﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ الْعُهُود الْمُؤَكَّدَة الَّتِي بَيْنكُمْ وَبَيْن اللَّه وَالنَّاس ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام﴾ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم أَكْلًا بَعْد الذَّبْح ﴿إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ تَحْرِيمه فِي ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة﴾ الْآيَة فَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا وَالتَّحْرِيم لِمَا عَرَضَ مِنْ الْمَوْت وَنَحْوه ﴿غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم﴾ أَيْ مُحْرِمُونَ وَنَصْب غَيْر عَلَى الْحَال مِنْ ضَمِير لَكُمْ ﴿إنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد﴾ مِنْ التحليل وغيره لا اعتراض عليه
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه﴾ جَمْع شَعِيرَة أَيْ مَعَالِم دِينه بِالصَّيْدِ فِي الْإِحْرَام ﴿وَلَا الشَّهْر الْحَرَام﴾ بِالْقِتَالِ فِيهِ ﴿وَلَا الْهَدْي﴾ مَا أُهْدِيَ إلَى الْحَرَم مِنْ النِّعَم بِالتَّعَرُّضِ لَهُ ﴿وَلَا الْقَلَائِد﴾ جَمْع قِلَادَة وَهِيَ مَا كَانَ يُقَلَّد بِهِ مِنْ شَجَر الْحَرَم لِيَأْمَن أَيْ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهَا وَلَا لِأَصْحَابِهَا ﴿وَلَا﴾ تُحِلُّوا ﴿آمِّينَ﴾ قَاصِدِينَ ﴿الْبَيْت الْحَرَام﴾ بِأَنْ تُقَاتِلُوهُمْ ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا﴾ رِزْقًا ﴿مِنْ رَبّهمْ﴾ بِالتِّجَارَةِ ﴿وَرِضْوَانًا﴾ مِنْهُ بِقَصْدِهِ بِزَعْمِهِمْ الْفَاسِد وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ بَرَاءَة ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ﴾ مِنْ الْإِحْرَام ﴿فَاصْطَادُوا﴾ أَمْر إبَاحَة ﴿وَلَا يَجْرِمَنكُمْ﴾ يَكْسِبَنكُمْ ﴿شَنَآن﴾ بِفَتْحِ النُّون وَسُكُونهَا بُغْض ﴿قَوْم﴾ لِأَجْلِ ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَنْ تَعْتَدُوا﴾ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَغَيْره ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ﴾ بِفِعْلِ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ ﴿وَالتَّقْوَى﴾ بِتَرْكِ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا﴾ فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأَصْل ﴿عَلَى الْإِثْم﴾ الْمَعَاصِي ﴿وَالْعُدْوَان﴾ التَّعَدِّي فِي حُدُود اللَّه ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ خَافُوا عِقَابه بِأَنْ تُطِيعُوهُ ﴿إنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب﴾ لِمَنْ خَالَفَهُ
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة﴾ أَيْ أَكْلهَا ﴿وَالدَّم﴾ أَيْ الْمَسْفُوح كَمَا فِي الْأَنْعَام ﴿وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ﴾ بِأَنْ ذُبِحَ عَلَى اسْم غَيْره ﴿وَالْمُنْخَنِقَة﴾ الْمَيْتَة خَنْقًا ﴿وَالْمَوْقُوذَة﴾ الْمَقْتُولَة ضَرْبًا ﴿وَالْمُتَرَدِّيَة﴾ السَّاقِطَة مِنْ عُلْو إلَى أَسْفَل فَمَاتَتْ ﴿وَالنَّطِيحَة﴾ الْمَقْتُولَة بِنَطْحِ أُخْرَى لَهَا ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُع﴾ مِنْهُ ﴿إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ أَيْ أَدْرَكْتُمْ فِيهِ الرُّوح مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء فَذَبَحْتُمُوهُ ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى﴾ اسْم ﴿النُّصُب﴾ جَمْع نِصَاب وَهِيَ الْأَصْنَام ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا﴾ تَطْلُبُوا الْقَسْم وَالْحُكْم ﴿بِالْأَزْلَامِ﴾ جَمْع زَلَم بِفَتْحِ الزَّاي وَضَمّهَا مَعَ فَتْح اللَّام قِدْح بِكَسْرِ الْقَاف صَغِير لَا رِيش لَهُ وَلَا نَصْل وَكَانَتْ سَبْعَة عِنْد سَادِن الْكَعْبَة عَلَيْهَا أَعْلَام وَكَانُوا يَحْكُمُونَهَا فَإِنْ أَمَرَتْهُمْ ائْتَمَرُوا وَإِنْ نَهَتْهُمْ انْتَهَوْا ﴿ذَلِكُمْ فِسْق﴾ خُرُوج عَنْ الطَّاعَة وَنَزَلَ يَوْم عَرَفَة عَام حَجَّة الْوَدَاع ﴿الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ﴾ أَنْ تَرْتَدُّوا عَنْهُ بَعْد طَمَعهمْ فِي ذَلِك لِمَا رَأَوْا مِنْ قُوَّته ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ واخشون الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ﴾ أَحْكَامه وَفَرَائِضه فَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حَلَال وَلَا حَرَام ﴿وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ بِإِكْمَالِهِ وَقِيلَ بِدُخُولِ مَكَّة آمِنِينَ ﴿وَرَضِيت﴾ أَيْ اخْتَرْت ﴿لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة﴾ مَجَاعَة إلَى أَيّ شَيْء مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ ﴿غَيْر مُتَجَانِف﴾ مَائِل ﴿لِإِثْمٍ﴾ مَعْصِيَة ﴿فَإِنَّ اللَّه غَفُور﴾ لَهُ مَا أَكَلَ ﴿رَحِيم﴾ بِهِ فِي إبَاحَته بِخِلَافِ الْمَائِل لِإِثْمٍ أَيْ الْمُتَلَبِّس بِهِ كَقَاطِعِ الطَّرِيق وَالْبَاغِي مَثَلًا فَلَا يَحِلّ لَهُ الْأَكْل
﴿يَسْأَلُونَك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ مِنْ الطَّعَام ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات﴾ الْمُسْتَلَذَّات ﴿و﴾ صَيْد ﴿مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح﴾ الْكَوَاسِب مِنْ الْكِلَاب وَالسِّبَاع وَالطَّيْر ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ حَال مِنْ كَلَّبْت الْكَلْب بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَرْسَلْته عَلَى الصَّيْد ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ حَال مِنْ ضَمِير مُكَلِّبِينَ أَيْ تُؤَدِّبُونَهُنَّ ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه﴾ مِنْ آدَاب الصَّيْد ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ وَإِنْ قَتَلَتْهُ بِأَنْ لَمْ يَأْكُلْنَ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْر الْمُعَلَّمَة فَلَا يَحِلّ صَيْدهَا وَعَلَامَتهَا أَنْ تَسْتَرْسِل إذَا أُرْسِلَتْ وَتَنْزَجِر إذَا زُجِرَتْ وَتُمْسِك الصَّيْد وَلَا تَأْكُل مِنْهُ وَأَقَلّ مَا يُعْرَف بِهِ ثَلَاث مَرَّات فَإِنْ أَكَلَتْ مِنْهُ فَلَيْسَ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا يَحِلّ أَكْله كَمَا فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ صَيْد السَّهْم إذَا أُرْسِلَ وَذُكِرَ اسْم اللَّه عَلَيْهِ كَصَيْدِ الْمُعَلَّم مِنْ الْجَوَارِح ﴿وَاذْكُرُوا اسم الله عليه﴾ عند إرساله ﴿واتقوا الله إن الله سريع الحساب﴾
﴿الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات﴾ الْمُسْتَلَذَّات ﴿وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب﴾ أَيْ ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿حِلّ﴾ حَلَال ﴿لَكُمْ وَطَعَامكُمْ﴾ إيَّاهُمْ ﴿حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات من المؤمنات وَالْمُحْصَنَات﴾ الْحَرَائِر ﴿مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ﴾ حِلّ لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴿إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ﴾ مُهُورهنَّ ﴿مُحْصِنِينَ﴾ مُتَزَوِّجِينَ ﴿غَيْر مُسَافِحِينَ﴾ مُعْلِنِينَ بالزنى بهن ﴿ولا متخذي أخدان﴾ منهن تسرون بالزنى بِهِنَّ ﴿وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ﴾ أَيْ يَرْتَدّ ﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَله﴾ الصَّالِح قَبْل ذَلِك فَلَا يُعْتَدّ بِهِ وَلَا يُثَاب عَلَيْهِ ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين﴾ إذا مات عليه
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ﴾ أَيْ أَرَدْتُمْ الْقِيَام ﴿إلَى الصَّلَاة﴾ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِق﴾ أَيْ مَعَهَا كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّة ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ الْبَاء لِلْإِلْصَاقِ أَيْ أَلْصِقُوا الْمَسْح بِهَا مِنْ غَيْر إسَالَة مَاء وَهُوَ اسْم جِنْس فَيَكْفِي أَقَلّ مَا يَصْدُق عَلَيْهِ وَهُوَ مَسْح بَعْض شَعْره وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ ﴿وَأَرْجُلكُمْ﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَيْدِيكُمْ وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَار ﴿إلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ أَيْ مَعَهُمَا كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّة وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي كُلّ رِجْل عِنْد مَفْصِل السَّاق وَالْقَدَم وَالْفَصْل بَيْن الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل الْمَغْسُولَة بِالرَّأْسِ الْمَمْسُوح يُفِيد وُجُوب التَّرْتِيب فِي طَهَارَة هَذِهِ الْأَعْضَاء وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ وَيُؤْخَذ مِنْ السُّنَّة وُجُوب النِّيَّة فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَات ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ فَاغْتَسِلُوا ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾ مَرَضًا يَضُرّهُ الْمَاء ﴿أَوْ عَلَى سَفَر﴾ أَيْ مُسَافِرِينَ ﴿أَوْ جَاءَ أَحَد مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِط﴾ أَيْ أَحْدَثَ ﴿أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء﴾ سَبَقَ مِثْله فِي آيَة النِّسَاء ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاء﴾ بَعْد طَلَبه ﴿فَتَيَمَّمُوا﴾ اقْصِدُوا ﴿صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ تُرَابًا طَاهِرًا ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ ﴿مِنْهُ﴾ بِضَرْبَتَيْنِ وَالْبَاء لِلْإِلْصَاقِ وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ الْمُرَاد اسْتِيعَاب الْعُضْوَيْنِ بِالْمَسْحِ ﴿مَا يُرِيد اللَّه لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج﴾ ضِيق بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْوُضُوء وَالْغُسْل وَالتَّيَمُّم ﴿وَلَكِنْ يُرِيد لِيُطَهِّركُمْ﴾ مِنْ الْأَحْدَاث وَالذُّنُوب ﴿وَلِيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ بِبَيَانِ شَرَائِع الدِّين ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نِعَمه
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿وَمِيثَاقه﴾ عَهْده ﴿الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾ عَاهَدَكُمْ عَلَيْهِ ﴿إذْ قُلْتُمْ﴾ لِلنَّبِيِّ ﷺ حِين بَايَعْتُمُوهُ ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ فِي كُلّ مَا تَأْمُر بِهِ وَتَنْهَى مِمَّا نُحِبّ وَنَكْرَه ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِي مِيثَاقه أَنْ تَنْقُضُوهُ ﴿إنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصدور﴾ بما في القلوب فبغيره أولى
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ﴾ قَائِمِينَ ﴿لِلَّهِ﴾ بِحُقُوقِهِ ﴿شُهَدَاء بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿وَلَا يَجْرِمَنكُمْ﴾ يَحْمِلَنكُمْ ﴿شَنَآن﴾ بُغْض ﴿قَوْم﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ فَتَنَالُوا مِنْهُمْ لِعَدَاوَتِهِمْ ﴿اعْدِلُوا﴾ فِي الْعَدُوّ وَالْوَلِيّ ﴿هُوَ﴾ أَيْ الْعَدْل ﴿أَقْرَب لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّه إنَّ اللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
﴿وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ وَعْدًا حَسَنًا ﴿لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم﴾ هُوَ الْجَنَّة
١ -
﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم﴾
١ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ هَمَّ قَوْم﴾ هُمْ قُرَيْش ﴿أَنْ يَبْسُطُوا﴾ يَمُدُّوا ﴿إلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ﴾ لِيَفْتِكُوا بِكُمْ ﴿فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ﴾ وَعَصَمَكُمْ مِمَّا أَرَادُوا بِكُمْ ﴿واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾
١ -
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل﴾ بِمَا يُذْكَر بَعْد ﴿وَبَعَثْنَا﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة أَقَمْنَا ﴿مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ مِنْ كُلّ سَبْط نَقِيب يَكُون كَفِيلًا عَلَى قَوْمه بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ تَوْثِقَةً عَلَيْهِمْ ﴿وَقَالَ﴾ لَهُمْ ﴿اللَّه إنِّي مَعَكُمْ﴾ بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَة ﴿لَئِنْ﴾ لَام قَسَم ﴿أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ نَصَرْتُمُوهُمْ ﴿وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا﴾ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيله ﴿لَأُكَفِّرَن عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ وَلَأُدْخِلَنكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ﴾ الْمِيثَاق ﴿مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل﴾ أَخْطَأَ طَرِيق الْحَقّ وَالسَّوَاء فِي الْأَصْل الْوَسَط فَنَقَضُوا الْمِيثَاق قال تعالى
١ -
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ مَا زَائِدَة ﴿مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ﴾ أَبْعَدْنَاهُمْ عَنْ رَحْمَتنَا ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة﴾ لَا تَلِين لِقَبُولِ الْإِيمَان ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِم﴾ الَّذِي فِي التَّوْرَاة مِنْ نَعْت مُحَمَّد ﷺ وَغَيْره ﴿عَنْ مَوَاضِعه﴾ الَّتِي وَضَعَهُ اللَّه عَلَيْهَا أَيْ يُبَدِّلُونَهُ ﴿وَنَسُوا﴾ تَرَكُوا ﴿حَظًّا﴾ نَصِيبًا ﴿مِمَّا ذُكِّرُوا﴾ أُمِرُوا ﴿بِهِ﴾ فِي التَّوْرَاة مِنْ اتِّبَاع مُحَمَّد ﴿وَلَا تَزَال﴾ خِطَاب لِلنَّبِيِّ ﷺ ﴿تَطَّلِع﴾ تَظْهَر ﴿عَلَى خَائِنَة﴾ أَيْ خِيَانَة ﴿مِنْهُمْ﴾ بِنَقْضِ الْعَهْد وَغَيْره ﴿إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ مِمَّنْ أَسْلَمَ ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ﴾ وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف
١ -
﴿وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى﴾ مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ ﴿أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ﴾ كَمَا أَخَذْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل الْيَهُود ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ فِي الْإِنْجِيل مِنْ الْإِيمَان وَغَيْره وَنَقَضُوا الْمِيثَاق ﴿فَأَغْرَيْنَا﴾ أَوْقَعْنَا ﴿بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إلَى يَوْم الْقِيَامَة﴾ بِتَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَاف أَهْوَائِهِمْ فَكُلّ فِرْقَة تُكَفِّر الْأُخْرَى ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئهُمْ اللَّه﴾ فِي الْآخِرَة ﴿بِمَا كَانُوا يصنعون﴾ فيجازيهم عليه
١ -
﴿يأهل الْكِتَاب﴾ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا﴾ مُحَمَّد ﴿يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ﴾ تَكْتُمُونَ ﴿مِنْ الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَآيَةِ الرَّجْم وَصِفَته ﴿ويعفو عَنْ كَثِير﴾ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُبَيِّنهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَة إلَّا افْتِضَاحكُمْ ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه نُور﴾ هُوَ النَّبِيّ ﷺ ﴿وَكِتَاب﴾ قُرْآن ﴿مُبِين﴾ بَيِّن ظاهر
١ -
﴿يَهْدِي بِهِ﴾ أَيْ بِالْكِتَابِ ﴿اللَّه مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانه﴾ بِأَنْ آمَنَ ﴿سُبُل السَّلَام﴾ طُرُق السَّلَامَة ﴿وَيُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات﴾ الْكُفْر ﴿إلَى النُّور﴾ الْإِيمَان ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ دِين الإسلام
١ -
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّه هُوَ المسيح بن مَرْيَم﴾ حَيْثُ جَعَلُوهُ إلَهًا وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة فِرْقَة مِنْ النَّصَارَى ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِك﴾ أَيْ يَدْفَع ﴿مِنْ﴾ عَذَاب ﴿اللَّه شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يهلك المسيح بن مَرْيَم وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا﴾ أَيْ لَا أَحَد يَمْلِك ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَسِيح إلها لقدر عَلَيْهِ ﴿وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا يَخْلُق مَا يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء﴾ شاءه ﴿قدير﴾
١ -
﴿وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى﴾ أَيْ كُلّ مِنْهُمَا ﴿نَحْنُ أبناء الله﴾ أَيْ كَأَبْنَائِهِ فِي الْقُرْب وَالْمَنْزِلَة وَهُوَ كَأَبِينَا في الرحمة والشفقة ﴿وأحباؤه قُلْ﴾ لَهُمْ يَا مُحَمَّد ﴿فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ إنْ صَدَقْتُمْ فِي ذَلِكَ وَلَا يُعَذِّب الْأَب وَلَده وَلَا الْحَبِيب حَبِيبه وَقَدْ عَذَّبَكُمْ فَأَنْتُمْ كَاذِبُونَ ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ﴾ مِنْ جُمْلَة مَنْ ﴿خَلَقَ﴾ مِنْ الْبَشَر لَكُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ ﴿يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء﴾ الْمَغْفِرَة لَهُ ﴿وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء﴾ تَعْذِيبه لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ ﴿وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وإليه المصير﴾ المرجع
١ -
﴿يأهل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا﴾ مُحَمَّد ﴿يُبَيِّن لَكُمْ﴾ شَرَائِع الدِّين ﴿عَلَى فَتْرَة﴾ انْقِطَاع ﴿مِنْ الرُّسُل﴾ إذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنه وَبَيْن عِيسَى رَسُول وَمُدَّة ذَلِكَ خَمْسمِائَةٍ وَتِسْع وَسِتُّونَ سَنَة ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿تَقُولُوا﴾ إذَا عُذِّبْتُمْ ﴿مَا جَاءَنَا مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿بَشِير وَلَا نَذِير فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير﴾ فَلَا عُذْر لَكُمْ إذًا ﴿وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ تَعْذِيبكُمْ إنْ لم تتبعوه
٢ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ﴾ أَيْ مِنْكُمْ ﴿أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ أَصْحَاب خَدَم وَحَشَم ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ﴾ مِنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَفَلْق الْبَحْر وغير ذلك
٢ -
﴿يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة﴾ الْمُطَهَّرَة ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ﴾ أَمَرَكُمْ بِدُخُولِهَا وَهِيَ الشَّام ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ﴾ تَنْهَزِمُوا خَوْف الْعَدُوّ ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ فِي سَعْيكُمْ
٢ -
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ مِنْ بَقَايَا عَاد طُوَالًا ذِي قُوَّة ﴿وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ لَهَا
٢ -
﴿قَالَ﴾ لَهُمْ ﴿رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ مُخَالَفَة أَمْر اللَّه وَهُمَا يُوشَع وَكَالِب مِنْ النُّقَبَاء الَّذِينَ بَعَثَهُمْ مُوسَى فِي كَشْف أَحْوَال الْجَبَابِرَة ﴿أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا﴾ بِالْعِصْمَةِ فَكَتَمَا مَا اطَّلَعَا عَلَيْهِ مِنْ حَالهمْ إلَّا عَنْ مُوسَى بِخِلَافِ بَقِيَّة النُّقَبَاء فَأَفْشَوْهُ فَجَبُنُوا ﴿اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب﴾ بَاب الْقَرْيَة وَلَا تَخْشَوْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَجْسَاد بِلَا قُلُوب ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ قَالَا ذَلِكَ تيقنا بنصر الله وإنجاز وعده ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾
٢ -
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبّك فَقَاتِلَا﴾ هم ﴿إنا ها هنا قَاعِدُونَ﴾ عَنْ الْقِتَال
٢ -
﴿قَالَ﴾ مُوسَى حِينَئِذٍ ﴿رَبّ إنِّي لَا أَمْلِك إلا نفسي و﴾ إلا ﴿أخي﴾ وَلَا أَمْلِك غَيْرهمَا فَأُجْبِرهُمْ عَلَى الطَّاعَة ﴿فَافْرُقْ﴾ فافصل ﴿بيننا وبين القوم الفاسقين
٢ -
﴿قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُ ﴿فَإِنَّهَا﴾ أَيْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة ﴿مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ﴾ أَنْ يَدْخُلُوهَا ﴿أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ﴾ يَتَحَيَّرُونَ ﴿فِي الْأَرْض﴾ وَهِيَ تِسْعَة فَرَاسِخ قَالَهُ بن عَبَّاس ﴿فَلَا تَأْسَ﴾ تَحْزَن ﴿عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ﴾ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْل جَادِّينَ فَإِذَا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدأوا مِنْهُ وَيَسِيرُونَ النَّهَار كَذَلِكَ حَتَّى انْقَرَضُوا كُلّهمْ إلَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغ الْعِشْرِينَ قِيلَ وَكَانُوا سِتّمِائَةِ أَلْف وَمَاتَ هَارُونَ وَمُوسَى فِي التِّيه وَكَانَ رَحْمَة لَهُمَا وَعَذَابًا لِأُولَئِكَ وَسَأَلَ مُوسَى رَبّه عِنْد مَوْته أَنْ يُدْنِيه مِنْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة رَمْيَة بِحَجَرٍ فَأَدْنَاهُ كَمَا فِي الْحَدِيث وَنَبِّئْ يُوشَع بَعْد الْأَرْبَعِينَ وَأُمِرَ بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ فَسَارَ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ وَقَاتَلَهُمْ وَكَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَوَقَفَتْ لَهُ الشَّمْس سَاعَة حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِتَالهمْ وَرَوَى أَحْمَد فِي مُسْنَده حَدِيث إنَّ الشَّمْس لَمْ تُحْبَس عَلَى بَشَر إلَّا لِيُوشَع لَيَالِي سَارَ إلَى بَيْت الْمَقْدِس
٢ -
﴿وَاتْلُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَلَيْهِمْ﴾ عَلَى قَوْمك ﴿نَبَأ﴾ خبر ﴿ابني آدم﴾ لهابيل وَقَابِيل ﴿بِالْحَقِّ﴾ مُتَعَلِّق باُتْلُ ﴿إذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ إلى الله وهو كبش هابيل وَزَرْع لِقَابِيلَ ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا﴾ وَهُوَ هَابِيل بِأَنْ نَزَلَتْ نَار مِنْ السَّمَاء فَأَكَلَتْ قُرْبَانه ﴿وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر﴾ وَهُوَ قَابِيل فَغَضِبَ وَأَضْمَرَ الْحَسَد فِي نَفْسه إلَى أَنْ حَجّ آدَم ﴿قَالَ﴾ لَهُ ﴿لَأَقْتُلَنك﴾ قَالَ لِمَ قَالَ لتقبل قربانك دوني ﴿قال إنما يتقبل الله من المتقين﴾
٢ -
﴿لَئِنْ﴾ لَام قَسَم ﴿بَسَطْت﴾ مَدَدْت ﴿إلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إلَيْك لِأَقْتُلك إنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ فِي قَتْلك
٢ -
﴿إنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء﴾ تَرْجِع ﴿بِإِثْمِي﴾ بِإِثْمِ قَتْلِي ﴿وَإِثْمك﴾ الَّذِي ارْتَكَبْته مِنْ قَبْل ﴿فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار﴾ وَلَا أُرِيد أَنْ أَبُوء بِإِثْمِك إذَا قَتَلْتُك فَأَكُون مِنْهُمْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾
٣ -
﴿فَطَوَّعَتْ﴾ زَيَّنَتْ ﴿لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ﴾ فَصَارَ ﴿مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع بِهِ لِأَنَّهُ أَوَّل مَيِّت عَلَى وَجْه الْأَرْض مِنْ بَنِي آدَم فَحَمَلَهُ عَلَى ظهره
٣ -
﴿فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض﴾ يَنْبُش التراب بمنقاره وبرجله وَيُثِيرهُ عَلَى غُرَاب مَيِّت حَتَّى وَارَاهُ ﴿لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي﴾ يَسْتُر ﴿سَوْأَة﴾ جِيفَة ﴿أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْت﴾ عَنْ ﴿أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِي سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ﴾ عَلَى حَمْله وَحَفَرَ لَهُ وَوَارَاهُ
٣ -
﴿مِنْ أَجْل ذَلِكَ﴾ الَّذِي فَعَلَهُ قَابِيل ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل أَنَّهُ﴾ أَيْ الشَّأْن ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس﴾ قَتَلَهَا ﴿أَوْ﴾ بِغَيْرِ ﴿فَسَاد﴾ أَتَاهُ ﴿فِي الْأَرْض﴾ مِنْ كُفْر أَوْ زِنًا أَوْ قَطْع طَرِيق أَوْ نَحْوه ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ بِأَنْ امْتَنَعَ عَنْ قَتْلهَا ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا﴾ قَالَ بن عَبَّاس مِنْ حَيْثُ انْتِهَاك حُرْمَتهَا وَصَوْنهَا ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ﴾ أَيْ بَنِي إسْرَائِيل ﴿رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الْمُعْجِزَات ﴿ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ﴾ مُجَاوِزُونَ الْحَدّ بِالْكُفْرِ وَالْقَتْل وَغَيْر ذلك
٣ -
وَنَزَلَ فِي الْعُرَنِيِّينَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَة وَهُمْ مَرْضَى فَأَذِنَ لَهُمْ النَّبِيّ ﷺ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْإِبِل وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِي النَّبِيّ ﷺ وَاسْتَاقُوا الْإِبِل ﴿إنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله﴾ بِمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا﴾ بِقَطْعِ الطَّرِيق ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف﴾ أَيْ أَيْدِيهمْ الْيُمْنَى وَأَرْجُلهمْ الْيُسْرَى ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض﴾ أَوْ لِتَرْتِيبِ الْأَحْوَال فَالْقَتْل لِمَنْ قَتَلَ فَقَطْ وَالصَّلْب لِمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَالْقَطْع لِمَنْ أَخَذَ الْمَال وَلَمْ يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله بن عَبَّاس وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ وَأَصَحّ قَوْلَيْهِ أَنَّ الصَّلْب ثَلَاثًا بَعْد الْقَتْل وَقِيلَ قَبْله قَلِيلًا وَيُلْحَق بِالنَّفْيِ مَا أَشْبَهَهُ فِي التَّنْكِيل مِنْ الْحَبْس وَغَيْره ﴿ذَلِكَ﴾ الْجَزَاء الْمَذْكُور ﴿لَهُمْ خِزْي﴾ ذُلّ ﴿فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم﴾ هُوَ عَذَاب النَّار
٣ -
﴿إلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ مِنْ الْمُحَارِبِينَ وَالْقُطَّاع ﴿مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور﴾ لَهُمْ مَا أَتَوْهُ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ عَبَّرَ بِذَلِك دُون فَلَا تَحُدُّوهُمْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَسْقُط عَنْهُ بِتَوْبَتِهِ إلَّا حُدُود اللَّه دُون حُقُوق الْآدَمِيِّينَ كَذَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَاَللَّه أَعْلَم فَإِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال يُقْتَل وَيُقْطَع وَلَا يُصْلَب وَهُوَ أَصَحّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَلَا تُفِيد تَوْبَته بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ أَصَحّ قَوْلَيْهِ أَيْضًا
٣ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه﴾ خَافُوا عِقَابه بِأَنْ تُطِيعُوهُ ﴿وَابْتَغُوا﴾ اُطْلُبُوا ﴿إلَيْهِ الْوَسِيلَة﴾ مَا يُقَرِّبكُمْ إلَيْهِ مِنْ طَاعَته ﴿وَجَاهِدُوا فِي سَبِيله﴾ لِإِعْلَاءِ دِينه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تَفُوزُونَ
٣ -
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ﴾ ثَبَتَ ﴿أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾
٣ -
﴿يُرِيدُونَ﴾ يَتَمَنَّوْنَ ﴿أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم﴾ دَائِم
٣ -
﴿والسارق والسارقة﴾ ال فيهما موصولة للمبتدأ ولشبهه بالشرط ودخلت الْفَاء فِي خَبَره وَهُوَ ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا﴾ أَيْ يَمِين كُلّ مِنْهُمَا مِنْ الْكُوع وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ الَّذِي يُقْطَع فِيهِ رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا وَأَنَّهُ إذَا عَادَ قُطِعَتْ رِجْله الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِل الْقَدَم ثُمَّ الْيَد الْيُسْرَى ثُمَّ الرِّجْل الْيُمْنَى وَبَعْد ذَلِكَ يُعَزَّر ﴿جَزَاء﴾ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر ﴿بِمَا كَسَبَا نَكَالًا﴾ عُقُوبَة لَهُمَا ﴿مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَزِيز﴾ غَالِب عَلَى أَمْره ﴿حَكِيم﴾ في خلقه
٣ -
﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه﴾ رَجَعَ عَنْ السَّرِقَة ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عَمَله ﴿فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم﴾ فِي التَّعْبِير بِهَذَا مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَسْقُط بِتَوْبَتِهِ حَقّ الْآدَمِيّ مِنْ الْقَطْع وَرَدّ الْمَال نَعَمْ بَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنْهُ قَبْل الرَّفْع إلَى الإمام يسقط الْقَطْع وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ
٤ -
﴿أَلَمْ تَعْلَم﴾ الِاسْتِفْهَام فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ ﴿أَنَّ اللَّه له ملك السماوات وَالْأَرْض يُعَذِّب مَنْ يَشَاء﴾ تَعْذِيبه ﴿وَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء﴾ الْمَغْفِرَة لَهُ ﴿وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قدير﴾ ومنه التعذيب والمغفرة
٤ -
﴿يأيها الرَّسُول لَا يَحْزُنك﴾ صُنْع ﴿الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر﴾ يَقَعُونَ فِيهِ بِسُرْعَةٍ أَيْ يُظْهِرُونَهُ إذَا وَجَدُوا فُرْصَة ﴿مِنْ﴾ لِلْبَيَانِ ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بِأَلْسِنَتِهِمْ مُتَعَلِّق بِقَالُوا ﴿وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ﴾ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ ﴿وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا﴾ قَوْم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ الَّذِي افْتَرَتْهُ أَحْبَارهمْ سَمَاع قَبُول ﴿سَمَّاعُونَ﴾ مِنْك ﴿لِقَوْمٍ﴾ لِأَجْلِ قَوْم ﴿آخَرِينَ﴾ مِنْ الْيَهُود ﴿لَمْ يَأْتُوك﴾ وَهُمْ أَهْل خَيْبَر زَنَى فِيهِمْ مُحْصَنَانِ فَكَرِهُوا رَجْمهمَا فَبَعَثُوا قُرَيْظَة لِيَسْأَلُوا النَّبِيّ ﷺ عَنْ حُكْمهمَا ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِم﴾ الَّذِي فِي التَّوْرَاة كَآيَةِ الرَّجْم ﴿مِنْ بَعْد مَوَاضِعه﴾ الَّتِي وَضَعَهُ اللَّه عَلَيْهَا أَيْ يُبَدِّلُونَهُ ﴿يَقُولُونَ﴾ لِمَنْ أَرْسَلُوهُمْ ﴿إنْ أُوتِيتُمْ هَذَا﴾ الْحُكْم الْمُحَرَّف أَيْ الْجَلْد الَّذِي أَفْتَاكُمْ بِهِ مُحَمَّد ﴿فَخُذُوهُ﴾ فَاقْبَلُوهُ ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾ بَلْ أَفْتَاكُمْ بِخِلَافِهِ ﴿فَاحْذَرُوا﴾ أَنْ تَقْبَلُوهُ ﴿وَمَنْ يُرِدْ اللَّه فِتْنَته﴾ إضْلَاله ﴿فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا﴾ فِي دَفْعهَا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ﴾ مِنْ الْكُفْر وَلَوْ أَرَادَهُ لَكَانَ ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي﴾ ذل بالفضيحة والجزية ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾
٤ -
هم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُونهَا أَيْ الْحَرَام كَالرِّشَا ﴿فَإِنْ جَاءُوك﴾ لِتَحْكُم بَيْنهمْ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ﴾ هَذَا التَّخْيِير مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ﴾ الْآيَة فيجب الحكم بينهم إذا تَرَافَعُوا إلَيْنَا مَعَ مُسْلِم وَجَبَ إجْمَاعًا ﴿وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْت﴾ بَيْنهمْ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الْعَادِلِينَ فِي الْحُكْم أَيْ يُثِيبهُمْ
٤ -
﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه﴾ بالرجم اسْتِفْهَام تَعْجِيب أَيْ لَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِك مَعْرِفَة الْحَقّ بَلْ مَا هُوَ أَهْوَن عَلَيْهِمْ ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ﴾ يُعْرِضُونَ عَنْ حُكْمك بِالرَّجْمِ الْمُوَافِق لِكِتَابِهِمْ ﴿من بعد ذلك﴾ التحكيم ﴿وما أولئك بالمؤمنين﴾
٤ -
﴿إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى﴾ مِنْ الضَّلَالَة ﴿وَنُور﴾ بَيَان لِلْأَحْكَامِ ﴿يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ﴾ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل ﴿الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ انْقَادُوا لِلَّهِ ﴿لِلَّذِينَ هادوا والربانيون﴾ العلماء منهم ﴿وَالْأَحْبَار﴾ الْفُقَهَاء ﴿بِمَا﴾ أَيْ بِسَبَبِ الَّذِي ﴿اُسْتُحْفِظُوا﴾ اُسْتُوْدِعُوهُ أَيْ اسْتَحْفَظَهُمْ اللَّه إيَّاهُ ﴿مِنْ كِتَاب اللَّه﴾ أَنْ يُبَدِّلُوهُ ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء﴾ أَنَّهُ حَقّ ﴿فَلَا تَخْشَوْا النَّاس﴾ أَيّهَا الْيَهُود فِي إظْهَار مَا عِنْدكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد ﷺ والرجم وغيرها ﴿واخشون﴾ فِي كِتْمَانه ﴿وَلَا تَشْتَرُوا﴾ تَسْتَبْدِلُوا ﴿بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ مِنْ الدُّنْيَا تَأْخُذُونَهُ عَلَى كِتْمَانهَا ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الكافرون﴾ به
٤ -
﴿وَكَتَبْنَا﴾ فَرَضْنَا ﴿عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ أَيْ التَّوْرَاة ﴿أَنَّ النفس﴾ تقتل ﴿بالنفس﴾ إذا قتلتها ﴿والعين﴾ تفقأ ﴿بالعين والأنف﴾ يجدع ﴿بالأنف والأذن﴾ تقطع ﴿بالأذن والسن﴾ تقلع ﴿بالسن﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ فِي الْأَرْبَعَة ﴿وَالْجُرُوح﴾ بِالْوَجْهَيْنِ ﴿قِصَاص﴾ أَيْ يُقْتَصّ فِيهَا إذَا أَمْكَنَ كَالْيَدِ وَالرِّجْل وَنَحْو ذَلِكَ وَمَا لَا يُمْكِن فِيهِ الْحُكُومَة وَهَذَا الْحُكْم وَإِنْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مُقَرَّر فِي شَرْعنَا ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ﴾ أَيْ بِالْقِصَاصِ بِأَنْ مَكَّنَ مِنْ نَفْسه ﴿فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ﴾ لِمَا أَتَاهُ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أنزل الله﴾ في القصاص وغيره ﴿فأولئك هم الظالمون﴾
٤ -
﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أَتْبَعنَا ﴿عَلَى آثَارهمْ﴾ أَيْ النَّبِيِّينَ ﴿بِعِيسَى بن مَرْيَم مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ﴾ قَبْله ﴿مِنْ التَّوْرَاة وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هُدًى﴾ مِنْ الضَّلَالَة ﴿وَنُور﴾ بَيَان لِلْأَحْكَامِ ﴿وَمُصَدِّقًا﴾ حَال ﴿لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة﴾ لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَحْكَام ﴿وهدى وموعظة للمتقين﴾
٤ -
﴿و﴾ قُلْنَا ﴿لِيَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ﴾ مِنْ الْأَحْكَام وَفِي قِرَاءَة بِنَصْبِ يَحْكُم وَكَسْر لَامه عَطْفًا عَلَى مَعْمُول آتَيْنَاهُ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هم الفاسقون
٤ -
﴿وَأَنْزَلْنَا إلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿بِالْحَقِّ﴾ مُتَعَلِّق بأَنْزَلْنَا ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ﴾ قَبْله ﴿مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا﴾ شَاهِدًا ﴿عَلَيْهِ﴾ وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْكُتُب ﴿فَاحْكُمْ بَيْنهمْ﴾ بَيْن أَهْل الْكِتَاب إذَا تَرَافَعُوا إلَيْك ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ إلَيْك ﴿وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ﴾ عَادِلًا ﴿عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ أَيّهَا الْأُمَم ﴿شِرْعَة﴾ شَرِيعَة ﴿وَمِنْهَاجًا﴾ طَرِيقًا وَاضِحًا فِي الدِّين يَمْشُونَ عَلَيْهِ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة﴾ عَلَى شَرِيعَة وَاحِدَة ﴿وَلَكِنْ﴾ فَرَّقَكُمْ فِرَقًا ﴿لِيَبْلُوكُمْ﴾ لِيَخْتَبِركُمْ ﴿فيما آتَاكُمْ﴾ مِنْ الشَّرَائِع الْمُخْتَلِفَة لِيَنْظُر الْمُطِيع مِنْكُمْ وَالْعَاصِي ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات﴾ سَارِعُوا إلَيْهَا ﴿إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا﴾ بِالْبَعْثِ ﴿فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين وَيَجْزِي كُلًّا مِنْكُمْ بعمله
٤ -
﴿وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم﴾ ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿يَفْتِنُوك﴾ يُضِلُّوك ﴿عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إلَيْك فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ عَنْ الْحُكْم الْمُنَزَّل وَأَرَادُوا غَيْره ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُصِيبهُمْ﴾ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا ﴿بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ﴾ الَّتِي أَتَوْهَا وَمِنْهَا التَّوَلِّي وَيُجَازِيهِمْ عَلَى جميعها في الأخرى ﴿وإن كثيرا من الناس لفاسقون﴾
٥ -
﴿أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء يَطْلُبُونَ مِنْ الْمُدَاهَنَة وَالْمَيْل إذَا تَوَلَّوْا اسْتِفْهَام إنْكَارِيّ ﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَحْسَن مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ﴾ عِنْد قَوْم ﴿يُوقِنُونَ﴾ بِهِ خُصُّوا بِالذِّكْرِ لأنهم الذين يتدبرون
٥ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾ تُوَالُونَهُمْ وَتُوَادُّونَهُمْ ﴿بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض﴾ لِاتِّحَادِهِمْ فِي الْكُفْر ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ مِنْ جُمْلَتهمْ ﴿إنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ﴾ بموالاتهم الكفار
٥ -
﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض﴾ ضَعْف اعْتِقَاد كَعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيٍّ الْمُنَافِق ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ فِي مُوَالَاتهمْ ﴿يَقُولُونَ﴾ مُعْتَذِرِينَ عَنْهَا ﴿نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة﴾ يَدُور بِهَا الدَّهْر عَلَيْنَا مِنْ جَدَب أَوْ غَلَبَة وَلَا يَتِمّ أَمْر مُحَمَّد فلا يميرونا قال تعالى ﴿فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ﴾ بِالنَّصْرِ لِنَبِيِّهِ بِإِظْهَارِ دِينه ﴿أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده﴾ يَهْتِك سِتْر الْمُنَافِقِينَ وَافْتِضَاحهمْ ﴿فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا في أنفسهم﴾ من الشك وموالاة الكفار ﴿نادمين
٥ -
﴿وَيَقُول﴾ بِالرَّفْعِ اسْتِئْنَافًا بِوَاوٍ وَدُونهَا وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَأْتِي ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لِبَعْضِهِمْ إذَا هَتَكَ سِتْرهمْ تَعَجُّبًا ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ﴾ غَايَة اجْتِهَادهمْ فِيهَا ﴿إنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ فِي الدين قال تعالى ﴿حَبِطَتْ﴾ بَطَلَتْ ﴿أَعْمَالهمْ﴾ الصَّالِحَة ﴿فَأَصْبَحُوا﴾ صَارُوا ﴿خَاسِرِينَ﴾ الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب
٥ -
﴿يأيها الذين آمنوا من يرتدد﴾ بِالْفَكِّ وَالْإِدْغَام يَرْجِع ﴿مِنْكُمْ عَنْ دِينه﴾ إلَى الْكُفْر إخْبَار بِمَا عَلِمَ اللَّه وُقُوعه وَقَدْ ارْتَدَّ جَمَاعَة بَعْد مَوْت النَّبِيّ ﷺ ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه﴾ بَدَلهمْ ﴿بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ قَالَ ﷺ هُمْ قَوْم هَذَا وَأَشَارَ إلَى أَبِي مُوسَى الأشعري رواه الحاكم في صحيحه ﴿أذلة﴾ عاطفين ﴿على المؤمنين أعزة﴾ أشداء ﴿على الكافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم﴾ فِيهِ كَمَا يَخَاف الْمُنَافِقُونَ لَوْم الْكُفَّار ﴿ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع﴾ كَثِير الْفَضْل ﴿عَلِيم﴾ بِمَنْ هُوَ أَهْله ونزل لما قال بن سلام يا رسول الله إن قومنا هاجرونا
٥ -
﴿إنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ خَاشِعُونَ أَوْ يُصَلُّونَ صَلَاة التَّطَوُّع
٥ -
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَيُعِينهُمْ وَيَنْصُرهُمْ ﴿فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ﴾ لِنَصْرِهِ إيَّاهُمْ أَوْقَعه مَوْقِع فَإِنَّهُمْ بَيَانًا لِأَنَّهُمْ مِنْ حزبه أي أتباعه
٥ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينكُمْ هزؤا﴾ مَهْزُوءًا بِهِ ﴿وَلَعِبًا مِنْ﴾ لِلْبَيَانِ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار﴾ الْمُشْرِكِينَ بِالْجَرِّ وَالنَّصْب ﴿أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللَّه﴾ بِتَرْكِ مُوَالَاتهمْ ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ صَادِقِينَ فِي إيمَانكُمْ
٥ -
﴿و﴾ الَّذِينَ ﴿إذَا نَادَيْتُمْ﴾ دَعَوْتُمْ ﴿إلَى الصَّلَاة﴾ بِالْأَذَانِ ﴿اتَّخَذُوهَا﴾ أَيْ الصَّلَاة ﴿هُزُوًا وَلَعِبًا﴾ بِأَنْ يَسْتَهْزِئُوا بِهَا وَيَتَضَاحَكُوا ﴿ذَلِكَ﴾ الِاتِّخَاذ ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ﴿قَوْم لَا يَعْقِلُونَ﴾
٥ -
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْيَهُود لِلنَّبِيِّ ﷺ بِمَنْ تُؤْمِن مِنْ الرُّسُل فَقَالَ ﴿بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا﴾ الْآيَة فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى قَالُوا لَا نَعْلَم دِينًا شَرًّا مِنْ دِينكُمْ ﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ﴾ تُنْكِرُونَ ﴿مِنَّا إلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل﴾ إلَى الْأَنْبِيَاء ﴿وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ﴾ عُطِفَ عَلَى أَنْ آمَنَّا الْمَعْنَى مَا تُنْكِرُونَ إلَّا إيمَاننَا وَمُخَالَفَتكُمْ فِي عَدَم قَبُوله الْمُعَبَّر عَنْهُ بِالْفِسْقِ اللَّازِم عَنْهُ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْكَر
٦ -
﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ﴾ أُخْبِركُمْ ﴿بِشَرٍّ مِنْ﴾ أَهْل ﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي تَنْقِمُونَهُ ﴿مَثُوبَة﴾ ثَوَابًا بِمَعْنَى جَزَاء ﴿عِنْد اللَّه﴾ هُوَ ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّه﴾ أَبْعَده عَنْ رَحْمَته ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير﴾ بِالْمَسْخِ ﴿وَ﴾ مَنْ ﴿عَبَدَ الطَّاغُوت﴾ الشَّيْطَان بِطَاعَتِهِ وَرُوعِيَ فِي مِنْهُمْ مَعْنَى مِنْ وَفِيمَا قَبْله لَفْظهَا وَهُمْ الْيَهُود وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ بَاء عَبَدَ وَإِضَافَته إلَى مَا بَعْد اسْم جَمْع لعَبَدَ وَنَصْبه بِالْعَطْفِ عَلَى الْقِرَدَة ﴿أُولَئِكَ شَرّ مَكَانًا﴾ تَمْيِيز لِأَنَّ مَأْوَاهُمْ النَّار ﴿وَأَضَلّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل﴾ طَرِيق الْحَقّ وَأَصْل السَّوَاء الْوَسَط وَذَكَرَ شَرّ وَأَضَلّ فِي مُقَابَلَة قَوْلهمْ لَا نَعْلَم دِينًا شَرًّا مِنْ دِينكُمْ
٦ -
﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ﴾ أَيْ مُنَافِقُو الْيَهُود ﴿قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا﴾ إلَيْكُمْ مُتَلَبِّسِينَ ﴿بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خرجوا﴾ من عندكم متلبسين ﴿به﴾ وَلَمْ يُؤْمِنُوا ﴿وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ هـ من النفاق
٦ -
﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿يُسَارِعُونَ﴾ يَقَعُونَ سَرِيعًا ﴿فِي الْإِثْم﴾ الْكَذِب ﴿وَالْعُدْوَان﴾ الظُّلْم ﴿وَأَكْلهمْ السُّحْت﴾ الْحَرَام كَالرِّشَا ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ هـ عملهم هذا
٦ -
﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار﴾ مِنْهُمْ ﴿عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم﴾ الْكَذِب ﴿وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كانوا يصنعون﴾ هـ ترك نهيهم
٦ -
﴿وَقَالَتْ الْيَهُود﴾ لَمَّا ضُيِّقَ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ النَّبِيّ ﷺ بَعْد أَنْ كَانُوا أَكْثَر النَّاس مَالًا ﴿يَد اللَّه مَغْلُولَة﴾ مَقْبُوضَة عَنْ إدْرَار الرِّزْق عَلَيْنَا كَنَّوْا بِهِ عَنْ البخل تعالى الله عن ذلك قال تعالى ﴿غُلَّتْ﴾ أَمْسَكَتْ ﴿أَيْدِيهمْ﴾ عَنْ فِعْل الْخَيْرَات دُعَاء عَلَيْهِمْ ﴿وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ مُبَالَغَة فِي الْوَصْف بِالْجُودِ وَثَنْي الْيَد لِإِفَادَةِ الْكَثْرَة إذْ غَايَة مَا يَبْذُلهُ السَّخِيّ مِنْ مَاله أَنْ يُعْطِي بِيَدَيْهِ ﴿يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء﴾ مِنْ تَوْسِيع وَتَضْيِيق لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ ﴿وَلَيَزِيدَن كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ لِكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إلَى يَوْم الْقِيَامَة﴾ فَكُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ تُخَالِف الْأُخْرَى ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ﴾ أَيْ لِحَرْبِ النَّبِيّ ﷺ ﴿أَطْفَأَهَا اللَّه﴾ أَيْ كُلَّمَا أَرَادُوهُ رَدَّهُمْ ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا﴾ أَيْ مُفْسِدِينَ بِالْمَعَاصِي ﴿وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ﴾ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقِبهُمْ
٦ -
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب آمَنُوا﴾ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ﴿واتقوا﴾ الكفر ﴿لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم
٦ -
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل﴾ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِمَا وَمِنْهُ الْإِيمَان بِالنَّبِيِّ ﷺ ﴿وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ﴾ مِنْ الْكُتُب ﴿مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ﴾ بِأَنْ يُوَسِّع عَلَيْهِمْ الرِّزْق وَيُفِيض مِنْ كُلّ جِهَة ﴿مِنْهُمْ أُمَّة﴾ جَمَاعَة ﴿مُقْتَصِدَة﴾ تَعْمَل بِهِ وَهُمْ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه ﴿وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا﴾ شَيْئًا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ هـ
٦ -
﴿يأيها الرَّسُول بَلِّغْ﴾ جَمِيع ﴿مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك﴾ وَلَا تَكْتُم شَيْئًا مِنْهُ خَوْفًا أَنْ تُنَال بِمَكْرُوهٍ ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَل﴾ أَيْ لَمْ تُبَلِّغ جَمِيع مَا أُنْزِلَ إلَيْك ﴿فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته﴾ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع لِأَنَّ كِتْمَان بَعْضهَا كَكِتْمَانِ كُلّهَا ﴿وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس﴾ أَنْ يَقْتُلُوك وَكَانَ ﷺ يُحْرَس حَتَّى نَزَلَتْ فَقَالَ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّه رَوَاهُ الحاكم ﴿إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾
٦ -
﴿قل يأهل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء﴾ مِنْ الدِّين مُعْتَدّ بِهِ ﴿حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ﴾ بِأَنْ تَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ وَمِنْهُ الْإِيمَان بِي ﴿وَلَيَزِيدَن كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ لِكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿فَلَا تَأْسَ﴾ تَحْزَن ﴿عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ﴾ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِك أَيْ لَا تَهْتَمّ بِهِمْ
٦ -
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا﴾ هُمْ الْيَهُود مُبْتَدَأ ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ فِرْقَة مِنْهُمْ ﴿وَالنَّصَارَى﴾ وَيُبْدَل مِنْ الْمُبْتَدَأ ﴿مَنْ آمَنَ﴾ مِنْهُمْ ﴿بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فِي الْآخِرَة خَبَر الْمُبْتَدَأ وَدَالّ عَلَى خبر إن
٧ -
﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل﴾ عَلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرُسُله ﴿وَأَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول﴾ مِنْهُمْ ﴿بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسهمْ﴾ مِنْ الْحَقّ كَذَّبُوهُ ﴿فَرِيقًا﴾ مِنْهُمْ ﴿كَذَّبُوا وَفَرِيقًا﴾ مِنْهُمْ ﴿يَقْتُلُونَ﴾ كَزَكَرِيَّا وَالتَّعْبِير بِهِ دُون قَتَلُوا حِكَايَة للحال الماضية للفاصلة
٧ -
﴿وحسبوا﴾ ظنوا ﴿أ﴾ ن ﴿لَا تَكُون﴾ بِالرَّفْعِ فَأَنْ مُخَفَّفَة وَالنَّصْب فَهِيَ نَاصِبَة أَيْ تَقَع ﴿فِتْنَة﴾ عَذَاب بِهِمْ عَلَى تَكْذِيب الرُّسُل وَقَتْلهمْ ﴿فَعَمُوا﴾ عَنْ الْحَقّ فَلَمْ يُبْصِرُوهُ ﴿وَصَمُّوا﴾ عَنْ اسْتِمَاعه ﴿ثُمَّ تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ﴾ لَمَّا تَابُوا ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا﴾ ثَانِيًا ﴿كَثِير مِنْهُمْ﴾ بَدَل مِنْ الضَّمِير ﴿وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ فَيُجَازِيهِمْ بِهِ
٧ -
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّه هُوَ المسيح بن مَرْيَم﴾ سَبَقَ مِثْله ﴿وَقَالَ﴾ لَهُمْ ﴿الْمَسِيح يَا بَنِي إسْرَائِيل اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ﴾ فَإِنِّي عبد ولست بإله ﴿إن مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ﴾ فِي الْعِبَادَة غَيْره ﴿فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة﴾ مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلهَا ﴿وَمَأْوَاهُ النَّار وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿أَنْصَار﴾ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه
٧ -
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّه ثَالِث﴾ آلِهَة ﴿ثَلَاثَة﴾ أَيْ أَحَدهَا وَالْآخَرَانِ عِيسَى وَأُمّه وَهُمْ فِرْقَة مِنْ النَّصَارَى ﴿وَمَا مِنْ إلَه إلَّا إلَه وَاحِد وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ﴾ مِنْ التَّثْلِيث وَيُوَحِّدُوا ﴿لَيَمَسَّن الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ ثَبَتُوا عَلَى الْكُفْر ﴿مِنْهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم وَهُوَ النَّار
٧ -
﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إلَى اللَّه ويَسْتَغْفِرُونَه﴾ مِمَّا قَالُوا اسْتِفْهَام تَوْبِيخ ﴿وَاَللَّه غَفُور﴾ لِمَنْ تَابَ ﴿رَحِيم﴾ به
٧ -
﴿ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خَلَتْ﴾ مَضَتْ ﴿مِنْ قَبْله الرُّسُل﴾ فَهُوَ يُمْضِي مِثْلهمْ وَلَيْسَ بِإِلَهٍ كَمَا زَعَمُوا وَإِلَّا لَمَا مَضَى ﴿وَأُمّه صِدِّيقَة﴾ مُبَالَغَة فِي الصِّدْق ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام﴾ كَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّاس وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُون إلَهًا لِتَرْكِيبِهِ وَضَعْفه وَمَا يَنْشَأ مِنْهُ مِنْ الْبَوْل وَالْغَائِط ﴿اُنْظُرْ﴾ مُتَعَجِّبًا ﴿كَيْفَ نُبَيِّن لَهُمْ الْآيَات﴾ عَلَى وَحْدَانِيّتنَا ﴿ثُمَّ اُنْظُرْ أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ مَعَ قِيَام الْبُرْهَان
٧ -
﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مَا لَا يَمْلِك لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع﴾ لِأَقْوَالِكُمْ ﴿الْعَلِيم﴾ بِأَحْوَالِكُمْ وَالِاسْتِفْهَام للإنكار
٧ -
﴿قل يأهل الْكِتَاب﴾ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَا تَغْلُوا﴾ تُجَاوِزُوا الْحَدّ ﴿فِي دِينكُمْ﴾ غُلُوًّا ﴿غَيْر الْحَقّ﴾ بِأَنْ تَضَعُوا عِيسَى أَوْ تَرْفَعُوهُ فَوْق حَقّه ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل﴾ بِغُلُوِّهِمْ وَهُمْ أَسْلَافهمْ ﴿وَأَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ مِنْ النَّاس ﴿وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل﴾ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَالسَّوَاء فِي الْأَصْل الْوَسَط
٧ -
﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاود﴾ بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا قِرَدَة وهم أصحاب أيلة ﴿وعيسى بن مَرْيَم﴾ بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا خَنَازِير وَهُمْ أصحاب المائدة ﴿ذلك﴾ اللعن ﴿بما عصوا وكانوا يعتدون﴾
٧ -
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ﴾ أَيْ لَا يَنْهَى بَعْضهمْ بَعْضًا ﴿عَنْ﴾ مُعَاوَدَة ﴿مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ فِعْلهمْ هَذَا
٨ -
﴿تَرَى﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِنْ أَهْل مَكَّة بُغْضًا لَك ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسهمْ﴾ مِنْ الْعَمَل لِمَعَادِهِمْ الموجب لهم ﴿أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون﴾
٨ -
﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ﴾ مُحَمَّد ﴿وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ﴾
أَيْ الْكُفَّار ﴿أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ خَارِجُونَ عَنْ الْإِيمَان
٨ -
﴿لَتَجِدَن﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ مِنْ أَهْل مَكَّة لِتَضَاعُفِ كُفْرهمْ وَجَهْلهمْ وَانْهِمَاكهمْ فِي اتِّبَاع الْهَوَى ﴿وَلَتَجِدَن أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ﴾ أَيْ قُرْب مَوَدَّتهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿بِأَنَّ﴾ بِسَبَبِ أَنَّ ﴿مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ﴾ عُلَمَاء ﴿وَرُهْبَانًا﴾ عُبَّادًا ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنْ اتِّبَاع الْحَقّ كَمَا يَسْتَكْبِر الْيَهُود وَأَهْل مَكَّة نَزَلَتْ فِي وَفْد النَّجَاشِيّ الْقَادِمِينَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَبَشَة قَرَأَ ﷺ سُورَة يس فَبَكَوْا وَأَسْلَمُوا وَقَالُوا مَا أَشْبَه هَذَا بِمَا كَانَ ينزل على عيسى قال تعالى
٨ -
﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُول﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا﴾ صَدَّقْنَا بِنَبِيِّك وَكِتَابك ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ الْمُقَرَّبِينَ بِتَصْدِيقِهِمْ
٨ -
﴿و﴾ قَالُوا فِي جَوَاب مَنْ عَيَّرَهُمْ بِالْإِسْلَامِ مِنْ الْيَهُود ﴿مَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ﴾ الْقُرْآن أَيْ لَا مانع لنا من الإيمان مع وجوب مُقْتَضِيه ﴿وَنَطْمَع﴾ عُطِفَ عَلَى نُؤْمِن ﴿أَنْ يُدْخِلنَا ربنا مع القوم الصالحين﴾ المؤمنين الجنة قال تعالى
٨ -
﴿فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِمَا قَالُوا جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِك جَزَاء الْمُحْسِنِينَ﴾ بالإيمان
٨ -
﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم﴾
٨ -
وَنَزَلَ لَمَّا هَمَّ قَوْم مِنْ الصَّحَابَة أَنْ يُلَازِمُوا الصَّوْم وَالْقِيَام وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاء وَالطِّيب وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْم وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفِرَاش ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ تَتَجَاوَزُوا أَمْر اللَّه ﴿إن الله لا يحب المعتدين﴾
٨ -
﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا﴾ مَفْعُول والجار والمجرور قبله حال متعلق به ﴿واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون
٨ -
﴿لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ﴾ الْكَائِن ﴿فِي أَيْمَانكُمْ﴾ هُوَ مَا يَسْبِق إلَيْهِ اللِّسَان مِنْ غَيْر قَصْد الْحَلِف كَقَوْلِ الْإِنْسَان لَا وَاَللَّه وَبَلَى وَاَللَّه ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَدْتُمْ﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَفِي قِرَاءَة عَاقَدْتُمْ ﴿الْأَيْمَان﴾ عَلَيْهِ بِأَنْ حَلَفْتُمْ عَنْ قَصْد ﴿فَكَفَّارَته﴾ أَيْ الْيَمِين إذَا حَنِثْتُمْ فِيهِ ﴿إطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين﴾ لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ ﴿من أوسط ما تطعمون﴾ منه ﴿أهليكم﴾ أَيْ أَقْصَدُهُ وَأَغْلَبه لَا أَعْلَاهُ وَلَا أَدْنَاهُ ﴿أَوْ كِسْوَتهمْ﴾ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَة كَقَمِيصٍ وَعِمَامَة وَإِزَار وَلَا يَكْفِي دَفْع مَا ذُكِرَ إلَى مِسْكِين وَاحِد وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ ﴿أَوْ تَحْرِير﴾ عِتْق ﴿رَقَبَة﴾ أَيْ مُؤْمِنَة كَمَا فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَالظِّهَار حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّد ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِد﴾ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ ﴿فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام﴾ كَفَّارَته وَظَاهِره أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط التَّتَابُع وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ ﴿ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ﴾ وَحَنِثْتُمْ ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانكُمْ﴾ أَنْ تَنْكُثُوهَا مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى فِعْل بِرّ أَوْ إصْلَاح بَيْن النَّاس كَمَا فِي سُورَة الْبَقَرَة ﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ مِثْل مَا بُيِّنَ لَكُمْ مَا ذُكِرَ ﴿يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هُ عَلَى ذلك
٩ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْر﴾ الْمُسْكِر الَّذِي يُخَامِر الْعَقْل ﴿وَالْمَيْسِر﴾ الْقِمَار ﴿وَالْأَنْصَاب﴾ الْأَصْنَام ﴿وَالْأَزْلَام﴾ قِدَاح الِاسْتِقْسَام ﴿رِجْس﴾ خَبِيث مُسْتَقْذَر ﴿مِنْ عَمَل الشَّيْطَان﴾ الَّذِي يُزَيِّنهُ ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ أَيْ الرِّجْس الْمُعَبَّر عَنْ هذه الأشياء أن تفعلوه ﴿لعلكم تفلحون﴾
٩ -
﴿إنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْر وَالْمَيْسِر﴾
إذْ أَتَيْتُمُوهُمَا لِمَا يَحْصُل فِيهِمَا مِنْ الشَّرّ وَالْفِتَن ﴿وَيَصُدّكُمْ﴾ بِالِاشْتِغَالِ بِهِمَا ﴿عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة﴾ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا لَهَا ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ عَنْ إتْيَانهمَا أَيْ انْتَهُوا
٩ -
﴿وَأَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَاحْذَرُوا﴾ الْمَعَاصِي ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ عَنْ الطَّاعَة ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبِين﴾ الْإِبْلَاغ الْبَيِّن وَجَزَاؤُكُمْ عَلَيْنَا
٩ -
﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا﴾ أَكَلُوا مِنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر قَبْل التَّحْرِيم ﴿إذَا مَا اتَّقَوْا﴾ الْمُحَرَّمَات ﴿وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا﴾ ثَبَتُوا عَلَى التَّقْوَى وَالْإِيمَان ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا﴾ الْعَمَل ﴿وَاَللَّه يُحِبّ المحسنين﴾ بمعنى أنه يثيبهم
٩ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنكُمْ﴾ لَيَخْتَبِرَنكُمْ ﴿اللَّه بِشَيْءٍ﴾ يُرْسِلهُ لَكُمْ ﴿مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ﴾ أَيْ الصِّغَار مِنْهُ ﴿أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ﴾ الْكِبَار مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَكَانَتْ الْوَحْش وَالطَّيْر تَغْشَاهُمْ فِي رحالهم ﴿وليعلم اللَّه﴾ عِلْم ظُهُور ﴿مَنْ يَخَافهُ بِالْغَيْبِ﴾ حَال أَيْ غَائِبًا لَمْ يَرَهُ فَيَجْتَنِب الصَّيْد ﴿فَمَنْ اعتدى بعد ذلك﴾ النهي عنه فاصطاده ﴿فله عذاب أليم
٩ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم﴾ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ متعمدا فجزاء﴾ بالتنوين ورفع ما بعدها أَيْ فَعَلَيْهِ جَزَاء هُوَ ﴿مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم﴾ أَيْ شَبَهه فِي الْخِلْقَة وَفِي قِرَاءَة بِإِضَافَةِ جَزَاء ﴿يَحْكُم بِهِ﴾ أَيْ بِالْمِثْلِ رَجُلَانِ ﴿ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ﴾ لَهُمَا فِطْنَة يُمَيِّزَانِ بها أشبه الأشياء به وقد حكم بن عَبَّاس وَعُمَر وَعَلِيّ رضي الله عنهم فِي النعامة ببدنه وبن عَبَّاس وَأَبُو عُبَيْدَة فِي بَقَر الْوَحْش وَحِمَاره ببقرة وبن عمر وبن عوف في الظبي بشاة وحكم بهاابن عَبَّاس وَعُمَر وَغَيْرهمَا فِي الْحَمَام لِأَنَّهُ يُشْبِههَا فِي الْعَبّ ﴿هَدْيًا﴾ حَال مِنْ جَزَاء ﴿بَالِغ الْكَعْبَة﴾ أَيْ يَبْلُغ بِهِ الْحَرَم فَيُذْبَح فِيهِ وَيَتَصَدَّق بِهِ عَلَى مَسَاكِينه وَلَا يَجُوز أَنْ يُذْبَح حَيْثُ كَانَ وَنَصْبه نَعْتًا لِمَا قَبْله وَإِنْ أُضِيف لِأَنَّ إضَافَته لَفْظِيَّة لَا تُفِيد تَعْرِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّيْدِ مِثْل مِنْ النعم كالعصفور والجراد فعليه قيمة ﴿أَوْ﴾ عَلَيْهِ ﴿كَفَّارَة﴾ غَيْر الْجَزَاء وَإِنْ وَجَدَهُ هِيَ ﴿طَعَام مَسَاكِين﴾ مِنْ غَالِب قُوت الْبَلَد مَا يُسَاوِي قِيمَة الْجَزَاء لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ وفي قراءة بإضافته كَفَّارَة لِمَا بَعْده وَهِيَ لِلْبَيَانِ ﴿أَوْ﴾ عَلَيْهِ ﴿عَدْل﴾ مِثْل ﴿ذَلِكَ﴾ الطَّعَام ﴿صِيَامًا﴾ يَصُومهُ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْم وَإِنْ وَجَدَهُ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ﴿لِيَذُوقَ وَبَال﴾ ثِقَل جَزَاء ﴿أَمْره﴾ الَّذِي فَعَلَهُ عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَف﴾ مِنْ قَتْل الصَّيْد قَبْل تَحْرِيمه ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ إلَيْهِ ﴿فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ وَاَللَّه عَزِيز﴾ غَالِب عَلَى أَمْره ﴿ذُو انْتِقَام﴾ مِمَّنْ عَصَاهُ وَأُلْحِق بِقَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا فِيمَا ذُكِرَ الْخَطَأ
٩ -
﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ أَيّهَا النَّاس حَلَالًا كُنْتُمْ أَوْ مُحْرِمِينَ ﴿صَيْد الْبَحْر﴾ أَنْ تَأْكُلُوهُ وَهُوَ مَا لَا يَعِيش إلَّا فِيهِ كَالسَّمَكِ بِخِلَافِ مَا يَعِيش فِيهِ وَفِي الْبَرّ كَالسَّرَطَانِ ﴿وَطَعَامه﴾ مَا يَقْذِفهُ مَيِّتًا ﴿مَتَاعًا﴾ تَمْتِيعًا ﴿لَكُمْ﴾ تَأْكُلُونَهُ ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ الْمُسَافِرِينَ مِنْكُمْ يَتَزَوَّدُونَهُ ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ﴾
وَهُوَ مَا يَعِيش فِيهِ مِنْ الْوَحْش الْمَأْكُول أَنْ تَصِيدُوهُ ﴿مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ فَلَوْ صَادَهُ حلال فللمحرم أكله كما بينته السنة ﴿واتقوا الله الذي إليه تحشرون﴾
٩ -
﴿جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام﴾ الْمُحَرَّم ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ يَقُوم بِهِ أَمْر دِينهمْ بِالْحَجِّ إلَيْهِ وَدُنْيَاهُمْ بِأَمْنِ دَاخِله وَعَدَم التَّعَرُّض لَهُ وَجَبْي ثَمَرَات كُلّ شَيْء إلَيْهِ وَفِي قِرَاءَة قَيِّمًا بِلَا أَلِف مَصْدَر قَامَ غَيْر مُعَلّ ﴿وَالشَّهْر الْحَرَام﴾ بِمَعْنَى الْأَشْهُر الْحُرُم ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب قِيَامًا لَهُمْ بِأَمْنِهِمْ مِنْ الْقِتَال فِيهَا ﴿وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد﴾ قِيَامًا لَهُمْ بِأَمْنِ صَاحِبهمَا مِنْ التَّعَرُّض لَهُ ﴿ذَلِكَ﴾ الْجَعْل الْمَذْكُور ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَأَنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم﴾ فَإِنَّ جَعْله ذَلِكَ لِجَلْبِ الْمَصَالِح لَكُمْ وَدَفْع الْمَضَارّ عَنْكُمْ قَبْل وُقُوعهَا دَلِيل عَلَى عِلْمه بِمَا هُوَ فِي الْوُجُود وَمَا هُوَ كائن
٩ -
﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب﴾ لِأَعْدَائِهِ ﴿وَأَنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِأَوْلِيَائِهِ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
٩ -
﴿مَا عَلَى الرَّسُول إلَّا الْبَلَاغ﴾ لَكُمْ ﴿وَاَللَّه يَعْلَم مَا تُبْدُونَ﴾ تُظْهِرُونَ مِنْ الْعَمَل ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ تُخْفُونَ مِنْهُ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
١٠ -
﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث﴾ الْحَرَام ﴿وَالطَّيِّب﴾ الْحَلَال ﴿وَلَوْ أَعْجَبَك﴾ أَيْ سَرَّك ﴿كَثْرَة الْخَبِيث فَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِي تَرْكه ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾ تفوزون
١٠ -
وَنَزَلَ لَمَّا أَكْثَرُوا سُؤَاله ﷺ ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إنْ تُبْدَ﴾ تُظْهَر ﴿لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّة ﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِين يُنَزَّل الْقُرْآن﴾ فِي زَمَن النَّبِيّ ﷺ ﴿تُبْدَ لَكُمْ﴾ الْمَعْنَى إذَا سَأَلْتُمْ عَنْ أَشْيَاء فِي زَمَنه يَنْزِل الْقُرْآن بِإِبْدَائِهَا وَمَتَى أَبْدَاهَا سَاءَتْكُمْ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا قَدْ ﴿عَفَا اللَّه عنها﴾ عن مسألتكم فلا تعودوا ﴿والله غفور حليم﴾
١٠ -
﴿قَدْ سَأَلَهَا﴾ أَيْ الْأَشْيَاء ﴿قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ﴾ أَنْبِيَاءَهُمْ فَأَجِيبُوا بِبَيَانِ أَحْكَامهَا ﴿ثُمَّ أَصْبَحُوا﴾ صَارُوا ﴿بِهَا كَافِرِينَ﴾ بِتَرْكِهِمْ الْعَمَل بِهَا
١٠ -
﴿مَا جَعَلَ﴾ شَرَعَ ﴿اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ﴾ كَمَا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَهُ رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع دَرّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبهَا أَحَد مِنْ النَّاس وَالسَّائِبَة الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ فَلَا يُحْمَل عَلَيْهَا شَيْء وَالْوَصِيلَة النَّاقَة الْبِكْر تُبْكِر فِي أَوَّل نِتَاج الْإِبِل بِأُنْثَى ثُمَّ تُثْنِي بَعْد بِأُنْثَى وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ إنْ وَصَلَتْ إحْدَاهُمَا بِأُخْرَى لَيْسَ بَيْنهمَا ذَكَر وَالْحَام فَحْل الْإِبِل يَضْرِب الضِّرَاب الْمَعْدُودَة فَإِذَا قَضَى ضِرَابه وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنْ أَنْ يُحْمَل عَلَيْهِ شَيْء وَسَمَّوْهُ الْحَامِي ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب﴾ فِي ذَلِكَ وَفِي نِسْبَته إلَيْهِ وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ افْتِرَاء لِأَنَّهُمْ قَلَّدُوا فِيهِ آبَاءَهُمْ
١٠ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُول﴾ أَيْ إلَى حُكْمه مِنْ تَحْلِيل مَا حَرَّمْتُمْ ﴿قَالُوا حَسْبنَا﴾ كَافِينَا ﴿مَا وجدنا عليه آباءنا﴾ من الدين والشريعة قال تعالى ﴿أ﴾ حسبهم ذلك ﴿ولو كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ إلى الحق والاستفهام للإنكار
١٠ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ﴾ أَيْ احْفَظُوهَا وَقُومُوا بِصَلَاحِهَا ﴿لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ قِيلَ الْمُرَاد لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَقِيلَ الْمُرَاد غَيْرهمْ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه ﷺ فَقَالَ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَر حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَة وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ فَعَلَيْك نَفْسك رَوَاهُ الْحَاكِم وَغَيْره ﴿إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تعملون﴾ فيجازيكم به
١٠ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت﴾ أَيْ أَسْبَابه ﴿حِين الْوَصِيَّة اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ﴾ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ لِيَشْهَد وَإِضَافَة شَهَادَة لَبَيِّن عَلَى الِاتِّسَاع وَحِين بَدَل مِنْ إذَا أَوْ ظَرْف لحَضَرَ ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ﴾ أَيْ غَيْر مِلَّتكُمْ ﴿إنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ﴾ سَافَرْتُمْ ﴿فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت تَحْبِسُونَهُمَا﴾ تُوقِفُونَهُمَا صِفَة آخَرَانِ ﴿مِنْ بَعْد الصَّلَاة﴾ أَيْ صَلَاة الْعَصْر ﴿فَيُقْسِمَانِ﴾ يَحْلِفَانِ ﴿بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ﴾ شَكَكْتُمْ فِيهَا وَيَقُولَانِ ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ﴾ بِاَللَّهِ ﴿ثَمَنًا﴾ عِوَضًا نَأْخُذهُ بَدَله مِنْ الدُّنْيَا بِأَنْ نَحْلِف بِهِ أَوْ نَشْهَد كَذِبًا لِأَجْلِهِ ﴿وَلَوْ كَانَ﴾ الْمُقْسَم لَهُ أَوْ الْمَشْهُود لَهُ ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قَرَابَة مِنَّا ﴿وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه﴾ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا ﴿إنَّا إذًا﴾ إنْ كتمناها ﴿لمن الآثمين
١٠ -
﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ اُطُّلِعَ بَعْد حَلِفهمَا ﴿عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا﴾ أَيْ فِعْلًا مَا يُوجِبهُ مِنْ خِيَانَة أَوْ كَذِب فِي الشَّهَادَة بِأَنْ وُجِدَ عِنْدهمَا مِثْلَا مَا اُتُّهِمَا بِهِ وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا ابْتَاعَاهُ مِنْ الْمَيِّت أَوْ وَصَّى لَهُمَا بِهِ ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا﴾ فِي تَوَجُّه الْيَمِين عَلَيْهِمَا ﴿مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ﴾ الْوَصِيَّة وَهُمْ الْوَرَثَة وَيُبْدَل مِنْ آخَرَانِ ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ بِالْمَيِّتِ أَيْ الْأَقْرَبَانِ إلَيْهِ وَفِي قِرَاءَة الْأَوَّلَيْنِ جَمْع أَوَّل صِفَة أَوْ بَدَل مِنْ الَّذِينَ ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ﴾ عَلَى خِيَانَة الشَّاهِدَيْنِ وَيَقُولَانِ ﴿لَشَهَادَتنَا﴾ يَمِيننَا ﴿أَحَقّ﴾ أَصْدَق ﴿مِنْ شَهَادَتهمَا﴾ يَمِينهمَا ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا﴾ تَجَاوَزْنَا الْحَقّ فِي الْيَمِين ﴿إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ﴾ الْمَعْنَى لِيُشْهِد الْمُحْتَضِر عَلَى وَصِيَّته اثْنَيْنِ أَوْ يُوصِي إلَيْهِمَا مِنْ أَهْل دِينه أَوْ غَيْرهمْ إنْ فَقَدَهُمْ لِسَفَرٍ وَنَحْوه فَإِنْ ارْتَابَ الْوَرَثَة فِيهِمَا فَادَّعَوْا أَنَّهُمَا خَانَا بِأَخْذِ شَيْء أَوْ دَفْعه إلَى شَخْص زَعَمَا أَنَّ الْمَيِّت أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلْيَحْلِفَا إلَى آخِره فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى أَمَارَة تَكْذِيبهمَا فَادَّعَيَا دَافِعًا لَهُ حَلَفَ أَقْرَب الْوَرَثَة عَلَى كَذِبهمَا وَصَدَّقَ مَا ادَّعَوْهُ وَالْحُكْم ثَابِت فِي الْوَصِيَّيْنِ مَنْسُوخ فِي الشَّاهِدَيْنِ وَكَذَا شَهَادَة غَيْر أَهْل الْمِلَّة مَنْسُوخَة وَاعْتِبَار صَلَاة الْعَصْر لِلتَّغْلِيظِ وَتَخْصِيص الْحَلِف فِي الْآيَة بِاثْنَيْنِ مِنْ أَقْرَب الْوَرَثَة لِخُصُوصِ الْوَاقِعَة الَّتِي نَزَلَتْ لَهَا وَهِيَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَهْم خَرَجَ مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وَعَدِيّ بْن بُدَاء أَيْ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ فَمَاتَ السَّهْمِيّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِم فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّة مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ فَرُفِعَا إلَى النَّبِيّ ﷺ فَنَزَلَتْ فَأَحْلَفَهُمَا ثُمَّ وُجِدَ الْجَام بِمَكَّة فَقَالُوا ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيم وَعَدِيّ فَنَزَلَتْ الْآيَة الثَّانِيَة فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاء السَّهْمِيّ فَحَلَفَا وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَقَامَ عَمْرو بْن الْعَاصِ وَرَجُل آخَر مِنْهُمْ فَحَلَفَا وَكَانَ أَقْرَب إلَيْهِ وَفِي رِوَايَة فَمَرِضَ فَأَوْصَى إلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَبْلُغَا مَا تَرَكَ أَهْله فَلَمَّا مَاتَ أَخَذَا الْجَام وَدَفَعَا إلَى أَهْله مَا بَقِيَ
١٠ -
﴿ذَلِكَ﴾ الْحُكْم الْمَذْكُور مِنْ رَدّ الْيَمِين عَلَى الْوَرَثَة ﴿أَدْنَى﴾ أَقْرَب إلَى ﴿أَنْ يَأْتُوا﴾ أَيْ الشُّهُود أَوْ الْأَوْصِيَاء ﴿بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا﴾ الَّذِي تَحَمَّلُوهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْر تَحْرِيف وَلَا خِيَانَة ﴿أَوْ﴾ أَقْرَب إلَى أَنْ ﴿يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَانهمْ﴾ عَلَى الْوَرَثَة الْمُدَّعِينَ فَيَحْلِفُونَ عَلَى خِيَانَتهمْ وَكَذِبهمْ فَيَفْتَضِحُونَ وَيَغْرَمُونَ فَلَا يَكْذِبُوا ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ بِتَرْكِ الْخِيَانَة وَالْكَذِب ﴿وَاسْمَعُوا﴾ مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ سَمَاع قَبُول ﴿وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ﴾ الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير
١٠ -
اذكر ﴿يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيَقُول﴾ لَهُمْ تَوْبِيخًا لِقَوْمِهِمْ ﴿مَاذَا﴾ أَيْ الَّذِي ﴿أُجِبْتُمْ﴾ بِهِ حِين دَعَوْتُمْ إلَى التَّوْحِيد ﴿قَالُوا لَا عِلْم لَنَا﴾ بِذَلِكَ ﴿إنَّك أَنْت عَلَّام الْغُيُوب﴾ مَا غَابَ عَنْ الْعِبَاد وَذَهَبَ عَنْهُمْ عِلْمه لِشِدَّةِ هَوْل يَوْم الْقِيَامَة وَفَزَعهمْ ثُمَّ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمهمْ لَمَّا يَسْكُنُونَ
١١ -
اذكر ﴿إذ قال الله يا عيسى بن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك﴾ بِشُكْرِهَا ﴿إذْ أَيَّدْتُك﴾ قَوَّيْتُك ﴿بِرُوحِ الْقُدُس﴾ جِبْرِيل ﴿تُكَلِّم النَّاس﴾ حَال مِنْ الْكَاف فِي أَيَّدْتُك ﴿فِي الْمَهْد﴾ أَيْ طِفْلًا ﴿وَكَهْلًا﴾ يُفِيد نُزُوله قَبْل السَّاعَة لِأَنَّهُ رُفِعَ قَبْل الْكُهُولَة كَمَا سَبَقَ فِي آل عِمْرَان ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ﴾ كَصُورَةِ ﴿الطَّيْر﴾ وَالْكَاف اسْم بِمَعْنَى مِثْل مَفْعُول ﴿بِإِذْنِي فَتَنْفُخ فِيهَا فَتَكُون طَيْرًا بِإِذْنِي﴾ بِإِرَادَتِي ﴿وَتُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِج الْمَوْتَى﴾ مِنْ قُبُورهمْ أَحْيَاء ﴿بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْت بَنِي إسْرَائِيل عَنْك﴾ حِين هَمُّوا بِقَتْلِك ﴿إذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الْمُعْجِزَات ﴿فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا﴾ الَّذِي جِئْت بِهِ ﴿إلَّا سِحْر مُبِين﴾ وَفِي قِرَاءَة سَاحِر أَيْ عِيسَى
١١ -
﴿وَإِذْ أَوْحَيْت إلَى الْحَوَارِيِّينَ﴾ أَمَرْتهمْ عَلَى لِسَانه ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ عِيسَى ﴿قالوا آمنا﴾ بهما ﴿واشهد بأننا مسلمون﴾
١١ -
اذكر ﴿إذ قال الحواريون يا عيسى بن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع﴾ أَيْ يَفْعَل ﴿رَبّك﴾ وَفِي قِرَاءَة بالْفَوْقَانية وَنُصِبَ مَا بَعْده أَيْ تَقْدِر أَنْ تَسْأَلهُ ﴿أَنْ يُنْزِل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء قَالَ﴾ لَهُمْ عِيسَى ﴿اتَّقُوا اللَّه﴾ فِي اقتراح الآيات ﴿إن كنتم مؤمنين﴾
١١ -
﴿قَالُوا نُرِيد﴾ سُؤَالهَا مِنْ أَجْل ﴿أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ﴾ تَسْكُن ﴿قُلُوبنَا﴾ بِزِيَادَةِ الْيَقِين ﴿وَنَعْلَم﴾ نَزْدَاد عِلْمًا ﴿أَنْ﴾ مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّك ﴿قَدْ صدقتنا﴾ في ادعاء النبوة ﴿ونكون عليها من الشاهدين﴾
١١ -
﴿قال عيسى بن مَرْيَم اللَّهُمَّ رَبّنَا أَنْزِل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا﴾ أَيْ يَوْم نُزُولهَا ﴿عِيدًا﴾ نُعَظِّمهُ وَنُشَرِّفهُ ﴿لِأَوَّلِنَا﴾ بَدَل مِنْ لَنَا بِإِعَادَةِ الْجَارّ ﴿وَآخِرنَا﴾ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدنَا ﴿وَآيَة مِنْك﴾ على قدرتك ونبوتي ﴿وارزقنا﴾ إياها ﴿وأنت خير الرازقين
١١ -
﴿قَالَ اللَّه﴾ مُسْتَجِيبًا لَهُ ﴿إنِّي مُنَزِّلُهَا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُر بَعْد﴾ أَيْ بَعْد نُزُولهَا ﴿مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ﴾ فَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة بِهَا مِنْ السَّمَاء عَلَيْهَا سَبْعَة أَرْغِفَة وَسَبْعَة أَحْوَات فَأَكَلُوا منها حتى شبعوا قاله بن عَبَّاس وَفِي حَدِيث أُنْزِلَتْ الْمَائِدَة مِنْ السَّمَاء خُبْزًا وَلَحْمًا فَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ فَخَانُوا وَادَّخَرُوا فَمُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير
١١ -
﴿و﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ﴾ أَيْ يَقُول ﴿اللَّه﴾ لِعِيسَى فِي الْقِيَامَة تَوْبِيخًا لِقَوْمِهِ ﴿يَا عِيسَى بن مَرْيَم أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ﴾ عِيسَى وَقَدْ أُرْعِدَ ﴿سُبْحَانك﴾ تَنْزِيهًا لَك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِنْ شَرِيك وَغَيْره ﴿مَا يَكُون﴾ مَا يَنْبَغِي ﴿لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ خَبَر لَيْسَ وَلِي لِلتَّبْيِينِ ﴿إنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته تَعْلَم مَا﴾ أُخْفِيه ﴿فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك﴾ أَيْ مَا تخفيه من معلوماتك ﴿إنك أنت علام الغيوب﴾
١١ -
﴿مَا قُلْت لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ﴾ وَهُوَ ﴿أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ رَقِيبًا أَمْنَعهُمْ مِمَّا يَقُولُونَ ﴿مَا دُمْت فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي﴾ قَبَضْتنِي بِالرَّفْعِ إلَى السَّمَاء ﴿كُنْت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِمْ﴾ الْحَفِيظ لِأَعْمَالِهِمْ ﴿وَأَنْت عَلَى كُلّ شَيْء﴾ مِنْ قَوْلِي لَهُمْ وَقَوْلهمْ بَعْدِي وَغَيْر ذَلِكَ ﴿شَهِيد﴾ مُطَّلِع عَالِم به
١١ -
﴾ إنْ تُعَذِّبهُمْ﴾ أَيْ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْر مِنْهُمْ ﴿فَإِنَّهُمْ عِبَادك﴾ وَأَنْت مَالِكهمْ تَتَصَرَّف فِيهِمْ كَيْفَ شِئْت لَا اعْتِرَاض عَلَيْك ﴿وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ﴾ أَيْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴿فَإِنَّك أَنْت الْعَزِيز﴾ عَلَى أَمْره ﴿الْحَكِيم﴾ فِي صُنْعه
١١ -
﴿قَالَ اللَّه هَذَا﴾ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا كَعِيسَى ﴿صِدْقهمْ﴾ لِأَنَّهُ يوم الجزاء ﴿لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم﴾ بِطَاعَتِهِ ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ بِثَوَابِهِ ﴿ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ وَلَا يَنْفَع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يُؤْمِنُونَ عِنْد رُؤْيَة الْعَذَاب
١٢ -
﴿لِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَزَائِن الْمَطَر وَالنَّبَات وَالرِّزْق وَغَيْرهَا ﴿وَمَا فِيهِنَّ﴾ أَتَى بِمَا تَغْلِيبًا لِغَيْرِ الْعَاقِل ﴿وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ إثَابَة الصَّادِق وَتَعْذِيب الْكَاذِب وَخُصَّ الْعَقْل ذاته فليس عليها بقادر
= ٦ سورة الأنعام