(الزكاة) هي في اللغة النماء والتطهير.
فالمال ينمو بها من حيث لا يري. وهي مطهرة لمؤديها من الذنوب. وقيل: لينمو أجرها
عند الله تعالى. وسميت في الشرع زكاة، لوجود المعنى اللغوي فيها. وقيل: لأنها تزكي
صاحبها ونشهد بصحة إيمانه.
١ - (٩٧٩)
وحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ: سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ.
فَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
قَالَ:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذود صدقة. ولا فيما دون خمس أواقي
صدقة».
(أوسق) الأوسق جمع وسق. وفيه لغتان: فتح
الواو، وهو المشهور، وكسرها. وأصلها في اللغة الحمل. والمراد بالوسق ستون صاعا. كل
صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. وفي رطل بغداد أقوال: أشهرها إنه مائة درهم
وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. وقيل: مائة وثمانية وعشرون، بلا أسباع.
وقيل: مائة وثلاثون. فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي. وأصح الأقوال إن
هذا التقدير بالأرطال تقريب. (ولا فيما دون خمس ذود) الرواية المشهورة خمس ذود.
بإضافة ذود إلى خمس. وروى بتنوين خمس. ويكون ذود بدلا منه قال أهل اللغة: الذود من
الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه. إنما يقال في الواحد: بعير. وكذلك النفر
والرهط والقوم والنساء. وأشباه هذه الألفاظ لا واحد لها من لفظها. قالوا وقوله:
خمس ذود كقوله خمسة أبعرة وخمسة جمال وخمس نوق وخمس نسوة. قال سيبويه: تقول ثلاث
ذود. لأن الذود مؤنث، وليس باسم كسر عليه مذكره. قال أبو حاتم السجستاني: تركوا
القياس في الجمع فقالوا: خمس ذود لخمس من الإبل وثلاث ذود لثلاث من الإبل وأربع
ذود وعشر ذود على غير قياس. (ولا فيما دون خمس أواقي صدقة) هكذا وقع في الرواية
الأولى: أواقي، بالياء. وفي باقي الروايات بعدها: أواق، بحذف الياء. وكلاهما صحيح
قال أهل اللغة: الأوقية، بضم الهمزة وتشديد الياء، وجمعها أواقي بتشديد الياء
وتخفيفها، وأواق بحذفها. وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة اللغة على أن الأوقية
الشرعية أربعون درهما. وهي أوقية الحجاز. قال القاضي عياض: ولا يصح أن تكون الأوقية
والدراهم مجهولة في زمن النبي ﷺ وهو يوجب الزكاة في أعداد منها. ويقع بها البياعات
والأنكحة. كما ثبت بالأحاديث الصحيحة.
٢ - (٩٧٩)
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ. ح
وحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ.
كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، مثله.
(٩٧٩) - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو
بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ، يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول.
وَأَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِكَفِّهِ بِخَمْسِ أَصَابِعِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ
حَدِيثِ ابْنِ عيينة.
٣ - (٩٧٩)
وحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا
بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ) حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ
فِيمَا دُونَ خَمْسِ أواق صدقة».
٤ - (٩٧٩)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو الناقد وزههير بْنُ
حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لَيْسَ فِيمَا دون خمسة أو ساق من
تمر ولا حب صدقة».
(ولا فيما دون خمسة أو ساق) هكذا هو في
الأصول: خمسة أو ساق. وهو صحيح. جمع وسق، بكسر الواو، كحمل وأحمال.
٥ - (٩٧٩)
وحَدَّثَنَا إسحاق بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ
مَهْدِيٍّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أمية، عن محمد بن يحيى ابن
حَبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنّ
النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ
صَدَقَةٌ. حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ
صَدَقَةٌ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ».
(٩٧٩) - وحَدَّثَنِي عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ
مَهْدِيٍّ.
(٩٧٩) - وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبد
الرزاق. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: (بَدَلَ التَّمْرِ) ثمر.
٦ - (٩٨٠)
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلي. قالا: حدثنا
ابن وهب. أخبرني عياض بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ أَنَّهُ قَالَ:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ
مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ
صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التمر صدقة».
(من الورق) قال أهل اللغة، يقال ورق وورق
بكسر الراء وإسكانها. والمراد به، هنا، الفضة كلها. مضروبها وغيره. واختلف أهل
اللغة في أصله. فقيل: يطلق، في الأصل، على جميع الفضة. وقيل: هو حقيقة للمضروب
دراهم، ولا يطلق على غير الدراهم إلا مجازا.
(١) بَاب مَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ
الْعُشْرِ
٧
- (٩٨١)
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وعمرو بن سواد
والوليد ابن شجاع. كلهم عَنْ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ أَبُو الطاهر: أخبرنا عبد الله
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ؛
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
ﷺ قَالَ:
«فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ
وَالْغَيْمُ العشور. وفيما سقى بالسانية نصف العشر».
(فيما سقت الأنهار والغيم العشور) ضبطناه
العشور، بضم العين، جمع عشر. والغيم هو المطر. (وفيما سقى بالسانية) السانية هو
البعير الذي يستقى به الماء من البئر. ويقال له: الناضح. يقال منه: سنا يسنو سنوا،
إذا استقى به.
(٢) بَاب لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي
عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ
٨
- (٩٨٢)
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ
بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ إن رسول الله ﷺ قال:
«ليس على المسلم
⦗٦٧٦⦘
في عبده ولا فرسه صدقة».
٩ - (٩٨٢)
وحدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ موسى عن مكحول، عن سليمان ابن يَسَارٍ،
عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، (قَالَ عَمْرٌو): عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ. (وَقَالَ زُهَيْرٌ: يَبْلُغُ بِهِ):
«لَيْسَ على المسلم في عبده ولا فرسه
صدقة».
(يبلغ به) يعني يرفعه إليه ﷺ.
(٩٨٢) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ. حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. كُلُّهُمْ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. بِمِثْلِهِ.
١٠ - (٩٨٢) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ
وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وأحمد بن عيسى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال:
«لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ
إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ».
(إلا صدقة الفطر) بالرفع على البدلية،
وبالنصب على الاستثنائية.
(٣) بَاب فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ
وَمَنْعِهَا.
١١
- (٩٨٣)
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ. حَدَّثَنَا
وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ
عَلَى الصَّدَقَةِ. فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فقال رسول الله ﷺ: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ
جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ.
⦗٦٧٧⦘
وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ
تَظْلِمُونَ خَالِدًا. قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ. وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ. وَمِثْلُهَا مَعَهَا». ثُمَّ
قَالَ: «يَا عُمَرُ! أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عم الرجل صنوا أبيه؟».
(منع ابن جميل) أي منع الزكاة وامتنع من
دفعها. (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فقيرا فأغناه الله) يعني
ما يغضب ابن جميل على طالب الصدقة إلا كفران هذه النعمة وهي أَنَّهُ كَانَ
فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ. (وَأَمَّا خَالِدٌ فإنكم تظلمون خالدا الخ) قال أهل
اللغة: الأعتاد آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها. والواحد عتاد. ويجمع أعتاد
وأعتدة. وقيل: إن أعتاد جمع عتد. أما عتاد فجمعه أعتدة. ومعنى الحديث: أنهم طلبوا
من خالد زكاة أعتاده. ظنا منهم أنها للتجارة. وأن الزكاة فيها واجبة. فقال لهم: لا
زكاة لكم على. فقالوا للنبي ﷺ: إن خالدا منع الزكاة. فقال لهم: إنكم تظلمونه لأنه
حبسها ووقفها في سبيل الله، قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها. (قد احتبس) يقال:
حبسه واحتبسه إذا وقفه. ويقال للوقف: حبيس. (وأما العباس فهي على ومثلها معها)
معناه أني تسلفت منه زكاة عامين. (أما شعرت أن عم الرجل صنوا أبيه) أي مثله
ونظيره. يعني أنهما من أصل واحد. يقال لنخلتين طلعتا من عرق واحد: صنوان.
ولأحدهما: صنو. ويكون جمعه على صورة مثناه المرفوع. ويتميزان بالإعراب.
(٤) بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ.
١٢
- (٩٨٤)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وحدثنا يحيى بن يحيى (واللفظ له) قال:
قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر؛
أن رسول الله ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ. صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى. مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
١٣ - (٩٨٤) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا
أَبِي. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ:
فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ
الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. عَلَى كُلِّ عبد أو حر.
صغير أو كبير.
١٤ - (٩٨٤) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زيع عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قَالَ:
فَرَضَ النَّبِيُّ ﷺ صَدَقَةَ
رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، صَاعًا مِنْ
تَمْرٍ؛ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ
مِنْ بر.
١٥ - (٩٨٤) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ
بِزَكَاةِ الْفِطْرِ. صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ
عُمَرَ: فَجَعَلَ الناس عدله مدين من حنطة.
(عدله) أي مثله ونظيره. قال في المصباح: وعدل
الشيء، بالكسر، مثله من جنسه أو مقداره. وعدله، بالفتح، ما يقوم مقامه من غير جنسه.
١٦ - (٩٨٤) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ الله بن عمر؛
أن رسول الله ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ
الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ
عَبْدٍ. أَوْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ. صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
أَوْ صَاعًا من شعير.
١٧ - (٩٨٥) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يحيى. قال:
قرأت على مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بن عبد الله بن سعد بن
أبي سَرْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ:
كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ
صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ
صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا من زبيب.
(أقط) الأقط هو الكشك. وهو اللبن المتحجر مثل
الجبن.
١٨ - (٩٨٥) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ) عَنْ
عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ:
كُنَّا نُخْرِجُ، إِذْ كَانَ فِينَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. حُرٍّ أَوْ
مَمْلُوكٍ. صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. فَلَمْ نَزَلْ
نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا،
أَوْ مُعْتَمِرًا. فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ
بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ
تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا
فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، كَمَا كُنْتُ أخرجه أبدا، ما عشت.
(أن مدين من سمراء الشام) المدان تثنية مد،
وهو ربع الصاع. فالمدان نصفه. والمراد بالسمراء الحنطة. أي أن نصف الصاع منها يعدل
صاعا من تمر. أي يساويه في الأجزاء.
١٩ - (٩٨٥) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ.
قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ ابن أَبِي سَرْحٍ؛
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ:
كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ،
وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِينَا، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ.
مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَةُ. فَرَأَى
أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:
فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ.
٢٠ - (٩٨٥) وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبد
الرزاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن أبي
ذباب، عن عياض ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ:
كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ
مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: الْأَقِطِ، وَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ.
٢١ - (٩٨٥) وحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ.
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
أَنَّ مُعَاوِيَةَ، لَمَّا جَعَلَ
نِصْفَ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ عَدْلَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَنْكَرَ ذَلِكَ
أَبُو سَعِيدٍ. وَقَالَ: لَا أُخْرِجُ فِيهَا إِلَّا الَّذِي كُنْتُ أُخْرِجُ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ.
(٥) بَاب الْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ
الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ
٢٢
- (٩٨٦)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عن موسى بن عقبة،
عن نافع، عن ابن عمر؛
أن رسول الله ﷺ أَمَرَ بِزَكَاةِ
الْفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.
٢٣ - (٩٨٦) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ الله بن عمر؛
أن رسول الله ﷺ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ
زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.
(٦) بَاب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
٢٤
- (٩٨٧)
وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ
الصَّنْعَانِيَّ) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ
أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسول الله ﷺ:
«مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا
فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ،
صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ. كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ
لَهُ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
⦗٦٨١⦘
سَنَةٍ. حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
الْعِبَادِ. فَيَرَى سَبِيلَهُ. إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى
النَّارِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: «وَلَا صَاحِبُ
إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ
وِرْدِهَا. إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. بُطِحَ لها بقاع قرقر. أو فر
مَا كَانَتْ. لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا. تطؤه بأخفافا وَتَعَضُّهُ
بِأَفْوَاهِهَا. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا.
فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
الْعِبَادِ. فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: «ولا صاحب بقر ولا
غنم يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ
لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا. لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ
وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ
بِأَظْلَافِهَا. كُلَّمَا مر عليه أولادها رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا. فِي يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ.
فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النار». قيل يَا
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ! فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ
وِزْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ
لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وفخرا ونواء عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ
فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي
سبيل الله. ثم لم ينسى حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا. فَهِيَ
لَهُ سِتْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ، فَمَا أَكَلَتْ مِنْ
ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ. إِلَّا كُتِبَ لَهُ، عَدَدَ مَا
أَكَلَتْ، حَسَنَاتٌ، وَكُتِبَ لَهُ، عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا،
حَسَنَاتٌ. وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلَّا
كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا، حَسَنَاتٍ. وَلَا مَرَّ
بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ
⦗٦٨٢⦘
مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ
يَسْقِيَهَا، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، عَدَدَ مَا شَرِبَتْ، حَسَنَاتٍ».
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْحُمُرُ؟ قَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي
الْحُمُرِ شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: ﴿فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يعمل مثقال ذرة شر يره﴾».
(لا يؤدي منها حقها) قد جاء الحديث على وفق
التنزيل: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله. الآية. فاكتفى
ببيان صاحب الفضة عن بيان حال صاحب الذهب. لأن الفضة، مع كونها أقرب مرجع للضمير
أكثر تداولا في المعاملات من الذهب. ولذا اكتفى بها. (صفحت له صفائح) الصفائح جمع
صفيحة. وهي العريضة من الحديد وغيره. أي جعلت كنوزه الذهبية والفضية كأمثال
الألواح. (من نار) يعني كأنها نار. لا أنها نار. (كلما بردت) هكذا هو في بعض
النسخ: بردت، بالباء. وفي بعضها: ردت. وذكر القاضي الروايتين. وقال: الأولى هي
الصواب. قال: والثانية رواية الجمهور. (فيرى سبيله) ضبطناه بضم الياء وفتحها.
وبرفع لام سبيله، ونصبها. ويكون يرى، بالضم، من الإراءة. وفيه إشارة إلى أنه مسلوب
الاختيار يومئذ، مقهور لا يقدر أن يذهب حتى يعين له أحد السبيلين. (حلبها) هو بفتح
اللام، على اللغة المشهورة. وحكى إسكانها، وهو غريب ضعيف، وإن كان هو القياس. (بطح
لها بقاع قرقر) بطح، قال جماعة: معناه ألقي على وجهه. وقال القاضي: ليس من شرط
البطح كونه على الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد. فقد يكون على وجهه
وقد يكون على ظهره. ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها. والقاع المستوي الواسع من
الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه. قال الهروي: وجمعه قيعة وقيعان. مثل جار وجيرة
وجيران. والقرقر المستوي أيضا، من الأرض، الواسع. (كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ
أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا) هكذا هو في جميع الأصول، في هذا الموضع. قال
القاضي عياض: قالوا: هو تغيير وتصحيف. وصوابها ما جاء بعده في الحديث الآخر: كلما
رد عليه أولاها. وبهذا ينتظم الكلام. (لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ
وَلَا عَضْبَاءُ) قال أهل اللغة: العقصاء ملتوية القرنين. والجلحاء التي لا قرن
لها. والعضباء التي انكسر قرنها الداخل. (تطؤه بأظلافها) الأظلاف جمع ظلف. وهو
للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. (فأما التي هي له وزر) هكذا هو في أكثر النسخ:
التي. ووقع في بعضها: الذي. وهو أوضح وأظهر. (ونواء على أهل الإسلام) أي ماوأة
ومعاداة. (فرجل) أي فخيل رجل (ربطها في سبيل الله) أي أعدها للجهاد. وأصله من
الرباط. وهو حبس الرجل نفسه في الثغر، وإعداده الأهبة لذلك. (في مرج وروضة) قال
ابن الأثير: المرج هو الأرض الواسعة، ذات نبات كثير، يمرج فيه الدواب، أي تسرح.
والروضة أخص من المرعى. (ولا تقطع طولها) أي حبلها الطويل الذي شد أحد طرفيه في يد
الفرس، والآخر في وتد أو غيره، لتدور فيه وترعى من جوانبها، ولا تذهب لوجهها. قال
النووي: ويقال: طيلها، بالياء. وكذا جاء في الموطأ. (فاستنت شرفا أو شرفين) معنى
استنت جرت وعدت. والشرف هو العالي من الأرض. وقيل: المراد هنا طلقا أو طلقين. وقال
ابن الأثير: الشرف هو الشوط. (فالحمر) جمع حمار. أي فما حكمها. (ما أنزل علي في
الحمر الخ) معنى الفاذة القليلة النظير. والجامعة أي العامة، المتناولة لكل خير
ومعروف. ومعنى الحديث: لم ينزل علي فيها نص بعينها. لكن نزلت هذه الآية العامة.
٢٥ - (٩٨٧) وحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي
هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ،
بِمَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، إِلَى آخره. غيره أَنَّهُ قَالَ:
«مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا
يُؤَدِّي حَقَّهَا»وَلَمْ يَقُلْ «مِنْهَا حَقَّهَا» وَذَكَرَ فِيهِ «لَا يَفْقِدُ
مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا» وَقَالَ: «يُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ
وَظَهْرُهُ».
٢٦ - (٩٨٧) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ.
حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال:
قال رسول الله ﷺ:
«مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا
يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُجْعَلُ
صَفَائِحَ. فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ. حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ
بَيْنَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمٍ كَانَ مقداره خمسين ألف سنة. ثم يرى سلبيه إِمَّا
إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا
يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا
كَانَتْ. تَسْتَنُّ عَلَيْهِ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ
عَلَيْهِ أُولَاهَا. حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى
الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي
زَكَاتَهَا. إِلَّا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ.
فَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا. لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ
وَلَا جَلْحَاءُ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا.
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى
الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».
⦗٦٨٣⦘
قَالَ سُهَيْلٌ: فَلَا أَدْرِي
أَذَكَرَ الْبَقَرَ أَمْ لَا. قَالُوا: فَالْخَيْلُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ:
«الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا (أَوَ
قَالَ) الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا (قَالَ سُهَيْلٌ: أَنَا أَشُكُّ)
الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ
أَجْرٌ. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ.
فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ. فَلَا تُغَيِّبُ
شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا. وَلَوْ رَعَاهَا فِي
مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا.
وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي
بُطُونِهَا أَجْرٌ. (حَتَّى ذَكَرَ الْأَجْرَ في أبوالها وأوراثها) وَلَوِ
اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كُتِبَ لَهُ بكل خطوة تخطوها أجر. في عسرها
ويسرها. وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تكرما
وتجملا. ولا ينسى حق ظهورها وبطونها. فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِي
عَلَيْهِ وِزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِيَاءَ
النَّاسِ. فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ». قَالُوا: فَالْحُمُرُ؟ يَا رَسُولَ
اللَّهِ! قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا هَذِهِ
الْآيَةَ الْجَامِعَةَ الْفَاذَّةَ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾».
(ما من صاحب كنز) قال الإمام أبو جعفر
الطبري: الكنز كل شيء مجموع بعضه على بعض، سواء كان في بطن الأرض أو على ظهرها.
زاد صاحب العين وغيره: وكان مخزونا. (الخيل معقود في نواصيها الخير) يعني أن الخير
ملازم بها كأنه معقود فيها. (أشر ا وبطرا وبذخا) قال أهل اللغة: الأشر هو المرح
واللجاج. وأما البطر فالطغيان عند الحق. وأما البذخ فهو بمعنى الأشر والبطر. وقال
الراغب: الأشر شدة البطر. والبطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة، وقلة
القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها. وقال ابن الأثير: البذخ هو الفخر والتطاول.
(٩٨٧) - وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ
سُهَيْلٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَسَاقَ الحديث.
(٩٨٧) - وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ
وَقَالَ (بَدَلَ عَقْصَاءُ) «عَضْبَاءُ». وَقَالَ:
«فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ
وَظَهْرُهُ» وَلَمْ يَذْكُر: جَبِينُهُ
(٩٨٧) - وحدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا
ابن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيْرًا
⦗٦٨٤⦘
حَدَّثَهُ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رسول الله ﷺ؛ أنه قَالَ:
«إِذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَرْءُ حَقَّ
اللَّهِ أَوِ الصَّدَقَةَ فِي إِبِلِهِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ
سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ.
٢٧ - (٩٨٨) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا
يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا
كَانَتْ قَطُّ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَسْتَنُّ عَلَيْهِ
بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا. وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا
حَقَّهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ
لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا.
وَلَا صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا. إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ
بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا. لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ
قَرْنُهَا. وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ. إِلَّا جَاءَ
كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ. يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ.
فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ. فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ.
فَأَنَا عنه غني. فإذا رأى أن لابد مِنْهُ. سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ.
فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ».
قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ
عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ. ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ.
⦗٦٨٥⦘
وقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ
عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ
الْإِبِلِ؟ قَالَ: «حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ. وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا. وَإِعَارَةُ
فَحْلِهَا. ومنيحتها. وحمل عليها في سبيل الله».
(أكثر ما كانت قط) هكذا هو في الأصول بالثاء
المثلثة. وفي قط لغات حكاهن الجوهري. والفصيحة المشهورة قط. (تستن عليه بقوائمها
وأخفافها) أي ترفع يديها وتطرحهما معا على صاحبها. (جماء) هي الشاة التي لاقرن
لها. كجلحاء. مذكره أجم. (والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه. وقيل: الشجاع الذي
يواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه. وربما بلغ رأس الفارس. ويكون في الصحارى.
(فيناديه) أي ينادي الشجاع صاحب الكنز. (سلك يده) معنى سلك أدخل. (فيقضمها قضم
الفحل) يقال: قضمت الدابة شعيرها تقضمه، إذا أكلته. (حلبها على الماء) أي يوم
ورودها. قال النووي: وفي حلبها في ذلك اليوم رفق بالماشية وبالمساكين لأنه أهون
على الماشية وأرفق بها وأوسع عليها من حلبها في المنازل. وهو أسهل على المساكين
وأمكن في وصولهم إلى موضع الحلب ليواسوا. (ومنيحتها) قال أهل اللغة: المنيحة
ضربان: أحدهما أن يعطي الآخر شيئا هبة. وهذا النوع يكون في الحيوان والأرض والأثاث
وغير ذلك. الثاني أن يمنحه ناقة أو بقرة أو شاة ينتفع بلبنها ووبرها وصوفها وشعرها
زمانا. ثم يردهها. ويقال: منحه يمنحه بفتح النون في المضارع وكسرها. قال في
النهاية: ويقال: المنحة أيضا، بكسر الميم.
٢٨ - (٩٨٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا
بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا. إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا.
وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا. لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ
وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا حَقُّهَا؟
قَالَ: «إِطْرَاقُ فَحْلِهَا. وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا. وَمَنِيحَتُهَا. وحلبها. على
المائز وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلَا مِنْ صاحب مال لا يؤدي
زكانه إِلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ. يَتْبَعُ
صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ. وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ. وَيُقَالُ: هَذَا مَالُكَ
الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ. فَإِذَا رأى أنه لابد مِنْهُ. أَدْخَلَ يَدَهُ فِي
فِيهِ. فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كما يقضم الفحل»
(أقعد) كذا بزيادة الهمزة هنا، في النسخ.
كلها خطها وطبعها. (إطراق فحلها) أي غعارته للضرب. (السعاة) جمع الساعي، وهم
العاملون على الصدقات.
(٧) باب إرضاء السعاة
(السعاة) جمع الساعي، وهم العاملون على
الصدقات.
٢٩ - (٩٨٩) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ
بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن
هلال العبس عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَالَ:
جَاءَ ناس
⦗٦٨٦⦘
من الأعراب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَقَالُوا: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا.
قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ». قَالَ جَرِيرٌ: مَا
صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ، مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلا وهو
عني راض.
(المصدقين) بتخفيف الصاد. وهم السعاة
العاملون على الصدقات. (ارضوا مصدقيكم) معناه ببذل الواجب وملا طفتهم وترك مشاقهم.
(٩٨٩) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وحَدَّثَنَا إسحاق. أَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
(٨) بَاب تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ مَنْ لَا
يُؤَدِّي الزَّكَاةَ
٣٠
- (٩٩٠)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع. حدثنا الأعشى عن المعرور بن سويد، عن أبي
ذر. قَالَ:
انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ
وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ: فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «هُمُ
الْأَخْسَرُونَ. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!» قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ. فَلَمْ
أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! مَنْ
هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا. إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا
وَهَكَذَا وَهَكَذَا (مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ
وَعَنْ شِمَالِهِ) وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ
وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وأسمنه. تنطحه بقرونها وتطوؤه بأظلافها. كلما نفذت أخراها
عادت عليه أولادها. حتى يقضى بين الناس».
(فلم أتقار) أي لم يمكنني القرار والثبات.
(فداك أبي وأمي) بفتح الفاء في جميع النسخ. لأنه ماضى خبر بمعنى الدعاء. ويحتمل
كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال. أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي. (إلا
من قال هكذا وهكذا وهكذا) أي إلا من أشار بيده إلى الجوانب في صرف ماله إلى وجوه
الخير. فالقول مجاز عن الفعل. (كلما نفدت) هكذا ضبطناه: نفدت بالدال المهمله.
ونفذت بالذال المعجمة وفتح الفاء. وكلاهما صحيح.
(٩٩٠) - حدثناه أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ
بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ
الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ:
انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ
وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: «والذي نفسى بيده! ماعلى الْأَرْضِ رَجُلٌ يَمُوتُ. فَيَدَعُ
إِبِلًا أَوْ بَقَرًا أو غنما، يؤد زكاتها».
٣١ - (٩٩١) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الربيع (يعني ابن مسلم) عن محمد ابْنُ زِيَادٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا
ذَهَبًا. تَأْتِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إِلَّا دِينَارٌ
أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ علي».
(أرصده) بفتح الهمزه وضم الصاد. أو بضم
الهمزة وكسر الصاد أي أعده.
(٩٩١) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
زِيَادٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمِثْلِهِ.
(٩) بَاب التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ
٣٢
- (٩٤)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ
نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ يَحْيَى:
أَخْبَرَنَا أَبُو معاوية عن الأعمشى، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ،. قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ
فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، عِشَاءً. وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ. فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ!
قَالَ: «ما أحب أن أحد ذَاكَ عِنْدِي
ذَهَبٌ. أَمْسَى ثَالِثَةً عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ
لِدَيْنٍ. إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ. هَكَذَا (حَثَا بَيْنَ
يَدَيْهِ) وَهَكَذَا (عَنْ يَمِينِهِ) وَهَكَذَا (عَنْ شِمَالِهِ)» قَالَ: ثُمَّ
مَشَيْنَا فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ!» قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ! يَا رَسُولَ
اللَّهِ! قال: «إن الأكثرين هم الأقلين يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلَّا مَنْ قَالَ
هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» مِثْلَ مَا صَنَعَ
⦗٦٨٨⦘
فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. قال:
قَالَ «يَا أَبَا ذَرٍّ! كَمَا أَنْتَ حَتَّى أتيك» قال: فانطلق حتى توارة عني.
فقال: سَمِعْتُ لَغَطًا وَسَمِعْتُ صَوْتًا. قَالَ فَقُلْتُ: لَعَلَّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ عُرِضَ لَهُ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ. قَالَ: ثُمَّ
ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: «لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ.
فَلَمَّا جَاءَ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي سَمِعْتُ. قَالَ فَقَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ.
أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دخل
الجنة. قال قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق».
(في حرة المدينة) هي أرض ذات حجارة سود خارج
المدينة المنورة. وهي بين حرتين. وتسميان لابتين. ويوم الحرة وقعة مشهورة في
الإسلام. (حثا بين يديه) هو من كلام أبي ذر. ومعناه رمى. وقوله: بين يديه وعن
يمينه وعن شماله، من كلامه. (لغطا) هو بفتح الغين وأسكانها، لغتان أي جلبة وصوتا
غير مفهوم. (عرض له) أي عرض له الجن أو أصابه منهم مس.
٣٣ - (٩٤) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ رُفَيْعٍ) عَنْ زَيْدِ
بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَالَ:
خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي.
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَحْدَهُ. لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ. قَالَ:
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَجَعَلْتُ
أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ. فَالْتَفَتَ فَرَآنِي. فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟»
فَقُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ. جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ
تَعَالَهْ». قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ
هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ
فِيهِ خَيْرًا».
قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً.
فَقَالَ: «اجْلِسْ ههنا» قَالَ: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ.
فَقَالَ لي: «أجلس ههنا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ» قَالَ: فَانْطَلَقَ فِي
الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ. فَلَبِثَ عَنِّي. فَأَطَالَ اللَّبْثَ. ثُمَّ
إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ: «وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى»
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! جَعَلَنِي
اللَّهُ فِدَاءَكَ. مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا
يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا. قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ
الْحَرَّةِ. فقال: أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ
⦗٦٨٩⦘
مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ
شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ
قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. وإن شرب الخمر».
(تعاله) كذا بهاء السكت. (إلا من أعطاه الله
خيرا ... الخ) قال النووي: المراد بالخير الأول المال. كقوله تعالى: وإنه لحب
الخير أي المال. والمراد بالخير الثاني طاعة الله تعالى. والمراد بيمينه وشماله ما
سبق أنه جمع وجوه المكارم والخير. ونفح، بالحاء المهملة، أي ضرب يده فيه بالعطاء.
والنفح الرمي والضرب. (فأطال اللبث) بفتح اللام وضمها، مثل المكث والمكث.
(١٠) بَاب فِي الْكَنَّازِينَ لِلْأَمْوَالِ
وَالتَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ
٣٤
- (٩٩٢)
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم عن
الجريري، عن أبي الْعَلَاءِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ. قَالَ:
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَبَيْنَا
أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ
الثِّيَابِ. أَخْشَنُ الْجَسَدِ. أَخْشَنُ الْوَجْهِ. فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
بشر الكنازين بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُوضَعُ عَلَى
حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ. حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نغضى كَتِفَيْهِ. وَيُوضَعُ
عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ. حَتَّى يَخْرُجَ من حلمة ثدييه. قال: فوضع القوم رؤوسهم.
فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَدْبَرَ
وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ. فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما
قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا. إِنَّ خَلِيلِي
أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ
⦗٦٩٠⦘
فَقَالَ: «أَتَرَى أُحُدًا؟»
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي
حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَالَ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ
ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ. إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ» ثُمَّ هَؤُلَاءِ
يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا. لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا. قَالَ قُلْتُ: مالك
وَلِإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ. قَالَ: لَا.
وَرَبِّكَ! لَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا. وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ.
حَتَّى أَلْحَقَ بِاللَّهِ ورسوله.
(فبينا أنا في حلقة) أي بين أوقات قعودي في
الحلقة. والحلقة. بإسكان اللام. وحكى الجوهري لغة رديئة في فتحها. (ملأ من قريش)
الملأ الأشراف. ويقال أيضا للجماعة. (أخشن الثياب ... الخ) هو بالخاء. والشين
معجمتين، في الألفاظ الثلاثة. ونقله القاضي هكذا عن الجمهور وهو من الخشونة. (فقام
عليهم) أي فوقف. (بشر الكانزين) هم الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله. والمبالغ في ادخارهما يسمىكنازا. (برضف) الرضف الحجارة المحماة.
الواحدة رضفة، مثل تمر وتمرة. (يحمى عليه) أي يوقد عليه. (من نغض كتفيه) النغض هو
العظم الرقيق الذي على طرف الكتف. ويقال له أيضا: الناغض. (يتزلزل) التزلزل إنما
هو للرضف. أي يتحرك من نغض كتفه حتى يخرج من حلمه ثدييه. (رجع إليه شيئا) رجع
يتعدى بنفسه في اللغة الفصحى. قال تعالى: ﴿فإن رجعك الله إلى طائفة منهم﴾. ويقال:
ليس لكلامه مرجوع أي جواب. كما في المفردات. (فنظرت ما علي من الشمس) يعني كم بقي
من النهار. (ذهبا) تمييز، رافع لإبهام المثلية. (لا تعتريهم) أي تأتيهم وتطلب
منهم. يقال: عروته واعتريته واعتروته، إذا أتيته تطلب منه حاجة. (لا أسألهم عن
دنيا) هكذا هو في الأصول: عن دنيا. وفي رواية البخاري: لا أسألهم دنيا. بحذف عن
وهو الأجود. أي لا أسألهم شيئا من متاعها.
٣٥ - (٩٩٢) وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ. حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ عَنْ الْأَحْنَفِ
بْنِ قَيْسٍ. قَالَ:
كُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ.
فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَيٍّ فِي
ظُهُورِهِمْ. يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ. وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ
يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ. قَالَ ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ. قَالَ قُلْتُ: مَنْ
هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: ماشيء
سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيْلُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ إِلَّا شَيْئًا قَدْ سَمِعْتُهُ
مِنْ نَبِيِّهِمْ ﷺ. قَالَ قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ؟ قَالَ:
خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ معونة. فإذا كان ثمنا لدينك فدعه.
(من قبل أقفائهم) أي من جهة مؤخر رؤوسهم.
(قبيل) مصغر قبل، مبنيا على الضم لانقطاعه عن الإضافة. وهو ظرف في القول. أي ما
الذي قلته آنفا.
(١١) باب الحث على النفقة وبتبشير
الْمُنْفِقِ بِالْخَلَفِ
٣٦
- (٩٩٣)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ.
قَالَا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. يبلغ
به النبي ﷺ قَالَ:
«قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:
يَا ابْنَ آدَمَ!
⦗٦٩١⦘
أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».
وَقَالَ: «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى (وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ مَلْآنُ) سَحَّاءُ.
لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ والنهار».
(أنفق أنفق عليك) هو معنى قوله عز وجل:
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه. فيتضمن
الحث على الأنفاق في وجوه الخير، والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى. (وقال ابن
نمير ملآن) هكذا وقعت رواية ابن نمير بالنون. قالوا وهو غلط منه وصوابه ملأى.
(سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار) ضبطوا سحاء بوجهين: أحدهما سحا بالتنوين على
المصدر وهذا هو الأصح الأشهر. والثاني حكاه القاضي: سحاء بالمد على الوصف. ووزنه
فعلاء صفة لليد. وهذا الثاني هو الذي عليه النسخ الموجودة. والسح: الصب الدائم.
والليل والنهار، في هذه الرواية، منصوبان على الظرف. ومعنى لا يغيضها شيء ينقصها،
يقال: غاض الماء وغاضه الله، لازم ومتعد.
٣٧ - (٩٩٣) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قال: هذا ما حدثنا
أبو هريرة عن رسول الله ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ:
«إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي: أَنْفِقْ
أُنْفِقْ عَلَيْكَ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى. لَا
يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ
خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ». قَالَ:
«وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وبيده الأخرى القبض. يرفع ويخفض».
(لا يغيضها سحاء الليل والنهار) ضبطناه
بوجهين: نصب الليل والنهار ورفعهما. النصب على الظرف، والرفع على أنه فاعل. (وبيده
الأخرى القبض يرفع ويخفض) ضبطوه بوجهين: أحدهما الفيض بالفاء والياء والثاني القبض
بالقاف والباء. وذكر القاضي أنه بالقاف وهو الموجود لأكثر الرواة. قال: وهو الأشهر
والمعروف. قال ومعنى القبض الموت. وأما الفيض بالفاء فالإحسان والعطاء والرزق
الواسع. قال وقد يكون بمعنى القبض، بالقاف، أي الموت. ومعنى يخفض ويرفع، قيل: هو
عبارة عن تقدير الرزق يقتره على من يشاء ويوسعه على من يشاء. وقد يكونان عن تصرف
المقادير بالخلق، بالعز والذل.
(١٢) بَاب فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى
الْعِيَالِ وَالْمَمْلُوكِ، وَإِثْمِ مَنْ ضَيَّعَهُمْ أَوْ حَبَسَ نَفَقَتَهُمْ
عَنْهُمْ
٣٨
- (٩٩٤)
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كلاهما
عن حماد بن زياد. قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ. قَالَ:
قَالَ
⦗٦٩٢⦘
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ
الرَّجُلُ. دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ
عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَالَ
أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى
عيال صغار. يعفهم، أوينفعهم الله به، ويغنيهم.
(على عياله) أي من يعوله ويلزمه مؤنته من نحو
زوجة وخادم وولد. (على دابته) أي التي أعدها للغزو عليها.
٣٩ - (٩٩٥) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ (وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ)
قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قال: قال رسول الله ﷺ:
«دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ. وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ. وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ
عَلَى مِسْكِينٍ. وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ. أَعْظَمُهَا أَجْرًا
للذي أنفقته على أهلك».
(في رقبة) أي في فك رقبة وإعتاقها.
٤٠ - (٩٩٦) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجَرْمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ
الْكِنَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ؛
قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو. إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ. فَقَالَ: أَعْطَيْتَ
الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يحبس، عمن يملك، قوته».
(قهرمان) هو الخازن قائم بحوائج الإنسان. وهو
بمعنى الوكيل. (قوته) مفعول يحبس.
(١٣) بَاب الِابْتِدَاءِ فِي النَّفَقَةِ
بِالنَّفْسِ ثُمَّ أَهْلِهِ ثُمَّ الْقَرَابَةِ
٤١
- (٩٩٧)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا ليث. ح وحدثنا محمد من رُمْحٍ.
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابر. قال:
أعتق رجل من بني عزرة عَبْدًا لَهُ
عَنْ دُبُرٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ ﷺ
⦗٦٩٣⦘
فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ»
فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ
عبد الله العدوي بثمانمائة دِرْهَمٍ. فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَدَفَعَهَا
إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا. فَإِنْ فَضَلَ
شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ.
فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَقُولُ:
فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شمالك.
(عن دبر) أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر
يوم أموت.
(٩٩٧) - وحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)
عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
الْأَنْصَارِ (يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ) أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ.
يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ.
(١٤) بَاب فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ
عَلَى الْأَقْرَبِينَ وَالزَّوْجِ وَالْأَوْلَادِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَلَوْ
كَانُوا مُشْرِكِينَ
٤٢
- (٩٩٨)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يحيى. قال: قرأت على مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ
أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا. وَكَانَ أَحَبُّ
أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى. وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أنس:
فلما أنزلت هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مما
تحبون﴾ [٣/ آل عمران/ الآية ٩٢] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي
كِتَابِهِ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مما تحبون. وَإِنَّ أَحَبَّ
أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى. وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ. أَرْجُو بِرَّهَا
وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَضَعْهَا! يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَيْثُ شِئْتَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «بَخْ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ
فِيهَا.
⦗٦٩٤⦘
وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي
الْأَقْرَبِينَ» فَقَسَمَهَا أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
(بيرحى) اختلفوا في ضبط هذه اللفظة على أوجه.
قال القاضي رحمه الله: روينا هذه اللفظة عن شيوخنا بفتح الراء وضمها مع
كسر الباء. وبفتح الباء والراء. وهذا الموضع يعرف بقصر بني جديلة قبلي المسجد. وهو
حائط يسمى بهذا الاسم. ومعنى الحائط، هنا، البستان. وقال في الفائق: إنها فيعلى،
من البراح، وهي الأرض المنكشفة الظاهرة. (أرجو برها وذخرها) يعني لا أريد ثمرتها
العاجلة الدنيوية الفانية، بل أطلب مثوبتها الآجلة الأخروية الباقية. (بخ) قال أهل
اللغة: بخ، بإسكان الخاء وتنوينها مكسورة. قال ابن دريد: معناه تعظيم الأمر
وتفخيمه. (مال رابح) ضبطناه هنا بوجهين: بالياء وبالباء. وقال القاضي: روايتنا فيه
في كتاب مسلم بالباء الموحدة واختلفت الرواة فيه عن مالك في البخاري والموطأ
وغيرهما. فمن رواه بالموحدة فمعناه ظاهر. ومن رواه رايح، بالمثناة، فمعناه رايح
عليك أجره ونفعه في الأخرة.
٤٣ - (٩٩٨) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ.
حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حماد بن سلمة. حدثنا ثابت عن أنس. قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾. قَالَ
أَبُو طَلْحَةَ:
أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ
أَمْوَالِنَا. فَأُشْهِدُكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي،
بَرِيحَا لِلَّهِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ»
قَالَ: فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
٤٤ - (٩٩٩) حدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا ابن
وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ
بِنْتِ الْحَارِثِ؛ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ:
«لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ،
كَانَ أعظم لأجرك».
٤٥ - (١٠٠٠) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بْنِ الْحَارِثِ،
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
«تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ
النِّسَاءِ! وَلَوْ مِنْ حليكن» قالت: فرحعت إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ:
إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَنَا
بِالصَّدَقَةِ. فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا
صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلِ
ائْتِيهِ أَنْتِ. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ. فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ
بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. حَاجَتِي حَاجَتُهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا
بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فأخبره أن امرأتين بالباب
تسألانك: أتجزي الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، عَلَى
⦗٦٩٥⦘
أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ
فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ هُمَا؟»
فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«أَيُّ الزَّيَانِبِ؟» قَالَ امْرَأَةُ عبد الله. فقال له رسول اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ أجر الصدقة».
(من حليكن) هو بفتح الحاء وإسكان اللام،
مفرد. وأما الجمع فيقال بضم الحاء وكسرها، واللام مكسوره فيهما، والياء مشددة وهي
ما يزين من مصوغ الذهب أو الفضه، أو من الحجاره الثمينة. (خفيف ذات اليد) أي قليل
المال (يجزي عني) أي يكفي (حاجتي حاجتها) أي حاجت تلك المرأه عين حاجتي. (حجورهما)
الحجور جمع حجر، بالفتح ويكسر، وهو الحصن. يقال: فلان في حجر فلان أي كنفه وحمايته.
٤٦ - (١٠٠٠) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ
الْأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي.
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ. حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ.
فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ
امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ. بِمِثْلِهِ. سَوَاءً. قَالَ قَالَتْ: كُنْتُ فِي
الْمَسْجِدِ. فَرَآنِي النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ:
«تَصَدَّقْنَ. وَلَوْ مِنْ
حُلِيِّكُنَّ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ.
٤٧ - (١٠٠١) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ
بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ.
وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا. إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ. فَقَالَ:
«نَعَمْ. لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا
أَنْفَقْتِ عليهم».
(١٠٠١) - وحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وحَدَّثَنَاه إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ
وَعَبْدُ بن حميد. قالا: أخبرنا عبد الرزاق. أخبرنا مَعْمَرٌ. جَمِيعًا عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فِي هذا الإسناد، بمثله.
٤٨ - (١٠٠٢) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ
(وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْبَدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ:
«إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ
عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صدقة».
(وهو يحتسبها) أي والحال أنه يقصد بها
الاحتساب وهو طلب الثواب. (كانت له صدقة) أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة.
(١٠٠٢) - وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
ح وحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِي
هَذَا الْإِسْنَادِ.
٤٩ - (١٠٠٣) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَسْمَاءَ. قَالَتْ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي
قَدِمَتْ عَلَيَّ. وَهِيَ رَاغِبَةٌ (أَوْ رَاهِبَةٌ) أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ:
«نَعَمْ».
(وهي راغبة أو راهبة) هذا الشك إنما هو في
هذه الرواية. وأما الرواية الثانية ففيها. وهي راغبة، بلا شك وتردد.
٥٠ - (١٠٠٣) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ
بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ:
قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ
مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ. فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ
رَاغِبَةٌ. أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ. صلي أمك».
(في عهد قريش) ظرف لقولها: قدمت أي أن قدومها
كان في مدة عهد قريش. قال ابن حجر: أرادت بذلك ما بين الحديبية والفتح.
(١٥) بَاب وُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ عَنِ
الْمَيِّتِ إِلَيْهِ
٥١
- (١٠٠٤)
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ.
وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. أَفَلَهَا أَجْرٌ، إِنْ تصدقت عنها؟
قال «نعم».
(افتلتت نفسها) ضبطناه: نفسها، ونفسها بنصب
السين ورفعها. فالرفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله. والنصب على أنه مفعول ثان.
قال القاضي: أكثر روايتنا فيه النصب. وقوله: افتلتت، بالفاء، هذا هو الصواب الذي
رواه أهل الحديث وغيرهم. قالوا: ومعناه ماتت فجأة: وكل شيء فعل بلا تمكث فقد
افتلت. ويقال: افتلت الكلام واقترحه واقتضبه، إذا ارتجله. (وأظنها لو تكلمت) أي لو
قدرت على الكلام.
(١٠٠٤) - وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا يحيى بن
سَعِيدٍ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح
وحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا علي بن مسهر. ح حَدَّثَنَا
الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ. كُلُّهُمْ عَنْ
هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: وَلَمْ تُوصِ.
كَمَا قَالَ ابْنُ بِشْرٍ. وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ.
(١٦) بَاب بَيَانِ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ
يَقَعُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ
٥٢
- (١٠٠٥)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وحَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ.
كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ
حُذَيْفَةَ، (فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ. قَالَ: قَالَ نَبِيُّكُمْ ﷺ. وقال ابن
شَيْبَةَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال:
«كل معروف صدقة».
(كل معروف صدقة) أي ما عرف فيه رضاء الله
فثوابه كثواب الصدقة.
٥٣ - (١٠٠٦) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ.
حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ عن يحيى
بن يعمر، عن أبي الأسود الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَهَبَ
أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ. يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي. وَيَصُومُونَ كَمَا
نَصُومُ. وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ:
«أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ
لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً. وَكُلِّ
تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً. وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً. وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ
صَدَقَةً. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ.
وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
⦗٦٩٨⦘
أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ
وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ
أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وضعها في الحلال كان له أجرا».
(الدثور) جمع دثر، وهو المال الكثير. (بكل
تسبيحة صدقة ٠٠ الخ) قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرا، كما للصدقة أجر.
وإن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور. وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس
الكلام. وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه. (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ
وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ) فيه إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من
أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا نكره. والثواب في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل. لأن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فرض كفاية. وقد يتعين ولا يتصور وقوعه نفلا. والتسبيح والتحميد
والتهليل نوافل. (وفي بضع أحدكم) هو بضم الباء، ويطلق على الجماع، ويطلق على الفرج
نفسه. وكلاهما تصح إرادته هنا. وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات
الصادقات. فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي
أمر الله تعالى به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه أو إعفاف زوجته، ومنعهما جميعا
من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة. (أجرا)
ضبطناه أجرا بالنصب والرفع وهما ظاهران.
٥٤ - (١٠٠٧) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ) عَنْ زَيْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ
يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ
تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ
بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمائة مَفْصِلٍ. فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ، وَحَمِدَ
اللَّهَ، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ
حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا من طَرِيقِ النَّاسِ،
وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة
السُّلَامَى. فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ
النَّارِ».
قَالَ أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا
قَالَ «يمسي».
(مفصل) ملتقى العظمين في البدن. (عدد تلك
الستين والثلاثمائة السلامى) قد يقال: وقع هنا إضافة ثلاثة إلى مائة. مع تعريف
الأول وتنكير الثاني. والمعروف لأهل العربية عكسه. وهو تنكير الأول وتعريف الثاني.
أما السلامى فبضم السين وتخفيف اللام، وهو المفصل. وجمعه سلاميات، بفتح الميم
وتخفيف الياء. وفي القاموس: السلامى كحبارى، عظام صغار طول الإصبع في اليد والرجل،
وجمعه سلاميات.
(١٠٠٧) - وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ. أَخْبَرَنِي أَخِي، زَيْدٌ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. غَيْرَ
أَنَّهُ قَالَ: «أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ» وَقَالَ: «فَإِنَّهُ يُمْسِي يومئذ».
(١٠٠٧) - وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ
(يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ
جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ
سَمِعَ عَائِشَةَ
⦗٦٩٩⦘
تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ» بِنَحْوِ
حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنْ زَيْدٍ. وَقَالَ: «فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ».
٥٥ - (١٠٠٨) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ:
«عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»
قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ
نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالَ قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ:
«يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» قَالَ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ» قَالَ: أَرَأَيْتَ
إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «يمسك عن الشر. فإنها صدقة».
(أرأيت) أي أخبرني ما حكم من لم يجد من لم
يجد ما يتصدق به. (يعتمل) الاعتمال افتعال، من العمل. (يعين ذا الحاجة الملهوف)
الملهوف عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر وعلى المظلوم. وقولهم: يا لهف
نفسي على كذا - كلمة يتحسر بها على ما فات. ويقال: لهف يلهف لهفا أي حزن وتحسر.
وكذلك التلهف. (يمسك عن الشر فإنها صدقة) معناه صدقة على نفسه. والمراد أنه إذا
أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك. كما أن للمتصدق بالمال أجر.
(١٠٠٨) - وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
٥٦ - (١٠٠٩) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ
بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ
عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ». قَالَ: «تَعْدِلُ
بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ. وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ
عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ، صَدَقَةٌ». قَالَ: «وَالْكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ
وتميط الأذى عن الطريق صدقة».
(تعدل بين الاثنين صدقة) أي تصلح بينهما
بالعدل.
(١٧) بَاب فِي الْمُنْفِقِ وَالْمُمْسِكِ
٥٧
- (١٠١٠)
وحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ.
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ) حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
مُزَرِّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: قال رسول الله
ﷺ:
«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ
فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ. فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ! أَعْطِ
مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ! أَعْطِ ممسكا تلفا».
(مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ
إِلَّا ملكان ينزلان) ما من يوم، يعني ليس من يوم. وكلمة من زائدة. ويوم اسمه.
وقوله: يصبح العباد فيه، صفة يوم. وقوله: إلا ملكان، مستثنى من متعلق محذوف، وهو
خبر ما. والمعنى: ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان يقولان كيت
وكيت. (أعط منفقا خلفا) قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق
وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك، بحيث لا يذم ولا يسمى سرفا. والإمساك
المذموم هو الإمساك عن هذا.
(١٨) بَاب التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ
قَبْلَ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَقْبَلُهَا
٥٨
- (١٠١١)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَا:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«تَصَدَّقُوا. فَيُوشِكُ الرَّجُلُ
يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ، فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهَا: لَوْ جئتنا بها الأمس
قَبِلْتُهَا. فَأَمَّا الْآنَ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا. فلا يجد من يقبلها».
(أعطيها) أي عرضت عليه.
٥٩ - (١٠١٢) وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ. قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي
مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ:
«لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ
زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ. ثُمَّ لَا يَجِدُ
أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ. وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ
امْرَأَةً. يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ». وَفِي
رِوَايَةِ ابْنِ بَرَّادٍ: «وترى الرجل».
(يلذن به) معنى يلذن به، أي ينتمين إليه
ليقوم بحوائجهن، ويذب عنهن. كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها. فيلذن
بذلك الرجل ليذب عنه ويقوم بحوائجهن ولا يطمع فيهن أحد بسببه. وهو من لاذ به، يلوذ
لوذا ولياذا، إذ التجأ إليه واستغاث.
٦٠ - (١٥٧) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عبد الرحمن القارئ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ إن رسول الله ﷺ قَالَ:
«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ. حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا
يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ. وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ العرب مروجا وأنهارا».
(مروجا) أي رياض ومزارع. وقال بعضهم: المرج
هو الموضع الذي يرعى فيه الدواب.
٦١ - (١٥٧) وحدثنا أبو الطاهر. حدثنا أبو وَهْبٍ
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ؛ قال:
«لا تقوم الساعة حَتَّى يَكْثُرَ
فِيكُمُ الْمَالُ. فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رب المال من يقبله من صَدَقَةً.
وَيُدْعَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لَا أَرَبَ لي فيه».
(حتى يهم رب المال) ضبطوه بوجهين: أجودهما
وأشهرهما بضم الياء وكسر الهاء، ويكون رب المال منصوبا مفعولا، والفاعل من.
وتقديره يحزنه ويهتم له. والثاني يهم بفتح الياي وضم الهاء، ويكون رب المال مرفوعا
فاعلا. وتقديره يهم رب المال من يقبل صدقته أي يقصده. قال أهل اللغة: يقال أهمه
إذا أحزنه. وهمه إذا أذابه. ومنه قولهم: همك ما أهمك. أي أذابك الشي الذي أحزنك
فأذهب شحمك. وعلى الوجه الثاني هو من هم به، إذا قصده. (لا أرب لي فيه) أي لا حاجة.
٦٢ - (١٠١٣) وحَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ (واللفظ
لواصل) قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ
كَبِدِهَا. أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَيَجِيءُ
الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ. وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي
هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي. وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ
يَدِي. ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».
(تقيء الأرض أفلاذ كبدها) الأفلاذ جمع فلذ،
ككتف. والفلذ جمع فلذة وهي قطعة من الكبد مقطوعة طولا. وخص الكبد لأنها من أطايب
الجزور. ومعنى الحديث أنها تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها. (أمثال
الأسطوان) جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود. وشبهه بالأسطوانة لعظمه. (في هذا) أي
من أجل هذا وبسببه.
(١٩) بَاب قَبُولِ الصَّدَقَةِ مِنَ
الْكَسْبِ الطَّيِّبِ وَتَرْبِيَتِهَا
٦٣
- (١٠١٤)
وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ:
«ما تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ
طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ
بِيَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً. فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى
تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ. كَمَا يُرَبِّي أحدكم فلوه أو فصيله».
(إلا أخذها الرحمن بيمينه) كني عن قبول
الصدقة بأخذها في الكف، وعن تضعيف أجرها بالتربية. (فتربو) أي تزيد. قال تعالى:
وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله. (فلوه أو فصيله) قال
أهل اللغة: الفلو المهرسمي بذلك لأنه فلي عن أمه، أي فصل وعزل. والفصيل ولد الناقة
إذا فصل من أرضاع أمه. فعيل بمعنى مفعول. كجريح وقتيل بمعنى مجروح ومقتول. وفي
الفلو لغتان فصيحتان: أفصحهما وأشهرهما فتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو.
والثانية كسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو.
٦٤ - (١٠١٤) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابن عبد الرحمن القارئ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ إن رسول الله ﷺ قَالَ:
«لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ
مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ. إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ. فَيُرَبِّيهَا كَمَا
يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ. حَتَّى تَكُونَ مثل الجبل، أو أعظم».
(أو قلوصه) هي الناقة الفتية. ولا يطلق على
الذكر.
(١٠١٤) - وحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ
بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ) حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
الْقَاسِمِ. ح وحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَوْدِيُّ. حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ). كلاهما
عن سهيل، بهذا الإسناد.
وفي حَدِيثِ رَوْحٍ: «مِنَ الْكَسْبِ
الطَّيِّبِ فَيَضَعُهَا فِي حَقِّهَا» وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ «فَيَضَعُهَا فِي
مَوْضِعِهَا».
م (١٠١٤) وحَدَّثَنِيهِ أَبُو
الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب. أحبرني هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ. نَحْوَ حَدِيثِ يعقوب عن سهيل.
٦٥ - (١٠١٥) وحدثني أو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ.
حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قال:
قال رسول الله ﷺ:
«أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ
طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا. وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بما
أمر به المرسلين. فقال: ﴿يا أيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحًا إِنِّي بما تعملون عليم﴾. [٢٣ / المؤمنون/ الآية ٥١] وقال: ﴿يا أيها
الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [٢ / البقرة / الآية
١٧٢]». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ. أَشْعَثَ أَغْبَرَ. يَمُدُّ
يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ،
وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟".
(إن الله طيب) قال القاضي: الطيب في صفة الله
تعالى بمعنى المنزه عن النقائص. وهو بمعنى القدوس. وأصل الطيب الزكاة والطهارة
والسلامة من الخبث. (ثم ذكر الرجل) هذه الجملة من كلام الراوي. والضمير فيه للنبي
ﷺ. والرجل بالرفع، مبتدأ. مذكور على وجه الحكاية من لفظ رسول الله ﷺ. ويجوز أن
ينصب على أنه مفعول ذكر. (وغذي) بضم الغين وتخفيف الذال.
(٢٠) بَاب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ
بِشِقِّ تَمْرَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَأَنَّهَا حِجَابٌ مِنَ النَّارِ
٦٦
- (١٠١٦)
حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ. حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ،
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:
«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ
يَسْتَتِرَ من النار ولو بشق تمرة، فليفعل».
(بشق) الشق بكسر الشين، نصفها وجانبها.
٦٧ - (١٠١٦) حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ
السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ وعلي بن خرشم (قال ابن الحجر:
حَدَّثَنَا. وقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا
سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ. لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ.
⦗٧٠٤⦘
فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا
يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ. وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا
قَدَّمَ. وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النار تلقاء وجهه. فاتقوا
النار ولوبشق تَمْرَةٍ». زَادَ ابْنُ حُجْرٍ: قَالَ الْأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي
عمرو بن مرة عن خثيمة، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِيهِ «وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
وقَالَ إسحاق: قَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عن خثيمة.
(ما منكم من أحد) أي ما أحد منكم. (ترجمان)
بفتح التاء وضمها، هو المعبر عن لسان بلسان. (أيمن منه) أي إلى جانبه الأيمن.
(أشأم منه) أي إلى جانبه الأيسر.
٦٨ - (١٠١٦) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب.
قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ،
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَالَ:
ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّارَ
فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ. ثُمَّ قَالَ «اتَّقُوا النَّارَ». ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو كُرَيْبٍ: كَأَنَّمَا. وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَنَا الأعمش.
(وأشاح) المشيح الحذر والجاد في الأمر. وقيل:
المقبل إليك المانع لما وراء ظهره. فيجوز أن يكون أشاح أحد هذه المعاني، أي حذر
النار كأنه ينظر إليها. أو جد على الإيصاء باتقائها، أو أقبل إليك في خطابه أو
أعرض كالهارب. وقال الخليل وغيره: معناه نحاه وعدل به.
(١٠١٦) - وحدثنا محمد بن المثنى وان بشار.
قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
خَيْثَمَةَ، عن عدي عن حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ
فَتَعَوَّذَ مِنْهَا. وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ. ثَلَاثَ مِرَارٍ. ثُمَّ قَالَ:
«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طيبة».
٦٩ - (١٠١٧) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ
أَبِيهِ؛ قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي
صَدْرِ النَّهَارِ. قَالَ:
⦗٧٠٥⦘
فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ
مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ. مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ. عَامَّتُهُمْ
مِنْ مُضَرَ. بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
لِمَا رَأَى بِهِمْ من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلال فإذن وأقام. فصلى ثم خطب
فقال: «﴿يا أيها النَّاسُ! اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحدة﴾ [٤ /النساء/ الآية ١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رقيبا﴾. وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [٥٩/الحشر/ الآية
١٨] تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ
صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ (حَتَّى قَالَ) وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ»قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ
تَعْجِزُ عَنْهَا. بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ الناس. حتى رأيت
كومين من طعام وثبات. رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَهَلَّلُ. كَأَنَّهُ
مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ. مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ.
مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقص من أوزارهم شيء».
(مجتابي النمار) نصب على الحالية. أي لابسيها
خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي
ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون
النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف.
(العباء) بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية (فتعمر) أي
تغير. (كومين) هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم.
قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم،
الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء. والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي.
فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية. (يتهلل) أي يستنير فرحا
وسرورا. (مذهبة) ضبطوه بوجهين: أحدهما، وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور:
مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره مدهنة. وقال القاضي
عياض: في المشارق، وغيره من الأئمة: هذا تصيحف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره:
أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه. والثاني شبهه في حسنه
ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب. وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل
فيها خطوط مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(١٠١٧) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
أَبُو أُسَامَةَ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ.
حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ
أَبِي جُحَيْفَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
صَدْرَ النَّهَارِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُعَاذٍ
مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: ثم صلى الظهر ثم خطب.
٧٠ - (١٠١٧) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَأَبُو كامل ومحمد بن عبد الملك الأموي. قالوا: حدثنا
أبو عوانة عن عبد الملك ابن عُمَيْرٍ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ
أَبِيهِ؛ قَالَ:
كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ
ﷺ. فَأَتَاهُ قَوْمٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ.
وَفِيهِ: فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا. فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي
كتابه: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية».
٧١ - (١٠١٧) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يزيد
وأبي الضحى، عن عبد الرحمن ابن هلال العبسي، عن جرير بن عبد الله؛ قال:
جاء ناس من الأعراب إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ. عَلَيْهِمُ الصُّوفُ. فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ
حَاجَةٌ. فَذَكَرَ بمعنى حديثهم.
(٢١) باب الحمل أجرة يُتَصَدَّقُ بِهَا،
وَالنَّهْيِ الشَّدِيدِ عَنْ تَنْقِيصِ الْمُتَصَدِّقِ بِقَلِيلٍ
٧٢
- (١٠١٨)
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح
وحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ
(يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ. قَالَ: أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ. قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ.
قَالَ: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ. قَالَ: وَجَاءَ إِنْسَانٌ
بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ
صَدَقَةِ هَذَا. وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً. فَنَزَلَتْ:
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾ [٩ / التوبة / ٧٩]. ولم يلفظ بشر
بالمطوعين.
(كنا نحامل) معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة
ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها. وقال ابن الأثير في تفسير المحاملة: أي
نحمل لمن يحمل لنا، من المفاعلة. أو هو من التحامل وهو تكلف الحمل على مشقة.
(١٠١٨) - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ. ح وحَدَّثَنِيهِ إسحاق بْنُ
مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ
عَلَى ظُهُورِنَا.
(٢٢) بَاب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ
٧٣
- (١٠١٩)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبي هريرة. يبلغ به «أَلَا رَجُلٌ
يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً. تَغْدُو بعس. إن أجرها لعظيم».
(يبلغ به) معناه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ،
أي يرفعه إليه. (ألا رجل يمنح أهل بيت ... الخ) الجملة الفعلية صفة رجل. وهو مبتدأ
خبره جملة: إن أجرها لعظيم. ومعنى يمنح الخ يعطيهم ناقة يأكلون لبنها وينتفععون من
وبرها مدة ثم يردونها إليه. وتسمى الناقة المعطاة على هذا الوجه منيحة ومنحة.
(تغدو بعس وتروح بعس) أي تذهب تلك الناقة بملء عس لبنا وقت الصباح، وتذهب بملء عس
لبنا وقت المساء. يعني يحلب من لبنها ملء إناء صباحا ومساء. وهذه الجملة صفة مادحة
للمنيحة. والعس بالضم والتشديد القدح الكبير. جمعه عساس كسهام. وأعساس أقفال.
والقدح آنية تروي الرجلين.
٧٤ - (١٠٢٠) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنَّهُ نَهَى فَذَكَرَ
خِصَالًا وَقَالَ:
«مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً، غدت بصدقة،
وراحت بصدقة، صبوحها وغبوقها».
(من منح منيحة) مبتدأ، وقوله: غدت بصدقة،
خبره. والضمير الراجع إلى الموصول محذوف. تقديره غدت تلك المنيحة له ملتبسة بصدقة.
(صبوحها وغبوقها) الصبوح ما حلب من اللبن بالغداة. والغبوق، بالعشي. قال القاضي
عياض: هما مجروران على البدل من قوله: بصدقة. ويصح نصبهما على الظرف.
(٢٣) بَاب مَثَلِ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ
٧٥
- (١٠٢١)
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«مَثَلُ الْمُنْفِقِ
وَالْمُتَصَدِّقِ. كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ. مِنْ
لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا. فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ (وَقَالَ
الْآخَرُ: فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ) أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَغَتْ عَلَيْهِ
أَوْ مَرَّتْ. وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ. قَلَصَتْ عَلَيْهِ
وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا. حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ
أَثَرَهُ» قَالَ فَقَالَ أَبُو هريرة: فقال: يوسعها فلا تتسع.
(مثل المنفق والمتصدق) قال القاضي عياض: وقع
في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة. وتصحيف وتحريف وتقديم وتأخير. ويعرف صوابه
من الأحاديث التي بعده. فمنها: مثل المنفق والمتصدق. وصوابه مثل المنفق والبخيل.
ومنها: كمثل رجل. وصوابه كمثل رجلين عليهما جنتان. ومنها: قوله جبتان أو جنتان.
وصوابه جنتان بالنون، بلا شك. والجنة الدرع، ويدل عليه الحديث نفسه أي قوله فأخذت
كل حلقة موضعها، وقوله في الحديث الآخر: جنتان من حديد. (سبغت عليه) أي كملت
واتسعت. (أو مرت) قيل: إن صوابه مدت، بالدال، بمعنى سبغت. كما قال في الحديث الآخر
انبسطت. لكنه قد يصح مرت على نحو هذا المعنى. والسابغ الكامل. (حتى تجن بنانه
وتعفو أثره) في هذا الكلام اختلال كثير. لأن قوله: تجن بنانه وتعفو أثره إنما جاء
في المتصدق لا في البخيل. وهو على ضد ما هو وصف البخيل من قوله: قلصت كل حلقة
موضعها، وقوله: يوسعها فلا تتسع، وهذا من وصف البخيل فأدخله في وصف المتصدق فاختل
الكلام وتناقض. ومعنى يعفو أثره أي يمحي أثر مشيه بسبوغها وكمالها. وهو تمثيل
لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضد ذلك.
(١٠٢١) - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو أَيُّوبَ الغيلاني. حدثنا أبو عامر (يعنى العقدي). حدثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مثل الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ.
كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ. قَدِ اضْطُرَّتْ
أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا. فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ
كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ. حَتَّى تُغَشِّيَ أَنَامِلَهُ
وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ.
⦗٧٠٩⦘
وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ
بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ. وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا». قَالَ: فَأَنَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ فِي جَيْبِهِ. فلو رأيته يوسعها
ولا توسع.
(قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما) أي
ألجئت إليها ولصقت بها كأنها مغلولة إلى أعناقهما. (حتى تغشي أنامله) أي تغطيها أو
تسترها. من غشيت الشيء إذا غطيته. (وتعفو أثره) أي تمحو أثر مشيته وتطمسه لفضلها
عن قامته. يعني أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض
أثر مشى لابسه بمرور الذيل عليه. (يقول بأصبعه في جيبه) أي يدخلها فيه مشيرا إلى
إرادة التوسيع بالاجتهاد. فالقول فيه ليس على حقيقته بل هو مجاز عن الفعل.
٧٧ - (١٠٢١) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ إسحاق الْحَضْرَمِيُّ عَنْ وُهَيْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أبيه، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله ﷺ:
«مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ
مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ. إِذَا هَمَّ
الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ. حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ.
وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ. وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ
إِلَى تَرَاقِيهِ. وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا». قَالَ:
فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا
يستطيع».
(٢٤) بَاب ثُبُوتِ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ،
وَإِنْ وَقَعَتِ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ غَيْرِ أَهْلِهَا
٧٨
- (١٠٢٢)
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ:
«قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ
اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ.
فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ. قَالَ:
اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ. لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ.
فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ. فَأَصْبَحُوا
يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ. قَالَ: اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ
عَلَى غَنِيٍّ. لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا
فِي يَدِ سَارِقٍ. فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى
سَارِقٍ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ. أَمَّا
الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا. وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ
يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. وَلَعَلَّ السَّارِقَ
يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سرقته».
(٢٥) باب أجر الخارق الْأَمِينِ،
وَالْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غير مفسدة، بإذن
الصَّرِيحِ أَوِ الْعُرْفِيِّ
٧٩
- (١٠٢٣)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ
وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ أَبُو
عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ جَدِّهِ، أَبِي
بريدة، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ
الْأَمِينَ الَّذِي يُنْفِذُ (وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي) مَا أُمِرَ بِهِ،
فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى
الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ - أَحَدُ المتصدقين».
٨٠ - (١٠٣٤) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جميعا عَن جَرِيرٍ. قَالَ
يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ
طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ.
وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ. وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ. لَا يَنْقُصُ
بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا».
(١٠٢٨) - وحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ.
حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ
«مِنْ طعام زوجها».
٨١ - (١٠٢٨) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ
بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ. كَانَ لَهَا أَجْرُهَا. وَلَهُ مِثْلُهُ.
بِمَا اكْتَسَبَ. وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ. وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ. مِنْ
غَيْرِ أَنْ ينتقص من أجورهم شيئا».
(شيئا) هكذا وقع في جميع النسخ: شيئا بالنصب.
فيقدر له ناصب فيحتمل أن يكون تقديره: من غير أن ينقص الله من أجورهم شيئا. ويحتمل
أن يقدر: من غير أن ينقص الزوج من أجر المرأة والخازن شيئا. وجمع ضميرهما مجازا
على قول الأكثرين: إن أقل الجمع ثلاثة. أو حقيقة على قول من قال: أقل الجمع اثنان.
(١٠٢٤) - وحدثناه ابن نمير. حدثنا أبي معاوية
عن الأعمش، بهذا إسناد، نحوه.
(٢٦) بَاب مَا أَنْفَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَالِ
مَوْلَاهُ
٨٢
- (١٠٢٥)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا
حَفْصٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ. قَالَ:
كُنْتُ مَمْلُوكًا. فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ
مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ قَالَ:
«نَعَمْ. وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا
نصفان».
٨٣ - (١٠٢٥) وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ (يَعْنِي ابْنَ
أَبِي عبيدة) قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: أَمَرَنِي
مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لحماْ. فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ. فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ.
فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فذكرت
ذَلِكَ لَهُ. فَدَعَاهُ فَقَالَ:
«لِمَ ضَرَبْتَهُ؟» فَقَالَ: يُعْطِي
طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ. فَقَالَ: «الْأَجْرُ بينكما».
(أن أقدد لحما) من القد وهو الشق طولا.
٨٤ - (١٠٢٦) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رسول
الله ﷺ. فذكر أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لَا تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا
شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلَّا
بِإِذْنِهِ. وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ
أَجْرِهِ لَهُ».
(وبعلها شاهد) أي مقيم في البلد.
(٢٧) بَاب مَنْ جَمَعَ الصَّدَقَةَ
وَأَعْمَالَ الْبِرِّ
٨٥
- (١٠٢٧)
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ (واللفظ
لأبي الطاهر) قالا: حدثنا بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هريرة؛ أن
⦗٧١٢⦘
رسول الله ﷺ قَالَ:
«مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! هَذَا خَيْرٌ.
فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ. وَمَنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ
ضَرُورَةٍ. فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ. وَأَرْجُو أن تكون منهم».
(من أنفق زوجين) قال القاضي: قال الهروي في
تفسير هذا الحديث: قيل: ما زوجان؟ قال: فرسان أو عبدان أو بعيران. وقال ابن عرفة:
كل شيء قرن بصاحبه فهو زوج. يقال: زوجت بين الإبل، إذا قرنت بعير ببعير. وقيل درهم
ودينار أو درهم وثوب. قال: والزوج يقع على الاثنين ويقع على الواحد. وقيل: إنما
يقع على الواحد إذا كان معه آخر. ويقع الزوج أيضا على الصنف، وفسر بقوله تعالى:
وكنتم أزواجا ثلاثة. (نودي في الجنة ... الخ) معناه لك هنا خير وثواب وغبطة. وقيل:
معناه هذا الباب، فيما نعتقده، خير لك من غيره من الأبواب لكثرة ثوابه ونعيمه، فتعال
فادخل منه. ولا بد من تقدير ما ذكرناه أن كل مناد يعتقد أن ذلك الباب أفضل من
غيره. (فمن كان من أهل الصلاة الخ) قال العلماء: معناه من كان الغالب عليه في عمله
وطاعته ذلك. (دعي من باب الريان) قال العلماء: سمي باب الريان تنبيها على أن
العطشان بالصوم في الهواجر سيروى، وعاقبته إليه، وهو مشتق من الري. (ما على أحد
يدعى من تلك الأبواب من ضرورة) من ضرورة اسم ما. ومن زائدة استغراقية.
(١٠٢٧) - حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ
وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ
ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ. كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ، ومعنى حديثه.
٨٦ - (١٠٢٧) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا
شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هريرة يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ. كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَيْ فُلُ!
هَلُمَّ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله!
⦗٧١٣⦘
ذلك الذي لاتوى عَلَيْهِ. قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إني لأرجو أن تكون منهم».
(أي فل هلم) هكذا ضبطناه: أي فل بضم اللام.
وهو المشهور. ولم يذكر القاضي وأخرون غيره. قال القاضي: معناه أي فلان. فرخم ونقل
إعراب الكلمة علىِ إحدى اللغتين في الترخيم. (لا توى عليه) أي لا هلاك.
٨٧ - (١٠٢٨) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ.
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيُّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ
كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قال
رسول الله ﷺ:
»مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ
صَائِمًا؟ «قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ»فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ
الْيَوْمَ جَنَازَةً.«قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ
مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه.
أَنَا. قَالَ «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ
الْيَوْمَ مَرِيضًا.» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«ما اجتمعن في أمريء، إلا دخل الجنة».
(٢٨) باب الحث في الْإِنْفَاقِ، وَكَرَاهَةِ
الْإِحْصَاءِ
٨٨
- (١٠٢٩)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ
غِيَاثٍ) عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها. قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«أَنْفِقِي (أَوِ انْضَحِي، أَوِ
انْفَحِي) ولا تحصي، فيحصي الله عليك».
(أَنْفِقِي أَوِ انْضَحِي أَوِ انْفَحِي
وَلَا تُحْصِي) معني انضحي وانفحي أعطي. والنضح والنفح العطاء. ويطلق النضح أيضا
على الصب فلعله المراد هنا، ويكون أبلغ من النفح. والإحصاء الإحاطة بالشيء حصرا
وعدا. والمراد به هنا عدة للتبقية، وادخارها للاعتداد به وترك النفقة منه في سبيل
الله تعالى.
(١٠٢٩) - وحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ
وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي
مُعَاوِيَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ. حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«انْفَحِي (أَوِ انْضَحِي، أَوْ
أَنْفِقِي) وَلَا تُحْصِي. فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ. وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ
اللَّهُ عَلَيْكِ».
(ولا توعي فيوعي الله عليك) الإيعاء جعل
الشيء في الوعاء. وأصله الحفظ. والمراد به هنا منع الفضل عمن افتقر إليه. ومعنى
فيحصي الله عليك ويوعي عليك أي يمنعك فضله ويقتر عليك كما منعت وقترت. وهي من مجاز
المقابلة وتجنيس الكلام. كقوله تعالى: ومكروا ومكر الله. وقيل: معني لا تحصي أي لا
تعديه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع إنفاقك، قال الأمام النووي: معناه الحث على
النفقة في الطاعة والنهي عن الإمساك والبخل، وعن ادخار المال في الوعاء.
(١٠٢٩) - وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ
حَمْزَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
٨٩ - (١٠٢٩) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ
وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ؛ أن عباد بن عبد
الله بن الزبير أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّهَا جَاءَتِ
النَّبِيَّ ﷺ. فَقَالَتْ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ! لَيْسَ لِي
شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ. فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ
أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ. وَلَا
تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ».
(أرضخ) الرضخ إعطاء شيء ليس بالكثير. (ارضخي
ما استطعت) معناه مما يرضي به الزبير. وتقديره إن لك في الرضخ مراتب مباحة بعضها
فوق بعض، وكلها يرضاها الزبير فافعلي أعلاها. أو يكون معناه ما استطعت مما هو ملك
لك.
(٢٩) بَاب الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَوْ
بِالْقَلِيلِ، وَلَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْقَلِيلِ لِاحْتِقَارِهِ
٩٠
- (١٠٣٠)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح
وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ كَانَ يَقُولُ:
«يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ! لَا
تحقرن جارة لجارتها. ولو فرسن شاة».
(يا نساء المسلمات) ذكر القاضي في إعرابه
ثلاثة أوجه. أصحها وأشهرها نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة قال الباجي: وبهذا
رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق. وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوف إلى
صفته، والأعم إلى الأخص. كمسجد الجامع، وجانب الغربي، ولدار الآخرة. (ولو فرسن
شاة) قال أهل اللغة: هو بكسر الفاء والسين، وهو الظلف. قالوا: وأصله في الإبل، وهو
فيها، مثل القدم في الإنسان. قالوا: ولا يقال إلا في الإبل. ومرادهم أصله مختص
بالإبل. ويطلق على الغنم استعارة. وهذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المهدية. ومعناه
لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها، لا ستقلالها واحتقارها الموجود عندها.
بل تجود بما تيسر ولو كان قليلا كفرسن شاة. وهو خير من العدم.
(٣٠) بَاب فَضْلِ إِخْفَاءِ الصَّدَقَةِ
٩١
- (١٠٣١)
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. جميعا عَنْ
يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ
عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قال:
«سبعة يظلهم الله في ضله يَوْمَ لَا
ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ
اللَّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا
فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ
امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ
تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ
شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، ففاضت عيناه».
(يظلهم الله في ظله) قال القاضي: إضافة الظل
إلى الله تعالى إضافة ملك. وكل ظل فهو لله، وملكه وخلقه وسلطانه. والمراد هنا ظل
العرش، كما جاء في حديث آخر مبينا. والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب
العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق. ولا ظل هناك لشيء إلا
للعرش. (الإمام العادل) قال القاضي: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين
من الولاة والحكام. وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه. (وشاب نشأ بعبادة الله) هكذا
هو في جميع النسخ: نشأ بعبادة الله. ومعناه نشأ متلبسا للعبادة، أو مصاحبا لها أو ملتصقا
بها. (ورجل معلق قلبه في المساجد) هكذا هو في النسخ كلها: في المساجد. ومعناه شديد
الحب لها، والملازمة للجماعة فيها. وليس معناه دوام القعود في المسجد. (ورجلان
تحابا في الله) معناه اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله. أي كان سبب
اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل
واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما. (ورجل دعته امرأة) قال
القاضي: أخاف الله، باللسان. ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه. وخص ذات المنصب
والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال. لاسيما وهي
داعية إلى نفسها طالبة لذلك. قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها. فالصبر
عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب
وأعظم الطاعات، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله. وذات المنصب هي ذات الحسب
والنسب الشريف. ومعنى دعته أي دعته إلى الزنا بها. هذا هو الصواب في معناه. (ورجل
تصدقة بصدقة) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عن
جميع روايات نسخ مسلم: لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. والصحيح المعروف: حتى لا تعلم
شماله ما تنفق يمينه. هكذا رواه مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه، وغيرهما من
الأئمة. وهو وجه الكلام. لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين.
(١٠٣١) - وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَوْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ)؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ
اللَّهِ. وَقَالَ «وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى
يَعُودَ إِلَيْهِ».
(٣١) بَاب بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ
الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ
٩٢
- (١٠٣٢)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: أتي رسول الله ﷺ
رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ «أَنْ
تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ. تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى.
وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا.
وَلِفُلَانٍ كَذَا. أَلَا وَقَدْ كان لفلان».
(وأنت صحيح شحيح) قال الخطابي: الشح أعم من
البخل. وكأن الشح جنس والبخل نوع. وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور، والشح عام
كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع. قال: فمعنى الحديث أن الشح غالب في حال الصحة.
فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره. بخلاف من أشرف على الموت وأيس
من الحياة ورأى مصير المال لغيره، فإن صدقته حينئذ ناقصة، بالنسبة إلى حالة الصحة
والشح ورجاء البقاء وخوف الفقر. (وتأمل الغنى) أي تطمع فيه. (حتى إذا بلغت
الحلقوم) أي بلغت الروح. والمراد قاربت بلوغ الحلقوم. إذ لو بلغته حقيقة لم تصح
وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته.
٩٣ - (١٠٣٢) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟
فَقَالَ:
«أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ:
أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ. تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ
الْبَقَاءَ. وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ
كَذَا. وَلِفُلَانٍ كَذَا. وَقَدْ كَانَ لفلان».
(١٠٣٢) - حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ
الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ
الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيْرَ أَنَّهُ
قَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أفضل.
(٣٢) بَاب بَيَانِ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا
خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ،
وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ الْآخِذَةُ
٩٤
- (١٠٣٣)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ
عَلَيْهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ إن رسول الله ﷺ قَالَ،
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ
الْمَسْأَلَةِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَالْيَدُ
الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ. وَالسُّفْلَى السائلة».
٩٥ - (١٠٣٤) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. جميعا عَنْ يَحْيَى
الْقَطَّانِ. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
عُثْمَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ
حِزَامٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال:
«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ (أَوْ خَيْرُ
الصَّدَقَةِ) عَنْ ظَهْرِ غنى. واليد العليا خيرا من اليد السفلى. وابدأ بمن تعول».
(عن ظهر غنى) معناه أفضل الصدقة ما بقي
صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه. وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده
صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه.
٩٦ - (١٠٣٥) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَعَمْرٌو الناقد. قَالَا: حدثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ
النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ سَأَلْتُهُ
فَأَعْطَانِي. ثُمَّ قَالَ:
«إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ
حُلْوَةٌ. فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ أَخَذَهُ
بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا
يَشْبَعُ. واليد العليا خيرا من اليد السفلى».
(خضرة حلوة) شبهه، في الرغبة فيه، والميل
إليه، وحرص النفوس عليه، بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة. فإن الأخضر مرغوب فيه
على انفراده، والحلو كذلك على انفراده. فاجتماعهما أشد. وفيه إشارة إلى عدم بقائه.
لأن الخضروات لا تبقى ولا تراد للبقاء. (بطيب نفس) ذكر القاضي فيه احتمالين:
أظهرهما أنه عائد على الآخذ. ومعناه من أخذه بغير سؤال ولا إشراف ولا تطلع بورك له
فيه. والثاني أنه عائد إلى الدافع. ومعناه أنه من أخذ ممن يدفع منشرحا بدفعه إليه
طيب النفس، لا بسؤال اضطره إليه أو نحوه، مما لا تطيب معه نفس الدافع. (بإشراف نفس)
قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه. (كالذي يأكل ولا
يشبع) قيل: هو الذي به داء لا يشبع بسببه. وقيل: يحتمل أن المراد التشبيه بالبهيمة
الراعية.
٩٧ - (١٠٣٦) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَهْضَمِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالُوا:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا
شَدَّادٌ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ:
قَالَ رسول الله ﷺ «يا ابْنَ آدَمَ!
إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ. وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ.
وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ. وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. وَالْيَدُ الْعُلْيَا خير
من اليد السفلى».
(أن تبذل الفضل خير لك) معناه إن بذلت الفاضل
عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه. وإن أمسكته فهو شر لك. (ولا تلام
على كفاف) معناه أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه.
(٣٣) بَاب النَّهْيِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ
٩٨ - (١٠٣٧) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ. أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ. حَدَّثَنِي
رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ
الْيَحْصَبِيِّ. قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ.
إِلَّا حَدِيثًا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ. فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ
فِي اللَّهِ عز وجل. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو يقول:
«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «إِنَّمَا أَنَا
خَازِنٌ فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ
أَعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَشَرَهٍ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يشبع».
(إنما أنا خازن. وفي الرواية الأخرى: وإنما
أنا قاسم) معناه أن المعطي حقيقة هو الله تعالى. ولست أنا معطيا. إنما أنا خازن
على ما عندي، ثم أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به. فالأمور كلها بمشيئة
الله تعالى وتقديره. والإنسان مصرف مربوب.
٩٩ - (١٠٣٨) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ. عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ؛ قَالَ: قال رسول الله ﷺ
«لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ.
فَوَاللَّهِ! لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَتُخْرِجَ لَهُ
مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا
أعطيته».
(لا تلحفوا في المسألة) هكذا هو في بعض
الأصول: في المسألة.! (في). وفي بعضها بالباء. وكلاهما صحيح. والإلحاف الإلحاح.
(١٠٣٦) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ
الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. حَدَّثَنِي وَهْبُ
بْنُ مُنَبِّهٍ (وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِصَنْعَاءَ فَأَطْعَمَنِي مِنْ
جَوْزَةٍ فِي دَارِهِ) عَنْ أَخِيهِ. قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول. فذكر مثله.
(من جوزة) أي من شجرة ثمرها الجوز.
١٠٠ - (١٠٣٧) وحدثني حرملة بن يحييى. أخبرنا ابن
وهب. أخبرني يونس عن ابن شِهَابٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ،
وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ
«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ».
(٣٤) باب المسكين الذيي لَا يَجِدُ غِنًى،
وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ
١٠١
- (١٠٣٩)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الحزامي)
عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ قَالَ «لَيْسَ
الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ. فَتَرُدُّهُ
اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ». قَالُوا: فَمَا
الْمِسْكِينُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ «الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ.
وَلَا يُفْطَنُ لَهُ، فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ. وَلَا يسأل الناس شيئا».
(ليس المسكين بهذا الطواف) معناه المسكين
الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، بل هو الَّذِي
لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ له ولا يسأل الناس. وليس معناه نفي أصل
المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة. (فما المسكين) هكذا هو في الأصول
كلها: فما المسكين. وهو صحيح. لأن ما تأتي كثيرا لصفات من يعقل. كقوله تعالى:
فانكحوا ما طاب لكم من النساء.
١٠٢ - (١٠٣٩) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
(وَهُوَ ابْنُ جعفر) أخبرني شريك عن عطاء ابن يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ رسول الله ﷺ قال
«لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي
تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلَا اللقمة واللقمتان. إنما المسكين
المتعفف. اقرؤا إِنْ شِئْتُمْ: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا» [٢/ البقرة /
الآية ٢٧٣].
(١٠٣٩) - وحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ
إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ. أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ؛ أنهما سمعا أبا هريرة يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ.
(٣٥) بَاب كَرَاهَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلنَّاسِ
١٠٣
- (١٠٤٠)
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة. حدثنا عبد الأعلى بن عَبْدِ الْأَعْلَى
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ
بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مزعة لحم».
(مزعة لحم) أي قطعة. قال القاضي: قيل معناه
يأتي يوم القيامة ذليلا لا وجه له عند الله. وقيل هو على ظاهره فيحشر ووجهه عظم لا
لحم فيه، عقوبة له وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه.
(١٠٤٠) - وحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ،
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخبرنا معمر عن أخي الزهري، بهذا
الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ «مُزْعَةُ».
١٠٤ - (١٠٤٠) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: قَالَ رسول الله ﷺ:
«ما يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ
النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ
لَحْمٍ».
١٠٥ - (١٠٤١) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَوَاصِلُ
بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: قال رسول الله ﷺ:
«مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ
تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يسأل جمرا. فليستقل أو ليستكثر».
(تكثرا) هو مفعول له. أي ليكثر ماله، لا
للاحتياج.
١٠٦ - (١٠٤٢) حدثني هناد بن السري. حدثنا أبو
الأحوص عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول:
«لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ
فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ
النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ
ذَلِكَ. فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَابْدَأْ
بِمَنْ تَعُولُ».
(١٠٤٢) - وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا يحيى بن
سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. قَالَ:
أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
«وَاللَّهِ! لَأَنْ يَغْدُوَ
أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهُ». ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ
حَدِيثِ بَيَانٍ.
١٠٧ - (١٠٤٢) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ
وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
الله ﷺ:
«لَأَنْ يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ
حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَحْمِلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا، يُعْطِيهِ أَوْ يمنعه».
١٠٨ - (١٠٤٣) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ (قَالَ سَلَمَةُ:
حَدَّثَنَا. وَقَالَ الدَّارِمِيُّ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ، وَهُوَ ابْنُ
مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ) حَدَّثَنَا سَعِيدٌ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ)
عَنْ ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ.
قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الْأَمِينُ. أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إِلَيَّ.
وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي، فَأَمِينٌ. عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ. قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً.
فَقَالَ:
«أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ
اللَّهِ؟» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ. فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ! ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟» فَقُلْنَا:
قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثُمَّ قَالَ «ألا تبايعون رسول الله ﷺ؟»
قال: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا. وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَتُطِيعُوا (وَأَسَرَّ كَلِمَةً
خَفِيَّةً) وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا» فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ
أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ. فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا
يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.
(٣٦) بَاب مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ
١٠٩
- (١٠٤٤)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كلاهما عَنْ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ
رِيَابٍ. حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ
مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ. قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً. فَأَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ أَسْأَلُهُ فِيهَا. فَقَالَ:
«أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا
الصَّدَقَةُ. فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ
الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً
فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ
أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى
يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ (أَوَ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ). وَرَجُلٌ
أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ:
لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ. فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ. حَتَّى يُصِيبَ
قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ (أَوَ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ) فَمَا سواهن من المسألة،
ياقبيصة! سحتا يأكلها صاحبها سحتا».
(تحملت حمالة) الحمالة هي المال الذي يتحمله
الإنسان، أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين. كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك.
(حتى يصيبها ثم يمسك) أي إلى أن يجد الحمالة ويؤدي ذلك الدين، ثم يمسك نفسه عن
السؤال. (ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله) قال ابن الأثير: الجائحة هي الآفة التي
تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة. واجتاحت أي أهلكت. (قواما من
عيش) أي إلى أن يجد ما تقوم به حاجته من معيشة. (سدادا من عيش) القوام والسداد،
بمعنى واحد. وهو ما يغنى من الشيء وما تسد به الحاجة. وكل شيء سددت به شيئا فهو سداد.
ومنه: سداد الثغر، وسداد القارورة، وقولهم: سداد من عوز. (فاقة) أي فقر وضرورة بعد
غنى. (حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قومه) هكذا هو في جميع
النسخ: حتى يقوم ثلاثة، وهو صحيح. أي يقومون بهذا الأمر فيقولون: لقد أصابته فاقة.
والحجا، مقصور، وهو العقل. وإنما قال ﷺ: من قومه، لأنهم من أهل الخبرة بباطنه.
والمال مما يخفى في العادة فلا يعلمه إلا من كان خبيرا بصاحبه. (سحتا يأكلها
صاحبها) هكذا هو في جميع النسخ: سحتا. وفيه إضمار. أي أعتقده سحتا أو يؤكل سحتا.
والسحت هو الحرام.
(٣٧) بَاب إِبَاحَةِ الْأَخْذِ لِمَنْ
أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافٍ
١١٠
- (١٠٤٥)
وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حدثنا عبد الله بن وهب. ح وحدثني حرملة بن
يحيي. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن
أبيه. قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ:
قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
يُعْطِينِي الْعَطَاءَ. فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. حَتَّى
أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا. فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خُذْهُ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ
مُشْرِفٍ وَلَا سائل، فخذه. ومالا، فلا تتبعه نفسك».
(غير مشرف) أي غير متطلع إليه، ولا طامع فيه.
(فلا تتبعه نفسك) أي فلا تجعل نفسك تابعة له.
١١١ - (١٠٤٥) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عمرو بن الحارث عن ابن شهاب، عن سالم بن
عبد اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يعطي عمرو بْنَ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه الْعَطَاءَ. فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ، يَا
رَسُولَ اللَّهِ! أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ
بِهِ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غير مشرف ولا سائل، فخذه.
ومالا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ
ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شيئا أعطيه.
(فتموله) أي اجعله لك مالا.
(١٠٤٥) - وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِمِثْلِ
ذَلِكَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
١١٢ - (١٠٤٥) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن
بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ السَّاعِدِيِّ الْمَالِكِيِّ؛
أَنَّهُ قَالَ:
اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا،
وَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِ، أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ. فقلت: إنما عملت لله، وأجري
عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ. فَإِنِّي عَمِلْتُ عَلَى
⦗٧٢٤⦘
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَعَمَّلَنِي فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ. فَقَالَ لي رسول الله ﷺ: «إِذَا أُعْطِيتَ
شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ، فكل. وتصدق».
(استعملني) أي جعلني عاملا على الصدقة، أي
على أخذها وجمعها. (بعمالة) أجرة العمل. (فعملني) أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي.
(١٠٤٥) - وحدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا
ابن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ،
عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ السَّعْدِيِّ؛ أَنَّهُ قَالَ:
اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ. بِمِثْلِ
حديث الليث.
(٣٨) بَاب كَرَاهَةِ الْحِرْصِ عَلَى
الدُّنْيَا
١١٣
- (١٠٤٦)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ
النَّبِيَّ ﷺ. قَالَ:
«قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ
اثْنَتَيْنِ: حب العيش، والمال».
(قلب الشيخ شاب ٠٠ الخ) هذا مجاز واستعارة.
ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه.
١١٤ - (١٠٤٦) وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا:
أخبرنا ابن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سعيد بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ رَسُولَ الله ﷺ قال:
«قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ
اثْنَتَيْنِ: طُولُ الْحَيَاةِ، وَحُبُّ الْمَالِ».
١١٤ - (١٠٤٧) وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى،
وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كلهم عَنْ أَبِي عَوَانَةَ.
قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ
مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى العمر».
(وتشب منه اثنتان) هو بمعنى قلب الشيخ شاب
... الخ. (الحرص على المال والحرص على العمر) إنما لم تنكسر هاتان الخصلتان لأن
الإنسان مجبول على حب الشهوات، كما قال تعالى: ﴿زين للناس حب الشهوات﴾. الآية.
والشهوة إنما تنال بالمال والعمر.
(١٠٤٧) - وحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ
الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ.
قال بمثله.
م (١٠٤٧) وحدثنا محمد بن المثنى وابن
بشار. قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة. قال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عن النبي ﷺ. بنحوه.
(٣٩) باب لو أن لابن آدم واديين لا بتغى
ثَالِثًا
١١٦
- (١٠٤٨)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ
مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ
إِلَّا التُّرَابُ. وَيَتُوبُ الله على من تاب».
(ولا يملأ جوف ابن لآدم إلا التراب) معناه
أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره. (ويتوب الله على
من تاب) معناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم، وغيره من المذمومات.
(١٠٤٨) - وحدثنا ابن المثنى وابن بشار. قال
ابن الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ أُنْزِلَ أَمْ شَيْءٌ كَانَ
يَقُولُهُ) بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عوانة.
(فلا أدرى أشيء أنزل) أي أمن القرآن هو أنزله
الله سبحانه، أم هو من عند رسوله عله الصلاة والسلام، كان يقوله.
١١٧ - (١٠٤٨) وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن
وهب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ أَنَّهُ قَالَ:
«لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ
ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ. وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا
التُّرَابُ. وَاللَّهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ».
١١٨ - (١٠٤٩) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«لَوْ أَنَّ
⦗٧٢٦⦘
لِابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالًا
لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ. وَلَا يَمْلَأُ نَفْسَ ابْنِ آدَمَ
إِلَّا التُّرَابُ. وَاللَّهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا أَدْرِي
أَمِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا.
وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ قَالَ:
فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ. لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عباس.
١١٩ - (١٠٥٠) حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي
الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ
إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَدَخَلَ عليه ثلاثمائة رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا
الْقُرْآنَ. فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ.
فَاتْلُوهُ. وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ. كَمَا
قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً. كُنَّا
نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ. فَأُنْسِيتُهَا. غَيْرَ
أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ
لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا
التُّرَابُ. كنا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ.
فَأُنْسِيتُهَا. غير أني حفظت منها: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون﴾.
فتكتب شهادة في أعناقكم. فتسألون عنها ييوم القيامة.
(ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم) الأمد
الغاية والمدة. والقسوة غلظ القلب. وفيه تلميح إلى قوله تعالى، في سورة الحديد
فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم. (المسبحات) هي من السور ما افتتح بسبحان وسبح ويسبح
وسبح اسم ربك.
(٤٠) بَاب لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ
الْعَرَضِ
١٢٠
- (١٠٥١)
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا سفيان بن
عيينة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال: قال رسول اللَّهِ ﷺ:
«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ
الْعَرَضِ. وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ».
(العرض) هو متاع الدنيا. ومعنى الحديث: الغنى
المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها. لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة لأن من
كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، فليس له غنى.
(٤١) بَاب تَخَوُّفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ
زَهْرَةِ الدُّنْيَا
١٢١
- (١٠٥٢)
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح
وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) قَالَ:
حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عِيَاضِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
يَقُولُ:
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَطَبَ
النَّاسَ فَقَالَ:»لَا وَاللَّهِ! مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ!
إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا: فَقَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ
الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ. أَوَ خَيْرٌ هُوَ. إِنَّ كُلَّ مَا
يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ.
أَكَلَتْ. حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ.
ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ. فَعَادَتْ. فَأَكَلَتْ. فَمَنْ يَأْخُذْ
مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ
⦗٧٢٨⦘
لَهُ فِيهِ. وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا
بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كمثل الذي يأكل ولا يشبع».
(أيأتي الخير بالشر) أي أيستجلب الخير الشر.
يعني أن ما يحصل لنا من الدنيا خير إذا كان من جهة مباحة، فهل يترتب عليه شر؟ (إن
الخير لا يأتي إلا بخير) أي أن الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير. ولكن ليست هذه
الزهرة بخير لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال على
الآخرة. (أو خير هو) معناه أن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو
فتنة. (إن كل ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم) معناه أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطا
بالتخمة لكثرة الأكل، أو يقارب القتل. إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو
إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر. وهكذا المال هو كنبات الربيع
مستحسن، تطلبه النفوس وتميل إليه. فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه، غير صارف له
في وجوهه، فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه. ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا ييسيرا،
وإن أخذ كثيرا فرقه في وجوهه، كما تثلطه الدابة، فهذا لا يضره. هذا مختصر معنى
الحديث. (حبطا) أي تخمة. وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل. (ويلم)
أي يقارب الإهلاك. (إلا آكلة الخضر) أي إلا الماشية التي تأكل الخضر، وهي البقول
التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها. قال في النهاية: الخضر نوع من بقول
ليس من أحرارها وجيدها. (امتلأت خاصرتاها) أي امتلأت شبعا وعظم جنباها. (استقبلت
الشمس) أي بركت وقعدت مستقبلة عين الشمس. (ثلطت) ثلط البعير يثلط، إذا ألقي رجيعا
سهلا رقيقا. (اجترت) أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم
تبلعه، تستمرئ بذلك ما أكلت وقال ابن الأثير في النهاية. ضرب في هذا الحديث مثلين:
أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها.
فقوله: إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم. فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا
بغير حقها. وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه
حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الإحتمال فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب
الهلاك. وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في
الآخرة بدخول النار، وفي الدنيا بأذى الناس له، وحسدهم إياه، وغير ذلك من أنواع
الأذى. وأما قوله: إلا أكلة الخضر. فإنه مثل للمقتصد. وذلك أن الخضر ليس من أحرار
البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي الأمطار فتحسن وتنعم. ولكنه من البقول
التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها، حيث لا تجد سواها. فلا ترى الماشية
تكثر من أكلها ولا تستمريها. فضرب أكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ
الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو بنجوة من وبالها كما نجت
آكلة الخضر. ذلك أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمري بذلك ما أكلت
وتجتر وتثلط. فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط. وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ
بطونها ولا تثلط ولا تبول، فتنتفخ أجوافها، فيعرض لها المرض فتهلك. وأراد بزهرة
الدنيا حسنها وبهجتها. وبركات الأرض ثمارها وما يخرج من نباتها.
١٢٢ - (١٠٥٢) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب. قال: أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري؛ أن رسول الله ﷺ قَالَ
«أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا
يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا» قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ
الدُّنْيَا؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ «بَرَكَاتُ الْأَرْضِ» قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ قَالَ «لَا يَأْتِي
الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. لَا
يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ. إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ
يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا تَأْكُلُ. حَتَّى
إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ
وَبَالَتْ وَثَلَطَتْ. ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ. إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ
حُلْوَةٌ. فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ
الْمَعُونَةُ هُوَ. وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ
وَلَا يشبع».
(إن هذا المال خضرة حلوة) قال الحافظ في
الفتح: وقال ابن الأنباري: قوله المال خضرة حلوة، ليس هو صفة المال، وإنما هو
للتشبيه. كأنه قال: المال كالبقلة الخضراء الحلوة.
١٢٣ - (١٠٥٢) حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ
الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بن أبي كثير، عن هلال ابن أَبِي مَيْمُونَةَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ:
⦗٧٢٩⦘
جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى
الْمِنْبَرِ. وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. فَقَالَ «إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ
بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا» فَقَالَ
رَجُلٌ: أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَسَكَتَ
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ وَلَا يُكَلِّمُكَ؟ قَالَ: وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. فَأَفَاقَ
يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ. وَقَالَ «إِنَّ هَذَا السَّائِلَ» (وَكَأَنَّهُ
حَمِدَهُ) فَقَالَ «إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ. وَإِنَّ مِمَّا
يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا
أَكَلَتْ. حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ
فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ. ثُمَّ رَتَعَتْ. وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ.
وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ
وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلَ (أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وإنه من
يأخذه بغيرحقه كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ. وَيَكُونُ عَلَيْهِ شهيدا
يوم القيامة».
(الرحضاء) أي العرق، من الشدة. وأكثر ما يسمى
به عرق الحمى. (إن هذا السائل) هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها: أبن. وفي بعضها:
أنى، وفي بعضها أي، وكله صحح. فمن قال: أن وأنى فهما بمعنى. ومن قال: إن فمعناه،
والله أعلم، إن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن. ولهذ قال: وكأنه حمده. ومن
قال: أي فمعناه أيكم. فحذف الكاف والميم.
(٤٢) بَاب فَضْلِ التَّعَفُّفِ وَالصَّبْرِ
١٢٤
- (١٠٥٣)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ
عَلَيْهِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ
سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَأَعْطَاهُمْ. ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ. حتى
إذا نفذ مَا عِنْدَهُ قَالَ «مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ
عَنْكُمْ. وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ. وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ
اللَّهُ. وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ
عَطَاءٍ خير وأوسع من الصبر».
(خير وأوسع من الصبر) هكذا هو في جميع نسخ
مسلم. خير. مرفوع وهو صحيح. وتقديره هو خير.
(١٠٥٣) - حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
(٤٣) بَاب فِي الْكَفَافِ وَالْقَنَاعَةِ
١٢٥
- (١٠٥٤)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ المقري عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ. حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ
(وَهُوَ ابْنُ شَرِيكٍ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ،
وَرُزِقَ كفافا، وقنعه الله بما آتاه».
(كفافا) قال في النهاية: الكفاف هو الذي لا
يفضل عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة إليه. وهو نصب على الحال.
١٢٦ - (١٠٥٥) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ. ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ. كِلَاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قال: قال رسول الله ﷺ
«اللَّهُمَّ! اجْعَلْ رِزْقَ آلِ
مُحَمَّدٍ قُوتًا».
(قوتا) قال أهل اللغة والعربية: القوت ما يسد
الرمق.
(٤٤) باب إعطاء من يسأل بِفُحْشٍ وَغِلْظَةٍ
١٢٧
- (١٠٥٦)
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإسحاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا جرير) عَنْ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:
قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَسْمًا.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ
مِنْهُمْ. قَالَ «إِنَّهُمْ خَيَّرُونِي أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أو
يبخلوني. فلست بباخل».
١٢٨ - (١٠٥٧) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا
إسحاق بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا. ح وحَدَّثَنِي
يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن
وهب. حدثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إسحاق بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
ﷺ، وَعَلَيْهِ
⦗٧٣١⦘
رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ
الْحَاشِيَةِ. فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً
شَدِيدَةً. نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ أَثَّرَتْ
بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ. مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ. فَضَحِكَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بعطاء.
(نجراني) منسوب إلى نجران. موضع بين الحجاو
واليمن. (فجبذه) جبذ وجذب لغتان مشهورتان. وقوله: فجاذبه، في الرواية الثانية،
بمعنى جبذه.
(١٠٥٧) - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا
عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. ح وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ
عَمَّارٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: قَالَ: ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيْهِ جَبْذَةً. رَجَعَ
نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي نَحْرِ الْأَعْرَابِيِّ.
وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: فَجَاذَبَهُ
حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ. وَحَتَّى بَقِيَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ
الله ﷺ.
(رَجَعَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي نحر الأعرابي)
النحر أعلى الصدر. أي استقبل ﷺ نحره استقبالا تاما. ولم يتأثر من سوء أدبه. (حتى
انشق البرد) قال القاضي: يحتمل أنه على ظاهره، وأن الحاشية انقطعت وبقت في العنق.
ويحتمل أن يكون معناه بقي أثرها. لقوله في الرواية الأخرى: أثرت بها حاشية الرداء.
١٢٩ - (١٠٥٨) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَسَمَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أقبية ولم يعطي مَخْرَمَةَ شَيْئًا. فَقَالَ مَخْرَمَةُ:
يَا بُنَيَّ! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. قَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي. قَالَ:
فَدَعَوْتُهُ لَهُ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا. فَقَالَ
«خَبَأْتُ هَذَا لَكَ». قَالَ: فَنَظَرَ إليه فقال «رضي مخرمة».
(أقبية) مفردها قباء. وهو ثوب يلبس فوق
الثياب.
١٣٠ - (١٠٥٨) حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ
بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو صَالِحٍ.
حَدَّثَنَا أيوب السختياني عن عبد الله ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَقْبِيَةٌ. فَقَالَ لِي
أَبِي، مَخْرَمَةُ:
انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ
يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ.
فَعَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ صَوْتَهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ. وَهُوَ يُرِيهِ
مَحَاسِنَهُ. وَهُوَ يَقُولُ «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ. خَبَأْتُ هَذَا لَكَ».
(٤٥) بَاب إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى
إِيمَانِهِ
١٣١
- (١٥٠)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعد) حدثنا أبي عن
صالح، عن ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛
أَنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. قَالَ:
فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ
رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ. وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ. فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ فساورته فقلت: يا رسول الله! مالك عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ! إِنِّي
لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ «أَوْ مُسْلِمًا» فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي
مَا أعلم منه. فقلت: يا رسول الله! مالك عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ! إِنِّي
لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ «أَوْ مُسْلِمًا» فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي
مَا أعلم منه.
⦗٧٣٣⦘
فقلت: يا رسول الله! مالك عَنْ
فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ! إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ «أَوْ مُسْلِمًا» قَالَ
«إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. خَشْيَةَ أَنْ
يُكَبَّ فِي النار على وجهه».
وفي حديث الحلواني تكرار القول مرتين.
(أنه أعطي) هكذا هو في النسخ. وهو صحيح.
وتقديره: قال أعطى. فحذف لفظة قال. معنى هذا الحديث أن سعدا رأى رسول الله ﷺ يعطي
ناسا ويترك من هو أفضل منهم في الدين. وظن أن النبي ﷺ لم يعلم حال هذا الإنسان
المتروك فأعلمه به. وحلف أنه علمه مؤمنا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ «أو مسلما».
فلم يفهم منه النهي عن الشفاعة فيه مرة أخرى. فسكت. ثم رآه يعطي من هو دونه بكثير.
فغلبه ما يعلم من حسن حال ذلك الإنسان فقال: يا رسول الله! مالك عن فلان؟ تذكيرا.
وجوز أن يكون النبي ﷺ همّ بعطائه من المرة الأولى ثم نسيه. فأراد تذكيره. وهكذا المرة
الثالثة. إلى أن أعلمه النبي ﷺ أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل في الدين. فقال ﷺ
«إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي مخافة أن يكبه الله في النار» معناه أني أعطي ناسا
مؤلفة، في إيمانهم ضعف. لو لم أعطهم كفروا. فيكبهم الله في النار. وأترك أقواما هم
أحب إلي من الذين أعطيتهم. ولا أتركهم احتقارا لهم. ولا لنقص دينهم، ولا إهمالا
لجانبهم، بل أكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور والإيمان التام، وأثق بأنهم
لا يتزلزل إيمانهم لكماله. (وهو أعجبهم إلي) أي أفضلهم عندي. (فساورته) أي فكلمته
سرا، دون جهر، تأدبا معه ﷺ.
(١٥٠) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إبراهيم بن سعد. حدثنا ابن أخي بن شِهَابٍ. ح وحَدَّثَنَاه إسحاق
بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بن حميد. قالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَلَى
معنى حديث صالح عن الزهري.
م (١٥٠) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إبراهيم بن سعد. حدثنا أبي عن
صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. يَعْنِي حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ
الَّذِي ذَكَرْنَا. فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ:
فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ
بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي. ثُمَّ قَالَ «أَقِتَالًا؟ أَيْ سَعْدُ! إِنِّي
لَأُعْطِي الرَّجُلَ».
(أقتالا. أي سعد) أي أتدافع مدافعة، وتكابرني
يا سعد. شبه تكريره، بعد التنبيه، بالقتال.
(٤٦) بَاب إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَصَبُّرِ مَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ
١٢٣
- (١٠٥٩)
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يونس عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ؛
أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْأنْصَارِ
قَالُوا، يَوْمَ حُنَيْنٍ، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أموال
هوازان مَا أَفَاءَ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ.
الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ.
يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ!.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
فَحُدِّثَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مِنْ قَوْلِهِمْ. فَأَرْسَلَ إِلَى
الْأَنْصَارِ. فَجَمَعَهُمْ
⦗٧٣٤⦘
فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَلَمَّا
اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ:
«مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟»
فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُولَ
اللَّهِ! فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا. وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ
أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ. يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا،
وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَإِنِّي
أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ. أَتَأَلَّفُهُمْ. أَفَلَا تَرْضَوْنَ
أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ
بِرَسُولِ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ! لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا
يَنْقَلِبُونَ بِهِ» فَقَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ رَضِينَا.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى
تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ». قَالُوا سنصبر.
(حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَمْوَالِ هوازن ما أفاء) أي حين جعل الله من أموالهم ما جعله فيئا على رسوله. وهو
من الغنيمة مالا تلحقه مشقة. وهوازن قبيلة. (في قبة من آدم) القبة من الخيام: بيت
صغير مستدير. وهو من بيوت العرب. ومن أدم معناه من جلود. وهو جمع أديم بمعنى الجلد
المدبوغ. ويجمع أيضا على أدم. (أتألفهم) أي أستميل قوبهم بالإحسان ليثبتوا على
الإسلام، رغبة في المال. وكان النبي ﷺ يعطي المؤلفة من الصدقات. وكانوا أشراف
العرب. فمنهم من كان يعطيه دفعا لأذاه ومنهم من كان يعطيه طمعا في إسلامه وإسلام نظرائه
وأتباعه. ومنهم من كان يعطيه ليثبت على إسلامه، لقرب عهده بالجاهلية. (رحالكم) أي
منازلكم. (أثرة شديدة) فيها لغتان: أحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء، وأصحهما
وأشهرهما بفتحهما جميعا. والأثرة الاستئثار بالمشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم
غيركم بغير حق.
(١٠٥٩) - حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ
وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أبى عن صالح، عن ابن شهاب. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ:
لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى
رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ
بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. وَقَالَ:
فَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ.
(١٠٥٩) - وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبراهيم. حدثني ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بمثله. إلا
أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالُوا: نَصْبِرُ. كَرِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ.
١٣٣ - (١٠٥٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المثنى
وابن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ.
قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
الْأَنْصَارَ. فَقَالَ: «أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟» فَقَالُوا: لَا.
إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ ابْنَ أُخْتِ
الْقَوْمِ مِنْهُمْ» فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عهد بجاهلية ومصيبة. وإني
أرادت أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ. أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ
النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ
سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لسلكت شعب الأنصار».
(حديث عهد بجاهلية) أي كانوا قريب عهد
بجاهلية، يعني أن زمانهم قريب من زمان الكفر. قال الحافظ ابن حجر: وقع بالإفراد في
الصحيحين. والمعروف حديثو عهد. وفعيل يستوي فيه الإفراد وغيره. (أجبرهم) أي أفعل
معهم ما ينجبر به خاطرهم وينسيهم مصيبتهم. (وسلك الأنصار شعبا) قال الخليل: الشعب
هو ما انفرج بين جبلين. وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل.
١٣٤ - (١٠٥٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
التَّيَّاحِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَسَمَ
الْغَنَائِمَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ.
إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. وَإِنَّ غَنَائِمَنَا تُرَدُّ
عَلَيْهِمْ! فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَمَعَهُمْ. فَقَالَ: «مَا
الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» قَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. وَكَانُوا لَا
يَكْذِبُونَ. قَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا إِلَى
بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ
النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا،
لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ».
١٣٥ - (١٠٥٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ (يزيد أحدهما على
الآخر الحرف بعد الحرف) قَالَا: حدثنا معاذ ابن مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ
عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ
أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وغطفان، بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ. وَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ
⦗٧٣٦⦘
يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلَافٍ.
وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ. فَأَدْبَرُوا عَنْهُ. حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ. قَالَ:
فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ. لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. قَالَ:
فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ!» فَقَالُوا: لَبَّيْكَ،
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ
يَسَارِهِ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ!» قَالُوا: لَبَّيْكَ، يَا رَسُولَ
اللَّهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ
«يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ!» قَالُوا: لَبَّيْكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَبْشِرْ
نَحْنُ مَعَكَ. قَالَ: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ. فَنَزَلَ فَقَالَ: أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ. وَأَصَابَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ غَنَائِمَ كَثِيرَةً. فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ.
وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا. فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ
الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى. وَتُعْطَى الْغَنَائِمُ غَيْرَنَا! فَبَلَغَهُ
ذَلِكَ. فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ. فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! مَا
حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَسَكَتُوا. فَقَالَ:
«يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! أَمَا
تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ
تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَضِينَا.
قَالَ: فَقَالَ:
«لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا،
وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ».
قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا
حَمْزَةَ! أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ وَأَيْنَ أَغِيبُ عنه؟.
(ونعمهم) النعم واحد الأنعام. وهي الأموال
الراعية. وأكثر ما يقع على الإبل. قال القسطلاني: وكانت عادتهم، إذا أرادوا التثبت
في القتال، استصحاب الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال. (ومعهم الطلقاء) يعني
مسلمة الفتح الذين من عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يوم الفتح، فلم يأسرهم ولم
يقتلهم. وهو جمع طليق. (فأدبروا عنه) أي ولوا عنه أدبارهم. وما أقبلوا على العدو
معه، حتى بقي ﷺ وحده. (تحوزونه) في المصباح: وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه.
١٣٦ - (١٠٥٩) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. قَالَ ابْنُ
مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
حَدَّثَنِي السُّمَيْطُ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ. ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا.
فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ. قَالَ: فَصُفَّتِ الْخَيْلُ.
ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ. ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ.
ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ. ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ. قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ
كَثِيرٌ. قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ.
⦗٧٣٧⦘
وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلْوِي خَلْفَ ظُهُورِنَا.
فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ، وَمَنْ
نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَنَادَى رسول الله ﷺ: «يال المهاجرين! يال
المهاجرين». ثم قال «يال الأنصار! يال الأنصار!». قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: هَذَا
حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ. قَالَ: قُلْنَا: لَبَّيْكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ:
فَتَقَدَّمَ رسول الله ﷺ. قال: فَايْمُ اللَّهِ! مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى
هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ. ثُمَّ انْطَلَقْنَا
إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى
مَكَّةَ فَنَزَلْنَا. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْطِي الرَّجُلَ
الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. كَنَحْوِ حَدِيثِ
قتادة، وأبي التياح، وهشام ابن زيد.
(قد بلغنا ستة آلاف) قال القاضي: هذا وهم من
الراوي عن أنس. والصحيح ما جاء في الرواية الأولى: عشرة آلاف ومعه الطلقاء. لأن
المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفا: عشرة آلاف شهدوا
الفتح. وألفان من أهل مكة. ومن انضاف إليهم. (وعلى مجنبة) قال شمر: المجنبة هي
الكتيبة من الخيل التي تأخذ جانب الطريق. وهما مجنبتان: ميمنة، وميسرة، بجانبي
الطريق، والقلب بينهما. (فجعلت خيلنا تلوى) هكذا هو في أكثر النسخ: تلوى: وفي
بعضها: تلوذ. وكلاهما صحيح. أي فجعلت فرساننا يثنون أفراسهم ويعطفونها خلف ظهورنا.
(يال المهاجرين يال المهاجرين. ثم قال يال الأنصار يال الأنصار) هكذا هو في جميع
النسخ في المواضع الأربعة: يال، بلام مفصولة مفتوحة. والمعروف وصلها بلام التعريف
التي بعدها. وهي لام الجر. إلا أنها تفتح في المستغاث به، فرقا بينها وبين مستغاث
له. فيقال: يا لزيد لعمرو. بفتح في الأولى وكسر في الثانية. (هذا حديث عمية) هذه
اللفظة: ضبطوها في صحيح مسلم على أوجه: أحدها عمية، قال القاضي: كذا روينا هذا
الحرف عن عامة شيوخنا، وفسر بالشدة. والثاني عمية. والثالث عميه أي حدثني به عمى.
وقال القاضي: على هذا الوجه معناه عندى جماعتي. أي هذا حديثهم. قال صاحب العين:
العم الجماعة. قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث. والوجه الرابع كذلك، إلا أنه بتشديد
الياء، وهو الذي ذكره الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وفسره بعمومتى. أي حديث
فضل أعمامي. أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي. كأنه حدث بأول الحديث عن مشاهدة،
ثم لعله لم يضبط هذا الموضع لتفرق الناس، فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته
الذين شهدوه.
١٣٧ - (١٠٦٠) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رافع ابن خَدِيجٍ؛
قَالَ:
أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ،
وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ.
وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عباس بن مرداس:
⦗٧٣٨⦘
أتجعل نهبى ونهب العبيـ * ـد بَيْنَ
عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ؟
فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حابس *
يفوقان مرداس في المجمع
وماكنت دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا *
وَمَنْ تَخْفِضْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ
قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ مائة.
(ونهب العبيد) النهب الغنيمة. والعبيد اسم
فرسه. (يفوقان مرداس) هكذا هو في جميع الروايات: مرداس، غير مصروف. وهو حجة لمن
جوز ترك الصرف بعلة واحدة. وأجاب الجمهور بأنه في ضرورة الشعر.
١٣٨ - (١٠٦٠) وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ
الضَّبِّيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
مَسْرُوقٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ
فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَسَاقَ
الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ مِائَةً.
(١٠٦٠) - وحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ
الشَّعِيرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ، وَلَا
صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ فِي حديثه.
١٣٩ - (١٠٦١) حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ.
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ،
عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنّ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ. فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ
قُلُوبُهُمْ. فَبَلَغَهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا
أَصَابَ النَّاسُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَطَبَهُمْ. فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ»يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ
ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟
وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟ «وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمَنُّ. فَقَالَ» أَلَا تُجِيبُونِي؟ «فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ.
فَقَالَ:»أَمَا إنكم لوشئتم أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ
كذا وكذا«.
⦗٧٣٩⦘
لأشياء عددها. زعم عمرو أن لَا
يَحْفَظُهَا. فَقَالَ:»أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ
وَالْإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ الْأَنْصَارُ
شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ. وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ.
وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ
وَشِعْبَهُمْ. إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى
تَلْقَوْنِي عَلَى الحوض".
(أن يصيبوا ما أصاب الناس) أي أن يجدوا ما
وجد الناس من القسمة. (عالة) أي فقراء، جمع عائل. وهو جمع مطرد في الأجوف الثلاثي.
(ومتفرقين) يعني متدابرين، يعادي بعضكم بعضا. كما قال تعالى: إذ كنتم أعداء فألف
بين قلوبكم. الآية. (بالشاء) هو جمع شاة، كشياه، وهي الغنم. (الأنصار شعار والناس
دثار) قال أهل اللغة: الشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه. ومعني الحديث
الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس.
١٤٠ - (١٠٦٢) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وَقَالَ
الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ. فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ
مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَعْطَى أُنَاسًا
مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ. وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. فَقَالَ
رَجُلٌ: وَاللَّهِ! إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ
فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ. قَالَ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ
حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ!» قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى. قَدْ
أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». قَالَ قُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ
إِلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا.
(حتى كان كالصرف) هو صبغ أحمر يصبغ به
الجلود. قال ابن دريد: وقد يسمى الدم أيضا صرفا. (قد أوذي بأكثر من هذا) أي أذاه
قومه أكثر من هذا الإيذاء. (لاجرم) أي لا بد. أو حقا. أو لا محالة. أو هذا أصله ثم
كثر حتى تحول إلى معنى القسم.
١٤١ - (١٠٦٢) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَسْمًا.
فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. قَالَ:
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فساورته. فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا.
وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ لَهُ. قَالَ:
ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَوُذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فصبر».
(٤٧) بَاب ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ
١٤٢
- (١٠٦٣)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ:
أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
بِالْجِعْرَانَةِ. مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ. وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ.
وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْبِضُ مِنْهَا. يُعْطِي النَّاسَ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
اعْدِلْ. قَالَ: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ
خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي
الله عنه: دَعْنِي.
يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ. فَقَالَ: «مَعَاذَ اللَّهِ!
أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أقتل أصحابي. إن هذا وأصحابه يقرأون الْقُرْآنَ.
لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يمرق السهم من الرمية».
(بالجعرانة) موضع قريب من مكة. وهو بتسكين
العين والتخفيف. وقد تكسر العين وتشدد الراء. (منصرفه من حين) هو ظرف زماني لأتي.
أي حين انصرفه، عليه الصلاة والسلام، من حنين. (لقد خبت وخسرت) روى بفتح التاء في
خبت وخسرت. وبضمها فيهما. ومعنى الضم ظاهر. وتقدير الفتح: لقد خبت أنت أيها التابع
إذا كنت لا أعدل، لكونك تابعا ومقتديا بمن لا يعدل. والفتح أشهر. (معاذ الله) أي
أعوذ به عوذا من أن يتحدث الناس الخ. (لا يجاوز حناجرهم) قال القاضي: فيه تأويلان.
أحدهما معناه لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم
والحنجرة والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف. والثاني معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة
ولا يتقبل. والحناجر جمع حنجرة، وهي رأس الغلصمة، حيث تراه ناتئا من خارج الحلق.
(يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية) قال القاضي: معناه يخرجون منه خروج السهم،
إذا نفذ الصيد، من جهة أخرى. ولم يتعلق به شيء منه. والرمية هي الصيد المرمى، وهي
فعيلة بمعنى مفعولة.
(١٠٦٣) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ
يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ كان يقسم مغانم وساق الحديث.
(كان يقسم مغانم) جمع مغنم. وهو كالغنيمة، ما
أصيب من أموال أهل الحرب من الكفار.
١٤٣ - (١٠٦٤) حدثنا هناد بن السري. حدثنا أبو
الأحوص عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ:
بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَهُوَ
بِالْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَسَمَهَا
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ
الْحَنْظَلِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الفزاري، وعلقمة بن علاثة العاشمري،
ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلَابٍ، وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي
نَبْهَانَ. قَالَ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ. فَقَالُوا: أَتُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ
وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ
لِأَتَأَلَّفَهُمْ» فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ. مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ.
غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ. نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ. فَقَالَ: اتَّقِ
اللَّهَ. يَا مُحَمَّدُ! قَالَ: فقال رسول الله ﷺ: «فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ
عَصَيْتُهُ! أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟» قَالَ:
ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ. فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ.
(يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ
مِنْ ضئضئ هذا قوما يقرأون
⦗٧٤٢⦘
الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ
حَنَاجِرَهُمْ. يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ. وَيَدَعُونَ أَهْلَ
الْأَوْثَانِ. يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّةِ. لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قتل عاد».
(بذهبة) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: بذهبة،
بفتح الذال. وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم عن الجلودى. (في تربتها) صفة
لذهبة. يعني أنهاغير مسبوكة لم تخلص من ترابها. (وزيد الخير) كذا هو في جميع
النسخ: الخير. وفي الرواية التي بعدها زيد الخيل. وكلاهما صحيح، يقال بالوجهين.
كان يقال له في الجاهلية زيد الخيل، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، في الإسلام،
زيد الخير. (صناديد نجد) أي ساداتها. واحدها صنديد. (كث اللحية) قال ابن الأثير:
الكثاثة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة، وفيها كثافة. يقال: رجل كث
اللحية، بالفتح. وقوم كث، بالضم. (مشرف الوجنتين) أي غليظهما. والوجنتان تثنية
وجنة. والوجنة من الإنسان، ما ارتفع من لحم خده. (غائر العينين) أي أن عينيه
داخلتان في محاجرهما، لاصقتان بقعر الحدقة. (ناتئ الجبين) أي بارز الجبين. من
النتوء، وهو الإرتفاع. ولعل الجبين وقع هنا غلطا من الجبهة. والرواية الصحيحة هي
ما يأتي بعد هذه من قوله: ناشز الجبهة أو ناتئ الجبهة. فإن الجبين جانب الجبهة.
ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة، وهما لا يوصفان بالنتوء. (محلوق الرأس) وحلق
الرأس، إذ ذاك، مخالف للعرب. فإنهم لا يحلقون رؤوسهم، وكانوا يفرقون شعورهم. (إن
من ضئضئى هذا) هو أصل الشيء. وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا. وحكاه القاضي عن
الجمهور. وعن بعضهم أنه ضبطه بالمعجمتين والمهملتين جميعا وهذا صحيح في اللغة:
قالوا: ولأصل الشيء أسماء كثيرة: منها الضئضئى بالمعجمتين والمهملتين، والنجار،
والنحاس، والسنخ، والعنصر، والعيص، والأرومة. (قتل عاد) أي قتلا عاما مستأصلا. كما
قال تعالى: فهل ترى لهم من باقية.
١٤٤ - (١٠٦٤) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي نعيم. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
يَقُولُ:
بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْ الْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ. لَمْ
تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا. قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ
عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ،
وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا
مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: «أَلَا
تَأْمَنُونِي؟ وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ
صَبَاحًا وَمَسَاءً» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ. مُشْرِفُ
الْوَجْنَتَيْنِ. نَاشِزُ الْجَبْهَةِ. كَثُّ اللِّحْيَةِ. مَحْلُوقُ الرَّأْسِ.
مُشَمَّرُ الْإِزَارِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ:
«وَيْلَكَ! أو لست أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ» قَالَ: ثُمَّ
وَلَّى الرَّجُلُ. فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا
أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ «لَا. لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي». قَالَ خَالِدٌ:
وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ.
وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ:
«إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ. رَطْبًا
لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ
مِنَ الرَّمِيَّةِ». قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ
لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ».
(في أديم مقروظ) أي في جلد مدبوغ بالقرظ.
والقرظ حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه. (لم تحصل من ترابها) أي لم
تميز ولم تصف من تراب معدنها. (وإما عامر بن الطفيل) قال العلماء: ذكر عامر، هنا،
غلط ظاهر. لأنه توفي قبل هذا بسنين. والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة. كما هو
مجزوم به في باقي الروايات. (ناشز الجبهة) أي مرتفعها. (لَمْ أُومَرْ أَنْ
أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ) أي أفتش وأكشف. ومعناه إني أمرت بالحكم بالظاهر،
والله يتولى السرائر. (وهو مقف) أي مول، قد أعطانا قفاه.
١٤٥ - (١٠٦٤) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. قَالَ: وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ
الطفيل. وقال:
ناتيء الْجَبْهَةِ. وَلَمْ يَقُلْ:
نَاشِزُ. وَزَادَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ «لَا». قَالَ: ثُمَّ
أَدْبَرَ فَقَامَ إِلَيْهِ خَالِدٌ، سَيْفُ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ «لَا»، فَقَالَ «إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ
ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ لَيِّنًا رَطْبًا». وَقَالَ:
قَالَ عُمَارَةُ: حَسِبْتُهُ قَالَ «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود».
(لينا رطبا) هكذا هو في أكثر النسخ: لينا،
بالنون أي سهلا. وفي كثير من النسخ: ليّا. وأشار القاضي إلى أنه رواية أكثر
شيوخهم. قال: ومعناه سهلا لكثرة حفظهم. قال: وقيل ليّا أي يلوون ألسنتّهم به، أي
يحرفون معانيه وتأويله.
١٤٦ - (١٠٦٤) وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَقَالَ بَيْنَ أربعة نفر: زيد الخير، والأقرع ابن حَابِسٍ،
وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ أَوْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
وَقَالَ: نَاشِزُ الْجَبْهَةِ. كَرِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ. وَقَالَ:
إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضئصئ هَذَا
قَوْمٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قتل ثمود».
١٤٧ - (١٠٦٤) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عَنْ الْحَرُورِيَّةِ؟
هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُهَا قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ
الْحَرُورِيَّةُ. وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ
(وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا) قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صلاتكم مع صلاتهم.
⦗٧٤٤⦘
فيقرأون الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوِزُ
حُلُوقَهُمْ (أَوْ حَنَاجِرَهُمْ) يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ
مِنَ الرَّمِيَّةِ. فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ. إِلَى نَصْلِهِ. إِلَى
رِصَافِهِ. فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ. هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدم شيء».
(يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ
يَقُلْ مِنْهَا) قال المازري: هذا من أدل الدلائل على سعة علم الصحابة رضي الله
عنهم ودقيق نظرهم وتحريرهم الألفاظ وفرقهم بين مدلولاتها الخفية. لأن لفظة من
تقتضي كونهم من الأمة، لا كفارا. بخلاف في. (إلى رصافه) الرصاف مدخل النصل من
السهم. والنصل هو حديدة السهم. (فيتمارى) التماري، هنا، تفاعل من المرية وهي الشك،
لا من المراء وهو الجدال. أي فيشك. (في الفوقة) الفوق والفوقة هو الحز الذي يجعل
فيه الوتر.
١٤٨ - (١٠٦٤) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب. أخبرني يونس بن ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. ح
وحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفهري.
قالا: أخبرني ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالضَّحَّاكُ الْهَمْدَانِيُّ؛ أن أبا سعيد الخدري قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا. أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ. وَهُوَ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ
لَمْ أعدل». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي
فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَعْهُ. فَإِنَّ لَهُ
أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ. وَصِيَامَهُ مَعَ
صِيَامِهِمْ. يقرأون القرآن. لا يجاوز تراقيهم. يمرقون من اإسلام كَمَا يَمْرُقُ
السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ
شَيْءٌ. ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ. ثُمَّ
يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ (وَهُوَ الْقِدْحُ). ثُمَّ
يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ. سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ.
آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ. إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ. أو مثل
البضعة تدردر.
⦗٧٤٥⦘
يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ
مِنَ النَّاسِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قاتلهم
وأنا معه. فأمر ذلك الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ. فَوُجِدَ. فَأُتِيَ بِهِ. حَتَّى
نَظَرْتُ إِلَيْهِ، عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي نعت.
(نضيّه) النضي، كغني، السهم بلا نصل ولا ريش.
(القدح) قال ابن الأثير: القدح هو السهم الذي كانوا يستقسمون به، أو الذي يرمى به
عن القوس. يقال للسهم أول ما يقطع: قطع. ثم ينحت ويبرى فيسمى: تريا. ثم يقوم
فيسمي: قدحا. ثم يراش ويركب نصله فيسمى: سهما. (إلى قذذه) القذذ ريش السهم،
واحدتها قذّة. (سبق الفرث والدم) أي أن السهم قد جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء.
والفرث اسم ما في الكرش. (مثل البضعة تدردر) البضعة القطعة من اللحم. وتدردر أصله
تتدردر، معناه تضطرب وتذهب وتجيء. (على حين فرقة) ضبطوه في الصحيحين بوجهين:
أحدهما حين فرقة، أي وقت افتراق الناس، أي افتراق يقع بين المسلمين، وهو الإفتراق
الذي كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. والثاني خير فرقة، أي أفضل الفرقتين.
والأول أكثر وأشهر. ويؤيده الرواية التي بعد هذه: يخرجون في فرقة من الناس، فإنه
بضم الفاء بلا خلاف، ومعناه ظاهر. (عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَيْ على الصفة
التي وصفه رسول الله ﷺ، بها.
١٤٩ - (١٠٦٤) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي
أُمَّتِهِ. يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ.
قَالَ:
«هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ (أَوْ مِنْ
أَشَرِّ الْخَلْقِ). يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ».
قَالَ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ لَهُمْ مَثَلًا. أَوَ قَالَ قَوْلًا «الرَّجُلُ
يَرْمِي الرَّمِيَّةَ (أَوَ قَالَ الْغَرَضَ) فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا
يَرَى بَصِيرَةً. وَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً. وَيَنْظُرُ
فِي الْفُوقِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً». قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ
قَتَلْتُمُوهُمْ. يَا أَهْلَ العراق!
(سيماهم التحالق) السيما العلامة. وفيها ثلاث
لغات: القصر، وهو الأفصح، وبه جاء القرآن. والمد. والثالثة السيمياء، بزيادة ياء
مع المد، لا غير. والمراد بالتحالق حلق الرؤوس. وفي الرواية الأخرى: التحلق. (أو
من أشر الخلق) هكذا هو في كل النسخ أو من أشر. بالألف. وهي لغة قليلة. والمشهور شر
بغير ألف. (أدنى الطائفتين إلى الحق) أي أقرب الطائفتين من الحق. (فلا يرى بصيرة)
أي حجة. يعني شيئا من الدم يستدل به على إصابة الرمية.
١٥٠ - (١٠٦٤) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ (وَهُوَ ابْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ) حَدَّثَنَا أَبُو
نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ. يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ».
(تمرق مارقة) أي طائفة مارقة.
١٥١ - (١٠٦٤) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«يكون في أمتي فرقتان. فيخرج مِنْ
بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ. يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ».
(يلي قتلهم أولاهم بالحق) الجملة صفة لمارقة.
أي يباشر قتلهم من هو أولى الأمة بالحق.
١٥٢ - (١٠٦٤) حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا عبد
الأعلى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سعيد الخدري؛ أن رسول
الله ﷺ قَالَ:
«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فِي فُرْقَةٍ
مِنَ النَّاسِ. فَيَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ».
١٥٣ - (١٠٦٤) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ الضَّحَّاكِ
الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. فِي حَدِيثٍ
ذَكَرَ فِيهِ قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. يَقْتُلُهُمْ
أَقْرَبُ الطائفتين من الحق.
(على فرقة مختلفة) ضبطوه بكسر الفاء وضمها.
(٤٨) بَاب التَّحْرِيضِ عَلَى قَتْلِ
الْخَوَارِجِ
١٥٤
- (١٠٦٦)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعِيدٍ الْأَشَجُّ. جميعا عَنْ وَكِيعٍ. قَالَ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ.
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ. قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ:
إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ، فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ
عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ«سَيَخْرُجُ فِي
آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ
⦗٧٤٧⦘
أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ
الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خير قول البرية. يقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ
حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يمرق السهم من الرمية. فإذا لقيتموه
فَاقْتُلُوهُمْ. فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ، عند الله يوم
القيامة».
(فلأن أخرّ من السماء) أي أسقط منها على
الأرض فأهلك. وهو في تأويل الاسم مبتدأ. مصدر بلام الإبتداء، بعدها أداة المصدر
خبره قوله: أحب. والجملة جواب إذا. أي فخروري من السماء أحب إلي من أن أَكْذِبُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. (وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
فَإِنَّ الْحَرْبَ خدعة) معناه أجتهد رأيي. وقال القاضي: وفيه جواز التورية،
والتعريض في الحرب. فكأنه تأول الحديث على هذا. وقوله: خدعة، بفتح الخاء. وإسكان
الدال على الأفصح. ويقال بضم الخاء. ويقال خدعة. ثلاث لغات مشهورات. (أحداث
الأسنان سفهاء الأحلام) معناه صغار الأسنان ضعاف العقول. (يقولون من خير قول
البرية) معناه: في ظاهر الأمر. كقولهم: لا حكم إلا لله. ونظائره من دعائهم إلى
كتاب الله تعالى.
(١٠٦٦) - حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ
إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ المقدمي وأبو بكر بن أبي نَافِعٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مثله.
(١٠٦٦) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ.
كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الإسناد. وليس فِي حَدِيثِهِمَا
«يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
١٥٥ - (١٠٦٦) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. ح
وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ح
وحَدَّثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبة وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا)
قَالَا: حَدَّثَنَا إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ:
ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ:
فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، أَوْ مُودَنُ الْيَدِ، أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ،
لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
يَقْتُلُونَهُمْ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ. قَالَ قُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ
مُحَمَّدٍ ﷺ؟ قَالَ: إِي. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! إِي. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! إي. ورب
الكعبة!
(مُخْدَجُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ
مَثْدُونُ اليد) مخدج اليد أي ناقص الييد. ومودن اليد ناقص اليد. ومثدون اليد صغير
اليد مجتمعها. (لولا أن تبطروا) البطر، هنا، التجبر وشدة النشاط.
(١٠٦٦) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنْ عبيدة. قال: لا أحدثكم إلا ما سمعته مِنْهُ. فَذَكَرَ عَنْ عَلِيٍّ، نَحْوَ
حَدِيثِ أَيُّوبَ، مرفوعا.
١٥٦ - (١٥٦٦) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ. حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ
وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ؛
أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ
الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه. الَّذِينَ سَارُوا إِلَى
الْخَوَارِجِ. فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «يَخْرُجُ قوم من أمتي يقرأون القرآن. ليس قراءتكم إلى
قرائتهم بِشَيْءٍ. وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ. وَلَا صيامكم
إلى صيامهم بشيء. يقرأون الْقُرْآنَ. يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ
عَلَيْهِمْ. لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ
الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ». لَوْ يَعْلَمُ
الْجَيْشُ الذي يُصِيبُونَهُمْ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ ﷺ،
لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ. وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ،
وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ. عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ.
عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ
وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ!
وَاللَّهِ! إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ. فَإِنَّهُمْ
قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ. وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ. فَسِيرُوا
عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ
وَهْبٍ مَنْزِلًا. حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ. فَلَمَّا
الْتَقَيْنَا وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ
الرَّاسِبِيُّ. فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ. وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ
جُفُونِهَا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ
حَرُورَاءَ. فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ.
⦗٧٤٩⦘
وَسَلُّوا السُّيُوفَ. وَشَجَرَهُمُ
النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ. قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمَا أُصِيبَ
مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ. فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:
الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ.
فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِنَفْسِهِ حَتَّى
أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ: أَخِّرُوهُمْ.
فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ. فَكَبَّرَ. ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ.
وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَلِلَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ!
لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ الله ﷺ؟ فَقَالَ: إِي. وَاللَّهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! حَتَّى استحلفه ثلاثا. وهو يحلف له.
(لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) المراد بالصلاة،
هنا، القراءة، لأنها جزؤها. (وأغاروا في سرح الناس) السرح والسارح والسارحة
الماشية. أي أغاروا على مواشيهم السائمة. (فنزلني زيد بن وهب منزلا) هكذا هو في
معظم النسخ: منزلا، مرة واحدة. وفي نادر منها. منزلا منزلا، مرتين. وهو وجه
الكلام. أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا حتى بلغ القنطرة التي كان القتال
عندها. (وسلوا سيوفكم من جفونها) أي أخرجوهامن أغمادها. جمع جفن، وهو الغمد. (فإني
أخاف أن يناشدوكم) يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك.
(فوحشوا برماحهم) أي رموا بها عن بعد منهم، ودخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا
فرصة. (وشجرهم الناس برماحهم) أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها. ومنه التشاجر، في
الخصومة. وسمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه، والمراد بالناس أصحاب علي. (حتى استحلفه
ثلاثا) قال الإمام النووي: وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم ويظهر
لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله ﷺ ويظهر لهم أن عليا وأصحابه أولى الطائفتين
بالحق، وأنهم محقون في قتالهم.
١٥٧ - (١٠٦٦) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ
وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ
بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ؛ أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ، وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. قَالَ عَلِيٌّ:
كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ. إن رسول الله ﷺ وَصَفَ نَاسًا. إِنِّي
لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ.
«يَقُولُونَ الْحَقَّ
بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا، مِنْهُمْ. (وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ) مِنْ
أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَسْوَدُ. إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ
شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ». فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي
الله عنه قَالَ: انْظُرُوا. فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا. فَقَالَ:
ارْجِعُوا. فَوَاللَّهِ! مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ. فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَأَنَا حَاضِرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَقَوْلِ
عَلِيٍّ فِيهِمْ. زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ بُكَيْرٌ: وَحَدَّثَنِي
رَجُلٌ عَنْ ابْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ ذلك الأسود.
(كلمة حق أريد بها باطل) معناه أن الكلمة
أصلها صدق. قال تعالى: إن الحكم إلا لله. لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي رضي
الله عنه في تحكيمه. (إحدى يديه طبى شاة) المراد به ضرع الشاة. وهو فيها مجاز
واستعارة. وإنما أصله للكلبة والسباع. (في خربة) أي في خرق من خروق الأرض. والخربة
أيضا، موضع الخراب، وهو ضد العمران.
(٤٩) بَاب الْخَوَارِجِ شَرِّ الْخَلْقِ
وَالْخَلِيقَةِ
١٥٨
- (١٠٦٧)
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ
أَبِي ذَرٍّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي (أَوْ
سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي) قوم يقرأون الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوِزُ
حَلَاقِيمَهُمْ. يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّةِ. ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ. هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ».
فَقَالَ ابن الصامت: فالقيت رَافِعَ
بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، أَخَا الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ. قُلْتُ: مَا حَدِيثٌ
سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ: كَذَا وَكَذَا؟ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ.
فَقَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(هم شر الخلق والخليقة) الخلق الناس.
والخليقة البهائم. وقيل: هما بمعنى واحد، ويريد بهما جميع الخلائق.
١٥٩ - (١٠٦٨) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ:
سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ ﷺ يَذْكُرُ
الْخَوَارِجَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ (وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ المشرق).
«قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدوا
تَرَاقِيَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرمية».
(يعدوا) يجاوز.
(١٠٧٨) - وحَدَّثَنَاه أَبُو كَامِلٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَقَالَ: يَخْرُجُ مِنْهُ أقوام.
١٦٠ - (١٠٦٨) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق.
جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق الشَّيْبَانِيُّ عَنْ
أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ:
«يَتِيهُ قَوْمٌ قبل المشرق محلقة
رؤسهم».
(يتيه قوم قبل المشرق) أي يذهبون عن الصواب
وعن طريق الحق. يقال تاه، إذا ذهب ولم يهتد لطريق الحق.
(٥٠) بَاب تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ بَنُو
هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ
١٦١
- (١٠٦٩)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي.
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ
الصَّدَقَةِ. فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«كِخْ كِخْ. ارْمِ بِهَا. أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّا لَا نأكل الصدقة؟».
(كخ كخ) قال القاضي: يقال كخ كخ، بفتح الكاف
وتسكين الخاء، ويجوز كسرها مع التنوين. وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات.
فيقال له: كخ. أي اتركه وارم به. (أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) هذه اللفظة تقال
في الشيء الواضح التحريم ونحوه. وإن لم يكن المخاطب عالما به. وتقديره: عجب! كيف
خفي عليك هذا مع ظهور تحريمه؟ وهذا أبلغ في الزجر عنه، من قوله: لا تفعله.
(١٠٦٩) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة وزهير بن حرب. جميعا عن وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ «أَنَّا لا تحل لنا الصدقة؟».
م (١٠٦٩) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا
الْإِسْنَادِ. كَمَا قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ «أَنَّا لَا نأكل الصدقة؟».
١٦٢ - (١٠٧٠) حدثني هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا
ابن وهب. أخبرني عمرو؛ أنا أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ
أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ؛ أَنَّهُ قَالَ «إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي
فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي. ثُمَّ أَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا.
ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً. فألقيها».
(إني لأنقلب) أي أنصرف وأرجع.
١٦٣ - (١٠٧٠) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ
بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«والله! إن لَأَنْقَلِبُ إِلَى
أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي (أَوْ فِي بَيْتِي)
فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا. ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً (أَوْ مِنَ
الصَّدَقَةِ). فألقيها».
١٦٤ - (١٠٧١) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
مُصَرِّفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ وَجَدَ تَمْرَةً. فَقَالَ:
«لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا».
١٦٥ - (١٠٧١) وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
مُصَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ
بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَالَ:
«لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا».
١٦٦ - (١٠٧١) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ.
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ وَجَدَ تَمْرَةً
فَقَالَ:
«لَوْلَا أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً
لَأَكَلْتُهَا».
(٥١) بَاب تَرْكِ اسْتِعْمَالِ آلِ
النَّبِيِّ عَلَى الصَّدَقَةِ
١٦٧
- (١٠٧٢)
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضبعي. حدثنا جويرية عن
مالك، عن الزهري؛ أن عبد الله بن نوفل بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ
قَالَ:
اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ
وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَا: وَاللَّهِ! لَوْ بَعَثْنَا
هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ (قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصدقات، فأديا ما يؤدي
الناس، وأصاب مِمَّا يُصِيبُ؟ النَّاسُ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَوَقَفَ عليهما. فذكرا له ذلك. وقال علي بن أبي
طالب: لاتفعلا. فوالله؟ ما هو بفاعل. فانتحاه ربيعة ابن الحارث فقال: والله،
ماتصنع هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا. فَوَاللَّهِ؟ لَقَدْ نِلْتَ
صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ. قَالَ عَلِيٌّ
أَرْسِلُوهُمَا فَانْطَلَقَا. وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ. قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
⦗٧٥٣⦘
الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى
الْحُجْرَةِ. فَقُمْنَا عِنْدَهَا. حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بآذاننا. ثم قال: «إخرجا
ماتصرّران» ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ
بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ
وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ. فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ
الصَّدَقَاتِ. فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبَ كَمَا
يُصِيبُونَ. قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ. قال:
وجعلت زينب تلمع علينا من واء الحجاب أن لاتكلماه. قال: ثم قال: «إن الصدقة
لاتنبغي لِآلِ مُحَمَّدٍ. إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. ادْعُوَا لِي
مَحْمِيَةَ (وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ) وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ». قَالَ: فَجَاءَاهُ. فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ «أَنْكِحْ هَذَا
الْغُلَامَ ابْنَتَكَ» (لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) فَأَنْكَحَهُ. وَقَالَ
لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ «أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ» (لِي)
فَأَنْكَحَنِي وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ «أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا
وَكَذَا». قَالَ الزهري ولم يسمه لي.
(فانتحاه ربيعة) معناه عرض له وقصده. (إلا
نفاسة منك علينا) معناه حسدا منك لنا. (مانفسناه عليك) أي ماحسدناك على ذلك. (أخرج
ماتصرران) هكذا هو في معظم الأصول ببلادنا. وهو الذي ذكره الهروي والمازري وغيرهما
من أهل الضبط: تصرران ومعناه تجمعانه في صدوركما من الكلام. وكل شيء جمعته فقد
صررته. ووقع في بعض النسخ: تسرران، بالسين، من السر. أي ماتقولانه لي سرا.
(فتواكلنا الكلام) التواكل أن يكل كل واحد أمره إلى صاحبه. يعني أنّا أراد كل منا
أن يبتدئ صاحبه بالكلام دونه.
(وقد
بلغنا النكاح) أي الحلم كقوله تعالى: حتى إذا بلغوا النكاح. (تلمع) هو بضم التاء
وإسكان اللام وكسر الميم. ويجوز فتح التاء والميم. يقال: ألمع ولمع، إذا أشار
بثوبه أو بيده. (إنما هي أوساخ الناس) معنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم
وأنفسهم. كما قال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، فهي كغسالة
الأوساخ. (أصدق عنهما من الخمس) أي أد عن كل منهما صداق زوجته. يقال: أصدقها، إذا
سميت لها صداق، وإذا أعطيتها صداقها. وقال تعالى: ﴿وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة﴾.
قال النووي: يحتمل أن يريد من سهم ذوي القربى من الخمس لأنهما من ذوي القربى.
وحتمل أن يريد من سهم النبي ﷺ من الخمس. (قال الزهري: ولم يسمه لي) أ لم يبين لي
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ مقدار الصداق الذى سماه لهما
رسول الله عليه الصلاة والسلام.
١٦٧ - (١٠٧٢) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ؛ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ
رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ
رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، قَالَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ ربيعة وللفضل بْنِ عَبَّاسٍ:
ائْتِيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَقَالَ فِيهِ: فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ:
أَنَا أَبُو حَسَنٍ الْقَرْمُ. وَاللَّهِ! لَا أَرِيمُ مَكَانِي حَتَّى يَرْجِعَ
إِلَيْكُمَا ابْنَاكُمَا، بحور مابعثتما به إلى رسول الله صلى الله عله وَسَلَّمَ.
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ لَنَا
«إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا
هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. إنها لاتحل لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ».
وَقَالَ: أَيْضًا: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ادعوا لي محمة بْنَ جَزْءٍ»
وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كان رسول الله ﷺ استعمله على الأخماس.
(أنا أبو حسن القرم) هو بتنوين حسن. وأما
القرم، فبالراء، مرفوع. وهو السيد. وأصله فحل الإبل. قال الخطابى: معناه المقدم في
المعرفة بالأمور والرأي، كالفحل. هذا أصح الأوجه في ضبطه. وهو المعروف في نسخ
بلادنا. والثاني حكاه القاضي: أبو حسن القوم. بإضافة حسن إلى القوم. ومعناه عالم
القوم وذو رأيهم. (لا أريم مكاني) أي لا أفارقه. (بحور) أي بجواب ذلك. قال الهروي
في تفسيره: يقال كلمته فما رد على حورا ولا حويرا، أي جوابا قال: ويجوز أن يكون
معناه الخيبة. أي يرجعا بالخيبة. وأصل الحور الرجوع إلى النقص. قال القاضي: هذا أشبه
بسياق الحديث.
(٥٢) بَاب إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ
لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي
مَلَكَهَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ. وَبَيَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ، إِذَا قَبَضَهَا
الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، زَالَ عَنْهَا وَصْفُ الصَّدَقَةِ، وَحَلَّتْ لِكُلِّ
أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ
١٦٩
- (١٠٧٣)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ
السَّبَّاقِ قَالَ إِنَّ جُوَيْرِيَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ:
«هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟» قَالَتْ: لَا.
وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ إِلَّا عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ
⦗٧٥٥⦘
أُعْطِيَتْهُ مَوْلَاتِي مِنَ
الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: «قريبة. فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا».
(١٠٧٣) - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَعَمْرٌو الناقد وإسحاق بن إبراهيم. جمعا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نحوه.
١٧٠ - (١٠٧٤) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو
كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المثنى وابن
بشار. قالا: حدثنا محمد بْنُ جَعْفَرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ).
حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعَ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ قَالَ:
أَهْدَتْ بَرِيرَةُ إِلَى النَّبِيِّ
ﷺ لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا. فَقَال «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ. وَلَنَا
هَدِيَّةٌ».
١٧١ - (١٠٧٥) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى وابن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ.
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقِيلَ هَذَا مَا تُصُدِّقَ
بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فقال
«هو له صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
١٧٢ - (١٠٧٥) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي
الله عنه. قَالَتْ:
كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ
قَضِيَّاتٍ. كَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، وَتُهْدِي لَنَا.
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «هُوَ عليها صدقة ولكم هدية. فكلوه».
(ثلاث قضيات) ذكر منها قوله صلى الله
علبه وسلم «هو عليها صدقة ولكم هدية» ولم يذكر هنا الثانية والثالثة. وهما الولاء
لمن أعتق، وتخييرها في فسخ النكاح حين أعتقت تحت عبد.
١٧٣ - (١٠٧٥) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا
حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ.
⦗٧٥٦⦘
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ
يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
(١٠٧٥) - وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ
الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. بِمِثْلِ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنَّهُ
قَالَ:
«وَهُوَ لَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ».
١٧٤ - (١٠٦٧) حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسماعيل بن
إِبْرَاهِيمَ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: بَعَثَ
إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ. فَبَعَثْتُ إِلَى عَائِشَةَ
مِنْهَا بِشَيْءٍ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَائِشَةَ قَالَ:
«هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟». قَالَتْ:
لَا. إِلَّا أَنَّ نُسَيْبَةَ بَعَثَتْ إِلَيْنَا مِنَ الشَّاةِ الَّتِي
بَعَثْتُمْ بِهَا إِلَيْهَا. قَالَ: «إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ محلها».
(نسيبة) ويقال أيضا: نسيبة. وهي أم عطية.
(٥٣) بَاب قَبُولِ النَّبِيِّ الْهَدِيَّةَ
وَرَدِّهِ الصَّدَقَةَ
١٧٥
- (١٠٧٧)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ
(يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ؛
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ، إِذَا
أُتِيَ بِطَعَامٍ، سَأَلَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ. أَكَلَ مِنْهَا.
وَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ. لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا.
(٥٤) بَاب الدُّعَاءِ لِمَنْ أَتَى
بِصَدَقَةٍ
١٧٦
- (١٠٧٨)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو
النَّاقِدُ، وَإسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
أَوْفَى. ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ).
حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ مُرَّةَ). حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. قَالَ: كَانَ رسول الله ﷺ، إِذَا أَتَاهُ
قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ:
«اللَّهُمَّ! صَلِّ عَلَيْهِمْ»
⦗٧٥٧⦘
فَأَتَاهُ أَبِي، أَبُو أَوْفَى
بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ! صَلِّ عَلَى آل أبي أوفى».
(على آل أبي أوفى) آل أبي أوفى، المراد أبو
أوفى نفسه.
(١٠٧٨) - وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:
«صل عليهم».
(٥٥) بَاب إِرْضَاءِ السَّاعِي مَا لَمْ
يَطْلُبْ حَرَامًا
١٧٧
- (٩٨٩)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة. حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ. ح وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ
وعبد الأعلى. كلهم عَنْ دَاوُدَ. ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ
لَهُ) قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ
عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ:
«إذا أتاك المصدق فليصدر عنكم وهو
عنكم راض».
(إذا أتاكم المصدق الخ) المصدق الساع وهو
الذي يأخذ الصدقات ممن وجبت عليه بنصب الإمام. وقوله: فلصيدر أي فليرجع. ومقصود
الحديث الوصاة بالسعاة وطاعة ولا ة الأمور وملاطفتهم وجمع كلمة المسلمين وصلاح ذات
البين.