوأَى بِمَعْنَى الْقَبِيحَة وَهِيَ وَأْدهمْ الْبَنَات مَعَ احْتِيَاجهمْ إلَيْهِنَّ لِلنِّكَاحِ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَل الْأَعْلَى﴾ الصِّفَة الْعُلْيَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا هُوَ ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي مُلْكه ﴿الْحَكِيم﴾ فِي خَلْقه

٦ -

﴿وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِظُلْمِهِمْ﴾ بِالْمَعَاصِي ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾ أَيْ الْأَرْض ﴿مِنْ دَابَّة﴾ نَسَمَة تَدِبّ عَلَيْهَا ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إلَى أَجَل مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عَنْهُ ﴿سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عَلَيْهِ

٦ -

﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ الْبَنَات وَالشَّرِيك فِي الرِّيَاسَة وَإِهَانَة الرُّسُل ﴿وَتَصِف﴾ تَقُول ﴿أَلْسِنَتهمْ﴾ مَعَ ذَلِكَ ﴿الْكَذِب﴾ وَهُوَ ﴿أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى﴾ عِنْد اللَّه أَيْ الْجَنَّة لِقَوْلِهِ ﴿وَلَئِنْ رَجَعْت إلَى رَبِّي إنَّ لِي عِنْده لَلْحُسْنَى﴾ قال تعالى ﴿لَا جَرَم﴾ حَقًّا ﴿أَنَّ لَهُمْ النَّار وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ مَتْرُوكُونَ فِيهَا أَوْ مُقَدَّمُونَ إلَيْهَا وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الرَّاء أَيْ مُتَجَاوِزُونَ الْحَدّ

٦ -

﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم قَبْلك﴾ رُسُلًا ﴿فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ﴾ السَّيِّئَة فَرَأَوْهَا حَسَنَة فَكَذَّبُوا الرُّسُل ﴿فَهُوَ وَلِيّهمْ﴾ مُتَوَلِّي أُمُورهمْ ﴿الْيَوْم﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم فِي الْآخِرَة وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْيَوْمِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى حِكَايَة الْحَال الْآتِيَة أَيْ لَا وَلِيّ لَهُمْ غَيْره وَهُوَ عَاجِز عَنْ نَصْر نَفْسه فَكَيْفَ يَنْصُرهُمْ

٦ -

﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿إلَّا لِتُبَيِّن لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين ﴿وَهُدًى﴾ عَطْف عَلَى لِتُبَيِّن ﴿وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بِهِ

٦ -

﴿وَاَللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض﴾ بِالنَّبَاتِ ﴿بَعْد مَوْتهَا﴾ يُبْسهَا ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿لَآيَة﴾ دَالَّة عَلَى الْبَعْث ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ سَمَاع تَدَبُّر

٦ -

﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لَعِبْرَة﴾ اعْتِبَار ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ بَيَان لِلْعِبْرَةِ ﴿مِمَّا فِي بُطُونه﴾ أَيْ الْأَنْعَام ﴿مِنْ﴾ لِلِابْتِدَاءِ مُتَعَلِّقَة بِنُسْقِيكُمْ ﴿بَيْن فَرْث﴾ ثُفْل الْكَرِش ﴿وَدَم لَبَنًا خَالِصًا﴾ لَا يَشُوبهُ شَيْء مِنْ الْفَرْث وَالدَّم مِنْ طَعْم أَوْ رِيح أَوْ لَوْن أَوْ بَيْنهمَا ﴿سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ سَهْل الْمُرُور فِي حَلْقهمْ لَا يُغَصّ بِهِ

٦ -

﴿وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب﴾ ثَمَر ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ خَمْرًا يُسْكِر سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا قَبْل تَحْرِيمهَا ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيب وَالْخَلّ وَالدِّبْس ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿لَآيَة﴾ دَالَّة عَلَى قُدْرَته تَعَالَى ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يَتَدَبَّرُونَ

٦ -

﴿وَأَوْحَى رَبّك إلَى النَّحْل وَحْي إلْهَام أَنْ مُفَسِّرَة أَوْ مَصْدَرِيَّة اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا تَأْوِينَ إلَيْهَا وَمِنْ الشَّجَر بُيُوتًا وَمِمَّا يَعْرِشُونَ أَيْ النَّاس يَبْنُونَ لَك مِنْ الْأَمَاكِن وَإِلَّا لم تأو إليها﴾

٦ -

﴿ثم كلي من كل الثَّمَرَات فَاسْلُكِي اُدْخُلِي سُبُل رَبّك طُرُقه فِي طَلَب الْمَرْعَى ذُلُلًا جَمْع ذَلُول حَال مِنْ السُّبُل أَيْ مُسَخَّرَة لَك فَلَا تَعْسُر عَلَيْك وَإِنْ تَوَعَّرَتْ وَلَا تَضِلِّي عَلَى الْعَوْد مِنْهَا وَإِنْ بَعُدَتْ وَقِيلَ مِنْ الضَّمِير فِي اُسْلُكِي أَيْ مُنْقَادَة لِمَا يُرَادُ مِنْك يَخْرُج مِنْ بُطُونهَا شَرَاب هُوَ الْعَسَل مُخْتَلِف أَلْوَانه فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ مِنْ الْأَوْجَاع قِيلَ لِبَعْضِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنْكِير شِفَاء أَوْ لِكُلِّهَا بِضَمِيمَتِهِ إلى غيره أقول وَبِدُونِهَا بِنِيَّتِهِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ ﷺ مَنْ اسْتَطْلَقَ عَلَيْهِ بَطْنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في صنعه تعالى﴾

٧ -

﴿والله خلقكم ولم تكونوا شيئا ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أي أخسه من الهرم والخرف لكي لا يعلم بَعْد عِلْم شَيْئًا قَالَ عِكْرِمَة مَنْ قَرَأَ القرآن لم يصر بهذه الحالة إن الله عليم بتدبير خلقه قدير على مايريده﴾

٧ -

﴿وَاَللَّه فَضَّلَ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي الرِّزْق فَمِنْكُمْ غَنِيّ وَفَقِير وَمَالِك وَمَمْلُوك فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا أَيْ الْمَوَالِي بِرَادِّي رِزْقهمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ أَيْ بِجَاعِلِي مَا رَزَقْنَاهُمْ مِنْ الأموال وغيرها شركة بينهم وبين ممالكيهم فَهُمْ أَيْ الْمَمَالِيك وَالْمَوَالِي فِيهِ سَوَاء شُرَكَاء الْمَعْنَى لَيْسَ لَهُمْ شُرَكَاء مِنْ مَمَالِيكهمْ فِي أَمْوَالهمْ فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ بَعْض مَمَالِيك اللَّه شُرَكَاء لَهُ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّه يَجْحَدُونَ﴾ ~ يَكْفُرُونَ حَيْثُ يَجْعَلُونَ له شركاء

٧ -

﴿وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا﴾ فَخَلَقَ حَوَّاء مِنْ ضِلْع آدَم وَسَائِر النَّاس مِنْ نُطَف الرِّجَال وَالنِّسَاء ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَة﴾ أَوْلَاد الْأَوْلَاد ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَات﴾ مِنْ أَنْوَاع الثِّمَار وَالْحُبُوب وَالْحَيَوَان ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ﴾ الصَّنَم ﴿يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّه هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ بِإِشْرَاكِهِمْ

٧ -

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مَا لَا يَمْلِك لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَات﴾ بِالْمَطَرِ ﴿وَالْأَرْض﴾ بِالنَّبَاتِ ﴿شَيْئًا﴾ بَدَل مِنْ رِزْقًا ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾

يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء وَهُوَ الْأَصْنَام

٧ -

﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال﴾ لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَشْبَاهًا تُشْرِكُونَهُمْ بِهِ ﴿إنَّ اللَّه يَعْلَم﴾ أَنْ لَا مِثْل لَهُ ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ

٧ -

﴿ضرب الله مثلا﴾ ويبدل منه ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا﴾ صِفَة تُمَيِّزهُ مِنْ الْحُرّ فَإِنَّهُ عَبْد اللَّه ﴿لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء﴾ لِعَدَمِ مِلْكه ﴿وَمَنْ﴾ نَكِرَة مَوْصُوفَة أَيْ حُرًّا ﴿رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا﴾ أَيْ يَتَصَرَّف فِيهِ كَيْفَ يَشَاء وَالْأَوَّل مَثَل الْأَصْنَامِ وَالثَّانِي مَثَلُهُ تَعَالَى ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ أَيْ الْعَبِيد الْعَجَزَة وَالْحُرّ الْمُتَصَرِّف لَا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ وَحْده ﴿بَلْ أَكْثَرهمْ﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب فيشركون

٧ -

﴿وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا﴾ وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا أَبْكَم﴾ وُلِدَ أَخْرَس ﴿لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء﴾ لِأَنَّهُ لَا يَفْهَم وَلَا يُفْهِم ﴿وَهُوَ كَلٌّ﴾ ثَقِيل ﴿عَلَى مَوْلَاهُ﴾ وَلِيّ أَمْره ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُ﴾ يَصْرِفهُ ﴿لَا يَأْتِ﴾ مِنْهُ ﴿بِخَيْرٍ﴾ يَنْجَح وَهَذَا مَثَل الْكَافِر ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ﴾ أَيْ الْأَبْكَم الْمَذْكُور ﴿وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ﴾ أَيْ وَمَنْ هُوَ نَاطِق نَافِع لِلنَّاسِ حَيْثُ يَأْمُر بِهِ وَيَحُثّ عَلَيْهِ ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيم﴾ وَهُوَ الثَّانِي الْمُؤْمِن لَا وَقِيلَ هَذَا مَثَل اللَّهِ وَالْأَبْكَمُ لِلْأَصْنَامِ وَاَلَّذِي قَبْله مَثَل الْكَافِر وَالْمُؤْمِن

٧ -

﴿وَلِلَّهِ غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ عِلْم مَا غَابَ فِيهِمَا ﴿وَمَا أَمْر السَّاعَة إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب﴾ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ كُنْ فيكون ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾

٧ -

﴿وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ الْجُمْلَة حَال ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع﴾ بِمَعْنَى الأسماع ﴿والأبصار والأفئدة﴾ القلوب ﴿لعلكم تشكرون﴾ هـ عَلَى ذَلِكَ فَتُؤْمِنُونَ

٧ -

﴿أَلَمْ يَرَوْا إلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات﴾ مُذَلَّلَات لِلطَّيَرَانِ ﴿فِي جَوّ السَّمَاء﴾ أَيْ الْهَوَاء بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ﴿مَا يُمْسِكهُنَّ﴾ عِنْد قَبْض أَجْنِحَتهنَّ أَوْ بَسْطهَا أَنْ يَقَعْنَ ﴿إلَّا اللَّه﴾ بِقُدْرَتِهِ ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ هِيَ خَلَقَهَا بِحَيْثُ يُمْكِنهَا الطَّيَرَانُ وَخَلَقَ الْجَوَّ بِحَيْثُ يُمْكِن الطَّيَرَان فِيهِ وَإِمْسَاكهَا

٨ -

﴿وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ سَكَنًا﴾ مَوْضِعًا تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا﴾ كَالْخِيَامِ وَالْقِبَاب ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا﴾ لِلْحَمْلِ ﴿يَوْم ظَعْنكُمْ﴾ سَفَركُمْ ﴿وَيَوْم إقَامَتكُمْ وَمِنْ أَصْوَافهَا﴾ أَيْ الْغَنَم ﴿وَأَوْبَارهَا﴾ أَيْ الْإِبِل ﴿وَأَشْعَارهَا﴾ أَيْ الْمَعَز ﴿أَثَاثًا﴾ مَتَاعًا لِبُيُوتِكُمْ كَبُسُطٍ وَأَكْسِيَة ﴿وَمَتَاعًا﴾ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ ﴿إلَى حِين﴾ يَبْلَى فِيهِ

٨ -

﴿وَاَللَّه جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ﴾ مِنْ الْبُيُوت وَالشَّجَر وَالْغَمَام ﴿ظِلَالًا﴾ جَمْع ظِلّ تَقِيكُمْ حَرّ الشَّمْس ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَال أَكْنَانًا﴾ جَمْع كِنّ وَهُوَ مَا يُسْتَكَنّ فِيهِ كَالْغَارِ وَالسَّرَب ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيل﴾ قُمُصًا ﴿تَقِيكُمْ الْحَرَّ﴾ أَيْ وَالْبَرْد ﴿وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ بَأْسكُمْ﴾ حَرْبكُمْ أَيْ الطَّعْن وَالضَّرْب فِيهَا كَالدُّرُوعِ وَالْجَوَاشِنِ ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء ﴿يُتِمّ نِعْمَته﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِخَلْقِ مَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ يَا أَهْل مَكَّة ﴿تُسْلِمُونَ﴾ تُوَحِّدُونَهُ

٨ -

﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِسْلَام ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْبَلَاغ الْمُبِين﴾ الْإِبْلَاغ الْبَيِّن وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ

٨ -

﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه﴾ أَيْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا مِنْ عنده ﴿ثم ينكرونها﴾ بإشراكهم ﴿وأكثرهم الكافرون﴾

٨ -

﴿وَ﴾ اذْكُرْ ﴿يَوْم نَبْعَث مِنْ كُلّ أُمَّة شَهِيدًا﴾ هُوَ نَبِيّهَا يَشْهَد لَهَا وَعَلَيْهَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿ثُمَّ لَا يُؤْذَن لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِي الِاعْتِذَار ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ لَا يُطْلَب مِنْهُمْ الْعُتْبَى أَيْ الرُّجُوع إلَى مَا يُرْضِي الله

٨ -

﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ كَفَرُوا ﴿الْعَذَاب﴾ النَّار ﴿فَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ﴾ الْعَذَاب ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يُمْهَلُونَ عَنْهُ إذَا رَأَوْهُ

٨ -

﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ﴾ مِنْ الشَّيَاطِين وَغَيْرهَا ﴿قَالُوا رَبّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا ندعوا﴾ نَعْبُدهُمْ ﴿مِنْ دُونك فَأَلْقَوْا إلَيْهِمْ الْقَوْل﴾ أَيْ قَالُوا لَهُمْ ﴿إنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي قَوْلكُمْ إنَّكُمْ عَبَدْتُمُونَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى ﴿مَا كَانُوا إيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ

٨ -

﴿وَأَلْقَوْا إلَى اللَّه يَوْمَئِذٍ السَّلَم﴾ أَيْ اسْتَسْلَمُوا لِحُكْمِهِ ﴿وَضَلَّ﴾ غَابَ ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ مِنْ أَنَّ آلِهَتهمْ تَشْفَع لَهُمْ

٨ -

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا﴾ النَّاس ﴿عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ دِينه ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْق الْعَذَاب﴾ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بكفرهم قال بن مَسْعُود عَقَارِب أَنْيَابهَا كَالنَّخْلِ الطِّوَال ﴿بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ بِصَدِّهِمْ النَّاس عَنْ الْإِيمَان

٨ -

﴿وَ﴾ اذْكُر ﴿يَوْم نَبْعَث فِي كُلّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسهمْ﴾ وَهُوَ نَبِيّهمْ ﴿وَجِئْنَا بِك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ أَيْ قَوْمك ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿تِبْيَانًا﴾ بَيَانًا ﴿لِكُلِّ شَيْء﴾ يَحْتَاج إلَيْهِ النَّاس مِنْ أَمْر الشَّرِيعَة ﴿وَهُدًى﴾ مِنْ الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَة وَبُشْرَى﴾ بِالْجَنَّةِ ﴿للمسلمين﴾ الموحدين

٩ -

﴿إنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ﴾ التَّوْحِيد أَوْ الْإِنْصَاف ﴿وَالْإِحْسَان﴾ أَدَاء الْفَرَائِض أَوْ أَنْ تَعْبُد اللَّه كَأَنَّك تَرَاهُ كَمَا فِي الْحَدِيث ﴿وَإِيتَاء﴾ إعْطَاء ﴿ذِي الْقُرْبَى﴾ الْقَرَابَة خَصَّهُ بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِهِ ﴿وينهى عن الفحشاء﴾ الزنى ﴿وَالْمُنْكَر﴾ شَرْعًا مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي ﴿وَالْبَغْي﴾ الظُّلْم لِلنَّاسِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا كَمَا بَدَأَ بِالْفَحْشَاءِ كَذَلِكَ ﴿يَعِظكُمْ﴾ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ تَتَّعِظُونَ وَفِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال وفي المستدرك عن بن مَسْعُود وَهَذِهِ أَجْمَع آيَة فِي الْقُرْآن لِلْخَيْرِ والشر

٩ -

﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه﴾ مِنْ الْبِيَع وَالْأَيْمَان وَغَيْرهَا ﴿إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَان بَعْد تَوْكِيدهَا﴾ تَوْثِيقهَا ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ كَفِيلًا﴾ بِالْوَفَاءِ حَيْثُ حَلَفْتُمْ بِهِ وَالْجُمْلَة حَال ﴿إنَّ اللَّه يَعْلَم مَا تَفْعَلُونَ﴾ تَهْدِيد لَهُمْ

٩ -

﴿وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّتِي نَقَضَتْ﴾ أَفْسَدَتْ ﴿غَزْلهَا﴾ مَا غَزَلَتْهُ ﴿مِنْ بَعْد قُوَّة﴾ إحْكَام لَهُ وَبَرْم ﴿أَنْكَاثًا﴾ حَال جَمْع نَكْث وَهُوَ مَا يُنْكَث أَيْ يُحَلّ إحْكَامه وَهِيَ امْرَأَة حَمْقَاء مِنْ مَكَّة كَانَتْ تَغْزِل طُول يَوْمهَا ثُمَّ تَنْقُضهُ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ حَال مِنْ ضَمِير تَكُونُوا أَيْ لَا تَكُونُوا مِثْلهَا فِي اتِّخَاذكُمْ ﴿أَيْمَانكُمْ دَخَلًا﴾ هُوَ مَا يَدْخُل فِي الشَّيْء وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْ فَسَادًا أَوْ خَدِيعَة ﴿بَيْنكُمْ﴾ بِأَنْ تَنْقُضُوهَا ﴿أَنْ﴾ أَيْ لِأَنْ ﴿تَكُون أُمَّة﴾ جَمَاعَة ﴿هِيَ أَرْبَى﴾ أَكْثَر ﴿مِنْ أُمَّة﴾ وَكَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاء فَإِذَا وُجِدَ أَكْثَر مِنْهُمْ وَأَعَزّ نَقَضُوا حِلْف أُولَئِكَ وَحَالَفُوهُمْ ﴿إنَّمَا يَبْلُوكُمْ﴾ يَخْتَبِركُمْ ﴿اللَّه بِهِ﴾ أَيْ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ لِيَنْظُر الْمُطِيع مِنْكُمْ وَالْعَاصِيَ أَوْ يَكُون أُمَّة أَرْبَى لِيَنْظُر أَتَفُونَ أَمْ لَا ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْر الْعَهْد وَغَيْره بِأَنْ يُعَذِّب النَّاكِث ويثيب الوافي

٩ -

﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة﴾ أَهْل دِين وَاحِد ﴿وَلَكِنْ يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ﴾ يَوْم الْقِيَامَة سُؤَال تَبْكِيت ﴿عما كنتم تعملون﴾ لتجازوا عليه

٩ -

﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُمْ دَخَلًا بَيْنكُمْ﴾ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ﴿فَتَزِلّ قَدَم﴾ أَيْ أَقْدَامكُمْ عَنْ مَحَجَّة الْإِسْلَام ﴿بَعْد ثُبُوتهَا﴾ اسْتِقَامَتهَا عَلَيْهَا ﴿وَتَذُوقُوا السُّوء﴾ أَيْ العذاب

﴿بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ بِصَدِّكُمْ عَنْ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ أَوْ بِصَدِّكُمْ غَيْركُمْ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْتَنّ بِكُمْ ﴿وَلَكُمْ عَذَاب عَظِيم﴾ فِي الآخرة

٩ -

﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ مِنْ الدُّنْيَا بِأَنْ تَنْقُضُوهُ لِأَجْلِهِ ﴿إنَّمَا عِنْد اللَّه﴾ مِنْ الثَّوَاب ﴿هُوَ خَيْر لَكُمْ﴾ مِمَّا فِي الدُّنْيَا ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فَلَا تَنْقُضُوا

٩ -

﴿مَا عِنْدكُمْ﴾ مِنْ الدُّنْيَا ﴿يَنْفَد﴾ يَفْنَى ﴿وَمَا عِنْد اللَّه بَاقٍ﴾ دَائِم ﴿وَلَيَجْزِيَنَّ﴾ بِالْيَاءِ وَالنُّون ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ مِنْ الْوَفَاء بِالْعُهُودِ ﴿أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَحْسَن بِمَعْنَى حَسَن

٩ -

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة﴾ قِيلَ هِيَ حَيَاة الْجَنَّة وَقِيلَ فِي الدُّنْيَا بِالْقَنَاعَةِ أَوْ الرزق الحلال ﴿ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾

٩ -

﴿فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن﴾ أَيْ أَرَدْت قِرَاءَته ﴿فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم﴾ أَيْ قُلْ أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم

٩ -

﴿إنه ليس له سلطان﴾ تسلط ﴿على الذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون﴾

١٠ -

﴿إنَّمَا سُلْطَانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ بِطَاعَتِهِ ﴿وَاَلَّذِينَ هُمْ بِهِ﴾ أَيْ اللَّه ﴿مُشْرِكُونَ﴾

١٠ -

﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة﴾ بِنَسْخِهَا وَإِنْزَال غَيْرهَا لِمَصْلَحَةِ الْعِبَاد ﴿وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل قَالُوا﴾ أَيْ الْكُفَّار لِلنَّبِيِّ ﷺ ﴿إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾ كَذَّاب تَقُولهُ مِنْ عِنْدك ﴿بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ حَقِيقَة الْقُرْآن وفائدة النسخ

١٠ -

﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿نَزَّلَهُ رُوح الْقُدُس﴾ جِبْرِيل ﴿مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ﴾ مُتَعَلِّق بِنَزَّلَ ﴿لِيُثَبِّت الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بإيمانهم به ﴿وهدى وبشرى للمسلمين

١٠ -

﴿وَلَقَدْ﴾ لِلتَّحْقِيقِ ﴿نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمهُ﴾ الْقُرْآن ﴿بَشَر﴾ وَهُوَ قَيْن نَصْرَانِيّ كَانَ النَّبِيّ ﷺ يدخل عليه قال تعالى ﴿لِسَان﴾ لُغَة ﴿الَّذِي يُلْحِدُونَ﴾ يَمِيلُونَ ﴿إلَيْهِ﴾ أَنَّهُ يُعَلِّمهُ ﴿أَعْجَمِيّ وَهَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿لِسَان عَرَبِيّ مُبِين﴾ ذُو بَيَان وَفَصَاحَة فَكَيْفَ يُعَلِّمهُ أَعْجَمِيّ

١٠ -

﴿إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه لَا يَهْدِيهِمْ اللَّه وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم

١٠ -

﴿إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّه﴾ الْقُرْآن بِقَوْلِهِمْ هَذَا مِنْ قَوْل الْبَشَر ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ﴾ وَالتَّأْكِيد بِالتَّكْرَارِ وَإِنَّ وَغَيْرهمَا رَدّ لِقَوْلِهِمْ ﴿إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ﴾

١٠ -

﴿مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إيمَانه إلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾ عَلَى التَّلَفُّظ بِالْكُفْرِ فَتَلَفَّظَ بِهِ ﴿وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ﴾ وَمَنْ مُبْتَدَأ أَوْ شَرْطِيَّة وَالْخَبَر أَوْ الْجَوَاب لَهُمْ وَعِيد شَدِيد دَلَّ عَلَى هَذَا ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ لَهُ أَيْ فَتَحَهُ وَوَسَّعَهُ بِمَعْنَى طَابَتْ بِهِ نفسه ﴿فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم﴾

١٠ -

﴿ذَلِكَ﴾ الْوَعِيد لَهُمْ ﴿بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ اختاروها ﴿على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾

١٠ -

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ وَسَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾ عَمَّا يُرَاد بِهِمْ

١٠ -

﴿لَا جَرَم﴾ حَقًّا ﴿أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ

١١ -

﴿ثُمَّ إنَّ رَبّك لِلَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ إلَى الْمَدِينَة ﴿مِنْ بَعْد مَا فُتِنُوا﴾ عُذِّبُوا وَتَلَفَّظُوا بِالْكُفْرِ وَفِي قِرَاءَة بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ كَفَرُوا أَوْ فَتَنُوا النَّاس عَنْ الْإِيمَان ﴿ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا﴾ عَلَى الطَّاعَة ﴿إنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا﴾ أَيْ الْفِتْنَة ﴿لَغَفُور﴾ لَهُمْ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ وَخَبَر إنَّ الْأُولَى دَلَّ عَلَيْهِ خَبَر الثَّانِيَة

١١ -

اذْكُر ﴿يَوْم تَأْتِي كُلّ نَفْس تُجَادِل﴾ تُحَاجّ ﴿عَنْ نَفْسهَا﴾ لَا يُهِمّهَا غَيْرهَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَتُوَفَّى كُلّ نَفْس﴾ جَزَاء ﴿مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ شَيْئًا

١١ -

﴿وَضَرَبَ اللَّه مَثَلًا﴾ وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿قَرْيَة﴾ هِيَ مَكَّة وَالْمُرَاد أَهْلهَا ﴿كَانَتْ آمِنَة﴾ مِنْ الْغَارَات لَا تُهَاج ﴿مُطْمَئِنَّة﴾ لَا يُحْتَاج إلَى الِانْتِقَال عَنْهَا لِضِيقٍ أَوْ خَوْف ﴿يَأْتِيهَا رِزْقهَا رَغَدًا﴾ وَاسِعًا ﴿مِنْ كُلّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّه﴾ بِتَكْذِيبِ النَّبِيّ ﷺ ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّه لِبَاس الْجُوع﴾ فَقَحَطُوا سَبْع سِنِينَ ﴿وَالْخَوْف﴾ بسرايا النبي ﷺ ﴿بما كانوا يصنعون﴾

١١ -

﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُول مِنْهُمْ﴾ مُحَمَّد ﷺ ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَاب﴾ الْجُوع وَالْخَوْف ﴿وهم ظالمون﴾

١١ -

﴿فكلوا﴾ أيها المؤمنون ﴿مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون﴾

١١ -

﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم﴾

١١ -

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ﴾ أَيْ لِوَصْفِ أَلْسِنَتكُمْ ﴿الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام﴾ لِمَا لَمْ يُحِلّهُ اللَّه وَلَمْ يُحَرِّمهُ ﴿لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الكذب﴾ بنسبة ذلك إليه ﴿إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون﴾

١١ -

لَهُمْ ﴿مَتَاع قَلِيل﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَلَهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم

١١ -

﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْك مِنْ قَبْل﴾ فِي آيَة ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر﴾ إلَى آخِرهَا ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ﴾ بِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَة لِذَلِكَ

١١ -

﴿ثُمَّ إنَّ رَبّك لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوء﴾ الشِّرْك ﴿بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا﴾ رَجَعُوا ﴿مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ عَمَلهمْ ﴿إنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا﴾ أَيْ الْجَهَالَة أَوْ التَّوْبَة ﴿لَغَفُور﴾ لَهُمْ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ

١٢ -

﴿إنَّ إبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة﴾ إمَامًا قُدْوَة جَامِعًا لِخِصَالِ الْخَيْر ﴿قَانِتًا﴾ مُطِيعًا ﴿لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ مَائِلًا إلى الدين القيم ﴿ولم يك من المشركين﴾

١٢ -

﴿شاكرا لأنعمة اجتباه﴾ اصطفاه ﴿وهداه إلى صراط مستقيم﴾

١٢ -

﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ هِيَ الثَّنَاء الْحَسَن فِي كُلّ أَهْل الْأَدْيَان ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ﴾ الَّذِينَ لَهُمْ الدَّرَجَات الْعُلَى

١٢ -

﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنْ اتَّبِعْ مِلَّة﴾ دِين ﴿إبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ كُرِّرَ رَدًّا عَلَى زَعْم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ عَلَى دِينه

١٢ -

﴿إنَّمَا جُعِلَ السَّبْت﴾ فَرْض تَعْظِيمه ﴿عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ عَلَى نَبِيّهمْ وَهُمْ الْيَهُود أُمِرُوا أَنْ يَتَفَرَّغُوا لِلْعِبَادَةِ يَوْم الْجُمُعَة فَقَالُوا لَا نُرِيدهُ وَاخْتَارُوا السَّبْت فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ﴿وَإِنَّ رَبّك لَيَحْكُم بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مِنْ أَمْره بِأَنْ يُثِيب الطَّائِع وَيُعَذِّب الْعَاصِيَ بِانْتِهَاكِ حُرْمَته

١٢ -

﴿اُدْعُ﴾ النَّاس يَا مُحَمَّد ﴿إلَى سَبِيل رَبّك﴾ دِينه ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة﴾ مَوَاعِظه أَوْ القول الرقيق ﴿وجادلهم بِاَلَّتِي﴾ أَيْ الْمُجَادَلَة الَّتِي ﴿هِيَ أَحْسَن﴾ كَالدُّعَاءِ إلَى اللَّه بِآيَاتِهِ وَالدُّعَاء إلَى حُجَجه ﴿إنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم﴾ أَيْ عَالِم ﴿بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فَيُجَازِيهِمْ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ وَنَزَلَ لَمَّا قُتِلَ حَمْزَة وَمُثِّلَ بِهِ فَقَالَ ﷺ وَقَدْ رَآهُ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانك

١٢ -

﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ﴾ عَنْ الِانْتِقَام ﴿لَهُوَ﴾ أَيْ الصَّبْر ﴿خَيْر لِلصَّابِرِينَ﴾ فَكَفَّ ﷺ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ رَوَاهُ الْبَزَّار

١٢ -

﴿واصبر وما صبرك إلا بالله﴾ بتوفيقه ﴿ولاتحزن عليهم﴾ أي الكفار وإن لَمْ يُؤْمِنُوا لِحِرْصِك عَلَى إيمَانهمْ ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ أَيْ لَا تَهْتَمّ بِمَكْرِهِمْ فَأَنَا نَاصِرك عَلَيْهِمْ

١٢ -

﴿إنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الْكُفْر وَالْمَعَاصِيَ ﴿وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ بِالطَّاعَةِ وَالصَّبْر بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر = ١٧ سورة الإسراء

google-playkhamsatmostaqltradent