(مَقْتَلُ ابْنِ الْأَضْبَطِ وَمَا
نَزَلَ فِيهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ ابْن أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ،
قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى إضَمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ،
فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ
بْنِ قَيْسٍ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَطْنِ إضَمَ، مَرَّ بِنَّا
عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ، عَلَى قَعُودٍ [٢] لَهُ، وَمَعَهُ
مُتَيِّعٌ [٣] لَهُ، وَوَطْبٌ [٤] مِنْ لَبَنٍ.
قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ بِنَا سَلَّمَ
عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ
مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ،
وَأَخَذَ بَعِيرَهُ، وَأَخَذَ مُتَيِّعَهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، نَزَلَ فِينَا: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا، تَبْتَغُونَ
عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ٤: ٩٤ ... إلَى آخِرِ الْآيَةِ.
[١] زَادَت أ: «وَلم يزدني على السَّلَام»
.
[٢]
الْقعُود: الْبَعِير يقتعده الرَّاعِي فِي كل حَاجَة.
[٣]
المتيع: تَصْغِير مَتَاع.
[٤]
الوطب: وعَاء اللَّبن.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَرَأَ أَبُو
عَمْرِو بْنِ الْعِلَاءِ: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ
لَسْتَ مُؤْمِنًا ٤: ٩٤» لِهَذَا الْحَدِيثِ.
(ابْنُ
حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرَّسُولِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ
ضُمَيْرةَ [١] بْنِ سَعْدٍ السُّلَمِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَا شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ، ثُمَّ
عَمِدَ إلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَجَلَسَ تَحْتَهَا، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ، فَقَامَ
إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ
بَدْرٍ، يَخْتَصِمَانِ فِي عَامِرِ ابْن أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيِّ: عُيَيْنَةُ
يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيسُ غَطَفَانَ، وَالْأَقْرَعُ ابْن
حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ، لِمَكَانِهِ مِنْ خُنْدُفَ،
فَتَدَاوَلَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ،
فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ:
وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا
أَدْعُهُ حَتَّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ الْحُرْقَةِ [٢] مِثْلَ مَا أَذَاقَ
نِسَائِي، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي
سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ، إذْ قَامَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، يُقَالُ لَهُ: مُكَيْثِرٌ، قَصِيرٌ مَجْمُوعٌ- قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: مُكَيْتِلٌ- فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ
لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ [٣] إلَّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ
فَرُمِيَتْ أُولَاهَا، فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اُسْنُنْ [٤] الْيَوْمَ، وَغَيِّرْ
[٥] غَدًا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ.
فَقَالَ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ
خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا. قَالَ: فَقَبِلُوا
الدِّيَةَ. قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ هَذَا، يَسْتَغْفِرُ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
[١] قَالَ أَبُو ذَر: «كَذَا وَقع هُنَا فِي
الأَصْل بِالْمِيم، ويروى أَيْضا: «ضبيرة» بِالْبَاء وَالصَّوَاب:
«ضميرَة» بِالْمِيم. وَكَذَلِكَ ذكره
البُخَارِيّ.
[٢]
فِي أ: «من الْحر» .
[٣]
غرَّة الْإِسْلَام: أَوله.
[٤]
اسنن الْيَوْم: احكم لنا الْيَوْم بِالدَّمِ فِي أمرنَا هَذَا، واحكم غَدا
بِالدِّيَةِ لمن شِئْت.
[٥]
وَغير: من الْغيرَة، وَهِي الدِّيَة (هُنَا) وَذَلِكَ أَن قَتله عِنْد رَسُول الله
ﷺ كَانَ خطأ لَا عمدا. ويروى: «غبر» بِالْبَاء الْمُوَحدَة، أَي أبق حُكُومَة
الدِّيَة إِلَى وَقت آخر. (عَن أَبى ذَر) .
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ
[١] طَوِيلٌ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ، قَدْ كَانَ تَهَيَّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا،
حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ:
أَنَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ،
قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ:
اللَّهمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمِ
بْنِ جَثَّامَةَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ
رِدَائِهِ.
قَالَ: فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ
فِيمَا بَيْنَنَا: إنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ
اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهَذَا.
(مَوْتُ
مُحَلِّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي
مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَمَّنْتَهُ باللَّه ثُمَّ قَتَلْتَهُ! ثُمَّ قَالَ
لَهُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قَالَ، قَالَ: فو الله مَا مَكَثَ مُحَلِّمُ بْنُ
جَثَّامَةَ إلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ، فَلَفَظَتْهُ [٢]، وَاَلَّذِي نَفْسُ
الْحَسَنِ بِيَدِهِ، الْأَرْضُ، ثُمَّ عَادُوا لَهُ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ،
ثُمَّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ، فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدَّيْنِ
[٣]، فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَضَمُوا [٤] عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى
وَارَوْهُ. قَالَ: فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَأْنُهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ
الْأَرْضَ لَتَطَّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ
أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ.
(دِيَةُ
ابْنِ الْأَضْبَطِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنَا
سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا
حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ، يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ،
مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النَّاسَ،
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَلْعَنَكُمْ اللَّهُ
بِلَعْنَتِهِ، أَوْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
بِغَضَبِهِ؟ وَاَللَّهِ الَّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلِّمُنَّهُ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
[١] ضرب: خَفِيف اللَّحْم.
[٢]
لفظته الأَرْض: ألقته على وَجههَا.
[٣]
الصد (بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَتَشْديد الدَّال): الْجَبَل.
[٤]
رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة: جعلُوا بَعْضهَا فَوق بعض.
فَلَيَصْنَعَنَّ فِيهِ مَا أَرَادَ،
أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ باللَّه
كُلُّهُمْ:
لَقُتِلَ صَاحِبُكُمْ كَافِرًا، مَا
صَلَّى قَطُّ، فَلَأَطُلَّنَّ [١] دَمَهُ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَبِلُوا
الدِّيَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُحَلِّمٌ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ كُلِّهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُحَلِّمُ بْنُ
جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مُلَجَّمٌ،
فِيمَا حَدَّثَنَاهُ زِيَادٌ عَنْهُ.