بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ
١ - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا
طَيِّبًا، كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ، يُرَبِّيهَا كَمَا
يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ»
٢ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ،
وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ
الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا
طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى ⦗٩٩٦⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]،
وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ
أَرْجُو بِرَّهَا، وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ،
ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ
تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَبَنِي عَمِّهِ
"
٣ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ
عَلَى فَرَسٍ»
٤ - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ
جَدَّتِهِ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا نِسَاءَ
الْمُؤْمِنَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ أَنْ تُهْدِيَ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ
كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا»
٥ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا، وَهِيَ صَائِمَةٌ،
وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ، فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: «أَعْطِيهِ
إِيَّاهُ»، فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ:
«أَعْطِيهِ إِيَّاهُ»، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، قَالَتْ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا
أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا شَاةً
وَكَفَنَهَا، فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: «كُلِي مِنْ
هَذَا، هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ»
٦ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، قَالَ: بَلَغَنِي
أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا
عِنَبٌ، فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ: "خُذْ حَبَّةً، فَأَعْطِهِ إِيَّاهَا،
فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَعْجَبُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَتَعْجَبُ كَمْ
تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ»
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعَفُّفِ
عَنِ الْمَسْأَلَةِ
٧ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ
نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ
سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا يَكُونُ
عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ
اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ
اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ»
٨ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ: وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ -
«الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»، «وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ
الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ»
٩ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرْسَلَ إِلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَطَاءٍ، فَرَدَّهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَخْبَرْتَنَا
أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ
غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ» فَقَالَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَسْأَلُ أَحَدًا
شَيْئًا، وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ»
١٠ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ،
فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ ⦗٩٩٩⦘ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ»
١١ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٌ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي أَسَدٍ
أَنَّهُ قَالَ: نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي
أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ،
وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا
أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ»، فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ، وَهُوَ
يَقُولُ: لَعَمْرِي إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ
وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» قَالَ الْأَسَدِيُّ:
فَقُلْتُ: لَلَقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ - قَالَ مَالِكٌ:
وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا -، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ،
فَقُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ، فَقَسَمَ
لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عز وجل
١٢ - وَعَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ
مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ
عَبْدٌ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» قَالَ مَالِكٌ: «لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا
الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَمْ لَا»
بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ
١٣ - حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ
بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ
مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ»
١٤ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا
قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنَ الصَّدَقَةِ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى
عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي
وَجْهِهِ، أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي
مَا لَا يَصْلُحُ لِي، وَلَا لَهُ، فَإِنْ مَنَعْتُهُ كَرِهْتُ الْمَنْعَ، وَإِنْ
أَعْطَيْتُهُ أَعْطَيْتُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ»، فَقَالَ الرَّجُلُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَسْأَلُكَ مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا
١٥ - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْأَرْقَمِ: «ادْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عَلَيْهِ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ جَمَلًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: «أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ
حَارٍّ غَسَلَ لَكَ مَا تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَاكَهُ
فَشَرِبْتَهُ» قَالَ: فَغَضِبْتُ، وَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَتَقُولُ لِي
مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ
أَوْسَاخُ النَّاسِ يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ»