١ - باب ما يُؤمَر به من الوصيةِ
٢٨٦٢
- حدَّثنا مُسددُ بن مُسَرهَد، حدَّثنا
يحيي، عن عُبيد اللهِ، حدثني نافعٌ
عن عَبد الله -يعني ابنَ عمر- عن
رسولِ الله ﷺ، قال: «ما حَقُّ امريء مُسلمٍ له شيءٌ يُوصي فيه، يبيتُ لَيلَتينِ
إلَّا ووصيتُه مكتوبةٌ عندَه» (١).
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٧٣٨)، ومسلم
(١٦٢٧)، وابن ماجه (٢٦٩٩) و(٢٧٠٢)، والترمذي (٩٩٦) و(٢٢٥١)، والنسائي (٣٦١٥)
و(٣٦١٦) من طرق عن نافع، به. وأخرجه مسلم (١٦٢٧)، والنسائي (٣٦١٨) من طريق سالم بن
عبد الله بن عمر، عن أبيه، إلا أنه قال: «ثلاث ليالٍ» بدل: «ليلتين».
وهو في «مسند أحمد» (٤٤٦٩) من طريق
سالم، و(٤٥٧٨) من طريق نافع.
وأخرجه النسائي (٣٦١٧) من طريق عبد
الله بن عون، عن نافع، عن ابن عمر من قوله.
قال الخطابي: قوله: «ما حق امرىء
مسلم» معناه: ما حقه من جهة الحزم والاحتياط إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، إذا
كان له شيء يريد أن يوصي فيه، فإنه لا يدري متى توافيه منيته، فتحول بينه وبين ما
يريد من ذلك. وفيه دليل على أن الوصية غير واجبة، وهو قول عامة الفقهاء، وقد ذهب
بعض التابعين إلى إيجابها، وهو قول داود.
وفيه أن الوصية إنما تستحب لمن له
فضل مالٍ يريد أن يوصي فيه، دون ما ليس له فضل مال، وهذا في الوصية التي هو متبرع
بها من نحو صدقة وبِرٍّ وصلة، دون الديون والمظالم التي يلزمه الخروج عنها، فإن من
عليه دين أو قِبَله تبعة لأحد من الناس فالواجب عليه أن يُوصي فيه، وأن يتقدم إلى
أوليائه فيه، لأن أداء الأمانة فرض واجب عليه.
٢٨٦٣ - حدَّثنا مُسدَّدٌ ومحمدُ بن العلاءِ،
قالا: حدَّثنا أبو معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ
عن عائشة، قالتْ: ما تركَ رسولُ الله
ﷺ دينارًا، ولا درهمًا، ولا بعيرًا، ولا شاةً، ولا أوصىَ بشيءٍ (١).
٢
- باب ما
لا يجوز للموصي في ماله
٢٨٦٤
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ وابنُ
أبي خَلَفٍ (٢)، قالا: حدَّثنا سفيانُ، عن الزهريّ، عن عامرِ بن سَعدٍ
عن أبيه، قال: مرِضَ مرضًا -قال ابن
أبي خَلَفٍ: بمكةَ، ثم اتفقا- أشْفَى فيه، فعادَه رسولُ الله ﷺ، فقال: يا رسولَ
الله، إنَّ لي مالًا
(١) إسناده صحيح. مَسروق: هو ابن الأجدع،
وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو معاوية: هو محمد
بن خازم الضرير، ومُسدَّد: هو ابن مُسرهَد.
وأخرجه مسلم (١٦٣٥)، وابن ماجه
(٢٦٩٥)، والنسائي (٣٦٢١) و(٣٦٢٢) من طريق الأعمش، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٣٦٢٣) من طريق حسن
بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود النخعي، عن عائشة. وقال النسائي
في «الكبرى» بإثر الحديث (٦٤١٩): حديث ابن عياش لا نعلم أن أحدًا تابعه على قوله:
عن إبراهيم، عن الأسود.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤١٧٦)، و«صحيح
ابن حبان» (٦٦٠٦).
قال الخطابي: قولها: «ولا أوصي بشئ»
تريد وصية المال خاصة. لأن الإنسان إنما يوصي في مال سبيلُه أن يكون موروثًا، وهو
ﷺ لم يترك شيئًا يُورَث، فيوصيَ فيه، وقد أوصى بأمور: منها: ما روي أنه كان عامة
وصيته عند الموت؛ «الصلاة، وما ملكت أيمانكم». وقال ابن عباس رضي الله عنه:
أوصى رسول الله ﷺ عند موته: «أخرجوا
اليهود من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أجيزهم».
(٢)
طريق ابن أبي خلف، أثبتناه من (هـ) وهي برواية أبي بكر ابن داسة.
كثيرًا، وليس يرثُني إلا ابنتي
أفَأَتَصَدَّقُ بالثُلُثين؟ قال: «لا»، قال: فبالشَّطْرِ؟ قال: «لا»، قال:
فبالثلث؟ قال: «الثُّلثُ، والثُّلثُ كثيرٌ، إنكَ أن تترُكَ ورثتك أغنياءَ خَيرٌ
منْ أنْ تَدَعَهم عالَةَ يتكفَّفُونَ الناسَ، وإنكَ لنْ تنفقَ نفقةً إلا أُجِرْتَ
بها، حتى اللقمةَ ترفعُها إلى في امرأتك»، قلتُ: يا رسولَ الله، أتَخلَّفُ عن
هجرتي؟ قال: «إنّكَ لَن تُخلَّفَ بَعْدِي، فتعملَ عملًا تُرِيدُ بهِ وجْهَ اللهِ
لا تزدادُ به إلا رِفعةً ودرَجةً، لعلكَ أن تُخلَّفَ، حتى ينتفع بِكَ أقوامٌ
ويُضَرَّ بكَ آخروُنَ»، ثم قال: «اللهمَ أمْضِ لأصحابي هجرتَهُم، ولا تَرُدَّهُم
على أعْقَابهم، لكنِ البائِسُ سَعْدُ بنُ خَولَة» يَرثي لَهُ رسولُ اللهِ ﷺ أن
مَات بمكَّةَ (١).
(١) إسناده صحيح. عامر بن سعد: هو ابن أبي
وقاص، وسفيان: هو ابن عُيينة. وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري (٥٦) و(١٢٩٥)
و(٣٩٣٦) و(٤٤٠٩) و(٥٦٦٨) و(٦٣٧٣) و(٦٧٣٣)، ومسلم (١٦٢٨)، وابن ماجه (٢٧٠٨)،
والترمذي (٢٢٤٩)، والنسائي (٣٦٢٦) من طريق ابن شهاب الزهري، به.
وأخرجه كذلك مطولًا ومختصرًا البخاري
(٢٧٤٢) و(٢٧٤٤) و(٥٣٥٤)، ومسلم (١٦٢٨)، والنسائي (٣٦٢٧) و(٣٦٣٠) من طرق عن عامر بن
سعد، به.
وأخرجه أيضًا البخاري (٥٦٥٩)، ومسلم
(١٦٢٨)، والترمذي (٩٩٧)، والنسائي (٣٦٢٩) و(٣٦٣١) و(٣٦٣٢) و(٣٦٣٥) من طرق عن سعد
بن أبي وقاص.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٤٠)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٢٤٩).
قال الخطابي: قوله: «وليس يرثني إلا
ابنتي» يريد: أنه ليس يرثني ذو سهْم إلا ابنة، دون من يرثه بالتعصيب. لأن سعدًا
رجل من قريش من زهرة، وفي عصبته كثرة.
وفي ذلك دليل على أن لمن مات وقد
خلّف من الورثة ما يستوعب جميع ماله أن يوصي بالثلث.
وفي قوله: «الثلث كثير» دليل على أنه
لا يجوز مجاوزته، ولا أن يوصَى بأكثر من الثلث، سواء كان له ورثة أو لم يكن.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وقد زعم قوم أنه إذا لم يكن له ورثة
وضع جميع ماله حيث شاء، وإليه ذهب إسحاق بن راهويه، وروى ذلك عن ابن مسعود رضى
الله تعالى عنه.
وقد اختلف أهل العلم في جواز الوصية
بالثلث:
فذهب بعضهم إلى أن قوله: و«الثلث
كثير» منعًا من الوصية به، وأن الواجب أن يقصر عنه، وأن لا يبلغ بوصيته تمام الثلث.
وروي عن ابن عباس أنه قال: «الثلث
جنف، والربع جنف».
وعن الحسن البصري أنه قال: «يوصي
بالثلث، أو الخمس، أو الربع».
وقال إسحاق بن راهويه: السنة في
الربع، لما قال النبي ﷺ: «الثلث كثير» إلا أن يكون رجلًا يعرف في ماله شبهات،
فعليه استغراق الثلث.
وقال الشافعي: إذا ترك ورثته أغنياء
لم يكره أن يستوعب الثلث، فإذا لم يدعهم اخترتُ له أن لا يستوعبه.
وقوله: «عالة يتكففون الناس» يريد
فقراء يسألون الصدقة، يقال: رجل عائل، أي: فقير، وقوم عالة، والفعل منه: عال يعيل،
إذا افتقر.
ومعنى «يتكففون»: يسألون الصدقة
بأكفهم.
وقوله: «أتخلف عن هجرتي» معناه خوف
الموت بمكة، وهي دار تركوها لله عز وجل، وهاجروا إلى المدينة، فلم يحبوا أن تكون
مناياهم فيها.
وقال المنذري: «لعلك أن تَخَلّف»:
«أن» ها هنا بالفتح لا غير.
وقوله ﷺ: «إن تخلّف بعدى فتعمل عملًا
صالحًا» رواه بعضهم بالفتح، وبعضهم بالكسر، ورواه بعضهم «لن» باللامِ. قال
اليحصُبي وغيره: وكلاهما صحيح المعنى على ما تقدم. يريد قوله: «إنك إن تَذر».
وقوله: «حتى ينتفع بك أقوام» هذا علم
من أعلام نبوته ﷺ. وذلك أن سعدًا أُمر على العراق، فأتي بقوم ارتدوا عن الإسلام،
فاستتابهم، فأبى بعضهم، فقتلهم، وتاب بعضهم، فانتفعوا به، وعاش سعد بعد حجة الوداع
نيفًا وأربعين سنة.
ومعنى «أمض لأصحابي هجرتهم» أي:
أتممها لهم ولا تبطلها، ولا تردهم على أعقابهم، بشرط هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم
حالهم.
و«البائس» الذي اشتدت حاجته. عدَّه ﷺ
من المساكين والفقراء لما فاته من الفضل لو مات في غير مكة.
٣ - باب في كراهيةِ الإضرار في الوصية
٢٨٦٥
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا عبدُ
الواحِد بن زيادٍ، حدَّثنا عُمارةُ بن القَعقَاعِ، عن أبي زُرعةَ بن عَمرِو بن
جَريرٍ
عن أبي هريرة، قال: قال رجلٌ للنبيِّ
ﷺ: يا رسولَ الله، أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: «أنْ تَصّدَّقَ وأنتَ صَحيحٌ حَرِيصٌ،
تأمُلُ البقاء، وتَخشى الفَقرَ، ولا تُمهِل، حتى إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ:
لفُلان كذا، ولفُلان كذا، وقد كان لفُلان» (١).
٢٨٦٦
- حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
ابنُ أبي فدَيكِ، أخبرني ابنُ أبي ذِئبٍ، عن شُرَحْبيلَ
عن أبي سعيد الخدري، أن رسولَ الله ﷺ
قال: «لأنْ يَتَصَدّقَ المَرْءُ في حَيَاتِهِ بدِرهَمٍ خَيرٌ لهُ مِنْ أن
يَتَصَدَّقَ بمئةٍ عِندَ مَوته» (٢).
(١) إسناده صحيح. مُسدَّد: هو ابن مُسرهَد.
وأخرجه البخاري (١٤١٩)، ومسلم
(١٠٣٢)، وابن ماجه (٢٧٠٦)، والنسائى (٢٥٤٢) و(٣٦١١) من طريق عمارة بن القعقاع، به.
وهو في «مسند أحمد» (٧١٥٩)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٣١٢).
قال الخطابي: فيه من الفقَه أن
للصحيح أن يضع ماله حيث شاءَ مِن المباح، وله أن يشح به على من لا يلزمه فرضه.
وفيه المنع من الإضرار في الوصية عند الموت.
وفي قوله: «وقد كان لفلان» دليل على
أنه في الوصية كان للورثة أن يبطلوها، لأنه حينئذٍ مالهم، ألا تراه يقول: «وقد كان
لفلان» يريد به الوارث، والله أعلم.
(٢)
إسناده ضعيف لضعف شُرَحْبيل، وهو ابن سَعد. ابن أبي فُديك: هو محمد ابن إسماعيل بن
مسلم، وابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهد» ١٤/
٣٠٤ من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان (٣٣٣٤) من طريق ابن
أبي فديك، به.
٢٨٦٧ - حدَّثنا عبدةُ بن عبدِ الله، أخبرنا
عبدُ الصمَدِ، حدَّثنا نصرُ بن عَلىِّ الحُدَّاني، حدَّثنا الأشعثُ بن جَابر،
حدثني شَهر بن حوشَبٍ
أن أبا هريرة حدثه، أن رسولَ الله ﷺ
قال: «إنّ الرَجُلَ لَيَعمَلُ أو المَرْأةَ بِطَاعَةِ الله ستِّين سنةً، ثمَ
يحضرُهما الموتُ فيُضارّانِ في الوَصِيةِ فتجبُ لهما النارُ» قال: وقرأ علىَّ أبو
هريرةَ من ها هنا ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ
مُضَارٍّ﴾ حتى بلغ: ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (١) [النساء:١١ - ١٣].
قال أبو داود: هذا [يعني الأشعث بن
جابر] جدُّ نصر بن علي (٢).
٤
- باب ما
جاء في الدخول في الوصايا
٢٨٦٨
- حدَّثنا الحَسنُ بن علي، حدَّثنا أبو
عبد الرحمن المُقرئ، حدَّثنا سعيدُ بن أبي أيوبَ، عن عُبيد الله بن أبي جَعفرٍ، عن
سالمِ بن أبي سالم الجَيْشانىِّ، عن أبيه
(١) إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وقد انفرد
به. ونصر بن علي إنما نسب هنا حُدّانيًا نسبة لجده لأمة أشعث بن عبد الله بن جابر
الذي جاء في هذا الحديث، فهو حداني، وأما نصر بن علي فهو ابن صهبان الجهضمي،
فنسبته من جهة أبيه جهضميٌّ.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧٠٤)، والترمذي
(٢٢٥٠) من طريق نصر بن علي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو في «مسند أحمد» (٧٧٤٢).
وفي الباب قوله ﷺ: «إن الرجل ليعمل
بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل
أهل النار فيدخل النار» أخرجه البخاري (٣٣٣٢)، ومسلم (٢٦٤٣) من حديث عبد الله بن
مسعود. والحيف في الوصية من عمل أهل النار.
(٢)
مقالة أبي داود هذه زيادة أثبتناها من (هـ).
عن أبي ذرٍّ، قال: قال لي رسولُ الله
ﷺ: «يا أبا ذَرٍّ، إني أراكَ ضعيفًا، وإني أُحِبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي، فلا،
تأمَّرَنَّ على اثنَين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ» (١).
قال أبو داود: تفرَّد به أهلُ مصرَ
(٢).
٥
- باب في
نسخِ الوصية للوالدَين والأقربين
٢٨٦٩
- حدَّثنا أحمدُ بن محمد بن ثابت
المروزِيُّ، حدثني علي بن حُسين ابن واقد، عن أبيه، عن يزيدَ النّحوي، عن عكرمةَ
عن ابن عباس: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] فكانت الوصيةُ كذلك حتى نسختها آيةُ
الميراثِ (٣).
(١) إسناده صحيح. أبو عبد الرحمن المقرئ: هو
عبد الله بن يزيد.
وأخرجه مسلم (١٨٢٦)، والنسائي (٣٦٦٧)
من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله ابن يزيد المقرئ، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥٦٣)، و«صحيح
ابن حبان» (٥٥٦٤).
وأخرج مسلم (١٨٢٥) من طريق ابن
حُجيرة الأكبر، عن أبي ذر قال: قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده
على منكبى، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من
أخذها بحقها، وأدى الذى عليه فيها».
وهو في «مسند أحمد» (٢١٥١٣).
(٢)
مقالة أبي داود هذه أثبتناها من هامش (هـ)، وأشار هناك إلى أنها من إحدى النسخ.
(٣)
صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل على بن حسين بن واقد، فهو صدوق حسن الحديث، لكنه
متابع. عكرمة: هو مولى ابن عباس، ويزيد النحوي: هو ابن أبي سعيد، وأحمد بن محمد
المروزي: هو ابن ثابت.
وأخرجه البيهقى ٦/ ٢٦٥، وابن عبد
البر في «التمهيد» ١٤/ ٢٩٧، وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٥٩ - ٦٠ من طريق أبي
داود السجستاني، بهذا الإسناد.
٦ - باب في الوصيةِ للوارث
٢٨٧٠
- حدَّثنا عبدُ الوهاب بن نَجْدةَ،
حدَّثنا ابن عَيّاشٍ، عن شُرَحبيل بن مسلمٍ
سمعت أبا أمامةَ، سمعتُ رسولَ الله ﷺ
يقول: «إن الله قَدْ أعطى كل ذي حقٍّ حقهُ، فلا وصيةَ لِوَارثٍ» (١).
= وأخرجه بنحوه البخاري (٢٧٤٧) من طريق
عطاء بن أبي رباح، والطبري ٢/ ١١٨، والحاكم ٢/ ٢٧٣ و٢٨١، والبيهقي ٦/ ٢٦٥ و٧/ ٤٢٧،
وابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٦٠ من طريق محمد بن سيرين، والطبري ٢/ ١١٨ - ١١٩،
وابن الجوزي
ص ٥٩ من طريق عطية العوفي، ثلاثتهم
عن ابن عباس.
وأخرجه الدارمي (٣٢٦٣) عن أحمد بن
إسماعيل، والطبري ٢/ ١١٩ عن محمد ابن حميد الرازي، كلاهما عن أبي تميلة يحيى بن
واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري - فلم يذكرا ابن
عباس. وأحمد بن إسماعيل ضعيف، وابن حميد متروك.
(١)
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ابن عياش -وهو إسماعيل- فهو حسن الحديث فيما
رواه عن أهل بلده، وهذا منها، وهو متابع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧١٣)، والترمذي
(٢٢٥٣) من طريق إسماعيل بن عياش، به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٢٩٤).
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى»
(٩٤٩) من طريق سليم بن عامر الكلاعي وغيره، عن أبي أمامة. وإسناده صحيح.
وسيتكرر الحديث عند المصنف برقم
(٣٥٦٥) ضمن حديث مطول.
قال الخطابي: قوله: «أعطى كل ذي حق
حقه» إشارة إلى آية المواريث. وكانت الوصية قبل نزول الآية واجبة للأقربين. وهو
قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] ثم نسخت بآية الميراث.
(أي: خصصت). =
٧ - باب مخالطةِ اليتيم في الطعام
٢٨٧١
- حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبةَ،
حدَّثنا جَريرٌ، عن عَطاءٍ، عن سعيدِ بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز
وجل ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
[الأنعام: ١٥٢ والإسراء: ٣٢] و﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى
ظُلْمًا﴾ [النساء:
١٠]- انطلق
مَن كان عنده يتيمٌ فَعزلَ طعامَه من طعامِه وشرابَه من شرابِه، فجعل يَفْضُلُ من
طعامِه فيُحْبَسُ له حتى يأكلَه أو يفسُد، فاشتدَّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسولِ
الله ﷺ، فأنزلَ اللهُ عز وجل ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] فخلَطُوا طعامَهم بطعامِه وشرابَهم
بشرابِه (١).
= وإنما تبطل الوصية للوارث في قول
أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة، فإذا أجازوها جازت، كما إذا أجازوا
الزيادة على الثلث للأجنبي جاز.
وذهب بعضهم إلى أن الوصية للوارث لا
تجوز بحالٍ، وإن أجازها سائر الورثة.
لأن المنع منها إنما هو لحق الشرع،
فلو جوزناها لكنا قد استعملنا الحكم المنسوخ.
وذلك غير جائز، كما أن الوصية للقاتل
غير جائزة، وإن أجازها الورثة.
(١)
إسناده ضعيف. عطاء -وهو ابن السائب- اختلط بأخرة، وجرير -وهو ابن عبد الحميد- ممن
سَمع من عطاء بعد اختلاطه، وقد تابعه جماعة لم يُميّز سماعُ أحد منهم من عطاء،
أكان قبل اختلاطه أو بعده.
وأخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره»
٢/ ٣٦٩ - ٣٧٠، والحاكم ٢/ ١٠٣ و٣٠٣ و٣١٨، والبيهقي ٦/ ٢٨٤، والواحدي في «أسباب
النزول» ص ٥٩، والضياء المقدسي في «المختارة» ١٠/ (٢٧٣) من طريق جرير بن عبد
الحميد، بهذا الإسناد. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه النسائي (٣٦٦٩)، وابن جرير ٢/
٣٧١ من طريق أبي كدينة يحيى بن المهلب، والنسائي (٣٦٧٠)، وابن جرير ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١
من طريق عمران بن عيينة، وأحمد (٣٠٠٠)، وابن جرير ٢/ ٣٦٩، والحاكم ٢/ ٢٧٨ - ٢٧٩،
والضياء المقدسي في «المختارة» ١٠/ (٢٧٢) من طريق إسرائيل بن يونس السبيعي،
ثلاثتهم عن عطاء ابن السائب، به.
وأخرجه ابن جرير ٢/ ٣٧٠ من طريق عمرو
بن أبي قيس الرازي، عن عطاء بن السائب، والواحدي في «أسباب النزول» ص ٥٩ من طريق
سالم الأفطس، كلاهما (عطاء ابن السائب وسالم الأفطس) عن سعيد بن جبير مقطوعًا من
قوله - فلم يذكرا ابنَ عباس.
وأخرجه بنحوه أبو عبيد في «الناسخ
والمنسوخ» (٤٣٧)، وابن جرير ٢/ ٣٧١، والطبراني في «الكبير» (١٣٠٢٠) من طريق علي بن
أبي طلحة، وابن جرير ٢/ ٣٧٢ من طريق عطية العوفي، كلاهما عن ابن عباس. وإسناداهما
ضعيفان.
قال أبو جعفر النحاس في «الناسخ
والمنسوخ» ص ١٩١: وهذا مما لا يجوز فيه ناسخ ولا منسوخ، لأنه خبر ووعيد، ونهي عن
الظلم والتعدي، فمحالٌ نسخُهُ، فإن صح ذلك عن ابن عباس فتأويله من اللغة أن هذه
الآية على نسخة تلك الآية، فهذا جواب، وأصح منه ما عليه أهلُ التأويل، قال سعيد بن
جبير: لما نزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠] اشتدت على الناس، وامتنعوا من مخالطة
اليتامى حتى نزلت ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ
خَيْرٌ﴾ [البقرة:
٢٢٠] فالمعنى
على هذا القول: أنه لما وقع بقلوبهم أنه لا ينبغي أن تخالطوا اليتامي في شيء لئلا
يُحرجوا بذلك، فنسخ الله عز وجل ما وقع بقلوبهم منه، أي: أزاله أن أباح لهم مخالطة
اليتامي.
وقال مكي بن أبي طالب في «الإيضاح
لناسخ القرآن ومنسوخه» عند قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الإسراء: ٣٤]: والذي يوجبه النظرُ وعليه جماعةٌ من
العلماء أنه غيرُ منسوخ، لأنه قال تعالى: ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ففي
هذا جواز مخالطتهم بالتي هي أحسن، وهو قوله ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة:
٢٢٠] فكلا
الآيتين يجوز مخالطة اليتيم فلا يجوز أن تنسخ إحداهما الأخرى، لأنهما بمعنى واحد.
٨ - باب ما لوليِّ اليتيم أن يَنالَ من مالِ اليتيم
٢٨٧٢
- حدَّثنا حُميدُ بن مَسعَدةَ، أن
خالدَ بن الحارثِ حدثهم، حدَّثنا حسينٌ -يعني المُعلِّم- عن عمرِو بن شعيب، عن
أبيه
عن جده: أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال:
إني فقيرٌ ليس لي شيءٌ، ولي يتيمٌ، قال: فقال: «كُلْ من مالِ يتيمِكَ غيرَ
مُسرِفٍ، ولا مُبادِرٍ، ولا مُتأثلٍ» (١).
= وجاء في «زاد المسير» ٢/ ٢٤
بتحقيقنا: وقد توهم قوم لا علم لهم بالتفسير وفقهه أن هذه الآية منسوخة، لأنهم لما
سمعوا أنها لما نزلت تحرج القوم عن مخالطة اليتامى، فنزل قوله: ﴿وَإِنْ
تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ وهذا غلط، وإنما ارتفع عنهم الحرج بشرط الإصلاح،
لا على إباحة الظلم.
(١)
إسناده حسن. حسين المعلم وهو ابن ذكوان.
وأخرجه ابن ماجه (٢٧١٨)، والنسائي
(٣٦٦٨) من طريق حسين المعلم، بهذا الإسناد.
وهوفي «مسند أحمد» (٦٧٤٧).
ويشهد له حديث عائشة عند البخاري
(٤٥٧٥)، ومسلم (٣٠١٩) قالت في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرًا
أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف. وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال من قِبَل
الرأي.
قال الخطابي: قوله: «غير متأثل» أي:
غير متخذ منه أصل مالٍ، وأثلة الشيء أصله.
ووجه إباحته الأكل من مال اليتيم أن
يكون ذلك على معنى ما يستحقه من العمل فيه والاستصلاح له، وأن يأخذ منه بالمعروف
على قدر مثل عمله.
وقد اختلف الناس في الأكل من مال
اليتيم:
فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه
قال: «يأكل منه الوصي إذا كان يقوم عليه» وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
=
٩ - باب متى ينقطعُ اليُتْمُ؟
٢٨٧٣
- حدَّثنا أحمدُ بن صالحٍ، حدَّثنا
يحيى بن محمد الْمَدينيُّ، حدَّثنا عبدُ الله بن خالدِ بن سعيدٍ بن أبي مريمَ، عن
أبيه، عن سعيدِ بن عبد الرحمن ابن رُقَيش، أنه سمع شيوخًا من بني عمرو بن عوفٍ ومن
خالِه عبدِ الله بن أبي أحمدَ، قال:
قال عليُّ بن أبي طالب: حفظتُ، عن
رسولِ الله ﷺ: «لا يُتمَ بعدَ احتلامٍ، ولا صُمَاتَ يومٍ إلى اللَيْلِ» (١).
= وقال الحسن والنخعي: يأكل ولا يقضي.
وقال عبيدة السلمانى وسعيد بن جبير
ومجاهد: يأكل ويؤديه إليه إذا كبر، وهو قولُ الأوزاعي.
(١)
قوله: «لا يتم
بعد احتلام» حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف خالد بن سعد بن أبي مريم ويحيى بن
محمد المديني -وهو ابن عبد الله بن مهران-، وقد ضعف هذا الإسناد العقيلي في
«الضعفاء» ٤/ ٤٢٨، وعبد الحق الإشبيلي في «أحكامه الوسطى»، وابن القطان الفاسي في
«بيان الوهم والإيهام» ٣/ ٥٣٦ - ٥٣٧، والمنذري في «مختصر السنن»، لكن حسنه النووي
في «رياض الصالحين».
وأخرجه العقيلي في «الضعفاء» ٤/ ٤٢٨،
والطبراني في «الأوسط» (٢٩٠)، وفي «الصغير» (٢٦٦)، والبيهقي ٦/ ٥٧، والمزي في
«تهذيب الكمال» في ترجمة عبد الله ابن أبي أحمد، من طريق عبد الله بن خالد بن
سعيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٥٦٤)،
وفي «الصغير» (٩٥٢)، ومن طريقه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» ٥/ ٢٩٩، والضياء
المقدسي في «المختارة» (٦٨٣) من طريق علقمة بن قيس النخعي، عن علي بن أبي طالب.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن علقمة إلا إبراهيم، ولا رواه عن إبراهيم إلا
أبان بن تغلب، ولا رواه عن أبان إلا موسى بن عقبة، ولا عن موسى إلا محمد بن جعفر
[بن أبي كثير]، تفرد به محمد بن عُبيد التبان، عن أبيه، ولا كتبناه إلا عن هذا
الشيخ - قلنا: يعني به محمد بن سليمان بن هارون الصوفي المصري.
=
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه عبد الرزاق (١١٤٥٠)، وسعيد بن
منصور (١٠٣٠)، والطبراني في «الأوسط» (٧٣٣١)، وابن عدي في ترجمة أيوب بن سويد
وترجمة جويبر بن سعيد، والدارقطني في «العلل» ٤/ ١٤٢ - ١٤٣ من طريق جويبر بن سعيد،
عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة، عن علي. وجويبر بن سعيد ضعيف جدا. وجاء
عند عبد الرزاق بإثر روايته: فقال الثوري: يا أبا عروة [يعني معمر بن راشد]:إنما
هو عن علي موقوف، فأبى عليه معمر إلا عن النبي ﷺ ولهذا صحح العقَيلي في «الضعفاء»
٤/ ٤٢٨، والدارقطني في «العلل» ٤/ ١٤٢ وغيرهما أنه موقوف على عليٍّ. وفي الباب عن
الذيال بن عُبيد، عن جده حنظلة عند الطبراني في «الكبير» (٣٥٠٢)، وابن قانع في
«معجم الصحابة» ١/ ٢٠٤ بلفظ: «لا يتم بعد احتلام، ولا يُتم على جارية إذا حاضت».
قال الحافظ في «التلخيص الحبير» ٣/ ١٠١: إسناده لا بأس به.
وعن جابر بن عبد الله عند الطيالسي
(١٧٦٧)، وعبد الرزاق (١٣٨٩٩)، وابن حبان في «المجروحين» ١/ ٣١٨، وابن عدي في ترجمة
حرام بن عثمان وترجمة أبي سعد سعيد بن المرزبان البقال، والبيهقي ٧/ ٣١٩، وابن
الجوزي في «العلل المتناهية» ٢/ ٦٤١ من طرق عن جابر بن عبد الله، ولا يخلو طريق
منها من مقالٍ.
قال الخطابي: ظاهر هذا القول يوجب
انقطاع أحكام اليتم عنه بالاحتلام وحدوث أحكام البالغين له. فيكون للمحتلم أن يبيع
ويشتري، ويتصرف في ماله، ويعقد النكاح لنفسه، وإن كانتَ امرأة فلا تزوج إلا بإذنها.
ولكن المحتلم إذا لم يكن رشيدا، لم
يُفَكَّ الحجر عنه. وقد يحظر الشىء بسببين، فلا يرتفع بارتفاع أحدهما مع بقاء
السبب الآخر. وقد أمر الله تعالى بالحجر على السفيه فقال: ﴿وَلَا تُؤْتُوا
السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: ٥]، وقال: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فأثبت الولاية على السفيه، كما أثبتها على
الضعيف، فكان معنى الضعيف راجعًا إلى الصغير، ومعنى السفيه راجعا إلى الكبير
البالغ، لأن السفه اسم ذمٍّ، ولا يُذم الإنسان على مالم يكتسب، والقلم مرفوع عن
غير البالغ، فالحرج والذم مرفوعان عنه. =
١٠ - باب التشديد في أكل مال اليتيم
٢٨٧٤
- حدَّثنا أحمدُ بن سعيدٍ الهَمدانيُّ،
حدَّثنا ابنُ وهب، عن سليمانَ ابن بلالٍ، عن ثَورِ بن زيدٍ، عن أبي الغَيث
عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال:
«اجتنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ» قيل: يا رسولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قال:
«الشِّرْكُ بالله، والسحرُ، وقَتلُ النفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأكْلُ
الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيم، والتَّوَلِّي يومَ الزَّحْفِ، وقَذْتُ المُحْصنَاتِ
الغافِلات المؤمنات» (١).
= وقال سبحانه: ﴿وَابْتَلُوا
الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦] فشرط في دفع المال إليهم شيئين:
الاحتلام والرشد. والحكم إذا كان وجوبه معلقًا بشيئين لم يجب إلا بوُرُودهما معًا.
وقوله: «لا صمات يوم إلى الليل»وكان
أهل الجاهلية من نسكهم الصمات، وكان الواحد منهم يعتكف اليوم والليلة فيصمت، ولا
ينطق، فنهوا عن ذلك وأمروا بالذكر والنطق بالخير.
(١)
إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٧٦٦)، ومسلم (٨٩)،
والنسائي (٣٦٧١) من طريق سليمان بن بلال، بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح ابن حبان» (٥٥٦١).
قال النووي في «شرح صحيح مسلم»: قال
العلماء رحمهم الله: ولا انحصار للكبائر في عدد مذكور، وقد جاء عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الكبائر: أسبعٌ هي، فقال: هي إلى السبعين، ويُروى
إلى سَبع مئة أقرب، وأما قوله ﷺ: «الكبائر سبع»، فالمراد به: من الكبائر سبع، فإن
هذه الصيغة وإن كانت للعموم، فهي مخصوصة بلا شكٌّ، وإنما وقع الاقتصار على هذه
السبع، وفي الرواية الأخرى: ثلاث، وفى الأخرى: أربع، لكونها من أفحش الكبائر مع
كثرة وقوعها، لا سيما فيما كانت عليه الجاهلية، ولم يذكر في بعضها ما ذكر في
الأخرى، وهذا مُصرِّح بما ذكرته من أن المراد البعض. =
قال أبو داود: أبو الغَيث: سالمٌ
مولى ابن مُطيع.
٢٨٧٥
- حدَّثنا إبراهيمُ بن يعقوبَ
الجُوزجَاني، حدَّثنا معاذُ بن هانىءٍ، حدَّثنا حَربُ بن شدَّاد، حدَّثنا يحيى بن
أبي كَثير، عن عبد الحميد بنِ سنان، عن عُبيد بن عُمير
عن أبيه، أنه حدَّثه -وكانت له صحبة-
أن رجلًا سأله فقال:
يا رسولَ الله، ما الكبائرُ؟ فقال:
«هُنَّ تِسْعٌ» فذكر معناه، زاد: «وعُقُوقُ الوالدَينِ المُسلمَينِ، واستِحلالُ
البيتِ الحرامِ قِبلَتِكُم أحياءً وأمواتًا» (١).
= والموبقات: الأفعال المهلكات التي
توقع فاعلها في الهلكة، والتولي يوم الزحف، أي: الجهاد ولقاء العدو إلا متحرفًا
لقتال. أو متحيزًا إلى فئة. واختلفوا في حد الكبيرة، فقيل: الكبيرة: هي الموجبة
للحد، وقيل: ما يلحق الوعيدُ بصاحبه بنص كتاب أو سنة، وقيل: الكبيرة: كل ذنب قرن
به وعيد أو لعن، وقيل: كل ذنب أدخل صاحبه النار.
وقال القرطبي في «المفهم»: كل ذنب
أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع: أنه كبيرة أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب،
أو علق عليه الحد، أو شدد النكير عليه، فهو كبيرة.
(١)
صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد الحميد بن سنان، وقال البخاري: في حديثه
نظر. عُبيد بن عُمير: هو ابن قتادة الليثى.
وأخرجه النسائي (٤٠١٢)، والطحاوي في
«شرح مشكل الآثار» (٨٩٨) والعقيلي في «الضعفاء» ٣/ ٤٥، والطبراني في «الكبير» ١٧/
(١٠١)، والحاكم ١/ ٥٩ و٤/ ٢٥٩، والبيهقي ٣/ ٤٠٨ و١٠/ ١٨٦، وابن عبد البر في
«الاستيعاب» في ترجمة عمير بن قتادة، والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة عبد
الحميد بن سنان، من طريق حرب بن شداد، عن يحيي بن أبي كثير، عن عبد الحميد بن
سنان، به، ورواية النسائى مختصرة بلفظ: «هن سبع: أعظمهن إشراك بالله، وقتل النفس
بغير حق وفرار يوم الزحف».
وأخرجه الطبري في «تفسيره» ٥/ ٣٩،
والطبراني ١٧/ (١٠٢) من طريق أيوب بن عتبة اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عبيد بن
عمير، عن أبيه، فأسقط من إسناده =
١١ - باب الدليل على أن الكَفَن من رأسِ
المال
٢٨٧٦
- حدَّثنا محمدُ بن كَثيرٍ، أخبرنا
سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ
عن خَبّابٍ، قال: مُصعبُ بن عميرٍ
قُتِلَ يوم أُحدٍ، ولم تكن له إلا نَمِرَةٌ، كنَّا إذا غَطّيْنَا بها رأسَهُ
خرجَتْ رجلاهُ، وإذا غطَّينا رجليه خرج رأسُه، فقال رسولُ الله ﷺ: «غطُّوا بها
رأسَه، واجعَلُوا على رجليهِ منَ الإذِخرِ» (١).
= عبد الحميد بن سنان. وأيوب بن عتبة
ضعيف، لكن قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في «الجرح والتعديل» ٢/ ٢٥٣: كتبه في
الأصل فهي صحيحة عن يحيى بن أبي كثير قال: قال لي سليمان بن شعبة هذا الكلام وكان
عالمًا بأهل اليمامة، وقال: أروى الناس عن يحيى بن أبي كثير وأصح الناس كتابًا عنه.
وفي الباب عن ابن عُمر عند أبي
القاسم البغوي في «الجعديات» (٣٤٢٦)، والبيهقي ٣/ ٤٠٩، وابن عبد البر في «التمهيد»
٥/ ٦٩ من طريق أيوب بن عتبة اليمامي، عن طيسلة بن علي (ولقب عليٍّ مياس) عن ابن
عمر، عن النبي ﷺ.
لكن خالف أيوبَ بن عتبة -وهو ضعيف في
غير يحيى بن أبي كثير- زيادُ بن مخراق -وهو ثقة- فرواه عن طيسلة بن علي، عن ابن
عمر موقوفًا عليه، أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٨)، والطبري في «تفسيره» ٥/
٣٩.
ورواه سلْم بن سلّام الواسطي عن أيوب
بن عتبة، عن طيسلة، كرواية زياد بن مخراق. أخرجه الطبري ٥/ ٣٩.
قلنا: وسواء كان موقوفًا على ابن
عُمر أو مرفوعًا فإن مثله لا يُقال من قبل الرأي، والله تعالى أعلم.
(١)
إسناده صحيح. أبو وائل: هو شقيق بن سلمة، والأعمش هو سليمان بن مهران، وسفيان: هو
ابن سعيد الثوري.
وأخرجه البخاري (١٢٧٦)، ومسلم (٩٤٠)،
والترمذي (٤١٨٩) و(٤١٩٠)، والنسائي (١٩٠٣) من طريق سليمان الأعمش، به.
وهو في «مسند أحمد» (٢١٠٥٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٧٠١٩). =
١٢ - باب الرجل يَهَبُ الهبةَ ثم يُوصى له
بها أو يرثُها
٢٨٧٧
- حدَّثنا أحمدُ بن يونسَ، حدَّثنا
زهيرٌ، حدَّثنا عبدُ الله بن عطاء، عن عبدِ الله بن بُريدةَ
عن أبيه -بريدة-: أن امرأةً أتَتْ
رسولَ الله ﷺ فقالت: كنت تَصَدَّقْتُ على أمّي بوَليدَةٍ،؛ وإنها ماتت وتركتْ تلك
الوليدةَ، قال: «قَدْ وجَبَ أجرك ورجعتْ إليك في المِيراثِ»، قالت: وإنها ماتت
وعليها صومُ شَهْرٍ، أفيَجزِي -أو يَقضي- عنها أن أصومَ عنها؟ قال: «نعم»، قالت:
وإنها لم تحجَّ أفيَجزي -أو يَقضي- عنها أن أحُجَّ عنها؟ قال: «نعم» (١).
= وسيتكرر عند المصنف برقم (٣١٥٥).
قال الخطابي: فيه دلالة على أن الكفن
من رأس المال، وأنه إذا استغرق الكفن جميع المال كان الميت أولى به من الورثة.
وقال ابن الأثير: كل شَمْلةٍ مخططهٍ
من مآزِر الأعراب فهي نَمِرة، وجمعها نِمارٌ، كانها أُخذتْ من لون النَّمِر؛ لما
فيها من السواد والبياض.
وقال: الإذخر، بكسر الهمزة: حَشيشةٌ
طيبةُ الرائحةِ تُسقَّفُ بها البيوت فوق الخشب. ومصعب بن عمير: هو ابن هشام بن عبد
مناف بن عبد الدار بن قصي يجتمع مع النبي ﷺ في قصي، وكان يكنى أبا عبد الله، من
السابقين إلى الإسلام إلى هجرة المدينة، قال البراء: أول من قدم علينا من أصحاب
النبي ﷺ مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن. أخرجه البخاري (٤٩٤١)
وذكر ابن إسحاق: أن النبي ﷺ أرسله مع أهل العقبة الأولى يقرئهم ويعلمهم، وكان مصعب
وهو بمكة في ثروة ونعمة، فلما هاجر صار في قلة وكان يفقه أهل المدينة، ويقرئهم القرآن،
وأسلم على يديه أُسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وشهد بدرًا مع رسول الله ﷺ وشهد
أحدًا ومعه لواء رسول الله ﷺ، وقتل بأحد شهيدًا.
(١)
إسناده صحيح. زهير: هو ابن معاوية، وأحمد بن يونس: هو أحمد بن عبد الله بن يونس،
نسب هنا لجده، وهو معروفٌ بذلك. =
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه مسلم (١١٤٩)، وابن ماجه
(١٧٥٩) و(٢٣٩٤)، والترمذي (٦٧٣) و(٩٤٨)، والنسائي في «الكبرى» (٦٢٨١ - ٦٢٨٣) من
طريق عبد الله بن عطاء، به.
واقتصر ابن ماجه في الموضع الأول على
ذكر قضاء الصوم، واقتصر في الموضع الثاني هو والنسائي على ذكر الوليدة، وقد سلفت
قصة الوليدة وحدها عند المصنف برقم (١٦٥٦)، واقتصر الترمذي في الموضع الثانى على
ذكر قضاء الحج.
وهو في «مسند أحمد» (٢٢٩٥٦).
وسيأتي الحديث مختصرًا كذلك برقم
(٣٣٠٩).
وأخرجه مسلم (١١٤٩)، والنسائى في
«الكبرى» (٦٢٨٠) من طريق عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عبد الله بن عطاء، عن
سليمان بن بريدة، عن أبيه. وقال النسائي: هذا خطأ، والصواب عبد الله بن بريدة.
قلنا: وسواء كان هذا أو ذاك فكلاهما ثقة، إلا أن الأكثرين رووه عن عبد الله بن
عطاء، فقالوا: عبد الله بن بريدة.
قال الخطابي: «الوليدة» الجارية
المملوكة، ومعى الصدقة هنا: العطية. وإنما جرى عليها اسم الصدقة لأنها برٌّ وصلة
فيها أجر، فحلَّت محل الصدقة.
وفيه دليل على أن من تصدق على فقير
بشئ فاشتراه منه بعد أن أقبضه إياه فإن البيع جائز، وإن كان يستحب ألا يُرجعه إلى
ملكه بعد أن أخرجه بمعنى الصدقة.
وقولها: «أصوم عنها؟» يحتمل أن تكون
أرادت الكفارة عنها، فيحل محل الصوم، ويحتمل أن تكون أرادت الصيام المعروف.
وقد ذهب إلى جواز الصوم عن الميت بعض
أهل العلم.
وذهب أكثر العلماء إلى أن عمل البدن
لا تَقعُ فيه النيابة، كما لا تقع في الصلوات.
وقال النووي في «شرح مسلم» ٨/ ٢٠ -
٢١: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره: هل
يقضى عنه، وللشافعي في المسألة قولان مشهوران: أشهرهما: لا يُصام عنه، ولا يصح عن
ميت صوم أصلًا.
والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه
ويصح صومه عنه ويبرأ الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار
الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه
الأحاديث الصحيحة الصريحة ... =
١٣ - باب في الرجل يُوقف الوَقف
٢٨٧٨
- حدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يزيدُ بن
زُريعٍ (ح)
وحدثنا مسدَّدٌ، حدَّثنا بِشر بن
المُفضّل (ح)
وحدثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن
ابنِ عَونٍ، عن نافعٍ
عن ابن عمر، قال: أصابَ عمرُ أرضًا
بخيبرَ، فأتى النبيَّ ﷺ فقال: أصبْتُ أرضًا لم أُصِبْ مالَا قَطُّ أنفَسَ عندي
منه، فكيف تأمرُني به؟ قال: «إن شئتَ حَبَّسْتَ أصلَها وتصدقتَ بها»، فتصدقَ بها
عمرُ: أنه لا يُباعُ أصلُها، ولا يُوهَب، ولا يُورَثُ: للفقراء، والقُربى،
والرِّقاب، وفي سبيل الله، وابنِ السبيل -وزاد عن بشر: والضيف، ثم اتفقوا-: لا
جُناحَ على مَن يَليها أن يأكلَ منها بالمعروفِ، ويُطعم صديقًا غيرَ مُتموّل فيه -
زاد عن بشر: قال: وقال محمد (١): غير مُتأثِّلٍ مالًا (٢).
= وممن قال به من السلف: الحسن البصري
والزهري وقتادة وأبو ثور، وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد في صوم النذر دون
رمضان وغيره.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يُصام عن
ميت لا نذر ولا غيره، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ورواية عن
الحسن والزهري وبه قال مالك وأبو حنيفة.
(١)
هو ابن سيرين، فقد جاء عند البخاري والترمذي أن ابن عون قال: فحدثت به ابن سيرين
فقال: غير متأثل مالًا.
(٢)
إسناده صحيح. ابن عون: هو عبد الله، ويحيى: هو ابن سعيد القطان، ومُسَدّد: هو ابن
مُسَرهَدٍ.
وأخرجه مطولًا ومختصرًا البخاري
(٢٧٣٧) و(٢٧٧٢) و(٢٧٧٣)، ومسلم (١٦٣٢)، وابن ماجه (٢٣٩٦)، والترمذي (١٤٢٩)،
والنسائي (٣٥٩٧ - ٣٦٠١) من طريق عبد الله بن عون، والبخاري (٢٧٧٧) من طريق أيوب
السختياني والنسائي (٣٦٠٣ - ٣٦٠٥) من طريق عُبيد الله بن عمر، ثلاثتهم عن نافع، به
وبعضهم يقول عن =
٢٨٧٩ - حدَّثنا سليمانُ بن داودَ المَهريُّ،
حدَّثنا ابنُ وهْبٍ، أخبرني الليثُ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن صَدَقَةِ عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال:
نسخها لي عبدُ الحميد بن عبد الله بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتبَ عبدُ الله عُمَرُ
في ثَمْغٍ، فقصَّ مِن خبَرِه نحوَ حديثِ نافعٍ، قال: غيرَ مُتأثِّلٍ مالًا، فما
عفا عنه من ثمرِه فهو للسائل والمحروم، قال: وساق القصةَ، قال: وإن شاءَ وليُّ
ثَمْغٍ اشترى من ثمرِه رقيقًا لعمَلِه، وكتب مُعَيْقيبُ، وشهدَ عبدُ الله ابن
الأرقَمِ: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين
إن حَدَثَ به حَدَثٌ، أن ثمغًا وصِرْمَةَ ابنِ الأكْوَعِ والعبدَ الذي فيه،
والمئةَ سهْمٍ التي بخيبرَ ورقيقَه الذي فيه، والمئةَ التي أطعمَه
= ابن عمر عن عمر، يعني يجعله من مسند
عمر، وهذا اختلاف لا يضر، غاية ما فيه أن يكون عن ابن عمر مرسل صحابي، وهذا لا يضر.
وأخرجه البخاري (٢٧٦٤) من طريق صخر
بن جويرية عن نافع، به. وقال فيه: «تصدق بأصله، لا يُباعُ ولا يُوهَب ولا يُورث،
ولكن يُنفَقُ ثمرُه» فجعل قوله: «لا يباع ...» إلخ صَريحًا في الرفع.
وأخرجه ابن ماجه (٢٣٩٧) من طريق
عُبيد الله، عن نافع، به، وفيه: أن عمر قال: يا رسول الله، إن المئة سهم التي
بخيبر لم أصب مالًا قط هو أحب إلي منها ...
فلم يذكر الأرض، وذكر بدلها: مئة
سهم. وجاء فيه أيضًا أن محمد بن يحيى بن أبي عمر شيخ ابن ماجه قال بإثر الحديث:
فوجدتُ هذا الحديث في موضع آخر في كتابي: عن سفيان، عن عَبد الله، عن نافع، عن ابن
عمر قال: قال عمر.
قلنا: يعني بذكر عَبد الله العمري
أخي عُبيد الله، وعبد الله ضعيف.
وهو في «مسند أحمد» (٤٦٠٨)، و«صحيح
ابن حبان» (٤٩٠١).
وانظر ما بعده.
محمد ﷺ بالوادي، تليه حفصةُ ما
عاشَتْ، ثم يليه ذو الرأيِ من أهلِها: أن لا يُباعَ ولا يُشتَرى، ينفقُه حيثُ رأى
مِن السائلِ والمحرومِ وذي القُربَى، ولا حَرَجَ على مَن وَلِيَهُ إن أكَلَ، أو
آكَلَ، أو اشترى رقيقاَ منه (¬١).
١٤
- باب في
الصدقة عن الميت
٢٨٨٠
- حدَّثنا الرَبيعُ بن سُليمانَ
المُؤذِّن، حدَّثنا ابنُ وهبِ، عن سليمانَ -يعني ابنَ بلالٍ-، عن العلاء بن عبد
الرحمن، أُراه عن أبيه
(١) إسناده صحيح عن يحيى بن سعيد -وهو
الأنصاري- كما قال ابن الملقن في «البدر المنير» ٧/ ١٠٨، وتبعه الحافظُ في
«التلخيص الحبير» ٣/ ٦٩ الليث: هو ابن سعد، وابن وهب: هو عبد الله، سليمان بن داود
المَهري: هو ابن حماد.
وأخرجه البيهقي ٦/ ١٠٦ من طريق محمد
بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد.
قوله: «ثمغ» قال ياقوت: بالفتح ثم
السكون والغين معجمة، موضع مال لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه حَبَسَه، أي: وقفه،
جاء ذكره في الحديث الصحيح، وقيده بعض المغاربة بالتحريك، والثمغ بالتسكين مصدر
ثمغتُ رأسه: شدخته، وثمغت الثوب، أي: أشبعت صبغه.
ومُعَيقيب، بقاف وآخره موحدة،
مُضغّر، هو ابن أبي فاطمة الدَّوسي، حليف بني عبد شمس، من السابقين الأولين، هاجر
الهجرتين، وشهد المشاهد، وولي بيت المال لعمر، ومات في خلافة عثمان أو علي.
وعبد الله بن الأرقم: هو ابن عبد
يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي، صحابي معروف، ولاه عمرُ بيت المال، ومات
في خلافة عثمان.
والصِّرمة: قال في «النهاية»: الصرمة
هنا: القطعة الخفيفة من النخل، وقيل: من الإبل.
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله ﷺ قال:
«إذا ماتَ الإنسانُ انقطَعَ عنه عملُه إلا من ثلاثةِ أشياء: مِن صدقةٍ جاريةٍ، أو
علمٍ يُنْتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له» (١).
(١) إسناده صحيح. العلاء بن عبد الرحمن: هو
ابن يعقوب مولى الحُرَقة، وابن وهب: هو عبد الله، والربيع بن سليمان المؤذن: هو
المُرادي الفقيه صاحب الشافعي.
وأخرجه مسلم (١٦٣١)، والترمذي
(١٤٣٠)، والنسائي (٣٦٥١) من طريق العلاء بن عبد الرحمن، به.
وهو في «مسند أحمد» (٨٨٤٤)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٠١٦).
قال: الخطابي: فيه دليل على أن الصوم
والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان، لا تجري فيها النيابة. وقد يستدل به
من يذهب إلى أن من حج عن ميت، فإن الحج في الحقيقة يكون للحاج دون المحجوج عنه.
وإنما يلحقه الدعاء. ويكون له الأجر في المال الذي أعطى إن كان حج عنه بمالٍ.
وقال النووي في «شرح مسلم»: وفيه أن
الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين،
وأما الحج فيجزىء عن الميت عند الشافعي وموافقيه، وهذا داخل في قضاء الدين إن كان
حجًا واجبًا، وإن كان تطوعًا وصَّى به فهو من باب الوصايا.
وقوله: الا من ثلاث، أي: ينقطع ثواب
عمله من كل شيء ولا ينقطع من هذه الثلاث. قاله المناوي.
وقال ابن حجر المكي: المراد من
الصالح المؤمن، وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على
الدعاء.
وقال الإمام النووي في «شرح مسلم» ١/
٨٢ في باب بيان أن الإسناد من الدين: إن الصدقة تصل الى الميت وينتفع بها بلا خلاف
بين المسلمين، وهذا هو الصواب، وأما ما حكاه الماوردي من أن الميت لا يلحقه بعد
موته ثواب، فهو مذهب باطل وخطأ بين، مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة فلا
التفات إليه ولا تعريج عليه ... وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت
ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك.
١٥ - باب فيمن ماتَ عن غيرِ وصيّة
يُتَصدَّق عنه
٢٨٨١
- حدَّثنا مُوسى بن إسماعيلَ، حدَّثنا
حمَّاد، عن هشامِ، عن أبيه
عن عائشة، أن امرأةً قالت: يا رسولَ
الله، إن أمي افْتُلِتَتْ نفسُها، ولولا ذلك لتصدَّقَتْ وأعطتْ، أفيُجزئ أن أتصدق
عنها؟ فقال النبي ﷺ: «نَعم فَتصدّقي عنها» (١).
٢٨٨٢
- حدَّثنا أحمدُ بن مَنيعٍ، حدَّثنا
رَوح بن عُبادةَ، حدَّثنا زكريا بن إسحاقَ، أخبرنا عَمرو بن دينارِ، عن عكرمةَ
عن ابن عباس: أن رجلًا قال: يا رسولَ
اللهِ إن أُمَّه تُوفّيَتْ، أفينفعها إن تصدقتُ عنها؟ قال: «نعم» قال: فإنَّ لي
مَخْرفًا، وأُشهدُك أني قد تصدقتُ به عنها (٢).
(١) إسناده صحيح. هشام: هو ابنُ عروة بن
الزبير، وحماد: هو ابنُ سَلَمة.
وأخرجه البخاري (١٣٨٨) و(٢٧٦٠)،
ومسلم (١٠٠٤) وبإثر (١٦٣٠)، وابن ماجه (٢٧١٧)، والنسائي (٣٦٤٩) من طرق عن هشام بن
عروة، به. إلا أنهم جميعًا جعلوا السائل رجلا لا امرأة.
وهو في «مسند أحمد» (٢٤٢٥١)، و«صحيح
ابن حبان» (٣٣٥٣)
قولها: «افتُلِتَتْ نفسها»، أي: ماتت
فجأة وأخذت نفسها فلتة، يقال: افتلته إذا استلبه، وافتلت فلان بكذا: إذا فُوجىء به
قبل أن يستعِدَّ له، ويُروى بنصب النفس ورفعها، فمعنى النصب افتلتها الله نفسها،
معدى إلى مفعولين، كما تقول: اختلسه الشىء واستلبه إياه، ثم بنى الفعل لما لم
يُسمَّ فاعله، فتحول المفعول الأول مضمرًا، وبقي الثاني منصوبًا، وتكون التاء
الأخيرة ضمير الأم، أي: افتلتت هي نفسها، وأما الرفع فيكون متعديًا إلى مفعول
واحدٍ، أقامه مقام الفاعل، وتكون التاء للنفس، أي: أخذت نفسها فلتة. قاله ابن
الأثير في«النهاية».
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ٢٢/
١٥٣: ولا خلاف بين العلماء أن صدقة الحي عن الميت جائزة مرجوٌّ نفعها وقبولها إذا
كانت من طيب، فإن الله لا يقبل إلا الطيب.
(٢)
إسناده صحيح. =
١٦ - باب وصيةِ الحربيِّ يُسلِمُ وليُّه،
أيلزمه أن يُنفِذها؟
٢٨٨٣
- حدَّثنا العباسُ بن الوليد بن
مَزيَد، أخبرني أبي، حدّثنا الأوزاعيُّ، حدثني حسانُ بن عطيةَ، عن عَمرو بن شُعيب،
عن أبيه
عن جده: أن العاصَ بن وائلِ أوصى أن
يُعتَقَ عنه مئةُ رقبةٍ، فأعتق ابنُهُ هشامٌ خمسين رقبةً، فأراد ابنه عَمرو أن
يُعتِقَ عنه الخمسين الباقية فقال: حتى أسأل رسولَ الله ﷺ فأتى النبيَّ ﷺ، فقال:
يا رسول الله، إن أبي أوصى بعَتق مئة رقبةٍ، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين، وبقيتْ
عليه خمسون رقبةً، أفأُعتِق عنه؟ فقال رسولُ الله ﷺ: «لو كان مُسلمًا فأعتقتُم عنه
أو تصدقتُم عنه أو حَججتُم عنه بَلَغه ذلك» (١).
= وأخرجه البخاري (٢٧٥٦)، والترمذي
(٦٧٥)، والنسائى (٣٦٥٤) و(٣٦٥٥) من طريق عكرمة، به. وفي رواية البخاري والنسائي
التصريح بأنه الرجل المبهم هنا هو سعد بن عبادة.
وهو في «مسند أحمد» (٣٠٨٠).
ولا تنافي بين هذا الحديث وبين ما
سيأتي عند المصنف برقم (٣٣٠٧)، وهو عند البخاري (٢٧٦١) و(٦٦٩٨)، ومسلم (١٦٣٨)
وغيرهما عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله ﷺ فقال: إن أمى ماتت
وعليها نذر، فقال: «اقضه عنها» لاحتمال أن يكون سأل عن النذر، وعن الصدقة عنها كما
قال الحافظ في «الفتح» ٥/ ٣٨٩.
و«المَخرَف» هو الحائط من النخل، وهو
من خَرَفْتُ الثمارَ أَخرُفُها، بالضم، أي: اجتنَيتُها.
(١)
إسناده حسن. الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو.
وأخرجه البيهقي ٦/ ٢٧٩ من طريق
العباس بن الوليد بن مزيد، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق (١٦٣٤٩) عن معمر،
عن يحيى بن أبي كثير، قال: أحسبه عن عمرو بن شعيب قال: كان على العاص بن وائل ...
هكذا رواه مرسلًا.
١٧ - باب الرجل يموت وعليه دين، وله وفاءٌ
يُستَنظَرُ غُرماؤه، يُرفَقُ بالوارث
٢٨٨٤
- حدَّثنا محمدُ بن العلاء أن شعيبَ بن
إسحاقَ حدَّثهم، عن هشامِ ابن عروة، عن وهب بن كَيْسانَ
عن جابر بن عبد الله، أنه أخبره: أن
أباه توفي وترك عليه ثلاثين
وَسْقًا لرجلٍ من يهودَ، فاستنظَرَه
جابرٌ، فأبَى، فكلَّم جابرٌ النبيَّ ﷺ أن يَشْفَعَ له إليه، فجاء رسولُ الله ﷺ
فكلَّم اليهوديَّ ليأخذَ ثمرَ نخلِه بالذي له عليه، فأبى، وكلَّمه رسولُ الله ﷺ أن
يُنظِرَهُ، فأبى، وساق الحديثَ (١).
آخر كتاب الوصايا
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه بطوله البخاري (٢٣٩٦)، وابن
ماجه (٢٤٣٤) من طريق هشام بن عروة، به.
وأخرجه بنحوه مطولًا البخاري (٢٧٠٩)،
والنسائي (٣٦٤٠) من طريق عُبيد الله ابن عمر، عن وهب بن كيسان، به. ولم يذكر
الاستنظار.
وأخرجه بنحوه كذلك البخاري (٢١٢٧)
و(٢٣٩٥) و(٢٤٠٥) و(٢٦٠١)، والنسائي (٣٦٣٨) و(٣٦٣٩) من طرق عن جابر بن عبد الله.
وليس في شيء من هذه الروايات ذكر الاستنظار، إلا في رواية النسائي الثانية ففيها:
أن رسول الله ﷺ قال لليهودي، هل لك أن تأخذ العام نصفه، وتؤخر نصفه، فأبى اليهودي.
وهو في «مسند أحمد» (١٤٣٥٩) و(١٥٠٠٥)، و«صحيح ابن حبان» (٦٥٣٦) و(٧١٣٩).
والوسق: ستون صاعًا، وتساوي
بالمكاييل المعاصرة: مئة وثلاثين كيلو غرامًا ونصف كيلو غرام تقريبًا (٥، ١٣٠).
وقوله: استنظره جابر، أي: طلب منه
النَّظِرةَ واستمهَلَهُ، يعني طلب المُهلة.