بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
﴿وَالضُّحَى
(١)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)﴾
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ
بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ
فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ
تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرَبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عز وجل: ﴿وَالضُّحَى
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ (٢)
.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي
قَالَتْ ذَلِكَ أُمُّ جَمِيلٍ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ سَأَلَتِ الْيَهُودُ، رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ وَعَنِ الرُّوحِ؟ فَقَالَ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقِلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْيُ (٣) .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ سَبَبُ احْتِبَاسِ جِبْرِيلَ عليه السلام عَنْهُ كَوْنُ جَرْوٍ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ عَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِبْطَائِهِ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ [أَوْ] (٤) صُورَةٌ (٥) .
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْهُ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
(١) أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه
والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة (الضحى) بمكة. انظر: الدر المنثور: ٨ / ٥٣٩.
(٢)
أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة الضحى - باب (ما ودعك ربك وما قلى): ٨ / ٧١٠ وفي
مواضع أخرى، ومسلم في الجهاد والسير، باب، ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين
والمنافقين برقم: (١٩٩٧): ٣ / ١٤٢٢.
(٣)
ذكر هذه الروايات التي ساقها المصنف: الطبري في التفسير: ١٥ / ٢٠٠-٢٠٥، والسيوطي في الدر
المنثور: ٥ / ٣٦٣-٣٧٠، ٣٧٣، والقرطبي: ١٠ / ٣٥٨-٣٦٠، والخازن: ٤ / ١٦٠-١٦٥.
وهذه الروايات بهذا التفصيل فيما
يتعلق بخروج الفتية وأسمائهم واسم كلبهم.. إلخ بجملتها متلقاة عن أهل الكتاب الذين
أسلموا، وحمله عنهم بعض الصحابة والتابعين وحكوه عنهم لغرابته والعجب منه. ونضع
هنا كلمات لبعض العلماء المحققين والمفسرين حيال هذه الروايات تغنينا عن التعليق
على التفسير في مواضع كثيرة:
قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (٣
/ ٧٦-٧٩): «... ولم يخبرنا الله تعالى بمكان هذا الكهف، ولا في أي البلاد من
الأرض، إذ لا فائدة لنا فيه، ولا قصد شرعي، وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه
أقوالًا.. والله أعلم بأي بلاد الله هو، ولو كان فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله
تعالى ورسوله إليه.. فأعلمنا تعالى بصفته ولم يعلمنا بمكانه».
وبعد أن عرض لبعض الأقوال عن كلب
أصحاب الكهف ولونه قال: «واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها، ولا طائل تحتها،
ولا دليل عليها، ولا حاجة إليها، بل هي مما ينهى عنه؛ فإن مستندها رجم بالغيب».
وقال عن أسماء الفتية: «... وفي
تسميتهم بهذه الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته، والله أعلم، فإن غالب ذلك متلقى من
أهل الكتاب، وقد قال تعالى:»فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرًا«أي: سهلًا هينًا، فإن
الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة».
وقال في البداية والنهاية: (٢
/ ١١٥): «.. وقد ذكر كثير من القصاص والمفسرين
لهذا الكلب نبأ وخبرًا طويلًا، أكثره متلقى من الإسرائيليات، وكثير منها كذب، ومما
لا فائدة فيه، كاختلافهم في اسمه ولونه».
وقال الأستاذ سيد قطب في كتابه «في
ظلال القرآن»: (١٥ / ٢٢٦٠-٢٢٦١): «تجيء قصة أصحاب الكهف، فتعرض نموذجًا
للإيمان في النفوس المؤمنة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها، وتلجأ
به إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش به مع الناس، وكيف يرعى الله هذه النفوس
المؤمنة ويقيها الفتنة، ويشملها بالرحمة.
وفي القصة روايات شتى وأقاويل كثيرة،
فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتى. ونحن نقف فيها عند ما جاء
في القرآن، فهو المصدر الوحيد المستيقن، ونطرح سائر الروايات والأساطير التي اندست
في التفاسير بلا سند صحيح، وبخاصة أن القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء غير القرآن
فيها، وعن المراء فيها والجدل رجمًا بالغيب».
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في
«أضواء البيان»: (٤ / ٢٠): «واعلم أن قصة أصحاب الكهف وأسمائهم، وفي أي محل من
الأرض كانوا، كل ذلك لم يثبت فيه عن النبي ﷺ شيء زائد على ما في القرآن، وللمفسرين
في ذلك أخبار كثيرة إسرائيلية أعرضنا عن ذكرها لعدم الثقة بها».
وراجع: الإسرائيليات والموضوعات
للشيخ محمد أبو شهبة ص (٢٣٥-٢٣٧) .
(٤)
في «ب» ولا.
(٥)
انظر أحاديث في ذلك: مسند الإمام أحمد: ١ / ١٤٨، الترغيب والترهيب: ٤ / ٦٨ - ٦٩.
قَالُوا: فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:
إِنَّ مُحَمَّدًا وَدَعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
السُّورَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا جِبْرِيلُ مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ
إِلَيْكَ»، فَقَالَ جِبْرِيلُ: «إِنِّي كُنْتُ أَشَدُّ شوقًا [إليك] (١)، وكلني
عَبْدٌ مَأْمُورٌ»، فَأَنْزَلَ: «وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» (٢)
(مَرْيَمَ -٦٤) .
قَوْلُهُ عز وجل:
﴿وَالضُّحَى﴾
أَقْسَمَ بِالضُّحَى وَأَرَادَ بِهِ النَّهَارَ كُلَّهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
قَابَلَهُ بِاللَّيْلِ [فَقَالَ وَاللَّيْلِ] (٣) إِذَا سَجَى، نظيره: قوله: «أو
أمن أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى» (الْأَعْرَافِ -٩٨) أَيْ
نَهَارًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ:
يَعْنِي وَقْتَ الضُّحَى، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ،
وَاعْتِدَالُ النَّهَارِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ.
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ، وَهِيَ
رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنْهُ: إِذَا
ذَهَبَ، قَالَ عَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ: غَطَّى كُلَّ شَيْءٍ بِالظُّلْمَةِ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: اسْتَوَى. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ
ظَلَامُهُ فَلَا يَزْدَادُ بَعْدَ ذَلِكَ. يُقَالُ: لَيْلٌ سَاجٍ وَبَحْرٌ سَاجٍ
[إِذَا كَانَ سَاكِنًا] (٤)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ مَا تَرَكَكَ مُنْذُ
اخْتَارَكَ وَلَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبَّكَ.
﴿وَلَلْآخِرَةُ
خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)﴾
﴿وَلَلْآخِرَةُ
خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [الصَّالِحَانِيُّ] (٥)، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ
عَلَى الدُّنْيَا» (٦) .
(١) ساقط من «ب».
(٢)
أخرجه الطبري: ٣٠ / ٢٣١، وعبد الرزاق في التفسير: ٢ / ٣٧٩ عن معمر. وزاد السيوطي
في الدر المنثور: ٨ / ٥٤١ عزوه لابن مردويه من طريق العوفي عن
ابن عباس. وانظر: الفتح السماوي: ٣ / ١١٠١.
(٣)
ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٤)
في «ب» إذا سكن.
(٥)
في «أ» الصالحي والصحيح ما أثبت.
(٦)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة: ٢ / ٦٣٣، وابن أبي شيبة: ١٥ / ٢٣٦ وابن ماجه مطولا في الفتن، باب خروج
المهدي: ٢ / ١٣٦٦، وأخرجه الحاكم في المستدرك: ٤ / ٤٦٤، والمصنف في شرح السنة: ١٤
/ ٢٤٨.
قال في الزوائد ٢ / ١٣٦٦: «إسناده
ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد الكوفي، لكن لم ينفرد به فقد رواه الحاكم في المستدرك
من طريق عمر بن قيس عن الحكم عن إبراهيم». قال الذهبي في تلخيص المستدرك: موضوع.
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى
(٦)﴾
﴿وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ
الشَّفَاعَةُ فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَرْضَى، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَالْحَسَنِ.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي
أُمَّتِي وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ
لَهُ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أمتك، ولا نسؤءك فِيهِمْ» (١) .
وَقَالَ حَرْبُ بْنُ شُرَيْحٍ
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ
أَهْلِ الْعِرَاقِ تَقُولُونَ: أَرْجَى آيَةٍ فِي القرآن: «قل يا عبادي الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ»، وَإِنَّا
أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ «وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى» (٢) مِنَ الثَّوَابِ. وَقِيلَ: مِنَ النَّصْرِ
وَالتَّمْكِينِ وَكَثْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، ﴿فَتَرْضَى﴾
ثُمَّ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عز وجل عَنْ
حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَحْيِ، وَذَكَّرَهُ نِعَمَهُ
فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ فَقَالَ: أَنْبَأَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا أَبُو
عَمْرٍو الْجُوَيْنِيُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ: «سَأَلَتُ ربي مسألة وودت أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ، قُلْتُ: يَا
رَبِّ إنك آتيت سلميان بْنَ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَآتَيْتَ فُلَانًا كَذَا
وَآتَيْتَ فُلَانًا كَذَا؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ [قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا
فَهَدَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا
فَأَغْنَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى أَيْ رَبِّ»، وَزَادَ غَيْرُهُ عَنْ حَمَّادٍ
قَالَ: أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ قُلْتُ:
(١) أخرجه مسلم في الإيمان، باب دعاء النبي ﷺ
وبكائه شفقة عليهم برقم: (٢٠٢): ١ / ١٩١، والمصنف في شرح السنة ١٥ /
١٦٥
- ١٦٦.
(٢)
عزاه صاحب الدر المنثور: ٨ / ٥٤٣ لابن المنذر، وابن مردويه، وأبي نعيم
في الحلية.
بَلَى أَيْ رَبِّ] (١)
.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيمًا صَغِيرًا فَقِيرًا حِينَ مَاتَ أَبَوَاكَ وَلَمْ يُخَلِّفَا لَكَ مَالًا
وَلَا مَأْوًى، فَجَعَلْتُ لَكَ مَأْوًى تأوي إليه، وضمَّك إِلَى عَمِّكَ أَبِي
طَالِبٍ حَتَّى أَحْسَنَ تَرْبِيَتَكَ وَكَفَاكَ الْمُؤْنَةَ.
﴿وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى (٧)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾
﴿وَوَجَدَكَ
ضَالًّا﴾ يَعْنِي ضَالًّا عَمًّا أَنْتَ عَلَيْهِ ﴿فَهَدَى﴾ أَيْ: فَهَدَاكَ
لِلتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ.
قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ
وَابْنُ كَيْسَانَ: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا» عَنْ مَعَالِمَ النُّبُوَّةِ وَأَحْكَامِ
الشَّرِيعَةِ غَافِلًا عَنْهَا، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، [كَمَا قَالَ] (٢) «وَإِنْ
كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ» (يُوسُفَ -٣) وَقَالَ: «مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ» (الشُّورَى -٥٢) .
وَقِيلَ: ضَالًّا فِي شِعَابِ
مَكَّةَ فَهَدَاكَ إِلَى جَدِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: ضَلَّ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ
صَبِيٌّ صَغِيرٌ، فَرَآهُ أَبُو جَهْلٍ مُنْصَرِفًا عَنْ أَغْنَامِهِ فَرَدَّهُ
إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَافِلَةِ مَيْسَرَةَ
غُلَامِ خَدِيجَةَ فَبَيْنَمَا هُوَ رَاكِبٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ نَاقَةً
إِذْ جَاءَ إِبْلِيسُ فَأَخَذَ بِزِمَامِ النَّاقَةِ فَعَدَلَ بِهِ عَنِ
الطَّرِيقِ، فجاء جبريل ١٩٥/أفَنَفَخَ إِبْلِيسَ نَفْخَةً وَقَعَ مِنْهَا إِلَى
أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَرَدَّهُ إِلَى الْقَافِلَةِ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ
بِذَلِكَ (٣) . وَقِيلَ: وَجَدَكَ ضَالًّا [ضَالَّ] (٤) نَفْسِكَ لَا تَدْرِي مَنْ
أَنْتَ، فَعَرَّفَكَ نَفْسَكَ وَحَالَكَ. ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ أَيْ
فَقِيرًا فَأَغْنَاكَ بِمَالِ خَدِيجَةَ ثُمَّ بِالْغَنَائِمِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: [فَأَرْضَاكَ]
(٥) بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ. وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ: لَمْ
يَكُنْ غَنِيًّا عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَلَكِنَّ اللَّهَ [أَرْضَاهُ] (٦) بِمَا
آتَاهُ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْغِنَى.
(١) ما بين القوسين ساقط من «أ». قال الهيثمي
في مجمع الزوائد: ٨ / ٢٥٤: «رواه الطبراني في»الكبير«١١ / ٤٥٥ و»الأوسط«وفيه عطاء
بن السائب وقد اختلط». وساقه ابن كثير في التفسير: ٤ / ٥٢٥ - ٥٢٦ من رواية ابن أبي
حاتم وأبي نعيم في «دلائل النبوة» وعزاه في كنز العمال: ١١ / ٤٥٦ للحاكم والبيهقي
وابن عساكر عن ابن عباس.
(٢)
ساقط من «أ».
(٣)
عزاهما ابن كثير في التفسير: ٤ / ٥٢٤ للبغوي.
(٤)
ساقط من «أ».
(٥)
في «ب» فرضاك.
(٦)
في «ب» رضاه.
أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ
الْمَنِيعِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّشٍ
الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ
الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» (١) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الزَّغْرَتَانِيُّ (٢) . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو
يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ
بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مِنْ أَسْلَمَ
وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» (٣) .
ثُمَّ أَوْصَاهُ بِالْيَتَامَى
وَالْفُقَرَاءِ فَقَالَ:
﴿فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)﴾
﴿فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَحْقِرِ الْيَتِيمَ فَقَدْ
كُنْتَ يَتِيمًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: لَا تَقْهَرْهُ عَلَى
مَالِهِ فَتَذْهَبَ بِحَقِّهِ لِضَعْفِهِ (٤)، وَكَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ
فِي أَمْرِ الْيَتَامَى، تَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ وَتَظْلِمُهُمْ حُقُوقَهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا [عَبْدُ اللَّهِ] (٥) بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَلَّالِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ عَنْ يَحْيَى [بْنِ] (٦)
سُلَيْمَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ
يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ
يُسَاءُ إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ [فِي
الْجَنَّةِ] (٧)
(١) أخرجه عبد الرزاق في روايته لصحيفة همام
بن منبه برقم (٦٢) ص (٢٣٧) بتحقيق: د. رفعت فوزي. والبخاري في الرقاق، باب الغنى
غنى النفس: ١١ / ٢٧١، ومسلم في الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض برقم: (١٠٥١):
٢ / ٧٢٦، والمصنف في شرح السنة ١٤ / ٢٤٣ - ٢٤٤.
(٢)
في»أ«(الزغرغتاتي) وفي»ب«(الزعفراني) . والصحيح ما أثبت.
(٣)
أخرجه مسلم في الزكاة، باب في الكفاف والقناعة برقم: (١٠٥٤): ٢ / ٧٣٠، والمصنف في
شرح السنة: ١٤ / ٢٤٥.
(٤)
انظر: معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٧٤.
(٥)
في»أ«عبد والصحيح ما أثبت.
(٦)
ساقط من»ب«.
(٧)
ساقط من»أ".
هَكَذَا [وَهُوَ يُشِيرُ] (١)
بِأُصْبُعَيْهِ [السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى] (٢)» (٣) .
﴿وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ (١١)﴾
﴿وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُرِيدُ السَّائِلَ عَلَى
الْبَابِ، يَقُولُ: لَا تَنْهَرْهُ لَا تَزْجُرْهُ إِذَا سَأَلَكَ، فَقَدْ كُنْتَ
فَقِيرًا فَإِمَّا أَنْ تُطْعِمَهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا،
يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: رُدَّ السَّائِلَ
بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: نِعْمَ الْقَوْمُ
السُؤَّالُ يَحْمِلُونَ زَادَنَا إِلَى الْآخِرَةِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: السَّائِلُ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ يَجِيءُ إِلَى بَابِ أَحَدِكُمْ فَيَقُولُ: هَلْ تُوَجِّهُونَ
إِلَى أَهْلِيكُمْ بِشَيْءٍ؟
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي
قَوْلِهِ: «أَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ»، قَالَ: طَالِبُ الْعِلْمِ.
﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنِي النُّبُوَّةَ،
رَوَى عَنْهُ أَبُو بِشْرٍ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ وَقَالَ: أَيْ بَلِّغْ مَا
أُرْسِلْتَ بِهِ، وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ [اللَّهُ] (٤)
.
وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ:
يَعْنِي الْقُرْآنَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ، أَمْرَهُ أَنْ [يَقْرَأَ بِهِ]
(٥) .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اشْكُرْ لِمَا
ذُكِرَ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ جَبْرِ الْيَتِيمِ
وَالْهُدَى بَعْدَ الضَّلَالَةِ وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ،
وَالتَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرًا.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بَكْرُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ الْبَسْطَامِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
سَخْتَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ النصر
أبادي، [حَدَّثَنَا
(١) في «ب» وهو يشير.
(٢)
ساقط من «أ».
(٣)
حديث ضعيف أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص (٤٧)، وابن ماجه في الأدب، باب حق
اليتيم برقم: (٣٦٧٩): ٢ / ١٢١٣، وأبو نعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه:
٦
/ ٣٣٧،
والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٤٣. وضعفه البوصيري فقال في الزوائد «في إسناده» يحيى
بن سليمان، أبو صالح، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث،
وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه، وقال: في النفس من هذا
الحديث شيء، فإني لا أعرف يحيى بعدالة ولا جرح، وإنما خرجت خبره لأنه يختلف
العلماء فيه. قلت: قد ظهر للبخاري وأبي حاتم ما خفي على ابن خزيمة، فجرحهما مقدم
على من عدله«. وانظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي والزبيدي: ٣ / ١٢٠٩ -
١٢١٠، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ٤ / ١٤٢.
(٤)
الكلمة ساقطة من»أ«.
(٥)
في»ب" يقرأه.
عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ]
(١) أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيْوبَ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ شُرَحْبِيلَ مَوْلَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ صُنِعِ إِلَيْهِ
مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ فَلْيُثْنِ
عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ
فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْنِ
مِنْ زُورٍ» (٢) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ
بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي
الْقَاسِمَ بْنَ الْوَلِيدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَنْ لَمْ
يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ
لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ،
وَتَرْكُهُ كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ» (٣)
.
وَالسَّنَةُ -فِي قِرَاءَةِ أَهْلِ
مَكَّةَ-أَنْ يُكَبَّرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ «وَالضُّحَى» عَلَى رَأْسِ كُلِّ
سُورَةٍ حَتَّى يَخْتِمَ الْقُرْآنَ؛ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ
الْأَجَلُّ مُحْيِي السَّنَةِ نَاصِرُ الْحَدِيثِ قُدْوَةُ الْأَئِمَّةِ نَاشِرُ
الدِّينِ رُكْنُ الْإِسْلَامِ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُفْتِي الشَّرْقِ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ رحمه الله: كَذَلِكَ قَرَأْتُهُ عَلَى
الْإِمَامِ الْمُقْرِئِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ
الْحَامِدِيِّ بِمَرْوٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ طَاهِرِ بْنِ
عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ
بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ حَامِدٍ الصِّفَّارِ الْمُقْرِئِ، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيِّ، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى أَبِي رَبِيعَةَ
وَالْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الحداد، وهما قرءا عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ
أَبِي بَزَّةَ وَأَخْبَرَهُمَا
(١) ما بين القوسين ساقط من «أ».
(٢)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص (٦٩) من حديث سعيد بن عفير، عن يحيى بن أيوب، عن
عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصار، عن جابر. وشرحبيل ضعفه غير واحد، ومع ذلك
فقد صححه ابن حبان برقم: (٢٠٧٣) ص (٥٠٦) . وأخرجه الترمذي في البر والصلة، باب ما
جاء في المتشبع بما لم يعطه، عن طريق إسماعيل بن عباس عن عمارة بن غزية، عن أبي
الزبير عن جابر. وقال «هذا حديث حسن غريب». وأخرجه أبو داود في الأدب، باب في شكر
المعروف ٧ / ١٧٩. وللحديث شاهد عند أحمد والطبراني في «الأوسط» قال الهيثمي في
المجمع ٨ / ١٨١: «وفيه صالح بن أبي الأخضر، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجال أحمد
ثقات، فهو حديث صحيح بطرقه».
(٣)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: ٤ / ٢٧٨، وابنه عبد الله في زوائد المسند: ٤ / ٣٧٥.
قال الهيثمي في المجمع: ٥ / ٢١٨: «رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني
ورجالهم ثقات». وقال العجلوني في «كشف الخفاء»: ٢ / ٣٣٦: «رواه ابن أبي الدنيا
في»اصطناع المعروف«عن النعمان، وأخرجه عبد الله ابن أحمد بإسناد لا بأس به. .»
وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٥٤٥ للبيهقي في الشعب بسند ضعيف. وضعفه ابن
كثير: ٤ / ٥٢٤. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: ٢ / ٢٧٦ - ٢٧٧.
[ابْنُ أَبِي بَزَّةَ] (١) أَنَّهُ قَرَأَ
عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ الْمَكِّيِّ، وَأَخْبَرَهُ
عِكْرِمَةُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ
قُسْطَنْطِينَ، وأخبراه أنهما قرأا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ،
وَأَخْبَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ كَثِيرٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ] (٢)
أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ.
وَأَخْبَرَنَا الْإِمَامُ
الْمُقْرِئُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ وَقَرَأْتُ
عَلَيْهِ بِمَرْوٍ، وَقَالَ: أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيٌّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الزَّيْدِيُّ بِالتَّكْبِيرِ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِثَغْرِ حَرَّانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ
الْمَوْصِليُّ الْمَعْرُوفُ بِالنَّقَّاشِ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمَدِينَةِ
السَّلَامِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّبَعِيُّ،
وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي [بَزَّةَ] (٣)، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ
قَالَ لِي: قَرَأْتُهُ عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ
قَرَأَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ وَشِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ
فَلَمَّا بَلَغْتُ «وَالضُّحَى» قَالَا لِي: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ، مَعَ
خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ، فَإِنَّا قَرَأْنَا عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنَا
بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ،
وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ [فَأَمَرَهُ
بِذَلِكَ] (٤)، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ أُبَيٌّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ
ﷺ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ (٥) .
وَكَانَ سَبَبُ التَّكْبِيرِ أَنَّ
الْوَحْيَ لَمَّا احْتَبَسَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ هَجَرَهُ شَيْطَانُهُ،
وَوَدَّعَهُ، فَاغْتَمَّ النَّبِيُّ ﷺ لِذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ «وَالضُّحَى»
كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَحًا بِنُزُولِ الْوَحْيِ، فَاتَّخَذُوهُ سُنَّةً
(٦) .
(١) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٢)
زيادة من «ب».
(٣)
في «أ» توبة، والصحيح ما أثبت.
(٤)
ساقط من «أ».
(٥)
ساقه ابن كثير: ٤ / ٥٢٢ ثم قال: «فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد
الله البزي من ولد القاسم بن أبي بزة. وكان إماما في القراءات. فأما في الحديث فقد
ضعفه أبو حاتم الرازي وقال: لا أحدث عنه وكذلك أبو جعفر العقيلي قال هو منكر
الحديث لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع
رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة فقال: أحسنت وأصبت السنة، وهذا يقتضي صحة هذا
الحديث». وراجع في ذلك «التبيان في آداب حملة القرآن» للنووي.
(٦)
ذكره ابن كثير: ٤ / ٥٢٢ وقال: «ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف فالله
أعلم».