(إِسْلَامُهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، فَأَسْلَمَ،
وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ. وَأَمَرُوهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ
مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ.
(قِتَالُهُ
أَهْلَ جَرْشٍ):
فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى نَزَلَ بِجُرَشَ [١]، وَهِيَ
يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلَّقَةٌ، وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ،
وَقَدْ ضَوَتْ [٢] إلَيْهِمْ خَثْعَمُ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا
بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ،
وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا، حَتَّى إذَا
كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ، ظَنَّ أَهْلُ جُرَشَ أَنَّهُ
إنَّمَا وَلَّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتَّى إذَا
أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا.
(إخْبَارُ
الرَّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدَّثَ لِقَوْمِهَا):
وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جَرْشٍ بَعَثُوا
رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ
وَيَنْظُرَانِ، فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَشِيَّةً بَعْدَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ، إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ شَكْرُ؟
فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيَّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِبِلَادِنَا
جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ، وَكَذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ:
إِنَّه لَيْسَ بكثر، وَلَكِنَّهُ شَكْرُ، قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟
قَالَ: إنَّ بُدْنَ اللَّهِ
لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ، قَالَ: فَجَلَسَ الرَّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ
إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيَنْعَى
لَكُمَا قَوْمكُمَا [٣]،
[١] جرش (بِوَزْن عمر): مخلاف من مخاليف
الْيمن (كورة) .
[٢]
ضوت إِلَيْهِم: لجأت إِلَيْهِم.
[٣]
أَي يخبركما بِقَتْلِهِم.
فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،
فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا، فَقَامَا
إلَيْهِ، فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ، فَخَرَجَا مِنْ
عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا
قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فِي الْيَوْمِ
الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ، وَفِي السَّاعَةِ الَّتِي
ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ.
(إسْلَامُ
أَهْلِ جُرَشَ):
وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتَّى
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَسْلَمُوا، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ
قَرْيَتِهِمْ، عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ، لِلْفَرَسِ وَالرَّاحِلَةِ
وَلِلْمُثِيرَةِ، بَقَرَةُ الْحَرْثِ، فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النَّاسِ فَمَا لَهُمْ
سُحْتٌ. فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الأزد:
وَكَانَت خشعم تُصِيبُ مِنْ
الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا يَعْدُونَ [١] فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ:
يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ
خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتَّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي
مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعُ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النُّذُرُ [٢]
إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ
أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا [٣]