(مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لَهَبٍ):
فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ
اللَّهُ مِنْهَا، وَقَامَ عَمُّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيَّ
الْمُطَّلِبِ دُونَهُ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ [٤] وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنْ
الْبَطْشِ بِهِ، يهمزونه ويستهزءون بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ، وَجَعَلَ الْقُرْآنُ
يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ، وَفِيمَنْ نُصِبَ لِعَدَاوَتِهِ مِنْهُمْ،
وَمِنْهُمْ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي
عَامَّةِ مَنْ ذُكِرَ اللَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ، فَكَانَ مِمَّنْ سُمِّيَ لَنَا
مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ
[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
هِشَام.
[٢]
زِيَادَة عَن أ.
[٣]
كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مناديا» .
[٤]
كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَينه» .
وَامْرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ [١]
بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا
اللَّهُ تَعَالَى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ- فِيمَا بَلَغَنِي-
تَحْمِلُ الشَّوْكَ فَتَطْرَحَهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ يَمُرُّ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا
أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [٢] ١١١: ١- ٥.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجِيدُ:
الْعُنُقُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
يَوْمَ تُبْدَى لَنَا قُتَيْلَةُ
عَنْ جِيدٍ ... أَسِيلٍ [٣] تُزَيِّنُهُ الْأَطْوَاقُ [٤]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَجَمْعُهُ: أَجْيَادٌ. وَالْمَسَدُّ: شَجَرٌ يُدَقُّ كَمَا يُدَقُّ
الْكَتَّانُ فَتُفْتَلُ مِنْهُ حِبَالٌ. قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ،
وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ:
مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ
بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ [٥]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَوَاحِدَتُهُ: مَسَدَةٌ.
(أُمُّ
جَمِيلٍ وَرَدُّ اللَّهِ كَيْدَهَا عَنْ الرَّسُولِ ﷺ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي:
أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، حِينَ سَمِعَتْ
[١] وَهِي عمَّة مُعَاوِيَة.
[٢]
لما كنى الله تَعَالَى عَن ذَلِك الشوك بالحطب، والحطب لَا يكون إِلَّا فِي حَبل،
من ثمَّ جعل الْحَبل فِي عُنُقهَا ليقابل الْجَزَاء الْفِعْل.
[٣]
جيد أسيل: فِيهِ طول. والأطواق: جمع طوق، وَهِي القلادة.
[٤]
قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْبَيْت: «وَقَوله: تزينه: أَي نزينه
حسنا، وَهَذَا من الْقَصْد فِي الْكَلَام، وَقد أَبى المولدون إِلَّا الغلو فِي
هَذَا الْمَعْنى وَأَن يقلبوه. فَقَالَ فِي الحماسة حُسَيْن بن مطير:
مبتلة الْأَطْرَاف زانت عقودها ...
بِأَحْسَن مِمَّا زينتها عقودها
وَقَالَ خَالِد الْقَسرِي لعمر بن
عبد الْعَزِيز: وَمن تكن الْخلَافَة زينته فَأَنت زينتها، وَمن تكن شرفته فَأَنت
شرفتها، وَأَنت كَمَا قَالَ:
وتزيدين أطيب الطّيب طيبا ... أَن
تمسيه أَيْن مثلك أَيّنَا
وَإِذا الدّرّ زَان حسن وُجُوه ...
كَانَ للدر حسن وَجهك زينا
فَقَالَ عمر: إِن صَاحبكُم أعْطى
مقولا، وَلم يُعْط معقولا» . ثمَّ سَاق السهيليّ أبياتا كَثِيرَة فِي هَذَا
الْمَعْنى اجتزأنا مِنْهَا بذلك.
[٥]
الدخيس: اللَّحْم الْكثير. والنحض: اللَّحْم. وبازلها: نابها. والصريف: الصَّوْت.
والقعو:
الّذي تَدور فِيهِ البكرة، إِذا
كَانَ من خشب، فَإِن كَانَ من حَدِيد فَهُوَ الخطاف.
مَا نَزَلَ فِيهَا، وَفِي زَوْجِهَا
مِنْ الْقُرْآنِ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ [١]
مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَا تَرَى إلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ:
أَيْنَ صَاحِبُكَ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي، وَاَللَّهِ لَوْ
وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ، أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي
لَشَاعِرَةٌ، ثُمَّ قَالَتْ [٢]:
مُذَمَّمًا عَصَيْنَا ... وَأَمْرَهُ
أَبَيْنَا
وَدِينَهُ قَلَيْنَا [٣]
ثُمَّ انْصَرَفَتْ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَرَاهَا رَأَتْكَ؟ فَقَالَ: مَا رَأَتْنِي،
لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا عَنِّي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهَا
«
وَدِينَهُ قَلَيْنَا
» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُذَمَّمًا، ثُمَّ يَسُبُّونَهُ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ [٤] اللَّهُ
عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ، يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا
مُحَمَّدٌ.
(ذِكْرُ
مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:
وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ
بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، كَانَ إذَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَمَزَهُ
وَلَمَزَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ
لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ. يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ.
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ
مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ١٠٤: ١- ٩.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْهُمَزَةُ:
الَّذِي يَشْتُمُ الرَّجُلَ عَلَانِيَةً، وَيَكْسِرُ عَيْنَيْهِ عَلَيْهِ،
وَيَغْمِزُ بِهِ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
[١] الفهر: حجر على مِقْدَار ملْء الْكَفّ.
وَالْمَعْرُوف فِي الفهر التَّأْنِيث، إِلَّا أَنه وَقع هُنَا مذكرا.
[٢]
كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقَالَت» .
[٣]
قلينا: أبغضنا.
[٤]
كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صرف» .
هَمَزْتُكَ فَاخْتَضَعْتُ لِذُلِّ
نَفْسٍ ... بِقَافِيَةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ [١]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ. وَجَمْعُهُ: هَمَزَاتٌ. وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَعِيبُ النَّاسَ سِرًّا
وَيُؤْذِيهِمْ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
فِي ظِلِّ عَصْرِي بَاطِلِي
وَلَمْزِي [٢]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ
لَهُ، وَجَمْعُهُ: لَمَزَاتٌ.
(مَا
كَانَ يُؤْذِي بِهِ الْعَاصِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَاصِ
بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، صَاحِبُ رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ، قَيْنًا بِمَكَّةَ يَعْمَلُ السُّيُوفَ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ مِنْ
الْعَاصِ ابْن وَائِلٍ سُيُوفًا عَمِلَهَا لَهُ حَتَّى كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ،
فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا خَبَّابُ أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ
صَاحِبُكُمْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَى دِينِهِ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ مَا
ابْتَغَى أَهْلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ خَدَمٍ! قَالَ
خَبَّابٌ: بَلَى. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَا خَبَّابُ
حَتَّى أَرْجِعَ إلَى تِلْكَ الدَّارِ فَأَقْضِيَكَ هُنَالك حقّك، فو الله لَا
تَكُونُ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ [٣] يَا خَبَّابُ آثَرَ عِنْدَ اللَّهِ مِنِّي، وَلَا
أَعْظَمَ حَظًّا فِي ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: أَفَرَأَيْتَ
الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقال لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، أَطَّلَعَ
الْغَيْبَ ١٩: ٧٧- ٧٨ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ،
وَيَأْتِينا فَرْدًا ١٩: ٨٠.
(مَا
كَانَ يُؤْذِي بِهِ أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ):
وَلَقِيَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا بَلَغَنِي- فَقَالَ لَهُ:
وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ،
لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ٦: ١٠٨.
فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَفَّ عَنْ سَبِّ آلِهَتِهِمْ، وَجَعَلَ
يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ.
[١] اختضعت: تذللت. وتأجج: تتوقد. والشواظ:
لَهب النَّار.
[٢]
الْبَيْت ال ٤٢ من الأرجوزة ال ٢٣ يمدح بهَا أبان بن الْوَلِيد البَجلِيّ (ديوانه
طبع ليبسج.
سنة ١٩٠٣ ص ٦٤) .
[٣]
كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وَأَصْحَابك» .
(مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النَّضْرُ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ):
وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
عَلْقَمَةَ [١] بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ
قُصَيٍّ، كَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَجْلِسًا، فَدَعَا فِيهِ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى وتلا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَحَذَّرَ (فِيهِ) [٢] قُرَيْشًا مَا
أَصَابَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ،
فَحَدَّثَهُمْ عَنْ رُسْتُمَ السِّنْدِيدِ [٣]، وَعَنْ أَسْفِنْدِيَارَ، وَمُلُوكِ
فَارِسَ، ثُمَّ يَقُولُ وَاَللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنِّي،
وَمَا حَدِيثُهُ إلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، اكْتَتَبَهَا كَمَا
اكْتَتَبْتهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي
يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا
٢٥: ٥- ٦. وَنَزَلَ فِيهِ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قَالَ أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ ٦٨: ١٥. وَنَزَلَ فِيهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ
آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْها ٤٥: ٧- ٨ كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ
أَلِيمٍ ٣١: ٧.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَفَّاكُ:
الْكَذَّابُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ
لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ٣٧: ١٥١- ١٥٢. وَقَالَ
رُؤْبَةُ (بْنُ الْعَجَّاجِ) [٢]
مَا لِامْرِئٍ أَفَّكَ قَوْلًا
إفْكًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ
لَهُ [٤] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَلَسَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا- فِيمَا بَلَغَنِي- مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ فِي
الْمَجْلِسِ، وَفِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ،
فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ،
فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَفْحَمَهُ،
[١] فِي الْأُصُول: «ابْن كلدة بن عَلْقَمَة»
وَهُوَ تَحْرِيف.
[٢]
زِيَادَة عَن أ.
[٣]
كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والسنديد (بلغَة فَارس): طُلُوع الشَّمْس، وهم
ينسبون إِلَيْهِ كل جميل. وَفِي الْأُصُول: «الشَّديد» .
[٤]
ديوانه طبعة ليبسج سنة ١٩٠٣ وَهُوَ الْبَيْت السَّادِس فِي الأرجوزة ٤٤ يعْتَذر
فِيهَا إِلَى مَوْلَاهُ، وَيَلُوم حساده.
ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ:
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها
وارِدُونَ، لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ،
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ، وَهُمْ فِيها لَا يَسْمَعُونَ ٢١: ٩٨- ١٠٠. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: حَصَبُ جَهَنَّمَ: كُلُّ مَا أُوقِدَتْ بِهِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ
الْهُذَلِيُّ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدِ بْنُ خَالِدٍ:
فَأَطْفِئْ وَلَا تُوقِدْ وَلَا تَكُ
مِحْضَأً ... لِنَارِ [١] الْعُدَاةِ أَنْ تَطِيرَ شَكَاتُهَا [٢]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ
لَهُ. وَيُرْوَى «وَلَا تَكُ مِحْضَأً [٣]» . قَالَ الشَّاعِرُ:
حَضَأْتُ لَهُ نَارِي فَأَبْصَرَ [٤]
ضَوْءَهَا ... وَمَا كَانَ لَوْلَا حَضْأَةِ النَّارِ يَهْتَدِي
(مَقَالَةُ
ابْنِ الزِّبَعْرَى، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ
حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزِّبَعْرَى: وَاَللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا وَمَا نَعْبُدُ
مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزِّبَعْرَى: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُهُ، فَسَلُوا
مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ
عَبَدَهُ؟
فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ،
وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى بن مَرْيَمَ عليهما
السلام [٥]، فَعَجِبَ الْوَلِيدُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ
قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ
وَخَاصَمَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزِّبَعْرَى،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إنَّ) [٥] كُلَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنَّهُمْ إنَّمَا يَعْبُدُونَ
الشَّيَاطِينَ، وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، أُولئِكَ
عَنْها مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها، وَهُمْ ٢١: ١٠١- ١٠٢
[١] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«لنا العداة»، وَهُوَ تَحْرِيف.
[٢]
الشكاة: الشدَّة. وَفِي اللِّسَان: «
لنار الأعادي أَن تطير شداتها
» .
[٣]
المحضأ: الْعود الّذي تحرّك بِهِ النَّار لتلتهب.
[٤]
كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَأَبْصَرت»، وَلَا يَسْتَقِيم بهَا
الْكَلَام.
[٥]
زِيَادَة عَن أ، ط.
فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ
خالِدُونَ ٢١: ١٠٢: أَيْ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا، وَمَنْ عُبِدُوا مِنْ
الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ،
فَاِتَّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ.
وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ،
أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَأَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ: وَقالُوا
اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لَا
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ٢١: ٢٦- ٢٧ ... إلَى
قَوْلِهِ: وَمن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ، كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ٢١: ٢٩.
وَنَزَلَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ
عِيسَى بن مَرْيَمَ أَنَّهُ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَعَجَبِ الْوَلِيدِ
وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجَّتِهِ وَخُصُومَتِهِ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ
مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ٤٣: ٥٧: أَيْ يَصُدُّونَ عَنْ أَمْرِكَ
بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ [١] ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى بن مَرْيَمَ فَقَالَ: إِنْ هُوَ
إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ، وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ،
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ،
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ
مُسْتَقِيمٌ ٤٣: ٥٩- ٦١: أَيْ مَا وَضَعْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ مِنْ
إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، فَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى
عِلْمِ السَّاعَةِ، يَقُولُ: فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ، هَذَا صِراطٌ
مُسْتَقِيمٌ ٤٣: ٦١.
(الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ):
(قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ) [٢]: وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ
الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْقَوْمِ
وَمِمَّنْ يُسْتَمَعُ مِنْهُ، فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيَرُدُّ
عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ
مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ٦٨: ١٠- ١١ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
زَنِيمٍ ٦٨: ١٣، وَلَمْ يَقُلْ: «زَنِيمٍ» لِعَيْبِ فِي نَسَبِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ
لَا يَعِيبُ أَحَدًا بِنَسَبِ، وَلَكِنَّهُ حَقَّقَ
[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«قَوْله» .
[٢]
زِيَادَة عَن أ.
بِذَلِكَ نَعْتَهُ لِيُعْرَفَ.
وَالزَّنِيمُ: الْعَدِيدُ [١] لِلْقَوْمِ. وَقَدْ قَالَ الْخَطِيمُ التَّمِيمِيُّ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ
زِيَادَةً ... كَمَا زِيدَ فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ [٢]
.
(الْوَلِيدُ
بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ):
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،
قَالَ: أَيُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ
وَسَيِّدُهَا! وَيُتْرَكُ أَبُو مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ
سَيِّدُ ثَقِيفٍ، وَنَحْنُ عَظِيمَا الْقَرْيَتَيْنِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنِي: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ
مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٤٣: ٣١ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا
يَجْمَعُونَ ٤٣: ٣٢.
(أُبَيُّ
بْنُ خَلَفٍ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا):
وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ
بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَا
مُتَصَافِيَيْنِ، حَسَّنَا مَا بَيْنَهُمَا. فَكَانَ عُقْبَةُ قَدْ جَلَسَ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُبَيًّا، فَأَتَى عُقْبَةَ
فَقَالَ (لَهُ) [٣]: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ جَالَسْتَ مُحَمَّدًا وَسَمِعْتَ
مِنْهُ! [٤]- وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ أَنْ أُكَلِّمَكَ- وَاسْتَغْلَظَ مِنْ
الْيَمِينِ- إنْ أَنْتَ جَلَسْتَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعْتَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ
تَأْتِهِ فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ عُقْبَةُ بْنُ
أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُ اللَّهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلًا ٢٥: ٢٧ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلْإِنْسانِ خَذُولًا
٢٥: ٢٩.
وَمَشَى أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَظْمٍ بَالٍ قَدْ ارْفَتَّ [٥]، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَمَّ [٦]، ثُمَّ
فَتَّهُ
[١] العديد: من يعد فِي الْقَوْم، وَهُوَ
الدعي.
[٢]
الأكارع: جمع كرَاع. والكراع من الْإِنْسَان: مَا دون الرّكْبَة إِلَى الكعب، وَمن
الدَّوَابّ:
مَا دون الكعب.
[٣]
زِيَادَة عَن أ.
[٤]
فِي الْأُصُول: «... قَالَ: وَجْهي ... إِلَخ» .
[٥]
أرفت: تحطم وتكسر.
[٦]
أرم: بلَى.
فِي يَدِهِ [١]، ثُمَّ نَفَخَهُ فِي
الرِّيحِ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ، أَنَا
أَقُولُ ذَلِكَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ وَإِيَّاكَ بَعْدَ مَا تَكُونَانِ هَكَذَا،
ثُمَّ يُدْخِلُكَ اللَّهُ النَّارَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَضَرَبَ
لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ: من يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ،
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ ٣٦: ٧٨- ٨٠.
(سَبَبُ
نُزُولِ سُورَةِ «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»):
وَاعْتَرَضَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ،
وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ- فِيمَا بَلَغَنِي- الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ
بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةُ
بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ
فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ
مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي
الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا نَعْبُدُ، كُنَّا قَدْ
أَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا تَعْبُدُ،
كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ
عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ
عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ١٠٩: ١- ٦ أَيْ إنْ
كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّهَ، إلَّا أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ،
فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا، وَلِي دِينِي.
(أَبُو
جَهْلٍ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ):
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، لَمَّا
ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا بِهَا لَهُمْ، قَالَ: يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي
يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: عَجْوَةُ [٢]
يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ، وَاَللَّهِ لَئِنْ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا
لَنَتَزَقَّمَنَّها [٣] تَزَقُّمًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: إِنَّ
شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ٤٤: ٤٣- ٤٦: أَيْ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ.
[١] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«بِيَدِهِ» .
[٢]
الْعَجْوَة: ضرب من التَّمْر.
[٣]
تزقم: ابتلع.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُهْلُ:
كُلُّ شَيْءٍ أَذَبْتُهُ، مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ.
(كَيْفَ
فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ «الْمُهْلَ»):
وَبَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ
(الْبَصْرِيِّ) [١] أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالِيًا
لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ
يَوْمًا بِفِضَّةٍ فَأُذِيبَتْ، فَجُعِلَتْ تُلَوَّنُ أَلْوَانًا، فَقَالَ: هَلْ
بِالْبَابِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْخِلُوهُمْ، فَأُدْخِلُوا
فَقَالَ: إنَّ أَدْنَى مَا أَنْتُمْ رَاءُونَ شَبَهًا بِالْمُهْلِ، لَهَذَا [٢] .
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَسْقِيهِ رَبِّي حَمِيمَ الْمُهْلِ
يَجْرَعُهُ ... يَشْوِي الْوُجُوهَ فَهُوَ فِي بَطْنِهِ صِهَرُ [٣]
وَيُقَالُ: إنَّ الْمُهْلَ: صَدِيدُ
الْجَسَدِ.
(اسْتِشْهَادٌ
فِي تَفْسِيرِ «الْمُهْلِ» بِكَلَامِ لِأَبِي بَكْرٍ):
بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لَمَّا حُضِرَ أَمَرَ بِثَوْبَيْنِ لَبِيسَيْنِ
يُغْسَلَانِ فَيُكَفَّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: قَدْ أَغْنَاكَ
اللَّهُ يَا أَبَتِ عَنْهُمَا، فَاشْتَرِ كَفَنًا، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ
حَتَّى يَصِيرَ إلَى الْمُهْلِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
شَابَ بِالْمَاءِ مِنْهُ مُهْلًا
كَرِيهًا ... ثُمَّ عَلَّ الْمُتُونَ بَعْدَ النِّهَالِ [٤]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ،
وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا ١٧: ٦٠.
(ابْنُ
أُمِّ مَكْتُومٍ، وَنُزُولُ سُورَةِ «عَبَسَ»):
وَوَقَفَ الْوَلِيدُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَلِّمُهُ، وَقَدْ
طَمِعَ فِي إسْلَامِهِ، فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ، إذْ مَرَّ بِهِ
[١] زِيَادَة عَن أ، ط.
[٢]
كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «إِن أدنى مَا رَأَيْتُمْ رأون شبها بالمهل
لهَذَا» .
[٣]
صهر: ذائب. وَقد زَادَت «م» بعد هَذَا الْبَيْت:
وَقَالَ عبد الله بن الزبير «بِفَتْح
الزاى» الْأَسدي:
فَمن عَاشَ مِنْهُم عَاشَ عبدا وَإِن
يمت ... فَفِي النَّار يسقى مهلها وصديدها
وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ.
[٤]
الْعِلَل: الشّرْب بعد الشّرْب. والمتون: الظُّهُور. والنهال: جمع نهل، وَهُوَ
الشّرْب الأول.
ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى،
فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَجَعَلَ يَسْتَقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَشَقَّ ذَلِكَ
مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَضْجَرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَغَلَهُ
عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ، وَمَا طَمِعَ فِيهِ مِنْ إسْلَامِهِ.
فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ انْصَرَفَ عَنْهُ عَابِسًا وَتَرَكَهُ. فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ٨٠: ١- ٢ ...
إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ٨٠: ١٣-
١٤ أَيْ إنَّمَا بَعَثْتُكَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، لَمْ أَخُصَّ بِكَ أَحَدًا دُونَ
أَحَدٍ، فَلَا تَمْنَعُهُ مِمَّنْ ابْتَغَاهُ، وَلَا تَتَصَدَّيَنَّ بِهِ لِمَنْ
لَا يُرِيدُهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ أمّ
مَكْتُوم، أحدا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ:
عَمْرٌو.