سورة«والليل» مَكِّيَّةٌ. وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ. وَهِيَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ آيَةً بإجماع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الليل (٩٢): الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) أَيْ يُغَطِّي. وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ مَفْعُولًا لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقِيلَ: يَغْشَى النَّهَارَ. وَقِيلَ: الْأَرْضَ. وقيل الخلائق. وقيل: يغشى كل شي بِظُلْمَتِهِ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ الظُّلْمَةَ لَيْلًا أَسْوَدَ مُظْلِمًا، وَالنُّورَ نَهَارًا مُضِيئًا مُبْصِرًا. (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) أَيْ إِذَا انْكَشَفَ وَوَضَحَ وَظَهَرَ، وَبَانَ بِضَوْئِهِ عَنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ وَالَّذِي خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، فَيَكُونُ
قَدْ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ عز وجل. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَخَلْقِ
الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، (فَمَا): مَصْدَرِيَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَهْلُ
مَكَّةَ يَقُولُونَ لِلرَّعْدِ: سُبْحَانَ مَا سَبَّحْتُ لَهُ! (فَمَا) عَلَى
هَذَا بِمَعْنَى (مَنْ)، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَا خَلَقَ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَتَكُونُ«مِنْ»
مُضْمَرَةٌ، وَيَكُونُ الْقَسَمُ مِنْهُ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ، مِنْ أَنْبِيَائِهِ
وَأَوْلِيَائِهِ، وَيَكُونُ قَسَمُهُ بِهِمْ تَكْرِمَةً لَهُمْ وَتَشْرِيفًا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَما خَلَقَ أَيْ مَنْ خَلَقَ. وكذا قوله: وَالسَّماءِ
وَما بَناها [الشمس: ٥]،
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشمس: ٧]،
ما في هذه المواضع بمعنى من. وروي ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى. وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُسْقِطُ وَما خَلَقَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْنَا الشَّامَ، فَأَتَانَا
أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: فِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَيَّ قِرَاءَةِ عَبْدِ
اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا. قَالَ: فَكَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ
يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهُ
هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَؤُهَا، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ
أَنْ أَقْرَأَ وَما خَلَقَ فَلَا أُتَابِعُهُمْ «١». قَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْأَنْبَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَنَا
الرَّازِقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلٌّ مِنْ هَذَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ مَرْدُودٌ، بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ لَهُ، وَأَنَّ حَمْزَةَ
وَعَاصِمًا يَرْوِيَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا عَلَيْهِ
جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبِنَاءُ عَلَى سَنَدَيْنِ يُوَافِقَانِ الْإِجْمَاعَ
أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِوَاحِدٍ يُخَالِفُهُ الْإِجْمَاعُ وَالْأُمَّةُ، وَمَا
يُبْنَى عَلَى رِوَايَةِ وَاحِدٍ إِذَا حَاذَاهُ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ تُخَالِفُهُ،
أُخِذَ بِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَأُبْطِلَ نَقْلُ الْوَاحِدِ، لِمَا يَجُوزُ
عَلَيْهِ مِنَ النِّسْيَانِ وَالْإِغْفَالِ. وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ وَكَانَ إِسْنَادُهُ مَقْبُولًا مَعْرُوفًا، ثُمَّ كان أبو بكر وعمر
وعثمان وعلي
(١). وفي كتاب الأحكام لابن العربي ما نصه:
(هذا مما لا يلتفت إليه بشر إنما المعول عليه ما في المصحف فلا تجوز مخالفته لاحد
ثم بعد ذلك يقع النظر فيما يوافق خطه مما لم يثبت ضبطه حسب ما بيناه في موضعه فإن
القرآن لا يثبت بنقل الواحد وإن كان عدلا وإنما يثبت بالتواتر الذي يقع به العلم
وينقطع معه العذر وتقوم به الحجة على الخلق (.)
وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ رضي الله
عنهم يُخَالِفُونَهُ، لَكَانَ الْحُكْمُ الْعَمَلُ بِمَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ،
وَرَفْضُ مَا يَحْكِيهِ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ، الَّذِي يُسْرِعُ إِلَيْهِ مِنَ
النِّسْيَانِ مَا لَا يُسْرِعُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَّةِ.
وَفِي الْمُرَادِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: آدَمُ
وَحَوَّاءُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ. الثَّانِي:
يَعْنِي جَمِيعَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ
نَوْعِهِمْ. وَقِيلَ: كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْآدَمِيِّينَ دُونَ
الْبَهَائِمِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِوِلَايَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. (إِنَّ
سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ عَمَلَكُمْ
لَمُخْتَلِفٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَسَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: السَّعْيُ:
الْعَمَلُ، فَسَاعٍ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَسَاعٍ فِي عَطَبِهَا، يَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه السلام: (النَّاسُ غَادِيَانِ:
فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا) «١».
وَشَتَّى: وَاحِدُهُ شَتِيتٌ، مِثْلُ مَرِيضٍ وَمَرْضَى. وَإِنَّمَا قِيلَ
لِلْمُخْتَلِفِ شَتَّى لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ بَعْضِهِ وَبَعْضِهِ. أَيْ إِنَّ
عَمَلَكُمْ لَمُتَبَاعِدٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ بَعْضَهُ ضَلَالَةٌ
وَبَعْضَهُ هُدًى. أَيْ فَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَبَرٌّ، وَكَافِرٌ وَفَاجِرٌ،
وَمُطِيعٌ وَعَاصٍ. وَقِيلَ: لَشَتَّى أَيْ لَمُخْتَلِفُ الْجَزَاءِ، فَمِنْكُمْ
مُثَابٌ بِالْجَنَّةِ، وَمُعَاقَبٌ بِالنَّارِ. وَقِيلَ: أَيْ لَمُخْتَلِفُ
الْأَخْلَاقِ، فَمِنْكُمْ رَاحِمٌ وَقَاسٍ، وَحَلِيمٌ وَطَائِشٌ، وَجَوَادٌ
وَبَخِيلٌ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.
[سورة
الليل (٩٢): الآيات ٥ الى ١٠]
فَأَمَّا
مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى
(٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرى (١٠)
فِيهِ
أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
وَاتَّقى) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، وَقَالَهُ
عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. فَرُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ عَجَائِزَ
وَنِسَاءَ، قَالَ: فقال له أبوه قحافة: أي بني! لو أنك
(١). هذه رواية الحديث كما قي الثعلبي. والذي
في نسخ الأصل: (الناس غاديان: فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها).
أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا
يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ مَعَكَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِ إِنَّمَا أُرِيدُ مَا
أُرِيدُ «١». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى
أَيْ بَذَلَ. وَاتَّقى أَيْ مَحَارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا. وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنى أَيْ بِالْخُلْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَطَائِهِ.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا
وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا
خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا (. وَرُوِيَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (مَا مِنْ
يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتِهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ
يَسْمَعُهُمَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ
مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ... الْآيَاتِ. وَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى الْمُعْسِرِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْطَى حَقَّ اللَّهِ
تَعَالَى الَّذِي عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعْطَى الصِّدْقَ مِنْ قَلْبِهِ.
(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أَيْ بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ
وَالسُّلَمِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْجَنَّةِ،
دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ «٢» ... [يونس: ٢٦] الْآيَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ. زَيْدُ
بْنُ أَسْلَمَ: بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ. الْحَسَنُ: بِالْخُلْفِ
مِنْ عَطَائِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَكُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، إِذْ كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى
الثَّوَابِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) أَيْ نُرْشِدُهُ لِأَسْبَابِ الْخَيْرِ
وَالصَّلَاحِ، حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:
لِلْيُسْرى لِلْجَنَّةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي
الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، فَأَتَى النَّبِيُّ ﷺ،
فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ،
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: [مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ
إِلَّا] قَدْ [كُتِبَ مَدْخَلُهَا [فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا؟ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ
فَانْهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشقاء فإنه يعمل
للشقاء. قال: [بل
(١). كذا في كتاب أسباب النزول وروح المعاني.
وفي نسخ الأصل: (ما يريد). وفي تفسير الثعلبي ورواية أخرى في أسباب النزول: (لو
كنت تبتاع من يمنع ظهرك قال: منع ظهري أريد).
(٢).
آية ٢٦ سورة يونس.
اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا
مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ،
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ
الشَّقَاءِ- ثُمَّ قَرَأَ- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى،
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ
بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى [لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ فِيهِ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَأَلَ غُلَامَانِ شَابَّانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
فَقَالَا: العمل فيه جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ؟ أَمْ
في شي يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ عليه السلام: [بَلْ
فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ [قَالَا: فَفِيمَ
الْعَمَلُ؟ قَالَ: [اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ
[قَالَا: فَالْآنَ نَجِدُّ وَنَعْمَلُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) أَيْ ضَنَّ بِمَا عِنْدَهُ، فَلَمْ يَبْذُلْ
خَيْرًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَثَمَرَتُهُ فِي الدُّنْيَا فِي سُورَةِ«آلِ
عِمْرَانَ» «١». وَفِي الْآخِرَةِ مَآلُهُ النَّارُ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى قَالَ: سَوْفَ
أَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ. وَعَنْهُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَرَوَى عِكْرِمَةُ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى يَقُولُ: بَخِلَ
بِمَالِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ. (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) أَيْ بِالْخُلْفِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى قَالَ:
بِالْجَنَّةِ. وَبِإِسْنَادٍ عَنْهُ آخَرَ قَالَ بِالْحُسْنى أَيْ بِلَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ. فَسَنُيَسِّرُهُ أَيْ نَسْهُلُ طَرِيقَهُ ... لِلْعُسْرى أَيْ
لِلشَّرِّ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لِلنَّارِ. وَقِيلَ: أَيْ فَسَنُعَسِّرُ
عَلَيْهِ أَسْبَابَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ حَتَّى يَصْعُبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَلَكَ يُنَادِي صَبَاحًا وَمَسَاءً: [اللَّهُمَّ
أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا [. رَوَاهُ أَبُو
الدَّرْدَاءِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وبقوله:
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ «٢» [البقرة: ٣]،
وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا
وَعَلانِيَةً «٣» [البقرة: ٢٧٤] إِلَى
غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ- أَنَّ الْجُودَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ،
وَالْبُخْلَ مِنْ أَرْذَلِهَا. وَلَيْسَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِي فِي غَيْرِ
مَوْضِعِ الْعَطَاءِ، وَلَا الْبَخِيلَ الَّذِي يَمْنَعُ فِي مَوْضِعِ الْمَنْعِ،
لَكِنَّ الْجَوَادَ الَّذِي يُعْطِي فِي مَوْضِعِ الْعَطَاءِ، والبخيل
(١). راجع ج ٤ ص (٢٩١)
(٢).
آية ٣ سورة البقرة.
(٣).
آية ٢٧٤ سورة البقرة.
الَّذِي يَمْنَعُ فِي مَوْضِعِ
الْعَطَاءِ، فَكُلُّ مَنِ اسْتَفَادَ بِمَا يُعْطِي أَجْرًا وَحَمْدًا فَهُوَ
الْجَوَادُ. وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ بِالْمَنْعِ ذَمًّا أَوْ عِقَابًا فَهُوَ
الْبَخِيلُ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالْعَطَاءِ أَجْرًا وَلَا حَمْدًا، وَإِنَّمَا
اسْتَوْجَبَ بِهِ ذَمًّا فَلَيْسَ بجواد، وإنما هو مسوف مَذْمُومٌ، وَهُوَ مِنَ
الْمُبَذِّرِينَ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ،
وَأَوْجَبَ الْحَجْرَ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِالْمَنْعِ عِقَابًا
وَلَا ذَمًّا، وَاسْتَوْجَبَ بِهِ حَمْدًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرُّشْدُ،
الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْقِيَامَ عَلَى أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ، بِحُسْنِ
تَدْبِيرِهِمْ وَسَدَادِ رَأْيِهِمْ. الرَّابِعَةُ- قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ
الْقَائِلُ: كَيْفَ قَالَ: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى؟ وَهَلْ فِي الْعُسْرَى
تَيْسِيرٌ؟ فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: هَذَا فِي إِجَازَتِهِ بِمَنْزِلَةِ قوله عز
وجل: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «١» [آل عمران: ٢١]،
وَالْبِشَارَةُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْمُفْرِحِ وَالسَّارِّ، فَإِذَا جُمِعَ فِي
كَلَامَيْنِ هَذَا خَيْرٌ وَهَذَا شَرٌّ، جَاءَتِ الْبِشَارَةُ فِيهِمَا.
وَكَذَلِكَ التَّيْسِيرُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْمُفْرِحِ، فَإِذَا جُمِعَ فِي
كَلَامَيْنِ هَذَا خَيْرٌ وَهَذَا شَرٌّ، جَاءَ التَّيْسِيرُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَنُيَسِّرُهُ: سَنُهَيِّئُهُ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ يَسَّرَتِ الْغَنَمُ: إِذَا وَلَدَتْ أَوْ تهيأت
للولادة. قال:
هُمَا
سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ... يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غنماهما «٢»
[سورة
الليل (٩٢): الآيات ١١ الى ١٣]
وَما
يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ
لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)
قَوْلُهُ
تَعَالَى: (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) أَيْ مَاتَ. يُقَالُ:
رَدِيَ الرَّجُلُ يَرْدَى رَدًى: إِذَا هَلَكَ. قَالَ:
صَرَفْتُ
الْهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى
وَقَالَ
أَبُو صَالِحٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِذا تَرَدَّى: سَقَطَ فِي جَهَنَّمَ،
وَمِنْهُ الْمُتَرَدِّيَةُ. وَيُقَالُ: رَدِيَ فِي الْبِئْرِ وَتَرَدَّى: إِذَا
سَقَطَ فِي بِئْرٍ، أَوْ تَهَوَّرَ مِنْ جَبَلٍ. يُقَالُ: مَا أَدْرِي أَيْنَ
رَدِيَ؟ أَيْ أَيْنَ ذَهَبَ. وَمَا: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَحْدًا، أَيْ وَلَا
يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ شَيْئًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تكون استفهاما
(١). آية ٢١ سورة آل عمران. [.....]
(٢).
البيت لابي سيدة الدبيري. وقبله.
إِنَّ
لَنَا شَيْخَيْنِ لَا يَنْفَعَانِنَا ... غَنِيَّيْنِ لَا يجدي علينا غناهما
معناه التوبيخ، أي أي شي يُغْنِي
عَنْهُ إِذَا هَلَكَ وَوَقَعَ فِي جَهَنَّمَ! أَيْ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ
طَرِيقَ الْهُدَى مِنْ طَرِيقِ الضَّلَالَةِ. فَالْهُدَى: بِمَعْنَى بَيَانِ
الْأَحْكَامِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. أَيْ عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، بَيَانُ
حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّهِ سَبِيلُهُ، لقوله: وَعَلَى
اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ «١» [النحل: ٩] يَقُولُ:
مَنْ أَرَادَ اللَّهَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ الْقَاصِدِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَالَ، فترك الإضلال، كقوله: بِيَدِكَ
الْخَيْرُ»
[آل
عمران: ٢٦]، وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شَيْءٍ «٣» [يس: ٨٣]. وكما
قال: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٤» [النحل: ٨١] وَهِيَ
تَقِي الْبَرْدَ، عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ عَلَيْنَا
ثَوَابَ هُدَاهُ الَّذِي هَدَيْنَاهُ. (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى)
لَلْآخِرَةَ الْجَنَّةُ. وَالْأُولى الدُّنْيَا. وَكَذَا رَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. أَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ «٥» [النساء: ١٣٤] فَمَنْ
طَلَبَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالِكِهِمَا فَقَدْ أَخْطَأَ الطريق.
[سورة
الليل (٩٢): الآيات ١٤ الى ١٦]
فَأَنْذَرْتُكُمْ
نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ
وَتَوَلَّى (١٦)
قَوْلُهُ
تَعَالَى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ) أَيْ حَذَّرْتُكُمْ وَخَوَّفْتُكُمْ. (نَارًا
تَلَظَّى) أَيْ تُلْهَبُ وَتَتَوَقَّدُ. وَأَصْلُهُ تَتَلَظَّى. وَهِيَ قِرَاءَةُ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ.
(لَا يَصْلاها) أَيْ لَا يَجِدُ صَلَاهَا وَهُوَ حَرُّهَا. (إِلَّا الْأَشْقَى)
أَيِ الشَّقِيُّ. الَّذِي كَذَّبَ بِنَبِيِ الله محمدا ﷺ. وَتَوَلَّى أَيْ
أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُلٌّ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَاهَا. قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَنْ
يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَقَالَ
مَالِكٌ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ المغرب، فقرأ وَاللَّيْلِ
إِذا يَغْشى
(١). آية ٩ سورة النحل.
(٢).
آية ٢٦ سورة آل عمران.
(٣).
آية ٨٣ سورة يس.
(٤).
آية ٨١ سورة النحل.
(٥).
آية ١٣٤ سورة النساء.
فَلَمَّا بَلَغَ فَأَنْذَرْتُكُمْ
نَارًا تَلَظَّى وَقَعَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ، فَلَمْ يَقْدِرْ يَتَعَدَّاهَا مِنَ
الْبُكَاءِ، فَتَرَكَهَا وَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى. وَقَالَ: الْفَرَّاءُ: إِلَّا
الْأَشْقَى إِلَّا مَنْ كَانَ شَقِيًّا فِي عِلْمِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَنُظَرَاؤُهُ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا ﷺ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: كَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: لَمْ يَكُنْ كَذَّبَ بِرَدٍّ ظَاهِرٍ، وَلَكِنَّهُ قَصَّرَ عَمَّا
أُمِرَ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، فَجُعِلَ تَكْذِيبًا، كَمَا تَقُولُ: لَقِيَ فُلَانٌ
الْعَدُوَّ فَكَذِبَ: إِذَا نَكَلَ وَرَجَعَ عَنِ اتِّبَاعِهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ
أَبَا ثَرْوَانَ يَقُولُ: إِنَّ بَنِي نُمَيْرٍ لَيْسَ لِجَدِّهِمْ «١»
مَكْذُوبَةٌ. يَقُولُ: إِذَا لَقُوا صَدَقُوا الْقِتَالَ، وَلَمْ يَرْجِعُوا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «٢» [الواقعة: ٢] يَقُولُ:
هِيَ حَقُّ. وَسَمِعْتُ سَلْمَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ
الزَّجَّاجَ يَقُولُ: هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قَالَ أَهْلُ
الْإِرْجَاءِ «٣» بِالْإِرْجَاءِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ
إِلَّا كَافِرٌ، لِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى.
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا. هَذِهِ نَارٌ
مَوْصُوفَةٌ بِعَيْنِهَا، لَا يَصْلَى هَذِهِ النَّارَ إِلَّا الَّذِي كَذَّبَ
وَتَوَلَّى. وَلِأَهْلِ النَّارِ مَنَازِلُ، فَمِنْهَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ كُلُّ مَا وَعَدَ
عَلَيْهِ بِجِنْسٍ مِنَ الْعَذَابِ فَجَائِزٌ أَنْ يُعَذِّبَ بِهِ. وَقَالَ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «٤» [النساء: ٤٨]،
فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ لَمْ يُعَذَّبْ، لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ:
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَائِدَةٌ، وَكَانَ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذلِكَ كَلَامًا لَا مَعْنَى لَهُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي
الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ حَالَتَيْ عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَظِيمٍ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ، فَأُرِيدَ أَنْ يُبَالِغَ فِي صِفَتَيْهِمَا الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ
فَقِيلَ: الْأَشْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصَّلْيِ، كَأَنَّ النَّارَ لَمْ
تُخْلَقْ
(١). كذا في الأصول وأساس البلاغة للزمخشري.
والذي في تفسير الفراء ولسان العرب- مادة كذب-: (لحدهم) بالحاء المهملة. وحد
الرجل: بأسه ونفاذه في نجدته.
(٢).
آية ٢ سورة الواقعة.
(٣).
هم المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية. كما
أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على
المعاصي أي أخره عنهم. وقيل: المرجئة فرقة من المسلمين يقولون: الايمان قول بلا
عمل كأنهم قدموا القول وأرجئوا العمل أي أخروه لأنهم يرون أنهم لو لم يصلوا ولم
يصوموا لنجاهم إيمانهم.
(٤).
آية ٤٨ سورة النساء.
إِلَّا لَهُ وَقِيلَ: الْأَتْقَى،
وَجَعَلَ مُخْتَصًّا بِالْجَنَّةِ، كَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ
وَقِيلَ: هُمَا أَبُو جَهْلٍ أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وأبو بكر رضي الله عنه.
[سورة
الليل (٩٢): الآيات ١٧ الى ١٨]
وَسَيُجَنَّبُهَا
الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)
قَوْلُهُ
تعالى: (سَيُجَنَّبُهَا) أَيْ يَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا. (الْأَتْقَى) أَيِ
الْمُتَّقِي الْخَائِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه،
يُزَحْزَحُ عَنْ دُخُولِ النَّارِ. ثُمَّ وَصَفَ الْأَتْقَى فَقَالَ: الَّذِي
يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى أَيْ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ زَاكِيًا،
وَلَا يَطْلُبُ بِذَلِكَ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ
مُبْتَغِيًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي:
أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْأَتْقَى
والْأَشْقَى
أَيِ التَّقِيَّ وَالشَّقِيَّ، كَقَوْلِ طَرَفَةَ:
تَمَنَّى
رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا
بِأَوْحَدِ
أَيْ
وَاحِدٍ وَوَحِيدٍ، وَتُوضَعُ (أَفْعَلُ) مَوْضِعَ فَعِيلٍ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ:
اللَّهُ أكبر بمعنى كبير، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «١» [الروم:
٢٧] بمعنى هين.
[سورة
الليل (٩٢): الآيات ١٩ الى ٢١]
وَما
لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
قَوْلُهُ
تَعَالَى: (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أَيْ لَيْسَ يَتَصَدَّقُ
لِيُجَازَى عَلَى نِعْمَةٍ، إِنَّمَا يَبْتَغِي وَجْهَ رَبِّهِ الْأَعْلَى، أَيِ
الْمُتَعَالِي وَلَسَوْفَ يَرْضى أَيْ بِالْجَزَاءِ. فَرَوَى عَطَاءٌ
وَالضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ بِلَالًا،
وَبِلَالٌ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: [أَحَدٌ-
يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى- يُنْجِيكَ [ثُمَّ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: [يَا أَبَا
بَكْرٍ إِنَّ بِلَالًا يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ [فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي
يُرِيدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَخَذَ رِطْلًا مِنْ
ذَهَبٍ، وَمَضَى بِهِ إِلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَقَالَ لَهُ: أَتَبِيعُنِي
بِلَالًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ فَأَعْتَقَهُ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا
أَعْتَقَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ، فَنَزَلَتْ وَما
لِأَحَدٍ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ نِعْمَةٍ، أَيْ مِنْ يَدٍ ومنة،
تُجْزى بل
(١). آية ٢٧ سورة الروم.
ابْتِغاءَ بِمَا فَعَلَ وَجْهِ
رَبِّهِ الْأَعْلى. وَقِيلَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيَّةَ وَأُبَيِّ بْنِ
خَلَفٍ بِلَالًا، بِبُرْدَةٍ وَعَشْرِ أَوَاقٍ، فَأَعْتَقَهُ لِلَّهِ، فنزلت:
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل: ٤]. وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قَالَ لِأَبِي
بَكْرٍ حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَتَبِيعُنِيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ،
أَبِيعُهُ بِنِسْطَاسٍ، وَكَانَ نِسْطَاسٌ عَبْدًا لِأَبِي بَكْرٍ، صَاحِبَ
عَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَغِلْمَانٍ وَجَوَارٍ وَمَوَاشٍ، وَكَانَ مُشْرِكًا،
فَحَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالُهُ،
فَأَبَى، فَبَاعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِهِ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا فَعَلَ أَبُو
بَكْرٍ بِبِلَالٍ هَذَا إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لِبِلَالٍ عِنْدَهُ، فَنَزَلَتْ
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ أَيْ لَكِنِ
ابْتِغَاءَ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، فَلِذَلِكَ نُصِبَتْ. كَقَوْلِكَ:
مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا حِمَارًا. وَيَجُوزُ الرَّفْعُ. وَقَرَأَ يَحْيَى
بْنُ وَثَّابٍ (إِلَّا ابْتِغَاءُ وَجْهِ رَبِّهِ) بِالرَّفْعِ، عَلَى لُغَةِ مَنْ
يَقُولُ: يَجُوزُ الرَّفْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى. وَأَنْشَدَ فِي اللُّغَتَيْنِ
قَوْلَ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ:
أَضْحَتْ
خَلَاءً قِفَارًا لَا أَنِيسَ بِهَا ... إِلَّا الْجَآذِرَ وَالظُّلْمَانَ
تَخْتَلِفُ «١»
وَقَوْلَ
الْقَائِلِ:
وَبَلْدَةٍ
لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ «٢»
وَفِي
التَّنْزِيلِ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ «٣» [النساء:
٦٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ. (وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلى) أَيْ مَرْضَاتِهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ. والْأَعْلى مِنْ نَعْتِ
الرَّبِّ الَّذِي اسْتَحَقَّ صِفَاتِ الْعُلُوِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ مَفْعُولًا لَهُ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى
الْكَلَامِ: لَا يُؤْتِي مَالَهُ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ، لَا
لِمُكَافَأَةِ نِعْمَتِهِ. (وَلَسَوْفَ يَرْضى) أَيْ سَوْفَ يُعْطِيهِ فِي
الْجَنَّةِ مَا يُرْضِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَضْعَافَ مَا أَنْفَقَ.
وَرَوَى أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: [رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ! زَوَّجَنِي
ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ
مَالِهِ [. وَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ لَهُ بِلَالٌ: هَلِ
اشْتَرَيْتَنِي لِعَمَلِكَ أَوْ لِعَمَلِ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلْ لِعَمَلِ الله
(١). الجآذر (جمع جؤذر) وهو ولد البقرة
الوحشية. والظلمان (بالكسر والضم): جمع الظليم، وهو الذكر من النعام.
(٢).
اليعافير: جمع يعفور: وهو ولد الظبية، وولد البقرة الوحشية أيضا. والعيس: إبل بيض
تخالط بياضها شقرة، جمع أعيس وعيساه.
(٣).
آية ٦٦ سورة النساء. راجع ج ٥ ص ٢٧٠.
[.....]
قَالَ: فَذَرْنِي وَعَمَلَ اللَّهِ،
فَأَعْتَقَهُ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: أَبُو
بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا (يَعْنِي بِلَالًا رضي الله عنه. وَقَالَ عَطَاءٌ- وَرَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-:
إِنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي الدَّحْدَاحِ، فِي النَّخْلَةِ الَّتِي
اشْتَرَاهَا بِحَائِطٍ لَهُ، فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ عَطَاءٍ. وَقَالَ
الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِأَرْبَعِينَ نَخْلَةً، وَلَمْ يُسَمِّ
الرَّجُلَ. قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ نَخْلَةٌ، يَسْقُطُ
مِنْ بَلَحِهَا فِي دَارِ جَارٍ لَهُ، فيتناول صِبْيَانُهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى
النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ. [تَبِيعُهَا بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ [؟
فَأَبَى، فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ
تَبِيعَنِيهَا بِ (حُسْنَى): حَائِطٍ لَهُ. فَقَالَ: هِيَ لَكَ. فَأَتَى أَبُو
الدَّحْدَاحِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِهَا
مِنِّي بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: [نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
[فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ جَارَ
الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: [خُذْهَا [فَنَزَلَتْ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: ١] إِلَى
آخِرِ السُّورَةِ فِي بُسْتَانِ أَبِي الدَّحْدَاحِ وَصَاحِبِ النَّخْلَةِ.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى يَعْنِي أَبَا الدَّحْدَاحِ. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى
أَيْ بِالثَّوَابِ. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى: يَعْنِي الْجَنَّةَ. وَأَمَّا
مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى يَعْنِي الْأَنْصَارِيَّ. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أَيْ
بِالثَّوَابِ. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى، يَعْنِي جَهَنَّمَ. وَما يُغْنِي
عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى أَيْ مَاتَ. إِلَى قَوْلِهِ: لَا يَصْلاها إِلَّا
الْأَشْقَى يَعْنِي بِذَلِكَ الْخَزْرَجِيَّ، وَكَانَ مُنَافِقًا، فَمَاتَ عَلَى
نِفَاقِهِ. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى يَعْنِي أَبَا الدَّحْدَاحِ. الَّذِي
يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى فِي ثَمَنِ تِلْكَ النَّخْلَةِ. مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ
مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى يُكَافِئُهُ عَلَيْهَا، يَعْنِي أَبَا الدَّحْدَاحِ. وَلَسَوْفَ
يَرْضى إِذَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. وَالْأَكْثَرُ أَنَّ السُّورَةَ
نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه. وَرُوِيَ
ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرًا آخَرَ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي
سُورَةِ«الْبَقَرَةِ»، عِنْدَ قَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا «١»
[البقرة:
٢٤٥]. والله تعالى أعلم.
(١). راجع ج ٣ ص ٢٣٧.