(وُصَاتُهُ
لِبَنِيهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا
حَضَرَتْ الْوَلِيدَ الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً: هِشَامَ ابْن
الْوَلِيدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ
لَهُمْ: أَيْ بَنِيَّ، أُوصِيكُمْ بِثَلَاثِ، فَلَا تُضَيِّعُوا فِيهِنَّ: دَمِي
فِي خُزَاعَةَ فَلَا تَطُلُّنَّهُ [٩]، وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُمْ
[١] زِيَادَة عَن أ.
[٢]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والحبن (محركة): انتفاخ الْبَطن من دَاء. وَفِي أ:
«حنبا» .
[٣]
هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[٤]
السبل: فضول الثِّيَاب.
[٥]
انْتقض الْجرْح: إِذا تجدّد بعد مَا بري.
[٦]
الأخمص من بَاطِن الْقدَم: مَا لم يصب الأَرْض.
[٧]
الشبارقة: شَجَرَة عالية، وَفِي طبعة بِهَامِش الرَّوْض الْأنف: شبْرقَة.
[٨]
كَذَا فِي أ، ط: أَي أَن الْقَيْح تحرّك فِي رَأسه وانتشر. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «فامتحض» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف.
[٩]
طل الدَّم وأطله: هدره، فَلم يثأر بِهِ.
مِنْهُ بُرَآءُ، وَلَكِنِّي أَخْشَى
أَنْ تُسَبُّوا بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَرِبَايَ فِي ثَقِيفٍ، فَلَا تَدَعُوهُ
حَتَّى تَأْخُذُوهُ، وَعُقْرِي [١] عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَلَا يَفُوتَنَّكُمْ
بِهِ. وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ قَدْ زَوَّجَهُ بِنْتًا، ثُمَّ أَمْسَكَهَا
عَنْهُ، فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ.
(مُطَالَبَةُ
بَنِي مَخْزُومٍ خُزَاعَةَ بِدَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ):
فَلَمَّا هَلَكَ الْوَلِيدُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، وَثَبَتْ بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ
عَقْلَ [٢] الْوَلِيدِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ- وَكَانَ
لِبَنِي كَعْبٍ حِلْفٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَأَبَتْ
عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ، حَتَّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا، وَغَلُظَ بَيْنَهُمْ
الْأَمْرُ- وَكَانَ الَّذِي أَصَابَ الْوَلِيدَ سَهْمُهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي
كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بْنِ مَخْزُومٍ:
إنِّي زَعِيمٌ أَنْ تَسِيرُوا
فَتَهْرُبُوا ... وَأَنْ تَتْرُكُوا الظَّهْرَانَ تَعْوِي ثَعَالِبُهُ [٣]
وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ
أَطْرِقَا ... وَأَنْ تَسْأَلُوا: أَيُّ الْأَرَاكِ أَطَايِبُهُ؟ [٤]
فَإِنَّا أَنَاسٌ لَا تُطَلُّ [٥]
دِمَاؤُنَا ... وَلَا يَتَعَالَى [٦] صَاعِدًا مَنْ نُحَارِبُهُ
وَكَانَتْ الظَّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ
مَنَازِلَ بَنِي كَعْبٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. فَأَجَابَهُ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي
الْجَوْنِ، أَخُو بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ، فَقَالَ:
وَاَللَّهِ لَا نُؤْتِي الْوَلِيدَ
ظُلَامَةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ
وَيُصْرَعُ مِنْكُمْ مُسْمِنٌ بَعْدَ
مُسْمِنٍ ... وَتُفْتَحُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ [٧]
[١] الْعقر (بِضَم الْعين): دِيَة الْفرج
الْمَغْصُوب.
[٢]
كَذَا فِي أ. وَالْعقل: الدِّيَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «العفل»، بِالْفَاءِ
وَهُوَ تَصْحِيف.
[٣]
الزعيم (هُنَا): الضَّامِن، والظهران: وَاد قرب مَكَّة.
[٤]
الجزعة والجزع: مُعظم الْوَادي، وَقيل: مَا انثنى مِنْهُ. وأطرقا: اسْم علم
لموْضِع، سمى بِفعل الْأَمر للاثنين، فَهُوَ محكي لَا يعرب.
[٥]
طل دَمه (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول): هدر وَلم يثأر بِهِ.
[٦]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يتعاطى» .
[٧]
كَذَا ورد هَذَا الْبَيْت فِي أ. والمسمن: السمين، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الظَّاهِر
فِي النَّاس. والمشارب:
جمع مشربَة، وَهِي الغرفة. وَفِي
سَائِر الْأُصُول:
ويسرع مِنْكُم مسمن عِنْد مسمن ...
وَيفتح بعد الْمَوْت قسرا مشاربه
وَهُوَ ظَاهر التحريف، وقسرا: قهرا.
إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ
وَخَزِيرَكُمْ [١] ... فَكُلُّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ وَنَادِبُهْ
ثُمَّ إنَّ النَّاسَ تَرَادُّوا
وَعَرَفُوا أَنَّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السُّبَّةَ، فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ
بَعْضَ الْعَقْلِ، وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمَّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ
الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ:
وَقَائِلَةٍ لَمَّا اصْطَلَحْنَا
تَعَجُّبًا ... لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ
أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا [٢]
الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمَّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ [٣]
فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ
بِالسِّلْمِ فَاسْتَوَتْ ... فَأَمَّ هَوَاهُ آمِنًا كُلُّ رَاحِلِ
ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ
أَبِي الْجَوْنِ حَتَّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ
أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فَلَحِقَ بِالْوَلِيدِ [٤] (وَ) [٥]
بِوَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذَّرَهُ [٦]، فَقَالَ الْجَوْنُ بْنُ
أَبِي الْجَوْنِ:
أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنَّ
كَعْبًا ... بِمَكَّةَ مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ [٧]
فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ
تَرَاهَا ... بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ [٨]
بِهَا آبَاؤُنَا وَبِهَا وُلِدْنَا
... كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ [٩]
وَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ ذَاكَ
إلَّا ... لِيَعْلَمَ شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ
فَإِنَّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلُّ
إنَّا ... نَطُلُّ دِمَاءً أَنْتَ بِهَا خَبِيرُ
كَسَاهُ الْفَاتِكُ الْمَيْمُونُ
سَهْمًا ... زُعَافًا وَهْوَ مُمْتَلِئٌ بَهِيرُ [١٠]
[١] الخزير: شبه عصيدة بِلَحْم، وَبلا لحم،
وَقيل: هِيَ حساء يتَّخذ بشحم، أَو هِيَ مرقة من بلالة النخالة.
[٢]
يُرِيد: أَن تُؤْتوا، وَمَعْنَاهُ: أَن لَا تُؤْتوا. كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل:
يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ٤: ١٧٦.
[٣]
البلابل: وساوس الأحزان.
[٤]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْوَلِيد» .
[٥]
زِيَادَة عَن أ.
[٦]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا حذر» .
[٧]
كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَبِير» .
[٨]
المعلهج: المطعون فِي نسبه، كَأَنَّهُ منحوت من أصلين، من «العلج» لِأَن الْأمة
علجة، وَمن اللهج» كَأَن واطئ الْأمة قد لهج بهَا. والمهير: الصَّحِيح النّسَب
يُرِيد أَن أمه حرَّة تزوجت بِمهْر.
[٩]
ثبير: جبل بِمَكَّة.
[١٠]
الذعاف: السم، أَو سم السَّاعَة. والبهير: الْمُنْقَطع النَّفس، من البهر بِضَم
الْبَاء.
فَخَرَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ
مُسْلَحِبًّا ... كَأَنَّهُ عِنْدَ وَجْبَتِهِ بَعِيرُ [١]
سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ
... صِغَارٌ جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ [٢]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا
مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أُقْذِعَ فِيهِ [٣] .
(مَقْتَلُ
أَبِي أُزَيْهِرٍ وَثَوْرَةُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لِذَلِكَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَا
هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَهُوَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ
وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ (عَاتِكَةُ) [٤] بِنْتُ أَبِي
أُزَيْهِرٍ، وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ رَجُلًا شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ- فَقَتَلَهُ
بِعُقْرِ الْوَلِيدِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، لِوَصِيَّةِ أَبِيهِ إيَّاهُ،
وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى
بَدْرٌ، وَأُصِيبَ بَهْ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ، فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَمَعَ بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بِذِي الْمَجَازِ، فَقَالَ النَّاس:
أَخْفَر [٥] أَبُو سُفْيَانَ فِي
صِهْرِهِ، فَهُوَ ثَائِرٌ بِهِ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِاَلَّذِي
صَنَعَ ابْنُهُ يَزِيدُ- وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا حَلِيمًا مُنْكَرًا [٦]،
يُحِبُّ قَوْمَهُ حُبًّا شَدِيدًا- انْحَطَّ سَرِيعًا إلَى مَكَّةَ، وَخَشِيَ أَنْ
يَكُونَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حَدَثٌ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَأَتَى ابْنَهُ وَهُوَ فِي
الْحَدِيدِ، فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَيِّبِينَ، فَأَخَذَ
الرُّمْحَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً هَدَّهُ
مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ، قَبَّحَكَ اللَّهُ! أَتُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَ قُرَيْشًا
بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ. سَنُؤْتِيهِمْ الْعَقْلَ إنْ
قَبِلُوهُ، وَأَطْفَأَ ذَلِكَ الْأَمْرَ.
فَانْبَعَثَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ
يُحَرِّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَيُعَيِّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ
وَيُجْبِنُهُ، فَقَالَ:
[١] المسلحب: الممتد. والوجبة: السقطة.
[٢]
الخور: الغزار اللَّبن.
[٣]
أقذع: أفحش فِي الْمقَال.
[٤]
زِيَادَة عَن أ.
[٥]
الخفر: الْغدر، وَنقض الْعَهْد.
[٦]
رجل مُنكر: أَي داهية فطن.
غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي
الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ... وَجَارَ ابْنُ حَرْبٍ بِالْمُغَمَّسِ مَا يَغْدُو [١]
وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ
الضَّرُوطُ ذِمَارَهُ ... وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ [٢]
كَسَاكَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ
ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ
قَضَى وَطَرًا مِنْهُ فَأَصْبَحَ
مَاجِدًا ... وَأَصْبَحْتَ رَخْوًا مَا تُخِبُّ وَمَا تَعْدُو [٣]
فَلَوْ أَنَّ أَشْيَاخًا بِبَدْرٍ
تَشَاهَدُوا ... لَبَلَّ نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ [٤]
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ
قَوْلُ حَسَّانَ قَالَ: يُرِيدُ حَسَّانُ أَنْ يَضْرِبَ بَعْضَنَا بِبَعْضِ فِي
رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ! بِئْسَ وَاَللَّهِ مَا ظَنَّ!
(مُطَالَبَةُ
خَالِدٍ بِرِبَا أَبِيهِ، وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ):
وَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ
كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِبَا الْوَلِيدِ، الَّذِي
كَانَ فِي ثَقِيفٍ، لِمَا كَانَ أَبُوهُ أَوْصَاهُ بِهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ لِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا بَقِيَ
مِنْ الرِّبَا بِأَيْدِي النَّاسِ نَزَلْنَ فِي ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ خَالِدٍ
الرِّبَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَذَرُوا مَا بَقِيَ
مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٢: ٢٧٨ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ فِيهَا.
(ثَوْرَةُ
دَوْسٍ لِلْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَحَدِيثُ أُمِّ غَيْلَانَ):
وَلَمْ يَكُنْ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ
ثَأْرٌ نَعْلَمُهُ، حَتَّى حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ
ضِرَارَ بْنَ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْفِهْرِيَّ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ إلَى أَرْضِ دَوْسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ
غَيْلَانَ، مَوْلَاةٌ لِدَوْسٍ، وَكَانَتْ تَمْشُطُ النِّسَاءَ، وَتُجَهِّزُ
الْعَرَائِسَ، فَأَرَادَتْ دَوْسٌ قَتْلَهُمْ بِأَبِي أُزَيْهِرٍ، فَقَامَتْ
دُونَهُمْ أُمُّ غَيْلَانَ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا، حَتَّى مَنَعَتْهُمْ، فَقَالَ
ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ:
[١] الضوج: جَانب الْوَادي وَمَا انعطف
مِنْهُ. والمغمس: مَوضِع بطرِيق الطَّائِف، فِيهِ قبر أَبى رِغَال دَلِيل
أَبْرَهَة.
[٢]
العير: الْحمار. والذمار: مَا تحق حمايته. وَهِنْد: هِيَ بنت أَبى سُفْيَان. وَقد
ورد هَذَا الْبَيْت فِي أ، ط بعد الْبَيْت الأول. وَورد فِي سَائِر الْأُصُول فِي
آخر الأبيات.
[٣]
تخب: من الخبب: وَهُوَ ضرب من السّير.
[٤]
يعْنى بالمعتبط الْورْد: الدَّم العبيط، وَهُوَ الطري.
جَزَى اللَّهُ عَنَّا أُمَّ
غَيْلَانَ صَالِحًا ... وَنِسْوَتَهَا إذْ هُنَّ شُعْثٌ [١] عَوَاطِلُ
فَهُنَّ دَفَعْنَ الْمَوْتَ بَعْدَ
اقْتِرَابِهِ ... وَقَدْ بَرَزَتْ لِلثَّائِرِينَ الْمَقَاتِلُ
دَعَتْ دَعْوَةً دَوْسًا فَسَالَتْ
شِعَابُهَا [٢] ... بِعِزٍّ وَأَدَّتْهَا الشَّرَاجُ [٣] الْقَوَابِلُ [٤]
وَعَمْرًا جًزًاهُ اللهُ خَيْرًا
فَمَا وَنَى ... وَمَا بَردَتْ مِنْهُ لَدَيَّ الْمَفَاصِلُ
فَجَرَّدْتُ سَيْفِي ثُمَّ قُمْتُ
بِنَصْلِهِ ... وَعَنْ أَيِّ نَفْسٍ بَعْدَ نَفْسِي أُقَاتِلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي
أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الَّتِي قَامَتْ دُونَ ضِرَارٍ أُمُّ جَمِيلٍ، وَيُقَالُ
أُمُّ غَيْلَانَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمُّ غَيْلَانَ قَامَتْ مَعَ
أُمِّ جَمِيلٍ فِيمَنْ قَامَ دُونَهُ.
(أُمُّ
جَمِيلٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ):
فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ أَتَتْهُ أُمُّ جَمِيلٍ، وَهِيَ تُرَى أَنَّهُ أَخُوهُ: فَلَمَّا
انْتَسَبَتْ لَهُ عَرَفَ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ إلَّا فِي
الْإِسْلَامِ، وَهُوَ غَازٍ، وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَّتَكَ عَلَيْهِ، فَأَعْطَاهَا
عَلَى أَنَّهَا ابْنَةُ سَبِيلٍ.
(ضِرَارٌ
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ):
قَالَ الرَّاوِي: قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: وَكَانَ ضِرَارٌ لَحِقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ
يَضْرِبُهُ بِعَرْضِ الرُّمْحِ وَيَقُولُ: اُنْجُ يَا بن الْخَطَّابِ لَا
أَقْتُلُكَ، فَكَانَ عُمَرُ يَعْرِفُهَا لَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ [٥]
.